الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ إِذَا عَدَّلَ جَمَاعَةٌ رَجُلًا وَجَرَحَهُ أَقَلُّ عَدَدًا مِنَ الْمُعَدِّلِينَ ، فَإِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْحُكْمَ لِلْجَرْحِ وَالْعَمَلَ بِهِ أَوْلَى ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلِ الْحُكْمُ لِلْعَدَالَةِ ، وَهَذَا خَطَأٌ ، لِأَجَلِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْجَارِحِينَ يُصَدِّقُونَ الْمُعَدِّلِينَ فِي الْعِلْمِ بِالظَّاهِرِ ، وَيَقُولُونَ: عِنْدَنَا زِيَادَةُ عِلْمٍ لَمْ
تَعْلَمُوهُ مِنْ بَاطِنِ أَمْرِهِ ، وَقَدِ اعْتَلَّتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ بِأَنَّ كَثْرَةَ الْمُعَدِّلِينَ تُقَوِّي حَالَهُمْ ، وَتُوجِبُ الْعَمَلَ بِخَبَرِهِمْ ، وَقِلَّةُ الْجَارِحِينَ تُضَعِّفُ خَبَرَهُمْ ، وَهَذَا بُعْدٌ مِمَّنْ تَوَهَّمَهُ ، لِأَنَّ الْمُعَدِّلِينَ وَإِنْ كَثُرُوا لَيْسُوا يُخْبِرُونَ عَنْ عَدَمِ مَا أَخْبَرَ بِهِ الْجَارِحُونَ ، وَلَوْ أُخْبِرُوا بِذَلِكَ وَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا لَمْ يَقَعْ مِنْهُ ، لَخَرَجُوا بِذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونُوا أَهْلَ تَعْدِيلٍ أَوْ جَرْحٍ ، لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ بَاطِلَةٌ عَلَى نَفْيِ مَا يَصِحُّ ، وَيَجُوزُ وُقُوعُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوهُ ، فَثَبَتَ مَا ذَكَرْنَاهُ
بَابُ الْقَوْلِ فِي الْجَرْحِ هَلْ يَحْتَاجُ إِلَى كَشْفٍ أَمْ لَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَالِكِيُّ ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الطَّيِّبِ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِذَا جَرَحَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْجَرْحَ ، يَجِبُ الْكَشْفُ عَنْ ذَلِكَ ، وَلَمْ يُوجِبُوا ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَذَا الشَّأْنِ ، وَالَّذِي يَقْوَى عِنْدَنَا
تَرْكُ الْكَشْفِ عَنْ ذَلِكَ ، إِذَا كَانَ الْجَارِحُ عَالِمًا ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ نَفْسُ مَا دَلَّلْنَا بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ اسْتِفْسَارُ الْعَدْلِ عَمَّا بِهِ صَارَ عِنْدَهُ الْمُزَكَّى عَدْلًا ،
لِأَنَّنَا مَتَى اسْتَفْسَرْنَا الْجَارِحَ لِغَيْرِهِ فَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْنَا لِسُوءِ الظَّنِّ وَالِاتِّهَامِ لَهُ بِالْجَهْلِ بِمَا يَصِيرُ بِهِ الْمَجْرُوحُ مَجْرُوحًا ، وَذَلِكَ يَنْقُضُ جُمْلَةَ مَا بَنَيْنَا عَلَيْهِ أَمْرَهُ ، مِنَ الرِّضَا بِهِ ، وَالرُّجُوعِ إِلَيْهِ ، وَلَا يَجِبُ كَشْفُ مَا بِهِ صَارَ مَجْرُوحًا ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ آرَاءُ النَّاسِ فِيمَا بِهِ يَصِيرُ الْمَجْرُوحُ مَجْرُوحًا ، كَمَا لَا يَجِبُ كَشْفُ ذَلِكَ فِي الْعُقُودِ وَالْحُقُوقِ ، وَإِنِ اخْتَلَفَ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا وَالطَّرِيقُ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ. فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْجَارِحُ عَامِّيًّا ، وَجَبَ لَا مَحَالَةَ اسْتِفْسَارُهُ. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ إِنَّمَا أَوْجَبَ الْكَشْفَ عَنْ ذَلِكَ ، لِأَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ إِنْسَانًا جَرَحَ رَجُلًا فَسُئِلَ عَمَّا جَرَحَهُ بِهِ ، فَقَالَ: رَأَيْتُهُ يَبُولُ قَائِمًا ، فَقِيلَ لَهُ: وَمَا فِي ذَلِكَ مَا يُوجِبُ جَرْحَهُ؟ فَقَالَ: لِأَنَّهُ يَقَعُ الرَّشَشُ عَلَيْهِ وَعَلَى ثَوْبِهِ ، ثُمَّ يُصَلِّي ، فَقِيلَ لَهُ: رَأَيْتَهُ صَلَّي كَذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَا ، فَهَذَا وَنَحْوُهُ جَرْحٌ بِالتَّأْوِيلِ، وَالْعَالِمُ لَا يَجْرَحُ أَحَدًا بِهَذَا وَأَمْثَالِهِ ، فَوَجَبَ بِذَلِكَ مَا قُلْنَاهُ. سَمِعْتُ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ طَاهِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ الطَّبَرِيَّ يَقُولُ: لَا يُقْبَلُ الْجَرْحُ إِلَّا مُفَسَّرًا ، وَلَيْسَ قَوْلُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ: فُلَانٌ ضَعِيفٌ ، وَفُلَانٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ ، مِمَّا يُوجِبُ جَرْحَهُ وَرَدَّ خَبَرِهِ ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِيمَا يَفْسُقُ بِهِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ سَبَبِهِ ، لَيُنْظَرَ هَلْ هُوَ فِسْقٌ أَمْ لَا؟ وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا: إِذَا شَهِدَ رَجُلَانِ بِأَنَّ هَذَا الْمَاءَ نَجِسٌ ، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا حَتَّى يُبَيِّنَا سَبَبَ النَّجَاسَةِ ، فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِيمَا يَنْجُسُ بِهِ الْمَاءُ ، وَفِي نَجَاسَةِ الْوَاقِعِ فِيهِ ، قَالَ الْخَطِيبُ: وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ عِنْدَنَا ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَئِمَّةُ مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ وَنُقَّادِهِ ، مِثْلِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ النَّيْسَابُورِيِّ وَغَيْرِهِمَا ، فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ قَدِ احْتَجَّ بِجَمَاعَةٍ سَبَقَ مِنْ غَيْرِهِ الطَّعْنُ فِيهِمْ وَالْجَرْحُ لَهُمْ كَعِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي التَّابِعِينَ ، وَكَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ وَعَاصِمِ بْنِ عَلِيٍّ وَعَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ فِي الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَهَكَذَا فَعَلَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِسُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ وَجَمَاعَةٍ غَيْرِهِ اشْتُهِرَ عَمَّنْ يَنْظُرُ فِي حَالِ الرُّوَاةِ الطَّعْنُ عَلَيْهِمْ ،
وَسَلَكَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ هَذِهِ الطَّرِيقَ ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ بَعْدَهُ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْجَرْحَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا إِذَا فُسِّرَ سَبَبُهُ وَذُكِرَ مُوجِبُهُ
أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مِهْرَانَ، أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ الْبَزَّازُ الْمَعْرُوفُ بِالسَّابِحِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمِنْقَرِيُّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، ثنا شُعْبَةُ ، قَالَ:«احْذَرُوا غَيْرَةَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ ، فَلَهُمْ أَشَدُّ غَيْرَةً مِنَ التُّيُوسِ» وَمَذَاهِبُ النُّقَّادِ لِلرِّجَالِ غَامِضَةٌ دَقِيقَةٌ ، وَرُبَّمَا سَمِعَ بَعْضُهُمْ فِي الرَّاوِي أَدْنَى مَغْمَزٍ فَتَوَقَّفَ عَنِ الِاحْتِجَاجِ بِخَبَرِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الَّذِي سَمِعَهُ مُوجِبًا لِرَدِّ الْحَدِيثِ وَلَا مُسْقِطًا لِلْعَدَالَةِ ، وَيَرَى السَّامِعُ أَنَّ مَا فَعَلَهُ هُوَ الْأَوْلَى رَجَاءَ إِنْ كَانَ الرَّاوِي حَيًّا أَنْ يَحْمِلَهُ ذَلِكَ عَلَى التَّحَفُّظِ وَضَبْطِ نَفْسِهِ عَنِ الْغَمِيزَةِ ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا أَنْ يُنْزِلَهُ مَنْ نَقَلَ عَنْهُ مَنْزِلَتَهُ ، فَلَا يُلْحِقُهُ بِطَبَقَةِ السَّالِمِينَ مِنْ ذَلِكَ الْمَغْمَزِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنَّ مِنَ الِاحْتِيَاطِ لِلدِّينِ إِشَاعَةَ مَا سَمِعَ مِنَ الْأَمْرِ الْمَكْرُوهِ الَّذِي لَا يُوجِبُ إِسْقَاطَ الْعَدَالَةِ بِانْفِرَادِهِ ، حَتَّى يُنْظَرَ هَلْ لَهُ مِنْ أَخَوَاتٍ وَنَظَائِرَ ، فَإِنَّ أَحْوَالَ النَّاسِ وَطَبَائِعَهُمْ جَارِيَةٌ عَلَى إِظْهَارِ الْجَمِيلِ وَإِخْفَاءِ مَا خَالَفَهُ ، فَإِذَا ظَهَرَ أَمْرٌ يُكْرَهُ مُخَالِفٌ لِلْجَمِيلِ ، لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَكُونَ وَرَاءَهُ شِبْهٌ لَهُ ". وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ بَابِ الْعَدَالَةِ:" مَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ ، وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ ، وَإِنْ قَالَ: إِنَّ سَرِيرَتِي حَسَنَةٌ "
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْهَاشِمِيُّ ، قَالَ: ثنا أَبُو بِشْرٍ عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عِيسَى الصَّيْدَلَانِيُّ ، قَالَ: ثنا أَبُو يُوسُفَ الْقَلُوسِيُّ ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي الْأَسْوَدِ ، يَقُولُ: " كُنْتُ أَسْمَعُ الْأَصْنَافَ مِنْ خَالِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، وَكَانَ فِي أَصْلِ كِتَابِهِ قَوْمٌ قَدْ تَرَكَ حَدِيثَهُمْ ، مِثْلُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ وَعَبَّادِ بْنِ صُهَيْبٍ ، وَجَمَاعَةٍ نَحْوِ هَؤُلَاءِ ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَشْهُرٍ ، وَأَخْرَجَ إِلَيَّ كِتَابَ الدِّيَاتِ ، فَحَدَّثَنِي عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ ، فَقُلْتُ: يَا خَالِي ، أَلَيْسَ كُنْتَ قَدْ ضَرَبْتَ عَلَى
⦗ص: 110⦘
حَدِيثِهِ وَتَرَكْتَهُ؟ قَالَ: " بَلَى ، تَفَكَّرْتُ فِيهِ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قَامَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ فَتَعَلَّقَ بِي فَقَالَ: يَا رَبِّ سَلْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ فِيمَ أَسْقَطَ عَدَالَتِي؟ فَرَأَيْتُ أَنْ أُحَدِّثَ عَنْهُ ، وَمَا كَانَ لِي حُجَّةٌ عِنْدَ رَبِّي ، فَحَدَّثَ عَنْهُ بِأَحَادِيثَ "