الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الْقَوْلِ فِي سَبَبِ الْعَدَالَةِ ، هَلْ يَجِبُ الْإِخْبَارُ بِهِ أَوْ لَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَزْكِيَةِ الْمُزَكِّي لِمَنْ زَكَّاهُ ، فَقَالَ قَوْمٌ: لَا تُقْبَلُ حَتَّى يَذْكُرَ الْمُزَكِّي السَّبَبَ الَّذِي لِأَجْلِهِ ثَبَتَتْ عَدَالَةُ الْمُزَكَّى عِنْدَهُ. وَمِنَ الْحُجَّةِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ
مَا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أنا دُرُسْتُوَيْهِ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ ، قَالَ: سَمِعْتُ إِنْسَانًا يَقُولُ لِأَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ: عَبْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ ضَعِيفٌ؟ قَالَ: «إِنَّمَا يُضَعِّفُهُ رَافِضِيُّ مُبْغِضٌ لِآبَائِهِ ، وَلَوْ رَأَيْتَ لِحْيَتَهُ وَخِضَابَهُ وَهَيْئَتَهُ لَعَرَفْتَ أَنَّهُ ثِقَةٌ» فَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ عَلَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ الْعُمَرِيَّ ثِقَةٌ بِمَا لَيْسَ حُجَّةً ، لِأَنَّ حُسْنَ الْهَيْأَةِ مِمَّا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْعَدْلُ وَالْمَجْرُوحُ ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَجِبُ ذِكْرُ سَبَبِ الْعَدَالَةِ ، بَلْ يُقْبَلُ عَلَى الْجُمْلَةِ تَعْدِيلُ الْمُخْبِرِ وَالشَّاهِدِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ عِنْدَنَا ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرْجَعُ فِي التَّعْدِيلِ إِلَّا إِلَى قَوْلِ عَدْلٍ رِضًا ، عَارِفٍ بِمَا يَصِيرُ بِهِ الْعَدْلُ عَدْلًا وَالْمَجْرُوحُ مَجْرُوحًا ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ حَمْلُ أَمْرِهِ فِي التَّزْكِيَةِ عَلَى السَّلَامَةِ ، وَمَا تَقْتَضِيهِ حَالُهُ الَّتِي أَوْجَبَتِ الرُّجُوعَ إِلَى تَزْكِيَتِهِ ،
مِنِ اعْتِقَادِ الرِّضَا بِهِ وَأَدَائِهِ الْأَمَانَةَ فِيمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فِيهِ ، وَالْعَمَلِ بِخَبَرِ مَنْ زَكَّاهُ ، وَمَتَى أَوْجَبْنَا مُطَالَبَتَهُ بِكَشْفِ السَّبَبِ الَّذِي بِهِ صَارَ عَدْلًا عِنْدَهُ ، كَانَ ذَلِكَ شَكًّا مِنَّا فِي عِلْمِهِ بِأَفْعَالِ الْمُزَكَّى وَطَرَائِقِهِ ، وَسُوءَ ظَنٍّ بِالْمُزَكِّي وَاتِّهَامًا لَهُ بِأَنَّهُ يَجْهَلُ الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ يَصِيرُ الْعَدْلُ عَدْلًا ، وَمَتَى كَانَتْ هَذِهِ حَالُهُ عِنْدَنَا لَمْ يَجِبْ أَنْ نَرْجِعَ إِلَى تَزْكِيَتِهِ ، وَلَا أَنْ نَعْمَلَ عَلَى تَعْدِيلِهِ ، فَوَجَبَ حَمْلُ الْأَمْرِ عَلَى الْجُمْلَةِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا أَنْكَرْتُمْ مِنْ وُجُوبِ اسْتِخْبَارِ الْمُزَكِّي عَنْ سَبَبِ تَعْدِيلِهِ ، لَا لِاتِّهَامِنَا لَهُ بِالْجَهْلِ بِطَرَائِقِ الْمُزَكَّى وَأَفْعَالِهِ ، وَلَكِنْ لِأَجْلِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ وَفِيمَا بِهِ يَصِيرُ الْعَدْلُ عَدْلًا ، فَيَجُوزُ أَنْ يُعَدِّلَهُ بِمَا لَيْسَ بِتَعْدِيلٍ عِنْدَ غَيْرِهِ. يُقَالُ: هَذَا بَاطِلٌ ، وَحَمْلُ أَمْرِهِ عَلَى السَّلَامَةِ وَاجِبٌ ، وَأَنَّهُ مَا عَدَّلَهُ إِلَّا بِمَا بِهِ يَصِيرُ عَدْلًا عِنْدَ بَعْضِ الْأُمَّةِ ، وَمِثْلُ ذَلِكَ إِذَا وَقَعَ لَا يُتَعَقَّبُ وَلَا يُرَدُّ ، وَلَوْ كَانَ مَا قُلْتُمُوهُ مِنْ هَذَا وَاجِبًا لَوَجَبَ إِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِأَنَّ زَيْدًا بَاعَ عَمْرًا سِلْعَةً بَيْعًا صَحِيحًا وَاجِبًا نَافِذًا يَقَعُ التَّمَلُّكُ بِهِ ، وَأَنَّهُ قَدْ زَوَّجَهُ وَلِيَّتَهُ تَزْوِيجًا صَحِيحًا ، أَنْ يُسْأَلَا عَنْ حَالِ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ ، وَعَنْ كُلِّ عَقْدٍ يَشْهَدَانِ بِهِ ، لِمَا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْخِلَافِ فِي كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الْعُقُودِ وَصِحَّتِهَا وَتَمَامِهَا ، وَلَمَّا اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجِبُ كَشْفُهُ لِلْحُكَّامِ ، وَجَبَ مِثْلُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ أَيْضًا ، فَإِنَّ أَسْبَابَ الْعَدَالَةِ كَثِيرَةٌ يَشُقُّ ذِكْرُ جَمِيعِهَا ، وَلَوْ وَجَبَ عَلَى الْمُزَكِّي الْإِخْبَارُ بِهَا لَكَانَ يُحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَقُولَ الْمُزَكِّي: هُوَ عَدْلٌ لَيْسَ يَفْعَلُ كَذَا ، وَلَا كَذَا ، وَيَعُدُّ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُهُ ، ثُمَّ يَقُولُ: وَيَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا ، وَيَعُدُّ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ. وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ يَطُولُ وَيَشُقُّ تَفْصِيلُهُ ، وَجَبَ أَنْ يُقْبَلَ التَّعْدِيلُ مُجْمَلًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبِهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَيَجِبُ عَلَيْكُمْ تَرْكُ الْكَشْفِ عَمَّا بِهِ يَصِيرُ الْمَجْرُوحُ مَجْرُوحًا ، وَأَنْ تَقْبَلُوا الْجَرْحَ فِي الْجُمْلَةِ ، يُقَالُ: لَا يَجِبُ ذَلِكَ ، لِأَنَّ الْجَرْحَ يَحْصُلُ بِأَمْرٍ وَاحِدٍ ، فَلَا يَشُقُّ ذِكْرُهُ ، وَالْعَدَالَةُ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ ، حَسَبَ مَا بَيَّنَّاهُ ، وَالْإِخْبَارُ بِهَا يُحْرِجُ ، فَلِذَلِكَ كَانَ الْإِجْمَالُ فِيهَا كَافِيًا ، عَلَى أَنَّا نَقُولُ أَيْضًا: إِنْ كَانَ الَّذِي يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي الْجَرْحِ عَدْلًا مَرْضِيًّا فِي اعْتِقَادِهِ وَأَفْعَالِهِ ، عَارِفًا بِصِفَةِ الْعَدَالَةِ وَالْجَرْحِ وَأَسْبَابِهِمَا ، عَالِمًا بِاخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي أَحْكَامِ ذَلِكَ ، قُبِلَ قَوْلُهُ فِيمَنْ جَرَحَهُ مُجْمَلًا ، وَلَمْ يُسْأَلْ عَنْ سَبَبِهِ ، وَسَنَشْرَحُ الْأُمُورَ الَّتِي تُوجِبُ الْجَرْحَ وَاخْتِلَافَ النَّاسِ فِيهَا ، وَنُبَيِّنُهَا فِيمَا بَعْدُ ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى