الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنْ شُعْبَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال فِي حَدِيثِهِ: فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَقَد حَكَمْتَ فِيهِم بِحُكمِ الله". وَقَال مَرة: "لَقَد حَكَمتَ بِحُكمِ الملِكِ"
ــ
عن أبي سعيد الخدري غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عبد الرحمن لمحمد بن جعفر (و) لكن (قال) عبد الرحمن (في حديثه) أي في روايته (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد حكمت فيهم بحكم الله وقال) الراوي (مرة لقد حكمت فيهم بحكم الملك) بكسر اللام.
مسألة القيام للقادم
قوله صلى الله عليه وسلم: (قوموا إلى سيدكم) استدل به من قال بجواز القيام للقادم وجملة القول في هذه المسألة أن القيام على أقسام [1] أن يكون السيد جالسًا ويتمثل له الحاضرون قياما طوال مجلسه وهو ممنوع بنص الحديث لأنه دأب الأعاجم المتكبرين ولا خلاف في عدم جوازه [2] أن يقوم الناس لقادم يحب أن يقوموا له تكبرًا وتعاظمًا على القائمين وهو ممنوع أيضًا باتفاق العلماء [3] أن يقوم الناس لمن لا يتكبر ولا يتعاظم على القائمين ولكن يخشى أن يدخل نفسه بسبب ذلك ما يحذر وهو مكروه [4] أن يقوم الرجل لقادم من سفر فرحًا بقدومه ليسلم عليه وهذا مندوب ولا خلاف في جوازه [5] أن يقوم الرجل لمن حصلت له النعمة فيهنئه عليها وهو مندوب أيضًا [6] أن يقوم الرجل لمن أصابته مصيبة فيسليه عليه وهو مندوب أيضًا [7] أن يقوم الرجل لمن دخل عليه على سبيل البر والإكرام لمن لا يريد منه ذلك.
وهذا القسم السابع هو موضع خلاف بين العلماء فأجازه بعضهم ومنعه بعضهم وللإمام النووي رحمه الله تعالى في جوازه رسالة مستقلة رد عليها ابن الحاج وقد حكى الحافظ في الفتح [11/ 50] دلائل النووي وابن الحاج ببسط وتفصيل ومن كرهه استدل بدليلين (1) عن أنس رضي الله عنه قال: لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له مما يعلمون من كراهته لذلك أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح غريب (2) عن أبي مجلز قال: خرج معاوية على ابن الزبير وابن عامر فقام ابن عامر وجلس ابن الزبير فقال معاوية لابن عامر: اجلس فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أحب أن يتمثل له الرجال قيامًا فليتبوأ مقعده من النار.
4463 -
(1714)(59) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمدُ بن الْعَلاءِ الْهَمْدَانِي. كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ نُمَيرٍ. قَال ابْنُ الْعَلاءِ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا هِشَام، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: أُصِيبَ سَعْد يَوْمَ الْخَنْدَقِ. رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيشٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَرِقَةِ
ــ
وأجاب المجوزون عن الحديث الأول بأن مجرد ترك النبي صلى الله عليه وسلم بعض الأفعال لا يدل على عدم جوازها وعن الثاني بأن المرفوع منه محمول على الصورة الأولى من القيام وأما أمر معاوية لابن عامر بالجلوس فاحتياط منه رضي الله عنه ليخرج عن كل شائبة من مخالفة هذا الحديث المرفوع.
واحتج المجوزون بحديث الباب وبأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم لفاطمة رضي الله عنها وأجاب المانعون عنه بحمله على الصورة الرابعة أو الخامسة وقد أطال الحافظ في استئذان الفتح في هذه المسألة ولم يحقق رأيه في ذلك غير أنه يظهر من كلامه أنه مائل إلى المنع.
قال التهانوي في إعلاء السنن [17/ 429]، فالحاصل أنه لا دليل فيما ذكر على كراهة القيام لمجرد الإكرام فالأولى أن يقال إن مثل هذا الإكرام لم يثبت من السلف فلو كان داخلًا في عموم نصوص التوقير والإكرام كانوا أحق بالعمل بها نعم لما كان مثل هذا القيام متعارفًا بين الناس وفي نزعهم عن عادتهم حرج عظيم بل قد يفضي إلى الحقد والعداوة والضرر والأضرار ومع ذلك هو من المسائل الاجتهادية التي اختلف فيها العلماء فلا ينبغي التشديد فيه والإنكار على فاعله بل ينبغي أن من غلب في ظنه كراهته يحتاط فيه لنفسه إن لم يترتب على تركه مفسدة وهو عندي أعدل الأقوال في هذا الباب والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من التكملة ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي سعيد الخدري بحديث عائشة فقال
4463 -
(1714)(59)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء الهمداني) أبو كريب الكوفي (كلاهما عن) عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (قال ابن العلاء حدثنا ابن نمير حدثنا هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان (قالت) عائشة: (أصيب) بالبناء للمجهول أي رمي بسهم (سعد) بن معاذ (يوم) غزوة (الخندق رماه رجل من قريش يقال له ابن العرقة) وفي صحيح البخاري حبان بن العرقة فاسم ذلك الرجل
رَمَاهُ فِي الأكحَلِ. فَضَرَبَ عَلَيهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم خَيمَةً فِي الْمَسْجِدِ يَعُودُهُ مِنْ قَرِيبٍ. فَلَما رَجَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنَ الْخَنْدَقِ وَضَعَ السِّلاحَ. فَاغْتَسَلَ. فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ يَنْفُضُ رَأسَهُ مِنَ الْغُبَارِ. فَقَال: وَضَعْتَ السلاح؟ وَاللهِ، مَا وَضَعْنَاهُ. اخْرُجْ
ــ
حبان بكسر الحاء وتشديد الموحدة ابن قيس والعرقة بفتح العين وكسر الراء لقب لأمه لقبت به لطيب ريحها كما في القاموس واسمها قلابة بكسر القاف بنت سعيد بن سعد (رماه) بسهم (في الأكحل) بفتح الهمزة عرق في وسط الذراع يكثر فصده قال ابن الأثير في جامع الأصول [8/ 275] وقال الخليل هو عرق الحياة ويقال: إن في كل عضو منه شعبة فهو في اليد الأكحل وفي الظهر الأبهر وفي الفخذ النسا إذا قطع لم يرفأ الدم كذا في فتح الباري [7/ 13] وفي أسد الغابة فلما رماه قال: خذ هذا مني وأنا ابن العرقة فقال سعد: عرق الله وجهك في النار اهـ (فضرب) أي ركز (عليه) أي على سعد (رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمة) أي خباءً (في المسجد) أي في المصلى الذي اتخذه في ديار بني قريظة مدة حصارهم (يعوده) أي حالة كونه صلى الله عليه وسلم يريد أن يعوده (من قريب) أي في مكان قريب إلى منزله كلما شاء قال النووي فيه جواز النوم في المسجد وجواز مكث المريض فيه وإن كان جريحًا لكن ليس على إطلاقه لأن أحوال الحرب أحوال ضرورية فلا يقاس عليها أحوال الأمن والسلم والمذهب عند الحنفية أنه لا يجوز النوم في المسجد إلا لمسافر أو معتكف أو لمن لا أهل له قالت عائشة: (فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق وضع السلاح فاغتسل فأتاه جبريل وهو) أي والحال أن جبريل (ينفض رأسه من الغبار) أي يزيل الغبار من رأسه ووقع عند الطبراني والبيهقي من طريق القاسم بن محمد عن عائشة قالت سلم علينا رجل ونحن في البيت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعًا فقمت في أثره فماذا بدحية الكلبي فقال: هذا جبريل عليه السلام وفي حديث علقمة يأمرني أن أذهب إلى بني قريظة وذلك لما رجع من الخندق قالت: فكأني برسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح الغبار من وجه جبريل فظهر بهذه الرواية أنه أتاه في صورة دحية الكلبي والله أعلم (فقال) جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أ (وضعت السلاح) وتركت القتال يا محمد (والله) نحن معاشر الملائكة (ما وضعناه) أي ما وضعنا السلاح ولا تركنا القتال (أخرج) يا محمد
إِلَيهِم. فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "فَأينَ؟ " فَأشَارَ إِلَي بَنِي قُرَيظَةَ. فَقَاتَلَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. فَنَزَلُوا عَلَى حُكمِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. فَرَد رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْحُكْمَ فِيهِمْ إِلَى سَعْد. قَال: فَإِني أَحكُمُ فِيهِم أَن تُقتَلَ الْمُقَاتِلَةُ، وَأَنْ تُسْبَى الذريةُ وَالنسَاءُ، وَتُقسَمَ أَمْوَالُهُمْ.
4464 -
(1715)(60) وحدثنا أَبُو كرَيبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا هِشَام، قَال: قَال أَبِي: فَأخْبِرْتُ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَال: "لَقَد حَكَمتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ الله عز وجل"
ــ
(إليهم) أي إلى الكفار وجاهدهم (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: (فأين) أي فإلى أين أخرج (فأشار) له جبريل (إلى بني قريظة) فخرج إليهم (فقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم واستمر حصارهم بضعًا وعشرين يومًا فلما اشتد بهم الحصار أذعنوا إلى أن ينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم (فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواثبت الأوس وكانوا حلفاء لبني قريظة فقالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعلت في موالي الخزرج يعني بني قينقاع ما فعلت من إجلائهم دون قتلهم وذلك بشفاعة من عبد الله بن أبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم قالوا: بلى (فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم فيهم إلى سعد قال) سعد: (فإني أحكم فيهم أن تقتل المقاتلة وأن تسبى الذرية والنساء وأن تقسم أموالهم) بين المسلمين وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في المغازي [4117]، والجهاد [2813]، وأبو داود في الجنائز [3101]، والنسائي في المساجد [710]، ثم ذكر المؤلف مرسل عروة استشهادًا لحديث عائشة فقال.
4464 -
(1715)(60)(وحدثنا أبو كريب حدثنا) عبد الله (بن نمير حدثنا هشام) بن عروة (قال) هشام: (قال أبي) عروة بن الزبير (فأخبرت) بالبناء للمجهول أي قال عروة: أخبرني بعض من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) لسعد: والله (لقد حكمت) يا سعد (فيهم بحكم الله عز وجل من فوق سبع سموات ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى أثر سعد بن معاذ عن عائشة استشهادًا لحديث عائشة رضي الله عنها فقال.
4465 -
(1716)(61) حدثنا أَبُو كُرَيب. حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ، عَنْ هِشَامٍ. أخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ؛ أن سَعْدًا قَال، وَتَحَجرَ كَلْمُهُ لِلْبُرْءِ، فَقَال: اللهُم إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنْ لَيسَ أحَدٌ أحَبَّ إِلي أنْ أجَاهِدَ فِيكَ، مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ صلى الله عليه وسلم وَأخْرَجُوهُ. اللَّهُمَّ فَإنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ حَرْبِ قُرَيشٍ شَيءٌ فَأبْقِنِي أجَاهِدْهُمْ فِيكَ. اللهُم فَإنِّي أظُنُّ أنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَينَنَا وَبَينَهُمْ. فَإنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَينَنَا وَبَينَهُمْ فَافْجُرْهَا وَاجْعَلْ مَوْتِي فِيهَا،
ــ
4465 -
(1716)(61)(حدثنا أبو كريب حدثنا ابن نمير عن هشام أخبرني أبي عن عائشة أن سعدًا) بن معاذ (قال): وهذا السند من سداسياته وفيه رواية صحابي عن صحابي وقوله: (وتحجر كلمه) أي يبس واشتد جرحه (للبرء) أي للشفاء حال من فاعل قال: وهذا من كلام الراوي أدخله بين قول القائل ومقوله وقوله (فقال): تكرار من الراوي والكلم بفتح الكاف وسكون اللام الجرح وتحجره اشتداده حتى يصير مثل الحجر قويًّا لا وجع فيه ووقع في رواية لأحمد (وكان قد برئ إلا مثل الخرص) والخرص بضم الخاء من حلي الأذن والمعنى أن سعدًا دعا الله تعالى والحال أن جرحه يبس وكاد أن يبرأ (فقال) في دعائه: (اللهم إنك تعلم أن ليس) أن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وقوله (أحد) بمعنى شيء أي إنك تعلم يا رب أن الشأن والحال ليس شيء (أحب إلي) من (أن أجاهد في) سبيلـ (ـك من قوم) أي لقوم كذبوا رسولك صلى الله عليه وسلم وأخرجوه) من بلده الذي ولد فيه (اللهم فإن كان) الشأن فكان شأنية أو زائدة قد (بقي من حرب قريش شيء فأبقني) أي فأحيني (أجاهدهم) بالجزم في جواب الطلب (فيك) أي في سبيلك (فإني أظن) أي ولكن إني أظن بحسب القرائن (أنك قد وضعت) ورفعت (الحرب بيننا) معاشر المسلمين (وبينهم) أي وبين قريش (فإن كنت قد وضعت) ورفعت (الحرب بيننا وبينهم فافجرها) أي فافجر جراحتي هذه أي شقها شقًا واسعًا لا يرقأ منه الدم (واجعل موتي فيها) أي بسببها لتتم لي الشهادة في سبيل الله تعالى ولعل سعدًا رضي الله عنه كان يرجو بعدما أصابته الجراحة يوم الأحزاب أن يستشهد بهذه الجراحة فلما رآها تقاربت إلى البرء دعا بهذا الدعاء وحاصل دعائه أنه إن كان هناك حرب في المستقبل مع مشركي قريش فأبقني إلى ذلك الوقت لأجاهدهم فيك وإن لم يكن هناك حرب معهم كما هو المظنون بظاهر القرائن فافجر جرحتي هذه لأموت فيها واستشهد بها
فَانْفَجَرَتْ مِنْ لَبَّتِهِ. فَلَم يَرُعْهُمْ (وَفِي الْمَسْجِدِ مَعَهُ خَيمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ) إِلا وَالدمُ يَسِيلُ إِلَيهِمْ. فَقَالُوا: يَا أَهْلَ الْخَيمَةِ! مَا هذَا الذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ؟ فَإِذَا سَعْد جُرْحُهُ يَغِذُّ دَمًا. فَمَاتَ مِنهَا
ــ
ثم هذا ليس من تمني الموت المنهي عنه لأن ذلك فيمن تمناه لضر نزل به وهذا إنما تمنى انفجارها ليكون شهيدًا قاله النووي: (فانفجرت) أي انشقت جراحته (من لبته) أي من أسفل عنقه وصدره واللبة موضع القلادة من الصدر قال الحافظ: وكان موضع الجرح ورم حتى اتصل الورم إلى صدره فانفجر الدم من ثم اهـ قال النووي: هكذا هو في معظم الأصول المعتمدة (لبته) وهي النحر وفي بعض الأصول (من ليته) والليت صفحة العنق وفي بعضها (من ليلته) قال القاضي وهو الصواب كما اتفقوا عليه في الرواية التي بعد هذه قال الحافظ في الفتح قوله: (فانفجرت من لبته) يعني انفجرت من نحره وسبب ذلك ما وقع في مسند حميد بن هلال عند ابن سعد ولفظه أنه مرت به عنز وهو مضطجع فأصاب ظلفها موضع الجرح فانفجرت حتى مات وهكذا استجيبت دعوته لما أنه لم يكن بعد الأحزاب حرب مع قريش إلى فتح مكة وبهذا ظهر ما قاله بعض الشراح من أن سعدًا كان مخطئًا في ظنه في وضع الحرب وأنه لم يستجب دعاؤه غير وارد راجع فتح الباري للتفصيل (فلم يرعهم) أي فلم يفجع أهل المسجد ولم يفزعهم وضمير الجمع هنا لمن في خيمة بني غفار وحيث كانوا في ذهن عائشة رضي الله تعالى عنها أضمرت لهم بدون ذكرهم ثم بدا لها أن تذكرهم فجاءت بجملة معترضة وهي قولها (وفي المسجد) الشريف (معه) أي مع سعد (خيمة من بني غفار) قبيلة مشهورة (إلا والدم يسيل إليهم) والواو بعد الاستثناء زائدة كما هي غير موجودة في رواية البخاري والمعنى فلم يفزع أهل المسجد إلا الدم الذي جرى إليهم وهو دم سعد أتاهم بغتة يسيل إليهم وكان في المسجد الشريف خيمة أخرى من خيام بني غفار فظن أهل المسجد أن الدم جاء من قبلهم (فقالوا) أي فقال أهل المسجد: (يا أهل الخيمة) يريدون بني غفار (ما هذا) الدم (الذي يأتينا من قبلكم) أي جهتكم (فإذا سعد) بن معاذ إذا فجائية والفاء عاطفة على ما قبلها (جرحه يغذ) بالغين والذال المعجمتين من باب حن يحن أي يسيل (دمًا) غير منقطع أي ففي الوقت الذي قالوا ذلك يغذ جرح سعد دمًا أو ففاجأهم سيلان جرحه دمًا ولفظ رواية البخاري (فإذا سعد يغذو جرحه دمًا) أي يسيل من باب دعا (فمات) سعد (منها) أي من تلك
4466 -
(00)(00) وحدّثنا عَلِيُّ بْنُ الحَسَنِ بْنِ سُلَيمَانَ الْكُوفِي. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَانْفَجَرَ مِنْ لَيلَتِهِ. فَمَا زَال يَسِيلُ حَتَي مَاتَ. وَزَادَ في الحَدِيثِ قَال: فَذَاكَ حِينَ يَقُولُ الشَّاعِرُ:
ــ
الجراحة وشارك المؤلف في رواية هذا الأثر البخاري ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الأثر فقال.
4466 -
(00)(50)(وحدثنا علي بن الحسن بن سليمان) الحضرمي واسطي الأصل (الكوفي) نزولًا المعروف بأبي الشعثاء. وكنيته أبو الحسن أو الحسين أو أبو محمد روى عن عبدة بن سليمان في الجهاد وعيسى بن يونس وأبي بكر بن عياش ويروي عنه (م ق) والحسن بن سفيان وثقه أبو داود وقال في التقريب ثقة من العاشرة مات سنة (236) بضع وثلاثين ومائتين وفي أغلب النسخ من المتون والشروح (علي بن الحسين) بدل الحسن وهو تصحيف والصواب ما كتبنا راجع التقريب ورجال الأصبهاني والتهذيب وسائر كتب الرجال (حدثنا عبدة) بن سليمان الكلابي الكوفي ثقة، من (8) عن هشام بن عروة (بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن عائشة عن سعد (نحوه) أي نحو ما روى عبد الله بن نمير عن هشام (غير أنه) أي لكن أن عبدة بن سليمان (قال) في روايته (فانفجر) أي انشق جرحه (من ليلته) أي في ليلته التي دعا فيها يعني وقع في هذه الرواية بدل (لبته) ليلته قال ابن حجر: وهو تصحيف وصوبه القاضي كما مر آنفًا (فما زال يسيل) جرحه دمًا (حتى مات) وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عبدة بن سليمان لعبد الله بن نمير (و) غير أنه (زاد) أي ولكن أن عبدة زاد على ابن نمير (في) هذا (الحديث) والأثر لفظة (قال) هشام أو عروة (فذاك) أي فذاك الوقت الذي حكم فيه سعد قتل بني قريظة واسم الإشارة مبتدأ خبره (حين يقول الشاعر) أي ذلك الوقت وقت قول الشاعر هذه الأبيات الآتية وبني الظرف على الفتح مع إضافته إلى المعرب مع أنه إذا أضيف إلى المعرب يعرب نظرًا إلى مجرد إضافته إلى الجملة وذكر ابن إسحاق أن هذه الأبيات لجبل بن جوال الثعلبي وكان حينئذٍ كافرًا يلوم بها سعد بن معاذ على حكمه بقتل بني قريظة مع أنهم كانوا حلفاءه ويمدح أبا حباب عبد الله بن أبي على شفاعته في حلفائه بني قينقاع لرسول الله صلى الله عليه وسلم من القتل.
أَلا يَا سَعْدُ سَعْدَ بَنِي مُعَاذٍ
…
فَمَا فَعَلَتْ قُرَيظَةُ وَالنَّضِيرُ
لَعَمْرُكَ إِنَّ سَعْدَ بَنِي مُعَاذٍ
…
غَدَاةَ تَحَمَّلُوا لَهُوَ الصبُورُ
تَرَكْتُمْ قِدْرَكُمْ لَا شَيءَ فِيهَا
…
وَقِدْرُ الْقَوْمِ حَامِيَة تَفُورُ
وَقَدْ قَال الْكَرِيمُ أَبُو حُبَابٍ
…
أَقِيمُوا، قَينُقَاعُ، وَلَا تَسِيرُوا
ــ
(ألا) حرف استفتاح وتنبيه أي انتبه واستمع ما أقول لك (يا سعد) بالضم لأنه منادى مفرد العلم (سعد بني معاذ) بالنصب بدل من محل المنادى أو عطف بيان له أي أقول لك يا سعد (فما فعلت قريظة) حيث هلكوا بحكمك (والنضير) حيث نجوا بشفاعة عبد الله بن أبي قوله (فما فعلت) قال النووي: هكذا هو في معظم النسخ بالفاء وكذا حكاه القاضي عن المعظم وفي بعضها (لما فعلت) باللام بدل الفاء ورجحه القاضي وهو أوضح وهو المعروف في كتب السير ووقع في سيرة ابن هشام (لما لقيت)(لعمرك) أي لحياتك أيها المخاطب قسمي (إن سعد بني معاذ فداة تحملوا لهو الصبور) أي إن سعدا لهو الصبور على ما أصاب قريظة غداة تحملوا ما حكم فيهم سعد من القتل والغداة أول النهار ولكن المراد هنا بمعنى اليوم يعني أن سعد بن معاذ كان صبورا على ما أصاب قريظة أي لم يتأسف بما أصابهم من القتل بحكمه مع أنهم من حلفائه لأنه أوسي وبنو قريظة من حلفاء الأوس وفيه ذم بما يشبه المدح (تركتم) أي صيرتم يا معشر الأوس (قدركم) التي تطبخون فيها فارغة (لا شيء نيها) والقدر ها هنا مجاز عن النصرة والحلف وكون القدر خاليا عدم الناصر والحليف يخاطب الأوس ويقول لهم: جعلتم أنفسكم خالين عن الحلفاء حيث رضيتم بقتلهم فإن حلفاءهم قريظة قد قتلوا وكان سعد رئيس الأوس (وقدر القوم حامية تفور) أي متقدة الحرارة تغلي أي والحال أن قدر القوم أراد بهم الخزرج وأراد بكون قدرهم حارة تغلي خروجهم للشفاعة في حلفائهم من بني قينقاع الذين هم من بني النضير كما فعل ذلك رئيسهم أبوالحباب المذكور في البيت التالي حيث قال (وقد قال الكريم أبو حباب) عبد الله بن أبي ابن سلول لحلفائهم بني قينقاع (أقيموا) في منازلكم يا (قينقاع ولا تسيروا) أي ولا ترتحلوا عنها وهذا تذكير من الشاعر سعد بن معاذ بفعل عبد الله بن أبي ابن سلول فإنه قد كان شفع في بني قينقاع فوهبهم النبي صلى الله عليه وسلم له ومن عليهم وهو معنى قوله (أقيموا قينقاع ولا تسيروا) أي لا تفارقوا دياركم يا بني قينقاع بل أقيموا فيها (وأبو حباب) ضبط في الفتح بضم الحاء
وَقَدْ كَانُوا بِبَلْدَتِهِمْ ثِقَالًا
…
كَمَا ثَقُلَتْ بِمَيطَانَ الصخُورُ
ــ
المهملة وبثاء مثلثة في آخره ولم يذكره صاحب القاموس ولا شارحه والمشهور أبو حباب بموحدتين وقوله (وقد كانوا) حال من قدركم المعني بها بنو قريظة أي وقد تركتم أيها الأوسيون حلفاءكم بني قريظة ضائعين مقتولين (و) الحال أنهم (قد كانوا ببلدتهم ثقالا) أي راسخين مطمئنين ببلدتهم من كثرة ما لهم من القوة والنجدة والمال (كما ثقلت بميطان الصخور) أي كما رسخت الصخور وهي الحجارة الكبار بميطان أي بتلك البلدة أفاده ابن حجر وميطان بفتح الميم وكسرها اسم جبل في ديار بني مزينة وفي معجم البلدان أن ميطان بفتح الميم وسكون الياء من جبال المدينة وذكر النووي أيضًا أنه بفتح الميم على المشهور وقال المجد وميطان كميزان من جبال المدينة وفي النهاية أنه بكسر الميم موضع في بلاد بني مزينة بالحجاز اهـ ومثله في لسان العرب.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث ومرسل واحد وأثر واحد الأول: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة والثاني: حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والثالث: حديث عمر بن الخطاب ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والرابع: حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة والخامس: حديث عائشة ذكره للاستشهاد به لحديث أبي سعيد الخدري والمرسل هو حديث عروة الذي قال فيه فأخبرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره استشهادًا لحديث عائشة والأثر هو أثر روته عائشة عن سعد بن معاذ ذكره استشهادًا لحديث عائشة أيضًا وذكر في هذا الأثر متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.
***