المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌629 - (22) باب قتل أبي جهل وقتل كعب بن الأشرف وغزوة خيبر وغزوة الأحزاب - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ١٩

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب: الأقضية

- ‌608 - (1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد والحكم بالظاهر واللحن بالحجة

- ‌609 - (2) باب الحكم على الغائب والاعتصام بحبل الله وأن الحاكم المجتهد له أجران في الإصابة وأجر في الخطأ

- ‌610 - (3) باب لا يقضي الفاضي وهو على حال يشوش فكره ورد المحدثات ومن خير الشهود واختلاف المجتهدين وإصلاح الحاكم بين الخصمين

- ‌ أبواب اللقطة

- ‌611 - (4) باب أحكام اللقطة والضوال والاستظهار في التعريف بزيادة على السنة إذا ارتجى ربها

- ‌612 - (5) باب النهي عن لقطة الحاج وعن أن يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه والأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها

- ‌613 - (6) باب الأمر بالمواساة بفضول الأموال واستحباب خلط الأزواد إذا قلت

- ‌ كتاب: الجهاد والسير

- ‌(614) (7) باب جواز الإغارة على الكفار الذين بلغتهم الدعوة وتأمير الإمام الأمراء على البعوث والوصية لهم

- ‌615 - (8) باب الأمر بالتيسير وتحريم الغدر

- ‌616 - (9) باب جواز الخداع في الحرب وكراهة تمني لقاء العدو واستحباب دعاء النصر عند لقاء العدو

- ‌617 - (10) باب تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب وجواز قتلهن في البيات وجواز قطع أشجارهم وتحريقها

- ‌618 - (11) باب تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة وحكم الأنفال واستحقاق القاتل السلب

- ‌619 - (12) باب التنفيل وفداء المسلمين بالأسارى وحكم الفيء وقوله صلى الله عليه وسلم: لا نورث ما تركنا فهو صدقة

- ‌620 - (13) باب بيان كيفية قسم الغنيمة بين الحاضرين والإمداد بالملائكة وجواز ربط الأسير والمن عليه

- ‌621 - (14) باب إجلاء اليهود من الحجاز وإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب وجواز قتل من نقض العهد وجواز إنزال أهل الحصن على حكم حاكم عدل

- ‌مسألة القيام للقادم

- ‌622 - (15) باب المبادرة بالغزو وتقديم أهم الأمرين ورد المهاجرين إلى الأنصار منائحهم وجواز الأكل من طعام الغنيمة في دار الحرب

- ‌623 - (16) باب كتابه صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام وكتابه إلى ملوك الكفار يدعوهم إلى الله عز وجل

- ‌624 - (17) باب في غزوة حنين وغزوة الطائف وغزوة بدر

- ‌625 - (18) باب فتح مكة وإزالة الأصنام من حول الكعبة وقوله صلى الله عليه وسلم: لا يقتل قرشي صبرًا بعد الفتح

- ‌626 - (19) باب صلح الحديبية والوفاء بالعهد

- ‌627 - (20) باب غزوة الأحزاب وغزوة أحد واشتداد غضب الله على من قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌628 - (21) باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين وصبره على ذلك ودعائهم للتوحيد

- ‌629 - (22) باب قتل أبي جهل وقتل كعب بن الأشرف وغزوة خيبر وغزوة الأحزاب

- ‌630 - (23) باب غزوة ذي قرد وصلح الحديبية وقوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيدِيَهُمْ عَنْكُمْ} الآية

- ‌631 - (24) باب غزوة النساء مع الرجال والرضخ للنساء الغازيات والنهي عن قتل صبيان أهل الحرب

- ‌632 - (25) باب عدد غزوات النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وغزوة ذات الرقاع وكراهة الاستعانة بالكافر في الغزو

- ‌ كتاب الإمارة

- ‌633 - (26) باب اشتراط نسب قريش في الخلافة وجواز ترك الاستخلاف

الفصل: ‌629 - (22) باب قتل أبي جهل وقتل كعب بن الأشرف وغزوة خيبر وغزوة الأحزاب

‌629 - (22) باب قتل أبي جهل وقتل كعب بن الأشرف وغزوة خيبر وغزوة الأحزاب

4591 -

(1747)(92) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ). حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ التَّيمِيُّ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يَنْظُرُ لَنَا مَا صَنَعَ أَبُو جَهْلٍ؟ ". فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ. فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَكَ. قَال: فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ. فَقَال: آنْتَ أَبُو جَهْلٍ؟ فَقَال: وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ

ــ

629 -

(22) باب قتل أبي جهل وقتل كعب بن الأشرف وغزوة خيبر وغزوة الأحزاب

4591 -

(1747)(92)(حدثنا علي بن حجر السعدي) المروزي (أخبرنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري (يعني ابن علية) اسم لأمه (حدثنا سليمان) بن طرخان (التيمي) البصري (حدثنا أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (قال) أنس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوم بدر (من ينظر لنا ما صنع أبو جهل) أي ما فعل كما في الرواية التالية هل مات أو وقع مجروحًا قال النووي: سبب السؤال عنه أن يعرف أنه مات ليستبشر المسلمون بذلك وينكف شره عنهم ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق القطان عن سليمان التيمي أن أنسًا سمعه من ابن مسعود رضي الله عنه ولفظه عن أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر من يأتينا بخبر أبي جهل قال: يعني ابن مسعود فانطلقت الخ كذا في فتح الباري قال أنس: (فانطلق ابن مسعود) أي ذهب ابن مسعود إلى قتلى المشركين (فوجده) أي فوجد أبا جهل (قد ضربه ابنا عفراء) معاذ ومعوذ (حتى برك) أي سقط على الأرض قال النووي: هكذا هو في بعض النسخ (برك) بالكاف وفي بعضها (برد) بالدال فمعناه بالكاف سقط إلى الأرض وبالدال مات يقال برد إذا مات قال القاضي رواية الجمهور (برد) ورواه بعضهم بالكاف قال: والأول هو المعروف هذا كلام القاضي واختار جماعة من المحققين الكاف وإن ابني عفراء تركاه عقيرًا ولهذا كلم ابن مسعود فلو كان مات كيف كان يكلمه فجز ابن مسعود رقبته (قال) أنس: (فأخد) ابن مسعود أي أمسك (بلحيته) أي بلحية أبي جهل (فقال) له ابن مسعود: (آنت أبو جهل فقال) أبو جهل: (وهل فوق رجل قتلتموه) رجل

ص: 340

(أَوْ قَال) قَتَلَهُ قَوْمُهُ؟

قَال: وَقَال أَبُو مِجْلَزٍ: قَال أبُو جَهْلٍ: فَلَوْ غَيرُ أَكَّارٍ قَتَلَنِي.

4529 -

(00)(00) حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاويُّ. حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ. قَال: سَمِعْتُ أَبِي

ــ

أشرف منه أي لا عار علي في قتلكم إياي كأنه قال هل هناك عار فوق رجل قتله مثلكم والاستفهام للإنكار يعني ليس عليه عار وبهذا فسره ابن هشام في سيرته فقال ويقال أعار على رجل قتلتموه وأما القاضي عياض ففسره بالعكس حيث قال وهل عار إلا قتلكم إياي كما في شرح الأبي فلفظ فوق هنا بمعنى الزيادة والمعنى ليس عليَّ عار زيادة على قتلكم إياي (أو قال) أبو جهل هل فوق رجل (قتله قومه قال) سليمان التيمي بالسند السابق: (وقال) لنا (أبو مجلز): لاحق بن حميد بن سعيد السدوسي البصري ثقة، من (3) فيما رواه لنا عن أنس (قال أبو جهل) لابن مسعود حين كلمه (فلو غير أكار قتلني) أي ولو كان الذي قتلني غير أكار لكان أحب إلي وأعظم لشأني ولم يكن علي نقص في ذلك فجواب لو محذوف كما قدرناه حذف لدلالة السياق عليه والأكار الزراع والفلاح وهو عند العرب ناقص وأشار أبو جهل بذلك إلى ابني عفراء معاذ ومعوذ اللذين قتلاه وهما من الأنصار وهم أصحاب زرع ونخيل فتمنى أن يكون أحد من القرشيين قتله اهـ نووي وأبو مجلز بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام بعدها ثقة سدوسي بصري من (3) روى عن أنس ويروي عنه سليمان التيمي وفي تعليق الذهني قوله (ولو غير أكار قتلني) كلمة لو طالبة للفعل داخلة عليه والتقدير لو قتلني غير أكار لهان علي وهذا مثل قولهم في أمثالهم (لو ذات سوار لطمتني) ومن روى المثل (لو غير ذات سوار لطمتني) قال المعنى لو كان من لطمني رجلًا لاقتصصت منه ولا أقتص من النساء اهـ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في المغازي باب قتل أبي جهل [3962 و 3963]، وباب شهود الملائكة بدرًا [4120]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال.

4529 -

(00)(00)(حدثنا حامد بن عمر) بن حفص بن أبي بكرة الثقفي (البكراوي) نسبة إلى جده الأعلى أبي بكرة الصحابي رضي الله عنه أبو عبد الرحمن البصري ثقة، من (10) قال:(حدثنا معتمر) بن سليمان (قال) معتمر: (سمعت أبي)

ص: 341

يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يَعْلَمُ لِي مَا فَعَلَ أَبُو جَهْلٍ؟ ". بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ، وَقَوْلِ أَبِي مِجْلَزٍ. كَمَا ذَكَرَهُ إِسْمَاعِيلُ.

4530 -

(1748)(93) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ الزُّهْرِيُّ. كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ (وَاللَّفْظُ لِلزُّهْرِيِّ) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو. سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ؟ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ"

ــ

سليمان بن طرخان (يقول: حدثنا أنس) بن مالك وهذا السند من رباعياته غرضه بيان متابعة المعتمر لإسماعيل بن علية (قال) أنس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يعلم لي ما فعل أبو جهل) أي ما صنع يعني هل مات أو وقع مجروحًا كما مر آنفًا وساق المعتمر (بمثل حديث ابن علية) المذكور أولًا وبمثل (قول أبي مجلز) يعني قوله فلو غير أكار قتلني (كما ذكره) أي كما ذكر قول أبي مجلز (إسماعيل) بن علية بواسطة سليمان التيمي ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث جابر رضي الله عنه فقال.

4530 -

(1748)(93)(حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (وعبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور) بكسر الميم بن مخرمة بفتحها (الزهري) البصري صدوق من صغار (10)(كلاهما) رويا (عن ابن عيينة) ولكن (اللفظ) الآتي (لـ) ـعبد الله بن محمد (الزهري) قال الزهري: (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (سمعت جابرًا) بن عبد الله الأنصاري (يقول): وهذا السند من رباعياته (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لكعب بن الأشرف) طاغوت اليهود أي من يتكفل لي بقتله (فإنه قد آذى الله ورسوله) فإنه كان هذا اللعين يهوديًّا شاعرًا يهجو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكان عاهده أن لا يعين عليه أحدًا ثم جاء مع أهل الحرب معينًا عليها فصار واجب القتل.

قوله (من لكعب بن الأشرف) أي من الذي ينتدب إلى قتله أو كفاية شره وكعب بن الأشرف كان رئيسًا من رؤساء اليهود وذكر ابن إسحاق وغيره أنه كان عربيًّا من بني نبهان وهم بطن من طيء وكان أبوه أصاب دمًا في الجاهلية فأتى المدينة فحالف بني النضير

ص: 342

فَقَال مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ قَال: "نَعَمْ" قَال:

ــ

فشرف فيهم وتزوج عقيلة بنت أبي الحقيق فولدت له كعبًا وكان طويلًا جسيمًا ذا بطن وهامة وهجا المسلمين بعد وقعة بدر وخرج إلى مكة فنزل على ابن وداعة السهمي والد المطلب فهجاه حسان وهجا امرأته عاتكة بنت أسيد بن أبي العيص بن أمية فطردته فرجع كعب إلى المدينة وتشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم وروى أبو داود والترمذي من طريق الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أُبي أن كعب بن الأشرف كان شاعرًا وكان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحرض عليه كفار قريش وكان النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وأهلها أخلاط فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم استصلاحهم وكان اليهود والمشركون يؤذون المسلمين أشد الأذى فأمر الله رسوله والمسلمين بالصبر فلما أبي كعب أن ينزع من أذاه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ أن يبعث رهطًا ليقتلوه وذكر ابن سعد أن قتله كان في ربيع الأول من السنة الثالثة اهـ من فتح الباري [7/ 337].

قوله (فإنه آذى الله ورسوله) وفي رواية للحاكم في الإكليل فقد آذانا بشعره وقوى المشركين وأخرج ابن عائذ من طريق الكلبي أن كعب بن الأشرف قدم على مشركي قريش فحالفهم عند أستار الكعبة على قتال المسلمين ومن طريق أبي الأسود عن عروة أنه كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين ويحرض قريشًا عليهم وأنه لما قدم على قريش قالوا له: أديننا أهدى أم دين محمد قال: دينكم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من لنا بابن الأشرف فإنه قد استعلن بعداوتنا وقال الحافظ: ووجدت في فوائد عبد الله بن إسحاق الخرساني من مرسل عكرمة بسند ضعيف إليه لقتل كعب سببًا آخر وهو أنه صنع طعامًا وواطأ جماعة من اليهود أنه يدعو النبي صلى الله عليه وسلم إلى الوليمة فإذا حضر فتكوا به ثم دعاه فجاؤوا ومعه بعض أصحابه فأعلمه جبريل بما أضمروه بعد أن جالسه فقام فستره بجناحيه فخرج فلما فقدوه تفرقوا فقال حينئذٍ من ينتدب لقتل كعب بن الأشرف ويمكن الجمع بتعدد الأسباب اهـ فتح الباري (فقال محمد بن مسلمة) بفتح الميمين واللام وسكون السين صحابي أنصاري أوسي أسلم على يدي مصعب بن عمير قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة (يا رسول الله أتحب أن أقتله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم) أحب قتله (قال)

ص: 343

ائْذَنْ لِي فَلأَقُلْ. قَال: "قُلْ". فَأَتَاهُ فَقَال لَهُ. وَذَكَرَ مَا بَينَهُمَا. وَقَال: "إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ أَرَادَ صَدَقَةً. وَقَدْ عَنَّانَا. فَلَمَّا سَمِعَهُ قَال: وَأَيضًا. وَاللَّهِ! لَتَمَلُّنَّهُ. قَال: إِنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاهُ الآنَ. وَنَكْرَهُ

ــ

محمد بن مسلمة (ائذن لي فلأقل) في نفسي وفيك ما فيه مصلحة من التعريض وغيره في قتله أي فأذن لي أن أقول شيئًا كما هو لفظ رواية البخاري في المغازي وقال النووي: معناه فأذن لي أن أقول عني وعنك ما رأيته مصلحة من التعريض وغيره ففيه دليل على جواز التعريض وهو أن يأتي بكلام باطنه صحيح ويفهم منه المخاطب غير ذلك فهذا جائز في الحرب وغيرها ما لم يمنع به حقًّا شرعيًّا اهـ والظاهر أن الفاء في قوله (فلأقل) عاطفة على ائذن واللام لام الأمر إما مكسورة أو ساكنة وليس فيم كي ولذلك جزمت الفعل (قال) رسول الله لمحمد بن مسلمة (قل) في ما شئت مما رأيته مصلحة قتله (فأتاه) أي فأتى محمد بن مسلمة كعبًا (فقال) محمد بن مسلمة (له) أي لكعب ما فيه مصلحة من التعريض (وذكر) محمد بن مسلمة (ما بينهما) أي ما بين كعب ومحمد بن مسلمة من الصداقة والألفة في الجاهلية قال الأبي في السير لما أتاه محمد بن مسلمة قال له: ويحك يابن الأشرف إني جئتك لحاجة أذكرها لك فاكتمها علي قال: سأفعل قال: كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء عادتنا العرب ورمتنا عن قوس واحدة وقطعت عنا السبيل حتى ضاق العيال وجهدت الأنفس فقال كعب: أما والله لقد كنت أخبرك يابن مسلمة أن الأمر يصير إلى ما تقول اهـ (وقال) محمد بن مسلمة: (إن هذا الرجل) الذي قدم علينا (قد أراد) منا وطلب (صدقة) أي زكاة من أموالنا (وقد عنانا) أي أتعبنا بكثرة طلباته وهو بتشديد النون من العناء وهو التعب والمشقة يعني أتعبنا وأوقعنا وجعلنا في مشقة وعناء وكلفنا ما يشق علينا وقوله (إن هذا الرجل) يريد به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النووي: هذا من التعريض الجائز بل المستحب لأن معناه في الباطن أنه أدبنا بآداب الشرع التي فيها تعب لكنه تعب في مرضاة الله تعالى فهو محبوب لنا والذي فهم منه المخاطب منه أنه أراد العناء الذي هو المكروه (فلما سمعه) أي فلما سمع كعب بن الأشرف هذا الكلام من محمد بن مسلمة (قال) كعب: (وأيضًا والله لتملنه) أي رجعنا إلى العناء رجوعًا والله لتضجرن منه ضجرًا أكثر من هذا الضجر الذي ذكرته وقوله لتملنه بفتح اللام والميم وضم اللام الثانية المشددة لأن أصله لتملونن من الملل وهو الضجر والكسل أي لتضجرن من طلباته يعني سوف تضجرون منه صلى الله عليه وسلم ضجرًا أكثر من هذا (قال) محمد بن مسلمة: (إنا قد اتبعناه الآن) في دينه (ونكره) أي نستحي

ص: 344

أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يَصِيرُ أَمْرُهُ. قَال: وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ تُسْلِفَنِي سَلَفًا. قَال: فَمَا تَرْهَنُنِي؟ قَال: مَا تُرِيدُ. قَال: تَرْهَنُنِي نِسَاءَكُمْ. قَال: أَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ. أَنَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا؟ قَال لَهُ: تَرْهَنُونِي أَوْلادَكُمْ. قَال: يُسَبُّ ابْنُ أَحَدِنَا. فَيُقَالُ: رُهِنَ فِي وَسْقَينِ مِنْ تَمْرٍ. وَلَكِنْ نَرْهَنُكَ اللأْمَةَ (يَعْنِي السِّلاحَ) قَال: فَنَعَمْ. وَوَاعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ بِالْحَارِثِ وَأَبِي عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ وَعَبَّادِ بْنِ بِشْرٍ. قَال: فَجَاءُوا

ــ

(أن ندعه) أي أن نتركه فريدًا (حتى ننظر إلى أي شيء يصير أمره) أي يرجع دينه هل يتم أمره أم لا (قال) محمد بن مسلمة (وقد أردت) أي قصدت وطلبت منك اليوم (أن تسلفني سلفًا) أي أن تقرضني قرضًا من الطعام بدليل ما سيأتي (قال) كعب (فما ترهنني) أي فأي شيء تعطيني رهنًا بدل الطعام.

(قال) محمد بن مسلمة: أرهنك (ما تريد) وتطلب وتحب (قال) كعب (ترهنني نساءكم) أي نساء العرب (قال) محمد بن مسلمة: (أنت) يا كعب (أجمل العرب أنرهنك نساءنا) ولا نأمنك عليهن وأي امرأة تمتنع منك لجمالك قال الحافظ لعلهم قالوا له ذلك تهكمًا وإن كان في نفسه جميلًا زاد ابن سعد من مرسل عكرمة (ولا نأمنك وأي امرأة تمتنع منك لجمالك)(قال) كعب (له) أي لمحمد بن مسلمة (ترهنوني أولادكم) أي تجعلون أولادكم رهنًا عندي حتى تردوا بدل قرضي (قال) محمد بن مسلمة إذن (يسب) ويشتم (ابن أحدنا) مدة حياته (فيقال) له هذا تفسير للسب هو (رهن في وسقين من تمر) مثلًا والوسق بفتح الواو وكسرها مع سكون السين فيهما ستون صاعًا وأصله الحمل لأنه كان حمل بعير (ولكن نرهنك اللأمة) أي نجعل لك اللأمة رهنًا لقرضك (يعني السلاح) هذا من قول سفيان الراوي كما في رهن البخاري واللأمة بتشديد اللام وسكون الهمزة وهي في اللغة الدرع فإطلاق السلاح عليها كما وقع في تفسيره من الراوي من إطلاق اسم الكل على البعض وفي مرسل عكرمة عند ابن سعد (ولكنا نرهنك سلاحنا مع علمك بحاجتنا إليه) وإنما قالوا ذلك لئلا ينكر مجيئهم إليه بالسلاح قاله الواقدي في روايته كما في فتح الباري (قال) كعب بن الأشرف (فنعم) أي فارهنوني اللأمة (وواعده) أي واعد محمد بن مسلمة لكعب بن الأشرف (أن يأتيه بالحارث) أي أن يأتي كعبًا باللأمة مع الحارث بن أوس بن معاذ كما في البخاري (وأبي عبس) عبد الرحمن (بن جبر) الأنصاري الأشهلي (وعباد بن بشر) بن وقش (قال) جابر: (فجاؤوا) أي فجاء كل من

ص: 345

فَدَعَوْهُ لَيلًا. فَنَزَلَ إِلَيهِمْ. قَال سُفْيَانُ: قَال غَيرُ عَمْرٍو: قَالتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: إِنِّي لأَسْمَعُ صَوْتًا كَأَنَّهُ صَوْتُ دَمٍ. قَال: إِنَّمَا هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَرَضِيعُهُ وَأَبُو نَائِلَةَ. إِنَّ الْكَرِيمَ لَوْ دُعِيَ إِلَى طَعْنَةٍ لَيلًا لأَجَابَ. قَال مُحَمَّدٌ: إِنِّي إِذَا جَاءَ فَسَوْفَ أَمُدُّ يَدِي إِلَى رَأْسِهِ. فَإِذَا اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ

ــ

هؤلاء الأربعة إلى بيت كعب (فدعوه ليلًا) أي نادوه وطلبوا منه الخروج إليهم عند الباب (فنزل) من قصره (إليهم) عند الباب قال الراوي عن سفيان بن عيينة (قال) لنا (سفيان) بن عيينة (قال غير عمرو) بن دينار ممن روى لي هذا الحديث لم أر أحدًا من الشراح ذكر اسم ذلك الغير أي زاد غير عمرو على عمرو لفظة (قالت له) أي لكعب (امرأته) عند النزول إليهم (إني لأسمع) اليوم (صوتًا كأنه صوت دم) أي صوت طالب دم أو صوت سافك فلا تخرج إليهم (قال) لها كعب: لا تخافي (إنما هذا) الذي يدعوني محمد بن مسلمة الأوسي (ورضيعه) أي رضيع محمد بن مسلمة وقوله: (أبو نائلة) بدل من الرضيع أو عطف بيان له وفي بعض النسخ (وأبو نائلة) بزيادة واو العطف وهي تحريف من النساخ كما هي ساقطة من نسخة الأبي والسنوسي وهذا هو الصواب. كما ذكر أهل السير أن أبا نائلة كان رضيعًا لمحمد بن مسلمة وفي مغازي البخاري إنما محمد بن مسلمة وأخي أبو نائلة اهـ فأبو نائلة هو أخو كعب من الرضاعة كما هو المصرح به فيه وذكروا أنه كان نديمه في الجاهلية والصواب ما قلنا أولًا وهو ما في صحيح مسلم من أنه أخو محمد بن مسلمة وأبو نائلة اسمه سلكان بن سلامة اهـ قسطلاني قال الأبي: وفي السير أنه صلى الله عليه وسلم مشى معهم إلى بقيع الغرقد ثم وجههم وقال انطلقوا على اسم الله اللهم أعنهم ثم رجع إلى بيته فأقبلوا حتى انتهوا إلى حصنه فهتف به أبو نائلة وكان حديث عرس فوثب في ملحفة فأخذت امرأته بناحيتها وقالت: إنك امرؤ محارب وإن أهل الحرب لا ينزلون هذه الساعة قال: إنه أبو نائلة لو وجدني نائمًا ما أيقظني قالت: والله إني لأعرف في صوته الشر فقال لها كعب لو يدعى الفتى إلى طعنة لأجاب فنزل إليهم اهـ.

وقال كعب بن الأشرف أيضًا (إن الكريم لو دعي إلى طعنة ليلًا لأجاب) لداعيه (قال محمد) بن مسلمة لرفقته (إني إذا جاء) كعب ونزل إلينا (فسوف أمد) وأبسط (يدي إلى رأسه) وفي رواية البخاري (إذا ما جاء فإني قائل بشعره فأشمه فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم)(فإذا استمكنت منه) أي إذا تمكنت من أخذه أي من أخذ

ص: 346

فَدُونَكُمْ. قَال: فَلَمَّا نَزَلَ، نَزَلَ وَهُوَ مُتَوَشِّحٌ. فَقَالُوا: نَجِدُ مِنْكَ رِيحَ الطِّيبِ. قَال: نَعَمْ. تَحْتِي فُلانَةُ. هِيَ أَعْطَرُ نِسَاءِ الْعَرَبِ. قَال: فَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَشُمَّ مِنْهُ. قَال: نَعَمْ. فَشُمَّ. فَتَنَاوَلَ فَشَمَّ. ثُمَّ قَال: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَعُودَ؟ قَال: فَاسْتَمْكَنَ مِنْ رَأْسِهِ. ثُمَّ قَال: دُونَكُمْ. قَال: فَقَتَلُوهُ

ــ

رأس كعب (فدونكم) أي فخذوه بالسيف (قال) جابر الراوي (فلما نزل) إليهم كعب من الحصن (نزل) إليهم (وهو متوشح) بلحاف يقال: توشح بثوبه إذا أدخل تحت إبطه فألقاه على منكبه اهـ من المنجد (فقالوا) أي قال رفقة محمد بن مسلمة لكعب (نجد منك) يا كعب (ريح الطيب) أي رائحة الطيب كأنما تعطرت وتطيبت (قال) لهم كعب: (نعم) تطييب (تحتي فلانة) يعني امرأته ولم أر من ذكر اسمها (هي أعطر نساء العرب) أي أطيبها وأجملها (قال) له محمد بن مسلمة: أ (فتأذن لي أن أشم منه) أي من هذا الطيب (قال) له كعب: (نعم) أذنت لك (فشم) منه بصيغة الأمر (فتناول) محمد برأسه (فشم) طيبه (ثم قال) محمد لكعب (أتأذن) لي (أن أعود) وأرجع إلى شمه (قال) الراوي: (فاستمكن) محمد (من) إمساك (رأسه ثم قال) لرفقته (دونكم) أي خذوه بالسيف (قال) الراوي: (فقتلوه) لعائن الله عليه وفي رواية ابن سعد أن محمد بن مسلمة لما أخذ بقرون شعره قال لأصحابه: اقتلوا عدو الله فضربوه بأسيافهم فالتفت عليهم فلم تغن شيئًا قال محمد: فذكرت معولًا كان في سيفي فوضعته في سرته. ثم تحاملت عليه فغططه حتى انتهى إلى عانته فصاح وصاحت امرأته يا آل قريظة والنضير مرتين وفي رواية عند ابن عائذ وضربه محمد بن مسلمة فقتله وأصاب ذباب السيف الحارث بن أوس وأقبلوا حتى إذا كانوا بجرف بعاث تخلف الحارث ونزف فلما افتقده أصحابه رجعوا فاحتملوه ثم أقبلوا سراعًا حتى دخلوا المدينة وفي رواية الواقدي أن النبي صلى الله عليه وسلم تفل على جرح بن الحارث بن أوس فلم يؤذه وفي رواية ابن سعد فلما بلغوا بقيع الغرقد كبروا وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة يصلي فلما سمع تكبيرهم كبر وعرف أنهم قد قتلوه ثم انتهوا إليه فقال: أفلحت الوجوه فقالوا ووجهك يا رسول الله ورموا رأسه بين يديه فحمد الله على قتله وفي مرسل عكرمة فأصبحت يهود مذعورين فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: قتل سيدنا غيلة فذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم صنيعه وما كان يحرض عليه ويؤذي المسلمين وزاد ابن سعد فخافوا فلم ينطقوا اهـ

ص: 347

4531 -

(1749)(94) وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ) عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيبٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَزَا خَيبَرَ

ــ

فتح الباري [7/ 340] وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في المغازي باب قتل كعب بن الأشرف [4037]، وفي الجهاد وفي الرهن وأبو داود في الجهاد [2768] ، ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال.

4531 -

(1749)(94)(وحدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري (يعني ابن علية عن عبد العزيز بن صهيب) البناني البصري الأعمى ثقة، من (4) (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر) أي خرج إلى خيبر لغزوتها وخيبر بلغة اليهود الحصن وقيل أول من سكن فيها رجل من بني إسرائيل يسمى خيبر فسميت به وهي في جهة الشمال والشرق من المدينة على ستة مراحل وكانت لها نخيل كثير وكانت في صدر الإسلام دارًا لبني قريظة والنضير وكانت غزوة خيبر في جمادى الأولى سنة سبع من الهجرة كذا في عمدة القاري [2/ 247] قال الأبي: ذكر البكري أن أرض خيبر سميت باسم رجل من العماليق نزلها وهو خيبر بن قانية بن مهلاليل وكذلك الوطيح الذي هو أحد حصون خيبر سمي بالوطيح بن مازن رجل من ثمود وفي السير أنه صلى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية أقام بالمدينة بقية سنة ست وبعض المحرم سنة سبع ثم خرج غازيًا إلى خيبر وكان الله سبحانه وعده بها وهو بالحديبية بقوله تعالى: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ} الآية. فالمعجل هو الحديبية والغنائم الموعود بها هو فتح خيبر فخرج صلى الله عليه وسلم مستنجزًا وعد ربه فنزل بواد يقال له الرجيع ليحول بينهم وبين غطفان خوف أن يمدوهم لأنهم كانوا مظاهرين لهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي السير على أنس فبات رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يغر عليهم حتى أصبح فلما لم يسمع أذانًا ركب وركبنا وقد صلينا الغداة بغلس وكان صلى الله عليه وسلم إذا غزا قومًا فإن سمع أذانًا أمسك وإلا أغار فاستقبلنا عمال خيبر بمساحيهم ومكاتلهم فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: محمد والخميس معه ففتحها الله حصنًا حصنًا وكان آخر حصونهم فتحًا الوطيح والسلالم فحاصرهم بضع عشرة ليلة.

ص: 348

قَال: فَصَلَّينَا عِنْدَهَا صَلاةَ الْغَدَاةِ بِغَلَسٍ. فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ. فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي زُقَاقِ خَيبَرَ. وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَانْحَسَرَ الإِزَارُ عَنْ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَإِنِّي لأَرَى بَيَاضَ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

ــ

(قال) أنس فخرجنا من المدينة فوصلنا إليها فنزلنا جنبها وبتنا فيه (فـ) ـلما أصبحنا (صلينا عندها) أي عند خيبر وجنبها (الغداة) أي صلاة الفجر (بغلس) أي في غلس وهو ظلام آخر الليل لمصلحة السفر والجهاد ولكن بعد طروع الفجر وفيه جواز إطلاق صلاة الغداة على صلاة الصبح خلافًا لمن كرهه والغداة والغدوة والغدية ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس كما في القاموس (فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة) أي راكب خلفه على دابة واحدة قال في المصباح الرديف الذي تحمله خلفك على ظهر الدابة ومثله الردف في الحديث التالي قال القاضي في تصبيحهم ولم يدعهم حجة على أنه لا يدعى من بلغته الدعوة وفيه أن المستحب في الإغارة على العدو أول النهار لأنه وقت غرتهم وغفلة أكثرهم ثم ينتشر في بقية النهار لما يحتاج إليه بخلاف ملاقاة الجيوش ومناصبة الحصون هذه المستحب فيها بعد الزوال ليدوم النشاط ببرد الهواء بخلاف ضده اهـ (فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في الكلام حذف تقديره فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم ركوبته وأجرينا ركوبتنا معه بقرينة قوله وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم أي أسرع مركوبه وأسرعنا مركوبنا (في زقاق خيبر) وطرقه (وإن ركبتي) أي والحال أن ركبتي (لتمس فخد نبي الله صلى الله عليه وسلم والزقاق بضم الزاي الطريق دون السكة نافذة كانت أو غير نافذة وفي لغة أهل الحجاز مؤنثة وفي لغة تميم مذكرة كما يعلم من المصباح وقال في شرح البهجة هي الطريق الضيقة بين الأبنية يجمع على أزقة وزقاق بضم الزاي وتشديد القاف ولكن المراد هنا الطريق الموصل إلى خيبر لأن سياق القصة فيما قبل فتحها والدخول في عمرانها والله أعلم (وانحسر الإزار) أي انكشف (عن فخد نبي الله صلى الله عليه وسلم وإني لأرى بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم أي والحال أني لأراه وقال الأبي نقلًا عن القاضي عياض احتج به من يرى أن الفخذ ليس بعورة إذ لو كان عورة لم ينكشف منه

ص: 349

فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ قَال: "اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيبَرُ. إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ"

ــ

فإن كان بقصد فهو أوضح في الدلالة وإن لم يكن بقصد فهو محفوظ عن انكشافها اهـ وقال أيضًا نقلًا عن النووي احتجت به المالكية على أنه ليس بعورة ومذهبنا أنه عورة لأحاديث كثيرة وجوابنا عن الحديث أنه إنما انكشف لضرورة الإجراء والإغارة ولم يرد أنه استدامه مع إمكان الستر ورواية البخاري عن أنس أنه حسر الإزار يفسره رواية مسلم أنه انحسر وأجاب المالكية بأنه أكرم على الله من أن يبتليه بكشف العورة وجوابنا أنه إذا كان بغير اختيار فلا نقص فيه ويجوز مثله ورؤيته بياض فخذه محمولة على أنه رآها فجأة اهـ من الأبي نقلًا عنهما وقال الحافظ في الفتح [1/ 481] وبهذا الحديث استدل من قال إن الفخذ ليست بعورة وحكي ذلك عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب وإسماعيل بن علية وداود الظاهري ومالك في رواية وأحمد في رواية وعن الإصطخري من الشافعية كما روي ذلك عن ابن جرير الطبري وفي نسبته إلى الطبري نظر لأنه قد رد في تهذيب الآثار على من لا يقول بكونها عورة واستدل المانعون بما أخرجه مالك في الموطأ من حديث جرهد قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي وفخذي مكشوفة فقال: خمر عليك أما علمت أن الفخذ عورة وأما حديث الباب فأجاب عنه العيني في عمدة القاري [2/ 244] فقال إنه محمول على غير اختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب ازدحام الناس وقال القرطبي: ويرجح حديث جرهد أن تلك الأحاديث المعارضة له قضايا معينة في أوقات وأحوال مخصوصة يتطرق إليها من الاحتمال ما لا يتطرق لحديث جرهد فإنه أعطى حكمًا كليًّا فكان أولى وبيان ذلك أن تلك الوقائع تحتمل خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم بذلك أو البقاء على البراءة الأصلية أوكان لم يحكم عليه في ذلك الوقت بشيء ثم بعد ذلك حكم عليه بأنه عورة والله أعلم اهـ مع زيادة.

(فلما دخل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (القرية) أي قرية خيبر (قال: الله أكبر خربت خيبر) بكسر الراء في الفعل لأنه من باب تعب قال بعض العلماء: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لما رأى في أيدي أهلها من الفؤوس والمساحي كما سيأتي في الرواية الآتية لأنها من آلات التخريب فتفاءل بذلك على أن خيبر ستخرب وقيل: إنه تفاءل باسم خيبر لما فيه من حروف الخراب قال النووي: والأصح أنه أعلمه الله تعالى بذلك وقال أيضًا: (إنا إذا نزلنا بساحة قوم) أي بفنائهم (فساء) أي قبح (صباح المنذرين)

ص: 350

قَالهَا ثَلاثَ مِرَارٍ. قَال: وَقَدْ خَرَجَ الْقَوْمُ إِلَى أَعْمَالِهِمْ. فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ. قَال عَبْدُ الْعَزِيزِ: وَقَال بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَالْخَمِيسَ. قَال: وَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً.

4642 -

(121) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ

ــ

بفتح الذال (قالها) أي قال هذه الكلمات (ثلاث مرارٍ) أي مرات والساحة الفناء بين المنازل وجمعه سوح وفيه دلالة على جواز التمثل بالآيات القرآنية والاستشهاد بها في الأمور الحقيقية إلا إذا كان في سياق المزح ولغو الحديث تعظيمًا لكتاب الله تعالى عن ذلك قال النووي (قال) أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الكلمات (و) الحال أنه (قد خرج القوم) من عمال اليهود (إلى) مواضع (أعمالهم فقالوا) أي قال بعضهم لبعض: جاء (محمد قال عبد العزيز) بن صهيب: (وقال بعض أصحابنا) ممن روى عن أنس جاء محمد (والخميس) برفعه عطفًا على محمد لأنه مرفوع على الفاعلية لفعل محذوف جوازًا كما قررناه والتقدير جاء محمد والخميس وبنصبه على أنه مفعول معه والواو بمعنى مع يعني جاء محمد مع الخميس كذا ذكره العيني في العمدة [2/ 249] قوله: (وقال بعض أصحابنا والخميس) يعني أن بعض الرواة اقتصر على قولهم (محمد) وبعضهم روى قولهم بكامله وهو (محمد والخميس) كما هو مصرح في الرواية الآتية والخميس الجيش سمي به لانقسامه إلى خمسة أقسام المقدمة والميمنة والميسرة والقلب والساقة (قال) أنس: (وأصبناها) أي أخذنا خيبر (عنوة) بفتح العين وسكون النون أي قهرًا بالقتال لا صلحًا واختلف أقوال العلماء في فتح خيبر أكان عنوة أم صلحًا وإلى كل ذهب ذاهب والقول الثالث أنه فتح بعضه عنوة وبعضه صلحًا لأن خيبر كانت متمثلة على حصون كثيرة فافتتح بعضها بالسلاح وبعضها بالصلح وبهذا تجتمع الروايات والآثار وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في نحو ست وعشرين بابا منها في الجهاد [2889]، والنسائي في النكاح باب البناء في السفر [3382]، وأبو داود في الخراج والفيء [2995]، وابن ماجه في النكاح [1965]، وفي غيره ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال.

4532 -

(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان) بن مسلم الصفار الأنصاري مولاهم البصري ثقة، من (10)(حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي

ص: 351

حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: كُنْتُ رِدْفَ أَبِي طَلْحَةَ يَوْمَ خَيبَرَ. وَقَدَمِي تَمَسُّ قَدَمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَال: فَأَتَينَاهُمْ حِينَ بَزَغَتِ الشَّمْسُ. وَقَدْ أَخْرَجُوا مَوَاشِيَهُمْ. وَخَرَجُوا بِفُئُوسِهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ وَمُرُورِهِمْ. فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسَ. قَال: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "خَرِبَتْ خَيبَرُ. إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ " قَال: فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ عز وجل

ــ

البصري ثقة، من (8)(حدثنا ثابت) بن أسلم البناني البصري ثقة، من (4) (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة ثابت لصهيب (قال) أنس:(كنت ردف) بكسر الراء وسكون الدال أي رديف (أبي طلحة) الأنصاري (يوم خيبر وقدمي تمس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا معارضة بين هذه الرواية ورواية فخذ لاحتمال مسهما جميعًا لكون كل منهما من الرجل (قال) أنس: (فأتيناهم حين بزغت) أي طلعت (الشمس وقد أخرجوا مواشيهم) إلى المراعي (وخرجوا بفؤوسهم) جمع فأس كرأس ورؤوس وهي آلة تحفر بها الأرض ويشق بها الحطب وتقلع بها الأشجار (ومكاتلهم) جمع مكتل بكسر الميم وفتح التاء وهو الزنبيل والقفة ويقال له العرق أيضًا وهو ما يملأ فيه التراب الخارج من الأرض بعد الحفر (ومرورهم) جمع مرٍّ بفتح الميم وهي المساحي جمع مسحاة وهي آلة للحرث والمجازف من حديد وقيل المر الحبل فالمراد من المرور الحبال التي يصعدون بها إلى النخل والمراد أنهم في الصبح خرجوا بآلاتهم لأعمالهم الزراعية يعني أنهم لم يخرجوا للقائنا بل خرجوا إلى أعمالهم غير عالمين بنا (فقالوا): جاء (محمد والخميس قال) أنس: (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين) بعذاب الله ولم يقبلوا ذلك الإنذار (قال) أنس: فالتقوا مع المسلمين (فهزمهم الله عز وجل أي أوقع الهزيمة عليهم وجعل النصر للمسلمين وهذا مما يدل على أنها أخذت عنوة.

قال القاضي عياض: وظاهره قوله (وأصبناها عنوة) ظاهره أنها كلها فتحت عنوة وروى مالك عن ابن شهاب أن بعضها عنوة وبعضها صلح ويشكل ما في أبي داود من أنه قسمها نصفين فجعل النصف لنوائبه وحاجته ونصفها للغانمين وأجاب بعضهم بأنه كان حولها ضياع وقرى انجلى عنها أهلها فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة وكانت من الجميع على قدر النصف والنصف الآخر للغانمين اهـ قال الأبي وتقدم أنه

ص: 352

(4533)

(0)(0) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيلٍ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: لَمَّا أَتَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَيبَرَ قَال: "إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ".

4534 -

(1750)(94) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ عَبَّادٍ) قَالا: حَدَّثَنَا حَاتِمٌ (وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ)

ــ

فتحها عنوة حصنًا حصنًا وكان أول حصن فتح ناعم وعنده استشهد محمد بن مسلمة ألقيت عليه رحى من فوقه فقتلته ثم الغموس حصن أبي الحقيق وأصاب منهم صلى الله عليه وسلم سبيًا فيهم صفية بنت حيي بن أخطب وكانت عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق واصطفاها صلى الله عليه وسلم لنفسه وكانت رأت في المنام وهي عروس بكنانة إن قمرًا وقع في حجرها فعرضت رؤياها على زوجها فقال: ما هذا إلا أنك تمنيت ملك الحجاز محمدًا فلطم وجهها فاحمرت عينها منها فأتي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها ذلك فسألها ما هذا فأخبرته هذا الخبر وكان آخر ما فتح من حصونها الوطيح والسلالم وكان كلما فتح ما فتح لجؤوا إلى هذين الحصنين فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشرة ليلة ومنهم خرج مرحب اليهودي فطلب البراز فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لهذا قال أخو محمد بن مسلمة أنا له يا رسول الله أنا الثائر الموثور قتل أخي بالأمس فقال: قم إليه اللهم أعنه عليه فقام فقتله اهـ من الأبي ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال.

(4533)

(0)(0)(حدثنا إسحاق بن إبراهيم وإسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج (قالا أخبرنا النضر بن شميل) المازني البصري ثقة من (9)(أخبرنا شعبة عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة قتادة لثابت بن أسلم (قال) أنس (لما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر قال إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين) ثم استشهد المؤلف لحديث أنس بحديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه فقال.

4534 -

(1750)(94)(حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن عباد) بن الزبرقان المكي نزيل بغداد صدوق من (10)(واللفظ لابن عباد قالا: حدثنا حاتم وهو ابن إسماعيل)

ص: 353

عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيدٍ، مَوْلَى سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ. قَال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى خَيبَرَ. فَتَسَيَّرْنَا لَيلًا. فَقَال رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لِعَامِرِ بْنِ الأَكْوَعِ: أَلا تُسْمِعُنَا مِنْ هُنَيهَاتِكَ؟ وَكَانَ عَامِرٌ رَجُلًا شَاعِرًا. فَنَزَلَ يَحْدُو بِالْقَوْمِ

ــ

العبدري مولاهم أبو إسماعيل المدني كوفي الأصل صدوق من (8)(عن يزيد بن أبي عبيد) الأسلمي مولاهم (مولى سلمة بن الأكوع) أبي خالد الحجازي ثقة، من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن سلمة) بن عمرو (بن الأكوع) اسمه سنان بن عبد الله بن قشير الأسلمي أبي مسلم المدني رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (قال) سلمة:(خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فتسيرنا ليلًا) من باب تفعل لمبالغة معى الثلاثي أي فسرنا ليلًا كما هو لفظ رواية البخاري أو سرنا سيرًا بعد سير أو جماعة جماعة اهـ نووي (فقال رجل من القوم) أي من قوم المسلمين قال الأبي الذي في السير أن الذي طلب ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق قال صلى الله عليه وسلم في مسيرة إلى خيبر انزل يا ابن الأكوع فخذ لنا من هناتك فنزل فارتجز فقال: يرحمك الله تعالى فقال عمر: وجبت والله يا رسول الله لو متعتنا به فقتل يوم خيبر شهيدًا (لعامر بن الأكوع) هو عم سلمة بن سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنهما لأن سلمة هو سلمة بن عمرو بن الأكوع واسم الأكوع سنان كما مر آنفًا فيقال له أيضًا عامر بن سنان راجع الإصابة [2/ 241](ألا تسمعنا) لضم التاء وكسر الميم من الإسماع وألا أداة عرض أي ألا تسمعنا وتنشدنا يا عامر (من هنياتك) أي من أراجيزك وهو بضم الهاء وفتح النون وتشديد الياء جمع هنية تصغير هنة والهنة مؤنث هن والهنة تقع على كل شيء والمراد هنا الأراجيز قاله النووي وذكر في القاموس أنه يقال للشيء اليسير وللشيء الذي يستفحش ذكره وفي بعض النسخ هنيهاتك والمعنى واحد قال القاضي عياض وفيه جواز استماع الأراجيز والشعر وقول ذلك إذا لم يكن في ذلك ما ينكر شرعًا من ذكر المحرم وهجر من القول كما جاء في الحديث الشعر كلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح اهـ (وكان عامر) بن الأكوع (رجلًا شاعرًا) أي منشئًا للشعر (فنزل) من دابته حالة كونه (يحدو بـ) ـإبل (القوم) ويمدحها ويغني لها لتنشط على السير وهذا الفعل يتعدى بنفسه وبالحرف فيقال حدا المطية وحدا بها أي ساقها بالحداء قال القاضي فيه جواز الحداء في الأسفار

ص: 354

يَقُولُ:

اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَينَا

وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّينَا

فَاغْفِرْ فِدَاءً لَكَ، مَا اقْتَفَينَا

وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاقَينَا

وَأَلْقِيَنْ سَكِينَةً عَلَينَا

إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَتَينَا

ــ

تحريكًا للنفوس والدواب وتنشيطًا لها ولمن معها على قطع الطريق قال الأبي: جبلت النفوس حتى من غير العاقل على الإصغاء إلى سماع الصوت الحسن هذا الصغير في المهد يسكنه سماعه ويصرف نفسه عما يبكيه وهذه الإبل مع بلادة طبعها تتأثر بسماع الحداء من الصوت الحسن فتمد أعناقها وتصغي إلى الحادي ناصبة آذانها وتسرع في سيرها وتستخف الأحمال الثقيلة وتقطع المسافة البعيدة بالسير في اليسير من الزمان وربما أتلفت نفسها من شدة السير اهـ منه وقوله (يقول) بدل من يحذو بدل بعض من كل (اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا) كذا في الرواية وصوابه في الوزن لاهم لولا أنت ما اهتدينا أو يقال بالله أو والله لولا أنت ما اهتدينا كما جاء في الآخر والله لولا الله ما اهتدينا (فاغفر فداء لك ما اقتفينا) أي جعلت أنفسنا فداء لك يا رسول الله قال في التحفة والمخاطب بذلك النبي صلى الله عليه وسلم إذ لا يقال ذلك لله تعالى كما قال المازري فالجملة معترضة بين ما قبلها وما بعدها لأن المخاطب بهما هو الله تعالى وقوله ما اقتفينا أي ما اتبعناه أو ما اخترناه من الخطايا والشهوات أو ما اقترفنا من الذنوب قال الحافظ في الفتح قوله (فاغفر فداء لك) وقد استشكل هذا الكلام لأنه لا يقال في حق الله تعالى إذ معنى فداء لك نفديك بأنفسنا وإنما يتصور الفداء لمن يجوز عليه الفناء وأجيب عن ذلك بأنها كلمة لا يراد بها ظاهرها بل المراد بها المحبة والتعظيم مع قطع النظر من ظاهر اللفظ وقيل المخاطب بهذا الشعر نبي الله صلى الله عليه وسلم كذا في فتح الباري [7/ 465] وقوله (ما اقتفينا) يعني ما ارتكبنا من الخطايا مفعول لقوله اغفر وما موصولة والاقتفاء الاتباع يقال قفوت أثره أي تبعته والمراد ما تبعنا من الخطايا ووقع في رواية للبخاري (ما اتقينا) والمراد ما تركنا من الأوامر وما حينئذٍ ظرفية مصدرية وفي بعض الروايات (ما أبقينا) يعني ما أبقيناه وراءنا من الذنوب فلم نتب عنه وفي بعضها (ما لقينا) والمعنى ما وجدنا من المناهي راجع فتح الباري اهـ (وثبت الأقدام إن لاقينا) العدو (وألقين سكينة) وطمأنينة (علينا) إذا لاقينا العدو (إنا إذا صيح بنا أتينا) يعني إذا دعينا

ص: 355

وَبِالصُّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَينَا

فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ هَذَا السَّائِقُ؟ ". قَالُوا: عَامِرٌ. قَال: "يَرْحَمُهُ اللَّهُ" فَقَال رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: وَجَبَتْ. يَا رَسُولَ اللهِ! لَوْلَا أَمْتَعْتَنَا بِهِ. قَال: فَأَتَينَا خَيبَرَ فَحَصَرْنَاهُمْ. حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ. ثُمَّ قَال: "إِنَّ اللَّهَ فَتَحَهَا عَلَيكُمْ " قَال: فَلَمَّا أَمْسَى النَّاسُ مَسَاءَ الْيَوْمِ الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيهِمْ، أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَا هَذِهِ النِّيرَانُ؟ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ؟ " فَقَالُوا: عَلَى لَحْمٍ. قَال: "أَيُّ لَحْمٍ؟ " قَالُوا: لَحْمُ حُمُرِ الإِنْسِيَّةِ

ــ

للقتال أو إلى الحق أتينا يقال صيح به إذا استغاثه أحد والمعنى إذا نودينا ودعينا للقتال أقبلنا مجبين وروي (أبينا) بالموحدة أي إذا صيح بنا على وجه الزجر والتهديد في الحرب امتنعنا عن الفرار (وبالصياح عولوا علينا) أي استغاثوا بنا واستفزعونا للقتال وهو من التعويل وهو الاعتماد يعني الذين صاحوابنا اعتمدوا علينا بأننا نغيثهم ويقال: عولت على فلان وعولت بفلان بمعنى استغثت به. (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هذا السائق) للإبل الحادي لها (قالوا) له: (عامر) بن الأكوع الأسلمي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يرحمه الله) تعالى (فقال رجل من القوم) الحاضرين عند الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما صرح به في رواية إياس عند المصنف وفي رواية نصر بن دهر عند ابن إسحاق (وجبت) أي ثبتت له الشهادة قريبًا (يا رسول الله) وكان من المعروف عندهم أن من دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الدعاء في مثل هذا الموطن فإنه يستشهد قريبًا ولذلك قال عمر فيما بعد (لولا أمتعتنا به) أي هلا أنعمتنا بصحبته أي وددنا أنك لو أخرت الدعاء له بهذا إلى وقت آخر لنتمتع بصحبته ورؤيته مدة أي ليطول انتفاعنا به وتمتعنا بصحبته (قال) سلمة بن الأكوع: (فأتينا خيبر فحاصرناهم) بضع عشرة ليلة (حتى أصابتنا مخمصة) أي مجاعة (شديدة ثم) بعدما أصابتنا مجاعة شديدة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله فتحها) أي فتح خيبر (عليكم قال) سلمة: (فلما أمسى) أي دخل (الناس مساء) أي في مساء (اليوم الذي فتحت عليهم أوقدوا نيرانًا كثيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذه النيران) التي توقدون (على أي شيء توقدونـ) ـها (فقالوا): نوقدها (على لحم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أي لحم) توقدون عليه (قالوا: لحم حمر الإنسية)

ص: 356

فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا" فَقَال رَجُلٌ: أَوْ يُهَرِيقُوهَا وَيَغْسِلُوهَا؟ فَقَال: "أَوْ ذَاكَ" قَال: فَلَمَّا تَصَافَّ الْقَوْمُ كَانَ سَيفُ عَامِرٍ فِيهِ قِصَرٌ. فَتَنَاوَلَ بِهِ سَاقَ يَهُودِيٍّ لِيَضْرِبَهُ. وَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيفِهِ فَأَصَابَ رُكْبَةَ عَامِرٍ. فَمَاتَ مِنْهُ

ــ

نوقدها عليه هكذا هو هنا حمر الإنسية بإضافة حمر إلى الإنسية وهو من إضافة الموصوف إلى صفته أو تكون الإنسية صفة لمحذوف تقديره لحم حمر الحيوانات الإنسية وأما الإنسية ففي همزته لغتان الضم والكسر مع إسكان النون فيهما أشهرهما الكسر يعني الحمر التي تستأنس بالإنسان وتألف بهم وهي الحمر المعروفة وصفوها بالإنسية لتمييزها عن الحمر الوحشية التي تكون في الفلوات والصحاري ولا تستأنس بالإنسان وفي الحديث دلالة على حرمة لحومها وهو مذهب الجمهور ومنهم الحنفية وسيأتي الكلام على مسألة لحوم الحمر الأهلية مستوفى في كتاب الصيد والذبائح إن شاء الله تعالى (فقال) لهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهريقوها) أي صبوا القدور التي فيها هذا اللحم (واكسروها) وأمره لهم على هذا الوجه يدل على نجاسة ما فيه من لحوم الحمر الأهلية كما قاله النووي وقيل إنما نهى عنها استبقاء لها للحاجة إليها (فقال رجل) من القوم لم أر من ذكر اسمه ولعله عمر كسابقه (أو يهريقوها) أي يصبوا ما فيها من اللحم (ويغسلوها) كأنه اقترح على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تكسر القدور بل تغسل فحسب فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال أو ذاك قوله (أو يهريقوها ويغسلوها) هكذا هو في رواية مسلم بالجزم أي ليهريقوها ويغسلوها فالفعل مجزوم بلام الأمر المحذوفة عند القائلين بجواز حذفها مطردًا في نحو قولك قل له يفعل أي ليفعل وقول الشاعر محمد تفد نفسك كل نفس أي لتفد حتى جعلوا منه قوله تعالى: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا} أي ليقيموا وينفقوا أو هو مجزوم لوقوعه في جواب أمر محذوف تقديره أو قل لهم أهريقوها واغسلوها يهريقوها (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أو) افعلوا (ذاك) أي إراقة ما فيها وغسلها بلا كسرها (قال) سلمة بن الأكوع: (فلما تصاف القوم) أي تقابل للقتال القوم من الفريقين الكفار والمسلمين واقتتلوا (كان سيف عامر) بن الأكوع (فيه قصر فتناول به) أي أصاب بسيفه (ساق يهودي) هو مرحب (ليضربه) ويقتله (ويرجع) أي ورجع ذباب سيفه أي طرفها الأعلى إلى عامر (فأصاب) السيف (ركبة عامر فمات) عامر (منه) أي من إصابة سيفه قوله (ويرجع ذباب سيفه) الواو

ص: 357

قَال: فَلَمَّا قَفَلُوا قَال سَلَمَةُ، وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي، قَال: فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَاكِتًا قَال: "مَا لَكَ؟ " قُلْتُ لَهُ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي! زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ. قَال: "مَنْ قَالهُ؟ " قُلْتُ: فُلانٌ وَفُلانٌ وَأُسَيدُ بْنُ حُضَيرٍ الأَنْصَارِيُّ. فَقَال: "كَذَبَ مَنْ قَالهُ. إِنَّ لَهُ لأَجْرَانِ"

ــ

عاطفة يرجع مضارع بمعنى الماضي أي فأراد تناول ساق يهودي ليضربه ورجع ذباب سيفه إليه فأصاب ركبته فمات منه وهذا في كلام العرب كثير فإنهم عند حكاية واقعة مضت ربما يستعملون المضارع للإشارة إلى أن الواقعة مستحضرة في ذهنهم كأنها تقع الآن وذباب السيف طرفه الأعلى أو حده وقال الذهني في تعليقه قوله: (ويرجع ذباب سيفه) أي حده والواو عاطفة ويرجع بمعنى رجع كما وقع في بعض النسخ وكما هو لفظ رواية البخاري وإنما عدل هنا إلى صيغة المضارع قصدًا إلى حكاية الحال الماضية كأنه تخيل ما وقع في الزمن الماضي من رجوع ذباب السيف يقع في الحال فعبر عنه بلفظ المضارع ويصح أن تكون الواو حالية وحينئذٍ تكون داخلة على محذوف تقديره وذباب سيفه يرجع لأنه يمتنع دخول الواو الحالية على المضارع المثبت فتكون الجملة اسمية حالًا من ضمير فتناول أي فتناول ساق يهودي ليضربه حال رجوع ذباب سيفه والضمير المجرور في سيفه يعود على عامر (قال) سلمة: (فلما قفلوا) أي قفل المسلمون من خيبر إلى المدينة ورجعوا قال بعضهم: حبط عمل عامر لأنه قتل نفسه فجواب لما محذوف كما قدرناه قال يزيد بن أبي عبيد (قال) لي (سلمة وهو آخد بيدي) فتأسفت لقول بعضهم ذلك فمقول القول محذوف كما قدرناه (قال) سلمة: (فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم ساكتًا) متأسفًا (قال) لي (ما لك) يا سلمة أي أي شيء ثبت لك يا سلمة متأسفًا (قلت له) صلى الله عليه وسلم: (فداك أبي وأمي) يا رسول الله (زعموا) أي زعم الناس وقالوا والزعم القول بلا دليل وهو هنا مستعمل في معناه الأصلي (أن عامرًا) بن الأكوع (حبط عمله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قاله) أي من قال هذا القول في عامر (قلت) له قاله (فلان وفلان) لم أر من ذكر اسم هذين المبهمين (و) قاله أيضًا (أسيد بن حضير) بالتصغير فيهما بن سماك بن عتيك (الأنصاري) الأشهلي المدني رضي الله عنه مات سنة (20) وحمله عمر بين عمودي السرير حتى وضع بالبقيع (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كذب) أي أخطأ (من قاله) أي من قال ذلك في عامر (إن له لأجرين) قال القاضي

ص: 358

وَجَمَعَ بَينَ إِصْبَعَيهِ "إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ. قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ". وَخَالفَ قُتَيبَةُ مُحَمَّدًا فِي الْحَدِيثِ فِي حَرْفَينِ

ــ

يحتمل أن أحد الأجرين في كونه جادًا والثاني في كونه مجاهدًا في سبيل الله على ما يأتي في التفسير اهـ وقيل: أجر بجهاده وأجر بشهادته في سبيل الله وقيل أجر بطاعته في حياته وأجر بجهاده في سبيل الله والله أعلم وقوله (إن له لأجرين) هكذا هو في أكثر النسخ كنسخة السنوسي والأبي والقاضي وفي بعضها (إن له لأجران) وخرج على أن اسم إن ضمير الشأن محذوف والجملة الاسمية خبرها والتقدير إنه له لأجران والأول هو الأشهر الأفصح والثاني لغة قبائل من العرب ومنه قوله تعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} (وجمع) النبي صلى الله عليه وسلم (بين إصبعيه) من أصابعه فقال: (إنه) أي إن عامرًا (لجاهد) أي إنه لجاد في علمه وعمله أي في طاعة الله تعالى (مجاهد) في سبيل الله وهو الغازي وقيل جمع بين اللفظين تأكيدًا قال القاضي عياض هو عند الجمهور (لجاهد) بكسر الهاء وتنوين الدال من قولهم رجل جاهد اسم فاعل إذا كان مجدًا في أمره (مجاهد) بضم الميم وكسر الهاء وتنوين الدال والمجاهد الغازي والمعنى إنه لجاد في جهاده في سبيل الله ورواه بعضهم بفتح الهاء والدال من الأول فعلًا ماضيًا وبفتح الميم من الثاني على وزن مساجد أي لجاهد معارك كثيرة والأول هو الصواب وكرر اللفظ مبالغة قال ابن الأنباري العرب إذا بالغت في تعظيم أمر اشتقت من لفظه لفظًا آخر على غير وزنه واتبعوه الأول في إعرابه زيادة في التأكيد فيقولون جاد مجد وليل لائل وشعر شاعر اهـ (قل) شخص (عربي مشى بها) أي قام بها أي بالحرب أو مشى فيها أي في المدينة (مثله) بالنصب حال من عربي لتخصصه بوصفه بجملة مشى حال كونه مماثلًا متشابهًا له أي لعامر وبالرفع صفة ثانية له والتقدير قل عربي ماش فيها مماثل له في الجد والاجتهاد في طاعة ربه وقال الذهني قوله (قل عربي مشى بها مثله) المتبادر أن الضمير في بها عائد إلى غزوة خيبر هذه التي الكلام فيها أو إلى خصلة الجهد والمجاهدة المذكورين والمعنى قل من العرب من مشى في هذه الغزوة أو في هذه الخصلة مثل عامر ويروى نشأ بدل مشى وعليها يعود الضمير إلى الحرب أو المدينة أو جزيرة العرب وذكر العيني أنه يروى (قل عربيًّا نشأ بها مثله) فمثله على هذه الرواية مرفوع على أنه فاعل قل وعربيًا منصوب على التمييز اهـ (وخالف قتيبة) بن سعيد (محمدًا) بن عباد (في) رواية هذا (الحديث في حرفين) أي في زيادة الياء والنون في ألقين لأن قتيبة قال في روايته (وألقين سكينة علينا)

ص: 359

وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّادٍ: وَأَلْقِ سَكِينَةً عَلَينَا.

4535 -

(00)(00) وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ (وَنَسَبَهُ غَيرُ ابْنِ وَهْبٍ، فَقَال: ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ)؛ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ قَال: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيبَرَ قَاتَلَ أَخِي قِتَالًا شَدِيدًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

ــ

(و) حذف الحرفين ابن عباد لأنه (في رواية) محمد (بن عباد وألق سكينة علينا) بإسقاط الياء والنون والله أعلم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المغازي باب غزوة خيبر [4196]، وفي المظالم [2477]، وفي غيرهما من أبواب متعددة والنسائي أخرجه في الجهاد [3152]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه فقال.

4535 -

(00)(00)(وحدثنا أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب أخبرني عبد الرحمن ونسبه غير ابن وهب) أي ذكر نسب عبد الرحمن غير ابن وهب من الرواة (فقال) ذلك الغير في بيان نسبه هو عبد الرحمن (بن عبد الله بن كعب بن مالك) وكان ابن وهب يرويه هكذا أخبرني عبد الرحمن وعبد الله بن كعب بن مالك كان عبد الرحمن وعبد الله بن كعب كليهما روياه عن سلمة والصحيح ما رواه غير ابن وهب أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك وروى مسلم هذا الحديث عن ابن وهب فاقتصر على قوله عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك وروى مسلم هذا الحديث عن ابن وهب فاقتصر على قوله عبد الرحمن وحذف ما بعده من رواية ابن وهب لكونه خطأ وأتى بالصحيح من رواية غير ابن وهب وهذا من دقة نظره ووفور احتياطه رحمه الله تعالى وذلك الغير كالقاسم بن مسرور من أصحاب يونس وكذا ذكره أبو داود والنسائي في سننهما ونبها فيهما على وهم ابن وهب راجع الأبي (أن سلمة بن الأكوع قال: لما كان يوم خيبر قاتل أخي قتالًا شديدًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأراد بقوله أخي عامر بن الأكوع وليس عامر هذا أخًا لسلمة وإنما هو عمه كما سيصرح به في الحديث الآتي وهو كما في أسد الغابة عامر بن سنان وهو الأكوع وأما سلمة فهو ابن

ص: 360

فَارْتَدَّ عَلَيهِ سَيفُهُ فَقَتَلَهُ. فَقَال أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ. وَشَكُّوا فِيهِ: رَجُلٌ مَاتَ فِي سِلاحِهِ. وَشَكُّوا فِي بَعْضِ أَمْرِهِ. قَال سَلَمَةُ: فَقَفَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ خَيبَرَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! ائْذَنْ لِي أَنْ أَرْجُزَ لَكَ. فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَعْلَمُ مَا تَقُولُ. قَال: فَقُلْتُ:

وَاللَّهِ! لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَينَا

وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّينَا

فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "صَدَقْتَ".

وَأَنْزِلَنَّ سَكِينَةً عَلَينَا

وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاقَينَا

وَالْمُشْرِكُونَ قَدْ بَغَوْا عَلَينَا

ــ

عمرو بن الأكوع اشتهر بنسبته إلى جده وإنما كنى عمه هذا بأخي في هذا الحديث لأنه على ما في شرح البهجة أخوه من الرضاعة اهـ ذهني (فارتد) أي رجع (عليه سيفه فقتله فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك) أي في قتل سيفه له (و) الحال أنهم قد (شكوا فيه) أي في حكم ذلك أي قالوا هو (رجل مات في سلاحه) وهذا من مقول الأصحاب أي قالوا فيه هذا القول (و) الحال أنهم قد (شكوا في بعض أمره) هل هو شهيد مجاهد أو قاتل النفس. وقوله (رجل مات بسلاحه) حكاية لما يدور في أذهانهم من شك يعني أنهم يزعمون أنه رجل مات بسلاحه فكان قاتلًا نفسه فلعله لا يثاب على قتاله (قال سلمة) بن الأكوع (فقفل) أي رجع (رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر) إلى المدينة (فقلت) له صلى الله عليه وسلم في المدينة (يا رسول الله ائذن لي أن أرجز) من باب نصر أي أن أنشد (لك) شعرًا على بحر الرجز (فأذن له) فيه التفات (رسول الله صلى الله عليه وسلم في الارتجاز (فقال عمر بن الخطاب: أعلم) أنا (ما تقول) وتنشد يا سلمة يعني أعرف ما تريد أن ترجز به كأنه استحضر ما ارتجز به عامر بن الأكوع عند ذهابهم إلى خيبر فظن أن سلمة رضي الله عنه سيرتجز بعين ما ارتجز به عامر والله أعلم (قال) سلمة: (فقلت) مرتجزًا (والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا)(فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدقت) يا سلمة وقلت أيضًا: (وأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا والمشركون قد بغوا علينا).

ص: 361

قَال: فَلَمَّا قَضَيتُ رَجَزِي قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَال هَذَا؟ " قُلْتُ: قَالهُ أَخِي. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَرْحَمُهُ اللَّهُ" قَال؛ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ نَاسًا لَيَهَابُونَ الصَّلاةَ عَلَيهِ. يَقُولُونَ: رَجُلٌ مَاتَ بِسِلاحِهِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَاتَ جَاهِدًا مُجَاهِدًا".

قَال ابْنُ شِهَابٍ: ثُمَّ سَأَلْتُ ابْنًا لِسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ. فَحَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ مِثْلَ ذَلِكَ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: (حِينَ قُلْتُ: إِنَّ نَاسًا يَهَابُونَ الصَّلاةَ عَلَيهِ) فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كَذَبُوا

ــ

(قال) سلمة: (فلما قضيت) وأتممت (رجزي) وفرغت منه (قال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال هذا) الرجز وأنشأه وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد سمع من عامر هذا الرجز عند ذهابه إلى خيبر ولكنه أراد الآن أن يعرف الرجل الذي قاله قال سلمة: (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (قاله) وأنشأه (أخي) من الأم عامر بن الأكوع وقد ورد في بعض الروايات أنه كان أخاه لأمه وقد مر أنه كان عمًا له أيضًا وجمع بينهما الحافظ في الفتح بأنه مبني على عادة أهل الجاهلية في النكاح والله أعلم (فقال رسول الله: يرحمه الله) تعالى (قال) سلمة: (فقلت) له صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله إن ناسًا) من المسلمين (ليهابون) أي ليخافون (الصلاة عليه) والدعاء له بالرحمة أي ليخافون من أن يدعوا له بالرحمة أو خافوا أن يصلوا عليه صلاة الجنازة يوم مات فالمضارع على هذا بمعنى الماضي كما في السندي فإنهم (يقولون) في بيان سبب خوفهم من الصلاة عليه هو (رجل مات بسلاحه) فهو قاتل نفسه (فقال رسول الله) صلى الله عليه وسلم: (مات جاهدًا) في طاعة الله (مجاهدًا) في سبيل الله فله الجنة (قال ابن شهاب) بالسند السابق: (ثم) بعدما أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك هذا الحديث السابق (سألت) عنه (ابنًا لسلمة) يعني إياس بن سلمة (بن الأكوع فحدثني) إياس بن سلمة (عن أبيه) سلمة بن الأكوع (مثل ذلك) أي مثل ما حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب (غير أنه) أي لكن أن إياس بن سلمة (قال) في روايته لفظة (حين قلت) ظرف متعلق بـ (ـقال) الآتي (إن ناسًا يهابون الصلاة عليه) والفاء في قوله (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: زائدة لأن ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها والمعنى غير أنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قلت إن ناسًا يهابون الصلاة عليه (كذبوا) أي

ص: 362

مَاتَ جَاهِدًا مُجَاهِدًا. فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَينِ" وَأَشَارَ بِإِصْبَعَيهِ.

4536 -

(1751)(95) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى). قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. قَال: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الأَحْزَابِ

ــ

أخطأوا فيما ظنوا به بل (مات جاهدًا) أي مجتهدًا في طاعة ربه (مجاهدًا) لإعلاء كلمة الله (فله أجره) أي أجر عمله حالة كونه (مرتين) أي مضاعفين مرة لاجتهاده وأخرى لجهاده (وأشار) رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال مرتين (بأصبعيه) الوسطى والتي تليها إلى ضعفين ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة وهي غزوة الأحزاب بحديث البراء رضي الله عنه فقال.

4536 -

(1751)(95)(حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة عن أبي إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الكوفي (قال: سمعت البراء) بن عازب الأنصاري الأوسي الكوفي رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) البراء: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم) غزوة (الأحزاب) ويسمى يوم الخندق قال الأبي وكانت سنة خمس وكان سببها أنه لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير خرج نفر من اليهود فيهم سلام بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب وكنانة بن الربيع النضريون وهودة بن قيس وأبو عمار الوائليان في نفر من بني النضير وبني وائل حتى قدموا مكة على قريش واستنصروهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوهم إلى حربه ورغبوهم فيه وقالت قريش يا معشر اليهود أنتم أهل الكتاب الأول ديننا خير أم دينه قالوا دينكم فسرت قريش ونشطوا لما دعوهم إليه من حربه ثم خرج أولئك النفر إلى غطفان فدعوهم إلى مثل ما دعوا إليه قريشًا وجعلوا لهم نصف ثمر خيبر كل عام فأجابوهم إلى ذلك وكتبت غطفان إلى حلفائهم من بني أسد وكتبت قريش إلى حلفائهم من بني سليم فخرجت قريش وقائدها أبو سفيان وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن الفزاري فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخروجهم وما اجتمعوا له أخذوا في حفر الخندق وضربه على المدينة وعمل فيه بنفسه ترغيبًا للأجر فلما فرغ من حفره أقبلت قريش بأحابيشها ومن تبعها من كنانة وأهل تهامة وأقبلت غطفان ومن تبعها من أهل نجد بالغين الجميع عشرة

ص: 363

يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ، وَلَقَدْ وَارَى التُّرَابُ بَيَاضَ بَطْنِهِ وَهُوَ يَقُولُ:

"وَاللَّهِ! لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَينَا

وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّينَا

فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَينَا

إِنَّ الأُلَى قَدْ أَبَوْا عَلَينَا"

قَال: وَرُبَّمَا قَال:

ــ

آلاف حتى نزلوا حوالي المدينة وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة آلاف من المسلمين وجعلوا ظهورهم إلى سلع وجعل الخندق بينه وبين القوم ولما وقفت قريش على الخندق قال بعضهم: إن هذه لمكيدة ما كانت في العرب ولا عرفتها وبقوا محاصرين للمدينة مدة شهر ليس بينهم وبين المسلمين قتال إلا الرمي بالنبل حتى اقتحم عكرمة بن أبي جهل وعمرو بن عبد ود الخندق في فوارس من قريش فخرج لهم علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين فأخذ عليهم طريق الرجعة وقتل عمرو بن عبد ود ونوفل بن عبد الله المخزومي وفر عكرمة ومن معه ثم وقع في قلوبهم الوهن ودب بينهم القتل والتخاذل حتى كان من أمرهم ما ذكر الله تعالى من إرسال الريح والجنود التي لم يروها عليهم ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا وكفى الله المؤمنين القتال مع خبر يعلم تفصيله من كتب السير اهـ.

(ينقل معنا التراب) من الخندق قال الأبي فيه جواز التحصن من العدو بالخنادق والأسوار ونحوها واستحسان عمل أهل الفضل في ذلك لأنه من التعاون على البر (و) الله (لقد وارى) وستر (التراب بياض بطنه) وجملة قوله (وهو يقول) حال من فاعل ينقل

(والله لولا أنت ما اهتدينا

ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينة علينا

إن الألى قد بغوا علينا)

ولأبي ذر عن الحموي والمستملي (فأنزل) بحذف نون التوكيد الخفيفة والجزم (سكينة) بالتنكير والسكينة الوقار الظاهري والباطني (إن الألى) هو من ألفاظ الموصولات لا من أسماء الإشارة جمعًا للمذكر (قد بغوا علينا) من البغي وهو الظلم والجملة الفعلية خبر عن الموصول وصلته محذوفة والتقدير إن الذين كفروا قد اعتدوا علينا وظلمونا برد كلمة الحق علينا وإنكارها وهذا غير متزن فيتزن بزيادة (هم) فيصير إن الألى هم قد بغوا علينا وفي رواية (قد أبوا علينا) من الإباء وهو الامتناع أي إن الذين كفروا قد امتنعوا علينا قبول كلمة الحق وردوها (قال) البراء: (وربما قال) رسول الله

ص: 364

"إِنَّ الْمَلا قَدْ أَبَوْا عَلَينَا

إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَينَا"

وَيَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ.

4537 -

(00)(00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. قَال سَمِعْتُ

ــ

صلى الله عليه وسلم بدل هذا البيت (إن الملا قد أبوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا) الملا مهموز الأصل مقصور هنا وهم أشراف القوم وقيل هم الرجال ليس فيهم نساء أي إن صناديد القوم وأشرافهم قد امتنعوا من إجابتنا إلى الإسلام وإذا أرادوا فتنة ومضرة أبينا وامتنعنا من قبولها وقوله أيضًا (إذا أرادوا فتنة) أي إذا أرادوا فتنتنا وامتحاننا في الحق وتعذيبنا من أجله أبينا أي امتنعنا من ذلك بالمقاومة والتحصن بالخندق ونحوه أو إذا أرادوا إمالتنا عن ديننا أبينا عليهم ذلك يقال فتن المال فلانًا إذا استماله وفتن فلان في دينه بالبناء للمفعول أي مال عنه والفتنة أيضًا الامتحان والاختبار والتعذيب قال في النهاية: وإنكم تفتنون في القبور يريد مسألة منكر ونكير من الفتنة وهي الامتحان والاختبار ثم قال ومنه الحديث فيَّ تفتنون وعني تسألون أي تمتحنون في قبوركم ويتعرف إيمانكم بنبوتي ومنه {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} قال فتنوهم بالنار أي امتحنوهم وعذبوهم اهـ ملخصًا وقال في المصباح أصل الفتنة من قولك فتنت الذهب والفضة إذا أحرقته بالنار ليبين الجيد من الرديء اهـ ذهني (و) كان صلى الله عليه وسلم (يرفع بها) أي بالكلمة الأخيرة وهي كلمة أبينا (صوته) وفي الحديث جواز الارتجاز في مثل هذا قاله القاضي وقال النووي بل فيه استحبابه وقال القاضي وهذا الرجز ليس من قوله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم أنه من قول عامر بن الأكوع وقال النووي وفي هذا الحديث استحباب الرجز ونحوه في حال البناء ونحوه من كل شغل ذي بال كنزح ماء وحفر بئر وبركة ودياسة زرع مثلًا اهـ منه مع زيادة وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجهاد [2836 و 2837]، وفي مواضع كثيرة ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث البراء رضي الله عنه فقال.

4537 -

(00)(00)(حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري ثقة من (9)(حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت) البراء رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة عبد الرحمن بن مهدي

ص: 365

الْبَرَاءَ. فَذَكَرَ مِثْلَهُ. إِلَّا أَنَّهُ قَال: "إِنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَينَا".

4538 -

(1752)(96) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ. قَال: جَاءَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَحْفِرُ الْخَنْدَقَ. وَنَنْقُلُ التُّرَابَ عَلَى أَكْتَافِنَا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ! لَا عَيشَ إِلَّا عَيشُ الآخِرَةِ فَاغْفِرْ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ".

4539 -

(1753)(97) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لا بْنِ الْمُثَنَّى)

ــ

لمحمد بن جعفر (فذكر) عبد الرحمن (مثله) أي مثل ما روى محمد بن جعفر عن شعبة (إلا أنه) أي لكن أن عبد الرحمن (قال) في روايته (إن الألى قد بغوا علينا) ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث البراء بحديث سهل بن سعد رضي الله تعالى عنهما فقال.

4538 -

(1752)(96)(حدثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب الحارثي (القعنبي) البصري ثقة، من (9)(حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم) سلمة بن دينار المخزومي مولاهم المدني الفقيه صدوق من (8)(عن أبيه) سلمة بن دينار المخزومي مولاهم الأعرج التمار المدني القاص ثقة، من (5) (عن سهل بن سعد) بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (قال) سهل:(جاءنا رسول الله ونحن) معاشر الصحابة (نحفر الخندق) أي الحفيرة العميقة للاحتجاز من المشركين (وننقل التراب) من الخندق ونحمله (على أكتافنا) وظهورنا (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للمهاجرين والأنصار) أي لا عيش باق أو عيش مطلوب إلا عيش الآخرة لا عيش إلا عيش الآخرة هو من شعر عبد الله بن رواحة تمثل به النبي صلى الله عليه وسلم وليس ذلك منافيًا لقوله {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} لأن المراد من تعليم الشعر أن يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده بقصد الشعر وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في المغازي باب غزوة الخندق [4098]، وفي مواضع أخر والترمذي في المناقب [3855]، ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث البراء بحديث أنس رضي الله تعالى عنهما فقال.

4539 -

(1753)(97) (وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى

ص: 366

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُعَاويَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ قَال:

"اللَّهُمَّ! لَا عَيشَ إِلَّا عَيشُ الآخِرَهْ

فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ"

4540 -

(00)(00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ:"اللَّهُمَّ! إِنَّ الْعَيشَ عَيشُ الآخِرَةِ". قَال شُعْبَةُ: أَوْ قَال:

"اللَّهُمَّ لَا عَيشَ إِلَّا عَيشُ الآخِرَهْ

فَأَكْرِمِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ"

ــ

حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن معاوية بن قرة) بن إياس المزني أبي إياس البصري ثقة، من (3)(عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال) محرضًا لهم على عملهم الذي هو بسبب الجهاد.

(اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة

فاغفر للأنصار والمهاجرة)

والمعنى اللهم إن العيش المعتبر أو الباقي المستمر عيش الآخرة لا عيش الدنيا فاغفر للأنصار بلام الجر ويخرج به عن الوزن وفي رواية فاغفر الأنصار بالألف بدل اللام والمهاجرة بضم الميم وكسر الجيم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المغازي [4099]، وفي الجهاد [2834]، وفي غيرهما في مواضع كثيرة والترمذي في المناقب باب مناقب أبي موسى الأشعري رضي الله عنه [3856]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال.

4540 -

(00)(00)(حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قال ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر أخبرنا شعبة عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (حدثنا أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة قتادة لمعاوية بن قرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم إن العيش عيش الآخرة قال شعبة أو قال) لنا قتادة والشك من شعبة فيما قاله قتادة:

(اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة

فكرم الأنصار والمهاجرة)

ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال.

ص: 367

4541 -

(00)(00) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَشَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال شَيبَانُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ) عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَال: كَانُوا يَرْتَجِزُونَ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَعَهُمْ، وَهُمْ يَقُولُونَ:

اللَّهُمَّ! لَا خَيرَ إِلَّا خَيرُ الآخِرَهْ

فَانْصُرِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ

وَفِي حَدِيثِ شَيبَانَ (بَدَلَ فَانْصُرْ): فَاغْفِرْ.

4542 -

(00)(00) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم كَانُوا يَقُولُونَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ:

ــ

4541 -

(00)(00)(وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري ثقة، من (10) (وشيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي صدوق من (9) (قال يحيى: أخبرنا وقال شيبان: حدثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان العنبري البصري ثقة، من (8)(عن أبي التياح) يزيد بن حميد الضبعي البصري ثقة، من (5) (حدثنا أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته غرضه بيان متابعة أبي التياح لمعاوية بن قرة وقتادة (قال) أنس:(كانوا يرتجزون) أي ينشدون شعر الرجز (ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم وهم يقولون) أي والحال أنهم يقولون في رجزهم:

(اللهم لا خير إلا خير الآخرة

فانصر الأنصار والمهاجرة)

أي لا خير مستمر باقٍ.

(وفي حديث شيبان) وروايته (بدل فانصر فاغفر) للأنصار ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال.

4542 -

(00)(00)(حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي صدوق من (10)(حدثنا بهز) بن أسد العمي البصري ثقة، من (9)(حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري ثقة، من (8)(حدثنا ثابت) بن أسلم بن موسى البناني البصري ثقة، من (4)(عن أنس) بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة ثابت لمن روى عن أنس (أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون يوم الخندق

ص: 368

نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا

عَلَى الإِسْلامِ مَا بَقِينَا أَبَدًا

أَوْ قَال: عَلَى الْجِهَادِ. شَكَّ حَمَّادٌ. وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:

"اللَّهُمَّ! إِنَّ الْخَيرَ خَيرُ الآخِرَهْ

فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ"

ــ

نحن الذين بايعوا محمدا على الإسلام ما بقينا أبدًا) (أو قال) لنا ثابت لفظة (على الجهاد) بدل الإسلام (شك حماد) بن سلمة فيما قاله ثابت من أي الكلمتين هو (النبي صلى الله عليه وسلم يقول) مجيبًا لهم فيما قالوا تنشيطًا لهم على عملهم:

اللهم إن الخير خير الآخرة

فاغفر للأنصار والمهاجرة

أي إن الخير الذي يدوم ويستمر خير الآخرة وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث سبعة الأول: حديث أنس الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثاني: حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة والثالث: حديث أنس الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعتين والرابع: حديث سلمة بن الأكوع ذكره للاستشهاد به لحديث أنس وذكر فيه متابعة واحدة والخامس: حديث البراء ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والسادس: حديث سهل بن سعد الساعدي ذكره للاستشهاد به لحديث البراء والسابع: حديث أنس الأخير ذكره للاستشهاد به ثانيًا لحديث البراء وذكر فيه ثلاث متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

ص: 369