الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
630 - (23) باب غزوة ذي قرد وصلح الحديبية وقوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيدِيَهُمْ عَنْكُمْ} الآية
4543 -
(1754)(98) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَاتِمٌ (يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ) عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيدٍ. قَال: سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ يَقُولُ: خَرَجْتُ قَبْلَ أَنْ يُؤَذَّنَ بِالأُولَى. وَكَانَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرْعَى بِذِي قَرَدٍ
ــ
630 -
(23) باب غزوة ذي قرد وصلح الحديبية وقوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيدِيَهُمْ عَنْكُمْ} الآية
4543 -
(1754)(98)(حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حاتم يعني ابن إسماعيل) العبدري المدني صدوق من (8)(عن يزيد بن أبي عبيد) الحجازي الأسلمي مولاهم مولى سلمة بن الأكوع ثقة، من (4) (قال سلمة) بن الأكوع الأسلمي المدني رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته أي سمعته حالة كونه (يقول خرجت) من المدينة ذاهبًا إلى الغابة وهي على بريد من المدينة على طريق الشام وفيها لقاح النبي صلى الله عليه وسلم كما في البخاري (قبل أن يؤذن) بالبناء للمجهول (بالأولى) أي بالصلاة الأولى أي قبل أن يؤذن للصلاة الأولى يريد صلاة الصبح لأنها أولى صلاة النهار أو أولى ما فرض وإن كانت آخر ما فعل بتعليم جبريل النبي صلى الله عليه وسلم ويدل على ما ذكرنا قوله في رواية آتية أنه تبعهم من الغلس إلى غروب الشمس وكان قد خرج إلى الغابة كما وقع مصرحًا عند البخاري في الجهاد (وكانت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع لقحة بفتح اللام وكسرها مع سكون القاف فيهما وهي الإبل ذات اللبن قريبة العهد بالولادة (ترعى) وتسوم (بذي قرد) أي بموضع يسمى ذا قرد بفتح القاف والراء وقيل بضمهما وحكي ضم أوله وفتح ثانيه والأول أصح قال النووي: إنه ماء على نحو يوم من المدينة مما يلي بلاد غطفان قال ابن سعد: إنها كانت عشرين لقحة قال: وكان فيها ابن أبي ذر وامرأته فأغار المشركون فقتلوا الرجل وأسروا المرأة وغزوة ذي قرد هي الغزوة التي أغار فيها عيينة بن حصين وعبد الرحمن بن عيينة ومسعدة الفزاري على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم فاستخلصها منهم سلمة بن الأكوع رضي الله عنه كما ستأتي قصة ذلك مفصلة في روايات من هذا الباب ووقعت هذه الغزوة قبل غزوة خيبر بثلاثة أيام كما
قَال: فَلَقِيَنِي غُلامٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَال: أُخِذَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ: مَنْ أَخَذَهَا؟ قَال: غَطَفَانُ. قَال: فَصَرَخْتُ ثَلاثَ صَرَخَاتٍ: يَا صَبَاحَاهْ!
ــ
جزم به البخاري وقال ابن سعد كانت في ربيع الأول سنة ست قبل الحديبية وعن ابن إسحاق في شعبان منهما وذكر بعض العلماء أن الخروج إلى ذي قرد تكرر مرتين أو ثلاثًا والله أعلم هذا ملخص ما في فتح الباري.
(قال) سلمة بن الأكوع (فلقيني غلام لعبد الرحمن بن عوف) قال الحافظ في الفتح لم أقف على اسمه ويحتمل أن يكون هو رباحًا غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في رواية مسلم وكأنه كان ملك أحدهما وكان يخدم الآخر فنسب تارة إلى هذا وتارة إلى هذا اهـ (فقال) لي الغلام: (أخذت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سلمة: (فقلت) للغلام: (من أخذها قال) الغلام أخذها (غطفان) بفتح الغين والطاء وفي رواية البخاري في الجهاد غطفان وفزارة بفتح الفاء والزاي قبيلتان من العرب فيها أبو ذر وذكر فزارة بعد غطفان من ذكر الخاص بعد العام لأن فزارة من غطفان وقيل بعضهم من فزارة وبعضهم من غطفان وهو الموافق لما صرح به في رواية البخاري في الجهاد وفي كتاب السير أنهم كانوا أربعين فارسًا عليهم عيينة بن حصن وعبد الرحمن بن عيينة الفزاريان فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك بعث في آثارهم من يستنقذ اللقاح منهم وأمر على البعثة سعد بن زيد الأنصاري ثم لحقهم صلى الله عليه وسلم في بقية الناس فجاء وقد استنقذوا اللقاح وقتلوا من قتلوا ولم تجيء البعثة إلا وقد فعل سلمة بن الأكوع الأفاعيل كما سترى تفصيله في هذا الحديث وفي الذي بعده اهـ ذهني.
(قال) سلمة: (فصرخت) أي ناديت بصوت رفيع (ثلاث صرخات) أي ثلاث نداءات بقولي (يا صباحاه) بفتح الصاد والموحدة وبعد الألف حاء مهملة فألف فهاء مضمومة وهي كلمة يقولها المستغيث والألف فيها عوض عن لام المستغاث به والهاء للسكت فهي منادى على وجه الاستغاثة وتقال أيضًا لاستنفار من كان غافلًا عن عدوه ليتأهب للقائه قال في النهاية وأصلها إذا صاحوا للغارة لأنهم أكثر ما كانوا يغيرون عند الصباح حتى سموا يوم الغارة يوم الصباح فكان القائل يا صباحاه يقول قد غشينا العدو وقيل: إن المتقاتلين كانوا إذا جاء الليل يرجعون عن القتال فإذا عاد النهار عاودوه فكأنه
قَال: فَأَسْمَعْتُ مَا بَينَ لابَتَي الْمَدِينَةِ. ثُمَّ انْدَفَعْتُ عَلَى وَجْهِي حَتَّى أَدْرَكْتُهُمْ بِذِي قَرَدٍ. وَقَدْ أَخَذُوا يَسْقُونَ مِنَ الْمَاءِ. فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ بِنَبْلِي، وَكُنْتُ رَامِيًا. وَأَقُولُ:
أَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ
…
وَالْيَوْمَ يَوْمُ الرُّضَّعِ
ــ
يريد بقوله يا صباحاه قد جاؤوا وقت الصباح فتأهبوا للقتال اهـ بتصرف.
وتقول في إعرابه يا حرف نداء صباحاه منادى نكرة مقصودة مستغاث به في محل النصب مبني على ضم مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بالفتحة المجلوبة لمناسبة الألف المجلوبة تعويضًا عن لام الاستغاثة والألف حرف استغاثة والهاء للسكت وفي القسطلاني وهو منادى مستغاث به والألف للاستغاثة والهاء للسكت وكأنه نادى الناس استغاثة بهم في وقت الصباح اهـ وقال القرطبي معناه الإعلام بهذا الأمر المهم الذي دهمهم في الصباح وهي كلمة يقولها المستغيث اهـ (قال) سلمة: فأسمعت ما بين لابتي المدينة اللابة الحرة وهي الأرض ذات الحجارة السود والمدينة واقعة بين حرتين عظيمتين يريد أنه أسمع بصرخاته جميع أهل المدينة كما يريد جميع القرآن من يقول وعيت ما بين دفتي المصحف اهـ ذهني.
وفيه إشعار بأنه كان واسع الصوت جدًّا ويحتمل أن يكون ذلك من خوارق العادات وروى عنه الطبراني (فصعدت في سلع ثم صحت يا صباحاه فانتهى صباحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنودي في الناس الفزع الفزع) حكاه الحافظ في الفتح ووقع في رواية الواقدي في مغازيه أنه صعد على ثنية الوداع ولا منافاة بين الروايتين فإن ثنية الوداع جزء من جبل سلع والله أعلم (ثم اندفعت على وجهي) أي مضيت مسرعًا لم ألتفت يمينًا ولا شمالًا بل أسرعت الجري وكان ماشيًا على رجليه شديد العدو كما سيأتي (حتى أدركتهم) أي لحقتهم (بذي قرد) أي بموضع يسمى ذا قرد وهو على يوم من المدينة كما مر (وقد) أي والحال أنهم قد (أخذوا) أي شرعوا (يسقونـ) ـها (من الماء فجعلت) أي شرعت (أرميهم بنبلي) أي بسهمي (وكنت) أنا (راميًا) أي مصيبًا في الرمي ماهرًا فيه لا أخطئ (وأقول) لهم: (أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع) وقوله (اليوم يوم الرضع) روي برفعهما على الابتداء والخبر أي هذا اليوم يوم هلاك اللئام وبنصب الأول على الظرفية على كونه خبرًا مقدمًا ورفع الثاني على أنه مبتدأ مؤخر أي وقت هلاك اللئام كائن اليوم حكى سيبويه (اليوم يومك) على أن تجعل اليوم ظرفًا في موضع خبر للثاني
فَأَرْتَجِزُ. حَتَّى اسْتَنْقَذْتُ اللِّقَاحَ مِنْهُمْ. وَاسْتَلَبْتُ مِنْهُمْ ثَلاثِينَ بُرْدَةً. قَال: وَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ. فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! إِنِّي قَدْ حَمَيتُ الْقَوْمَ الْمَاءَ. وَهُمْ عِطَاشٌ، فَابْعَثْ إِلَيهِمُ السَّاعَةَ. فَقَال:"يَا ابْنَ الأَكْوَعِ! مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ"
ــ
مثل أن تقول الساعة يومك وقد قيل في قوله تعالى: {فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9)} أن يومئذ ظرف ليوم عسير وذلك أن ظروف الزمان أحداث وليست بجثث فلا يمتنع فيها مثل هذا كما لا يمتنع في سائر الأحداث وأما الرضع فهو بضم الراء وفتح الضاد المشددة جمع الراضع وهو اللئيم والمعنى أن هذا اليوم يوم هلاك اللئام وقد اختلفت أقوال أهل اللغة في سبب تسمية اللئيم بالراضع فقيل لأنه ارتضع اللؤم من ثدي أمه قيل أصله أن رجلًا كان شديد البخل فكان إذا أراد حلب ناقته ارتضع من ثديها لئلا يسمع جيرانه صوت الحلب فيطلبوا منه اللبن وقيل بل صنع ذلك لئلا يتبدد من اللبن شيء إذا حلب في الإناء وقيل بل المراد من الراضع من يمص طرف الخلال إذا خل أسنانه وهو دال على شدة الحرص وفيه أقوال أخرى كثيرة وفسره بعضهم بطريق آخر وهو أن المراد أن اليوم يعرف كل من ارتضع من ثدي أمه فيعرف من ارتضع كريمة فأنجبته أو لئيمة فأهجنته وقيل معناه اليوم يعرف من أرضعته الحرب من صغره وتدرب بها فيمتاز عن غيره وعليه فالرضع صفة مدح لا صفة ذم والله أعلم راجع فتح الباري [7/ 462](فارتجز) أي أنشد الرجز (حتى استنفذت) بوزن استفعل فالسين والتاء فيه زائدتان أي حتى أنقذت وأخرجت (اللقاح) أي النوق منهم أي من أيديهم أي استخلصت اللقاح من غطفان وفزارة (واستلبت) استفعل هنا بمعنى الثلاثي المجرد أي وأخذت (منهم) سلبًا (ثلاثين بردة) والبردة الشملة المخططة وقيل كساء أسود مربع فيه صفر تلبسه الأعراب كذا في النهاية.
(قال) سلمة: (وجاء النبي صلى الله عليه وسلم والناس فقلت) له: (يا نبي الله إني قد حميت القوم الماء) أي حلت بينهم وبينه حتى منعتهم من شربه (وهم عطاش) جمع عطشان أي ظامئون (فابعث إليهم الساعة) أي في هذه الساعة بلا تأخر يعني لاستئصالهم جميعًا وفي الرواية الآتية عند المؤلف (يا رسول الله خلني فانتخب من القوم مائة رجل فاتبع القوم فلا يبقى منهم مخبر)(فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا ابن الأكوع ملكت) أي قدرت عليهم (فاسجع) أي فأرفق بهم فلا تؤاخذهم بالشدة فقد
قَال: ثُمَّ رَجَعْنَا. وَيُرْدِفُنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى نَاقَتِهِ حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ.
4544 -
(1755)(99) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ
ــ
حصلت النكاية في العدو ولله الحمد فقد كفاهم ذلك اهـ نووي وعبارة القسطلاني (ملكت) أي قدرت عليهم فاستعبدتهم وهم في الأصل أحرار (فأسجع) بقطع الهمزة المفتوحة والمهملة الساكنة وبعد الجيم المكسورة حاء مهملة أي فارفق وأحسن بالعفو ولا تأخذ بالشدة وهو أمر من الإسجاع وهو حسن العفو بالإرفاق والتسهيل كما في لسان العرب والمعنى قدرت على أعدائك فاعف عنهم الآن وارفق بهم وضربت هذه الكلمة مثلًا للتحريض على العفو عند المقدرة تمثلت بها عائشة رضي الله تعالى عنها لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم الجمل حين ظهر على الناس فدنا من هودجها ثم كلمها بكلام فأجابته (ملكت فأسجع) أي ظفرت فأحسن فجهزها عند ذلك بأحسن الجهاز وبعث معها أربعين امرأة وقال بعضهم سبعين حتى قدمت المدينة كذا في كتب الأمثال لأبي عبيد ص (154 رقم 439) والمستقصى للزمخشري [2/ 348] ومجمع الأمثال للميداني [2/ 283].
(قال) سلمة: (ثم رجعنا) إلى المدينة (ويردفني) أي يركبني مضارع بمعنى الماضي لحكاية الحال الماضية أي وأركبني (رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته) خلفه (حتى دخلنا المدينة) غاية للإرداف وفيه تشجيع لسلمة بن الأكوع وصلة به جزاءً لما عمل بالأعداء رضي الله عنه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المغازي باب غزوة ذي قرد [4194]، وفي الجهاد باب من رأى العدو فنادى بأعلى صوته يا صباحاه [3041]، وأبو داود في الجهاد باب في السرية ترد على أهل العسكر [2752]، وأخرجه أحمد في مسنده [4/ 48].
ثم استدل المؤلف رحمه الله على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لسلمة بن الأكوع رضي الله عنه فقال.
4544 -
(1755)(99)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا هاشم بن القاسم) بن
ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ. كِلاهُمَا عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ. وَهَذَا حَدِيثُهُ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ عُبَيدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ (وَهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ) حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ. حَدَّثَنِي أَبِي قَال: قَدِمْنَا الْحُدَيبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً. وَعَلَيهَا خَمْسُونَ شَاةً لَا تُرْويهَا. قَال: فَقَعَدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى جَبَا الرَّكِيَّةِ. فَإِمَّا دَعَا وَإِمَّا بَسَقَ
ــ
مسلم بن مقسم الليثي البغدادي ثقة، من (9)(ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا أبو عامر) القيسي (العقدي) بفتحتين عبد الملك بن عمرو البصري ثقة، من (9)(كلاهما) أي كل من هاشم وأبي عامر رويا (عن عكرمة بن عمار) العجلي الحنفي أبي عمار اليمامي البصري الأصل صدوق من (5)(ح وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) أبو محمد السمرقندي ثقة متقن من (11)(وهذا) الحديث الآتي (حديثه) أي لفظ حديثه وروايته (أخبرنا أبو علي الحنفي عبيد الله بن عبد المجيد) البصري صدوق من (9)(حدثنا عكرمة وهو ابن عمار حدثني إياس بن سلمة) بن الأكوع الأسلمي المدني (حدثنا أبي) سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.
وهذا السند من خماسياته (قال) سلمة: (قدمنا الحديبية) هي قرية قريبة من مكة سميت باسم بئر فيها قال في النهاية وهي مخففة وكثير من المحدثين يشددها ومعناه قدمنا بئر الحديبية أو ماء الحديبية (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ست (ونحن أربعة عشر مائة) أي ألف وأربعمائة وفي رواية ثلاث عشرة مائة وفي رواية خمس عشرة مائة قال النووي رواية مسلم هي الأشهر وهي المرجحة (وعليها) أي وعلى بئر الحديبية (خمسون شاة لا ترويها) بضم التاء وكسر الواو من الإرواء أي لا يروي ماءها تلك الخمسين لقلته أي لا يزيل عطشها يريد أن ماء الحديبية كان قليلًا لا يكفي خمسين شاة (قال) سلمة: (فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبا الركية) أي على طرف بئر وحولها والجبا بفتح الجيم والقصر هو التراب الذي أخرج من البئر وجعل حولها كذا في جامع الأصول لابن الأثير [8/ 318] والركية بفتح الراء وكسر الكاف والياء المشددة البئر والمشهور في اللغة الركي بغير هاء ووقع هنا الركية بالهاء وهي لغة حكاها الأصمعي وغيره (فإما دعا) في مائها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة (وإما بسق)
فِيهَا. قَال: فَجَاشَتْ. فَسَقَينَا وَاسْتَقَينَا. قَال: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَعَانَا لِلْبَيعَةِ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ. قَال: فَبَايَعْتُهُ أَوَّلَ النَّاسِ. ثُمَّ بَايَعَ وَبَايَعَ. حَتَّى إِذَا كَانَ فِي وَسَطٍ مِنَ النَّاسِ قَال: "بَايِعْ يَا سَلَمَةُ! " قَال: قُلْتُ: قَدْ بَايَعْتُكَ. يَا رَسُولَ اللهِ فِي أَوَّلِ النَّاسِ. قَال: "وَأَيضًا" قَال: وَرَآنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَزِلًا (يَعْنِي لَيسَ مَعَهُ سِلاحٌ)
ــ
فيها وبصق فنالته بركة دعائه أو بساقه قال النووي هكذا هو في النسخ (بسق) صحيحة يقال بزق وبصق وبسق ثلاث لغات بمعنى واحد والسين فيه قليلة الاستعمال (قال) سلمة (فجاشت) البئر أي فاض ماؤها وفار وارتفع وهي معجزة ظاهرة من معجزاته صلى الله عليه وسلم يقال: جاش الشيء يجيش جيشانًا إذا ارتفع (فسقينا) منها أنفسنا ودوابنا (واستقينا) أي عبينا منها أسقيتنا وأخذنا منها في مزادتنا (قال) سلمة (ثم) بعدما سقينا واستقينا منها (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعانا) معاشر الحاضرين معه (للبيعة) والبيعة هنا العهد وبايعه على كذا إذا عاهده وعاقده عليه وكان سبب هذه البيعة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صده المشركون عن دخول مكة بعث عثمان رضي الله عنه إلى مكة بكتاب يخبر به أشراف قريش بأنه لم يأت إلا زائرًا للبيت ومعظمًا لحرمته فأشيع قتل عثمان حتى بلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أما والله إن قتلوه لأناجزنهم ودعا الناس للبيعة فبايعه بعضهم على الموت وبعضهم على أن لا يفروا وتسمى هذه البيعة بيعة الرضوان لقوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} أي دعانا للبيعة وهو صلى الله عليه وسلم جالس (في أصل الشجرة) أي تحت أصل شجرة الحديبية (قال) سلمة: (فبايعته) صلى الله عليه وسلم تلك البيعة (أول) جميع (الناس)(ثم بايع) أي ثم بعد مبايعتي إياه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس (وبايع) أيضًا (حتى إذا كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم (في) مبايعة (وسط من الناس قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بايعـ) ـني (يا سلمة قال: قلت) له صلى الله عليه وسلم: (قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأيضًا) بايعني مرة ثانية (قال) سلمة رضي الله عنه: (ورآني رسول الله صلى الله عليه وسلم عزلًا) بفتح العين وكسر الزاي وقيل بضمهما وفسره في الكتاب بمن لا سلاح معه حيث قال (يعني ليس معه سلاح) أي آلة حرب ويقال له أيضًا أعزل وهو أشهر استعمالًا قاله النووي وقد
قَال: فَأَعْطَانِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَجَفَةً أَوْ دَرَقَةً. ثُمَّ بَايَعَ. حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ النَّاسِ قَال: "أَلا تُبَايِعُنِي يَا سَلَمَةُ؟ " قَال: قُلْتُ: قَدْ بَايَعْتُكَ. يَا رَسُولَ اللهِ فِي أَوَّلِ النَّاسِ، وَفِي أَوْسَطِ النَّاسِ. قَال:"وَأَيضًا" قَال: فَبَايَعْتُهُ الثَّالِثَةَ. ثُمَّ قَال لِي: "يَا سَلَمَةُ! أَينَ حَجَفَتُكَ أَوْ دَرَقَتُكَ الَّتِي أَعْطَيتُكَ؟ " قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَقِيَنِي عَمِّي عَامِرٌ عَزِلًا. فَأَعْطَيتُهُ إِيَّاهَا. قَال: فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَال: "إِنَّكَ كَالَّذِي قَال الأَوَّلُ:
ــ
وقع في بعض نسخ مسلم (أعزل) على اللغة المشهورة وبهذا اللفظ أثبته ابن الأثير في جامع الأصول [8/ 311](قال) سلمة (فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم حجفة) بتقديم الحاء على الجيم وكلتاهما مفتوحتان وهي الترس الصغير يطارق بين جلدين كما في المصباح (أو) قال لي سلمة أعطاني (درقة) والشك من إياس بن سلمة والدرقة بفتحات نوع من التروس أيضًا (ثم بايع) رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس (حتى إذا كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم (في) مبايعة (آخر الناس) مبايعةً (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا تبايعني يا سلمة قال) سلمة: (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس وفي أوسط الناس قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأيضًا) بايعني يا سلمة (قال) سلمة: (فبايعته) صلى الله عليه وسلم المرة (الثالثة) فيه فضيلة ظاهرة لسلمة بن الأكوع رضي الله عنه وفي مبايعته صلى الله عليه وسلم له ثلاث مرات إشارة إلى أنه سيحضر ثلاث مشاهد يكون فيها بلاء حسن وقد كان الأمر كذلك فاتصل بالحديبية غزوة ذي قرد واتصل بها فتح خيبر وكان له في كل منها غناء أفاده في شرح البهجة كذا في شرح الذهني (ثم قال لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا سلمة أين حجفتك أو) قال لي: أين (درقتك التي أعطيتك قال) سلمة: (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله لقيني عمي عامر) بن الأكوع (عزلًا) أي عاريًا من السلاح (فأعطيته إياها) أي تلك السلاح (قال) سلمة: (فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم أي تبسم بي (وقال) لي: (إنك) يا سلمة (كالذي قال الأول) منصوب على الظرفية يعني إنك مثل الرجل الذي قال في الزمان الأول الخ كذا فسره ابن الملك في مبارق الأزهار [1/ 192] والسندي في حاشيته لصحيح مسلم ويحتمل أيضًا أن يكون لفظ الأول مرفوعًا على أنه صفة لمحذوف هو فاعل قال والتقدير إنك كالقول الذي قاله الرجل الأول والمراد به هنا
اللَّهُمَّ أَبْغِنِي حَبِيبًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي". ثُمَّ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ رَاسَلُونَا الصُّلْحَ. حَتَّى مَشَى بَعْضُنَا فِي بَعْضٍ. وَاصْطَلَحْنَا. قَال: وَكُنْتُ تَبِيعًا لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيدِ اللَّهِ. أَسْقِي فَرَسَهُ، وَأَحُسُّهُ، وَأَخْدُمُهُ، وَآكُلُ مِنْ طَعَامِهِ. وَتَرَكْتُ أَهْلِي وَمَالِي، مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم. قَال: فَلَمَّا اصْطَلَحْنَا نَحْنُ وَأَهْلُ مَكَّةَ، وَاخْتَلَطَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ، أَتَيتُ شَجَرَةً فَكَسَحْتُ شَوْكَهَا
ــ
المتقدم بالزمان والمعنى أن شأنك هذا مع عمك يشبه فحوى القول الذي قاله الرجل المتقدم زمانه كذا فسره الشيخ محمد الذهني في تعليقه وتفسير ابن الملك عندي أولى ووقع في رواية أحمد في مسنده [4/ 49](إنك كالذي قال) ولم يذكر لفظ الأول (اللهم أبغني) أي أعطني هو بهمزة الوصل من البغاء بضم الباء أي اطلب لي وبهمزة القطع من الإبغاء أي أعني على الطلب كذا في المبارق قلت والوجه الثاني هو الأوجه في هذا المقام (حبيبًا هو أحب إلي من نفسي) أشار به النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن سلمة آثر عمه على نفسه إذ أعطاه سلاحه مع احتياجه فصاركمن يدعو الله تعالى أن ييسر له رجلًا يكون أحب إليه من نفسه فيؤثر عليه وفيه من مدح سلمة ونعته بالإيثار ما لا يخفى.
(ثم إن المشركين راسلونا الصلح) من المراسلة أي أرسلنا إليهم وأرسلوا إلينا في أمر الصلح وشأنه (حتى مشى) أي إلى أن مشى (بعضنا في بعض) أي إلى بعض ففي بمعنى إلى نظير قوله تعالى: {فَرَدُّوا أَيدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} أي إلى أفواههم ويحتمل كونها بمعنى مع أي حتى مشى بعضنا مع بعض قال النووي: هكذا هو في أكثر النسخ راسلونا وفي بعضها (راسونا) بضم السين المهملة المشددة وحكى القاضي أيضًا فتحها بلا ألف يعني رسونا من رس بينهم إذا أصلح وهما بمعنى راسلونا قوله (واصطلحنا) معطوف على راسلونا أي واتفقنا على إمضاء الصلح بيننا (قال) سلمة: (وكنت تبيعًا لطلحة بن عبيد الله) أي خادمًا له أتبعه والتبيع الخادم لأنه يتبع الذي يخدمه (أسقي فرسه) الماء (وأحسه) أي: أحس فرسه بضم الحاء من باب شد أي أحك ظهر الفرس بالمحسة لأزيل عنه الغبار ونحوه (وأخدمه) من باب نصر وضرب أي في جميع حوائجه (وآكل من طعامه وتركت أهلي ومالي مهاجرًا) من قومي الأسلميين (إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قال) سلمة: (فلما اصطلحنا نحن وأهل مكة واختلط بعضنا ببعض) يعني أمن كل واحد من الفريقين الآخر بعد الصلح (أتيت شجرة) من أشجار الحديبية (فكسحت شوكها) أي
فَاضْطَجَعْتُ فِي أَصْلِهَا. قَال: فَأَتَانِي أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. فَجَعَلُوا يَقَعُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَبْغَضْتُهُمْ. فَتَحَوَّلْتُ إِلَى شَجَرَةٍ أُخْرَى. وَعَلَّقُوا سِلاحَهُمْ. وَاضْطَجَعُوا. فَبَينَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَادَى مُنَادٍ مِنْ أَسْفَلِ الْوَادِي: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، قُتِلَ ابْنُ زُنَيمٍ. قَال: فَاخْتَرَطْتُ سَيفِي. ثُمَّ شَدَدْتُ عَلَى أُولَئِكَ الأَرْبَعَةِ وَهُمْ رُقُودٌ. فَأَخَذْتُ سِلاحَهُمْ. فَجَعَلْتُهُ ضِغْثًا فِي يَدِي
ــ
كنست ما تحتها من الشوك يقال: كسحت البيت إذا كنسته ونحيت ما في أرضه مما يؤذي ساكنه كذا في جامع الأصول (فاضطجعت في أصلها) أي تحت أصلها مستظلًا بها (فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكة فجعلوا) أي شرعوا (يقعون في) عرض (رسول الله صلى الله عليه وسلم أي يغتابونه ويسبونه (فأبغضتهم) أي أظهرت بغضني إياهم (فتحولت) انتقلت من تلك الشجرة (إلى شجرة أخرى وعلقوا سلاحهم) أي سيوفهم بالشجرة التي تحولت أنا منها (واضطجعوا) تحتها للنوم (فبيما هم كذلك) أي مضطجعون للنوم (إذ نادى مناد من أسفل الوادي) أي وادي حديبية وإذ فجائية رابطة لجواب بينما أي فبينما أوقات اضطجاعهم فاجأني نداء مناد من أسفل الوادي يقول: (يا للمهاجرين قتل ابن زنيم) بضم الزاي وفتح النون مصغرًا وكان رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قتله أحد المشركين بالحديبية أخرج ابن جرير وعبد بن حميد عن قتادة ذكر لنا أن رجلًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له ابن زنيم اطلع الثنية زمان الحديبية فرماه المشركون فقتلوه كذا في الدر المنثور للسيوطي [6/ 75 و 76] ولم أر من ذكر اسمه وقوله (يا للمهاجرين) إعرابه يا حرف نداء واللام حرف جر واستغاثة مبني على الفتح وإنما حرك لكونه على حرف واحد وكانت الحركة تشبيهًا له باللام الداخلة على الضمير المهاجرين منادى مستغاث به مجرور باللام ولا تحتاج إلى متعلق تتعلق به لأنها شبيهة بالزائد أو متعلقة بفعل النداء (قال) سلمة: (فاخترطت سيفي) أي سللته من غمده وأخرجته منه زعمًا بأن المشركين نقضوا الصلح (ثم شددت) أي حملت وكررت (على أولئك الأربعة) الذين تحولت لأجلهم من شجرتي الأولى (وهم) أي والحال أنهم (رقود) أي نيام والرقاد النوم ليلًا كان أو نهارًا وبعضهم يخصه بنوم الليل (فأخذت سلاحهم) المعلقة على الشجرة (فجعلته) أي جعلت سلاحهم (ضغثًا) أي حزمة مجموعة (في يدي) والضغث بكسر الضاد وسكون الغين الحزمة
قَال: ثُمَّ قُلْتُ: وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ! لَا يَرْفَعُ أَحَدٌ مِنْكُمْ رَأْسَهُ إِلَّا ضَرَبْتُ الَّذِي فِيهِ عَينَاهُ. قَال: ثُمَّ جِئْتُ بِهِمْ أَسُوقُهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَال: وَجَاءَ عَمِّي عَامِرٌ بِرَجُلٍ مِنَ الْعَبَلاتِ يُقَالُ لَهُ مِكْرَزٌ: يَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. عَلَى فَرَسٍ مُجَفَّفٍ. فِي سَبْعِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. فَنَظَرَ إِلَيهِمْ
ــ
المجتمعة من قضبان أو حشيش أو نحوه مما يجمع في اليد كذا في جامع الأصول [8/ 319] يريد أنه أخذ سلاحهم وجمع بعضه إلى بعض حتى جعله في يده حزمة قال في المصباح والأصل في الضغث أن يكون له قضبان يجمعها أصل واحد ثم كثر حتى استعمل فيما يجمع اهـ.
(قال) سلمة: (ثم قلت) لأولئك الأربعة (والذي كرم) وشرف (وجه محمد) صلى الله عليه وسلم (لا يرفع واحد منكم رأسه) من الأرض (إلا ضربت) العضو (الذي فيه عيناه) يريد رأسه (قال) سلمة: (ثم جئت بهم) أي بأولئك الأربعة حالة كوني (أسوقهم) قدامي (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) سلمة: (وجاء عمي عامر) بن الأكوع (برجل من العبلات) بفتحات هم بطن من قريش وهم أمية الصغرى من بني عبد شمس بن عبد مناف والنسبة إليهم عبلي ترده إلى الواحد كما في الصحاح للجوهري قال: لأن اسم أمهم عبلة بنت عبيد التميمية (يقال له مكرز) بكسر الميم وسكون الكاف وفتح الراء (يقوده) أي يقود عامر فرس ذلك الرجل بلجامه (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كون ذلك راكبًا (على فرس) له (مجفف) ذلك الفرس أي ملبس بالتجافيف والفرس المجفف بصيغة اسم المفعول هو الذي عليه التجافيف والتجافيف جمع تجفاف بكسر التاء وهو ثوب كالجل يلبسه الفرس ليقيه من السلاح فهو في الخيل كالمدحج من الرجال وهو المنغمس في الدرع والسلاح وقوله (في سبعين من المشركين) متعلق بيقود قد اختلفت الروايات في عدد هؤلاء الذين أسروا فوقع في بعض الروايات أنهم كانوا ثلاثين وفي بعضها أربعين أو خمسين وكان سبب أسرهم أنهم عمدوا إلى عسكر المسلمين بعد الصلح فأرادوا التحامل عليهم فرموا المسلمين بالحجارة والنبل والظاهر أن ابن زنيم رضي الله عنه قتل برميهم فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من المسلمين وكان عم سلمة بن الأكوع منهم هذه خلاصة الروايات المروية في هذه القصة (فنظر إليهم) أي إلى
رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: "دَعُوهُمْ. يَكُنْ لَهُمْ بَدْءُ الْفُجُورِ وَثِنَاهُ" فَعَفَا عَنْهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيهِمْ} [الفتح: 24] الآيَةَ كُلَّهَا. قَال: ثُمَّ خَرَجْنَا رَاجِعِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ. فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا. بَينَنَا وَبَينَ بَنِي لَحْيَانَ جَبَلٌ. وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ
ــ
هؤلاء المشركين (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) للمسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم (دعوهم) أي دعوا هؤلاء المشركين واتركوهم وخلوا سبيلهم وقوله (يكن لهم) مجزوم في جواب الطلب السابق أي إن تركتموهم يكن لهم (بدء الفجور) أي ابتداء الغدر (وثناه) أي إعادته والبدء هو الابتداء والفجور هنا نقض الصلح وثناه أي ثنا الفجور أي إعادته ثانيًا أي فليكن لهم أول النقض وآخره.
قال في النهاية والثنى بكسر المثلثة وبالقصر الأمر يعاد مرتين قال في القاموس ولا ثنى في الصدقة كإلى أي لا تؤخذ مرتين في عام أو لا تؤخذ ناقتان مكان واحدة ووقع في بعض النسخ ثنياه بضم المثلثة وبياء وهي رواية ابن ماهان ولكن الرواية الأولى هي الصواب كما أفاده النووي نقلًا عن القاضي (فعفا عنهم) أي سامح عنهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلا سبيلهم قال القاضي عياض إنما فعل ذلك سلمة وعمه لما ذكر من قتل المسلم بأسفل الوادي فرأى المسلمون أن الصلح قد انتقض بذلك بجهل قاتله كذا في شرح الأبي (وأنزل الله) عز وجل في ذلك قوله {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيهِمْ} الآية [الفتح: 24] كلها وردت في سبب نزول هذه الآية روايات أخرى أيضًا كما هي مذكورة في جامع البيان والدر المنثور ولا تزاحم بينها لأن الآية الواحدة ربما تنزل بأسباب متعددة.
(قال) سلمة: (ثم خرجنا) من الحديبية (راجعين إلي المدينة فنزلنا) في إيابنا (منزلًا بيننا وبين بني لحيان) بكسر اللام وفتحها اسم قبيلة (جبل) يريد أننا أنزلنا منزلًا قريبًا من بني لحيان لا يحول بيننا وبينهم إلا جبل واحد (وهم المشركون) ضبطه بعض الرواة بضم الهاء على أنه ضمير جمع الغائب والمراد أن بني لحيان مشركون وضبطه بعضهم بفتح الهاء وتشديد الميم المفتوحة على أنه فعل ماض أي وهم وأغم شأن المشركين الذين هم
فَاسْتَغْفَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ رَقِيَ هَذَا الْجَبَلَ اللَّيلَةَ. كَأَنَّهُ طَلِيعَةٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ. قَال سَلَمَةُ: فَرَقِيتُ تِلْكَ اللَّيلَةَ مَرَّتَينِ أَوْ ثَلاثًا. ثُمَّ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ. فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِظَهْرِهِ مَعَ رَبَاحٍ غُلامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَنَا مَعَهُ. وَخَرَجْتُ مَعَهُ بِفَرَسِ طَلْحَةَ. أُنَدِّيهِ مَعَ الظَّهْرِ. فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْفَزَارِيُّ قَدْ أَغَارَ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَاسْتَاقَهُ أَجْمَعَ. وَقَتَلَ رَاعِيَهُ. قَال:
ــ
بنو لحيان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مخافة أن يبيت المشركون إياهم في الليل لكونهم نزلوا قربهم يقال: همني الأمر وأهمني بمعنى أي أغمني وأحزنني (فاستغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن رقي) وصعد من باب رضي (هذا الجبل) الذي بينهم وبين بني لحيان (الليلة) أي في هذه الليلة (كأنه طليعة) ومراقبة (للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه) والطليعة من يتطلع على العدو ويخبر القوم (قال سلمة فرقيت) الجبل (تلك الليلة مرتين أو ثلاثًا) طليعة للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه (ثم قدمنا المدينة فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره) الظهر الإبل تعد للركوب وحمل الأثقال أي بعث صلى الله عليه وسلم بمركوبه (مع رباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضع لقاحه ليرعى مع اللقاح في موضعها خارج المدينة وهو الغابة أي بعثه (وأنا معه) أي مع رباح قال سلمة: (وخرجت معه) أي مع رباح (بفرس طلحة) بن عبيد الله حالة كوني (أنديه) وأسقيه من التندية أي أندي وأسقي فرس طلحة (مع الظهر) أي مع ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله مع رباح قال الأصمعي: التندية بالنون أن تورد الإبل والخيل حتى تشرب قليلًا ثم ترعى ساعة ثم تردها إلى الماء من يومها أو من الغد كذا في جامع الأصول وذكر أهل اللغة عن القتيبي أنه إنما يفعل ذلك لطول ظمئها ولعله يريد أنها لو تركت تشرب من المورد ما شاءت لشربت كثيرًا بحيث يضرها فتورد قليلًا ثم يذهب بها إلى المرعى ومراد سلمة أنه خرج لتندية فرس طلحة رضي الله عنه لما مر أنه كان يخدمه (فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري قد أغار) مع قومه وهجم (على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونوقه التي بالغابة (فاستاقه) أي فساقه كله (أجمع) ليأخذه (وقتل راعيه) أي راعي ظهره ونوقه وهو يسار النوبي كما مر (قال) سلمة:
فَقُلْتُ: يَا رَبَاحُ! خُذْ هَذَا الْفَرَسَ فَأَبْلِغْهُ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيدِ اللَّهِ. وَأَخْبِرْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَغَارُوا عَلَى سَرْحِهِ. قَال: ثُمَّ قُمْتُ عَلَى أَكَمَةٍ فَاسْتَقْبَلْتُ الْمَدِينَةَ. فَنَادَيتُ ثَلاثًا: يَا صَبَاحَاهْ ، ثُمَّ خَرَجْتُ فِي آثَارِ الْقَوْمِ أَرْمِيهِمْ بِالنَّبْلِ. وَأَرْتَجِزُ. أَقُولُ:
أَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ
…
وَالْيَوْمَ يَوْمُ الرُّضَّعِ
فَأَلْحَقُ رَجُلًا مِنْهُمْ. فَأَصُكُّ سَهْمًا فِي رَحْلِهِ. حَتَّى خَلَصَ نَصْلُ السَّهْمِ إِلَى كَتِفِهِ. قَال: قُلْتُ: خُذْهَا
وَأَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ
…
وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ
قَال: فَوَاللَّهِ! مَا زِلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأَعْقِرُ بِهِمْ
ــ
(فقلت) للغلام: (يا رباح خذ هذا الفرس) مني (فأبلغه طلحة بن عبيد الله) وسلمه مني إليه (وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المشركين قد أغاروا) وهجموا (على سرحه) صلى الله عليه وسلم وأخذوها والسرح بفتح السين وسكون الراء الإبل والمواشي الراعية سميت بذلك لسروحها غدوة للمرعى اهـ من الأبي نقلًا عن القاضي عياض (قال) سلمة (ثم قمت على أكمة) بفتح الهمزة والكاف وهي التل من حجارة أو المواضع يكون أشد ارتفاعًا مما حوله وهو غليظ لا يبلغ أن يكون حجرًا كذا في القاموس (فاستقبلت المدينة فناديت) أي صرخت (ثلاثًا يا صباحاه ثم) نزلت من الأكمة و (خرجت) أي ذهبت (في آثار القوم) الفزاريين الذين أغاروا على سرحه حالة كوني (أرميهم بالنبل) أي بالسهم (وأرتجز) أي أنشد الرجز حالة كوني (أقول) في ارتجازي (أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع فألحق رجلًا منهم) أي من الفزاريين أي لحقت رجلًا منهم معطوف على خرجت وإنما اختار صيغة المضارع لأجل حكاية الحال الواقعة إذ ذاك ومثله قوله (فأصك) أي فصككت من باب شد والصك في اللغة الضرب باليد والمراد هنا الرمي بالسهم كذا في جامع الأصول أي فرميت (سهمًا في رحله) أي في مؤخرة رحله والرحل مركب البعير كالسرج للفرس (حتى خلص) ونفذ (نصل السهم) وحديدته إلى كتفه أي أعلى ظهره (قال) سلمة (قلت) للرجل (خذها) أي خذ هذه الطعنة مني (وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع قال) سلمة: (فوالله ما زلت) ولا برحت (أرميهم وأعقر بهم) أي أرميهم بالنبل
فَإِذَا رَجَعَ إِلَيَّ فَارِسٌ أَتَيتُ شَجَرَةً فَجَلَسْتُ فِي أَصْلِهَا ثُمَّ رَمَيتُهُ. فَعَقَرْتُ بِهِ. حَتَّى إِذَا تَضَايَقَ الْجَبَلُ فَدَخَلُوا فِي تَضَايُقِهِ، عَلَوْتُ الْجَبَلَ. فَجَعَلْتُ أُرَدِّيهِمْ بِالْحِجَارَةِ. قَال: فَمَا زِلْتُ كَذَلِكَ أَتْبَعُهُمْ حَتَّى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ بَعِيرٍ مِنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا خَلَّفْتُهُ وَرَاءَ ظَهْرِي. وَخَلَّوْا بَينِي وَبَينَهُ
ــ
وأعقر بخيلهم وأصل العقر ضرب قواثم البعير أو الشاة بالسيف ثم اتسع حتى استعمل في القتل كما وقع هنا وحتى صار يقال عقرت البعير أي نحرته اهـ نووي وفي تعليق الذهني قوله (وأعقر بهم) مفعوله محذوف تقديره وأعقر بهم أفراسهم أي أقتلها قال في النهاية يقال: عقرت به إذا قتلت مركوبه وجعلته راجلًا اهـ (فإذا رجع إليَّ فارس) منهم (أتيت شجرة فجلست في أصلها) أي تحت أصلها تسترًا بها (ثم رميته) بالنبل (فعقرت به) فرسه وقوله (حتى إذا تضايق الجبل) غاية لقوله فوالله ما زلت أرميهم وأعقر بهم حتى إذا تضايق الجبل وتدانى بعضه إلى بعض وتقاربت أطرافه (فدخلوا في تضايقه) أي في المحل المتضايق منه واستتروا مني به بحيث لا يبلغهم ما أرميهم به من السهام والتضايق ضد الاتساع وقوله (علوت الجبل) جواب إذا أي علوت وصعدت الجبل أي أعلاه (فجعلت أرديهم) أي أسقط عليهم (بالحجارة) يعني لما امتنع علي رميهم بالسهام عدلت عن ذلك إلى رميهم من أعلى الجبل بالحجارة التي تسقطهم وتهورهم يقال: ردى الفرس راكبه إذا أسقطه وهوره (قال) سلمة (فما زلت كذلك) أي أرديهم بالحجارة حالة كوني (أتبعهم) أي أتتبعهم وأمشي وراءهم (حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا خلفته وراء ظهري) من في قوله من بعير زائدة أتى بها لتأكيد العموم وقد يؤتى بها للتنصيص على العموم في نحو ما رأيت من رجل فإنه قبل دخولها يحتمل نفي الجنس ونفي الموحدة ولهذا يصح أن يقال بل رجلين وبعد دخولها تعين نفي عموم الرجال وإنما سميت زائدة لأن الكلام يستقيم بدونها فيصح أن يقال حتى ما خلق الله بعيرًا ومن في قوله من ظهر بيانية والمعنى أنه ما زال بهم إلى أن استخلص منهم كل بعير أخذوه من إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله إلا خلفته وراء ظهري أي تركته يريد أنه جعله في حوزته وحال بينهم وبينه (وخلوا بيني وبينه) من التخلية وهو رفع الحيلولة أي وتركوا الحيلولة بيني وبين كل بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني تركوه لأقبضه وظاهره أن سلمة رضي الله عنه قد استنقذ جميع لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكر أصحاب السير كابن هشام في سيرته [2/ 214]، والواقدي في
ثُمَّ اتَّبَعْتُهُمْ أَرْمِيهِمْ. حَتَّى أَلْقَوْا أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثِينَ بُرْدَةً وَثَلاثِينَ رُمْحًا. يَسْتَخِفُّونَ. وَلَا يَطْرَحُونَ شَيئًا إِلَّا جَعَلْتُ عَلَيهِ آرَامًا مِنَ الْحِجَارَةِ. يَعْرِفُهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ. حَتَّى أَتَوْا مُتَضَايِقًا مِنْ ثَنِيَّةٍ فَإِذَا هُمْ قَدْ أَتَاهُمْ فُلانُ بْنُ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ. فَجَلَسُوا يَتَضَحَّوْنَ (يَعْنِي
ــ
مغازيه [2/ 547] إنما استنقذ المسلمون يوم ذي قرد بعض لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقيت بعضها مقبوضة بأيديهم وظاهر أن رواية مسلم راجحة إسنادًا على رواية الواقدي وغيره غير أنه مر في كتاب النذر في صحيح مسلم نفسه أن الناقة العضباء بقيت مقبوضة بأيديهم حتى استنقذتها منهم امرأة أبي ذر رضي الله عنه (راجع باب لا وفاء لنذر في معصية الله من هذا الجامع) وعليه فيحمل قول سلمة هذا على التغليب والله أعلم.
(ثم اتبعتهم) قال النووي هكذا هو أكثر النسخ (اتبعتهم) بهمزة الوصل وشد التاء من الاتباع وفي نسخة (أتبعتهم) بهمزة القطع من الاتباع وهي أشبه بالكلام وأجود موقعًا فيه وذلك أن تبع المجرد واتبع المشدد التاء بمعنى مشى خلفه على الإطلاق وأما أتبع الرباعي فمعناه لحق به بعد أن سبقه قيل ومنه قوله تعالى: {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ} أي لحقهم مع جنوده بعد أن سبقوه وتعبيره هنا بثم المفيدة للتراخي يشعر أنه بعد أن استخلص منهم جميع الإبل توقف عن اتباعهم ولعل ذلك ريثما (أو قدر ما) جمع الإبل وأقامها على طريق يأمن عليها فيه والمعنى على هذا الوجه وبعد أن توقفت عن اتباعهم حتى سبقوني تبعتهم فلحقت بهم حالة كوني (أرميهم) بالسهام فهربوا مني (حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة) قد مر لك تفسيرها (وثلاثين رمحًا) حالة كونهم (يستخفون) أي يطلبون بإلقائها الخفة ليكونوا أقدر على الفرار (ولا يطرحون شيئًا) من البرود والرماح (إلا) أخذته وجمعته في مكان و (جعلت عليه آرامًا) أي أعلامًا (من الحجارة) والآرام هي الأعلام وهي الحجارة تجمع وتنصب في المغارة ليهتدى بها واحدها إرم كعنب وأعناب كي (يعرفها) ويأخذها (رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه) ولم يبرحوا كذلك (حتى أتوا متضايقًا) بفتح الياء ظرف ميمي من تضايق بمعنى مضيقًا أي حتى وصلوا مكانًا ضيقًا (من ثنية) والثنية العقبة والطريق في الجبل أي حتى أتوا طريقًا في الجبل ضيقة (فإذا هم) أتوا عليها قد أتاهم فلان بن بدر الفزاري قيل هو حبيب بن عيينة بن بدر الفزاري اهـ تنبيه المعلم على مبهمات مسلم (فجلسوا) معه حالة كونهم (يتضحون) من التضحية (يعني
يَتَغَدَّوْنَ). وَجَلَسْتُ عَلَى رَأْسِ قَرْنٍ. قَال الْفَزَارِيُّ: مَا هَذَا الَّذِي أَرَى؟ قَالُوا: لَقِينَا، مِنْ هَذَا الْبَرْحَ. وَاللَّهِ، مَا فَارَقَنَا مُنْذُ غَلَسٍ. يَرْمِينَا حَتَّى انْتَزَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي أَيدِينَا. قَال: فَلْيَقُمْ إِلَيهِ نَفَرٌ مِنْكُمْ، أَرْبَعَةٌ. قَال: فَصَعِدَ إِلَيَّ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ فِي الْجَبَلِ. قَال: فَلَمَّا أَمْكَنُونِي مِنَ الْكَلامِ قَال: قُلْتُ: هَلْ تَعْرِفُونِي؟ قَالُوا: لَا. وَمَنْ أَنْتَ؟ قَال: قُلْتُ: أَنَا سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ. وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ
ــ
يتغدون) أي يأكلون الغداء (وجلست على رأس قرن) بفتحتين والقرن هنا أعلى الجبل أو الجبل الصغير أو القطعة تنفرد من الجبل وقال النووي: القرن هو كل جبل صغير منقطع عن الجبل الكبير اهـ (قال) فلان بن بدر (الفزارى) للذين شردوا من سلمة (ما هذا) الجالس (الذي أرى) فوق الجبل وأشار إلى سلمة بن الأكوع يريد من هذا وإنما استعمل كلمة ما تحقيرًا له (قالوا) أي قال الشاردون من سلمة (لقينا من هذا) الجالس (البرح) بفتح الباء وسكون الراء وبفتحهما أي الشدة والمشقة طول النهار يعني أصابتنا من سلمة الشدة والمشقة (والله ما فارقنا) هذا الجالس (مند غلس) أي بعد أن غلس أي دخل في الغلس وهو ظلمة آخر الليل حالة كونه (يرمينا) بالسهام (حتى انتزع) وأخذ منا كل شيء في أيدينا) من اللقاح والبرود والرماح (قال) فلان الفزاري (فليقم إليه) أي إلى هذا الجالس (نفر منكم أربعة قال) سلمة: (فصعدوا إليَّ منهم أربعة في الجبل قال) سلمة: (فلما أمكنوني) من الكلام معهم يعني اقتربوا بحيث يمكن لي أن أسمعهم كلامي جوابه قوله قلت وجعل الراوي بين لما وجوابه لفظة قال وقال الذهني قوله (أمكنوني) أي جعلوني قادرًا على إبلاغهم كلامي وسماعهم إياه يقال أمكنه من الشيء ومكنه إذا جعل له عليه قدرة ومعناه فلما قربوا مني بحيث صاروا يسمعون كلامي (قال) سلمة: (قلت) لهم: (هل تعرفوني) بتخفيف النون هكذا هو في بعض النسخ بنون واحدة على حذف نون الوقاية أو نون الرفع وحذف إحداهما في مثل هذا الفعل جائز وعلى أن النون مشددة فهي نونان أدغمت إحداهما في الأخرى والإدغام في مثل هذا لغة فصيحة وعليها قوله تعالى: {قُلْ أَفَغَيرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} على قراءة من قرأها بالإدغام وفي بعض النسخ تعرفونني بنونين على الأصل وهو ظاهر قالوا وفيه جواز تعريف المرء بنفسه إذا كان معروفًا بالشجاعة ليدخل الرعب على قلب خصمه (قالوا) أي قال الفزاريون (لا) نعرفك (ومن أنت قال) سلمة: (قلت) لهم: (أنا سلمة بن الأكوع والذي كرم) وجمل (وجه
مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، لَا أَطْلُبُ رَجُلًا مِنْكُمْ إِلَّا أَدْرَكْتُهُ. وَلَا يَطْلُبُنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ فَيُدْرِكَنِي. قَال أَحَدُهُمْ: أَنَا أَظُنُّ. قَال: فَرَجَعُوا. فَمَا بَرِحْتُ مَكَانِي حَتَّى رَأَيتُ فَوَارِسَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَخَلَّلُونَ الشَّجَرَ. قَال: فَإِذَا أَوَّلُهُمُ الأَخْرَمُ الأَسَدِيُّ. عَلَى إِثْرِهِ أَبُو قَتَادَةَ الأَنْصَارِيُّ. وَعَلَى إِثْرِهِ الْمِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ الْكِنْدِيُّ. قَال: فَأَخَذْتُ بِعِنَانِ الأَخْرَمِ. قَال: فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ. قُلْتُ: يَا أَخْرَمُ! احْذَرْهُمْ. لَا يَقْتَطِعُوكَ حَتَّى يَلْحَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه
ــ
محمد صلى الله عليه وسلم لا أطلب) أنا (رجلًا منكم إلا أدركته) وقتلته (ولا يطلبني رجل منكم فيدركني) بالنصب بعد الفاء السببية الواقعة في جواب النفي (قال أحدهم) أي أحد الأربعة (أنا أظن) ذلك الذي قلته فمفعوله محذوف للعلم به يعني ظني موافق لما تقول (قال) سلمة: (فرجعوا) عني (فما برحت مكاني) أي فما زلت جالسًا في مكاني (حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخللون الشجر) أي يدخلون خلال الشجر ويمرون فيها يطلبون العدو والخلال جمع خلل بفتحتين وهو الفرجة بين الشيئين (فإذا أولهم) أي أول فوارس رسول الله (الأخرم) محرز بن نضلة بن عبد الله بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة (الأسدي) أبو نضلة ويعرف بالأخرم ذكره موسى بن عقبة وابن إسحاق وغيرهما فيمن شهد بدرًا وثبت ذكره في حديث سلمة بن الأكوع الطويل عند مسلم وفيه (فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخللون الشجر فإذا أولهم الأخرم الأسدي) إلخ اهـ من الإصابة [3/ 368] في ترجمة محرز (على إثره) أي على ورائه (أبو قتادة الأنصاري) السلمي بفتح السين واللام فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن ربعي المدني (وعلى إثره) أي وعلى إثر أبي قتادة المقداد بن الأسود بن عمرو (الكندي قال) سلمة فأخذت أي أمسكت (بعنان) بكسر العين وأما بفتحها فاسم للسحاب وما ظهر من السماء أي بلجام فرس (الأخرم قال) أبو سلمة فولوا أي هربوا (مدبرين) حال مؤكدة لعاملها قال سلمة: (قلت يا أخرم) بن نضلة (احذرهم) أي احذر هؤلاء المشركين واحفظ نفسك من ضررهم (لا يقتطعوك) أي لا يأخذوك وينفردوا بك فيفصلوك عن أصحابك ويحولوا بينك وبينهم وإنما أخذ بعنانه أي بعنان فرسه ليحبسه عن اتباع المشركين وحده (حتى يلحق) أي إلى أن يلحق به (رسول الله صلى الله عليه
وسلم وَأَصْحَابُهُ. قَال: يَا سَلَمَةُ! إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتَعْلَمُ أَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارَ حَقٌّ، فَلَا تَحُلْ بَينِي وَبَينَ الشَّهَادَةِ. قَال: فَخَلَّيتُهُ. فَالْتَقَى هُوَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ. قَال: فَعَقَرَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ فَرَسَهُ. وَطَعَنَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَتَلَهُ. وَتَحَوَّلَ عَلَى فَرَسِهِ. وَلَحِقَ أَبُو قَتَادَةَ، فَارِسُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ. فَطَعَنَهُ فَقَتَلَهُ. فَوَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم! لَتَبِعْتُهُمْ أَعْدُو عَلَى رِجْلَيَّ. حَتَّى مَا أَرَى وَرَائِي، مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَلَا غُبَارِهِمْ، شَيئًا. حَتَّى يَعْدِلُوا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى شِعْبٍ فِيهِ
ــ
وسلم وأصحابه) فـ (ـقال) لي الأخرم: (يا سلمة إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر وتعلم أن الجنة حق والنار حق فلا تحل) أي فلا تحجز (ببني وبين) سبب (الشهادة) في سبيل الله فيه بيان ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من إيثار الآخرة على الدنيا والشهادة في سبيل الله على الحياة كأن الجنة ونعيمها بمرأى من أعينهم وكأن هذه الدنيا سجن يحبون الفرار منها رضي الله تعالى عنهم أجمعين وأرضاهم (قال) سلمة: (فخليته) أي فخليت بينه وبين المشركين ومضى إليهم (فالتقى هو) أي الأخرم (وعبد الرحمن) الفزاري المشرك (قال) سلمة: (فعقر) الأخرم الصحابي (بعبد الرحمن) أي عبد الرحمن المشرك (فرسه) أي فرس عبد الرحمن وطعنه أي وطعن الأخرم الصحابي (عبد الرحمن) المشرك (فقتله) أي فقتل عبد الرحمن المشرك الأخرم الصحابي (وتحول) عبد الرحمن (على فرسه) أي على فرس الأخرم المقتول أي أخذه وركبه ومشى به (ولحق أبو قتادة) الأنصاري (فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الرحمن) الفزاري المشرك (فطعنه) أي فطعن أبو قتادة عبد الرحمن المشرك (فقتله) أبو قتادة قال سلمة بن الأكوع (فوالذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم لتبعتهم) أي لتبعت المشركين حالة كوني (أعدو) وأجري وأسعى (على رجلي حتى ما أرى ورائي من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ولا) من (غبارهم شيئًا) يعني أنه أمعن في تتبع الأعداء والجري خلفهم إلى أن بعد عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدًا شاسعًا بحيث لا يرى خلفه منهم أحدًا ولا من غبارهم شيئًا وتبعتهم (حتى يعدلوا) ويميلوا عن الطريق (قبل غروب الشمس إلى شعب) هو الطريق في الجبل (فيه) أي في
مَاءٌ. يُقَالُ لَهُ: ذُا قَرَدٍ. لِيَشْرَبُوا مِنْهُ وَهُمْ عِطَاشٌ. قَال: فَنَظَرُوا إِلَيَّ أَعْدُو وَرَاءَهُمْ. فَحَلَّيتُهُمْ عَنْهُ (يَعْنِي أَجْلَيتُهُمْ عَنْهُ) فَمَا ذَاقُوا مِنْهُ قَطْرَةً. قَال: وَيَخْرُجُونَ فَيَشْتَدُّونَ فِي ثَنِيَّةٍ. قَال: فَأَعْدُو فَأَلْحَقُ رَجُلًا مِنْهُمْ. فَأَصُكُّهُ بِسَهْمٍ فِي نُغْضِ كَتِفِهِ
ــ
ذلك الشعب (ماء يقال له) أي لذلك الماء (ذا قرد) قال النووي: هكذا هو في أكثر النسخ المعتمدة وفي بعضها (ذو قرد) بالواو وهو الوجه الأفصح في العربية (ليشربوا منه) أي من ذلك الماء (وهم عطاش قال) سلمة: (فنظروا إليَّ) أي إلى شخصي والحال أني (أعدو) وأسعى (وراءهم فحيلتهم) أي طردتهم (عنه) أي عن ذلك الماء وفسره الراوي عن سلمة بقوله: (يعني) سلمة بقوله حليتهم (أجليتهم) أي أخرجتهم وأقمتهم (عنه) أي عن ذلك الماء قبل شربه كما قال: (فما ذاقوا منه) أي من ذلك الماء (قطرة) أي جرعة قوله (فحليتهم عنه) بالحاء المهملة واللام المشددة أي طردتهم عنه والمعروف في اللغة حلأت الإبل بتشديد اللام وبالهمزة في آخره ولعل الهمزة قد قلبت ياء وليس بالقياس لأن الياء لا تبدل من الهمزة إلا أن يكون ما قبلها مكسورًا نحو إيلاف وبير وقد جاء شاذًّا قريت في قرأت قاله ابن الأثير في جامع الأصول [8/ 321] وقال الشيخ محمد الذهني قوله فحليتهم هكذا في الرواية بالياء من غير همز وأصله مهموز يقال: حلأت الرجل عن الماء إذا منعته من شربه ورجل محلأ أي مذود عن الماء مصدود عنه فقلبت الهمزة ياء على غير قياس لأن الهمزة لا تقلب في القياس ياء إلا إذا كان ما قبلها مكسورًا وقد فسره في الكتاب بالإجلاء أي بالإخراج وهو بمعناه في الجملة اهـ تعليقه (قال) سلمة: (وبخرجون) من الشعب (فيشتدون) أي فيجرون ويعدون (في ثنية) وهو الطريق الصاعد في الجبل والمضارع فيهما بمعنى الماضي أي وخرجوا فاشتدوا وعبر به لاستحضار الحال الواقعة إذ ذاك وتمثيلها للسامع وكذلك قوله فيما بعد (فأعدو فألحق وأصل) كلها بمعنى الماضي واختار صيغة المضارع للغرض الذي ذكرناه وقد تقدم بيانه غير مرة (قال) سلمة: (فأعدو فألحق) أي فعدوت وأجريت فلحقت (رجلًا منهم فأصكه) أي فصككته وطعنته (في نغض كتفه) بضم النون وفتحها في سكون الغين فيهما هو الرقيق اللين من عظم الكتف وأصله من التحرك يقال: نغض نغضًا ونغوضًا إذا تحرك واضطرب وسمي به العظم الرقيق على طرف الكتف لكثرة تحركه ويسمى الناغض أيضًا كذا فسره النووي وقال ابن الأثير هو الغضروف العريض الذي على أعلاه اهـ.
قَال قُلْتُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ. وَالْيَوْمَ يَوْمُ الرُّضَّعِ. قَال: يَا ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ! أَكْوَعُهُ بُكْرَةَ. قَال: قُلْتُ: نَعَمْ. يَا عَدُوَّ نَفْسِهِ! أَكْوَعُكَ بُكْرَةَ. قَال: وَأَرْدَوْا فَرَسَينِ عَلَى ثَنِيَّةٍ قَال: فَجِئْتُ بِهِمَا أَسُوقُهُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَال: وَلَحِقَنِي عَامِرٌ بِسَطِيحَةٍ
ــ
(قال) سلمة: (قلت) لذلك الرجل (خذها) أي خذ هذه الطعنة (وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع قال) ذلك الرجل: (يا ثكلته أمه) الثكل فقد الولد ومراده الدعاء عليه بالموت ويا للنداء والمنادى بها محذوف تقديره يا قوم تعجبوا إن هذا لمطعون فقدته أمه أو يا هؤلاء أو هي لمجرد التنبيه أي انتبهوا إن هذا المطعون فقدته أمه (أكوعه بكرة) هو برفع العين على أنه خبر لمحذوف أي أنت أكوع اليوم الذي كنت بكرة هذا النهار ولهذا قال نعم وبكرة منصوب غير منون للتأنيث والتعريف لأنه قصد بها بكرة يوم بخصوصه قال أهل العربية يقال: أتيته بكرة بالتنوين إذا أردت أنك لقيته باكرًا في يوم غير معين قالوا: وإن أردت بكرة يوم بعينه قلت: أتيته بكرة غير مصروف لأنها من الظروف المتمكنة اهـ نووي.
وفي تعليق الذهني قوله (أكوعه بكرة) هكذا في عامة النسخ التي بأيدينا (أكوعه) بالإضافة إلى ضمير الغائب ومعناه هذا الأكوع الذي كان يرتجز لنا به صباح هذا النهار قد عاد يرتجز لنا به آخره وقد علمت أنه كان أول ما لحقهم صاح بهم بهذا الرجز ووقع في رواية البهجة أكوعنا بكرة بالإضافة إلى ضمير المتكلمين أي أنت الأكوع الذي كنت تتبعنا بكرة اليوم قال نعم أنا أكوعك بكرة ولعل هذه الرواية أقرب إلى الصواب لاتصال آخر الكلام فيها بأوله وموافقة صدره لعجزه وبكرة هنا منصوبة بلا تنوين لأنه يريد بها بكرة اليوم الذي كانوا فيه ولو أريد بها بكرة يوم غير معين لكانت منصوبة مع التنوين لأنها نكرة اهـ (قال) سلمة: (قلت) له أي لذلك الرجل (نعم يا عدو نفسه) أنا (أكوعك) الذي أرتجز لك بهذا الرجز (بكرة) هذا النهار (قال) سلمة: (وأردوا) أي أردى أولئك المشركون (فرسين) أي رموهما وتركوهما (على ثنية) في جبل قال ابن الأثير: أرديته رميته وتركته والمراد أنه من شدة خوفهم تركوا من خيلهم فرسين ولم يقفوا عليهما هربًا وخوفًا أن يلحقهم هذه رواية الجمهور ورواه بعضهم (أرذوا) بالذال المعجمة وهي بمعنى الأولى (قال) سلمة: (فجئت بهما) أي بالفرسين حالة كوني (أسوقهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) سلمة: (ولحقني) عمي (عامر) بن الأكوع (بسطحية) أي بإناء
فِيهَا مَذْقَةٌ مِنْ لَبَنٍ وَسَطِيحَةٍ فِيهَا مَاءٌ. فَتَوَضَّأْتُ وَشَرِبْتُ. ثُمَّ أَتَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي حَلأتُهُمْ عَنْهُ. فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَخَذَ تِلْكَ الإِبِلَ. وَكُلَّ شَيْءٍ اسْتَنْقَذْتُهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَكُلَّ رُمْحٍ وَبُرْدَةٍ. وَإِذَا بِلالٌ نَحَرَ نَاقَةً مِنَ الإِبِلِ الَّذِي اسْتَنْقَذْتُ مِنَ الْقَوْمِ. وَإِذَا هُوَ يَشْوي لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ كَبِدِهَا وَسَنَامِهَا. قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! خَلِّنِي فَأَنْتَخِبُ مِنَ الْقَوْمِ مِائَةَ رَجُلٍ. فَأَتَّبِعُ الْقَوْمَ فَلَا يَبْقَى مِنْهُمْ مُخْبِرٌ إِلَّا قَتَلْتُهُ. قَال: فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ
ــ
من جلود سطح أي ركب بعضها فوق بعض (فيها مذقة من لبن) بفتح الميم وسكون الذال أي قليل من لبن ممزوج بماء (وسطحية) أي إناء (فيها ماء فتوضأت) بالماء (وشربت) اللبن (ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) صلى الله عليه وسلم (على الماء الذي حلأتهم) أي حلأت المشركين وأجليتهم (عنه).
قال النووي: كذا هو في أكثر النسخ حلأتهم بالهمز وفي بعضها حليتهم بالياء وقد سبق قريبًا بيانه (فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ تلك الإبل) واللقاح (وكل شيء استنقذته) أي أخذته (من المشركين وكل رمح وبردة وإذا بلال) مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم (نحر ناقة من الإبل الذي) كذا في أكثر النسخ وفي بعضها التي وهي الصواب لأن الإبل مؤنثة ولا تغتر بما قاله النووي والسنوسي هنا كما اعترض عليهما صاحب البهجة (استنقذت) ورجعت (من القوم) المشركين (وإذا هو) أي بلال (يشوي) ويقلي (لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كبدها وسنامها قال) سلمة: (قلت: يا رسول الله خلني) أي اتركني وأذن لي (فأنتخب من القوم) المسلمين (مائة رجل) وقوله: (فانتخب) أي فأختار روي بالنصب على أن الفاء فاء السببية الواقعة في جواب الأمر وبالرفع على أنها لمجرد العطف (فأتبع) بالتشديد روي بالوجهين أيضًا (القوم) المشركين (فلا يبقى منهم) أي من المشركين (مخبر) على صيغة اسم الفاعل يعني لا يبقى منهم أحد يخبر قومه بهلاك هؤلاء (إلا قتلته قال) سلمة: (فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم أي تبسم (حتى بدت) وظهرت (نواجذه) أي أنيابه وقيل أضراسه قال في الفتح وظاهر السياق إرادة الزيادة على التبسم ويحمل ما ورد في صفته صلى الله عليه وسلم أن ضحكه
فِي ضَوْءِ النَّارِ. فَقَال: "يَا سَلَمَةُ! أَتُرَاكَ كُنْتَ فَاعِلًا؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. وَالَّذِي أَكْرَمَكَ! فَقَال: "إِنَّهُمُ الآنَ لَيُقْرَوْنَ فِي أَرْضِ غَطَفَانَ" قَال: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ غَطَفَانَ. فَقَال: نَحَرَ لَهُمْ فُلانٌ جَزُورًا. فَلَمَّا كَشَفُوا جِلْدَهَا رَأَوْا غُبَارًا. فَقَالُوا: أَتَاكُمُ الْقَوْمُ. فَخَرَجُوا هَارِبِينَ. فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كَانَ خَيرَ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أَبُو قَتَادَةَ. وَخَيرَ رَجَّالتِنَا سَلَمَةُ" قَال: ثُمَّ أَعْطَانِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَهْمَينِ: سَهْمُ الْفَارِسِ وَسَهْمُ الرَّاجِلِ. فَجَمَعَهُمَا لِي جَمِيعًا
ــ
كان تبسمًا على غالب أحواله أي ظهرت نواجذه (في ضوء النار) التي يوقدونها لظلام الليل (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لسلمة: (يا سلمة أتراك كنت فاعلًا) أي أتظنك كنت فاعلًا ذلك لو أذنت لك فيه قال سلمة: (قلت) له صلى الله عليه وسلم (نعم) أظنني كنت فاعلًا ذلك لو أذنت لي (والذي كرمك) بالحق (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنهم الآن ليقرون) أي ليضافون (في أرض غطفان) بضم الياء وفتح الراء على البناء للمجهول من القرى وهو الضيافة يعني أنهم قد بلغوا بني غطفان وهم يقرونهم بتقديم طعامه وغيره وهذا من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم حيث أخبر بما وقع لهم بعد غيابهم منه صلى الله عليه وسلم (قال) سلمة: (فجاء رجل من) أرض (غطفان فقال) ذلك الرجل (نحر لهم فلان) أي واحد من قومهم (جزورًا) أي ناقة (فلما كشفوا) أي سلخوا (جلدها رأوا غبًااأ) ساطعًا في السماء (فقالوا) أي قال بعضهم لبعض: (أتاكم القوم) أي المسلمون (فخرجوا) عن منزلهم الذي نحر لهم فيه (هاربين) أي شاردين فارين (فلما أصبحنا) أي دخلنا في صباح تلك الليلة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة) الأنصاري جمع فارس. وهو من يقاتل على فرسه له ثلاثة أسهم سهمان لفرسه وسهم لنفسه (و) كان (خير رجالتنا) بتشديد الجيم جمع راجل وهو من يقاتل على رجله له سهم واحد (سلمة) بن الأكوع قال النووي رحمه الله وفي هذا دلالة على استحباب الثناء على الشجعان وسائر أهل الفضائل ولا سيما عند صنيعهم الجميل لما فيه من الترغيب لهم ولغيرهم في الإكثار من ذلك الجميل وهذا كله في حق من يأمن الفتنة عليه بإعجاب ونحوه اهـ (قال) سلمة: (ثم أعطانى رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين سهم الفارس وسهم الراجل فجمعهما لي جميعًا) قال النووي هذا محمول على أن الزائد على سهم الراجل كان نفلًا وهو حقيق باستحقاقه
ثُمَّ أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَاءَهُ عَلَى الْعَضْبَاءِ. رَاجِعِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ. قَال: فَبَينَمَا نَحْنُ نَسِيرُ. قَال: وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ لَا يُسْبَقُ شَدًّا ، قَال: فَجَعَلَ يَقُولُ: أَلا مُسَابِقٌ إِلَى الْمَدِينَةِ؟ هَلْ مِنْ مُسَابِقٍ؟ فَجَعَلَ يُعِيدُ ذَلِكَ. قَال: فَلَمَّا سَمِعْتُ كَلامَهُ قُلْتُ: أَمَا تُكْرِمُ كَرِيمًا. وَلَا تَهَابُ شَرِيفًا؟ قَال: لَا. إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! بِأَبِي وَأُمِّي، ذَرْنِي فَلأُسَابِقَ الرَّجُلَ
ــ
رضي الله عنه لبديع صنعه في هذه الغزوة وقال القاضي عياض وأما سهم الفارس فيحتمل لأنه أغنى ما لم تغن فوارس، ولأنه استنقذ الغنائم قبل أن يلحقه الجيش ويحتمل أنه من الخمس اهـ.
قوله (سهم الراجل وسهم الفارس) أما سهم الراجل فهو حقه وأما سهم الفارس فهو شيء نفله النبي صلى الله عليه وسلم إياه لحسن بلائه والتنفيل تخصيص الإمام من له غناء في الحرب بشيء من المال زيادة على سهمه وقد اختلف العلماء فيه فقال بعضهم: يعطي النفل من أصل الغنيمة وقال آخرون بل من الخمس ونقل الزرقاني عن الشافعي أنه قال بتفويضه لرأي الإمام يعمل بما يرى فيه المصلحة لإطلاق قوله تعالى: {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} اهـ ذهني قال سلمة بن الأكوع (ثم أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه) أي خلفه (على) ناقته (العضباء) هو لقب ناقة النبي صلى الله عليه وسلم والعضباء مشقوقة الأذن ولم تكن ناقته صلى الله عليه وسلم كذلك وإنما هو لقب لزمها، أي أردفني عليها حالة كوننا (راجعين إلى المدينة قال) سلمة:(فبينما نحن نسير) إلى المدينة (قال) سلمة تأكيد لقال الأول (وكان رجل من الأنصار لا يسبق) بالبناء للمجهول أي لا يسبقه غيره (شدًا) أي عدوًا على الرجلين يعني أنه كان شديد الجري بحيث لا يسبقه أحد في العدو (قال) سلمة (فجعل) الرجل (يقول: ألا مسابق) معي (إلى المدينة هل من مسابق) فيكم (فجعل) الرجل (يعيد ذلك) القول ويكرره (قال) سلمة (فلما سمعت كلامه) أي كلام ذلك الرجل (قلت) له (أما تكرم) ولا تستحي (كريمًا ولا تهاب) أي لا تخاف ولا تحترم (شريفًا قال) الرجل (لا) أستحي ولا أهاب من أحد (إلا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم مسابقًا معي فأهاب منه فلا أسابقه (قال) سلمة (قلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله) أنت مفدي (بأبي وأمي ذرني) أي اتركني (فلأسابق الرجل) المذكور الفاء
قَال: "إِنْ شِئْتَ" قَال: قُلْتُ: اذْهَبْ إِلَيكَ. وَثَنَيتُ رِجْلَيَّ فَطَفَرْتُ فَعَدَوْتُ. قَال: فَرَبَطْتُ عَلَيهِ شَرَفًا أَوْ شَرَفَينِ أَسْتَبْقِي نَفَسِي. ثُمَّ عَدَوْتُ فِي إِثْرِهِ. فَرَبَطْتُ عَلَيهِ شَرَفًا أَوْ شَرَفَينِ. ثُمَّ إِنِّي رَفَعْتُ حَتَّى أَلْحَقَهُ. قَال: فَأَصُكُّهُ بَينَ كَتِفَيهِ. قَال: قُلْتُ: قَدْ سُبِقْتَ
ــ
زائدة واللام لام كي والتقدير ذرني كي أسابق الرجل أو اللام زائدة والفاء سببية واقعة في جواب الأمر أي ذرني فأسابق الرجل (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن شئت) المسابقة معه فقد أذنت لك ففي الحديث المسابقة بالأقدام قال النووي: المسابقة على الأقدام بغير عوض جائزة اتفاقًا وفيها بعوض عندنا اختلاف والأصح المنع اهـ نووي (قال) سلمة (قلت) للرجل اذهب أمر من الذهاب أي ابدأ الذهاب والمشي للمسابقة قبلي و (إليك) أي تنح عني وتباعد في الذهاب قبلي لأدركك (وثنيت) أي عطفت أنا (رجلي) وكففتهما عن الجري ليبعد عني في المسافة (فـ) ـبعد ما تباعد عني في الجري (طفرت) بالطاء المهملة والفاء أي وثبت وقفزت من مكاني لأسعى وراءه (فعدوت) أي فسعيت وراءه سعيًا شديدًا (قال) سلمة: (فربطت) أي حبست نفسي ومنعتها من الجري الشديد (عليه) أي لأجله ليتباعد عني قدامي ويصعد قبلي (شرفًا أو شرفين) والشرف ما ارتفع من الأرض أي حبست نفسي عن الجري الشديد حالة كوني (استبقي نفسي) بفتح الفاء لئلا ينقطع من شدة الجري ولعل المراد أني لم أبذل في بداية الأمر قصارى قوتي في الجري لئلا ينقطع نفسي بل استبقيته ليمكن لي الإسراع عندما أقترب من الرجل اهـ تكملة أي حالة كوني قاصدًا إبقاء نفسي لئلا يقطعه شدة الجري في الشرف فيدركني العجز عن المسابقة قبل إتمامها (ثم) بعدما حبست نفسي عنه شرفًا أو شرفين وتأخرت عنه فيه أوفيهما (عدوت) أي أسرعت إسراعًا شديدًا (في إثره) أي في عقبه وورائه لأدركه (فـ) ـبعد ما قربت إليه (ربطت) أي حبست نفسي عن الجري الشديد (عليه) أي لأجله (شرفًا أو شرفين ثم) بعدما تأخرت عنه شرفًا أو شرفين (إني رفعت) أي أسرعت إسراعًا شديدًا (حتى ألحقه) أي لكي ألحقه وأدركه وحتى هنا للتعليل بمعنى كي وألحق منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعدها (قال) سلمة: (فأصكه) مضارع بمعنى الماضي معطوف في المعنى على رفعت أي ثم إني رفعت وأسرعت سيري فأدركته فصككته أي طعنته بيدي (بين كتفيه قال) سلمة ثم بعدما صككته (قلت) له: (قد سبقت
وَاللَّهِ. قَال: أَنَا أَظُنُّ. قَال: فَسَبَقْتُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ. قَال: فَوَاللَّهِ، مَا لَبِثْنَا إِلَّا ثَلاثَ لَيَالٍ حَتَّى خَرَجْنَا إِلَى خَيبَرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَال: فَجَعَلَ عَمِّي عَامِرٌ يَرْتَجِزُ بِالْقَوْمِ:
تَاللَّهِ! لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَينَا
…
وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّينَا
وَنَحْنُ عَنْ فَضْلِكَ مَا اسْتَغْنَينَا
…
فَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاقَينَا
وَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَينَا
فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ هَذَا؟ " قَال أَنَا عَامِرٌ. قَال: "غَفَرَ لَكَ رَبُّكَ" قَال: وَمَا اسْتَغْفَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لإِنْسَانٍ يَخُصُّهُ إِلَّا اسْتُشْهِدَ. قَال: فَنَادَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَهُوَ
ــ
والله) أيها الرجل بالبناء للمجهول أي قد جعلتك مسبوقًا لي وأنا السابق لك (قال) الرجل (أنا أظن) ذلك حذف مفعوله للعلم به أي أظن كوني مسبوقًا لك يعني أنا أظن كذلك أنك قد سبقتني (قال) سلمة: (فسبقته) أي فسبقت الرجل (إلى المدينة قال) سلمة: (فوالله ما لبثنا) أي ما جلسنا بعدما دخلنا المدينة (إلا ثلاث ليال حتى خرجنا) أي فخرجنا بعد ثلاث ليال (إلى خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) سلمة: (فجعل عمي عامر) بن الأكوع هكذا قال هنا عمي وقد سبق في حديث أبي الطاهر عن ابن وهب أنه قال أخي فلعله كان أخاه من الرضاعة وكان عمه من النسب أي فشرع عمي عامر (يرتجز) أي ينشد الرجز (بالقوم) أي للقوم فيقول في رجزه:
(تالله لولا الله ما اهتدينا
…
ولاتصدقنا ولا صلينا
ونحن عن فضلك ما استغنينا
…
فثبت الأقدام إن لاقينا
وأنزلن سكينة علبنا)
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هذا) الراجز (قال) عمي: (أنا عامر) بن الأكوع يا رسول الله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (غفر لك ربك قال) سلمة: (وما استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان يخصه) بالاستغفار له (إلا استشهد) أي قتل شهيدًا (قال) سلمة: (فنادى عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (وهو) أي والحال
عَلَى جَمَلٍ لَهُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! لَوْلَا مَا مَتَّعْتَنَا بِعَامِرٍ. قَال: فَلَمَّا قَدِمْنَا خَيبَرَ قَال: خَرَجَ مَلِكُهُمْ مَرْحَبٌ يَخْطِرُ بِسَيفِهِ وَيَقُولُ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ
…
شَاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ
إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ
قَال: وَبَرَزَ لَهُ عَمِّي عَامِرٌ، فَقَال:
قَدْ عَلِمَتْ خَيبَرُ أَنِّي عَامِرٌ
…
شَاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ مُغَامِرٌ
ــ
أن عمر (على جمل له) والجمل ذكر الإبل (يا نبي الله لولا) حرف امتناع لوجود وفيها معنى التمني (ما) مصدرية وجملة قوله (متعتنا) وأنعمتنا (بـ) ـحياة (عامر) وصحبته والانتفاع به صلة ما المصدرية ما مع صلتها في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء والخبر محذوف والتقدير لولا تمتيعك إيانا بحياة عامر موجود أي نتمنى ذلك (قال) سلمة: (فلما قدمنا خيبر قال) سلمة: تأكيد لقال الأول (خرج) وبرز من صف اليهود (ملكهم) ورئيسهم (مرحب) طلبًا للمبارزة من المسلمين حالة كونه (يخطر) بكسر الطاء من باب ضرب أي يرفع (بسيفه) تارة ويضعه أخرى ومثله خطر البعير بذنبه إذا رفعه مرة ووضعه مرة اهـ نووي (ويقول) معطوف على يخطر أي وحالة كونه يرتجز قائلًا:
(قد علمت خيبر أني مرحب
…
شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب)
يعني قد علم أهل خيبر أني ملكهم مرحب وقوله (شاكي السلاح) وصف مقصود من موصوفها وهو توطئة له ومرحب بفتح الميم وسكون الراء وفتح الحاء اسم لرئيس الحصن وقوله (شاكي السلاح) أي حديده وقويه والشاكي صفة من الشوكة وهي السلاح أو حدته يقال رجل شاكي السلاح وشائكه بمعنى أي قوي السلاح وحديده و (البطل) الشجاع والمجرب بصيغة اسم المفعول هو الذي لاقى الحروب فجربت فيها شجاعته وقهره للرجال قوله (تلهب) يعني تلتهب وتشتعل نارها ومن تمام هذا الرجز ما ذكره ابن إسحاق وغيره:
(أطعن أحيانًا وحينًا أضرب
…
إذا الليوث أقبلت تحزب
إن حماي للحمى لا يقرب
(قال) سلمة: (وبرز له عمي عامر فقال:
قد علمت خيبر أني عامر
…
شاكي السلاح بطل مغامر)
قَال: فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَينِ. فَوَقَعَ سَيفُ مَرْحَبٍ فِي تُرْسِ عَامِرٍ. وَذَهَبَ عَامِرٌ يَسْفُلُ لَهُ. فَرَجَعَ سَيفُهُ عَلَى نَفْسِهِ. فَقَطَعَ أَكْحَلَهُ. فَكَانَتْ فِيهَا نَفْسُهُ.
قَال سَلَمَةُ: فَخَرَجْتُ فَإِذَا نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُونَ: بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ. قَتَلَ نَفْسَهُ. قَال: فَأَتَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبْكِي. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ؟ . قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ قَال ذَلِكَ؟ " قَال: قُلْتُ: نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِكَ. قَال: "كَذَبَ مَنْ قَال ذَلِكَ. بَلْ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَينِ" ثُمَّ أَرْسَلَنِي إِلَى عَلِيٍّ، وَهُوَ أَرْمَدُ. فَقَال:"لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، أَوْ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ"
ــ
والمغامر من يقتحم غمرات الحرب وشدائدها ويلقي نفسه فيها (قال) سلمة: (فاختلفا ضربتين) أي فاختلف عامر ومرحب أي تضاربا ضربتين متعاقبتين (فوقع سيف مرحب في ترس عامر وذهب عامر يسفل له) من باب نصر أي قصد عامر أن يضربه من أسفله (فرجع سيفه على نفسه فقطع) سيفه أكحله أي أكحل عامر (فكانت فيها) أي في تلك الضربة (نفسه) أي حتف نفسه وموته والأكحل عرق في وسط الذراع إذا قطع لا حياة بعده وهو من المقاتل الخطيرة.
(قال سلمة: فخرجت) من منزلي (فإذا نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون بطل عمل عامر) لأنه (قتل نفسه) زعمًا منهم بأنه قتل بسيف نفسه فكأنه قتل نفسه وقتل النفس حرام (قال) سلمة: (فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقلت: يا رسول الله بطل عمل عامر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال ذلك) أي بطلان عمله (قال) سلمة (قلت) له صلى الله عليه وسلم: يقول ذلك (ناس من أصحابك قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كذب) أي أخطأ (من قال ذلك) أي بطلان عمله (بل له) أي لعامر (أجره مرتين) أجر لجهاده وأجر لشهادته قال سلمة (ثم أرسلني) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إلى علي) بن أبي طالب رضي الله عنه (وهو) أي والحال أن عليًّا (أرمد) أي وجع العين (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أرسلني قبل حضور عليِّ والله (لأعطين الراية) والعلم (رجلًا يحب الله ورسوله أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو سلمة والشك من سلمة أو ممن دونه لأعطين الراية رجلًا (يحبه الله ورسوله
قَال: فَأَتَيتُ عَلِيًّا فَجِئْتُ بِهِ أَقُودُهُ، وَهُوَ أَرْمَدُ. حَتَّى أَتَيتُ بِهِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَبَسَقَ فِي عَينَيهِ فَبَرَأَ. وَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ. وَخَرَجَ مَرْحَبٌ فَقَال:
قَدْ عَلِمَتْ خَيبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ
…
شَاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ
إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ
فَقَال عَلِيٌّ رضي الله عنه:
أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيدَرَهْ
…
كَلَيثِ غَابَاتٍ كَرِيهِ الْمَنْظَرَهْ
أُوفِيهِمُ بِالصَّاعِ كَيلَ السَّنْدَرَهْ
ــ
قال) سلمة: (فأتيت عليًّا) في منزله (فجئت به) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كوني (أقوده) بيده (وهو أرمد) قال أهل اللغة يقال رمد الإنسان يرمد من باب فرح رمدًا فهو رمد وأرمد إذا هاجت عينه وقوله (حتى أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم غاية لأقود فبسق أي فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم (في عينيه فبرأ) علي أي شفي من رمده (وأعطاه) أي أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم (الراية) أي راية الحرب لعلي رضي الله عنه (وخرج) أي برز (مرحب) للمسلمين (فقال) مرحب:
(قد علمت خيبر أني مرحب
…
شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب)
(فـ) ـبرز له علي و (قال علي رضي الله عنه:
(أنا الذي سمتني أمي حيدره
…
كليث غابات كريه المنظره
أوفيهم بالصاع كيل السندره)
قوله: (أنا الذي سمتني أمي حيدره) الحيدر والحيدرة والحادر من أسماء الأسد سمي بذلك لغلظه وقوته وكان علي رضي الله عنه سمته أمه (وهي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف) حين ولدته باسم أبيها وكان أبو طالب غائبًا فلما قدم سماه عليًّا وذكر في شرح البهجة نقلًا عن الديباج أن مرحبًا كان رأى في منامه أن أسدًا يقتله فأراد علي رضي الله عنه بهذا الرجل تذكيره بذلك ليخيفه ويضعف نفسه ومراده أنا الأسد في جراءته وإقدامه وقوته (كليث غابات) جمع غابة وهي الشجر الملتف وتطلق على عرين
قَال: فَضَرَبَ رَأْسَ مَرْحَبٍ فَقَتَلَهُ. ثُمَّ كَانَ الْفَتْحُ عَلَى يَدَيهِ.
قَال إِبْرَاهِيمُ:
ــ
الأسد أي مأواه كما يطلق العرين على الغابة أيضًا ولعل ذلك لاتخاذه إياه في داخل الغابة غالبًا (أوفيهم بالصاع) أي أقتل الأعداء قتلًا ذريعًا واسعًا (كيل السندره) والسندره مكيال واسع وقيل السندرة العجلة فالمعنى أقتلهم قتلًا عجلًا وقيل السندرة شجرة قوية وهي الصنوبر كما ذكره النووي يعمل منها القسي والسهام (قال) سلمة: (فضرب) علي (رأس مرحب فقتله ثم كان الفتح) أي فتح خيبر (على يديه) أي على يدي علي رضي الله عنه قوله (فقتله) هذا صريح في أن عليًّا رضي الله عنه قتل مرحبًا وقد ذكر ابن إسحاق في قصة طويلة أن قاتله محمد بن مسلمة كما في سيرة ابن هشام والروض الأنف ولكن ذكر القاضي والنووي عن ابن عبد البر أن الصحيح ما في رواية مسلم أن عليًّا رضي الله عنه هو الذي قتله ثم ذكر عن ابن الأثير أن الصحيح الذي عليه أكثر أهل الحديث وأهل السير أن عليًّا هو قاتله وقد ذكر الواقدي في مغازيه [2/ 655] ما يجمع بين الروايتين ولفظه أن مرحبًا برز وهو كالفحل الصؤول يرتجز يدعو للبراز فقال محمد بن مسلمة يا رسول الله أنا والله الموثور الثائر قتل أخي محمود بن مسلمة بالأمس كان مرحب دلى عليه الرحا من فوق الحصن فمات رضي الله عنه فأذن لي في قتال مرحب وهو قاتل أخي فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبارزته ودعا له بدعوات وأعطاه سيفه ويقال: إنه جعل يومئذِ يرتجز ويقول:
يانفس إلا تقتلي تموتي
…
لا صبر لي بعد أبي النبيب
وكان أخوه محمود يكنى بأبي النبيب قال: وبرز كل واحد منهما إلى صاحبه فحال بينهما عشرات أصلها كمثل أصل الفحل من النخل وأفنان منكرة فكلما ضرب أحدهما صاحبه استتر بالعشر حتى قطعا كل ساق لها وبقي أصلها قائمًا كأنه الرجل وأفضى كل واحد منهما إلى صاحبه وبدر مرحب محمدًا فرفع السيف ليضربه فاتقاه محمد بالدرقة فلحج سيفه- وعلى مرحب درع مثمرة- فضرب محمد ساقي مرحب فقطعهما فقال مرحب: أجهز يا محمد قال محمد ذق الموت كما ذاقه أخي محمود وجاوزه ومر به علي فضرب عنقه وأخذ سلبه ثم ذكر الواقدي أن محمد بن مسلمة وعليًّا رضي الله عنه اختصما في سلبه فقضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحمد بن مسلمة والله سبحانه وتعالى أعلم.
(قال) أبو إسحاق (إبراهيم) بن محمد بن سفيان النيسابوري تلميذ الإمام مسلم
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، بِهَذَا الْحَدِيثِ بِطُولِهِ.
4545 -
(00)(00) وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِيُّ السُّلَمِيُّ. حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، بِهَذَا.
4546 -
(1757)(100) حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ
ــ
الذي روى الجامع الصحيح عنه وكان من العباد الصالحين مجابي الدعوة كما ذكره النووي في مقدمة شرحه وإنه حيث ذكر هنا حديث سلمة بن الأكوع برواية الإمام مسلم أعقبه برواية له لهذا الحديث وقعت له بعلو فإن بينه وبين عكرمة بن عمار في جميع طرق مسلم ثلاث وسائط وفي هذه الرواية واسطتان فقط فذكر أنه سمع هذا الحديث من غير طريق مسلم عاليًا. (حدثنا محمد بن يحيى) بن سعيد القطان التميمي أبو صالح البصري ثقة، من (10) مات سنة (233) تقدم في المقدمة (حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث) بن سعيد العنبري التميمي البصري صدوق من (9)(عن عكرمة بن عمار) العجلي وساق محمد بن يحيى (بهذا الحديث بطوله) فلم يرو إبراهيم بن محمد بهذا السند عن الإمام مسلم بل غرضه بيان متابعة محمد بن يحيى للإمام مسلم في رواية هذا الحديث له عن عكرمة بن عمار ولكن بسند عال هنا كما مر آنفًا وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات لم يروه غيره ثم ذكر المتابعة فيه فقال.
4545 -
(00)(00)(وحدثنا أحمد بن يوسف) بن خالد بن سالم (الأزدي السلمي) أبو الحسن النيسابوري المعروف بحمدان ثقة نبيل من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا النضر بن محمد) بن موسى الأموي مولاهم أبو محمد اليمامي ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (عن عكرمة بن عمار) العجلي اليمامي وقوله (بهذا) الحديث متعلق بحدثنا غرضه بيان متابعة النضر بن محمد لمن روى عن عكرمة بن عمار ثم استدل المؤلف رحمه الله على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال.
4546 -
(1757)(100)(حدثني عمرو بن محمد) بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي ثقة، من (10)(حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم أبو
أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ هَبَطُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ جَبَلِ التَّنْعِيمِ مُتَسَلِّحِينَ. يُرِيدُونَ غِرَّةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ. فَأَخَذَهُمْ سَلَمًا، فَاسْتَحْيَاهُمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيهِمْ} [الفتح: 24]
ــ
خالد الواسطي ثقة، من (9)(أخبرنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري ثقة، من (8)(عن ثابت) بن أسلم البناني البصري ثقة، من (4) (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن ثمانين رجلًا من أهل مكة هبطوا) أي نزلوا (على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالحديبية (من جبل التنعيم متسلحين) أي لابسين السلاح آخذين به حالة كونهم (يريدون) أي يقصدون (غرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه) الغرة الغفلة يعني أرادوا أن يتحاملوا على المسلمين على غفلة منهم أي يريدون أن يصادفوا منه ومن أصحابه غفلة عن التأهب لهم ليتمكنوا من غدرهم والفتك بهم (فأخذهم) رسول الله صلى الله عليه وسلم (سلمًا) بفتحتين أي قهرًا واستسلامًا منهم لأنفسهم (فاستحياهم) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أبقاهم أحياء لم يقتلهم (فأنزل الله عز وجل في ذلك قوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيدِيَهُمْ عَنْكُمْ} حين أرادوا غرتكم (وأيديكم عنهم ببطن مكة) يعني ببطن الحديبية لأنها قريبة من الحرم (من بعد أن أظفركم عليهم) حين أخذتموهم وتمكنتم من قتلهم [الفتح / 24].
قوله: (فأخذهم سلمًا) ضبطه الخطابي وغيره بفتح السين واللام والمراد به الاستسلام والإذعان كقوله تعالى: {وَأَلْقَوْا إِلَيكُمُ السَّلَمَ} يعني أخذهم حال كونهم منقادين مستسلمين أنفسهم إليه قهرًا وضبطه الحميدي بكسر السين وسكون اللام والسلم الصلح يعني أخذهم صلحًا ورجح القاضي عياض وابن الأثير الوجه الأول قال ابن الأثير في جامع الأصول [2/ 360] والذي ذهب إليه الخطابي هو الأشبه بالقصة لأنهم لم يؤخذوا عن صلح وإنما أخذوا قهرًا فأسلموا أنفسهم عجزًا وأما ما ذهب إليه الحميدي فله وجه أيضًا وذلك أنه لم يجر عليهم معاملة حرب إنما صالحوهم على أن يؤخذوا أسرى ولا يقتلوهم فسمي الانقياد إلى ذلك صلحًا والله أعلم (فاستحياهم) أي أبقى عليهم حياتهم ولم يقتلهم وقد تقدم لك أنه قد وردت روايات أخرى في سبب نزول هذه الآية فراجعه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الجهاد باب في المن على الأسير [2688]، والترمذي في التفسير باب ومن سورة الفتح [3260]، وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ثلاثة الأول: حديث سلمة بن الأكوع ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة والثاني: حديث سلمة بن الأكوع الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثالث: حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم.
***