المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌624 - (17) باب في غزوة حنين وغزوة الطائف وغزوة بدر - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ١٩

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب: الأقضية

- ‌608 - (1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد والحكم بالظاهر واللحن بالحجة

- ‌609 - (2) باب الحكم على الغائب والاعتصام بحبل الله وأن الحاكم المجتهد له أجران في الإصابة وأجر في الخطأ

- ‌610 - (3) باب لا يقضي الفاضي وهو على حال يشوش فكره ورد المحدثات ومن خير الشهود واختلاف المجتهدين وإصلاح الحاكم بين الخصمين

- ‌ أبواب اللقطة

- ‌611 - (4) باب أحكام اللقطة والضوال والاستظهار في التعريف بزيادة على السنة إذا ارتجى ربها

- ‌612 - (5) باب النهي عن لقطة الحاج وعن أن يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه والأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها

- ‌613 - (6) باب الأمر بالمواساة بفضول الأموال واستحباب خلط الأزواد إذا قلت

- ‌ كتاب: الجهاد والسير

- ‌(614) (7) باب جواز الإغارة على الكفار الذين بلغتهم الدعوة وتأمير الإمام الأمراء على البعوث والوصية لهم

- ‌615 - (8) باب الأمر بالتيسير وتحريم الغدر

- ‌616 - (9) باب جواز الخداع في الحرب وكراهة تمني لقاء العدو واستحباب دعاء النصر عند لقاء العدو

- ‌617 - (10) باب تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب وجواز قتلهن في البيات وجواز قطع أشجارهم وتحريقها

- ‌618 - (11) باب تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة وحكم الأنفال واستحقاق القاتل السلب

- ‌619 - (12) باب التنفيل وفداء المسلمين بالأسارى وحكم الفيء وقوله صلى الله عليه وسلم: لا نورث ما تركنا فهو صدقة

- ‌620 - (13) باب بيان كيفية قسم الغنيمة بين الحاضرين والإمداد بالملائكة وجواز ربط الأسير والمن عليه

- ‌621 - (14) باب إجلاء اليهود من الحجاز وإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب وجواز قتل من نقض العهد وجواز إنزال أهل الحصن على حكم حاكم عدل

- ‌مسألة القيام للقادم

- ‌622 - (15) باب المبادرة بالغزو وتقديم أهم الأمرين ورد المهاجرين إلى الأنصار منائحهم وجواز الأكل من طعام الغنيمة في دار الحرب

- ‌623 - (16) باب كتابه صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام وكتابه إلى ملوك الكفار يدعوهم إلى الله عز وجل

- ‌624 - (17) باب في غزوة حنين وغزوة الطائف وغزوة بدر

- ‌625 - (18) باب فتح مكة وإزالة الأصنام من حول الكعبة وقوله صلى الله عليه وسلم: لا يقتل قرشي صبرًا بعد الفتح

- ‌626 - (19) باب صلح الحديبية والوفاء بالعهد

- ‌627 - (20) باب غزوة الأحزاب وغزوة أحد واشتداد غضب الله على من قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌628 - (21) باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين وصبره على ذلك ودعائهم للتوحيد

- ‌629 - (22) باب قتل أبي جهل وقتل كعب بن الأشرف وغزوة خيبر وغزوة الأحزاب

- ‌630 - (23) باب غزوة ذي قرد وصلح الحديبية وقوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيدِيَهُمْ عَنْكُمْ} الآية

- ‌631 - (24) باب غزوة النساء مع الرجال والرضخ للنساء الغازيات والنهي عن قتل صبيان أهل الحرب

- ‌632 - (25) باب عدد غزوات النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وغزوة ذات الرقاع وكراهة الاستعانة بالكافر في الغزو

- ‌ كتاب الإمارة

- ‌633 - (26) باب اشتراط نسب قريش في الخلافة وجواز ترك الاستخلاف

الفصل: ‌624 - (17) باب في غزوة حنين وغزوة الطائف وغزوة بدر

‌624 - (17) باب في غزوة حنين وغزوة الطائف وغزوة بدر

4478 -

(1722)(67) وحدثني أبُو الطاهِرِ أحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أخْبَرَنِي يُونُس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ عَباسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. قَال: قَال عَباسٌ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَينٍ

ــ

624 -

(17) باب في غزوة حنين وغزوة الطائف وغزوة بدر

4478 -

(1722)(67)(وحدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح) الأموي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن ابن شهاب قال حدثني كثير بن عباس بن عبد المطلب) الهاشمي أبو تمام المدني صحابي أو ثقة من (2)(قال) كثير: (قال) والدي (عباس) بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته وفيه رواية صحابي عن صحابي أو تابعي عن تابعي (شهدت) أي حضرت (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم) غزوة (حنين) بضم الحاء مصغرًا واد بين مكة والطائف وراء عرفات بينه وبين مكة بضعة عشر ميلًا وهو مصروف كما جاء به القرآن العزيز قال الحموي في معجم البلدان [7/ 313] وهو يذكر ويؤنث فإن قصدت به البلد ذكرته وصرفته كقوله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَينٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} وإن قصد به البلدة والبقعة أنثته ولم تصرفه كقول الشاعر:

نصروا نبيهم وشدوا أزره

بحنين يوم تواكل الأبطال

ولكن ذكر البكري في معجم ما استعجم [1/ 47] أن الأغلب عليه التذكير لأنه اسم ماء هناك وذكر السهيلي في الروض الأنف [2/ 286] أن هذا الموضع سمي بحنين بن قانية بن مهلايل وكان سبب هذه الغزوة على ما ذكره ابن إسحاق وغيره من أصحاب السير أنه لما سمعت هوازن بأن الله تعالى فتح مكة على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعت جيشًا لقتاله صلى الله عليه وسلم فيهم مع هوازن ثقيف كلها ونصر وجشم كلها وسعد بن بكر وناس من بني هلال فلما سمع بهم النبي صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي وأمره أن يدخل في الناس فيقيم فيهم حتى يعلم علمهم ثم يأتيه بخبرهم فانطلق فدخل فيهم حتى سمع وعلم ما قد أجمعوا عليه من حرب

ص: 242

فَلَزِمْتُ أنا وَأَبُو سُفْيَانَ بن الحارِثِ بنِ عَبْدِ المطلِبِ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم. فَلَمْ نُفَارِقْهُ. وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى بَغلَةٍ لَهُ، بَيضَاءَ. أهْدَاهَا لَهُ فَرْوَةُ بنُ نُفَاثَةَ الجُذَاميُّ

ــ

رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فأجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى هوازن ليلقاهم ومعه ألفان من أهل مكة مع عشرة آلاف من أصحابه الذين خرجوا لفتح مكة فكانوا اثني عشر ألفًا حتى التقى الجيشان بوادي حنين اهـ من سيرة ابن هشام [2/ 287 و 289] قال العباس: (فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب) ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جماعة من العلماء اسمه هو كنيته وقال آخرون اسمه المغيرة وأخوه صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أرضعتهما حليمة السعدية وكان يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ممن يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم ويهجوه ويؤذي المسلمين في حالة كفره وإلى ذلك أشار حسان بن ثابت في قصيدته المشهورة:

هجوت محمدًا فأجبت عنه

وعند الله في ذاك الجزاء

أسلم يوم فتح مكة ويقال إنه لم يرفع رأسه إلى رسول الله حياء منه كذا في الإصابة للحافظ [4/ 90](فلم نفارقه ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي) قال النووي قال العلماء لا يعرف له صلى الله عليه وسلم بغلة سواها وهي التي يقال لها دلدل وأخرج البخاري وغيره في الجهاد أن ملك أيلة أهدى له صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء واسم ملك أيلة فيما ذكره ابن إسحاق يحنة بن رؤبة والله أعلم اهـ نووي ورجح الحافظ في الفتح [6/ 75] أن تلك البغلة غير البغلة التي كانت معه يوم حنين قال النووي هكذا قال في هذه الرواية وفي الرواية التي بعدها أنها بغلة بيضاء وقال في آخر الباب على بغلته الشهباء وهي واحدة قوله أهداها له فروة بن نفاثة بضم النون ثم فاء مخففة ثم ألف ثم ثاء مثلثة وفي الرواية الآتية فروة بن نعامة بالعين والميم ويقال ابن نباتة ويقال ابن عامر أو ابن عمرو الجذامي نسبة إلى بني جذامة والصحيح المعروف الأول وكان عاملًا للروم على من يليهم من العرب وكان منزله معان وما حولها من أرض الشام هي اليوم في المملكة الأردنية أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعث إليه بإسلامه ولم ينقل أنه اجتمع به صلى الله عليه وسلم قال ابن

ص: 243

فَلَما التَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ، وَلَّى المسلِمُونَ مُدْبِرِينَ. فَطَفِقَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَرْكُضُ بَغْلَتَهُ قِبَلَ الْكُفَّارِ. قَال عَباس: وَأَنَا آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. أَكُفُّهَا إِرَادَةَ أَنْ لَا تُسْرعَ. وَأَبُو سُفْيَانَ آخِذٌ بِرِكَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَي عَباسُ! نَادِ

ــ

إسحاق: وبعث فروة بن عمرو بن النافرة البناني الجذامي إلى النبي صلى الله عليه وسلم رسولًا بإسلامه وأهدى له بغلة بيضاء فبلغ الروم إسلامه فطلبوه فحبسوه ثم قتلوه فقال في ذلك أبياتًا منها قوله:

أبلغ سراة المسلمين بأنني

مسلم لربي أعظمي وبناني

اهـ من الإصابة [3/ 207] ثم ركوبه صلى الله عليه وسلم البغلة في موطن الحرب وعند اشتداد الناس هو النهاية في الشجاعة والثبات ولأنه يكون أيضًا معتمدًا يرجع المسلمون إليه وتطمئن قلوبهم به وبمكانه وإنما فعل هذا عمدًا وإلا فقد كانت له صلى الله عليه وسلم أفراس معروفة ومما ذكره في هذا الحديث من شجاعته صلى الله عليه وسلم تقدمه يركض بغلته إلى جمع المشركين وقد فر الناس عنه وفي الرواية الأخرى أنه نزل إلى الأرض حين غشوه وهذه مبالغة في الثبات والشجاعة والصبر وقيل فعل ذلك مواساة لمن كان نازلًا على الأرض من المسلمين وقد أخبر الصحابة رضي الله عنهم بشجاعته في جميع المواطن وفي صحيح مسلم قال إن الشجاع منا الذي يحاذى به وإنهم كانوا يتقون به اهـ من النووي (فلما التقى المسلمون والكفار) وتقابلوا (ولى المسلمون) أي هربوا وانهزموا مدبرين أي جاعلين دبرهم إلى الكفار وهي حال مؤكدة لعاملها من غير لفظه (فطفق) أي شرع (رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض) أي يُجري (بغلته) وشرع بها (قبل الكفار) أي جهتهم ومعنى (يركض بغلته) أي يضربها برجله الشريفة على كبدها لتسرع (قال عباس) بن عبد المطلب: (وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم واللجام الحديدة التي تجعل في فم الدابة حالة كوني (أكفها) أي أمنعها عن الإسراع وقوله (إرادة أن لا تسرع) إلى جهة العدو مفعول لأجله لآخذ منصوب به (وأبو سفيان آخذ بركاب) بغلة (رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا تسرع والركاب الحديدة التي يجعل الراكب فيها قدمه (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي عباس ناد

ص: 244

أَصحَابَ السمُرَةِ". فَقَال عَباسٌ: (وَكَانَ رَجُلا صَيِّتًا): فَقُلْتُ بِأَعْلَى صَوتِي: أَينَ أَصْحَابُ السَّمُرَةِ؟ قَال: فَوَاللهِ! لَكَأَنَّ عَطْفَتَهُمْ، حِينَ سَمِعُوا صَوْتِي، عَطْفَةُ الْبَقَرِ عَلَى أَوْلادِهَا. فـ

ــ

أصحاب السمرة) أي يا عباس ناد أصحاب الشجرة المسماة بالسمرة التي بايعوا تحتها بيعة الرضوان كما قال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} (والسمرة) بفتح السين وضم الميم شجرة معروفة صغيرة الورق الشوك وله ثمرة صفراء يأكلها الناس وليس في العضاه شيء أجود خشبًا منها ينقل إلى القرى فتغمى به البيوت كما في تاج العروس [3/ 278] والمراد ها هنا الشجرة التي بايع الصحابة تحتها بيعة الرضوان يوم الحديبية وإنما ناداهم بأصحاب السمرة لتذكيرهم عهدهم الذين عاهدوا به في الحديبية (فقال عباس وكان) العباس (رجلًا صيتًا) وجملة كان كلام مدرج من بعض الرواة أو من ولده كثير معترض بين قال ومقوله وهو جملة قوله فقلت ومعنى صيتًا أي مديد الصوت قويه رفيعه وحكى النووي عن الحازمي أن العباس رضي الله عنه كان يقف على سلع فينادي غلمانه في آخر الليل وهم في الغابة فيسمعهم وبين سلع والغابة ثمانية أميال وسلع بالفتح جبيل في المدينة والغابة موضع من عواليها كما في تاج العروس وقال الشيخ ذهني في تعليقه ومَرَّ بي في بعض الكتب أن العباس كان يزجر السباع عن الغنم فيفتق مرارة السبع في جوفه وهذا أغرب مما ذكره النووي قال العباس: (فقلت بأعلى صوتي): وأرفعه (أين أصحاب السمرة قال) العباس: (فوالله لكان عطفتهم) وعودتهم ورجوعهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (عطفة البقر) أي عطفة أمهات البقر وعودتها (على أولادها) عند حنين الأولاد لفقد الأمهات أي عودهم إلى مكانهم وإقبالهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تعطف البقرة على أولادها عند سماع حنينها وفيه دليل على أن فرار المسلمين لم يكن بعيدًا وأنه لم يحصل الفرار من جميعهم وإنما فتحه عليهم من في قلبه مرض من مسلمة أهل مكة المؤلفة ومشركيها الذين لم يكونوا أسلموا وإنما كانت هزيمتهم فجأة لانصبابهم عليهم دفعة واحدة ورشقهم بالسهام لاختلاط أهل مكة معهم ممن لم يستقر الإيمان في قلبه وممن يتربص بالمؤمنين الدوائر وفيهم نساء وصبيان خرجوا للغنيمة فتقدم أخفاؤهم فلما رشقوهم بالنبل ولوا فانقلبت أولاهم على أخراهم إلى أن أنزل الله سكينته على المؤمنين كما ذكر الله تعالى في القرآن اهـ نووي (فـ) ـلما سمعوا

ص: 245

ـقالُوا: يَا لَبيكَ! يَا لَبيكَ! قَال: فَاقتَتَلُوا وَالكُفَّارَ. وَالدعوَةُ فِي الأَنصَارِ. يَقُولُونَ: يَا مَعْشَرَ الأنصَارِ! يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ. قَال: ثُم قُصِرَتِ الدعْوَةُ عَلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزرَجِ! فَقَالُوا: يَا بَنِي الحارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ! يَا بَنِي الحارِثِ بنِ الْخَزرَجِ، فَنَظَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى بَغلَتِهِ، كَالمتَطَاولِ عَلَيهَا، إِلَى قِتَالِهِمْ. فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"هذَا حِينَ حَمِيَ الْوَطِيسُ"

ــ

صوت العباس (قالوا: يا) رسول الله أو يا صاحب الصوت (لبيك يا لبيك) كرره للتأكيد (قال) العباس: (فاقتتلوا والكفار) بنصب الكفار على أنه مفعول معه والواو بمعنى مع أي اقتتل المسلمون مع الكفار (والدعوة في الأنصار) بفتح الدال أي الاستغاثة والمناداة فيما بين الأنصار (يقولون) أي يقول بعضهم لبعض أي قولهم في الدعوة والاستغاثة (يا معشر الأنصار) أقبلوا إلى العدو وكروا إليهم (يا معشر الأنصار) كرره تأكيدًا لعل مراده أن الدعوة وجهت إلى الأنصار خاصة بعدما رجع المهاجرون (قال) العباس: (ثم قصرت الدعوة) أي المناداة والاستغاثة (على بني الحارث بن الخزرج) يعني لما حضر الأنصار جميعهم سوى بني الحارث بن خزرج قصرت الدعوة عليهم لحصول الرجوع من غيرهم ووقع في رواية ابن إسحاق وكانت الدعوة أول ما كانت يا للأنصار ثم خلصت أخيرًا يا للخزرج وكانوا صبرًا عند الحرب اهـ من سيرة ابن هشام [2/ 290](فقالوا) أي قال بعضهم لبعض: (يا بني الحارث بن الخزرج) أقبلوا على العدو وكروا عليهم (يا بني الحارث بن الخزرج) توكيد لفظي (فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها) أي على بغلته أي كالمشرف والمتطلع من فوقها (إلى قتالهم) متعلق بنظر أي إلى قتال المسلمين مع الكفار (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا) الحين (حين) قد (حمي) فيه (الوطيس) ويتضح ذلك برواية ابن إسحاق ولفظها "الآن حمي الوطيس" قال السهيلي: الوطيس نقرة في حجر توقد حوله النار فيطبخ به اللحم والوطيس النذر وفي غزوة أوطاس "وهي غزوة حنين" قال النبي صلى الله عليه وسلم: الآن حمي الوطيس وذلك حين استعرت الحرب وهي من الكلم التي لم يسبق إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمعنى أن الحرب قد استعرت نارها الآن وإنها كلمة جمعت بين بليغ الاستعارة وبديع التورية فإن الموضع الذي وقعت فيه هذه الغزوة تسمى

ص: 246

قَال: ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حَصيَاتٍ فَرَمَى بِهِنَّ وُجُوهَ الكُفارِ. ثُم قَال: "انهزَمُوا. وَرَب مُحَمدٍ! " قَال: فَذَهَبتُ أَنظُرُ فَإذَا الْقِتَالُ عَلَى هَيئَتِهِ فِيمَا أَرَى. قَال: فَوَاللهِ! مَا هُوَ إِلا أَنْ رَمَاهُم بِحَصَيَاتِهِ. فَمَا زِلتُ أَرَى حَدهُمْ كَلِيلًا وَأَمْرَهُم مُدْبِرًا

ــ

أوطاس والخلاصة هذا الوقت وقت قد اتقدت فيه نار الحرب واستعرت واشتدت قال النووي قال الأكثرون: الوطيس هو شبه تنور يسجر فيه ويضرب مثلًا لشدة الحرب التي يشبه حرها حره وقال آخرون: الوطيس هو التنور نفسه وقال الأصمعي: هي حجارة مدورة إذا حميت لم يقدر أحد أن يطأ عليها فيقال الآن حمي الوطمعي وقيل هو الضرب في الحرب وقيل هو الحرب الذي يطيس الناس أي يدقهم قالوا: وهذه اللفظة من فصيح الكلام وبديعه الذي لم يسمع من أحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم اهـ.

وفي تعليق الذهبي قوله: "حمي الوطيس" أي اشتدت حرارة التنور يقال: حميت الحديدة تحمى من باب تعب فهي حامية إذا اشتد حرها بالنار والوطيس شبه التنور ويخبز فيه وقولهم حمي الوطيس كناية عن شدة الحرب كذا في المصباح لكن قالوا هي من الكلمات التي لم يسبق إليها صلى الله عليه وسلم وفيها تورية فإن وقعة حنين كما ذكره الحموي في معجم البلدان وارتضاه الخفاجي في حاشية البيضاوي كانت بواد يسمى أوطاسًا وهو من النوادر التي جاءت بلفظ الجمع للواحد منقول من جمع وطيس كيمين وأيمان اهـ منه. (قال) العباس: (ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات) أي كفا من حصيات ورمال (فرمى بهن) أي بتلك الحصيات (وجوه الكفار) وأعينهم (ثم قال) فيه تقديم وتأخير وقوله: (انهزموا) بصيغة الماضي أي قال العباس: ثم انهزموا (ورب محمد) أي أقسمت لكم برب محمد وثم بمعنى الفاء عاطفة للانهزام على الرمي وهذه معجزة قولية وانهزامهم برميه بحصيات معجزة فعلية (قال) العباس: (فذهبت) أي فشرعت أن (أنظر) إلى الفريقين المتقابلين (فإذا القتال) مستمر بين الفريقين (على هيئته) وصفته (فيما أرى) أي في مرأى عيني (قال) العباس: (فوالله ما هو) أي ما الشأن (إلا أن رماهم) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بحصباته) أي فما الشأن إلا رميه إياهم بحصياته (فما زلت) بعد ذلك إلا أن (أرى حدهم) أي قويهم (كليلًا) أي ضعيفًا عاجزًا (و) أرى (أمرهم) أي شأنهم أن يكون كل منهم (مدبرًا) أي هاربًا والمعنى ما زلت أرى قوتهم

ص: 247

4479 -

(00)(00) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزهْرِي، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَرْوَةُ بْنُ نُعَامَةَ الْجُذَامي. وَقَال: "انْهَزَمُوا. وَرَب الْكَعْبَةِ! انْهَزَمُوا. وَرَب الكَعْبَةِ! " وَزَادَ فِي الحدِيثِ: حَتى هَزَمَهُمُ الله.

قَال: وَكَأَني أنْظُرُ إِلَى النبِي صلى الله عليه وسلم يَرْكُضُ خَلْفَهُم

ــ

ضعيفة وإقبالهم إدبارًا حتى هزمهم الله تعالى قال النووي: هذا فيه معجزتان ظاهرتان لرسول الله صلى الله عليه وسلم إحداهما فعلية والأخرى خبرية فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر بهزيمتهم ورماهم بالحصيات فولوا مدبرين وذكر مسلم في الرواية الأخرى في آخر هذا الباب أنه صلى الله عليه وسلم قبض قبضة من تراب من الأرض ثم استقبل بها وجوههم فقال: شاهت الوجوه فما خلق الله منهم إنسانًا إلا ملأ عينه ترابًا من تلك القبضة وهذا أيضًا فيه معجزتان خبرية وفعلية ويحتمل أنه أخذ قبضة من حصى وقبضة من تراب فرمى بذا مرة وبذا مرة ويحتمل أنه أخذ قبضة واحدة مخلوطة من حصى وتراب اهـ منه وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى من بين الأئمة الستة لم يخرجه غيره فيما أعلم والله أعلم ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه فقال.

4479 -

(00)(00)(وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (ومحمد بن رافع) القشيري النيسابوري (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي (جميعًا عن عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن كثير عن عباس وساق معمر (نحوه) أي نحو ما حدث يونس عن ابن شهاب (غير أنه) أي لكن أن معمرًا (قال) في روايته (فروة بن نعامة الجذامي) بدل قوله فروة بن نفاثة وتقدم لك أن الصحيح هي الرواية السابقة وقال معمر أيضًا (انهزموا ورب الكعبة) بدل قوله ورب محمد وكرر قوله (انهزموا ورب الكعبة) مرتين للتأكيد وكلاهما بصيغة الماضي لأنه مقول لقول محذوف تقديره فرمى بهن وجوه الكفار قال العباس: ثم انهزموا ورب الكعبة وثم عاطفة لانهزموا على رمى (وزاد) معمر (في) آخر (الحديث) لفظة (حتى هزمهم الله) تعالى يعني أنه قال: فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته فما زلت أرى حدهم كليلًا وأمرهم مدبرًا (حتى هزمهم الله) و (قال) معمر أيضًا في وسط الحديث (وكأني أنظر) الآن (إلى النبي صلى الله عليه وسلم حالة كونه (يركض) ويسرع (خلفهم)

ص: 248

عَلَى بَغْلَتِهِ.

4480 -

(00)(00) وحدثناه ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزهْرِي. قَال: أَخْبَرَنِي كَثِيرُ بْنُ الْعَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: كُنْتُ مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَينٍ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ. غَيرَ أَن حَدِيثَ يُونُسَ وَحَدِيثَ مَعْمَرٍ أَكْثَرُ مِنْهُ وَأَتَمُّ.

4481 -

(1723)(68) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. قَال: قَال رَجُلٌ لِلْبَرَاءِ: يَا أَبَا عُمَارَةَ! أَفَرَرْتُمْ يَوْمَ حُنَينٍ؟ قَال: لَا. وَاللهِ!

ــ

أي خلف الكفار (على بغلته) بدل قول يونس فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار وهذا كله بيان لمحل المخالفة بين الروايتين ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عباس رضي الله عنه فقال.

4480 -

(00)(00)(وحدثناه) أي وحدثنا الحديث المذكور يعني حديث عباس محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي صدوق من (10) وقال أبو حاتم فيه غفلة (حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري قال: أخبرني كثير بن العباس عن أبيه) عباس بن عبد المطلب رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة سفيان لمعمر ويونس (قال) العباس: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بوم حنين وساق) أي ذكر سفيان بن عيينة (الحديث) السابق (غير أن) أي لكن (حديث يونس وحديث معمر أكثر) أي أطول متنًا (وأتم) أي أصح سندًا من حديث سفيان لأن ابن أبي عمر صدوق فيه غفلة كما قاله أبو حاتم، وأبوالطاهر وإسحاق بن إبراهيم ثقتان متقنان ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث العباس بحديث البراء رضي الله تعالى عنهما فقال.

4481 -

(1723)(68)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية بن حديج الجعفي الكوفي ثقة، من (7)(عن أبي إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الكوفي ثقة، من (3) (قال) أبو إسحاق:(قال رجل) من قيس (للبراء) بن عازب رضي الله عنه وفي رواية عند البخاري في غزوة حنين إن الرجل من قيس ولم أر من ذكر اسمه وهذا السند من رباعياته (يا أبا عمارة أفررتم) وفي رواية للبخاري أوليتم أي هل فررتم كلكم (يوم) وقعة (حنين قال) البراء: (لا والله

ص: 249

مَا وَلَّى رَسُولُ الله صَلي اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. وَلكِنَّهُ خَرَجَ شُبانُ أَصْحَابِهِ وَأَخِفَّاؤُهُمْ حُسَّرًا لَيسَ عَلَيهِمْ سِلاحٌ، أَوْ كَثِيرُ سِلاحٍ، فَلَقُوا قَوْمًا رُمَاةً لَا يَكَادُ يَسْقُطُ لَهُمْ سَهْمٌ. جَمْعُ هَوَازِنَ

ــ

ما ولى رسول الله) ما زائدة زيدت لتأكيد النفي المفهوم من لا أي ما فر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النووي: هذا الجواب من بديع الأدب لأن تقدير الكلام فررتم كلكم فيقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم وافقهم في ذلك فقال البراء لا والله ما فر النبي صلى الله عليه وسلم ولكن جماعة من الصحابة جرى لهم كذا وكذا اهـ.

ويحتمل أن السائل أخذ التعميم من قوله تعالى {ثُمَّ وَلَّيتُمْ مُدْبِرِينَ} فبين له البراء أنه من العموم الذي أريد به الخصوص والمعنى نحن فررنا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر وحذف فرارهم لأنه لم يرد أن يصرح بفرارهم ومعلوم من حال نبينا وغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عدم الفرار لفرط إقدامهم وشجاعتهم وثقتهم لوعد الله في رغبتهم في الشهادة ولم يثبت عن أحد منهم أنه فر ومن قال ذلك في النبي قتل ولم يستتب عند مالك (ولكنه) أي ولكن الشأن والحال (خرج) من المركز أو من مكة (شبان أصحابه) صلى الله عليه وسلم جمع شاب كواحد ووحدان أي قليل عمرهم ليس لهم تجربة في الأمور (وأخفاوهم) عقولًا جمع خفيف كطبيب وأطباء وأراد بهم المستعجلين في الأمور المسارعين فيها ووقع هذا الحرف في رواية إبراهيم الحربي والهروي وغيرهم (جفاؤهم) بجيم مضمومة وبالمد وفسروه بسرعانهم قال تشبيهًا بجفاء السيل وهو غثاؤه قال القاضي إن صحت هذه الرواية فمعناها ما سبق من خروج من خرج معهم من أهل مكة ومن انضاف إليهم ممن لم يستعدوا وإنما خرج للغنيمة من النساء والصبيان ومن في قلبه مرض فشبهه بغثاء السيل اهـ نووي. أي خرج هؤلاء من مكة حالة كونهم (حسرًا) جمع حاسر كساجد وسجد والحاسر من ليس عليه درع ولا مغفر أي عارين من السلاح وفسره بقوله (ليس عليهم سلاح) أي لباس حرب قال أبو إسحاق (أو) قال البراء ليس عليه (كثير سلاح) والشك من أبي إسحاق فيما قال البراء (فلقوا) أي فلقى أولئك الشبان (قومًا) من الأعداء (رماة) جمع رام كقضاة وقاض أي قومًا ماهرين في رمي السلاح إلا يكاد) أي لا يقرب أن (يسقط لهم سهم) يعني أنهم رماة مهرة تصل سهامهم إلى أغراضهم كما قال ما يكادون يخطئون (جمع هوازن)

ص: 250

وَبَنِي نَصْرٍ. فَرَشَقُوهُمْ رَشْقًا مَا يَكَادُونَ يُخْطِئُونَ. فَأقْبَلُوا هُنَاكَ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَغلَتِهِ الْبَيضَاءِ. وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطلِبِ يَقُودُ بِهِ. فَنَزَلَ فَاسْتَنصَرَ. قَال:

ــ

بالنصب بدل من قومًا أو عطف بيان له وبالرفع خبر لمحذوف أي هم قوم هوازن وهوازن قبيلة كبيرة من العرب ينسبون إلى هوازن بن منصور اهـ من الإرشاد (و) جمع (بني نصر) بالنون المفتوحة والصاد الساكنة معطوف على هوازن وهم قبيلة من العرب أيضًا (فرشقوهم رشقًا) أي رموهم رميًا بالسهام أي رشق هؤلاء الرماة أولئك الشبان الأخفاء رشقًا بفتح الراء وسكون الشين مصدر رشق من باب نصر كما في المصباح وأما الرشق بكسرها فهو اسم للسهام التي ترميها الجماعة دفعة واحدة وضبط القاضي الرواية هنا بالكسر وضبط غيره بالفتح وهو الأجود وإن كانا جيدين وأما قوله في الرواية التي بعد هذه الرواية (فرموه برشق من نبل) فهو بالكسر لا غير قال أهل اللغة رشقه يرشقه وأرشقه ثلاثي ورباعي والثلاثي أشهر وأفصح اهـ نووي أي رشقوهم رشقًا حالة كونهم (ما يكادون) أي لا يقربون (يخطئون) أغراضهم (فأقبلوا) أي فاستقبل أولئك الرماة من هوازن (هناك) أي عندما انهزم أولئك الشبان (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء) التي أهداها له ملك أيلة أو فروة الجذامي (وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب) ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقود به) صلى الله عليه وسلم بغلته آخذًا بلجامها (فنزل) النبي صلى الله عليه وسلم عن بغلته (فاستنصر) أي طلب من الله تعالى النصرة على أعدائه ففيه استحباب الدعاء عند قيام الحرب (وقال) صلى الله عليه وسلم: (أنا النبي لا كذب) والنبي لا يكذب فلست بكاذب فيما أقول حتى انهزم وأنا متيقن أن الذي وعدني الله تعالى به من النصر حق فلا يجوز علي الفرار وقوله: لا كذب بسكون الباء وحكى ابن التين عن بعض أهل العلم أنه كان يقوله بفتح الباء ليخرجه عن الوزن قال في المصابيح وهذا تغييره للرواية الثابتة بمجرد خيال يقوم في النفس وسيأتي ما يدفع كون هذا شعرًا فلا حاجة إلى إخراج الكلام عما هو عليه في الرواية اهـ إرشاد واعلم أن ظاهر هذا الكلام أنه شعر وقد استشكل بقوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} وقد أجاب العلماء عن هذا الإشكال بطرق مختلفة قال الحافظ: وقد أجيب عن مقالته صلى الله عليه وسلم هذا

ص: 251

"أَنَا النَّبِي لَا كَذِبْ

أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطلِبْ"

ثُم صَفَّهُمْ.

4482 -

(00)(00) حدثنا أَحْمَدُ بْنُ جَنَابٍ الْمِصِّيصِيُّ. حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُس،

ــ

الرجز بأجوبة أحدها أنه نظم غيره وأنه كان فيه (أنت النبي لا كذب أنت ابن عبد المطلب) فذكره بلفظ أنا في الموضعين وثانيها أن هذا رجز وليس الرجز من أقسام الشعر وهذا مردود ثالثها أنه لا يكون شعرًا وهذا أعدل الأجوبة اهـ (أنا بن عبد المطلب) نسب النبي صلى الله عليه وسلم نفسه إلى جده دون أبيه لأنه كان معروفًا بين الناس بهذه النسبة لوفاة أبيه عبد الله قبل ولادته ولشهرة عبد المطلب بين الناس لما رزق من نباهة الذكر وطول العمر بخلاف أبيه عبد الله فإنه مات شابًّا أو لأنه اشتهر بين الناس أنه يخرج من ذرية عبد المطلب من يدعو إلى الله تعالى ويهدي الله الخلق به وأنه خاتم الأنبياء فانتسب إليه ليتذكر ذلك من كان يعرفه ولينبههم بأنه لا بد من ظهوره صلى الله عليه وسلم على الأعداء وليعلمهم بأنه ثابت ملازم للحرب لم يول مع من ولى (ثم) بعد دعائه وقوله هذا (صفهم) أي صف المسلمين صفوفًا للحرب وللكر بعد الفر.

وقوله (أنا النبي لا كذب) يدل على كمال شجاعته صلى الله عليه وسلم حيث لم يخف صفته ولا نسبه وهذا واختياره ركوب البغلة التي ليس لها كر ولا فر كما يكون للفرس وتوجهه وحده نحو العدو ليس إلا لوثوقه بالله تعالى وتوكله عليه اهـ ذهني وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في مواضع منها في الجهاد [2864 و 2874]، والترمذي في الجهاد [688 1]، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث البراء رضي الله عنه فقال.

4482 -

(00)(00)(حدثنا أحمد بن جناب) بفتح الجيم وتخفيف النون بن المغيرة (المصيصي) بكسر الميم والصاد المشددة نسبة إلى مصيصة وهي بلدة كبيرة على ساحل بحر الشام وذكر السمعاني أنه قد استولى عليها الإفرنج، أبو الوليد البغدادي روى عن عيسى بن يونس في الجهاد والفضائل ويروي عنه (م دس) وأحمد بن حنبل وأبو يعلى وخلق.

قال الحاكم: ثقة وقال صالح جزرة صدوق وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب صدوق من العاشرة مات سنة (230) ثلاثين ومائتين (حدثنا عيسى بن يونس) بن

ص: 252

عَنْ زَكَرِياءَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَال: جَاءَ رَجُل إِلَى الْبَرَاءِ، فَقَال: أَكُنْتُمْ وَليتُمْ يَوْمَ حُنَينٍ يَا أَبَا عُمَارَةَ؟ فَقَال: أَشْهَدُ عَلَى نَبِيِّ الله صلى الله عليه وسلم مَا وَلَّى. وَلكِنهُ انْطَلَقَ أَخِفَّاءُ مِنَ الناسِ، وَحُسَّرٌ إِلَي هذَا الْحَي مِنْ هَوَازِنَ. وَهُمْ قَوْم رُمَاة. فَرَمَوْهُمْ بِرِشْق مِنْ نَبْلٍ. كَأَنَّهَا رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ. فَانْكَشَفُوا. فَأقْبَلَ الْقَوْمُ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ يَقُودُ بِهِ بَغْلَتَهُ. فَنَزَلَ، وَدَعَا، وَاسْتَنْصَرَ،

ــ

أبي إسحاق (عن زكرياء) بن أبي زائدة خالد بن ميمون الهمداني الكوفي ثقة، من (6)(عن أبي إسحاق) السبيعي الكوفي ثقة، من (3) (قال: جاء رجل) من القيس (إلى البراء) بن عازب بن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي أبي عمارة الكوفي رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة زكرياء لأبي خيثمة (فقال) الرجل للبراء: (أكنتم وليتم) أي فررتم (يوم) غزوة (حنين يا أبا عمارة فقال) البراء: نعم فررنا ولكن (أشهد على نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه (ما ولى) وما فر ثم بين سبب فرارهم بقوله: (ولكنه) أي ولكن الشأن والحال (انطلق) أي ذهب إلى جهة العدو ومقابلتهم (أخفاء من الناس) وسرعانهم (وحسر) منهم أي قليلو السلاح (إلى هذا الحي) والقبيلة (من هوازن وهم) أي والحال أن هذا الحي (قوم رماة) أي مهرة في الرمي والإصابة (فرموهم) أي فرمى هذا الحي أولئك الأخفاء الحسر من السلاح (برشق) أي بجملة (من نبل) أي من سهام دفعة واحدة والرشق هنا بكسر الراء لا غير وهو اسم للسهام التي ترميها الجماعة دفعة واحدة والنبل بفتح النون وسكون الباء السهام ولا واحد لها من لفظها فلا يقال نبلة وإنما يقال سهم (كأنها) أي كان تلك النبال لكثرتها (رجل) أي قطعة (من جراد) نزل على زرع أو شجر قال في النهاية الرجل بالكسر الجراد الكثير فإنه يأكل ويعدم ما نزل عليه بسرعة (فانكشفوا) أي فانكشف أولئك الأخفاء الحسر أي انهزموا وفارقوا مواضعهم وكشفوها. (فأقبل) أولئك (القوم) الرماة من هوازن (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان بن الحارث يقود) أي يجر (به) صلى الله عليه وسلم (بغلته) البيضاء (فنزل) النبي صلى الله عليه وسلم (ودعا) الله سبحانه وتعالى رد هؤلاء الرماة عن المسلمين (واستنصر) أي وطلب من الله تعالى نصر المسلمين على هؤلاء

ص: 253

وَهُوَ يَقُولُ:

"أَنَا النَّبِي لَا كَذِبْ

أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ"

اللهم نَزِّلْ نَصْرَكَ".

قَال الْبَرَاءُ: كُنا، وَاللهِ، إِذَا احْمَرَّ الْبَأسُ نَتَّقِي بِهِ. وإن الشجَاعَ مِنا للذِي يُحَاذِي بِهِ. يَعْنِي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.

4483 -

(00)(00) وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنّى) قَالا: حَدَّثنَا مُحَمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،

ــ

الرماة وكرهم عليهم بعد الفر وبين شعبة في الرواية الآتية أن فرار من فر منهم لم يكن على نية الاستمرار في الفرار وإنما كشفوا من وقع السهام والفرار المتوعد عليه هو أن ينوي عدم العود وأما من تحيز إلى فئة أوكان فراره لكثرة عدد العدو بأن كان ضعفهم أو أكثر أو نوى العود إذا أمكنه فليسى داخلًا في الوعيد اهـ من الإرشاد. أي واستنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو يقول: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب) وقوله: (اللهم نزل) من التنزيل عبر به دون أنزل ليفيد التكرار والكثرة أي أنزل (نصرك) الكثير المكرر على عبادك المؤمنين بيان لصيغة الدعاء المذكور أولًا (قال البراء) بالسند السابق كنا والله) معاشر الصحابة (إذا حمر البأس) واشتد القتال.

قال القاضي: واحمرار البأس كناية عن اشتداد الحرب واحمرارها إما لحمرة الدم وجريانه من الجرح واما لاستعار الحرب كاحمرار الجمر كذا في شرح الأبي وقوله (نتقي) ونحتفظ ونتستر (به) صلى الله عليه وسلم أي كنا نجعله صلى الله عليه وسلم وقاية وسترًا من شر العدو أي نطلب الوقاية والسلامة من شرهم ببركته صلى الله عليه وسلم وبركة دعائه (وإن الشجاع منا) معاشر الصحابة (للذي) بلام الابتداء أي لهو الذي (يحاذي به) صلى الله عليه وسلم أي يقابله ويساويه أي يقاربه في المساواة (يعني) البراء بقوله به أي بضمير به (النبي صلى الله عليه وسلم كلام مدرج من بعض الرواة فسر به الضمير ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث البراء رضي الله عنه فقال.

4483 -

(00)(00)(وحدثنا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار واللفظ لابن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر (حدثنا شعبة عن

ص: 254

عَنْ أَبِي إِسحَاقَ. قَال: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ. وَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِن قَيسٍ: أَفَرَرتُم عَن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يَومَ حُنَينٍ؟ فَقَال البَرَاءُ: وَلكِن رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لَمْ يَفِرَّ. وَكَانَتْ هَوَازِنُ يَوْمَئِذٍ رُمَاةً. وإنا لَما حَمَلْنَا عَلَيهِمُ انكَشَفُوا. فَأكْبَبْنَا عَلَى الْغَنَائِمِ. فَاستَقْبَلُونَا بِالسهَامِ. وَلَقَدْ رَأَيتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيضاءِ. وإن أَبَا سُفيَانَ بْنَ الْحَارِثِ آخِذٌ بِلِجَامِهَا، وَهُوَ يَقُولُ:

"أَنَا النَّبِي لَا كَذِبْ

أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ"

4484 -

(00)(00) وحدثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثنى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ. قَال: حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ. قَال: قَال لَهُ رَجُلٌ: يَا أبَا عُمَارَةَ! فَذَكَرَ الْحَدِيثَ

ــ

أبي إسحاق قال: سمعت البراء) بن عازب رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة شعبة لأبي خيثمة وزكرياء بن أبي زائدة (و) الحال أنه (سأله) أي سأل البراء (رجل من قيس أفررتم) يا أبا عمارة (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم) وقعة (حنين فقال البراء) نعم فررنا (ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر وكانت هوازن يومئذ) أي يوم إذ التقينا معهم (رماة) أي مهرة في رمي السهام (وإنا) معاشر المسلمين (لما حملنا) وهجمنا (عليهم انكشفوا) وانهزموا (فكببنا على الغنائم) أي جعلنا وجوهنا مكبوبة عليها لا نلوي على شيء سواها ولا نلتفت إلى غيرها (فاستقبلونا بالسهام) أي كروا علينا بالسهام (ولقد رأيت رسول إله صلى الله عليه وسلم راكبًا (على بغلته البيضاء) التي أهداها له فروة بن نفاثة (وإن أبا سفيان بن الحارث) بن عبد المطلب (آخذًا) أي ممسك (بلجامها وهو يقول أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب) ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث البراء رضي الله عنه فقال.

4484 -

(00)(00)(وحدثني زهير بن حرب ومحمد بن المثنى وأبو بكر) بن خلاد الباهلي البصري (قالوا: حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن سفيان) بن سعيد الثوري (قال: حدثني أبو إسحاق عن البراء) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة سفيان لأبي خيثمة وزكرياء بن أبي زائدة وشعبة (قال) أبو إسحاق (قال له): أي للبراء (رجل) من قيس (يا أبا عمارة) أفررتم (فذكر) سفيان (الحديث) السابق

ص: 255

وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ حَدِيثِهِمْ. وَهؤُلاءِ أَتَمُّ حَدِيثًا.

4485 -

(1724)(69) وحدّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ. حَدَّثنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ. حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ. حَدَّثَنِي أَبِي. قَال: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حُنَينًا. فَلَمَّا وَاجَهْنَا الْعَدُوَّ تَقَدَّمْتُ. فَأَعْلُو ثَنِيَّةً. فَاسْتَقْبَلَنِي رَجُلٌ مِنَ الْعَدُوِّ. فَأرْمِيهِ بِسَهْمٍ. فَتَوَارَى عَنِّي. فَمَا دَرَيتُ مَا صَنَعَ. وَنَظَرْتُ إِلَى الْقَوْمِ

ــ

(وهو) أي حديث سفيان (أقل من حديثهم) أي من حديث الثلاثة المتابعين (وهولاء) الثلاثة (أتم حديثًا) أي أطول حديثًا من حديثه وهذا تصريح بما علم مما قبله.

ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث العباس بحديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنهما فقال.

4485 -

(1724)(69)(وحدثنا زهير بن حرب حدثنا عمر بن بونس) بن القاسم (الحنفي) الجرسي أبو حفص اليمامي ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا عكرمة بن عمار) العجلي الحنفي أبو عمار اليمامي صدوق من (5)(حدثني إياس بن سلمة) بن عمرو بن الأيوع الأسلمي أبو سلمة المدني ثقة، من (3)(حدثني أبي) سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي الصحابي الجليل رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان يمانيان وواحد نسائي.

(قال) سلمة: (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينأ فلما واجهنا العدو) وقابلناهم يعني الهوازن (تقدمت) على جيوش المسلمين أي سابقتهم إلى جهة العدو (فأعلو ثنية) أي علوت وصعدت ثنية من الجبل هو مضارع مسند إلى المتكلم بمعنى الماضي وأكثر ما يستعمل في حكاية حال ماضية كانها حاضرة بين يدي الحاكي الآن فهو بمعنى علوت ثنية وكذا قوله (فأرميه) يحكي صعوده في طريق عال في الجبل ورميه رجلًا من العدو بسهم فهو معطوف على تقدمت على كونه جواب لما وكذا ما بعده أي فلما واجهنا العدو تقدمت على جيشنا فعلوت ثنية أي صعدت طريقا عاليا في الجبل (فاستقبلني) أي قابلني (رجل من العدو فأرميه) أي فرميته (بسهم فتوارى عني) أي اختفى عني واستتر وغاب عن نظري (فما دريت) أي ما علمت (ما صنع) ذلك الرجل هل رجع إلى قومه أم اختفى عني ليرميني غفلة (فنظرت إلى القوم) من العدو ويعني بهم هوازن أي

ص: 256

فَإِذَا هُمْ قَدْ طَلَعُوا مِنْ ثَنِيَّةٍ أُخرَى. فَالْتَقَوْا هُمْ وَصَحَابَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَوَلَّى صَحَابَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَأَرْجِعُ مُنْهَزِمًا. وَعَلَيَّ بُرْدَتَانِ. مُتَّزِرًا بِإِحْدَاهُمَا. مُرْتَدِيًا بالأُخرَى. فَاسْتَطلَقَ إِزَارِي. فَجَمَعْتُهُمَا جَمِيعًا. وَمَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، مُنْهَزِمًا. وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ الشهْبَاءِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"لَقَدْ رَأَى ابْنُ الأَكْوَعِ فَزَعًا" فَلَمَّا غَشُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَزَلَ عَنِ الْبَغْلَةِ، ثُمَّ قَبَضَ قَبضَة مِنْ تُرَابٍ مِنَ الأَرْضِ. ثُمَّ اسْتَقْبَلَ بِهِ وُجُوهَهُمْ. فَقَال:"شَاهَتِ الْوُجُوهُ "

ــ

نظرت إليهم لأعرف ماذا يصنعون (فإذا هم قد طلعوا) وصعدوا على الجبل (من ثنية أخرى) غير التي طلعت أنا عليها وإذا فجائية والفاء عاطفة على ما قبلها أي ونظرت إلى القوم ففاجأني طلوعهم من ثنية أخرى (فالتقوا) أي فالتقى قوم العدو (هم) تأكيد لضمير الفاعل لتصحيح عطف الصحابة عليه لا مفعول به ولذا كتبت ألف تميز بين واو الجمع وبين واو جزء الكلمة أي فالتقوا هم (وصحابة النبي صلى الله عليه وسلم أي حصل بينهم وبين الصحابة اللقاء والمصادفة (فولى) أي أدبر وانهزم (صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وقوله (وأرجع) مضارع مسند لضمير المتكلم بمعنى الماضي أي ورجعت أنا ورائي حالة كوني (منهزمًا) أي هاربًا من العدو (وعليَّ بردتان) أي كساوان حالة كوني (متزرًا بإحداهما مرتديًا بالأخرى فاستطلق) أي انحل إزاري لاستعجالي (فجمعتهما) أي فجمعت البردتين (جميعا) على عاتقي أو أمسكت الإزار والرداء بيد واحدة يشير إلى أنه لم يجد فرصة لشد الإزار لشدة الفزع (ومررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كوني (منهزمًا) حال من فاعل مررت وهو سلمة نفسه وليس حالًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ثبت بالأحاديث الصحيحة أنه لم ينهزم أي مررت عليه (وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم راكب (على بغلته الشهباء) أي البيضاء (فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله (لقد رأى) اليوم سلمة (بن الأكوع فزعًا) أي خوفًا (فلما غشوا) أي كشى قوم العدو يعني هوازن (رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أتوه (نزل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن البنلة ثم قبض قبضة) أي أخذ كفة من تراب الأرض ثم استقبل به أي بذلك التراب ورمى به (وجوههم فقال: شاهت الوجوه) أي قبحت وجوههم بردها خائبة من أغراضها منهزمة مأسورة تقاد بالقيود ذليلة يقال شاه من باب

ص: 257

فَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْهُمْ إِنْسَانًا إِلَّا مَلأَ عَينَيهِ تُرَابًا، بِتِلكَ الْقَبْضَةِ. فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ. فَهَزَمَهُمُ اللهُ عز وجل. وَقَسَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَنَائِمَهُمْ بَينَ المُسْلِمِينَ.

4486 -

(1725)(70) حدَّثنا أبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيرٍ. جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أبِي الْعَبَّاسِ الشَّاعِرِ الأعْمَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو

ــ

قال شوهًا يقال رجل أشوه أي قبيح الوجه كما في القاموس اهـ سنوسي (فما خلق الله منهم إنسانًا إلا ملأ) الله (عينيه ترابًا بتلك القبضة فولوا) أي رجعوا وراءهم (مدبرين) أي منهزمين (فهزمهم إله عز وجل أي فرقهم وشتتهم (وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمهم) أي أموالهم (بين المسلمين) الغانمين لها وهذا الحديث من أفراد مسلم رحمه الله تعالى انفرد به من بين الأئمة الستة ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو غزوة الطائف بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص أو بحديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم ومال ابن حجر إلى ترجيح رواية من رواه عن ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما فقال.

4486 -

(1725)(70)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب و) محمد بن عبد الله (بن نمير جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن سفيان) بن عيينة (قال زهير) بن حرب في روايته حدثنا سفيان بن عبينة بصيغة السماع (عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي ثقة، من (4) روى عنه في (23) بابا (عن) السائب بن فروخ بفتح فضم مع النشديد غير منصرف المكي (أبي العباس الشاعر الأعمى) روى عن عبد الله بن عمرو في الصوم والبر وعبد الله بن عمرو أو ابن عمر في الجهاد ويروي عنه (ع) وعطاء بن أبي رباح وحببب بن أبي ثابت وعمرو بن دينار كما مر في موضعه (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص أو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما قال النووي: هكذا هو في نسخ صحيح مسلم قال القاضي عياض كذا هو في رواية الجلودي وأكثر أهل الإصول عن ابن ماهان قال: وقال لنا القاضي الشهبد أبو علي صوابه عن ابن عمر بن الخطاب مضافا إلى البخاري ومسلم وذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند ابن عمر ورواه الإمام أحمد بن حنبل عن ابن عمر (4588)، وأخرجه البخاري عن ابن عمر في

ص: 258

قَال: حَاصَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ الطَّائِفِ. فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُمْ شَيئًا. فَقَال: "إِنَّا قَافِلُونَ، إِنْ شَاءَ اللهُ" قَال أَصْحَابُهُ: نَرْجِعُ

ــ

المغازي باب غزوة الطائف في شوال سنة ثمان في (56) وفي (78) كتاب الأدب في (68) باب التبسم والضحك وفي كتاب التوحيد (97) في باب المشيئة والإرادة (31).

وأطال الحافظ في الفتح [8/ 44] ذكر اختلاف النسخ والرواة في هذا ويبدو أنه مائل إلى ترجيح رواية من رواه عن ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما والله أعلم وهذا السند من خماسياته. (قال) عبد الله بن عمر و (حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف) أي أحاط بهم ومنعهم من الخروج من بلدتهم بضعا وعشرين ليلة (فلم ينل منهم شيئًا) أي لم يصبهم بشيء من موجبات الفتح لمناعة حصنهم وكانوا كما ذكره ابن حجر قد أعدوا فيه ما يكفيهم لحصار سنة وذكر أهل المغازي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما استعصى عليه الحصن وصعب وكانوا قد أعدوا فيه ما يكفيهم لحصار سنة ورموا على المسلمين سكك الحديد المحماة ورموهم بالنبل استشار فيهم نوفل بن معاوية الديلي فقال له نوفل: هم ثعلب في جحر إن أقمت عليه أخذته وإن تركته لم يضرك فرحل عنهم اهـ من الفتح (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه (إنا قافلون) أي راجعون إلى المدينة (إن شاء الله) تعالى فثقل عليهم ذلك فقالوا: نرجع غير فاتحين فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: اغدوا على القتال أي سيروا أول النهار لأجل القتال فغدوا فلم يفتح عليهم وأصيبوا بالجراح لأن أهل الحصن رموا عليهم من أعلى السور فكانوا ينالون منهم بسهامهم ولا تصل سهام المسلمين إليهم وذكر في الفتح أنهم رموا على المسلمين سكك الحديد المحماة فلما رأوا ذلك تبين لهم تصويب الرجوع فلما أعاد صلى الله عليه وسلم عليهم القول بالرجوع أعجبهم ذلك ففرحوا به لما رأوا من المشقة الظاهرة ولعلهم نظروا فعلموا أن رأي النبي صلى الله عليه وسلم أبرك وأنفع وأحمد عاقبة وأصوب من رأيهم فوافقوا على الرحيل وفرحوا فضحك النبي صلى الله عليه وسلم تعجبًا من سرعة تغير رأيهم ولعل رسول الله صلى الله عليه وسلم علم بالوحي أن أهل الطائف سيأتون بدعائه مسلمين بانفسهم فلا حاجة إلى الاستمرار في القتال اهـ نووي بزيادة وتصرف.

(قال أصحابه: نرجع) يا رسول الله إلى المدينة بتقدير همزة الاستفهام الإنكاري

ص: 259

وَلَمْ نَفْتَتِحْهُ؟ فَقَال لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ" فَغَدَوْا عَلَيهِ فَأَصَابَهُمْ جِرَاحٌ. فَقَال لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا" قَال: فَأَعْجَبَهُمْ ذلِكَ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

ــ

(ولم نفتتحه) أي والحال أنا لم نفتح الطائف (فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغدوا) أي بكروا (على القتال) غدًا (فغدوا عليه) أي على القتال فأصابهم جراح كثير (فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا قافلون) أي راجعون (غدًا) إلى المدينة (قال) الراوي: (فأعجبهم) أي فأحبهم (ذلك) القول وفرحوا به (فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبًا من تغير رأيهم بسرعة وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في أبواب كثيرة منها في المغازي في باب غزوة الطائف (4325) وحاصل قصة غزوة الطائف أن بني ثقيف وهم أهل الطائف كانوا قد اجتمعوا مع هوازن وحاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حنين فلما انهزموا بحنين رجع من بقي منهم ومن هوازن إلى الطائف وكانت الطائف بلدة عليها سور فأغلقوا أبوابها وصنعوا الصنائع للقتال فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم وحاصرهم بضعًا وعشرين ليلة. وقد حمل الصحابة خلال هذه المدة عدة مرات على سور الطائف وبها استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم المنجنيق أول مرة حتى شدخ به جدار الطائف فدخل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت دبابة ثم زحفوا بها إلى جدار الطائف ليخرقوه فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديدة المحماة بالنار فخرجوا من تحتها فرمتهم ثقيف بالنبل فاستشهد بذلك رجال من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وبالجملة لم يفتح الطائف حينذاك حتى عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على القفول ورجع إلى المدينة ودعا الله سبحانه وتعالى (اللهم اهد ثقيفًا وائت بهم) ولما انصرف عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم اتبع أثره عروة بن مسعود الثقفي سيد أهل الطائف حتى وصل إلى المدينة قبل أن يصل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع إلى قومه لدعوتهم إلى الإسلام فمنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان يخشى عليه أن يقتله قومه ولكن قال عروة: (أنا أحب إليهم من أبكارهم) فخرج يدعوهم إلى الإسلام رجاء أن لا يخالفوه لمنزلته فيهم فلما دعاهم إلى الإسلام رموه بالنبل فأصابه سهم فقلته رضي الله عنه ودفن في الموضع الذي دفن فيه شهداء غزوة

ص: 260

4487 -

(1726)(71) حدَّثنا أبُو بَكْرٍ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَاوَرَ، حِينَ بَلَغَهُ إِقْبَالُ أَبِي سُفْيَانَ

ــ

الطائف ثم أقامت ثقيف بعد قتل عروة أشهرًا ثم إنهم ائتمروا بينهم ورأوا أنه لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب فجاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مرجعه من تبوك سنة تسع فبايعوا وأسلموا اهـ من سيرة ابن هشام والروض الأنف (2/ 301) ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة وهو غزوة بدر بحديث أنس رضي الله عنه فقال.

4478 -

(1726)(71)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان) بن مسلم بن عبد الله الأنصاري أبو عثمان الصفار البصري ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي أبو سلمة البصري ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن ثابت) بن أسلم بن موسى البناني أبي محمد البصري ثقة، من (4) روى عنه في (13) بابا (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا أبا بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور أي مع أصحابه وهو في المدينة قبل الخروج منها وهذه هي المشاورة الأولى (حين بلغه إقبال أبي سفيان) صخر بن حرب القرشي الأموي من صناديد قريش وقتئذٍ أي إقباله وحضوره من الشام في عير لقريش عظيمة فيها أموال لهم وتجارة من تجاراتهم يستعدون بها لقتال المسلمين قال الأبي: ظاهره أنه إنما شاور للعير التي مع أبي سفيان والذي في كتب السير أنه إنما شاور في لقاء أهل مكة حين بلغه إقبال قريش إلى بدر وأما وهو بالمدينة فإنه لما سمع بإقبال العير مع أبي سفيان ندب الناس إلى الخروج فقال: هذه عير قريش أقبلت من الشام فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل أن ينفلكموها الله فخف بعض الناس للخروج وتثاقل بعض الناس وإنما تثاقل من تثاقل لظنه أنه لا يلقى حربًا. فخرج بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا من المهاجرين والأنصار فلما سمع أبو سفيان بخروجه صلى الله عليه وسلم لطلب العير عدل عن الطريق إلى ساحل البحر ونجا منهم وبعث ضمضم بن عمرو إلى مكة يخبر أهلها بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم لطلب العير التي معه فخرج أبو جهل بنحو ألف من المقاتلة ونزلوا على بدر فلما

ص: 261

قَال: فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَأعْرَضَ عَنْهُ. ثُمَّ تَكلَّمَ عُمَرُ فَأَعْرَضَ عَنهُ. ققامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَال: إيَّانَا تُرِيدُ يَا رَسُولَ اللهِ؟

ــ

سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بنزول أهل مكة لقتالهم في بدر وفقدوا عير أبي سفيان تشاور مع أصحابه مرة ثانية في موضع يسمى بالصفراء ليلتقي أبا جهل ومن معه في بدر فلما عرف أصحابه أن وراء هذه المشاورة معركة شديدة أعرض عنها من أعرض ولو كان الأمر مجرد الإغارة على عير أبي سفيان كما حصلت المشاورة فيها في المدينة لما احتاجوا إلى هذه المشاورة الطويلة وبعد هذه المشاورة الثانية ذهبوا إلى بدر حتى التقى الفريقان ووقعت هناك المعركة المباركة التي أحق الله بها الحق وأبطل الباطل وقتل فيها رؤساء المشركين منهم أبو جهل وأمية بن خلف وعتبة وغيرهم وهذه المشاورة الثانية هي التي ذكرها بقوله (قال) أنس رضي الله عنه (ف) لما شاورهم النبي صلى الله عليه وسلم هذه المشاورة الثانية التي وقعت بموضع الصفراء في مقاتلة أبي جهل ومن معه قبل رجوعهم إلى المدينة (تكلم أبو بكر) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأعرض) النبي صلى الله عليه وسلم (عنه) أي عن أبي بكر لما قبل هذه المشاورة ثم تكلم عمر بن الخطاب مع رسول الله (فاعرفى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عنه) أي عن عمر بعد قبوله المشاورة وقوله فاعرض عنهما يدل على أنه لم يقنع بقولهما لأنه كان يريد أن يسمع مثل ذلك من الأنصار لأن العهد معهم ليلة العقبة إنما كان بانهم ينصرونه صلى الله عليه وسلم إن دهمه أحد في المدينة وأما نصره إن خرج إلى عدو خارجها فلم يكن مصرحًا في ذلك العهد فليس على الأنصار أن يوافقوه على مثل هذا الخروج فكان يحب أن يعرف رأيهم في قتال أهل مكة الذين نزلوا على بدر لقتاله وقوله أيضًا (ثم تكلم عمر) ذكر ابن عقبة وابن عائذ أنه قال: (يا رسول الله إنها قريش وعزها والله ما ذلت منذ عزت ولا آمنت منذ كفرت والله لتقاتلنك فتأهب لذلك أهبته وأعد لذلك عدته) اهـ من الزرقاني على المواهب والحاصل أن مشاورته صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في غزوة بدر حصلت مرتين الأولى حصلت وهو بالمدينة أول ما بلغه خبر العير مع أبي سفيان وذكرها مسلم بقوله (إن النبي صلى الله عليه وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان) والثانية كانت بعد أن خرجوا إلى موضع الصفراء وذكرها بقوله قال: فتكلم أبو بكر فأعرض عنه الخ ففي مسلم ذكر المشاورتين فلا معارضة بينه وبين ما ذكره أهل السير كما قال بعضهم (فقام) بعدما تكلم عمر (سعد بن عبادة فقال إيانا) معاشر الأنصار (تريد يا رسول الله)

ص: 262

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقوله (سعد بن عبادة) كذا وقع في جميع نسخ صحيح مسلم ولكنه مشكل جدًّا لأن المعروف أن سعد بن عبادة لم يشهد بدرًا كان يتهيأ للخروج فنهس فأقام ولكن ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهم لكونه حريصًا على الخروج وقعوده من أجل عذر مفاجئ كما في الإصابة [2/ 27]، وفتح الباري [7/ 288]، فالصحيح المحفوظ في سائر الروايات أن الذي قال هذا الكلام إنما هو سعد بن معاذ لا سعد بن عبادة بذلك اتفقت روايات أصحاب السير وقال الحافظ في الفتح [7/ 288] ووقع في مسلم أن سعد بن عبادة هو الذي قال ذلك وكذا أخرجه ابن أبي شيبة من مرسل عكرمة وفيه نظر لأن سعد بن عبادة لم يشهد بدرًا ثم قال ووقع عند الطبراني أن سعد بن عبادة قال ذلك بالحديبية وهذا أولى بالصواب فالظاهر أنه وقع في الفقرة الأولى من حديث الباب وهم من أحد الرواة في الجهتين الأولى أنه ذكر هذه المشاورة التي تكلم فيها سعد وغيره بالمدينة مع أنها كانت بعد الخروج منها وقد أجبنا عن ذلك في حلنا والثانية أنه سمى المتكلم من الأنصار سعد بن عبادة والصحيح أنه سعد بن معاذ وقد أخرج أبو داود حديث أنس هذا من طريق موسى بن إسماعيل عن حماد فلم يذكر هذه الفقرة وقد مر غير مرة أن وقوع مثل هذه الأوهام في بعض تفاصيل القصة وحواشيها لا يجرح في صحة أصل الحديث اهـ تكملة.

قال النووي: إن قصد النبي صلى الله عليه وسلم من هذه المشاورة اختبار الأنصار لأنه لم يكن بايعهم على أن يخرجوا معه للقتال وطلب العدو وإنما بايعهم ليلة العقبة على أن يمنعوه ممن يقصده فلما عرض الخروج لعير أبي سفيان أراد أن يعلم أنهم يوافقون على ذلك اهـ وقوله (إيانا تريد يا رسول الله) كأنه فهم ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم من أن يتكلم الأنصار واختصر الراوي كلمته ها هنا وفصلها الزرقاني في شرحه للمواهب [1/ 413] مجموعة من رواية ابن إسحاق وابن عائذ وابن أبي شيبة وغيرهم ولفظها.

(قد آمنا بك وصدقناك وصدقنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودًا ومواثيق على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت ولعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى عليها أن لا ينصروك إلا في ديارهم وإني أقول عن الأنصار وأجيب عن

ص: 263

وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نُخِيضَهَا الْبَحْرَ لأَخَضْنَاهَا. وَلَو أَمَرْتَنَا أَنْ نَضْرِبَ أَكْبَادَهَا إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ لَفَعَلْنَا. قَال: فَنَدَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الناسَ. فَانْطَلَقُوا حَتَّى نَزَلُوا بَدْرًا

ــ

الأنصار ولعلك يا رسول الله خرجت لأمر فأحدث الله غيره فامض لما شئت وصل حبال من شئت واقطع حبال من شئت وسالم من شئت وعاد من شئت وخذ من أموالنا ما شئت وأعطنا ما شئت وما أخذت منا أحب إلينا مما تركت وما أمرت به من أمر فأمرنا تبع لأمرك لئن سرت حتى تأتي برك الغماد من ذي يمن لنسيرن معك فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن نلقى عدونا إنا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء ولعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك فسر على بركة الله). وقوله (فقام سعد بن عبادة) هو من سادة الأنصار وجيه فيهم فأجاب أحسن جواب بالموافقة التامة كما ذكرنا كلامه آنفًا (والذي) أي أقسمت بالإله الذي (نفسي) وروحي (بيده) المقدسة (لو أمرتنا) معاشر الأنصار (أن نخيضها) بضم النون من أخاض الرباعي والضمير للخيل مع عدم ذكرها وقد كانت العرب تضمر بعض الأشياء بدون ذكرها كانها معهودة في الذهن منها الخيل والنون أي لو أمرتنا أن ندخل خيولنا أي أمرتنا بإدخال خيولنا في (البحر) وتمشيتنا إياها فيه لقتال العدو فضلًا عن تمشيتها في البر (لأخضناها) أي لأدخلناها في البحر معك (ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها) جمع كبد هو كناية عن ركضها فإن الفارس إذا أراد ركض مركوبه يحرك رجليه من جانبيه ضاربًا على موضع كبده أي لو أمرتنا أن نركضها ونجري بها ونسرع بها (إلى) أن نصل بها (برك الغماد) في جهاد العدو (لفعلنا) ما أمرتنا به فنحن يا رسول الله على طاعتك وسمعك في المكره والمنشط (وبرك الغماد) بفتح الباء وإسكان الراء وهو المشهور في كتب الحديث وذكره بعض أهل اللغة بكسر الراء وبعضهم بفتحها ولكن الأصح الإسكان وأما الغماد فالغين فيه مكسورة أو مضمومة لغتان مشهورتان لكن الكسر أفصح وهو المشهور في روايات المحدثين والضم هو المشهور في كتب اللغة (وبرك الغماد) موضع من وراء مكة بخمس ليال بناحية الساحل وقيل: إنه موضع بأقاصي هجر وقال إبراهيم الحربي: برك الغماد وسعفات هجر كناية يقال فيما تباعد اهـ نووي وقال في القاموس برك الغماد موضع أو هو أقصى معمور الأرض اهـ (قال) أنس: (فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس) أي دعاهم وجمعهم (فانطلقوا) أي ذهبوا (حتى نزلوا بدرًا) بفتح الباء

ص: 264

وَوَرَدَتْ عَلَيهِمْ رَوَايَا قُرَيشٍ. وَفِيهِمْ غُلامٌ أَسْوَدُ لِبَنِي الْحَجَّاجِ. فَأَخَذُوهُ. فَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْأْلُونَهُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ؟ فَيَقُولُ: مَا لِي عِلْمٌ بِأَبِي سُفْيَانَ. وَلكِنْ هذَا أَبُو جَهْلٍ وَعُتْبَةُ وَشَيبَةُ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ. فَإِذَا قَال ذلِكَ، ضَرَبُوهُ. فَقَال: نَعَمْ. أَنَا أُخْبِرُكُمْ. هذَا أَبُو سُفْيَانَ. فَإِذَا تَرَكُوهُ فَسَأَلُوهُ فَقَال: مَا لِي بِأَبِي سُفْيَانَ عِلْمٌ. وَلكِنْ هذَا أَبُو جَهْل وَعُتْبَةُ وَشَيبَةُ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ فِي النَّاسِ. فَإِذَا قَال هذَا أَيضًا ضَرَبُوهُ

ــ

وسكون الدال اسم للموضع المعروف وهو في الأصل اسم ماء بين مكة والمدينة أسفل وادي الصفراء ويقال إنه سمي باسم بدر بن يخلد بن النضر بن كنانة وقيل بل هو رجل من بني ضمرة سكن هذا الموضع فنسب إليه ثم غلب اسمه عليه كذا في معجم البلدان للحموي [1/ 358](ووردت عليهم) أي جاءت على المسلمين لأنهم نزلوا على ماء (روايا قريش) أي إبلهم التي كانوا يستقون عليها الماء فهي الإبل الحوامل للماء واحدتها راويه كما في النهاية وأصل الراوية المزادة فقيل للبعير: راوية لحمله المزادة كما في معالم السنن للخطابي [4/ 19](وفيهم) أي وفي سواقها (غلام أسود لبني الحجاج) وهم قبيلة معروفة كما في المبارق (فأخذوه) أي فأخذ المسلمون ذلك الغلام ومسكوه (فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه) أي يسألون ذلك الغلام (عن أبي سفيان وأصحابه) أي رفقته الذين جاؤوا معه من الشام بالميرة (فيقول) الغلام: (ما لي علم) ومعرفة (بأبي سفيان ولكن هذا) النازلون هنا (أبو جهل وعتبة وشيبة) ابنا ربيعة (وأمية بن خلف فإذا قال) الغلام (ذلك) القول يعني قوله هذا أبو جهل (ضربوه فقال) أي فيقول: (نعم أنا أخبركم) وأقول لكم: (هذا أبو سفيان) تركوه (فإذا تركوه فسألوه) ثانيًا فقالوا له أين أبو سفيان (فقال ما لي بأبي سفيان علم ولكن) أقول لكم (هذا) الجالس في الناس (أبو جهل وعتبة وشيبة) ابنا ربيعة (وأمية بن خلف) موجودون (في الناس فإذا قال هذا) القول يعني قوله هذا أبو جهل الخ (أيضًا ضربوه) أي ضربوه أيضًا أي كما ضربوه أولًا على هذا القول كان الغلام رأى هؤلاء الصناديد في جيش قدم من مكة ولم ير أبا سفيان فإنه هرب عادلًا عن الطريق ولم يكن الصحابة عارفين بقدوم أبي جهل وغيره فظنوا أن الغلام يكذب فضربوه قال الخطابي وفي ضربهم هذا العبد في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم دلالة على جواز ضرب الأسير الكافر إذا كان في ضربه طائل وإنما قال هذا أبو

ص: 265

وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يُصَلِّي. فَلَمَّا رَأَى ذلِكَ انْصَرَفَ. قَال: "وَالَّذي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَتَضرِبُوهُ إِذَا صَدَقَكُمْ. وَتَتْرُكُوهُ إِذَا كَذَبَكُمْ".

قَال: فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "هذَا مَصْرَعُ فُلانٍ" قَال: وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى الأَرْضِ، ههُنَا وَهَاهُنَا. قَال: فَمَا مَاطَ أَحَدُهُمْ عَنْ مَوْضِعِ يَدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم

ــ

سفيان خوفًا من الضرب (ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي) جنبهم (فلما رأى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذلك) منهم أي ضربه على نطق الحق وتكليفه على نطق الكذب (انصرف) وفرغ من الصلاة يعني سلم من صلاته و (قال) لهم: (والذي نفسي ليده لتضربوه) بلام الابتداء في أوله مفتوحة لتأكيد الكلام وبحذف النون منه بغير ناصب ولا جازم وهو لغة قوم من العرب وأصله لتضربونه (إذا صدقكم) أي إذا أخبركم بالصدق يعني قوله هذا أبو جهل وكذا يقال في قوله (وتتركوه إذا كذبكم) أصله وتتركونه إذا أخبركم بالكذب يعني من قوله هذا أبو سفيان قال النووي هكذا وقع في النسخ (لتضربوه وتتركوه) بغير نون وهي لغة سبق بيانها مرات أعني حذف النون بغير ناصب ولا جازم اهـ وفي قوله (فلما رأى ذلك انصرف) دلالة على استحباب تخفيف الصلاة إذا عرض أمر في أثنائها قال النووي وفيه جواز ضرب الكافر الذي لا عهد له وإن كان أسيرًا وقال ابن الملك وفيه دلالة على أن إقرار المضروب والمكره غير معتبر وفي بعض النسخ لتضربونه وتتركونه بإثبات النون (قال) أنس: (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (هذا) المكان (مصرع فلان) أي موضعه الذي يصرع فيه حين يقتل (قال) أنس: (ويضع) صلى الله عليه وسلم (يده على الأرض) التي هي مصرعه قائلًا (ها هنا) مصرع فلان (وههنا) مصرع فلان يعني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه مصارع صناديد الكفار من قتلى بدر قبل قتالهم (قال) أنس: (فما ماط) أي ما تباعد (أحدهم عن موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قتل وفي الحديث معجزتان للنبي صلى الله عليه وسلم الأولى إخباره عن الغلام بأنه صادق في أنه رأى أبا جهل وغيره والثانية إخباره عن مصارع رؤساء قريش قبل قتلهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبر داود [2681]، أخرجه في كتاب الجهاد.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث الأول: حديث عباس بن

ص: 266

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عبد المطلب ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين والثاني: حديث البراء بن عازب ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات والثالث: حديث سلمة بن الأكوع ذكره للاستشهاد أيضًا والرابع: حديث عبد الله بن عمرو أو ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة والخامس: حديث أنس بن مالك ذكره للاستشهاد به على الجزء الأخير من الترجمة.

***

ص: 267