الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الخلافة وجواز ترك الاستخلاف
4568 -
(1768)(113) حدَّثنا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ (يَعْنِيَانِ الْحِزَاميَّ). ح وَحَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ. قَالا: حَدَّثنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. كِلاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. وَفِي حَدِيثِ زُهَيرٍ: يَبْلُغُ بِهِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم. وَقَال عَمْرُو: رِوَايَةً: "النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيشٍ فِي هذَا الشَّأنِ. مُسْلِمُهُم لِمُسلِمِهِم وَكَافِرُهُم لِكَافِرِهِم"
ــ
633 - (26) باب اشتراط نسب قريش في الخلافة وجواز ترك الاستخلاف
4568 -
(1768)(113)(حدَّثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي القعنبي البصري ثقة، من (9) (وقتيبة بن سعيد قالا: حدَّثنا المغيرة) بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام وهذا الجد هو المنسوب إليه في قوله (يعنيان الحزامي) أي القرشي الأسدي الحزامي بكسر الحاء وبالزاي المدني ثقة، من (7) (ح وحدثنا زهير بن حرب وعمرو) بن محمَّد بن بكر (الناقد) البغدادي (قالا: حدَّثنا سفيان بن عيينة كلاهما) أي كل من الحزامي وابن عيينة (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي المدني ثقة، من (5)(عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم المدني ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) الدوسي المدني رضي الله عنه وهذان السندان من خماسياته (قال) أبو هريرة:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وفي حديث زهير) وروايته لفظة (يبلغ به النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أي قال أبو هريرة حالة كونه يوصل قوله ويسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد به الدلالة على أن الحديث مرفوع وكذلك المراد بقوله رواية في قوله (وقال عمرو) الناقد في روايته قال أبو هريرة (رواية) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (النَّاس تبع) أي تابعون جمع تابع كخدم وخادم (لقريش في هذا الشأن) أي في الخلافة (مسلمهم) أي مسلم النَّاس عربًا وعجمًا تبع (لمسلمهم) أي لمسلم قريش (وكافرهم) أي كافر النَّاس في الجاهلية يعني خصوص العرب تبع (لكافرهم) أي لكافر قريشٌ قال الأبي قوله (في هذا الشأن) إشارة لقوله في الحديث الآخر (في الخير والشر)
4569 -
(00)(00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنبهٍ. قَال: هذَا مَا حَدَّثنَا أبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيشٍ فِي هذَا الشَّأنِ. مُسلِمُهُم تبَعٌ لِمسلمِهِم. وَكَافِرُهُم تَبَعٌ لِكَافِرِهِم"
ــ
لأنهم كانوا في الجاهلية رؤساء العرب وأصحاب حرم الله سبحانه وكانت الجاهلية تنتظر إسلامهم فلما أسلموا وفتحت مكّة تبعهم النَّاس وجاءت وفود العرب من كل جهة وكذلك حكمهم في الإسلام في تقديمهم للخلافة ذنبه صلى الله عليه وسلم أنَّه كما كان كفار النَّاس تبعًا لقريش في الجاهلية في الخير والشر كذلك يجب أن يتبع مسلمهم لمسلمهم فيكون مسلمهم هو المقدم عليهم وأشعر أن هذا الحكم ما بقيت الدُّنيا وبقي من النَّاس اثنان وقد ظهر ما قاله صلى الله عليه وسلم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 242]، والبخاري [3495]، والترمذي [3903]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة فقال.
4569 -
(00)(00)(وحدثنا محمَّد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدَّثنا عبد الرَّزاق) بن همام الصنعاني (حدَّثنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل الصنعاني (قال) همام: (وهذا) الحديث الذي سأذكره لكم (ما حدَّثنا) به (أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) همام (أحاديث) كثيرة (منها) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا وكذا (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة همام للأعرج (النَّاس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم) بتكرار لفظة تبع في موضعين قال القرطبي قوله (في هذا الشأن) يعني به شأن الولاية والإمارة وذلك أن قريشًا كانت في الجاهلية رؤساء العرب وقادتها لأنهم أهل البيت والحرم حتَّى كان العرب تسميهم أهل الله وإليهم كانوا يراجعون في أمورهم ويعتمدون عليهم فيما ينوبهم ولذلك توقف كثير من الإعراب عن الدخول في الإسلام قبل أن تدخل فيه قريش فلما أسلموا ودخلوا فيه أطبقت العرب على الدخول في الدين بحكم أنهم كانوا لهم تابعين ولإسلامهم منتظرين كذا ذكره ابن إسحاق وغيره فهذا معنى تبعية الناس لهم في الجاهلية ثم لما جاء الإسلام استقر أمر الخلافة والملك في قريش شرعًا ووجودًا ولذلك قالت قريش يوم السقيفة
4570 -
(1769)(114) وحدّثني يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثيُّ
ــ
للأنصار نحن الأمراء فانقادوا لذلك ولم يخالف فيه أحد وهو إجماع السلف والخلف ولا اعتبار بقول النظام إبراهيم بن يسار بن هانئ أبي إسحاق البصري من أئمة المعتزلة توفي سنة (321 هـ) ولا بقول ضرار بن عمرو وأهل البدع من الخوارج وغيرهم إذ قالوا بجواز صحتها لغير قريش لأنهم إمَّا مكفرون وإما مفسقون. ثم إنهم مسبوقون بإجماع السلف ومحجوبون بهذه الأحاديث الكثيرة الشهيرة ويعني بالخير في حديث جابر الآتي ولاية في الإسلام اهـ من المفهم.
والقريش هم ولد النضر بن كنانة وقيل هم ولد فهو بن مالك بن النضر وقيل غير ذلك وهذان القولان هما المشهوران المعروفان عند النسابين والفقهاء ويشهد للأول ما روي أنَّه صلى الله عليه وسلم سئل عن قريش فقال ولد النضر بن كنانة ويشهد للثاني ما نقله الزُّبير بن بكار من إجماع النسابين من قريش وغيرهم على أن قريشًا إنما تفرقت عن فهو ويستأنس له بقول الشَّاعر يذكر جمع قصي لقبائل قريش:
قصي لعمري كان يدعى مجمعًا
…
به جمع الله القبائل من فهر
قال في المصباح وأصل القرش الجمع يقال: تقرشوا إذا تجمعوا وبذلك سميت قريش وقوله في هذا الشأن أي في الخلافة والإمرة لفضلهم على غيرهم كما في القسطلاني وغيره ثم جملة الحديث كان كانت خبرية لكنها بمعنى الأمر أي ائتموا بقريش وكونوا تبعًا لهم يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في رواية أخرى قدموا قريشًا ولا تقدموها أن ذهني ثم هذا كله إذا وجد في قريش من هو أهل للخلافة أما إذا لم يوجد فيهم من استجمع الشروط المعتبرة في الإمامة المذكورة سابقًا فلا خلاف في جواز عقد الخلافة لغير القرشي وكذلك أظن فيما إذا ضيع النَّاس أنسابهم بحيث لا يتيقن كون الرجل من قريش أو غيرها ثم هذه الشروط إنَّما تعتبر عند عقد الخلافة من قبل أهل الحل والعقد أما إذا تغلب رجل مسلم وصار إمامًا بتغلبه فإنَّه يأخذ أحكام الإمامة ولو فقدت فيه هذه الشروط فتنفذ تصرفاته وتصح التولية من قبله فيجوز تقلد القضاء منه كما صرح به الفقهاء راجع شرح الأشباه والنظائر للحموي [2/ 267]، ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث جابر رضي الله عنهما فقال.
4570 -
(1769)(114)(وحدثني يَحْيَى بن حبيب) بن عربي (الحارثي)
حَدَّثَنَا روْحٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. حَدَّثَنِي أبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبدِ الله يَقُولُ: قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيشٍ فِي الخَيرِ وَالشَّرِّ".
4571 -
(1770)(115) وحدّثنا أحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ. حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زيدٍ، عَنْ أبِيهِ. قَال: قَال عَبْدُ الله: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَزَالُ هذَا الأَمْرُ فِي قُرَيشٍ، مَا بَقِيَ مِنَ النَّاسِ اثنَانِ"
ــ
أبو زكرياء البصري ثقة من العاشرة (حدَّثنا روح) بن عبادة بن العلاء القيسي البصري ثقة، من (9)(حدَّثنا) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكيِّ ثقة، من (6) (حدثني أبو الزُّبير) الأسدي محمَّد بن مسلم بن تدرس المكيِّ (أنَّه سمع جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته (يقول قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: النَّاس تبع لقريش في الخير) أي في الإسلام (والشر) أي في الكفر وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى من أصحاب الأمهات ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال.
4571 -
(1770)(115)(وحدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس) التميمي الكوفيّ ثقة، من (10) (حدَّثنا عاصم بن محمَّد بن زيد) هذا هو الصواب وفي بعض النسخ عن عاصم بن محمَّد بن يزيد بالياء وهو خطأ لأن من اسمه يزيد ليس في أولاد ابن عمر الاثني عشر (عن أبيه) محمَّد بن زيد (قال) أبوه محمَّد جدِّي (عبد الله) بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وهذا السند من رباعياته (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال هذا الأمر) أي أمر الخلافة دائرًا (في قريش) قال ابن حجر: يعني لا يزال الذي يليها قرشيًّا (ما بقي من النَّاس اثنان) هكذا هو رواية مسلم وفي رواية البُخاريّ ما بقي منهم اثنان قال في الفتح وليس المراد حقيقة العدد وإنَّما المراد به انتفاء أن يكون الأمر في غير قريش واستشكل بأن ظاهر الحديث يدل على بقاء هذا الأمر في قريش وانتفائه عن غيرهم مع أنَّه قد خرج عنهم واستقر في غيرهم فكيف يكون خبره مطابقًا للواقع وقد أجيب بعدة أجوبة أوردها في الفتح منها أن المراد بالحديث الأمر وإن كان لفظه لفظ الخبر والمعنى لا تعتقدوا الإمامة الكبرى إلَّا لقرشي فلا يدل على انتفائها لغيره وهذا ما استظهره ابن حجر ويقرب منه ما قاله القرطبي من أن الخبر فيه إخبار عن المشروعية أي فلا تستحق الإمامة شرعًا إلَّا لقريش فلا ينافي وقوعها لغيرهم وشارك المؤلف في رواية
4572 -
(1771)(116) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثنَا جَرِيرٌ، عَنْ حُصَينٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ. قَال: سَمِعْتُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ. ح وَحَدَّثَنَا رِفَاعَةُ بْنُ الْهَيثَمِ الْوَاسِطِيُّ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الله الطَّحَّانَ) عَنْ حُصَينٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ. قَال: دَخَلْتُ مَعَ أبِي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِنَّ هذَا الأَمرَ لَا يَنقَضِي حَتَّى يَمْضِيَ فِيهِمُ اثنَا عَشَرَ خَلِيفَة"
ــ
هذا الحديث البُخاريّ أخرجه في المناقب باب مناقب قريش [3501]، وفي الأحكام باب الأمراء من قريش [7140]، ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أبي هريرة بحديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما فقال.
4572 -
(1771)(116)(حدَّثنا قتيبة بن سعيد حدَّثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفيّ ثقة، من (8)(عن حصين) بن عبد الرحمن السلمي أبي الهذيل الكوفيّ ثقة، من (5) (عن جابر بن سمرة) بن جنادة بضم الجيم بعدها نون السوائي بضم المهملة وبالمد الكوفيّ الصحابي ابن الصحابي رضي الله تعالى عنهما وهذا السند من رباعياته (قال) جابر:(سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: ح وحدثنا رفاعة بن الهيثم) بن الحكم أبو سعيد (الواسطيِّ) مقبول من (10) لم يرو عنه غير مسلم (واللفظ له حدَّثنا خالد يعني ابن عبد الله) بن عبد الرحمن المزني مولاهم أبو الهيثم الواسطيِّ (الطحان) ثقة، من (8) (عن حصين) بن عبد الرحمن التميمي (عن جابر بن سمرة) رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (قال) جابر:(دخلت مع أبي) سمرة (على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فسمعته) صلى الله عليه وسلم (يقول أن هذا الأمر) يعني أمر الخلافة (لا ينقضي) أي إن عزة الإسلام وقوة الدين وصلاح حال المسلمين لا ينتهي ولا يضعف كما تدل عليه الرِّوايات التالية من قوله صلى الله عليه وسلم لا يزال أمر النَّاس ماضيًا وقوله لا يزال الإسلام عزيزًا وقوله لا يزال هذا الدين عزيزًا (حتَّى يمضي) ويمر (فيهم اثنا عشر خليفة) وقد تردد العلماء في المعنى المراد بهذا فقالوا يحتمل أن يكون المراد بالاثني عشر خليفة مستحقي الخلافة من أئمة العدل ويحتمل أن يكون المراد اجتماعهم في زمن واحد يفترق النَّاس عليهم فتتبع كل طائفة واحدًا منهم قالوا ويعضد هذا التأويل حديث مسلم الآتي سيكون خلفاء فيكثرون قالوا فما تأمرنا قال فوا ببيعة الأوَّل فالأول ويحتمل أن يكون المراد بالاثني عشر الذين يكون معهم إعزاز الخلافة وسياسة إمارة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الإسلام واجتماع النَّاس كلهم على كل واحد منهم ويؤيد هذا ما وقع في رواية أبي داود كلهم تجتمع عليه الأمة اهـ من النووي والأبي وهذا الحديث حديث عده بعض العلماء من المشكلات لعدم تعين مصداقه فاختلف في تفسيره أقوال الشراح وإليكم خلاصة ما قالوا والتفسير الذي رجحه الحافظ في الفتح [13/ 210] بعد كلام طويل هو ما ذكره بقوله وينتظم من مجموع ما ذكره ابن الجوزي والقاضي عياض أوجه أرجحها الثالث من أوجه القاضي وهو أن المراد أن يكون الاثنا عشر في مدة عزة الخلافة وقوة الإسلام واستقامة أموره والاجتماع على من يقول بالخلافة لتأييده بقوله في بعض طرق الحديث الصحيحة كلهم يجتمع عليه النَّاس وإيضاح ذلك أن المراد بالاجتماع انقيادهم لبيعته والذي وقع أن الناس اجتمعوا على أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي إلى أن وقع أمر الحكمين في صفين فسمي معاوية يومئذٍ بالخليفة ثم اجتمع النَّاس على معاوية عند صلح الحسن ثم اجتمعوا على ولده يزيد ولم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك ثم لما مات يزيد وقع الاختلاف إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزُّبير ثم اجتمعوا على أولاده الأربعة الوليد ثم سليمان ثم يزيد ثم هشام وتخلل بين سليمان ويزيد عمر بن عبد العزيز فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين والثَّاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك اجتمع النَّاس عليه لما مات عمه هشام فولي نحو أربع سنين ثم قاموا عليها فقتلوه وانتشرت الفتن وتغيرت الأحوال من يومئذٍ ولم يتفق أن يجتمع النَّاس على خليفة بعد ذلك لأنَّ يزيد بن الوليد الذي قام على ابن عمه الوليد بن يزيد لم تطل مدته بل ثار عليه قبل أن يموت ابن عم أبيه مروان بن محمَّد بن مروان ولما مات يزيد ولي أخوه إبراهيم فغلبه مروان (يعني الحمار) ثم ثار على مروان بنو العباس إلى أن قتل ثم كان أول خلفاء بني العباس أبو العباس السفاح ولم تطل مدته مع كثرة من ثار عليه ثم ولي أخوه المنصور فطالت مدته لكن خرج عنهم المغرب الأقصى باستيلاء المروانيين على الأندلس واستمرت في أيديهم متغلبين عليها إلى أن تسموا بالخلافة بعد ذلك وانفرط الأمر في جميع أقطار الأرض إلى أن لم يبق من الخلافة إلَّا الاسم في بعض البلاد بعد أن كانوا في أيَّام بني عبد الملك بن مروان يخطب للخليفة في جميع أقطار الأرض شرقًا وغربًا وشمالًا ويمينًا مما غلب عليه المسلمون ولا يتولى أحد في بلد من البلاد كلها الإمارة على شيء منها إلَّا بأمر الخليفة ومن نظر في أخبارهم عرف صحة ذلك فعلى هذا
قَال: ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلامٍ خَفِيَ عَلَيَّ. قَال: فَقُلْتُ لأَبِي: مَا قَال؟ قَال: "كُلُّهُم مِن قُرَيشٍ".
4573 -
(00)(00) حدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ. قَال: سَمِعْتُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا يَزَالُ أَمرُ النَّاسِ مَاضِيًا مَا وَلِيَهُمُ اثنَا عَشَرَ رَجُلًا". ثُمَّ تَكَلَّمَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِكَلِمَةٍ
ــ
يكون المراد بقوله يكون الهرج يعني القتل الناشئ من الفتن وقوعًا فاشيًا ويستمر ويزداد على مدى الأيَّام وكذا كان والله المستعان اهـ (قال) جابر: (ثم تكلم) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بكلام خفي عليَّ) ولم أفهمه (قال) جابر: (فقلت لأبي ما) ذا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسر بكلامه (قال) أبي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسر (كلهم) أي كل من الاثني عشر (من قريش) وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في الأحكام باب الاستخلاف [7222 و 7223] وأبو داود في كتاب المهدي [4279 و 4280] والترمذي في الفتن [2223]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما فقال.
4573 -
(00)(00)(حدَّثنا) محمَّد بن يَحْيَى (بن أبي عمر) العدني المكيِّ (حدَّثنا سفيان) بن عيينة (عن عبد الملك بن عمير) الفرسي اللخمي أبي عمر القبطي الكوفيّ ثقة، من (2) (عن جابر بن سمرة) رضي الله عنهما وهذا السند من رباعياته غرضه بيان متابعة عبد الملك بن عمير لحصين بن عبد الرحمن (قال) جابر:(سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: لا يزال أمر النَّاس) وسياسة المسلمين في دينهم ودنياهم (ماضيًا) أي عزيزًا قويًّا نافذًا (مَّا وليهم اثنا عشر رجلًا) من الخلفاء قيل: هذا إخبار عن الولايات الواقعة بعده صلى الله عليه وسلم وبعد أصحابه وكأنه أشار بذلك إلى مدة ولاية بني أميَّة ثم عدد هذا القائل ملوكهم فقال أولهم يزيد بن معاوية ثم أتبعه معاوية بن يزيد بن معاوية قالوا: ولم يذكر ابن الزُّبير لأنَّه صحابي ولا مروان لأنَّه غاصب لابن الزُّبير ثم عبد الملك ثم الوليد ثم سليمان ثم عمر بن عبد العزيز ثم يزيد بن عبد الملك ثم هشام بن عبد الملك ثم الوليد بن يزيد بن الوليد ثم إبراهيم بن الوليد ثم مروان بن محمَّد فهؤلاء اثنا عشر رجلًا ثم خرجت الخلافة منهم إلى بني العباس اهـ من المفهم (ثم تكلم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بكلمة
خَفِيَتْ عَلَيَّ. فَسَألتُ أَبِي: مَاذَا قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ فَقَال: "كُلُّهُم مِنْ قُرَيش".
4574 -
(00)(00) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، بِهذَا الْحَدِيثِ. وَلَمْ يَذْكُرْ "لَا يَزَالُ أَمرُ النَّاسِ مَاضِيًا".
4575 -
(00)(00) حدَّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الأزْدِي. حَدَّثنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ. قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا يَزَالُ الإسلامُ عَزِيزًا إِلَى اثنَي عَشَرَ خَلِيفَةَ" ثُمَّ قَال كَلِمَةً لَم أَفهَمهَا. فَقُلْتُ لأَبِي: مَا قَال؟
ــ
خفيت عليَّ فسألت أبي ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خفض كلامه (فقال) أبي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسر (كلهم من قريش) ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما فقال.
4574 -
(00)(00)(وحدثنا قتيبة بن سعيد حدَّثنا أبو عوانة) الوضّاح بن عبد الله اليشكري الواسطيِّ (عن سماك) بن حرب بن أوس الذهلي أبي المغيرة الكوفيّ صدوق من (4)(عن جابر بن سمرة) رضي الله عنهما وهذا السند من رباعياته أيضًا غرضه بيان متابعة سماك بن حرب لمن روى عن جابر بن سمرة (عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وساق سماك (بهذا الحديث) السابق (ولم يذكر) سماك لفظة (لا يزال أمر النَّاس ماضيًا) ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما فقال.
4575 -
(00)(00)(حدَّثنا هداب بن خالد) بن الأسود بن هدبة القيسي (الأزدي) أبو خالد البصري ثقة، من (9)(حدَّثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري ثقة، من (8) (عن سماك بن حرب قال: سمعت جابر بن سمرة) رضي الله عنهما وهذا السند من رباعياته غرضه بيان متابعة حماد بن سلمة لأبي عوانة (يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يزال الإسلام) أي دينه (عزيزًا) أي قويًّا نافذ الحكم (إلي) مضي (اثني عشر خليفة) قال جابر: (ثم قال كلمة لم أفهمها) أي لم أفهم معناها لخفض الصوت بها (فقلت لأبي) سمرة بن جنادة (ما) ذا (قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم
فَقَال: "كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيشٍ".
4576 -
(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أبُو مُعَاويةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ. قَال: قَال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَزَالُ هذَا الأَمْرُ عَزِيزًا إِلَى اثنَي عَشَرَ خَلِيفَةً". قَال: ثُمَّ تَكَلَّمَ بِشَيءٍ لَم أَفْهَمْهُ. فَقُلْتُ لأَبِي: مَا قَال؟ فَقَال: "كُلُّهُم مِنْ قُرَيشٍ"
ــ
حين خفض صوته (فقال) أبي قال (كلهم من قريش) ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما فقال.
4576 -
(00)(00)(حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدَّثنا أبو معاوية) محمَّد بن خازم الضَّرير (عن داود) بن أبي هند دينار القشيري أبي بكر البصري ثقة، من (5)(عن) عامر بن شراحيل الحميري (الشعبي) الكوفيّ ثقة، من (3) (عن جابر بن سمرة) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة الشعبي لمن روى عن جابر (قال) جابر (قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: لا يزال هذا الأمر) أي هذا الدين (عزيزًا إلي) مضي (اثني عشر خليفة قال) جابر (ثم تكلم) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بشيء) أي بكلام (لم أفهمه) أي لم أفهم معناه (فقلت لأبي) سمرة (ما) ذا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خفض صوته (فقال) أبي قال (كلهم من قريش) قال القاضي عياض قد توجه هنا سؤالان أحدهما أنه قد جاء في الحديث الآخر الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكًا وهذا مخالف لحديث اثني عشر خليفة فإنَّه لم يكن في ثلاثين سنة إلَّا الخلفاء الراشدون الأربعة والأشهر التي بويع فيها الحسن بن علي قال: والجواب عن هذا أن المراد في حديث الخلافة ثلاثون سنة خلافة النبوة وقد جاء مفسرًا في بعض الرِّوايات خلافة النبوة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكًا ولم يشترط هذا في الاثني عشر والسؤال الثَّاني أنَّه قد ولي أكثر من هذا العدد قال: هذا اعتراض باطل فإنَّه صلى الله عليه وسلم لم يقل لا يلي إلَّا اثنا عشر خليفة وإنما قال يلي وقد ولي هذا العدد ولا يضرهم كونه وجد بعدهم غيرهم ويحتمل أن يكون المراد مستحقي الخلافة العادلين ويحتمل أن المراد من يعز الإسلام في زمنه ويجتمع المسلمون عليه اهـ ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال.
4577 -
(00)(00) حدَّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِي الْجَهْضَمِيُّ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِيُّ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا أَزْهَرُ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ. قَال: انْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَمَعِي أَبِي. فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "لَا يَزَالُ هَذَا الدينُ عَزِيزًا مَنِيعًا إلَى اثنَي عَشَرَ خَلِيفَةً" فَقَال كَلِمَةً صَمَّنِيهَا النَّاسُ. فَقُلْتُ لأَبِي: مَا قَال؟ قَال: "كُلْهُم مِنْ قُرَيشٍ".
4578 -
(00)(00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. قَالا: حَدَّثنَا حَاتِمٌ (وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ) عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ،
ــ
4577 -
(00)(00)(حدَّثنا نصر بن علي) بن نصر (الجهضمي) البصري (حدَّثنا يزيد بن زريع) التَّيميُّ العيشي أبو معاوية البصري ثقة، من (8)(حدَّثنا) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني أبو عون البصري ثقة ثبت من (6)(ح وحدثنا أحمد بن عثمان النوفلي) البصري ثقة، من (11)(واللفظ له حدَّثنا أزهر) بن سعد السمان الباهلي البصري ثقة، من (9) (حدَّثنا ابن عون عن الشعبي عن جابر بن سمرة) رضي الله عنهما وهذان السندان من خماسياته غرضه بسوقهما بيان متابعة ابن عون لداود بن أبي هند (قال) جابر:(انطلقت) أي ذهبت (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي أبي) سمرة (فسمعته) صلى الله عليه وسلم (يقول: لا يزال هذا الدين) الإسلامي (عزيزًا) أي قويًّا بانتصاره (منيعًا) أي ممتنعًا من أعدائه (إلي) مضي (اثني عشر خليفة فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي تكلم (كلمة صمنيها) أي أصمني عن سماعها (النَّاس) لكثرة كلامهم وارتفاع أصواتهم يعني جعلوني أصم بالنسبة إليها فلم أسمعها قال في المصباح لا يستعمل الثلاثي متعديًا ونقل ابن الأثير في النهاية الحديث هكذا أصمنيها النَّاس أي شغلوني عن سماعها فكأنهم جعلوني أصم بالنسبة لها (فقلت لأبي ما) ذا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) أبي قال في تلك اللحظة (كلهم من قريش) ثم ذكر المؤلف المتابعة سادسًا في حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما فقال.
4578 -
(00)(00)(حدَّثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة قالا: حدَّثنا حاتم وهو ابن إسماعيل) العبدري المدني صدوق من (8)(عن المهاجر بن مسمار) أخي بكير بن مسمار الزُّهريّ مولاهم مولى سعد بن أبي وقاص المدني روى عن عامر بن
عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ. قَال: كَتَبْتُ إِلَى جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ، مَعَ غُلامِي نَافِعٍ: أَنْ أَخْبِرْنِي بِشَيءٍ سَمِعْتَهُ مِن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. قَال: فَكَتَبَ إِليَّ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، يَوْمَ جُمُعَةٍ، عَشِيَّةَ رُجِمَ الأَسْلَمِيُّ، يَقُولُ:"لَا يَزَالُ الدينُ قَائِمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ. أَوْ يَكُونَ عَلَيكُمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً. كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيشٍ"
ــ
سعد بن أبي وقاص في الجهاد والحوض وعن عائشة بنت سعيد ويروي عنه (م) وحاتم بن إسماعيل وابن أبي ذئب وموسى بن يعقوب الزمعي وثقه ابن حبان وقال في التقريب مقبول من السابعة (عن عامر بن سعد بن أبي وقاص) الزُّهريّ المدني ثقة، من (3) (قال) عامر:(كتبت إلى جابر بن سمرة) رسالة أرسلتها إليه (مع غلامي نافع) وهو ابن عمة عامر بن سعد لأنَّ والدة جابر بن سمرة خالدة بنت أبي وقاص أخت لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم كما في الإصابة كتب هذه المذكورات لأنَّه يحتمل أنَّها التي حضرته ويحتمل أنَّها التي حل الحال على الحاجة إليها اهـ من الأبي أي كتبت إليه بـ (ـأن) أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة عامر بن سعد لمن روى عن جابر بن سمرة (قال) عامر: (فكتب إلي) جابر بأني (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة عشية رجم) أي قتل فيه بالحجارة حدًّا ماعز بن مالك (الأسلمي) وهذا معارض لما رواه أحمد في مسنده من رواية الشعبي من أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام في حجة الوداع ولكن الظاهر أنَّه صلى الله عليه وسلم قاله مرتين مرَّة في حجة الوداع ومرَّة يوم رجم ماعز بن مالك رضي الله عنه لأنَّ سياق الروايتين مختلف فحملهما على تعدد الواقعتين غير بعيد وأفادت هذه الرِّواية أن رجم ماعز وقع يوم الجمعة والله أعلم أي سمعته صلى الله عليه وسلم حالة كونه (يقول لا يزال) هذا الدين الإسلامي (قائمًا) أي مستقيمًا على نهجه وإقامة حدوده وتنفيذ أحكامه (حتَّى تقوم الساعة) أي حتَّى يقرب قيامها لأن القيامة لا تقوم إلَّا على لكع بن لكع (أو يكون) ويمضي (عليكم) اثنا عشر خليفة أي لا يزال قائمًا ثابتًا إلى أن يمر عليكم اثنا عشر خليفة (كلهم من قريش) قال القرطبي قوله (قائمًا) أي عزيزًا ممتنعًا كما جاء مفسرًا في الرِّواية الأخرى وقوله (أو يكون عليكم) ضبطناه على من يوثق بضبطه بالنصب وتكون (أو) بمعنى (إلى أن) كقول امرئ القيس:
وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "عُصَيبَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَفْتَتِحُونَ الْبَيتَ الأَبْيَضَ. بَيتَ كِسْرَى. أَوْ آل كِسْرَى". وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِن بَينَ يَدَي السَّاعَةِ كَذَّابِينَ فَاحْذَرُوهُمْ". وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِذَا أَعْطَى اللهُ أَحَدَكُمْ خَيرًا فَليَبْدَأ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِ بَيتِهِ". وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "أَنا الْفَرَطُ عَلَى الْحَوْضِ"
ــ
فقلت له لا تبك عينك إنَّما
…
نحاول ملكًا أو نموت فنعذرا
وقد دلت على هذا المعنى الرِّواية الأخرى وهي قوله لا يزال هذا الأمر قائمًا عزيزًا إلى اثني عشر خليفة من قريش يعني به أنَّه لا تزال عزة دين الإسلام قائمة إلى اثني عشر خليفة من قريش اهـ من المفهم (وسمعته) صلى الله عليه وسلم أيضًا (يقول عصيبة) تصغير عصبة وهي الجماعة القليلة من النَّاس قيل: أقلهم أربعون ويحتمل أن يكون هذا التصغير للمفتتحين لقلة من يباشر فتح البيت أي بيت كسرى وسوغ الابتداء بالنكرة وصفه بقوله (من المسلمين) وخبره جملة قوله (يفتتحون البيت الأبيض بيت كسرى أو) قال بيت (آل كسرى) بالشك من الراوي والبيت الأبيض لقب لقصر كسرى وكسرى لقب لكل من ملك الفرس ووصفه بالأبيض لأنَّه كان مبنيًّا بالجص ومزخرفًا بالفضة وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم الظاهرة فإن المسلمين قد فتحوا بلاد فارس واستولوا على مملكة كسرى في زمن عمر رضي الله عنه وقد كانوا قليلًا بالنسبة إلى جيوش الفرس ولعلّه صلى الله عليه وسلم أراد بالبيت الأبيض قصر الأكاسرة المشهور وكان من العجائب (وسمعته يقول: إن بين يدي الساعة) أي قدام الساعة (كذابين) دجالين (فاحذروهم) أي احذروا واجتنبوا عن اتباعهم فيضلوكم (وسمعته يقول: إذا أعطى الله أحدكم خيرًا) أي مالًا (فليبدأ) في الإنفاق (بنفسه وأهل بيته) أي زوجته (وسمعته يقول أنا الفرط) أي السابق لكم إلى الآخرة المنتظر لكم (على الحوض) لسقيكم منه قوله (يفتتحون البيت الأبيض) وقد افتتحت قصور كسرى في خلافة عمر بيد سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنهما ويروى أن سعد بن أبي وقاص خاض دجلة وهي مطلع إلى دار كسرى فما بلغ الماء إلى حزام الفرس وما ذهب معه من المسلمين إلى شيء ووجدوا قبابًا مملوءة سلالًا فيها آنية الذَّهب والفضة ووجدوا كافورًا كثيرًا فظنُّوه ملحًا فعجنوا به فوجدوا مرارته وكان في بيوت كسرى ثلاثة آلاف ألف ألف ألف دينار ثلاث مرات قوله (إن بين يدي الساعة كذابين) يفسره الحديث الآخر الذي قال فيه (لا تقوم الساعة حتَّى يخرج ثلاثون كذابون
4579 -
(00)(00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أبِي فُدَيكٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئبٍ، عَنْ مُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ؛ أَنَّهُ أرْسَلَ إِلَى ابْنِ سَمُرَةَ الْعَدَويِّ: حَدَّثْنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. فَقَال: سمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ حَاتِمٍ
ــ
كلهم يزعم أنَّه نبي وأنا خاتم النبيين) ذكره الهيتمي في مجمع الزوائد [5/ 315] وقوله (إذا أعطى الله أحدكم خيرًا) والظاهر أن المراد منه المال وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر (إبدأ بنفسك ثم بمن تعول) أخرجه النَّسائيّ وابن حبان وكقوله في حديث آخر أيضًا (إذا أنعم الله على عبد نعمة أحب أن يرى أثر نعمته عليه) ذكره ابن عبد البر في التمهيد ومعنى هذا الأمر الابتداء بالأهم فالأهم والأولى فالأولى كما مر في كتاب الزكاة ويحتمل أن يكون المراد كل خير من العلم وغيره فيكون المقصود الأمر ببداية الدعوة والتبليغ بنفسه وعياله والله أعلم قوله (إنا الفرط على الحوض) والفرط بفتحتين من يسبق من القافلة إلى الماء ليهيئه ويصلحه ويهيئ جميع ما يحتاجون إليه من الدلاء والأرشية ويقال له الفارط أيضًا من الفرط بسكون الراء وهو السبق والتقدم والمعنى أنَّه صلى الله عليه وسلم يسبق أمته إلى الحوض وينتظر هناك ورودهم عليه ليسقيهم منه والله سبحانه وتعالى أعلم وهذه الرِّواية شارك المؤلف في روايتها أحمد في مسنده [5/ 89]، ثم ذكر المؤلف المتابعة سابعًا في حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما فقال.
4579 -
(00)(00)(حدَّثنا محمَّد بن رافع) القشيري النيسابوري ثقة، من (11)(حدَّثنا) محمَّد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) يسار الديلي مولاهم المدني صدوق من (8)(حدَّثنا) محمَّد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث (بن أبي ذئب) هشام بن شعبة القرشي المدني ثقة، من (7) (عن مهاجر بن مسمار) الزُّهريّ مولاهم المدني (عن عامر بن سعد) بن أبي وقاص (إنَّه أرسل) رسالة مع غلامه نافع (إلى) جابر بن سمرة العدوي هذا تصحيف من النساخ لأنَّ جابر بن سمرة ليس عدويًا إنَّما هو عامري سوائي حليف بني زهرة فلعل أحد النساخ حرف العامري إلى العدوي غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ابن أبي ذئب لحاتم بن إسماعيل أي كتب إليه بأن (حدَّثنا) بصيغة الأمر (مَّا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) جابر:(سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول): الحديث (فذكر) ابن أبي ذئب (نحو حديث حاتم) بن إسماعيل والله أعلم.
4580 -
(1772)(117) حدَّثنا أبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا أبُو أسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: حَضَرْتُ أبِي حِينَ أُصِيبَ. فَأثْنَوْا عَلَيهِ. وَقَالُوا: جَزَاكَ اللهُ خَيرًا. فَقَال: رَاغِبٌ وَرَاهِبٌ
ــ
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثَّاني من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال.
4580 -
(1772)(117)(حدَّثنا أبو كريب محمَّد بن العلاء) الهمداني الكوفيّ (حدَّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفيّ (عن هشام بن عروة) بن الزُّبير الأسدي المدني (عن أبيه) عروة بن الزُّبير (عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما وهذا السند من خماسياته (قال) ابن عمر: (حضرت أبي) أي شهدت عنده حين أصيب وطعن يعني حين جرح بيد أبي لؤلؤة فيروز النصراني غلام المغيرة بن شعبة رضي الله عنه وكان قد سأل عمر رضي الله عنه تخفيف خراجه فقال عمر رضي الله عنه ليس خراجك بكثير في جنب ما تحسن من الأعمال فانصرف ساخطًا ثم مر بعمر يومًا آخر وهو قاعد قال له عمر: ألم أحدث أنك قلت لو شئت أن أعمل رحى تطحن بالريح فعلت فالتفت العبد إلى عمر ساخطًا وقال: لأضعن لك رحى يتحدث بها المشرق والمغرب فلما ولى العبد قال للرهط الذين معه توعدني العبد ثم اشتمل العبد على خنجر ذي رأسين نصابه في وسطه وكمن في زاوية من زوايا المسجد حتَّى خرج عمر رضي الله عنه يوقظ النَّاس لصلاة الفجر وكان رضي الله عنه يفعل ذلك فلما دنا عمر رضي الله عنه وثب عليه فطعنه ثلاث طعنات إحداهن تحت سرته وهي التي قتلته وطعن أبيضًا ثلاثة عشر رجلًا من أهل المسجد فمات منهم سبعة وبقي ستة فأقبل رجل من بني تميم يقال له حطان بن مالك فألقى عليه كساء ثم احتضنه فلما رأى العبد أنَّه مأخوذٌ نحر نفسه بخنجره فمات إلخ ما في الأبي (فأثنوا) أي فأثنى النَّاس (عليه) أي على عمر ومدحوه بأعماله الصالحة في خدمة الإسلام والمسلمين (وقالوا) له: (جزاك الله) سبحانه وتعالى على حسناتك (خيرًا) كثيرًا وثوابًا جسيمًا قال الأبي: الثّناء في الحضرة إنَّما يمتنع في حق من لا يؤمن عليه وأمَّا في مثل عمر ولا سيما في مشارفة الموت فلا اهـ.
(فقال) عمر للنَّاس حين أثنوا عليه (راغب وراهب) بالرَّفع على أنَّه خبر لمحذوف تقديره أنا راغب فيما عند الله تعالى من النعيم في الآخرة راج فيه وراهب خائف من
قَالُوا: استَخلِف. فَقَال: أَتَحَمَّلُ أَمرَكُم حَيًّا وَمَيِّتًا؟ لَوَدِدتُ أَنَّ حَظِّي مِنهَا الكَفَافُ. لَا عَلَيَّ وَلَا لِي. فَإِن أَستَخْلِف
ــ
عذابه فلا أعول على ما أثنيتم عليَّ وقيل مبتدأ خبره محذوف أي منكم راغب ومنكم راهب أي منكم من رغب في الثّناء علي لغرض له ومنكم من رهب منه لما يخاف منه وقيل راغب في الخلافة لنيل منصبها وراهب منها لعظم حقوقها وشدتها وقيل أنا راغب في الاستخلاف لئلا يضيع المسلمون وراهب منه لئلا يفرط المستخلف ويقصر فيما يجب عليه من الحقوق وكل محتمل اهـ قرطبي (قالوا) له: (استخلف) أي عين لنا خليفة يقوم مقامك (فقال) عمر لهم: (أتحمل أمركم حيًّا وميتًا) هذا استفهام إنكاري على حذف أداته أي هل أتحمل أموركم وشؤونكم أيها المسلمون حيًّا وميتًا أي لا أتحمل أموركم بعد مماتي كما تحملته في حياتي أما تحمله أمور المسلمين في حياته فظاهر وأمَّا تحمله بعد وفاته فمراده أنني لو استخلفت أحدًا لكانت عهدة ما يفعله في عنقي وأنا ميت وهذا ينبيء عن كيفيته النفسية في شدة شعوره بمسؤولية الخلافة رضي الله عنه.
قال الأبي فيه أن المستخلف لأحد مؤاخذ بما يفعل ذلك الأحد وهذا إذا لم يبالغ المستخلف في الاجتهاد في المصححات للاستخلاف فإن (قلت) عمر لا يقصر في الاجتهاد لو اجتهد فكان يجتهد ويستخلف (قلت) الإنسان في اجتهاده قد لا يصيب كما قال هو في اجتهاد نفسه إن يكن صوابًا فمن الله وإن كان خطأ فمني ومن الشَّيطان مع أنَّه عارضه أنَّه صلى الله عليه وسلم لم يستخلف اهـ من الأبي.
والله (لوددت) أي لأحببت وتمنيت (أن حظي) ونصيبي منها أي من الخلافة (الكفاف) أي عدم الثواب وعدم العقاب والكفاف في الأصل مقدار الحاجة من المال من غير زيادة ولا نقص وفسره هنا بقوله (لا علي) العقاب بسببها (ولا لي) الثواب عليها وهذا يقول لشدة ورعه وقيل إن قوله لوددت أن حظي الكفاف يحتمل معنيين الأوَّل أن يكون المراد من الكفاف ما كان يأخذه عمر رضي الله عنه من بيت المال لقضاء حوائجه والمقصود أني عملت بالاحتياط البالغ في أمر الخلافة في حياتي فكيف أثق على أحد أنَّه يحتاط بمثل ذلك بعد موتي والاحتمال الثَّاني أن يكون المراد من الكفاف الأجر في الآخرة والمقصود أنني أستكثر لنفسي أن أتخلص من حساب الخلافة في الآخرة بدون وزر ولا أجر وهذا من شدة ورعه وخشيته رضي الله عنه (فإن أستخلف) واحدًا منكم
فَقَدِ استَخْلَفَ مَن هُوَ خَيرٌ مِنِّي (يَعنِي أَبَا بَكرٍ). وإن أَتْرُككُم فَقَد تَرَكَكُمْ مَن هُوَ خَيرٌ مِنِّي، رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم.
قَال عَبْدُ الله: فَعَرَفتُ أَنَّهُ، حِينَ ذَكَرَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، غَيرُ مُستَخلِفٍ.
4581 -
(00)(00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أبِي عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ (قَال إِسْحَاقُ وَعَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ). أخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ
ــ
مقامي (فـ) ـلا بدع ولا غرابة في استخلافه لكم لأنَّه (قد استخلف) فيكم (من هو خير) وأفضل (مني يعني أبا بكر) رضي الله عنه استدل عمر رضي الله عنه على جواز الاستخلاف بفعل أبي بكر الصِّديق رضي الله عنه فإنَّه استخلف عمر رضي الله عنه وعلى جواز الاستخلاف انعقد الإجماع (وإن أترككم) فوضى بلا استخلاف مني (فقد ترككم) فوضى بلا استخلاف من هو خير مني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا بدع ولا غرابة في ترككم بلا استخلاف (قال عبد الله) بن عمر راوي الحديث (فعرفت أنَّه) أي أن عمر (حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مستخلف) خبر إن يعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الاستخلاف وجعل الأمر شورى وهذا من أوضح الدلائل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوص لأحد بالخلافة صراحة فقول الشيعة إنَّه صلى الله عليه وسلم عهد لعلي رضي الله عنه بالخلافة قول مردود ليس له قائمة في الأحاديث والآثار الصحيحة ثم إن عمر سلك طريقًا بين طريقتين جمعت له الاقتداء بهما فاقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم في أنَّه لم ينص على واحد بعينه فصدق عليه أنَّه غير مستخلف واقتدى بأبي بكر من حيث إنَّه لم يترك أمر المسلمين مهملًا فإنَّه جعل الأمر شورى في ستة ممن يصلح للخلافة وفوض التعيين لاختيارهم اهـ من المفهم مع زيادة وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ [4108]، وأبو داود [2939]، والترمذي [2226]، ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه فقال.
4581 -
(00)(00)(حدَّثنا إسحاق بن إبراهيم و) محمَّد بن يَحْيَى (بن أبي عمر) العدني المكيِّ (ومحمد بن رافع) القشيري (وعبد بن حميد) الكسي (وألفاظهم متقاربة قال إسحاق وعبد أخبرنا وقال الآخران: حدَّثنا عبد الرَّزاق أخبرنا معمر) بن راشد (عن
الزهْرِيّ. أخْبَرَنِي سَالِمٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: دَخَلْتُ عَلَى حَفصَةَ فَقَالت: أَعَلِمْتَ أن أبَاكَ غَيرُ مُستَخْلِفٍ؟ قَال: قُلْتُ: مَا كَانَ لِيَفْعَلَ. قَالت: إِنَّهُ فَاعِل. قَال: فَحَلَفْتُ أَنِّي أُكَلِّمُهُ فِي ذلِكَ. فَسَكَت. حَتَّى غَدَوْتُ. وَلَمْ أُكَلِّمهُ. قَال: فَكُنتُ كَأنَّمَا أَحْمِلُ بِيَمِينِي جَبَلًا. حَتَّى رَجَعْتُ فَدَخَلتُ عَلَيهِ. فَسَألَنِي عَنْ حَالِ النَّاسِ
ــ
الزُّهريّ أخبرني سالم) بن عبد الله بن عمر (عن) أبيه (بن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته (قال) ابن عمر: (دخلت على) شقيقتي (حفصة) بنت عمر زوج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها (فقالت) لي حفصة: (أعلمت) أي هل علمت (أن أباك غير مستخلف) أي غير مريد الاستخلاف (قال) ابن عمر (قلت) لها (ما كان) أبي عمر (ليفعل) ذلك أي ترك الاستخلاف بنصب الفعل بعد اللام لأنها لام جحود مسبوقة بكان المنفية بما كما قال بعضهم:
فكل لام بعد ما كانا
…
أو لم يكن فبالجحود بانا
يعني ما كان ليترك الاستخلاف (قالت) حفصة: (إنَّه) أي إن أباك (فاعل) ذلك أي ترك الاستخلاف تعني أنَّه لا يستخلف أحدًا (قال) ابن عمر: (فحلفت) أي أقسمت على (أني كلمه في ذلك) أي في طلب الاستخلاف منه (فسكت) بتشديد التاء لأنَّه أدغمت تاء الكلمة في تاء المتكلم أي سكت عن تكليمه في هذا اليوم (حتَّى غدوت) وذهبت إليه في الغد قال الذهني أي حتَّى ذهبت إليه غدوة هذا هو الأصل في معنى الكلمة ثم أكثر استعمالها حتَّى استعملت في الذهاب والانطلاق أي وقت كان كما أفاده في المصباح والغدوة ما بين صلاة الصبح وطلوع الشَّمس أي فسكت في اليوم الأوَّل الذي أقسمت فيه حتَّى غدوت وبكرت إليه في اليوم الثَّاني لأكلمه (ولم أكلمه) حين غدوت إليه للتكليم هيبة منه (قال) ابن عمر: (فكنت) بعد قسمي (كأنما أحمل) فوق رأسي (بـ) ـسبب (يميني) وقسمي (جبلًا) من جبال الأرض يعني ثقل عليه أن يكلمه فيه حتَّى كأنه يحمل جبلًا يعني كان يشق عليه أن يتكلم عند عمر رضي الله عنه في هذا الأمر إما لأن الموضوع خطير ومكالمة الفاروق في ذلك مهيب وإما لأنه كان الحض على الاستخلاف في موضع تهمة فربما يخيل إلى بعض النَّاس أن يطمع هو في استخلاف نفسه ولم أزل كذلك (حتَّى رجعت) إليه ثانيًا (فدخلت عليه فسألني عن حال النَّاس) هل هم متفقون في شؤونهم
وَأَنا أُخْبِرُهُ. قَال: ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: إِنِّي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ مَقَالةً. فَآلَيتُ أَنْ أَقُولَهَا لَكَ. زَعَمُوا أنَّكَ غَيرُ مُسْتَخْلِفٍ. وإنَّهُ لَوْ كَانَ لَكَ رَاعِي إِبِلٍ أَوْ رَاعِي غَنَم ثُمَّ جَاءَكَ وَتَرَكَهَا رَأَيتَ أن قَد ضَيَّعَ. فَرِعَايَةُ النَّاسِ أشَدُّ. قَال: فَوَافَقَهُ قَوْلِي. فَوَضَعَ رَأْسَهُ سَاعَةً ثُمَّ رَفَعَهُ إِليَّ. فَقَال: إِن اللهَ عز وجل يَحفَظُ دِينَهُ. وَإِني لَئِنْ لَا
ــ
الدينية والدنيوية أم مختلفون (وأنا) أي والحال أني (أخبره) عن أحوال النَّاس (قال) ابن عمر (ثم قلت له) أي لعمر (إني سمعت النَّاس يقولون مقالةً) ويتحدثونها فيما بينهم (فـ) ـلما سمعتها (آليت) أي حلفت وأقسمت من الإيلاء وهو الحلف أي أقسمت على (أن أقولها) وأخبرها (لك) وأن أسألك عنها (زعموا) أي زعم النَّاس وقالوا (إنك) يا والدي (غير مستخلف) أي غير مريد الاستخلاف أي استخلاف أحد مقامك (و) أنا أقول لك يا والدي (لو كان لك راعي إبل أو راعي غنم) أو للتفصيل والتنويع لا للشك (ثم جاءك) ذلك الراعي (و) الحال أنه قد (تركها) أي ترك تلك المواشي فوضى بلا راع وذكر جواب لو بقوله هل (رأيت أن قد ضيع) من التضييع أي هل علمت أنَّه قد ضيع تلك المواشي أي جعلها ضائعة يأكلها السباع ويأخذها من شاء يعني أنك هل تؤاخذ الراعي بأنه ضيع المواشي بتركها بلا راع (فـ) ـكذلك (رعاية النَّاس) وإصلاح أمورهم (أشد) أي أهم من رعاية المواشي فكيف تترك النَّاس فوضى بلا خليفة.
والمعنى إذا كان راعي المواشي يعد مقصرًا بتركه لها دون أن يستخلف عليها من يقوم على حفظها فالإمام الذي يترك النَّاس غير مستخلف عليهم أحدًا أجدر أن يكون مهملًا مقصرًا لأنَّ الأمر في حفظ النَّاس ورعايتهم أشد وآكد وقوله (ضيع) هي هنا بمعنى فرط وأهمل قوله (فرعاية النَّاس) أي سياستهم وتدبير شؤونهم (قال) ابن عمر (فوافقه) أي فوافق عمر (قولي) وقبله مني ورضيه (فوضع رأسه) على مخدة (ساعة) أي زمنًا قليلًا ليفكر في قولي هذا ويرد لي الجواب (ثم) بعد ساعة (رفعه) أي رفع رأسه (إلى فقال) لي: (إن الله عز وجل يحفظ دينه) لا يضيعه قال الأبي يعني أن الفرق بين ما ذكرت من قضية الراعي وبين قضيتنا أن رب الغنم لا يقدر على حفظها إذا تركها الراعي لغيبته عنها والله سبحانه يحفظ دينه وإني تركت الاستخلاف لما وعد به من ذلك في قوله تعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} وإذا ظهر الفرق بين القضيتين فلي في عدم الاستخلاف أكبر أسوة وأعظم احتجاج وهو فعله صلى الله عليه وسلم ثم قال عمر: (وإني لئن لا
أسْتَخْلِف فَإِن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَم يَسْتَخْلِف. وإنْ أَستَخْلِفْ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدِ اسْتَخْلَفَ.
قَال: فَوَ اللهِ، مَا هُوَ إلا أَن ذَكَرَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ. فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَعْدِلَ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَحَدًا. وَأنَّهُ غَيرُ مُسْتَخْلِفٍ
ــ
أستخلف) فلي أسوة حسنة (فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف وإن أستخلف) فلي قدوة أيضًا (فإن أبا بكر قد استخلف قال) ابن عمر: (فوالله ما هو) أي الشأن (إلَّا أن ذكر) عمر (رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر) رضي الله عنه قال ابن عمر (فعلمت) من ذكره لهما (أنَّه) أي أن عمر (لم يكن ليعدل) بالنصب لأنَّ اللام لام جحود ليساوي (برسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا) من النَّاس (وعلمت) من كلامه (أنَّه غير مستخلف) فكان الأمر كذلك ثم إن عمر رضي الله عنه اختار أمرًا بين أمرين فلم يستخلف أحدًا بعينه ولا ترك الأمر دون إرشاد وإنما فوض تعيين الخليفة إلى ستة من العشرة المبشرة فاتفقوا على عثمان رضي الله عنه وقد حصل من هذا الحديث أن نصب الإمام لا بد منه وأن لنصبه طريقين أحدهما اجتهاد أهل الحل والعقد والآخر النَّصُّ إمَّا على واحد بعينه وإما على جماعة بأعيانها ويفوض التخيير إليهم في تعيين واحد منهم وهذا مما أجمع عليه السلف الصالح ولا مبالاة بخلاف أهل البدع في بعض هذه المسائل فإنهم مسبوقون بإجماع السلف وأيضًا فإنهم لا يعتد بخلافهم فإنهم إمَّا مكفرون وإما مفسقون مبدعون ومن كان كذلك لا يعتد بخلافه كما قال بعضهم:
وليس كل خلاف جاء معتبرًا
…
إلا خلافًا له حظ من النظر
والمسألة إجماعية قطعية والله أعلم اهـ من المفهم وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث الأوَّل: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأوَّل من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثَّاني: حديث جابر بن عبد الله ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة والثالث: حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد أيضًا والرابع: حديث جابر بن سمرة ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه سبع متابعات والخامس: حديث ابن عمر الثَّاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثَّاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.