المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ كتاب فضائل النبي صلى الله عليه وسلم وفواضله عليه الصلاة والسلام - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٢٣

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌687 - (1) باب كونه صلى الله عليه وسلم مختارًا من خيار الناس، وتسليم الحجر عليه وتفضيله على جميع الخلق، وبعض معجزاته، وتوكله

- ‌ كتاب فضائل النبي صلى الله عليه وسلم وفواضله عليه الصلاة والسلام

- ‌688 - (2) باب بيان مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم وشفقته على أمته وذكر كونه خاتم النبيين وذكر إذا أراد الله رحمة أمة قبض نبيها قبلها

- ‌689 - (3) باب إثبات حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبيان قدره وصفته وكيزانه

- ‌690 - (4) - باب قتال الملائكة مع النبي صلى الله عليه وسلم وشجاعته، وكونه أجود الناس، وكونه أحسنهم خلقًا، وما سُئل شيئًا وقال: "لا" قط، وكثرة عطائه

- ‌691 - (5) باب رحمته صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال، وكثرة حيائه، وتبسمه، وأمر سواق مطايا النساء بالرفق بهن، وتبرك الناس به صلى الله عليه وسلم

- ‌692 - (6) باب بعداه صلى الله عليه وسلم من الإثم واختياره أيسر الأمور وانتقامه لله تعالى وطيب رائحته ولين مسه وطيب عرقه والتبرك به وعرقه حين يأتيه الوحي وبيان كيفية إتيانه

- ‌693 - (7) باب في سدله وفرقه شعره وقده وصفة شعره وفمه وعينيه وعقبيه ولونه وشيبه صلى الله عليه وسلم

- ‌694 - (8) باب إثبات خاتم النبوة وصفة النبي صلى الله عليه وسلم ومبعثه وكم سنه حين قُبض وكم أقام بمكة وبالمدينة وفي أسمائه وكونه أشد الناس علمًا بالله وخشية له تعالى ووجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم

- ‌695 - (9) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرًا له ووجوب امتثال ما فعله شرعًا في الدين دون ما ذكره رأيًا من معايش الدنيا وفضل النظر إليه وتمنيه

- ‌ كتاب فضائل بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وفضائل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين

- ‌696 - (10) باب في فضائل عيسى وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام

- ‌697 - (11) باب فضائل موسى، وفضائل يونس، وفضائل يوسف، وفضائل زكريا عليهم الصلاة والسلام

- ‌698 - (12) باب فضائل الخضر عليه السلام

- ‌ أبواب فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌699 - (13) الأول منها باب فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌700 - (14) والثاني منها باب فضل عمر رضي الله عنه

- ‌701 - (15) والثالث منها باب فضل عثمان بن عفان، رضي الله تعالى عنه وأرضاه

- ‌702 - (16) والرابع منها باب فضائل علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه

- ‌703 - (17) الباب الخامس منها باب فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌704 - (18) والباب السادس منها باب فضائل طلحة والزبير وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌705 - (19) باب فضائل الحسن والحسين وفضائل أهل البيت وفضائل زيد بن حارثة وابنه أسامة وفضائل عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌706 - (20) والباب الثامن منها باب فضائل خديجة الكبرى رضي الله تعالى عنها وأرضاها

- ‌707 - (21) والباب التاسع منها باب فضل عائشة رضي الله تعالى عنها

- ‌708 - (22) والباب العاشر منها باب فضائل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء العالمين رضي الله تعالى عنها وأرضاها

- ‌709 - (23) والحادي عشر منها باب من فضائل أم سلمة وزينب وأم أيمن وأم سليم رضي الله تعالى عنهن

- ‌زينب أم المؤمنين

- ‌أم أيمن

- ‌أم سليم

- ‌710 - (24) والباب الثاني عشر منها باب فضائل أبي طلحة الأنصاري وبلال وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌فضائل بلال

- ‌فضائل ابن مسعود

- ‌711 - (25) والثالث عشر منها باب‌‌ فضائل أُبي بن كعبوزيد بن ثابت وسعد بن معاذ وأبي دجانة وعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌ فضائل أُبي بن كعب

- ‌فضائل زيد بن ثابت

- ‌فضائل سعد رضي الله عنه

- ‌فضائل أبو دجانة

- ‌فضائل أبي جابر

الفصل: ‌ كتاب فضائل النبي صلى الله عليه وسلم وفواضله عليه الصلاة والسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

24 -

كتاب فضلائل النبي صلى الله عليه وسلم وفواضله عليه الصلاة والسلام

‌687 - (1) باب كونه صلى الله عليه وسلم مختارًا من خيار الناس، وتسليم الحجر عليه وتفضيله على جميع الخلق، وبعض معجزاته، وتوكله

5796 -

(2246)(1) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ

ــ

24 -

‌ كتاب فضائل النبي صلى الله عليه وسلم وفواضله عليه الصلاة والسلام

والفضائل جمع فضيلة، والفضيلة النعم والمزايا اللازمة لصاحبها كالشجاعة والعلم لأن الاتصاف بهما لا يتوقف على تعدي أثرهما إلى الغير، والفواضل جمع فاضلة، والفاضلة النعم المتعدية إلى الغير كالإحسان والكرم والجود شوبري (فإن قلت) كل من الكرم والعلم إن أريد بهما الملكة كانا قاصرين وإن أريد بهما الأثر كانا متعديين (قلت) المراد بالمتعدية هي التي يتوقف تحقق معناها على وصول أثرها للغير والقاصرة نقيضها إذا عرفت ذلك علمت أن الشخص يتصف بالعلم وإن لم يُعلّم أحدًا ولا يتصف بالكرم إلَّا بعد الإعطاء اهـ حاشية سليمان البجيرمي على شرح منهج الطلاب لشيخ الإسلام قاضي زكريا الأنصاري.

687 -

(1) باب كونه صلى الله عليه وسلم مختارًا من خيار الناس، وتسليم الحجر عليه وتفضيله على جميع الخلق، وبعض معجزاته، وتوكله

5796 -

(2246)(1)(حَدَّثَنَا محمد بن مهران) بكسر الميم وسكون الهاء الجمال بالجيم أبو جعفر (الرازي) ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب، روى عنه (خ م د)

ص: 9

وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْمٍ، جَمِيعًا عَنِ الْوَلِيدِ. قَال ابْنُ مِهْرَانَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدَّثَنَا الاوْزَاعِيُّ، عَنْ أَبِي عَمَّارٍ، شَدَّادِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ وَاثِلَةَ بْنَ الأسقَعِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِن اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ. وَاصْطَفى قُرَيشًا مِن كِنَانَةَ. وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيشٍ بَنِي هَاشِمٍ. وَاصْطَفَاني مِنْ بَنِي هَاشِمٍ"

ــ

مات (339)(ومحمد بن عبد "الرحمن) بن حكيم (بن سهم) الفزاري أبو إسحاق الأنطاكي، وثقه الخطيب، وقال في التقريب: ثقة يُغرب، من (10) روى عنه (م) يروي عنه في (4) أبواب مات (243)(جميعًا) أي كلاهما رويا (عن الوليد قال ابن مهران حَدَّثَنَا الوليد بن مسلم) القرشي الدمشقي، ثقة، من (8) روى عنه في (6) أبواب (حَدَّثَنَا) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) الدمشقي، ثقة، من (7)(عن أبي عمار شداد) بن عبد الله القرشي الأموي مولاهم مولى معاوية الدمشقي، ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (أنه سمع واثلة بن الأسقع) بن كعب الليثي الصحابي المشهور من أهل الصفة رضي الله عنه (يقول) أي واثلة (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول): وهذا السند من خماسياته (إن الله اصطفى) واختار (كنانة) بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام (من ولد إسماعيل) عليه السلام بفتح الواو واللام على أنَّه اسم جمع أو بضم الواو وسكون اللام على أنَّه جمع لولد أي من أولاد إسماعيل (واصطفى قريشًا) أي نضر بن كنانة (من كنانة) أي من أولاده وكان لِكِنَانَة أولادْ غَيرُ النضر، واختلف النسابون من أين تقرشت قريش فقيل من فهر بن مالك، وقيل من النضر بن كنانة، والمشهور أنَّه من النضر (واصطفى من قريش) أي من أولاد النضر بن كنانة (بني هاشم) بن عبد مناف (واصطفاني من بني هاشم) فهو صلى الله عليه وسلم خيار من خيار.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 107]، والترمذي في المناقب (قوله اصطفى كنانة) أي اختار، وصفوة الشيء خياره ووزنه افتعل، والطاء فيه بدل من التاء في اصتفى اصتفاء لقرب مخرجيهما ومعنى اختيار الله تعالى لمن شاء من خلقه تخصيصُه إياه بصفاتِ كمالِ نوعِه وجَعْلُه إياه أصلًا لذلك النوع وإكرامُه له على ما سبق

ص: 10

5797 -

(2247)(2) وحدَّثنا أَبُو بَكرٍ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ أَبِي بُكَيرٍ،

ــ

في علمه ونافذِ حكمه من غير وجوب عليه ولا إجبار بل على ما قال: {وَربُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص: 68] وقد اصطفى الله تعالى من هذا الجنسِ الحيواني نوعَ بني آدم كما قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)} [الإسراء: 70]، ويكفيك من ذلك كله أن الله تعالى خلق العالم كله لأجله أي لأجل هذا النوع الإنساني كما قد صرح بذلك عنه لما قال الله تعالى:{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13] ثم إن الله تعالى اختار من هذا النوع الإنساني من جعله معدن نبوته ومحل رسالته فأولهم آدم عليه السلام ثم إن الله تعالى اختار من نطفته أي من نطفة آدم نطفة كريمة فلم يزل ينقلها من الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة فكان منها الأنبياء والرسل كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)} [آل عمران: 33، 34] ثم إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل وإسحاق كما قال: {إِنَّا أَوْحَينَا إِلَيكَ كَمَا أَوْحَينَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَينَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [النساء: 163] ثم إن الله تعالى اصطفى من ولد إسماعيل كنانة كما ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، ثم إن الله تعالى ختمهم بختامهم وأفهم بإمامهم وشرفهم بصدر كتيبتهم وبيت قصيدتهم شمس ضحاها هلال ليلتها در تقاصيرها (جمع تقصارة وهي القلادة) زبرجدها وهو محمد صلى الله عليه وسلم أَخَّرَه عن الأنبياء زمانًا وقدَّمه عليهم رتبة ومكانًا جعله الله واسطةَ النظام وكفل بكماله أولئك الملأ الكرام وخصَّه من بينهم بالمقام المحمود في اليوم المشهود فهو شفيعهم إذا استشفعوا وقائدهم إذا وفدوا وخطيبهم إذا جمعوا وسيدهم إذا ذكروا فاقتبس من الخبر عيونه، فبيده لواء الحمد، تحته آدم فمن دونه، ويكفيك أثرة وكرامة "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة".

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما فقال:

5797 -

(2247)(2)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حَدَّثَنَا يحيى بن أبي بكير)

ص: 11

عَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ. حَدَّثَنِي سِمَاكُ بن حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ، إِنِّي لأَعْرِفُهُ الآنَ"

ــ

قيس بن أسيد القيسي العبدي من عبد القيس أبو زكريا الكوفي، قاضي كرمان، ثقة، من (9) مات سنة (209) روى عنه في (6) أبواب (عن (براهيم بن طهمان) بن شعيب الهروي النيسابوري ثم المكي، وبها مات، ثقة، من (7) روى عنه في (4) أبواب (حدثني سماك بن حرب) بن أوس البكري الذهلي أبو المغيرة الكوفي، صدوق، من (4) روى عنه في (14) بابا (عن جابر بن سمرة) بن جنادة بضم الجيم السوائي بضم المهملة الصحابي ابن الصحابي رضي الله عنهما، روى عنه في (6) أبواب. وهذا السند من خماسياته (قال) جابر:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف) الآن كما سيأتي التصريح به في الحديث (حجرًا) كائنًا (بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث) يعني أنَّه كان يسلم عليه بالنبوة والرسالة قبل أن يشافهه الملك بالرسالة، وفي تسليم الحجر عليه قبل البعثة إرهاص، والإرهاص أمر خارق للعادة يظهر على يد من سيُنبأ، قال النووي: وفي هذا إثبات التمييز لبعض الجمادات (إني لأعرفه الآن) أي في هذا الزمن الحاضر يعني أنَّه كان وقت ما حدَّثهم بهذا الحديث يعرف الحجر معرفة من كان يشاهده، وذكر بعضهم أن الحجر الَّذي كان يسلم عليه صلى الله عليه وسلم هو الحجر الأسود كما في شرح الأبي، وقال الآخرون: هو حجر غيره والله أعلم. وفي رواية الترمذي: "ليالي بعثت" وهو محمول على التقريب ولو أخر المؤلف هذا الحديث إلى باب أحاديث معجزاته صلى الله عليه وسلم لكان أَنْسَبَ كما فعله القرطبي في تلخيصه.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 89]، والترمذي في المناقب [3624].

ذكر علماء سير النبي صلى الله عليه وسلم وأحواله أنَّه كان من لطف الله بنبيه صلى الله عليه وسلم أن قدَّم له مقدمات وخصه ببشائر وكرامات درَّجه بذلك إلى أطوار لينقطع بذلك عن مالونات الأغمار (جمع عُمر وهو الجاهل الَّذي لم يجرب الأمور) ويتأهل على تدريج لقبول ما يُلقى إليه، ولتسهيل مشافهة الملك عليه فكان صلى الله عليه وسلم يرى ضياءً وأنوارًا ويسمع تسليمًا وكلامًا ولا يرى أشخاصًا فيسمع الحجارة والشجر تناديه ولا

ص: 12

5798 -

(2248)(3) حدَّثني الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، أَبُو صَالِحٍ. حَدَّثَنَا هقْلٌ، (يَعْنِي ابْنَ زِيادٍ)، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ. حَدَّثَنِي أَبُو عَمَّارٍ. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ. وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفعٍ"

ــ

يرى أحدًا يناجيه إلى أن استوحش من الخلق ففر إلى الحق فحُبِّبت إليه الخلوة فكان سبب هذه الحبوة مشافهة الملك فقبل فملك، وقد قدمنا أن الصحيح من مذاهب أئمتنا أن كلام الجمادات راجع إلى أن الله تعالى يخلق فيها أصواتًا مقطعة من غير مخارج يُفهم منها ما يُفهم من الأصوات الخارجة من مخارج الفم وذلك ممكن في نفسه والقدرة القديمة لا قصور فيها فقد أخبر بها الصادق فيجب له التصديق كيف لا وقد سمع من حضر تسبيح الحصى في كفه وحنين الجذع والمسجد قد غُص بأهله اهـ من المفهم.

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

5798 -

(2248)(3)(حدثني الحكم بن موسى) بن أبي زهير البغدادي (أبو صالح) القنطري، صدوق، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حَدَّثَنَا هقل يعني ابن زياد) السكسكي مولاهم أبو عبد الله الدمشقي، وهقل لقب غلب عليه واسمه محمد، ثقة، من (9)(عن) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) الدمشقي، ثقة، من (7)(حدثني أبو عمار) شداد بن عبد الله الأموي مولاهم مولى معاوية بن أبي سفيان الدمشقي، ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (حدثني عبد الله بن فروخ) القرشي التيمي مولاهم مولى عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، ثقة، من (3) روى عنه في (2) (حدثني أبو هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا سيد ولد آدم) أي سيد أولاده ورئيسهم (يوم القيامة) وملجأهم وشفيعهم في ذلك اليوم العظيم (وأول من ينشق) وينفتح (عنه القبر) يوم البعث (وأول شافع) لربه يوم القيامة (وأول مشفع) عند ربه يوم القيامة.

قوله؛ (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة) قال النووي: قال الهروي: السيد هو الَّذي يفوق قومه في الخير، وقال غيره: هو الَّذي يُفزع إليه عن الشدائد والنوائب فيقوم بأمرهم ويتحمل عنهم مكارههم ويدفعها عنهم، وأما قوله صلى الله عليه وسلم:"يوم القيامة" مع

ص: 13

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أنَّه سيدهم في الدنيا والآخرة فسبب التقييد أن في يوم القيامة يظهر سؤدده لكل أحد ولا يبقى منّاع ولا معاند ونحوه بخلاف الدنيا فقد نازعه ذلك فيها ملوك الكفار وزعماء المشركين وهذا التقييد قريب من قوله تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} مع أن الملك له سبحانه قبل ذلك لكن كان في الدنيا من يدعى الملك أو من يضاف إليه مجازًا فانقطع كل ذلك في الآخرة اهـ نووي.

وأما لفظ السيد فهو اسم فاعل من ساد قومه يسود إذا تقدَّمهم بما فيه من خصال الكمال وبما يوليهم من الإحسان والإفضال وأصله يسود لأن ألف ساد منقلبة عن واو بدليل أن مضارعه يسود فقلبوا الواو ياءً وأدغموها في الياء فصار سيدًا وهذا نظير ميت وقد تبين للعقل والعيان ما به، كان محمد صلى الله عليه وسلم سيد نوع الإنسان وقد ثبت بصحيح الأخبار ماله من السؤدد في تلك الدار فمنها أنَّه قال:"أنا سيد ولد آدم" قال: "وتدرون بم ذاك" قالوا: الله ورسوله أعلم قال: "إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد" رواه مسلم (194) وذكر حديث الشفاعة المتقدم ومضمونه أن الناس كلهم إذا جمعهم موقف القيامة وطال عليهم وعظم كربهم طلبوا من يشفع لهم إلى الله تعالى في إراحتهم من موقفهم فيبدئون بآدم عليه السلام فيسألونه الشفاعة فيقول: نفسي نفسي لست لها وهكذا يقول من سئلها من الأنبياء حتَّى ينتهي الأمر إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: "أنا لها" فيقوم في أرفع مقام ويُخص بما لا يحصى من المعارف والإلهام وينادي بألطف خطاب وأعظم إكرام "يا محمد قل: تُسمع، وسل تعطه واشفع تشفع" وهذا مقام لم ينله أحد من الأنام (الأنبياء)"ولا سُمع بمثله لأحد من الملائكة الكرام فنسأل الله تعالى باسمه العظيم وبوجهه الكريم أن يحيينا على شريعته وعلى ملته ويحشرنا في زمرته ولا يجعلنا ممن ذيد (طُرد) عنه وبُعد منه اهـ وزيد في الترمذي عن أبي سعيد الخدري وعن ابن عباس لفظ "ولا فخر" يعني أنَّه صلى الله عليه وسلم لا يقول ذلك فخرًا وإعجابًا بنفسه أو استكبارًا على غيره والعياذ بالله بل قال ذلك بيانًا لحقيقة واقعة يجب أن يعتقدها كل مسلم فهو من قبيل تبليغ الرسالة وتحديث النعمة.

وأما حديث "لا تفضّلوا بين أنبياء الله" فقال فيه النووي رحمه الله تعالى: جوابه من

ص: 14

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

خمسة أوجه أحدها: أنَّه صلى الله عليه وسلم قاله قبل أن يعلم أنَّه سيد ولد آدم فلما أُعلم قال ذلك، والثاني: قاله أدبًا وتواضعًا، والثالث: أن النهي إنما هو عن تفضيل يؤدي إلى تنقيص المفضول، والرابع: إنما نهى عن تفضيل يؤدي إلى الخصوصية والفتنة كما هو المشهور في سبب الحديث، والخامس: أن النهي مختص بالتفضيل في نفس النبوة فلا تفاضل فيها وإنما التفاضل في الخصائص وفضائل أخرى ولا بد من اعتقاد التفضيل فقد قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} .

قوله: (وأنا أول من ينشق عنه القبر) يعني أنَّه أول من يعجل إحياؤه مبالغة في إكرامه وتخصيصًا له بتعجيل جزيل إنعامه، ويعارض هذا قوله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر أنَّه أول من يُبعث فيجد موسى متعلقًا بساق العرش رواه مسلم [3/ 231][160] وسيأتي هذا مبينأ في باب ذكر موسى عليه السلام إن شاء الله تعالى، قوله:(وأول شافع) أي أول من يطلب الشفاعة من الله تعالى والشفاعة في اصطلاحاتهم طلب الخير من الغير للغير (وأول مشفع) أي أول من تُقبل شفاعته عند الله تعالى وإنما صرح بذلك لأنه قد يشفع اثنان فيُشفع الثاني قبل الأول فالأولية في الشفاعة لا تستلزم الأولية في التشفيع ولذلك أفرد كلًّا منهما بالذكر، قال القرطبي: قد تقدم: القول في الشفاعة وأقسامها في الأيمان ومقصود هذا الحديث أن يبين أنَّه لا يتقدمه شافع لا من الملائكة ولا من النبيين ولا من المؤمنين في جميع أقسام الشفاعات على أن الشفاعة العامة لأهل الموقف خاصة لا تكون لغيره صلى الله عليه وسلم وهذه المنزلة أعظم المراتب وأشرف المناقب وهذه الخصائص والفضائل التي حدَّث بها النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه إنما كان ذلك منه لأنها من جملة ما أُمر بتبليغه لما يترتب عليها من وجوب اعتقاد ذلك وأنه حق في نفسه وليُرغِّب في الدخول في دينه وليتمسك به من دخل فيه وليعلم قدر نعمة الله عليه في أن جعله من أمة من هذا حاله ولتعظم محبته في قلوب متبعيه فتكثر أعمالهم وتطيب أحوالهم فيحشرون في زمرته وينالون الحظ الأكبر من كرامته، وعلى الجملة فيحصل له بذلك شرف الدنيا وشرف الآخرة لأن شرف المتبوع متعدٍّ لشرف التابع على كل حال فإن قيل كل هذا راجع إلى الاعتقاد وكيف يحصل القطع بذلك من أخبار الآحاد فالجواب أن من سمع شيئًا من تلك الأمور من النبي صلى الله عليه وسلم مشافهة حصل له العلم بذلك كما حصل للصحابة السامعين منه ومن لم يشافهه فقد يحصل له العلم

ص: 15

5799 -

(2249)(4) وحدَّثني أَبو الرَّبِيعِ، سُلَيمَانُ بن دَاوُدَ الْعَتَكِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّاد، (يَعْنِي ابْنَ زَيدٍ)، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَعَا بِمَاءٍ فَأُتِيَ بِقَدَحٍ رَحْرَاحٍ، فَجَعَلَ الْقَوْمُ يَتَوَضَّؤُنَ، فَحَزَرْتُ مَا بَينَ السِّيتِّينَ إِلَى الثَّمَانِينَ. قَال: فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْمَاءِ

ــ

بذلك من جهة التواتر المعنوي إذ كثُرت بذلك الظواهر وأخبار الآحاد حتَّى حصل لسامعها العلم القطعي بذلك المراد.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في كتاب السنة باب ما جاء من التخيير بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام [4763]، والترمذي في المناقب باب ما جاء في فضل النبي صلى الله عليه وسلم [3611].

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة بحديث أنس رضي الله عنه فقال:

5799 -

(2249)(4)(وحدثني أبو الربيع) الزهراني (سليمان بن داود العتكي) البصري (حَدَّثَنَا حماد يعني ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا، توفي (179) وله (81) سنة (حَدَّثَنَا ثابت) بن أسلم البناني البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (13) بابا (عن أنس) بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا) أي طلب (بماء) يتوضأ (فأُتي) فجيء (بقدح) أي بكاس (رحراح) أي الواسع القصير الجدار، ورحراح بفتح الراء على وزن خلخال، قال الخطابي: الرحراح ويقال: رحرح بغير ألف وإناء أرّح وآنية رحاء كل ذلك بمعنى الواسع وهو الإناء الواسع الصحن القريب القعر القصير الجدار ومثله لا يسع الماء الكثير فهو أدل على المعجزة، وقال الحافظ في الفتح [1/ 304] وهذه الصفة شبيهة بالطست فوضع صلى الله عليه وسلم يده الشريفة في ذلك الإناء فجعل الماء ينبع فيه من بين أصابعه وحوله جماعة من الصحابة فأمرهم بأن يتوضؤوا من ذلك الماء (فجعل) أي شرع (القوم) الحاضرون (يتوضؤون) من ذلك الماء، قال أنس:(فحزرت) أي حرصت وقدرت، في المصباح خزرت الشيء خزرًا من بابي ضرب وقتل قدرته أي خرصت القوم الذين توضؤوا من ذلك الماء وجعلتهم في خرص (ما بين) فوق (الستين إلى) أن بلغوا (الثمانين قال) أنس:(فجعلت) أي شرعت (انظر إلى الماء)

ص: 16

يَنْبُعُ مِنْ بَينِ أَصَابِعِهِ.

5800 -

(00)(00) وحدَّثني إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهرِ. أَخبَرَنَا

ــ

الَّذي (ينبع) ويفور ويخرج (من بين أصابعه) الشريفة صلى الله عليه وسلم.

قال النووي: وفي كيفية هذا النبع قولان حكاهما القاضي وغيره أحدهما ونقله القاضي عن المزني وأكثر العلماء أن معناه أن الماء كان يخرج من نفس أصابعه صلى الله عليه وسلم وينبع من ذاتها قالوا: وهو أعظم في المعجزة من نبعه من حجر، والثاني: يحتمل أن الله كثر الماء في ذاته فصار يفور من بين أصابعه لا من نفسها وكلاهما معجزة ظاهرة وآية باهرة اهـ.

قال القرطبي: وهذه المعجزة تكررت من النبي صلى الله عليه وسلم مرات عديدة في مشاهد عظيمة وجموع كثيرة بلغتنا بطرق صحيحة من رواية أنس وعبد الله بن مسعود وجابر وعمران بن حصين وغيرهم ممن يحصل بمجموع أخبارهم العلم القطعي المستفاد من التواتر المعنوي وبهذا الطريق حصل لنا العلم بأكثر معجزاته الدالة على صدق رسالاته كما قد ذكرنا جملة ذلك في كتاب الإعلام، وهذه المعجزة أبلغ من معجزة موسى عليه السلام في نبع الماء من الحجر عند ضربه بالعصا إذ من المألوف نغ الماء من بعض الحجارة فأما نبعه من بين عظم ولحم وعصب ودم فشيء لم يُسمع بمثله ولا تحدث به عن غيره.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 132]، والبخاري في مواضع كثيرة منها باب علامات النبوة في الإسلام [3572، إلى 35751]، والترمذي في المناقب [3631]، والنسائي في الطهارة [1/ 60].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

5800 -

(00)(00)(وحدثني إسحاق بن موسى) بن عبد الله بن موسى (الأنصاري) المدني ثم الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (وحدثنا معن) بن عيسى بن يحيى الأشجعي مولاهم أبو يحيى المدني، ثقة، من (10) روى عنه في (10) أبواب (حَدَّثَنَا مالك) بن أنس الإمام الأصبحي المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (17) بابا (ح وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو الأموي المصري (أخبرنا) عبد الله

ص: 17

ابْنُ وَهْبٍ، عَن مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. عَن إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّهُ قَال: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَحَانَت صَلَاةُ الْعَصْرِ، فَالْتَمَسَ النَّاسُ الْوَضُوءَ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِوَضُوءٍ. فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في ذَلِكَ الإِنَاءِ يَدَهُ، وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضؤُوا مِنْهُ. قَال: فَرَأَيتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ، فَتَوَضَّأَ النَّاسُ حَتَّى تَوَضَّؤُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ

ــ

(بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من (9)(عن مالك بن أنس) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (7) أبواب (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعة إسحاق بن عبد الله لثابت بن أسلم (أنَّه) أي أن أنسًا (قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم و) قد (حانت) أي قربت (صلاة العصر) أي قرب دخول وقتها (فالتمس) أي طلب (الناس) أي الأصحاب (الوضوء) بفتح الواو أي الماء الَّذي يتوضؤون به (فلم يجدوه) أي لم يجدوا ماء الوضوء (فأُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء) أي بماء قليل ليتوضَّأ به في قدح رحراح (فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الإناء) الرحراح (يده) الشريفة (وأمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الناس) الحاضرين عنده (أن يتوضؤوا منه) أي من ذلك الماء القليل (قال) أنس: (فرأيت الماء ينبع) أي يخرج ويجري (من تحت) أي أسفل أصابعه صلى الله عليه وسلم (فتوضأ الناس) الحاضرون من ذلك الماء (حتَّى توضؤوا من) أولهم الذين يلون النبي صلى الله عليه وسلم (عند آخرهم) أي إلى آخرهم الذين كانوا بعيدين من النبي صلى الله عليه وسلم، فعند هنا حرف جر بمعنى إلى وهو لغة فيها دل على هذا المعنى ذكر من قبلها وآخرهم بعدها لأن من تقتضي إلى والآخر تقتضي الأول تأمل والمقصود من هذه الغاية أنَّه توضأ جميعهم حتَّى آخرهم، قال الكرماني: حتَّى للتدريج ومن للبيان أي توضأ الناس حتَّى توضأ الذين عند آخرهم وهو كناية عن جميعهم، وعند بمعنى في فكأنه قال: الذين هم في آخرهم، وقال التميمي: المعنى توضأ القوم حتَّى وصلت النوبة إلى الآخر، وذهب النووي إلى أن كلمة من هنا بمعنى إلى وتعقبه الكرماني وانتصر الحافظ للنووي، راجع فتح الباري [1/ 271].

ص: 18

5801 -

(00)(00) حدَّثني أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ. حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، (يَعْنِي ابْنَ هِشَامٍ)، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَة، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأَصْحَابَهُ بِالزَّوْرَاءِ - (قَال: وَالزَّوْرَاءُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ فِيمَا ثَمَّهْ) - دَعَا بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ، فَوَضَعَ كَفَّهُ فِيهِ. فَجَعَلَ يَنْبُعُ مِنْ بَينِ أَصَابِعِهِ. فَتَوَضَّأ جَمِيعُ أَصْحَابِهِ. قَال: قُلْتُ: كَمْ كَانُوا؟ يَا أَبا حَمْزَةَ. قَال: كَانُوا زُهَاءَ الثَّلَاثِمِائَةِ

ــ

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

5801 -

(00)(00)(حدثني أبو غسان المسمعي) مالك بن عبد الواحد البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (10) أبواب (حَدَّثَنَا معاذ يعني ابن هشام) الدستوائي (حَدَّثَنَا أبي) هشام بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي البصري (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (حَدَّثَنَا أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة قتادة لثابت بن أسلم وإسحاق بن عبد الله (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه) كانوا (بالزوراء قال) أنس:(والزوراء) بفتح الزاي وبالمد مكان معروف (بالمدينة) المنورة كان (عند السوق) المدني (والمسجد) النبوي معروف (فيما) أي في المكان الَّذي كان (ثمه) بفتح المثلثة، اسم إشارة للمكان البعيد، والهاء للسكت أي معروف في المكان الَّذي كان ثم أي عند المسجد والسوق قدام باب السلام كان بين الباب والسوق أدركنا ذلك المكان ورأيناه حين حججنا في سنة (1375 هـ) واشترينا كتبًا من مكاتب تلك السوق فلله الحمد على تعميرنا. قال أنس:(دعا) النبي صلى الله عليه وسلم أي طلب ماءً يتوضأ به، فأُتي صلى الله عليه وسلم كما في الرواية الأولى (بقدح) رحراح (فيه) أي في ذلك القدح (ماء) قليل، ووقع في رواية لأبي نعيم عن أنس أنَّه هو الَّذي أحضر الماء وأحضره من بيت أم سلمة رضي الله تعالى عنهما ذكره الحافظ في الفتح [7/ 585 و 586] (فوضع) صلى الله عليه وسلم كفه) الشريفة (فيه) أي في ذلك القدح (فجعل) الماء (ينبع) أي يخرج (من بين أصابعه) أي من النقرة التي بين أصابعه فهو بمعنى الرواية التي قبلها (من تحت أصابعه) (فتوضأ) من ذلك الماء (جميع أصحابه) صلى الله عليه وسلم (قال) قتادة:(قلت) لأنس: (كم كانوا) أي كم جملة الأصحاب الذين كانوا توضؤوا من ذلك الماء (يا أبا حمزة) كنية أنس (قال) أنس: (كانوا) أي كان الذين توضؤوا من ذلك الماء (زهاء) أي قدر (الثلاثمائة) نفر، يقال: هم زهاء كذا،

ص: 19

5802 -

(00)(00) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ

ــ

ولُهَاء كذا باللام بدل الزاي وضمها فيهما أي قدرها، وفي الرواية الأولى فحزرت ما بين الستين إلى الثمانين فبين رواية ثابت ورواية قتادة معارضة ولعدم إمكان الجمع بينهما ذهب النووي والحافظ إلى حمل الحديثين على واقعتين مختلفتين، ووقع الاختلاف في روايات أنس في تعيين المكان الَّذي وقع فيه ذلك فصرح في حديث الباب أنَّه صلى الله عليه وسلم كان بالمدينة، ووقع في رواية الحسن عن أنس عند البخاري في علامات النبوة ما نصه خرج النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ومعه ناس من أصحابه فانطلقوا يسيرون فحضرت الصلاة فلم يجدوا ماء يتوضؤون به .. الخ وهذا يدل على كون الواقعة في سفر ويبعد الجمع بينهما أيضًا والذي يظهر من الأحاديث أن قصة نبع الماء من أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقعت مرات عديدة فلا يبعد أن يكون أنس رضي الله عنه أخبر في بعض الأحيان ما وقع في المدينة، وفي بعضها ما وقع في السفر وكان المتوضؤون في بعض هذه الواقعات زهاء ثمانين، وفي بعضها زهاء ثلاثمائة والله سبحانه أعلم.

وقال الحافظ في الفتح [7/ 585] قصة نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم جاءت من رواية أنس عند الشيخين وأحمد وغيرهم من خمسة طرق، وعن جابر من أربعة طرق، وعن ابن مسعود عند البخاري والترمذي، وعن ابن عباس عند أحمد والطبراني من طريقين، وعن ابن أبي ليلى عند الطبراني فعدد هؤلاء الأصحاب يكفي لكون الخبر مشهورًا وليس الأمر كما يفهم من كلام القرطبي والقاضي عياض اهـ.

وهذه الرواية والتي بعدها انفرد بها الإمام مسلم رحمه الله تعالى.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

5802 -

(00)(00)(وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حَدَّثَنَا محمد بن جعفر) الهذلي البصري ربيب شعبة المعروف بغندر، ثقة، من (9) إلَّا أن فيه غفلة (حَدَّثَنَا سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري مولاهم أبي النضر البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (8) أبواب (عن قتادة عن أنس) رضي الله عنه. وهذا السند من خمساسياته، غرضه بيان متابعة سعيد بن أبي عروبة لهشام الدستوائي (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان

ص: 20

بِالزَّوْرَاءِ. فَأُتِيَ بِإِنَاءِ مَاءٍ لَا يَغمُرُ أَصَابِعَهُ. أَو قَدْرَ مَا يُوَارِي أَصَابِعَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ هِشَامٍ.

5803 -

(2250)(5) وحدَّثني سَلَمَةُ بن شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَن جَابِرٍ؛ أَنَّ أُمِّ مَالِكِ كَانَتْ تُهْدِي لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في عُكَّةٍ لَهَا سَمْنًا. فَيَأْتِيهَا بَنُوهَا فَيَسْأَلُونَ الُأدمَ. وَلَيسَ

ــ

بالزوراء فأُتي) بالبناء للمفعول أي أتاه آت وهو أنس بن مالك كما مر آنفًا (بإناء ماء لا يغمر) ذلك الماء أي لا يستر ولا يغطي (أصابعه) لقلته (أو) قال أنس أو قتادة: أُتي بإناء ماء (قدر ما يواري) ويستر ذلك الماء (أصابعه) والشك من سعيد أو من قتادة قال محمد بن جعفر: (ثم ذكر) سعيد (نحو حديث هشام) الدستوائي.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث جابر رضي الله تعالى عنهما فقال:

5803 -

(2250)(5)(وحدثني سلمة بن شبيب) المسمعي النيسابوري نزيل مكة، ثقة، من (11) روى عنه في (5) أبواب (حَدَّثَنَا الحسن) بن محمد (بن أعين) الأموي مولاهم الحراني، صدوق من (9) روى عنه في (7) أبواب (حَدَّثَنَا معقل) بن عبيد الله العبسي بالموحدة مولاهم الحراني، صدوق، من (8) روى عنه في (9) أبواب تقريبًا (عن أبي الزبير) المكي الأسدي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن أم مالك) الأنصارية الصحابية رضي الله تعالى عنها اسمها كنيتها (كانت تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم في عكة لها سمنًا) أي زبدًا صفي من المخيض بالتسخين على النار، قال في القاموس: العُكة بضم العين وتشديد الكاف آنية السمن أصغر من القربة وجمعه عكك وزان غرف وغرفة، وذكر الحافظ في الإصابة [4/ 470] رواية لابن أبي عاصم ولابن أبي خيثمة جاء فيها أن أم مالك الأنصارية جاءت بعكة سمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بلالًا بعصرها ثم دفعها إليها فإذا هي مملوءة فجاءت فقالت: أنزل فيّ شيء؟ قال: "وما ذلك؟ " قالت: رددت علي هديتي فدعا بلالًا فسأله فقال: والذي بعثك بالحق لقد عصرتها حتَّى استحييت، فقال:"هنيئًا لك هذه بركة يا أم مالك هذه بركة عجّل الله لك ثوابها"(فيأتيها بنوها فيسألونـ) ـها (الأدم) بضم الهمزة وسكون الدال ما يؤكل به الخبز ويطيبه يجمع على إدام وأُدم (وليس

ص: 21

عِنْدَهُمْ شَيءٌ، فَتَعْمِدُ إِلَى الَّذِي كَانَت تُهْدِي فِيهِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَتَجِدُ فِيهِ سَمْنًا. فَمَا زَال يُقِيمُ لَهَا أُدْمَ بَيتِهَا حَتَّى عَصَرَتْهُ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَال:"عَصَرْتِيهَا؟ " قَالتْ: نَعَمْ. قَال: "لَوْ تَرَكْتِيهَا مَا زَال قَائِمًا".

5804 -

(2251)(6) وحدَّثني سَلَمَةُ بن شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَطْعِمُهُ، فَأَطْعَمَهُ شَطْرَ وَسْقِ شَعِيرٍ

ــ

عندهم شيء) من الإدام (فتعمد) أي فتقصد (إلى) الإناء (الَّذي كانت تهدي فيه للنبي صلى الله عليه وسلم وهي العكة المذكورة (فتجد فيه سمنًا فما زال) الشأن (يقيم) ويدوم ويوجد (لها أدم بيتها) في ذلك الإناء (حتَّى عصرته) حتَّى عصرت ذلك الإناء وخلصته مما فيه ومسحته أي لم يزل ذلك الإناء يهيأ لها ما يكفي لائتدام أهل بيتها إلى أن عصرته فلم يبق فيه شيء (فأتت) أم مالك (النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته حال عكتها بعد عصرها (فقال) لها النبي صلى الله عليه وسلم (عصرتيها) أي عصرت العكة وخلصتيها عما فيها من السمن (قالت) أم مالك: (نعم) عصرتها يا رسول الله فـ (قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو تركتيها) أي لو تركت العكة ولم تعصريها مما فيها من السمن (ما زال) أُدمك (قائمًا) أي موجودًا فيها مستمرًا.

وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أنس بحديث آخر لجابر رضي الله تعالى عنهما فقال:

5804 -

(2251)(6)(وحدثني سلمة بن شبيب) المسمعي النيسابوري (حَدَّثَنَا الحسن) بن محمد (بن أعين) الأموي الحراني (حَدَّثَنَا معقل) بن عبيد الله العبسي الحراني (عن أبي الزبير) المكي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته فهو نفس السند الَّذي قبله حرفًا بحرف (أن رجلًا) ولم أر أحدًا من الشراح ذكر اسم هذا الرجل، وللبيهقي ما يفيد أنَّه نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ولعلها حادثة أخرى مشابهة لها اهـ من مبهمات مسلم (أتى النبي صلى الله عليه وسلم حالة كونه (يستطعمه) أي يطلب منه صلى الله عليه وسلم الإطعام (فأطعمه) النبي صلى الله عليه وسلم أي فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم طعامًا (شطر وسق شعير) أي طعامًا

ص: 22

فَمَا زَال الرَّجُلُ يأكُلُ مِنْهُ وَامْرَأَتُهُ وَضَيفُهُمَا، حَتَّى كَالهُ. فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَال:"لَوْ لَمْ تَكِلْهُ لأَكلْتُمْ مِنْهُ، وَلَقَامَ لَكُمْ"

ــ

نصف وسق شعير، والوسق ستون صاعًا والشطر ثلاثون صاعًا كما مر في كتاب الزكاة، وشطر بدل من طعامًا المقدر المفهوم من الفعل أو عطف بيان له (فما زال الرجل يأكل منه) أي من ذلك الشطر هو (وامرأته وضيفهما حتَّى كاله) أي حتَّى كال ذلك الطعام ليعلم قدره فلما كاله فني بسرعة (فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بحال الطعام من أكله زمانًا قبل الكيل، ومن فناءه بسرعة بعد الكيل (فقال) له النبي صلى الله عليه وسلم: (لو لم تكله) ولم تعلم قدره (كلتم منه) أي من ذلك الطعام بلا تقدير مدة (ولقام لكم) واستمر عندكم وثبت ودام لكم.

قال القرطبي: ونماء سمن العكة وشطر وسق الشعير كل ذلك ببركة النبي صلى الله عليه وسلم فيما لمسه أو تناوله أو تهمم به أو برّك عليه وكم له منها وكم، ورفع النماء من ذلك عند العصر والكيل سببه والله أعلم الالتفات بعين الحرص مع معاينة إدرار نعم الله تعالى ومواهب كراماته وكثرة بركاته والغفلة عن الشكر عليها والثقة بالذي وهبها والميل إلى الأسباب المعتادة عند مشاهدة خرق العادة وهذا نحو مما جرى لبني إسرائيل في التيه لما أنزل عليهم المن والسلوى وقيل لهم:{كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ} [البقرة: 172] فأطاعوا حرص النفس فادخروا للأيام فختر اللحم وفسد الطعام.

وقوله (لصاحبة العكة: "لو تركتيها ما زال قائمًا" ولصاحب الشطر: "لو لم تكله لقام لكم") يُستفاد منه أن من أُدرّ عليه رزق أو أكرم بكرامة أو لطف به في أمر ما فالمتعين عليه موالاة الشكر ورؤية المنة لله تعالى ولا يحدث مغيرًا في تلك الحالة ويتركها على حالها ومعنى رؤية النعمة أن يعلم أن ذلك بمحض فضل الله وكرمه لا بحولنا ولا بقوتنا ولا استحقاقنا اهـ من المفهم.

وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى لكنه شاركه أحمد برقم [3/ 337 و 347].

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أنس بحديث معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنهما فقال:

ص: 23

5805 -

(2252)(7) حدَّثنا عَبدُ اللهِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ. حَدَّثَنَا مَالِكٌ، (وَهُوَ ابْنُ أَنَسٍ)، عَن أَبِي الزُّبَيرِ الْمَكِّيِّ؛ أَنَّ أَبَا الطُّفَيلِ عَامِرَ بْنَ وَاثِلَةَ أَخبَرَهُ؛ أَنَّ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ أَخبَرَهُ. قَال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ غَزْوَةِ تَبُوكَ. فَكَانَ يَجْمَعُ الصَّلاةَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، وَانمَغرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا،

ــ

5805 -

(2252)(7)(حَدَّثَنَا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي) السمرقندي، ثقة متقن، من (11) روى عنه في (14) بابا (حَدَّثَنَا أبو علي الحنفي) عبيد الله بن عبد المجيد البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (5) أبواب (عن مالك وهو ابن أنس) الإمام المدني (عن أبي الزبير المكي أن أبا الطفيل عامر بن واثلة) بن عبد الله بن عمرو بن جحش الليثي المكي الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه في (10) أبواب (أخبره) أي أخبر عامر لأبي الزبير (أن معاذ بن جبل) بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي المدني الصحابي الجليل، أسلم وهو ابن ثماني عشر سنة، وشهد بدرًا والمشاهد، له (157) مائة وسبعة وخمسون حديثًا، اتفقا على حديثين، وانفرد (خ) بثلاثة و (م) بواحد، مات بالشام في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة، وله ثلاث وثلاثون سنة، وقُبر بغور بيسان في شرقيه رضي الله عنه، روى عنه في (3) أبواب. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي.

(أخبره قال) معاذ: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة (عام غزوة تبوك) وهو موضع معروف بطريق الشام فيه ماء وهذه الغزاة آخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة الروم فخرج فيها في شهر رجب سنة تسع من الهجرة في حر شديد لسفر بعيد وخرج معه أهل الصدق من المسلمين وتخلّف عنه جميع المنافقين وكانت غزوة أظهر الله فيها من معجزات نبيه صلى الله عليه وسلم وكرامته ما زاد الله المؤمنين به إيمانًا وأقام بذلك على الكافرين حجة وبرهانًا (فكان) صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة (يجمع الصلاة) إلَّا الصبح صورة عند الحنفية وحقيقة عند غيرهم على ما مر فيه من تفصيل الخلاف في كتاب الصلاة (فصلى الظهر والعصر جميعًا) في وقت الظهر يجمعهما جمع تقديم عند غير أبي حنيفة (و) صلى (المغرب والعشاء جميعًا) في وقت المغرب يجمعهما جمع تقديم، وهذا إشارة إلى جمع تقديم، واستمر على هذه

ص: 24

حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمًا أَخَّرَ الصَّلاةَ. ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا. ثُمَّ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ ذلِكَ. فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا. ثُمَّ قَال: "إِنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا، إِنْ شَاءَ اللهُ، عَينَ تَبُوكَ، وَإِنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حَتَّى يُضْحِيَ النَّهَارُ، فَمَنْ جَاءَهَا مِنْكُمْ فَلَا يَمَسَّ مِن مَائِهَا شيئًا حَتَّى آتِيَ"

ــ

الكيفية في صلاته كلها (حتَّى إذا كان) صلى الله عليه وسلم (يومًا) أي في يوم من الأيام (أخّر الصلاة) الأول عن وقتها (ثم) بعد تأخيرها ودخول وقت الثانية (خرج) من خيمته (فصلى الظهر والعصر جميعًا) في وقت صلاة العصر يجمعهما جمع تأخير (ثم دخل) خيمته وجلس فيها حتَّى وقت العشاء (ثم خرج) من خيمته (بعد ذلك) أي بعدما أخر المغرب إلى وقت العشاء (فصلى المغرب والعشاء جميعًا) في وقت صلاة العشاء يجمعهما جمع تأخير. وهذا الحديث مستند الشافعي في جواز الجمع بين الصلاتين تقديمًا وتأخيرًا في السفر، وأما عند الأحناف فلا يجوز الجمع بينهما إلَّا في عرفات ومزدلفة لا غير، وأجابوا عن هذا الحديث وأمثاله بأنه صلى الله عليه وسلم صلى الأولى في آخر وقتها والثانية في أول وقتها فحصل الجمع بهذه الصورة لا بصورة تأخير الأول حتَّى يدخل وقت الثانية والله أعلم. قال العيني: وأحسن التأويلات في هذا الحديث وأقربها إلى القبول أنَّه يحمل على تأخير الأول إلى آخر وقتها فصلاها فيه فلما فرغ عنها دخلت الثانية فصلاها ويؤيد هذا التأويل ويبطل غيره ما رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لغير وقتها إلَّا بجمع فإنه جمع بين المغرب والعشاء بجمع وصلى صلاة الصبح من الغد قبل وقتها. وهذا الحديث يبطل العمل بكل حديث فيه جواز الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء سواء كان في سفر أو حضر أو غيرهما اهـ.

(ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنكم ستأتون) أي تحضرون (غدًا) أي في اليوم التالي لهذا اليوم (أن شاء الله) تعالى إتيانكم (عين تبوك) أي ماءها القليل (وإنكم لن تأتوها) أي لن تأتوا تلك العين (حتَّى يضحي النهار) أي حتَّى يشتد حر النهار بدخول وقت الضحوة (فمن جاءها) أي جاء وحضر تلك العين (منكم) قبلي (فلا يمس) أي فلا يأخذ (من مائها) أي من ماء تلك العين (شيئًا) لا قليلًا ولا كثيرًا (حتَّى آتي) أنا إياها وأحضرها لأدعو عليها بالبركة، ولم أقف على حكمة هذا النهي مصرحة في رواية

ص: 25

فَجِئْنَاهَا وَقَدْ سَبَقَنَا إِلَيهَا رَجُلَانِ. وَالْعَينُ مِثلُ الشِّرَاكِ تَبِضُّ بِشَيءٍ مِنْ مَاءٍ. قَال: فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "هَلْ مَسَسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيئًا؟ " قَالا: نَعَمْ. فَسَبَّهُمَا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وَقَال لَهُمَا مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ

ــ

ولا في كلام أحد من الشراح، ولعله صلى الله عليه وسلم بيان يريد أن تظهر في الماء البركة بحضوره صلى الله عليه وسلم إياها وكان يخشى إذا مسه أحد قبل حضوره أن ينقطع الماء، ثم رأيت الباجي رحمه الله تعالى قد ذكر في شرح الموطأ مثل هذا في بيان حكمة هذا النهي وزاد قائلًا: فيه دليل على أن للإمام له أن يمنع من الأمور العامة كالماء والكلأ من المنافع التي يشترك فيها المسلمون لما يراه من المصلحة اهـ من التكملة. وقال القرطبي: إنما نهاهم عن ذلك ليظهر انفراده بالمعجزة وتتحقق نسبتها إليه واختصاصه بها فإنه إذا شاركه غيره في مس ماءها لم يتمحض اختصاصه بها ولذلك لما وجد الرجلين عليها أمر أن يغرف له من مائها وكأنه كان أراد أن يباشر الماء وهو في موضعه لكن لما سبقه غيره إليها جمعوا له من مائها فغسل فيه يديه ووجهه ثم أمر أن يُعاد ذلك الماء فيها فلما فعلوا ذلك جاءت العين بماء منهمر وسُمع له حس كحس الصواعق اهـ من المفهم.

قال معاذ بن جبل: (فجئناها) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (وقد سبقنا إليها رجلان) من المسلمين، وروى أبو بشر الدولابي أنهما كانا من المنافقين قاله الزرقاني في شرح الموطأ، وقال ابن حجر في الفتح [3/ 345] ولم أقف على اسم الرجلين المذكورين اهـ من مبهمات مسلم (والعين مثل الشراك) أي مثل شراك النعل وسيرها الَّذي يجعل بين الإصبعين في قلة عرض الماء في العين (تبصر بشيء من ماء) الرواية المشهورة تبض بكسر الباء وبالضاد المعجمة أي تسيل بماء قليل رقيق مثل شراك النعل وقد رُوي بالصاد المهملة، وكذلك وقع في البخاري أي تبرق يقال بص يبص بصيصًا، ووبص يبص وبيصًا بمعناه أي تبرق وتلمع ويمكن تفسيره بالرشح أيضًا لأنه أحد معاني الكلمة كما في القاموس (قال) معاذ:(فسألهما) أي سأل الرجلين (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما: (هل مسستما) وأخذتما (من مالها شيئًا؟ قالا: نعم) أخذنا من مائها وانتفعنا به، قال معاذ:(فسبهما) أي فسب وشتم الرجلين (النبي صلى الله عليه وسلم وقال لهما) رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبهما: (ما شاء الله أن يقول) رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 26

قَال: ثُمَّ غَرَفُوا بِأَيدِيهِمْ مِنَ الْعَينِ قَلِيلًا قَلِيلًا. حَتَّى اجْتَمَعَ فِي شَيءٍ. قَال: وَغَسَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ يَدَيهِ وَوَجْهَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِيهَا، فَجَرَتِ الْعَينُ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ. أَوْ قَال غَزِيرٍ -شَك أَبُو عَلِيٍّ أَيُّهُمَا قَال- حَتَّى اسْتَقَى النَّاسُ، ثُمَّ قَال:

ــ

قوله: (فسبهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لامهما وعاتبهما، قال عياض: فيه تأديب الحاكم بالقول والسب غير المقدح، وقال الباجي: لعله صلى الله عليه وسلم سألهما لما رأى من قلة الماء، ولعله أُوحي إليه أنَّه يكثر إذا شق إليه فأنكر قلته.

وأما وجه مخالفتهما لنهي النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه الباجي في المنتقى: لأنهما لم يعلما نهيه أو حملاه على الكراهة أو نسياه إن كانا مؤمنين ولم يوافق سبه إياهما محله وروى أبو بشر الدولابي أنهما كانا من المنافقين فقصدا مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصادف السب محله، ويحتمل أنهما كانا غير منافقين ولم يعلما بنهي النبي صلى الله عليه وسلم ويكون سبه لهما لم يصادف محلًا فيكون ذلك رحمة لهما وزكاة كما قاله صلى الله عليه وسلم:"اللهم من لعنته أو سببته وليس لذلك بأهل فاجعل ذلك له زكاة ورحمة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة" رواه مسلم [2601]، (89).

(قال) معاذ: (ثم غرفوا) أي غرف أصحابه صلى الله عليه وسلم أي اغترفوا (بأيديهم) أي بأكفهم (من) ماء (العين قليلًا قليلًا) أي شيئًا فشيئًا أي أخذوا الماء بأكفهم قليلًا قليلًا من تلك العين وصبوه في بعض أوانيهم (حتَّى اجتمع) الماء (في شيء) من تلك الأواني (قال) معاذ: (وغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه) أي في ذلك الماء جمعوه في الإناء (يديه) أي كفيه (ووجهه ثم أعاده) أي أمر بإعادة ذلك الماء الَّذي غسل فيه وجهه ويديه (فيها) أي في تلك العين (فجرت) أي سالت (العين بماء منهمر) أي منفجر بشدة شديد التدفق والانفجار، قال المجد في القاموس: انهمر الماء انسكب وسال والهضار السحاب السيال، ووقع في رواية الموطأ بماء كثير (أو قال) مالك حين ما حَدَّثَنَا هذا الحديث فجرت العين بماء (فزير) والغزير بمعجمتين ثم براء آخره كالكثير وزنًا ومعنى، قال المؤلف:(شك أبو علي) الحنفي (أيهما) أي أي اللفظين (قال) مالك بن أنس: يعني لفظي منهمر وغزير والمعنى واحد، قال معاذ: فجرت العين بماء منهمر (حتَّى استقى الناس) أي أخذوا منها الماء في أسقيتهم (ثم قال) رسول الله صلى

ص: 27

"يُوشِكُ، يَا مُعَاذُ! إِنْ طَالتْ بِكَ حَيَاةٌ، أَنْ تَرَى مَا ههُنَا قَد مُلِئَ جِنَانًا".

5806 -

(2253) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بن مَسْلَمَةَ بنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَن عَمْرِو بْنِ يَحِيَى، عَنْ عَبَّاسِ بنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدِ السَّاعِدِيِّ،

ــ

الله عليه وسلم: (يوشك) أي يقرب (يا معاذ إن طالت بك حياة) أي إن أطال الله عمرك (أن نرى ما ها هنا) أي ما في حوالي هذه العين (قد مليء) وغُرس (جنانًا) أي بساتين وأشجارًا وعمائر مملوءة وهي جمع جنة، وذكر ابن عبد البر عن ابن وضاح قال: إني رأيت ذلك الموضع كله حوالي تلك العين جنانًا خضرة نضرة كذا في كشف المغطا شرح الموطأ.

وقال القرطبي: والجنان البستان من النخل وغيره سُمي بذلك لأنه يجن أرضه وما تحته أي يستر ذلك وقد اشتمل هذا الحديث على معجزتين عظيمتين إحداهما: نبع الماء المذكور، والثانية: تعريفه بكثير من علم الغيب فإن تبوك من ذلك الوقت سُكنت لأجل ذلك الماء وغُرست بساتين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا الحديث أخرجه الإمام مسلم أيضًا في صلاة المسافرين باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر، وأخرجه أبو داود في الصلاة باب الجمع بين الصلاتين [1056] و 1208]، والترمذي في الصلاة باب ما جاء في الجمع بين الصلاتين [553 و 554]، والنسائي في مواقيت الصلاة باب الوقت الَّذي يجمع فيه المسافر بين الظهر والعصر [587]، واين ماجة في إقامة الصلاة باب الجمع بين الصلاتين في السفر [1056]، ومالك في الموطأ في قصر الصلاة في السفر ولم يخرج غير مسلم ومالك إلَّا الجمع بين الصلاتين ولم يذكروا القصة بطولها وذكرها مالك ومسلم.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث أنس بحديث أبي حميد الساعدي رضي الله تعالى عنهما فقال:

5806 -

(2253)(حَدَّثَنَا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي المدني البصري، ثقة، من (9)(حَدَّثَنَا سليمان بن بلال) التميمي مولاهم المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (عن عمرو بن يحيى) بن عمارة بن أبي حسن المازني، ثقة، من (6) روى عنه في (9) أبواب (عن عباس بن سهل بن سعد الساعدي) المدني، ثقة، من (4) روى

ص: 28

عَنْ أَبِي حُمَيدٍ. قَال: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَزْوَةَ تَبُوكَ، فَأَتَينَا وَادِيَ الْقُرَى عَلَى حَدِيقَةٍ لامْرَأَةٍ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اخْرُصُوهَا" فَخَرَصْنَاهَا، وَخَرَصَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَشرَةَ أَوسُقٍ. وَقَال: "أَحْصِيهَا حَتَّى نَرْجِعَ إِلَيكِ، إِنْ شَاءَ اللهُ" وَانْطَلَقْنَا. حَتَّى قَدِمْنَا تَبُوكَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "سَتَهُبُّ عَلَيكُمُ اللَّيلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ،

ــ

عنه في (3) أبواب (عن أبي حميد) الأنصاري الساعدي المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه، قيل: اسمه عبد الرحمن بن سعد، وقيل: المنذر بن سعد بن المنذر، روى عنه في أربعة أبواب (4) وهذا السند من خماسياته (قال) أبو حميد (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة في (غزوة تبوك فأتينا) أي جئنا في ذلك السفر (وادي القرى) وهي مدينة قديمة بين مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم والشام فمررنا حين وصلنا إليها (على حديقة) وبستان (لامرأة) قال الحافظ: لم أقف على اسمها في شيء من الطرق (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن عنده من الصحابة: (أخرصوها) بضم الراء وكسرها من بابي ضرب ونصر والضم أشهر أي احزروا وخمِّنوا كم يجيء ويخرج من ثمرها رطبًا وتمرًا، قال النووي: فيه استحباب امتحان العالم أصحابه واختبار المعلم تلميذه بمثل هذا التمرين ولعله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك تمرينًا لهم على الخرص الَّذي يحتاج إليه المسلمون عند أخذ الصدقات وأمر المرأة بإحصاء الخارج منها ليتبين صحة الخرص وخطاه، قال أبو حميد (فخرصناها) أي فخمناها معاشر الحاضرين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقذر كل منا ثمرها بحسب ظنه (وخرصها) أي خرص وخمّن وقدّر (رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمرها (عشرة أوسق) جمع وسق، قال في النهاية: الوسق ستون صاعًا وهو ثلاثمائة وعشرون رطلًا عند أهل الحجاز وأربعمائة وثمانون رطلأ عند أهل العراق (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرأة: (أحصيها) أي أحصي ثمر هذه الحديقة واضبطي عدد أوسقها (حتَّى نرجع إليك أن شاء الله) تعالى فتخبرينا عددها ليتبين لنا صحة خرصنا وخطاه (وانطلقنا) أي ذهبنا من وادي القرى (حتَّى قدمنا تبوك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (ستهب) وتعصف (عليكم) هذه (الليلة) المستقبلة (ريح شديدة) العصف

ص: 29

فَلَا يَقُمْ فِيهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ. فَمَنْ كَانَ لَهُ بَعِيرٌ فَلْيَشُدَّ عِقَالهُ" فَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَة. فَقَامَ رَجُلٌ فَحَمَلَتْهُ الرِّيحُ حَتَّى أَلْقَتْهُ بِجَبَلَي طَيًئٍ،

ــ

والهبوب حتَّى تأخذ من قام فيها (فلا يقم فيها أحد منكم) من مرقده احتراسًا من أخذها وتحفظًا من ضررها، وفي رواية لابن إسحاق في المغازي (ولا يخرجن أحد منكم الليلة إلَّا ومعه صاحب له) وفيه شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على الأمة وجواز تعليم التدابير الوقائية وأخذ الاحتياطات اللازمة عندما يخشى الضرر (فمن كان له بعير) أي جمل (فليشد عقاله) أي فليقو عقاله وربطه لئلا يتحرك، قال أبو حميد:(فهبت) وعصفت (ريح شديدة) تلك الليلة التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم (فقام رجل) من المسلمين لم أقف على من ذكر اسمه (فحملته) أي حملت (الريح) ذلك الرجل (حتَّى ألقته) ورمته (بجبل طيء) أي على أحد جبلين لطيء هما مشهوران يقال لأحدهما: (لَجَأ) بفتح اللام والجيم وبالهمز آخره والآخر يقال له: (سلمى) بفتح السين وسكون اللام وبالقصر، وطيء على وزن سيد هو أبو قبيلة من اليمن، قال صاحب التحرير: وطيء يُهمز ولا يُهمز لغتان اهـ نووي. وهي القبيلة المعروفة كانت مقيمة بين جبلين أحدهما أَجَا والآخر سلمى سُميا باسم رجل وامرأة كانت لهما قصة في ذلك الموضع ذكرها العيني في عمدة القاري [4/ 416] عن أسماء البلدان للكلبي وحاصلها أن أجا قد هرب بعشيقته سلمى وجاء إلى هذين الجبلين وأقام بهما فجاء إخوة سلمى في طلبها فأخذوا سلمى ونزعوا عينها ووضعوها على الجبل وكُتف أجأ ووضع على الجبل فسُمي بهما الجبلان فسُميت بلاد طيء بجبل طيء، وفي رواية لابن إسحاق في المغازي (فَفَعَل الناسُ ما أمرهم به إلَّا رجلَين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته وخرج آخر في طلب بعير له فأما الَّذي ذهب لحاجته فإنه خُنق على مذهبه، وأما الَّذي ذهب لطلب بعيره فاحتملته الريح حتَّى طرحته بجبل طيء فأُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ألم أنهكم أن يخرج الرجل إلَّا ومعه صَاحِبٌ له" ثم دعا على الَّذي أصيب على مذهبه فشُفي، وأما الآخر فإنه وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم من تبوك) كذا في فتح الباري [3/ 345] قال القرطبي: (قوله صلى الله عليه وسلم: اخرصوها) فيه دليل على جواز الخرص إذا احتيج إليه وأنه طريق معتبر شرعًا وخروج ثمرة هذه الحديقة على مقدار ما خرصه رسول الله صلى الله عليه وسلم دليل على صحة حدسه وقوة إدراكه وإصابته وجه الصواب فيما كان يحاوله.

ص: 30

وَجَاءَ رَسُولُ ابْنِ الْعَلْمَاءِ، صَاحِبِ أَيلَةَ، إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِكِتَابٍ، وَأَهْدى

ــ

ولا يعارض هذا بحديث تأبير النخل فإن الله تعالى قد أجرى عادة ثابتة متكررة في تأبير النخل لم يعلمها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما أرى هذا يغني شيئًا، يعني التابير وصدق فإن الله تعالى هو الَّذي يمسك الثمرة ويطيبها إذا شاء لا التأبير ولا غيره بخلاف الوصول إلى المقادير بالخرص فإن الغالب فيه من الممارسين له التقريب لا التحقيق وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بمقدار ذلك على التحقيق فوجد ما أخبر فإن كان هذا منه على حدس وتخمين كان دليلًا على أنَّه قد خص من ذلك بشيء لم يصل إليه غيره وإن كان ذلك بالوحي كان ذلك من شواهد نبوته صلى الله عليه وسلم.

وقوله: (ستهب عليكم ريح شديدة) هذا من المعجزات الغيبية وهي من الكثرة بحيث لا تحصى يحصل بمجموعها العلم القطعي بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم كثيرًا من علم الغيب الَّذي لا يعلمه إلَّا الله أو من ارتضاه من الرسل فاطلعه الله عليه والنبي صلى الله عليه وسلم قد أطلعه الله عليه فهو رسول من أفضل الرسل.

وقوله: (فلا يقم فيها أحد ومن كان له بعير فليشد عقاله) دليل على الأخذ بالحزم والحذر في النفوس والأموال ومن أهمل شيئًا من الأسباب المعتادة زاعمًا أنَّه متوكل فقد غلط فإن التوكل لا يناقض التحرز بل حقيقته لا تتم إلَّا لمن جمع بين الاجتهاد في العمل على سنة الله وبين التفويض إلى الله تعالى كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ من المفهم.

(وجاء رسول ابن العَلْمَاء) بفتح العين المهملة وسكون اللام والمد وهو تأنيث الأعلم وهو المشقوق الشفة العليا والأفلح هو المشقوق الشفة السفلى (صاحب أيلة) بالجر صفة لابن العلماء وقوله صاحب أيلة يعني به مَلِكهَا، وأيلةُ بلد معروف بالشام وإِلَيهِ تُنْسَبُ عَقَبَةُ أَيلَةَ وهي بفتح الهمزة وسكون الياء بلدة قديمة على ساحل البحر وجاء في مغازي ابن إسحاق ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أتاه يُوحَنّا بن رَوْبةَ صاحبُ أيلة فصَالحَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه الجزيةَ، قال الحافظ: فاستفيد من ذلك اسمه واسم أبيه فلعل العَلْمَاء اسمُ أمه ولقَبها ويوحنّا بضم التحتانية وفتح المهملة وتشديد النون، ورُوْبة بضم الراء وسكون الواو أي جاء ذلك الرسول (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب) أي برسالة من ابن العلماء (وأهدى) ابن العلماء

ص: 31

لَهُ بَغْلَةً بَيضَاءَ، فَكَتَبَ إِلَيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَهْدَى لَهُ بُرْدًا، ثُمَّ أَقْبَلْنَا حَتَّى قَدِمْنَا وَادِيَ الْقُرَى، فَسَأَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَرْأَةَ عَن حَدِيقَتِهَا "كَمْ بَلَغَ ثَمَرُهَا؟ " فَقَالت: عَشْرَةَ أَوْسُقٍ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي مُسْرِعٌ. فَمَنْ شَاءَ مِنْكُنم فَلْيُسْرِعْ مَعِيَ. وَمَنْ شَاءَ فَلْيَمْكُثْ" فَخَرَجْنَا حَتَّى أَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ. فَقَال "هَذِهِ طَابَةُ، وَهَذَا أُحُدٌ. وَهُوَ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ"

ــ

(له) صلى الله عليه وسلم (بنلة بيضاء فكتب إليه) أي إلى ابن العلماء (رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهدى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (له) أي لابن العلماء (بُردًا) أي كِسَاءً مخططًا.

قوله: (وأهدى له بغلة بيضاء) هذه البغلة قَبِلهَا النبي صلى الله عليه وسلم وبقيت عنده زمانًا طويلًا ولم تكن له بغلة غيرها وكانت تسمى الدُلدُل، وفيه دليل على قبول هدية الكتابي وأما إهداؤه البُرد فمكافأة ومواصلة واستئلاف ليدخل في دين الإسلام وكان النبي صلى الله عليه وسلم لم يحضره شيء في ذلك الوقت إلَّا ذلك البرد والله أعلم اهـ من المفهم.

قال أبو حميد: (ثم) بعدما أقمنا تبوك مدة قليلة (أقبلنا) أي رجعنا منه وأقبلنا إلى المدينة (حتَّى تدمنا وادي القرى) ووصلنا إليه (فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة) صاحبةَ الحديقة (عن) ثمر (حديقتها) فقال لها: (كم بلغ ثمرها فقالت) المرأة: بلغ ثمرها (عشرة أوسق) قدر ما خرص به النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر به أولًا (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (إني مسرع) ومستعجل إلى المدينة (فمن شاء منكم) الإسراع والاستعجال معي (فليُسرع معي) إليها وليستعجل (ومن شاء) أن يتأخر ويستريح (فليمكث) ها هنا حتَّى يستريح، قال أبو حميد:(فخرجنا) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من وادي القرى وذهبنا إلى جهة المدينة (حتَّى أشرفنا) وطلعنا (على المدينة فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذه) البلدة مشيرًا إلى المدينة (طابة) أي بلدة طيبة بطيب سكانها بالإيمان، وطابة اسم لا ينصرف للعلمية والتأنيث اللفظي؛ ومعناها الطيبة وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم وكان اسمها أولًا يثرب باسم أول من سكنها رجل من العمالقة (وهذا) الجَبلُ (أُحدٌ هو) جَبَلٌ (يحبنا) أي يحبنا أهلُه وهم الأنصارُ (ونُحبه) أي نُحِب نحن أهلَه وهم الأنصار، والحاصل أن بعضَهم أوَّلُوه

ص: 32

ثُمَّ قَال: "إِنَّ خَيرَ دُورِ الأَنْصَارِ دَارُ بَنِي النَّجَّارِ. ثُمَّ دَارُ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ. ثُمَّ دَارُ بَنِي عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ. ثُمَّ دَارُ بَنِي سَاعِدَةَ

ــ

بأهلِ الجبل ومجاورِيه وهم الأنصارُ فإنهم كانوا يحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحبهم، وحمله آخرون على حقيقته ولا مانع من أن يحب جبلٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه رحمة للعالمين بما فيها من الشجر والحجر، وقد مر قريبًا في أوائل الباب أن حجرًا كان يسلِّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أن خير) وأفضل (دور) وبطون (الأنصار دار) وبطن (بني النجار) وإنما فضّل بني النجار لسبقهم إلى الإسلام وآثارهم الجميلة في الدين اهـ نووي يعني أن أسرتهم أفضل مرتبة من البيوت الأخرى للأنصار وبنو النجار هم أخوال جد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن والدة عبد المطلب منهم وعليهم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة فلهم مزية على غيرهم، والنجار لقب لتيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج، قيل: سُمي النجار لأنه اختتن بقدُّوم، وقيل: بل نجر وجه رجل بالقدوم فسُمي النجار كذا ذكر العيني في العمدة [4/ 417](ثم دار بني عبد الأشهل) هم من الأوس وعبد الأشهل هو ابن جشم بن الحارث بن الخزرج الأصغر ابن عمرو وهو النبيت بن مالك بن الأوس، والأوس هو أحد جذمي الأنصار لأنهم جذمان الأوس والخزرج وهما أخوان وأمهما قيلة بنت الأرقم كما في العمدة، وبنو عبد الأشهل هم رهط سعد بن معاذ رضي الله عنه وذكرت فضيلتهم في حديث الباب بعد فضيلة بني النجار، ووقع في رواية لأبي هريرة تقديم بني عبد الأشهل علي بني النجار لكن رجح الحافظ في الفتح [7/ 116] حديث الباب وأن بني النجار مقدمون علي بني عبد الأشهل (ثم دار بني عبد الحارث بن الخزرج) كذا وقع للعذري والفارسي وهو وهم، والصواب ثم دار بني الحارث بن الخزرج بإسقاط لفظ عبد (ثم دار بني ساعدة) هم من الخزرج وهم رهط سعد بن عبادة، قال القرطبي: والحديث يدل على جواز تفضيل بعض المعينين على بعض من غير الأنبياء، وإن سمع ذلك المفضول، وقد تقدم القول في تفضيل الأنبياء (والدور) جمع دار وهو في الأصل المحلة والمنزل وعبّر به هنا عن القبائل وهذا نحو قوله:(أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة أي في القبائل والمحلات، وفيه أيضًا ما يدل على جواز المدح إذا قصد به الإخبار بالحق ودعت إلى

ص: 33

وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيرٌ" فَلَحِقَنَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ. فَقَال أَبُو أُسَيدٍ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم خَيَّرَ دُورَ الأَنْصَارِ، فَجَعَلَنَا آخِرًا، فَأدْرَكَ سَعْدٌ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا رَسُول اللهِ، خَيَّرْتَ دُورَ الأَنْصَارِ فَجَعَلْتَنَا آخِرًا. فَقَال: "أَوَلَيسَ بِحَسْبِكُمْ أَنْ تَكُونُوا مِنَ الْخِيَارِ"

ــ

ذلك حاجة وأمنت الفتنة على الممدوح (وفي كل دور) وقبائل (الأنصار خير) أي فضل ومرتبة وإن كان أخيرًا في التخيير، قال أبو حميد راوي الحديث (فلحقنا) معاشرَ الحاضرين عند النبي صلى الله عليه وسلم (سعدُ بن عبادة) بن دُلَيم بن حارثة بن حرام بن خزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاري سيد الخزرج يكنى أبا ثابت وأبا قيس وأمه عمرة بنت مسعود لها صحبة وماتت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم سنة خمس وشهد سعد العقبة وكان أحد النقباء اهـ من الإصابة [2/ 30] (فقال أبو أسيد) مالك بن ربيعة بن البَدَن بفتح الموحدة والمهملة بعدها نون الأنصاري الخزرجي الساعدي (ألم تر) يا سعد أي ألم تعلم (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خيّر) اليوم أي فاضل (دور الأنصار) وبطونهم أي فضل بعضهم على بعض (فجعلنا) معاشر بني ساعدة (آخرًا) أي آخر الأنصار في الفضل (فأدرك) أي لحق (سعد) بن عبادة (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) له سعد:(يا رسول الله خيّرت) اليوم (دور الأنصار) وبطونهم بعضهم على بعض (فجعَلْتنَا آخرًا) أي فجعَلْتَ بني ساعدة آخر الأنصار في الفضل وصيَّرتهم مفضولين لغيرهم، والظاهر أنَّه لم يقل هذا الكلام على سبيل الإنكار والاعتراض وإنما قاله على سبيل التثبت والتيقن (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أ) تقول ذلك (وليس بحسبكم) أي بكافيكم في الفضل (أن تكونوا من الخيار) أي من بعض المختارين وإن لم تكونوا أفضلهم بل كافيكم ذلك، ويروى (من الأخيار) وكلاهما صحيح.

وفي الحديث دليل على جواز المنافسة في الخير والدين والثواب كما قال سعد: يا رسول الله خيّرت دور الأنصار فجعلتنا آخرًا طلب أن يلحقهم بالطبقة الأولى فأجابه بأن قال: "أوليس بحسبكم أن تكونوا من الخيار" وإنما يعني بذلك أن تفضيلهم إنما هو بحسب سبقهم إلى الإسلام وظهور آثارهم فيه وتلك الأمور وقعت في الوجود مُرتبةَ على حسب ما شاء الله تعالى في الأزل وإذا كان كذلك لم يتقدم متأخر منهم على منزلته كما

ص: 34

5807 -

(00)(00) حدَّثناه أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ. ح وَحدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، بِهَذَا الإِسْنَادِ، إِلَى قَوْلِهِ:"وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيرٌ" وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ مِنْ قِصَّةِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ. وَزَادَ في حَدِيثِ وُهَيبِ: فَكَتَبَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِبَحْرِهِمْ. وَلَمْ يَذْكُرْ

ــ

لا يتأخر متقدم منهم عن مرتبته إذ تلك مراتب معلومة على قِسَم مقسومة وقد سبق لسعادتهم القضاء {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران: 74].

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 424]، والبخاري في مواضع كثيرة منها باب فضل دور الأنصار [3791]، وأبو داود في الخزرج والإمارة باب إحياء الموات [3079].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي حميد رضي الله عنه فقال:

5807 -

(00)(00)(حدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا عفان) بن مسلم بن عبد الله الأنصاري أبو عثمان الصفار البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (أخبرنا المغيرة بن سلمة المخزومي) أبو هشام البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (قالا) أي قال كل من عفان والمغيرة بن سلمة (حَدَّثَنَا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي أبو بكر البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (13) بابا (حَدَّثَنَا عمرو بن يحيى) بن عمارة المازني المدني، ثقة، من (6) روى عنه في (9) أبواب. وهذان السندان من سداسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة وهيب بن خالد لسليمان بن هلال في الرواية عن عمرو بن يحيى، وساق وهيب (بهذا الإسناد) يعني عن عباس بن سهل عن أبي حميد (إلى قوله وفي كل دور الأنصار خير ولم يذكر) وهيب (ما بعده) أي ما بعد قوله وفي كل دور الأنصار خير (من قصة) لحوق (سعد بن عبادة) رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله له ما ذكر (وزاد) أي كل من مغيرة بن سلمة وعفان بن مسلم ولو قال:(وزادا) بألف التثنية لكان أوضح (في حديث وهيب) وروايته لفظة (فكتب له) أي لابن العَلْمَاء (رسول الله صلى الله عليه وسلم ببحرهم) أي بولاية بلدهم وقراهم (ولم يذكر) كل من الرَاوَيين ولو قال ولم يذكرا بألف

ص: 35

في حَدِيثِ وُهَيبٍ: فَكَتَبَ إِلَيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

5808 -

(2254)(9) حدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو عِمْرَانَ، مُحَمدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيادٍ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ، (يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ)، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِي، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ

ــ

التثنية لكان أوفق (في حديث وهيب) لفظة (فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهدى له بُردًا. وهذا بيان لمحل المخالفة بين سليمان بن بلال وبين وهيب بن خالد.

وقوله: (فكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم متعلق بقصَة مَلِكِ أَيلَةَ الَّذي جاءه صلى الله عليه وسلم رسولُهُ بوادِي القُرى، والمراد بالبحر البلد وأهل العرب ربما يستعمِلُون كلمة البحر والبحرة بمعنى البلد والقرية أو المراد بأهلِ بحرهم لأنهم كانوا سكانًا بساحل البحر أي أقره عليهم بما التزموه من الجزية وقيل: البحرة الأرض كان صلى الله عليه وسلم أقطع هذا المَلِكَ من بلادِه قطَائعَ وفوَّض إليه حُكومتَها، وقد ذكر ابن إسحاق هذا الكتاب الَّذي كتَبَه مَلِكُ أيلةَ وهو بَعْد البسملة "هذه أمنة من الله ومن محمد النبي رسول الله ليوحنا بن روبة وأهل أيلة سُفُنهم وسيارتهم في البر والبحر لهم ذمةُ الله ومحمد النبي" وساق الكتاب اهـ من العمدة [4/ 416] وفتح الباري [3/ 346].

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة أعني توكلَه صلى الله عليه وسلم بحديث جابر رضي الله عنه فقال:

5808 -

(2254)(9)(حَدَّثَنَا عبد بن حميد) بن نصر الكسي (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام اليماني الحميري (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن الزهري عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته (ح وحدثني أبو عمران محمد بن جعفر بن زياد) البغدادي الوركاني بفتحتين نسبة إلى وركان نسبة إلى محلة أو قرية تسمى وركان، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (واللفظ) الآتي (له) أي لمحمد بن جعفر (أخبرنا إبراهيم يعني ابن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن) محمد بن مسلم (الزهري عن سنان بن أبي سنان) يزيد بن أبي مية (الدؤلي) المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (2)(عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنه.

ص: 36

قَال: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَزْوَةً قِبَل نَجْدٍ. فَأَدْرَكَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ. فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَحْتَ شَجَرَةٍ. فَعَلَّقَ سَيفَهُ بِغُصْنٍ مِن أَغْصَانِهَا. قَال: وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْوَادِي يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ. قَال: فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ رَجُلًا أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ،

ــ

وهذا السند من خماسياته (قال) جابر: (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة قبل نجد) أي ناحية نجد، وسيأتي في رواية يحيى بن أبي كثير صراحة أنها كانت غزوة ذات الرقاع، والنجد المرتفع من الأرض لأنها ارتفعت عن البحر والغور المنخفض منها هذا أصلها ثم قد صارا بحكم العرف اسمين لجهتين مخصوصتين معروفتين، وصحيح الرواية ومشهورها (نجد) ووقع للعذري (أحد) اهـ من المفهم (فأدركنا) بفتح الكاف على أن الضمير مفعول به مقدم على الفاعل (رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفع على الفاعلية وعليه فيكونون قد تقدموا عليه صلى الله عليه وسلم إلى الوادي لمصلحة من مصالحهم ككونهم طليعة أو صيانة للنبي صلى الله عليه وسلم مما يخشى عليه وغير ذلك، ويحتمل أن يضبط بسكون الكاف على أن الضمير فاعل رسول الله بالنصب على أنَّه مفعول فيكون فيه ما يدل على شجاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكون كنحو ما اتفق له لما وقع الفزع بالمدينة فركب فرسًا فسبقهم فاستبرأ الخبر ثم رجع فلقي أصحابه خروجًا فقال لهم:"لم تراعوا" متفق عليه اهـ من المفهم.

(في واد كثير العضاه) بكسر العين كل شجر من أشجار البوادي عظيم ذو شوك، وقيل هو العظيم من السمر مطلقًا، وقيل شجر أم غيلان (فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة) كثيرة الظلال (فعلَّق) رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (سيفه بغصن من أغصانها قال: وتفرق الناس) أي الأصحاب أي صاروا متفرقين (في الوادي) حالة كونهم (يستظلون بالشجر) أي يقصدون الاستظلال بالشجر، فيه جواز افتراق العسكر في النزول إذا أمنوا على أنفسهم وكأنهم قد أجهدهم التعب والحر فقالوا -أي ناموا نومة القيلولة- مستظلين بالشجر، وفي رواية للزهري عند البخاري في المغازي (فنمنا نومة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا فجئنا فإذا عنده أعرابي جالس) (قال فقال) لنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن رجلًا أتاني وأنا نائم) وذكر البخاري من طريق مسدد أن اسمه

ص: 37

فَأَخَذَ السَّيفَ فَاسْتَيقَظتُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي، فَلَمْ أَشْعُر إلا وَالسَّيفُ صَلْتًا فِي يَدِهِ. فَقَال لِي: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَال: قُلْتُ: اللهُ، ثُمَّ قَال فِي الثَّانِيَةِ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَال: قُلْتُ: اللهُ. قَال فَشَامَ السَّيفَ، فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ"

ــ

غورث بن الحارث، ووقع عند الواقدي في سبب هذه القصة أن اسم الأعرابي دعثور وأنه أسلم لكن ظاهر كلامه أنهما قصتان في غزوتين والله أعلم اهـ فتح الباري [7/ 428]، وقوله:(فأخذ السيف) معطوف على أتاني أي فأخذ الرجل سيفي (فاستيقظت) من نومي (وهو) أي والحال أن الرجل (قائم على رأسي فلم أشعر) أي فلم أعلم الرجل (إلا والسيف صلتًا في يده) أي فلم أشعر إلَّا والحال أن السيف كائن في يده حالة كون السيف صلتًا بفتح الصاد وبضمها، وذكر القتبي أنها تكسر في لغة أي مصلتًا مسلولًا مجردًا من غمده وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في ذلك الوقت لا يحرسه أحد من الناس بخلاف ما كان عليه في أول أمره فإنه كان يُحرس حتَّى أنزل الله تعالى:{وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] فقال لمن كان يحرسه: "اذهبوا فإن الله قد عصمني من الناس" رواه الترمذي وقال: غريب، فمن ذلك الوقت لم يحرسه أحد منهم ثقة منه بوعد الله وتوكلًا عليه، وفيه جواز نوم المسافر إذا أمن على نفسه، وأما مع الخوف فالواجب التحرز والحذر اهـ من المفهم.

(فقال لي) الرجل معطوف على أخذ أي فقال بعد أن أخذ السيف (من يمنعك مني) أي من يحفظك مني؟ أي من قتلي، وهذا استفهام مشرب بالنفي كأنه قال لا مانع ولا حافظ لك مني لأنك وحيد عن عسكرك فلم يبال النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ولا عرج عليه ثقة منه بوعد الله وتوكلًا عليه وعلمًا منه بأنه ليس في الوجود فعل إلَّا لله تعالى فإنه أعلم الناس بالله تعالى وأشدهم له خشية، فأجابه بقوله:(الله) ثانية وثالثة كما (قال) صلى الله عليه وسلم: (قلت) له: (الله) يحفظني منك (ثم قال) الرجل (في) المرة (الثانية من يمنعك مني؟ قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (قلت) له: (الله) يحفظني منك (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (فشام) الرجل (السيف) أي غمده ورده في غمده وغلافه (فها) أي انتبهوا (هو) أي الرجل الَّذي فعل بي ما ذُكر (ذا) أي هذا الحاضر الَّذي هو (جالس) معي وهذا من أعظم الخوارق للعادة فإنه عدو متمكن بيده سيف شاهر وموت حاضر ولا حال تغيرت ولا روعة حصلت، هذا محال في العادات فوقوعه من أبلغ

ص: 38

ثُمَّ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

ــ

الكرامات ومع اقتران التحدي به يكون من أوضح المعجزات اهـ قرطبي في المفهم.

ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (فها هو ذا جالس) أن النبي صلى الله عليه وسلم نبه على ذلك الرجل وأخبر عنه وأشار إليه فكأنه قال: تنبهوا لهذا الرجل إذ مُنع مما هم به واستسلم لما يفعل فيه ثم تلافاه النبي صلى الله عليه وسلم بعفوه وحلمه وعاد عليه بعوائده الكريمة وصفحه (ثم) بعدما فعل الرجل ما فعل (لم يَعْرِضْ) مِن باب ضرب أي لم يتعرض (له رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يطلبه بالتشفي منه ولم يعامله على سيئته، وفي هذا عظيم رحمته صلى الله عليه وسلم وشفقته على العباد واستئلاف قلوب الكفار وترك الانتقام ممن أراده بسوء.

ثم إن رواية الشيخين لا تذكر إلَّا أن الأعرابي أغمد سيفه ولم يتعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن وقع في رواية لابن إسحاق بعد قوله صلى الله عليه وسلم الله فدفع جبريل في صدره فوقع السيف فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "من يمنعك أنت مني؟ " قال: لا أحد، قال:"قم فاذهب لشأنك" فلما ولى قال: أنت خير مني، ووقع فيها أيضًا أن الرجل أسلم بعد، ذكره الحافظ في الفتح [7/ 427 و 428]. وهناك رواية أخرى ذكرها ابن هشام في سيرته عن ابن إسحاق من طريق عمرو بن عبيد عن الحسن عن جابر أن رجلًا من بني محارب يقال له غورث قال لقومه من غطفان ومحارب (ألا أقتل لكم محمدًا قالوا: بلى، وكيف تقتله؟ قال: أفتك به، قال: فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره فقال: يا محمد انظر إلى سيفك هذا؟ قال: "نعم" وكان محلى بفضة فيما قال ابن هشام، قال: فأخذه فاستله ثم جعل يهزه ويهم فَكَبَتَهُ اللهُ، ثم قال: يا محمد أما تخافني؟ قال: "لا وما أخاف منك! " قال: أما تخافني وفي يدي السيف؟ قال: "لا، يمنعني الله منك" ثم عمد إلى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فرده عليه. لكن مدار هذه الرواية على عمرو بن عبيد وقد ذكر السهلي في الروض الأنف [3/ 255] أنَّه متفق على وهن حديثه وترك الرواية عنه لما اشتهر من بدعته وسوء نحلته ولا شك أن ما رواه الشيخان هو الأصح.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 311]، والبخاري في أبواب

ص: 39

5809 -

(00)(00) وحدَّثني عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ إِسْحَاقَ. قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ، عَنِ الزُّهْرِيٌ. حَدَّثَنِي سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيُّ وَأَبُو سَلَمَةَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ جَابِرَ بنَ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيَّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَخْبَرَهُمَا؛ أَنَّهُ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَزْوَةً قِبَلَ نَجْدِ. فَلَمَّا قَفَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَفَلَ مَعَهُ. فَأَدْرَكَتْهُمُ الْقَائِلَةُ يَوْمًا، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وَمَعْمَرٍ

ــ

كثيرة منها في باب من علق سيفه بالشجر في السفر عند القائلة [2910]، والنسائي في صلاة الخوف [1545 إلى 1547]، وابن ماجة في باب ما في صلاة الخوف [1252].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال:

5809 -

(00)(00)(وحدثني عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) السمرقندي، ثقة متقن، من (11) روى عنه في (14) بابا (وأبو بكر) محمد (بن إسحاق) الصاغاني الخراساني الأصل البغدادي، ثقة، من (11) روى عنه في (8) كلاهما (قالا: أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي البهراني الحمصي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة دينار أبو بشر الحمصي، ثقة، من (7) روى عنه في (5) أبواب (عن الزهري حدثني سنان بن أبي سنان الدولي وأبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن جابر بن عبد الله الأنصاري) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شعيب بن أبي حمزة لإبراهيم بن سعد ومعمر (وكان) جابر (من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أي ممن يلازم النبي صلى الله عليه وسلم سفرًا وحضرًا من الصحابة (أخبرهما) أي أخبر لسنان وأبي سلمة (أنَّه) أي أن جابرًا (غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم فزوة) تسمى بذات الرقاع كما هو مصرح به في الرواية التالية (قبل نجد) أي جهة نجد (فلما قفل) ورجع (النبي صلى الله عليه وسلم من تلك الغزوة (قفل) ورجع جابر (معه) صلى الله عليه وسلم (فأدركتهم) أي أخذتهم (القائلة) أي القيلولة (يومًا) من الأيام في الطريق (ثم ذكر) شعيب بن أبي حمزة (نحو حديث إبراهيم بن سعد ومعمر).

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال:

ص: 40

5810 -

(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَفانُ. حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَن جَابِر. قَال: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى إِذَا كُنَّا بذَاتِ الرِّقَاعِ. بِمَعْنَى حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ. وَلَم يَذْكُرْ: ثُمَّ لَم يَعْرِضْ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

ــ

5810 -

(00)(00)(حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا عفان) بن مسلم الصفار البصري (حَدَّثَنَا أبان بن يزيد) العطار البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (حَدَّثَنَا يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، ثقة، من (5) روى عنه في (17) بابا (عن الزهري) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة يحيى بن أبي كثير لمن روى عن الزهري (و) لكن (لم يذكر) يحيى بن أبي كثير في روايته لفظة (ثم لم يعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث تسعة: الأول: حديث واثلة بن الأسقع ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني: حديث جابر بن سمرة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثالث: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة، والربع: حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والخامس: حديث جابر الأول ذكره للاستشهاد، والسادس: حديث جابر الثاني ذكره للاستشهاد، والسابع: حديث معاذ بن جبل ذكره للاستشهاد، والثامن: حديث أبي حميد الساعدي ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والتاسع: حديث جابر الأخير ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

ص: 41