المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌690 - (4) - باب قتال الملائكة مع النبي صلى الله عليه وسلم وشجاعته، وكونه أجود الناس، وكونه أحسنهم خلقا، وما سئل شيئا وقال: "لا" قط، وكثرة عطائه - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٢٣

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌687 - (1) باب كونه صلى الله عليه وسلم مختارًا من خيار الناس، وتسليم الحجر عليه وتفضيله على جميع الخلق، وبعض معجزاته، وتوكله

- ‌ كتاب فضائل النبي صلى الله عليه وسلم وفواضله عليه الصلاة والسلام

- ‌688 - (2) باب بيان مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم وشفقته على أمته وذكر كونه خاتم النبيين وذكر إذا أراد الله رحمة أمة قبض نبيها قبلها

- ‌689 - (3) باب إثبات حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبيان قدره وصفته وكيزانه

- ‌690 - (4) - باب قتال الملائكة مع النبي صلى الله عليه وسلم وشجاعته، وكونه أجود الناس، وكونه أحسنهم خلقًا، وما سُئل شيئًا وقال: "لا" قط، وكثرة عطائه

- ‌691 - (5) باب رحمته صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال، وكثرة حيائه، وتبسمه، وأمر سواق مطايا النساء بالرفق بهن، وتبرك الناس به صلى الله عليه وسلم

- ‌692 - (6) باب بعداه صلى الله عليه وسلم من الإثم واختياره أيسر الأمور وانتقامه لله تعالى وطيب رائحته ولين مسه وطيب عرقه والتبرك به وعرقه حين يأتيه الوحي وبيان كيفية إتيانه

- ‌693 - (7) باب في سدله وفرقه شعره وقده وصفة شعره وفمه وعينيه وعقبيه ولونه وشيبه صلى الله عليه وسلم

- ‌694 - (8) باب إثبات خاتم النبوة وصفة النبي صلى الله عليه وسلم ومبعثه وكم سنه حين قُبض وكم أقام بمكة وبالمدينة وفي أسمائه وكونه أشد الناس علمًا بالله وخشية له تعالى ووجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم

- ‌695 - (9) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرًا له ووجوب امتثال ما فعله شرعًا في الدين دون ما ذكره رأيًا من معايش الدنيا وفضل النظر إليه وتمنيه

- ‌ كتاب فضائل بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وفضائل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين

- ‌696 - (10) باب في فضائل عيسى وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام

- ‌697 - (11) باب فضائل موسى، وفضائل يونس، وفضائل يوسف، وفضائل زكريا عليهم الصلاة والسلام

- ‌698 - (12) باب فضائل الخضر عليه السلام

- ‌ أبواب فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌699 - (13) الأول منها باب فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌700 - (14) والثاني منها باب فضل عمر رضي الله عنه

- ‌701 - (15) والثالث منها باب فضل عثمان بن عفان، رضي الله تعالى عنه وأرضاه

- ‌702 - (16) والرابع منها باب فضائل علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه

- ‌703 - (17) الباب الخامس منها باب فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌704 - (18) والباب السادس منها باب فضائل طلحة والزبير وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌705 - (19) باب فضائل الحسن والحسين وفضائل أهل البيت وفضائل زيد بن حارثة وابنه أسامة وفضائل عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌706 - (20) والباب الثامن منها باب فضائل خديجة الكبرى رضي الله تعالى عنها وأرضاها

- ‌707 - (21) والباب التاسع منها باب فضل عائشة رضي الله تعالى عنها

- ‌708 - (22) والباب العاشر منها باب فضائل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء العالمين رضي الله تعالى عنها وأرضاها

- ‌709 - (23) والحادي عشر منها باب من فضائل أم سلمة وزينب وأم أيمن وأم سليم رضي الله تعالى عنهن

- ‌زينب أم المؤمنين

- ‌أم أيمن

- ‌أم سليم

- ‌710 - (24) والباب الثاني عشر منها باب فضائل أبي طلحة الأنصاري وبلال وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌فضائل بلال

- ‌فضائل ابن مسعود

- ‌711 - (25) والثالث عشر منها باب‌‌ فضائل أُبي بن كعبوزيد بن ثابت وسعد بن معاذ وأبي دجانة وعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌ فضائل أُبي بن كعب

- ‌فضائل زيد بن ثابت

- ‌فضائل سعد رضي الله عنه

- ‌فضائل أبو دجانة

- ‌فضائل أبي جابر

الفصل: ‌690 - (4) - باب قتال الملائكة مع النبي صلى الله عليه وسلم وشجاعته، وكونه أجود الناس، وكونه أحسنهم خلقا، وما سئل شيئا وقال: "لا" قط، وكثرة عطائه

‌690 - (4) - باب قتال الملائكة مع النبي صلى الله عليه وسلم وشجاعته، وكونه أجود الناس، وكونه أحسنهم خلقًا، وما سُئل شيئًا وقال:"لا" قط، وكثرة عطائه

5852 -

(2282)(37) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا محمد بْنُ بِشْر وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ. قَال: رَأَيتُ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَعَنْ شِمَالِهِ يَوْمَ أُحُدِ، رَجُلَينِ عَلَيهِمَا ثِيَابُ بَيَاضٍ. مَا رَأَيتُهُمَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ- يَعْنِي جِبْرِيل وَمِيكَائِيلَ عليهما السلام

ــ

690 -

(4) - باب قتال الملائكة مع النبي صلى الله عليه وسلم وشجاعته، وكونه أجود الناس، وكونه أحسنهم خلقًا، وما سُئل شيئًا وقال:"لا" قط، وكثرة عطائه

5852 -

(2282)(37) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمَّد بن بشر) العبدي الكوفي (وأبو أسامة) حماد بن أسامة كلاهما (عن مسعر) بن كدام بن ظهير الهلالي الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف الزهريّ المدني (عن أبيه) إبراهيم بن عبد الرحمن (عن سعد بن أبي وقاص) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) سعد:(رأيت عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن شماله يوم) غزوة (أحد رجلين عليهما ثياب بياض) بالإضافة أي ثياب ذات بياض، قال سعد:(ما رأيتهما) أي ما رأيت الرجلين (قبل) أي قبل ذلك اليوم (ولا بعد) أي ولا بعد ذلك اليوم (يعني) سعد بالرجلين (جبريل وميكائيل عليهما السلام.

وفي الحديث بيان كرامة النبي صلى الله عليه وسلم على الله تعالى وإكرامه إياه بإنزال الملائكة تقاتل معه، وبيان أن الملائكة تقاتل وأن قتالهم لم يختص بيوم بدر وهذا هو الصواب خلافًا لمن زعم اختصاصه فإذا صريح في الرد عليه، وفي فضيلة الثياب البيض، وأن رؤية الملائكة لا تختص بالأنبياء بل يراهم بعض الصحابة والأولياء، وفيه منقبة عظيمة لسعد بن أبي وقاص الذي رأى الملائكة والله أعلم اهـ نووي. قال السنوسي: ذلك القتال على حسب المعتاد وإلا فأدنى حركة من الملك توجب هلاك الدنيا إذا أذن الله تعالى في ذلك كما اتفق في الأمم السابقة، وفي ذلك تقوية لقلوب المؤمنين وإرعاب للمشركين وكرامة عظيمة لنبينا محمَّد صلى الله عليه وسلم.

والعلم بأنهما جبريل وميكائيل عليهما السلام لا يحصل إلا بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم وفيه كرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال القرطبي: رؤية سعد

ص: 104

5853 -

(00)(00) وحدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا سَعْدٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَال: لَقَدْ رَأَيتُ يَومَ أُحُدٍ، عَنْ يَمِينِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَعَنْ يَسَارِهِ، رَجُلَينِ عَلَيهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ

ــ

رضي الله عنه لهذين الملكين في ذلك اليوم كرامة من الله تعالى خصه بها كما قد خص عمران بن حصين بتسليم الملائكة عليه، وأسيد بن حضير برؤية الملائكة الذين تنزلوا لقراءة القرآن، وقتال الملائكة للكفار يوم بدر ويوم أحد لم يخرج عن عادة القتال المعتاد بين الناس ولو أذن الله تعالى لملك من أولئك الملائكة بأن يصيح صيحة واحدة لهلكوا في لحظة واحدة أو لخسف بهم موضعهم أو أسقط عليهم قطعة من الجبل المطل عليهم لكن لو كان ذلك لصار الخبر عيانًا والإيمان بالغيب مشاهدة فيبطل سر التكليف فلا يتوجه لوم ولا تعنيف كما قد صرح الله تعالى بذلك قولًا وذكرًا إذ قال:{يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيرًا} [الأنعام: 158] اهـ من المفهم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 171] ، والبخاري في المغازي [4045] وفي اللباس باب لبس الثياب البيض [5826].

ثم ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- المتابعة في حديث سعد رضي الله عنه فقال:

5853 -

(00)(00) وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (17) بابا (أخبرنا عبد الصمد بن عبد الوارث) بن سعيد العنبري البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (16) بابا (حدثنا إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهريّ المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (حدثنا) والدي (سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهريّ المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن أبيه) إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهريّ المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن سعد بن أبي وقاص) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة إبراهيم بن سعد لمسعر بن كدام (قال) سعد: والله (لقد رأيت يوم أحد عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن يساره رجلين عليهما ثياب بيض) بالرفع صفة لثياب

ص: 105

يُقَاتِلانِ عَنْهُ كَأَشَدِّ الْقِتَالِ. مَا رَأَيتُهُمَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ.

5854 -

(2283) - (38) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ وَسعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ وَأَبُو كَامِلٍ -وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى-، (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا) حَمادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ. وَكَانَ أجْودَ النَّاسِ. وَكَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ

ــ

جمع أبيض (يقاتلان) أي يدافعان الكفار (عنه) صلى الله عليه وسلم قتالًا (كأشد القتال) والكاف صفة لمصدر محذوف كما قدرناه (ما رأيتهما) أي ما رأيت الرجلين (قبل) أي قبل ذلك اليوم (ولا بعده).

ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة وهو شجاعته صلى الله عليه وسلم وتقدمه للحرب بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال:

5854 -

(2283)(38)(حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير (التميمي) النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (19) بابا (وسعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني نزيل مكة، ثقة، من (10) روى عنه في (15) بابا (وأبو الربيع العتكي) الزهراني سليمان بن داود البصري (وأبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (واللفظ ليحيى قال يحيى: أخبرنا وقال الآخران: حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (قال) أنس:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس) خُلقًا وخَلقًا (وكان أجود الناس) أي أكثرهم جودًا وسخاءً وهذا هو المعلولم من خُلقه صلى الله عليه وسلم فإنه ما سُئل قط شيئًا فمنعه إذا كان مما يصح بذله وإعطاؤه (وكان أشجع الناس) أي أشدهم إقدامًا على العدو.

قال الحافظ في الفتح [10/ 457] اقتصار أنس على هذه الأوصاف الثلاثة من جوامع الكلم لأنها أمهات الأخلاق فإن في كل إنسان ثلاث قوى إحداها: الغضبية وكمالها الشجاعة، وثانيها: الشهوانية وكمالها الجود، وثالثها: العقلية وكمالها النطق بالحكمة، وقد أشار أنس إلى ذلك بقوله: أَحْسنَ الناسِ لأن الحسن يشمل الفعل

ص: 106

وَلَقَدْ فَزعَ أَهْلُ المدِينَةِ ذَاتَ لَيلَةِ، فَانْطَلَقَ نَاسٌ قِبَلَ الصَّوتِ. فَتَلَقَّاهُم رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم رَاجِعًا. وَقَد سَبَقَهُمْ إِلَى الصَّوتِ. وَهُوَ َعَلَى فَرَسٍ لأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ. في عُنُقِهِ السَّيفُ وَهُوَ يَقُولُ:"لَمْ تُراعُوا. لَمْ تُرَاعُوا" قَال: "وَجَدْنَاهُ بَحْرًا، أَوْ إنهُ لَبَحْرٌ"

ــ

والقول، ويحتمل أن يكون المراد بأحسن الناس حُسن الخلقة وهو تابع لاعتدال المزاج الذي يتبع صفاء النفس الذي منه جودة القريحة التي تنشأ عنها الحكمة اهـ.

(ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة) أي سمعوا صوتًا يفزعهم في الليل فخافوا أن يهجم عليهم عدو (فانطلق ناس) أي ذهب ناس من المسلين (قبل الصوت) أي جهة الصوت الذي سمعوه تجسسًا وبحثًا عنه (فتلقاهم) أي فاستقبلهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعًا) من جهة الصوت بعد التجسس عنه (و) الحال أنه (قد سبقهم إلى) جهة (الصوت) تجسسًا وبحثًا عنه، قال ابن بطال: إن الإِمام ينبغي له أن يشح بنفسه لما في ذلك من النظر للمسلمين إلا أن يكون من أهل الفناء الشديد والثبات البالغ فيحتمل أن يسوغ له ذلك وكان في النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ما ليس في غيره ولا سيما مع علم أن الله يعصمه وينصره اهـ فتح الباري [6/ 123](وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم راكب (على فرس لأبي طلحة) زوج أم سليم أم أنس رضي الله عنهم-واسمه زيد بن سهل، وفيه جواز استعارة فرس، وقوله:(عرى) بضم العين وسكون الراء صفة ثانية لفرس وهو في الأصل مصدر لعري يعرى من باب رضي يرضى ولكن استعمل هنا بمعنى اسم الفاعل أي عمار عن السرح والإكاف، وركوب الفرس العربي صعب لا يقدر عليه إلا المتقنون الماهرون في سياسة الفرس لا سيما في الحرب فإذا يدل على كمال شجاعته وإتقانه في صناعة الحرب وسياسة الخيل والحال أنه (في عنقه) صلى الله عليه وسلم (السيف وهو يقول: لم تراعوا لم تراعوا) مرتين للتأكيد أي لم يكن هناك شيء يروعكم ويخوفكم والروع: الخوف وهي كلمة قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم تسلية لأصحابه وتطمينًا لهم والمعنى لا تخافوا خوفًا مستقرًا لا تخافوا خوفًا يضركم، وفيه استحباب إعلام الناس بزوال الخوف بعد استكشاف حقيقة الحال، ثم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن الفرس (وجدناه) أي وجدنا الفرس (بحرًا) أي كالبحر (أو قال: إنّه لبحر) أي واسع الجري سريع في العدو والركض كأنه بحر وقد يُستعمل البحر

ص: 107

قَال: وَكَانَ فَرَسًا يُبَطَّأُ

ــ

في الفرس السريع خاصة (قال) أنس: وكان ذلك الفرس أولًا (فرسًا يبطأ) أي يعد بطيئًا أي يُعرف بالبطء والعجز في السير، قال العيني في العمدة [6/ 312] والبحر هو الفرس الواسع الجري، وزعم نفطويه أن البحر من أسماء الخيل وهو الكثير الجري لا يفنى جريه كما لا يفنى جري ماء البحر اهـ.

قوله: (قال) أنس: (وكان) ذلك قبل ذلك اليوم (فرسًا يبطأ) على صيغة المجهول من التبطئة على وزن التزكية أي يُعرف بالبطاءة والعجز وسوء السير فوجده صلى الله عليه وسلم جميل السير والمشي فقال: "وجدناه بحرًا" أي واسع الجري كالبحر، وهذا من جملة معجزاته صلى الله عليه وسلم من انقلاب الفرس إلى كونه سريع السير بعد أن كان بطيئه والله أعلم اهـ دهني.

وعبارة القرطبي هنا قوله: (وكان فرسًا يبطأ) أي يُنسب البطء إليه ويعرف به فلما ركبه صلى الله عليه وسلم أدركته بركته فسابق الجياد وصار نعم العتاد (يقال: فرس عتيد شديد تام الخلق سريع الوثبة معد للجري) والرواية المشهورة يبطأ بالمثناة تحت والموحدة من البطء ضد السرعة، وعند الطبري ثبطًا بالمثلثة أي ثقيلًا وهو بمعنى الأول، والفرس العربي الذي لا سرج عليه يقال: فرس عرى وخيل أعراء ويقال: رجل عريان ورجال عرايا.

وفي هذا الحديث ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد جُمع له من جودة ركوب الخيل والشجاعة والشهامة والانتهاض الغائي في الحروب والفروسية وأهوالها ما لم يكن عند أحد من الناس ولذلك قال أصحابه عنه إنه كان أشجع الناس وأجرأ الناس في حال البأس ولذلك قالوا إن الشجاع منهم كان الذي يلوذ بجنابه إذا التحمت الحروب وناهيك به فإنه ما ولى قط منهزمًا ولا تحدث أحد عنه قط بفرار اهـ من المفهم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 171] ، والبخاري في أبواب كثيرة منها في الهبة باب من استعار فرسًا من الناس [2627] ، وأبو داود في الأدب باب في صلاة العتمة [4988] ، والترمذي في الجهاد باب ما جاء في الخروج عند الفزع [1685 و 1687] وابن ماجه في الجهاد باب الخروج في التفسير [2797].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:

ص: 108

5855 -

(00)(00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَال: كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَزَعٌ. فَاسْتَعارَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فَرَسًا لأَبِي طَلْحَة يُقَالُ لَهُ: مَنْدُوبٌ. فَرَكِبَهُ فَقَال: "مَا رَأَينَا مِنْ فَزَعٍ. وإنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا".

5856 -

(00)(00) وحدَّثناه مُحَمَّد بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنِيهِ يَحْيى بْنُ حَبِيبٍ

ــ

5855 -

(00)(00) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن شعبة عن قتادة عن أنس) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة قتادة لثابت (قال: كان بالمدينة فزع فاستعار النبي صلى الله عليه وسلم فرسًا لأبي طلحة يقال له مندوب فركبه فقال: ما رأينا من فزع وإن وجدناه لبحرًا).

قوله: (يقال له مندوب) وهو اسم علم لذلك الفرس، وقيل: إنه سُمي بذلك لأنه كان يسبق فيحوز الندب وهو الرهبان الذي يجعل للسابق وكأنه حدث له هذا الاسم بعد أن ركبه صلى الله عليه وسلم وقد ذكر أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرس يسمى مندوبًا، ويحتمل أن يكون هذا الفرس انتقل من ملك أبي طلحة إلى ملك النبي صلى الله عليه وسلم إما بالهبة وإما بالابتياع، ويحتمل أن يكون فرسًا آخر وافقه في ذلك الاسم والله أعلم اهـ من المفهم.

قوله: (وإن وجدناه لبحرًا) إن مخففة من الثقيلة واللام لام الابتداء وتسمى المزحلقة لأنها زُحلقت عن محلها لأن محلها المبتدأ فزُحلقت عنه إلى الخبر ولفظ بحرًا هو خبر المبتدأ دخل عليهما الناسخ، وما ذكره الحافظان هنا العيني وابن حجر تعسف لا يليق بهما أو سبق قلم أر سهو والله أعلم. فإنهما ذكرا أن اللام زائدة على مذهب البصريين وإن نافية والسلام بمعنى إلا على مذهب الكوفيين وليس كذلك بل الصواب ما قلناه.

ثم ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

5856 -

(00)(00) وحدثناه محمَّد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا محمَّد بن جعفر ح وحدثنيه يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي البصري، ثقة، من (10) روى عنه

ص: 109

حَدَّثَنَا خَالِدٌ، (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ)، قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ جَعْفَرٍ قَال: فَرَسًا لَنَا. وَلَم يَقُلْ: لأَبِي طَلْحَةَ، وَفِي حَدِيثِ خَالِدٍ: عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعْتُ أَنسًا.

5857 -

(2284)(39) حدَّثنا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، (يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ)، عَنِ الزُّهْرِيِّ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو عِمْرَانَ، محمَّد بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيَادٍ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيدِ الله بْنِ عَبْدِ الله بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: كَانَ

ــ

في (5) أبواب (حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (قالا): أي قال محمَّد بن جعفر وخالد بن الحارث (حدثنا شعبة بهذا الإسناد) يعني عن قتادة عن أنس، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعتهما لوكيع بن الجراح (و) لكن (في حديث ابن جعفر) وروايته لفظة (قال) أنس:(فرسًا لنا ولم يقل) أنس (لأبي طلحة وفي حديث خالد) وروايته (عن قتادة سمعت أنسًا) لا بالعنعنة.

ثم استدل المؤلف -رحمه الله تعالى- على الجزء الثالث من الترجمة بحديث ابن عباس - رضي الله تعالى- عنهما فقال:

5857 -

(2284)(39)(حدثنا منصور بن أبي مزاحم) بشير التركي أبو نصر البغدادي الكاتب، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدَّثنا إبراهيم ويعني ابن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهريّ المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن الزهريّ) محمَّد بن مسلم الأصبحي المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (23) بابا (ح وحدثني أبو عمران محمَّد بن جعفر بن زياد) الخراساني البغدادي المعروف بالوركاني بفتحتين نسبة إلى وركان اسم محلة أو قرية، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (واللفظ) الآتي (له) أي لمحمد بن جعفر لا لابن أبي مزاحم (أخبرنا إبراهيم) بن سعد الزهريّ (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود) الهذلي المدني أحد الفقهاء السبعة، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن ابن عباس) - رضي الله تعالى عنهما -. وهذا السند من خماسياته (قال) ابن عباس: (كان

ص: 110

رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ الناسِ بِالْخَيرِ. وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ في شَهْرِ رَمَضَانَ. إِن جِبْرِيلَ عليه السلام كَانَ يَلْقَاهُ، في كُلِّ سَنَةٍ، في رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ. فَيَعْرِضُ عَلَيهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْقُرْآنَ. فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ بِالْخَيرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ

ــ

رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير) أي أكثر الناس جودًا وسخاء بالخير (وكان أجود ما يكون في شهر رمضان) وأجود بالرفع اسم كان وما مصدرية وجملة صلة ما المصدرية في تأويل مصدر مجرور بإضافة اسم كان إليه ويكون تامة والجار والمجرور في قوله: في شهر رمضان خبر كان، والتقدير وكان أجود أكوانه وأحواله حاصلًا في شهر رمضان فالمراد بالأكوان الأحوال كما فسرناه بالعطف التفسيري، قال القرطبي: إنما كان ذلك منه لأوجه أحدها رغبة في ثواب شهر رمضان فإن أعمال الخير فيها مضاعفة الأجر وليعين الصائمين على صومهم وليفظرهم فيحصل له مثل أجورهم ولأنه كان يلقى فيه جبريل لمدارسة القرآن فكان يتجدد إيمانه ويقينه مقاماته وتظهر عليه بركاته فيا له من لقاء ما أكرمه ومن مشهد ما أعظمه أي وكان أجود أحواله إذا كان في شهر رمضان فـ (إن جبريل عليه السلام كان يلقاه) صلى الله عليه وسلم (في كل سنة في) ليالي (رمضان) كلها (حتى ينسلخ) ويخرج رمضان (فيعرض عليه) أي على جبريل ويقرأ عليه (رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن) كل ليلة ليرسخ له ويستقر في ذهنه، وفيه استحبابُ الإكْثارِ من تلاوة القرآن في رمضان (فإذا لقيه) صلى الله عليه وسلم (جبريل) ليقرأ عليه القرآن (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير) أي أسرع الناس جودًا وسخاءً بالخير (كالريح المرسلة) أي المطلقة من مستقرها والمراد كالريح في إسراعها وعمومها اهـ نووي. وفي القرطبي (كان أجود من الريح المرسلة) أي بالمطر، وفيه جواز المبالغة والإغياء في الكلام.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 363] ، والبخاري في مواضع كثيرة منها في الصوم باب أجود ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون في رمضان [1902]، والنسائي في الصيام باب الفضل والجود في رمضان [2095].

ثم ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- المتابعة في حديث ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - فقال:

ص: 111

5858 -

(00)(00) وحدَّثناه أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ مُبَارَكِ، عَنْ يُونسَ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَر. كِلاهُمَا عَنِ الزهْرِيُّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. نَحْوَهُ.

5859 -

(2285)(40) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورِ وَأَبُو الرَّبِيعِ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ،

ــ

5858 -

(00)(00)(وحدثناه أبو كريب) محمَّد بن العلاء الهمداني (حدثنا) عبد الله (بن المبارك) بن واضح الحنظلي المروزي، ثقة، من (8) روى عنه في (10) أبواب (عن يونس) بن يزيد الأيلي الأموي، ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب (خ وحدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11)(حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من (9)(أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7)(كلاهما) أي كل من يونس ومعمر رويا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن عبيد الله عن ابن عباس وساقا (نحوه) أي نحو ما حدّث إبراهيم بن سعد، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة يونس ومعمر لإبراهيم بن سعد.

قوله: (من الريح المرسلة) بصيغة اسم المفعول أي في عموم المنفعة والسرعة على أن الريح قد تكون خالية من المطر وقد تكون جالبة للضرر، وقيل: المراد بالريح الصبا، قال النووي: وفيه الحث على الجود والزيادة في رمضان وعند لقاء الصالحين وعلى مجالسة أهل الفضل وزيارتهم وتكريرها ما لم يورث التكرار كراهة واستحباب كثرة التلاوة سيما في رمضان ومدارسة القرآن وغيره من العلوم الشرعية وأن القراءة أفضل من التسبيح والأذكار اهـ شرح الشفاء لعلي القاري اهـ دهني.

ثم استدل المؤلف -رحمه الله تعالى- على الجزء الرابع من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال:

5859 -

(2285)(40)(حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني نزيل مكة، ثقة، من (10) روى عنه في (15) بابا (وأبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (قالا: حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن ثابت) بن أسلم بن موسى (البناني) بضم الموحدة وبنونين نسبة إلى بنانة من بني سعد بن لؤي بن غالب وموضع لهم

ص: 112

عَنْ أَنَسِ بْنِ مالك. قَال: خَدَمْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَشْرَ سِنِينَ. وَاللهِ، مَا قَال لِي: أُفَّا قَطُّ، وَلَا قَال لِي لِشَيءٍ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا؟ وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا؟ زَادَ أَبُو الرَّبِيعِ: لَيسَ مِمَّا يَصْنَعُهُ الْخَادِمُ. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ: وَاللهِ

ــ

بالبصرة مولاهم أبي محمَّد البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (13) بابا (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (قال) أنس:(خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين) تقريبًا، فلا ينافي رواية تسع سنين (والله) أي أقسمت باللهِ الذي لا إله غيره (ما قال لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك المدة الطويلة (أُفًّا) بالفتح والتنوين للتنكير أي أتضجر منك فيقال في إعرابه أفّا اسم فعل مضارع بمعنى أتضجر مبني على الفتح لشبهه بالحرف شبهًا استعماليًا، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا وإسناده إلى المتكلم تقديره أنا، وجملة اسم الفعل في محل النصب مقول قال: والضجر الكسل أي ما قال لي (قط) تضجرت من حالك وسوء أدبك وشغلك، وقط ظرف مستغرق لما مضى من الزمان ملازم للنفي مبني على الضم لشبهه بالحرف شبهًا وضعيًا لكونها على حرفين في بعض لغاتها وحملًا للباقي عليه، وإنما حُرّكت فرارًا من التقاء الساكنين وكانت الحركة ضمة لشبهه بأسماء الغايات، قال القرطبي: و (أف) كلمة ذم وتحقير واستقذار، وأصل الأف والتف وسخ الأظفار وفيها عشر لغات أف بغير تنوين بالفتح والضم والكسر في الفاء مع ضم الهمزة، وبالتنوين للتنكير مع الأوجه الثلاثة في الفاء مع ضم الهمزة وبكسو الهمزة وفتحها ويقال: أُفِى وأفِه، وفي الصحاح يقال: كان ذلك على أفِ ذلك وإفائه بكسرها أي في حينه وأوانه اهـ من المفهم (ولا قال لي) في تلك المدة (لشيء) فعلته مما لا يعجبه (لم فعلت كذا و) لشيء تركته مما يريده (هذا فعلت كذا) وهذا هنا حرف تنديم لا تحضيض كما في الأبي (زاد أبو الربيع) الزهراني في روايته لفظة (ليس مما يصنعه الخادم) أي ولا قال لي لشيء فعلته ليس ذلك الشيء مما يصنعه الخادم المؤدب لم فعلت كذا (و) لكن (لم يذكر) أبو الربيع القسم من (قوله: والله) في أول الكلام.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 195] ، والبخاري في مواضع منها في الأدب باب حسن الخلق [6058] ، وأبو داود في الأدب باب في الحلم [4774].

ص: 113

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعبارة الأبي هنا قوله: (خدمت عشر سنين) وفي الرواية الآتية (تسع سنين) قال القاضي عياض: لا معارضة بينهما في العدد لأنه حسب في رواية التسع السنين الكاملة ولم يحسب ما زاد عليها من المشهور فقال: تسع سنين فأسقط شهور السنة الأولى التي ابتدأ خدمته فيها، وفي رواية العشر حسبها فقال: عشر سنين لأن مدة مقامه صلى الله عليه وسلم بالمدينة من قدومه إلى وفاته عشر سنين فقط بلا زيادة ساعة ولا دقيقة لأنه صلى الله عليه وسلم توفي في النهار في الساعة التي قدم فيها وبعد استقراره صلى الله عليه وسلم في المدينة كانت خدمة أنس رضي الله عنه وهو ابن عشر سنين، وقيل: ابن ثمان وفي الحقيقة هو خدمه تسمع سنين ونصفًا مثلًا فكملت النصف رواية العشر وأسقطته روايته التسع فهو اختلاف لفظي، قوله:(ما قال لي أُفًّا قط) قال القاضي عياض: أُفّ كلمة معناها الضمير والكسل وهو اسم فعل مضارع أُتي بها اختصارًا للكلام وتستعمل للواحد وللاثنين وللجماعة بلفظ واحد ومنه قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] وفيها لغات كثيرة أوصلها ابن عطية إلى أربعين كما فصلها الحافظ في الفتح وهي معرفة إن لم تنون ونكرة إن نونت كما هو شأن أسماء الأفعال فيما استعمل بالوجهين كصه ومه ومعنى المعرفة في الآية لا تقل لهما القول القبيح ومعنى النكرة لا تقل لهما قولًا قبيحًا كما في حديث الباب (ما قال لي أفا قط) أي ما قال لي قط قولًا قبيحًا، قال الهروي: تقال في كل ما يتضجر منه ويستثقل، وقيل معناها الاحتقار مأخوذة من الأفف وهو القليل من الشيء، وفي الحديث "فألقى ثوبه على أنفه، وقال: أف أف" وقال ابن الأنباري: الأف والتف وسخ الأظفار استعملت فيما يستقذر وفيها عشر لغات ضم الهمزة وفي الفاء الحركات الثلاث منونة وغير منونة فهذه ست لغات، وضم الهمزة وسكون الفاء وكسر الهمزة وفتح الفاء وأمّا بالألف وأفت بالتاء بضم الهمزة فيهما فهذه أربعة مع الستة السابقة عشرة.

قال المازري: وأما (قط) ففيها خمس لغات فتح القات وضمها مع تشديد الطاء المضمومة وفتح القاف مع سكون الطاء وكسرها مشددة ومخففة وهي لتوكيد نفي الماضي المنفي، وقوله:(لم فعلت كذا .. إلخ) المقصود منه ترك العتاب على ما فات لأن هناك مندوحة عنه باستئناف الأمر به إذا احتيج إليه، وفائدته تنزيه اللسان عن الزجر والذم واستئلاف خاطر الخادم بترك معاتبته، ولا شك أن ذلك من أعلى مراتب الحلم، وقوله:

ص: 114

5865 -

(00)(00) وحدّثناه شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ مِسْكِينٍ. حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسٍ. بِمِثْلِهِ.

5861 -

(00)(00) وحدَّثناه أَحْمَدُ بْنُ حَنبَلٍ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعًا

ــ

(هذا فعلت كذا) قال الأبي: أيضًا هلا إذا دخلت على الماضي كانت للتندم صيان دخلت على المضارع كانت للتحريض والحض على الفعل، وعدم اعتراضه صلى الله عليه وسلم على أنس إنما هوفيما يرجع إلى الخدمة والأدب لا فيما هو تكليف شرعي لأن هذا لا يجوز ترك الاعتراض فيه وفيه مدحة الإنسان إذا لم يرتكب ما يوجب الاعتراض اهـ منه، قوله:(ليس مما يصنعه الخادم) هكذا وقع في كثير من النسخ المطبوعة لكن وقع في نسخة الأبي (لشيء مما يصنعه الخادم) وهو الذي ذكره الحافظ في الفتح [10/ 460] وهو مستقيم المعنى لأن المراد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل ذلك لشيء مما يصنعه الخادم، أما ما وقع في النسخة المطبوعة من لفظ ليس فلا يظهر له وجه والظاهر أنه تصحيف من بعض النساخ اهـ تكملة.

ثم ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

5860 -

(00)(00)(حدثناه شيبان بن فروخ) الحبطي الأيلي، صدوق، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا سلام بن مسكين) بن ربيعة الأزدي النمري أبو روح البصري، روى عن ثابت البناني في دلائل النبوة والحسن وقتادة، ويروي عنه (خ م د س ق) وشيبان بن فروخ ويحيى القطان وابن مهدي وغيرهم، وثقه أحمد وابن معين، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال في التقريب: ثقة رُمي بالقدر، من السابعة، مات سنة (167) سبع وستين ومائة، ويقال اسمه سليمان، محدِّث إمام (حدثنا ثابت البناني عن أنس) هذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة سلام لحماد بن زيد وساق سلام (بمثله) أي بمثل حديث حماد بن زيد لفظًا ومعنى.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

5861 -

(00)(00)(وحدثناه أحمد) بن محمَّد (بن حنبل) الشيباني المروزي خرج من مرو حملًا ثم وُلد ببغداد اهـ تقرير الخزرجية، ثقة حجة حافظ إمام فقيه، أحد الأئمة الأربعة المشهورين وآخرهم من (10) روى عنه في (10) أبواب (وزهير بن حرب جميعًا)

ص: 115

عَنْ إِسْمَاعِيلَ، (وَاللَّفظُ لأَحْمَدَ)، قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، أَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ بيَدِي، فَانْطَلَقَ بِي إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. فَقَال: يَا رَسُولَ الله إِنَّ أَنَسًا غُلامٌ كَيِّسٌ فَلْيَخْدُمْكَ. قَال: فَخَدَمْتُهُ في السَّفَرِ وَالْحَضَرِ. وَاللهِ مَا قَال لِي لِشَيء صَنَعْتُهُ: لِمَ صَنَعْتَ هَذَا

ــ

أي كلاهما رويا (عن إسماعيل) بن إبراهيم (واللفظ لأحمد قالا: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم الأسدي البصري المعروف بابن عليه اسم أمه، ثقة، من (8) روى عنه في (15) بابا (حدثنا عبد العزيز) بن صهيب البناني البصري الأعمى، ثقة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته أيضًا، غرضه بيان متابعة عبد العزيز لثابت (قال) أنس:(لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة) مقدم هجرته (أخذ أبو طلحة) بيدي زوج أمي أم سليم زيد بن سهل الأنصاري الخزرجي (فانطلق بي) أي ذهب (إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم) بعد أشهر من مقدمه (فقال) أبو طلحة: (يا رسول الله إن أنسًا) هذا (غلام) أي وّلد (كيّس) أي عاقل حاذق ذكي يصلح للخدمة (فليخدمك) من باب نصر مجزوم بلام الأمر، قوله:(فانطلق بي أبو طلحة) إلخ يعارضه ما ورد في بعض الروايات من أن أم سليم هي التي أحضرته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم للخدمة قلت: لا منافاة بينهما لأنه يحتمل أن يكون كل منهما أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد المشاورة فيما بينهما والله أعلم (قال) أنس: (فخدمته صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر) وقد يقال: قد ورد في قصة غزوة خيبر عند البخاري في المغازي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب من أبي طلحة خادمًا يخدمه في السفر فأحضر أبو طلحة أنسًا ويُشكل هذا على حديث الباب الذي يدل على أنه أحضره عند قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وغزوة خيبر وقعت بعد ذلك بنحو سبع سنين وبينهما معارضة، وأُجيب عن ذلك الإشكال بأنه صلى الله عليه وسلم لما أراد خيبر طلب من أبي طلحة من يكون أسن من أنس وأقوى على الخدمة في السفر فعرف أبو طلحة من أنس القوة على ذلك فأحضره فلهذا قال أنس في هذه الرواية خدمته في الحضر والسفر، قال أنس:(والله) الذي لا إله غيره (ما قال لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لشيء صنعته) على خلاف ما يرضيه (لم صنعت هذا

ص: 116

هَكَذَا؟ وَلَا لِشَيءٍ لَمْ أَصْنَعْهُ: لِمَ لَمْ تَصْنَعْ هَذَا هَكَذَا؟ .

5862 -

(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا محَمَّد بْنُ بِشرٍ. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ. حَدَّثَني سَعيدٌ، (وَهُوَ ابْنُ أبي بُرْدَةَ)، عَنْ أَنَسٍ، قَال: خَدَمْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم تِسْعَ سِنِينَ، فَمَا أَعْلَمُهُ قَال لِي قَطُّ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ وَلَا عَابَ عَلَيَّ شَيئًا قَطُّ.

5863 -

(2286)(41) حدّثني أبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِيُّ،

ــ

هكذا ولا لشيء) تركته و (لم أصنعه) مما أمرني به (لم لم تصنع هذا هكذا).

ثم ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

5862 -

(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمَّد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (قالا: حدثنا محمَّد بن بشر) بن الفرافصة العبدي الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (11) بابا (حدثنا زكرياء) بن أبي زائدة خالد بن ميمون الهمداني الوادعي الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (13) بابا (حدثني سعيد وهو ابن أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (6) أبواب (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سعيد بن أبي بردة لثابت البناني وعبد العزيز البناني (قال) أنس:(خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين) وقد سبق في الرواية السابقة أنه خدمه عشر سنين، وقد حقق الحافظ في الفتح [10/ 460] أنه خدم النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين وأشهرًا فألغى الكسر في هذه الرواية فقال: تسع سنين، وجبره في الرواية السابقة فقال: عشر سنين كما مر هناك عن الأبي (فما أعلمه) صلى الله عليه وسلم (قال لي قط) في تلك المدة الطويلة (لم فعلت كذا وكذا ولا) أعلمه (عاب على شيئًا) فعلته على خلاف مراده (قط) متعلق بعاب. وفي هذا الحديث بيان كمال خُلُقه صلى الله عليه وسلم وحُسن عشرته وحلمه وصفحه اهـ نووي.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس المذكور بحديث آخر له رضي الله عنه فقال:

5863 -

(2286)(41)(حدثني أبو معن الرقاشي) نسبة إلى رقاش بطن من ثقيف

ص: 117

زَيدُ بْنُ يَزِيدَ. أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا عِكرِمَةُ، (وهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ)، قَال: قَال إِسْحَاقُ: قَال أَنَسٌ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا. فَأَرْسَلَنِي يَوْمًا لِحَاجَةٍ. فَقُلْتُ: وَاللهِ لَا أَذْهَبُ، وَفِي نَفْسِي أن أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم، فَخَرَجْتُ حَتى أَمُرَّ َعَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ في السُّوقِ، فَإِذَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَدْ قَبَضَ بِقَفَايَ مِنْ وَرَائِي. قَال: فَنَظَرْتُ إِلَيهِ وَهُوَ يَضحَكُ. فَقَال: "يَا أُنَيسُ،

ــ

(زيد بن يزيد) الثقفي البصري، ثقة، من (11) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا عمر بن يونس) بن القاسم الحنفي أبو حفص اليمامي، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا عكرمة وهو ابن عمار) العجلي الحنفي أبو عمار اليمامي، صدوق، من (5) روى عنه في (9) أبواب (قال) عكرمة:(قال إسحاق) بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (7) أبواب (قال) عمي (أنس) بن مالك الأنصاري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خُلُقًا فأرسلني يومًا) من الأيام (لحاجة) من حوائجه (فقلت) له:(والله) أنا ما أقدر و (لا أذهب) في قضائها أي فقلت بلساني أنا والله لا أذهب (وفي نفسي) أي والحال أنه في نفسي وقصدي (أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم) أي لقضائه، قال الطيبي: يحمل قوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم والله لا أذهب وأمثاله على أنه كان صبيًّا غير مكلف، قال الجزري: ولذا ما أدبه بل داعبه وأخذ بقفاه وهو يضحك رفقًا به، وقد صرح أنس أنه كان في نيته أن يذهب ولكنه إنما قال ذلك مداعبة كما يفعله بعض الصبية بالكبار ولعل رسول الله صلى الله عليه وسلم تفطن بذلك، قوله:(فخرجت) من عنده معطوف على قلت ومشيت (حتى أمر) أي حتى مررت (على صبيان وهم) أي والحال أن الصبيان (يلعبون في) ملاعب (السوق) فجعلت أنظر إليهم (فإذا) الفاء عاطفة وإذا فجائية، وقوله:(رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي) معطوف على محذوف قدرناه أي فجعلت أنظر إليهم ففاجأني قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم بقفاي من ورائي وخلفي، والقفا مؤخر الرأس (قال) أنس:(فنظرت إليه) صلى الله عليه وسلم وهو واقف ورائي (وهو) صلى الله عليه وسلم أي والحال أنه (يضحك) بي ولم يغضب علي لكمال حُسن خُلقه (فقال) لي: (يا أنيس) تصغير شفقة

ص: 118

أَذَهَبْتَ حَيثُ أَمَرْتُكَ؟ " قَال: قُلْتُ: نَعَمْ. أَنَا أَذْهَبُ، يَا رَسُولَ الله.

- قَال أَنَسٌ: وَاللهِ لَقَدْ خَدَمْتُهُ تِسْعَ سِنِينَ، مَا عَلِمْتُهُ قَال لِشَيءٍ صَنَعْتُهُ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ أَوْ لِشَيءٍ تَرَكْتُهُ: هَلَّا فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا.

5864 -

(00)(00) وحدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ وَأَبُو الرَّبِيعِ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ،

ــ

(أذهبت) أي هل ذهبت لقضاء حاجتي (حيث أمرتك) أي إلى المكان الذي أمرتك بالذهاب إليه لقضاء حاجتي (قال) أنس: (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (نعم أنا أذهب) إليه الآن (يا رسول الله) أي أنا في سبيلي وذهابي إليه إن شاء الله تعالى، قال السنوسي: قوله: (نعم) مع أنه لم يذهب إليه إنما قاله لأنه كان جازمًا بالذهاب، قوله:(أنا أذهب) قال هذا لأنه لم يكن في سن التكليف اهـ.

(قال أنس) رضي الله عنه بالسند السابق: (والله لقد خدمته) صلى الله عليه وسلم (تسع سنين ما علمته قال) لي: (لـ) أجل (شيء صنعته) على خلاف ما يرضيه (لم فعلت كذا وكذا أو (قال في: (لـ) أجل (شيء تركته هذا فعلت كذا وكذا).

وهذا الحديث انفرد به الإِمام مسلم -رحمه الله تعالى-عن أصحاب الأمهات.

وقد سبق لك عن الأبي أن هذا إذا دخلت على الماضي كانت للتندم.

قال القرطبي: (وقول أنس والله لا أذهب وفي نفسي أن أذهب) هذا القول صدر عن أنس في حال صغره وعدم كمال تمييزه إذ لا يصدر مثله ممن كمُل وذلك أنه حلف بالله على الامتناع من فعل ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم مشافهة وهو عازم على فعله فجمع بين مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الإخبار بامتناعه والحلف باللهِ على نفي ذلك مع العزم على أنه كان يفعله وفيه ما فيه ومع ذلك فلم يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم لشيء من ذلك ولا عرج عليه ولا أذبه بل داعبه وأخذ بقفاه وهو يضحك رفقًا به واستلطافًا له ثم قال: "يا أنيس اذهب حيث أمرتك" فقال له أنا أذهب وهذا كله مقتضى خلقه الكريم وحلمه العظيم اهـ من المفهم.

ثم ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- المتابعة في حديث أنس هذا رضي الله عنه فقال:

5864 -

(00)(00)(وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9) (وأبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (قالا: حدثنا عبد الوارث) بن سعيد بن

ص: 119

عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا.

5865 -

(2287)(42) حدثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ. سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله قَال: مَا سُئِلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم شَيئًا قَطُّ فَقَال: لَا

ــ

ذكوان التميمي العنبري مولاهم أبو عبيدة البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي التيّاح) الضبعي بضم المعجمة وفتح الموحدة يزيد بن حميد البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (7) أبواب، وقال في التقريب: ثقة ثبت، مشهور بكنيته (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة أبي التياح وإسحاق بن عبيد الله (قال) أنس:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلقًا) بضمتين.

ثم استدل المؤلف -رحمه الله تعالى- على الجزء الخامس من الترجمة بحديث جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - فقال:

5865 -

(2287)(42)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمَّد بن بكير بن شابور (الناقد) البغدادي (قالا: حدثنا سفيان بن عيينة) الأعور الكوفي ثم المكي (عن) محمَّد (بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير مصغرًا القرشي التيمي أبي عبد الله المدني، ثقة فاضل، من (3) روى عنه في (11) بابا (سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (قال) جابر:(ما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا) من متاع الدنيا وحطامها (قط) أي في زمن من الأزمان الماضية في عمره (فقال: لا) أعطيك، قال في نسيم الرياض: معناه أنه صلى الله عليه وسلم إذا أتاه مستحق يطلب عطاءه لا يخيبه ولا يقول له لا قط بدليل قوله حتى إذا لم يجد شيئًا اقترض له أو قال له اثتني غدًا أو نحوه وهذا هو الذي عناه حسان رضي الله عنه بقوله:

ما قال لا قط إلا في تشهده

لولا التشهد لم تسمع له لا لا

وهو باعتبار الغالب فإن النادر كالمعدوم فهو مبالغة معروفة مألوفة اهـ.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأدب باب حُسن الخُلق والسخاء وما يُكره من البخل [6034].

ص: 120

5866 -

(00)(00) وحدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا الأَشجَعِي. ح وحَدَّثَنِي محمدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرحْمَنِ، (يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ)، كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، عَن مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ. قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله يَقُولُ. مِثْلَهُ، سَوَاءً.

5867 -

(2288)(43) وحدَّثنا عَاصِمُ بْنُ النضْرِ التَّيمِيُّ

ــ

واستشكل هذا الحديث بعضهم بما ورد في القرآن الكريم من قوله: {لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيهِ} [التوبة: 92] وبما رُوي أنه صلى الله عليه وسلم قال للأشعريين: "والله لا أحملكم" كما مر في الأيمان والنذور وقد تكلف البعض في الإجابة عن هذا الإشكال بتوجيهات لا تبدو سائغة والذي يظهر في الجواب عنه أن يقال إن حديث جابر هذا جايى على وفق كلام الناس بتنزيل البعض منزلة الكل، والحاصل أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يرد سائلًا بدون عذر وليس المراد أنه لم ينطق كلمة لا قط في حالة العذر والعُسر والله أعلم.

ثم ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- في حديث جابر رضي الله عنه فقال:

5866 -

(00)(00)(وحدثنا أبو كريب) محمَّد بن العلاء (حدثنا) عبيد الله بن عبد الرحمن (الأشجعي) أبو عبد الرحمن الكوفي نزيل بغداد، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (ح وحدثني محمَّد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن يعني ابن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابا (كلاهما) أي كل من الأشجعي وابن مهدي رويا (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن محمَّد بن المنكدر) التيمي المدني (قال) ابن المنكدر:(سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني - رضي الله تعالى عنهما - (يقول): هذا الحديث. وهذان السندان من خماسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة سفيان الثوري لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن محمَّد بن المنكدر وساق سفيان الثوري (مثله) أي مثل حديث سفيان بن عيينة حالة كون حديث المتابع والمتابع (سواء) أي متساويين لفظًا ومعنى وأتى بسواء تأكيدًا لمعنى المماثلة ولذلك لم يأت بالاستثناء كعادته والله أعلم.

ثم استشهد المؤلف -رحمه الله تعالى- لحديث جابر بحديث أنس - رضي الله تعالى عنهما - فقال:

5867 -

(2288)(43)(وحدثنا عاصم بن النضر) بن المنتشر الأحول (التيمي) أبو

ص: 121

حَدَّثَنَا خَالِدٌ، (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ)، حَدَّثَنَا حُمَيدٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أبِيهِ، قَال: مَا سُئِل رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الإِسْلامِ شَيئًا إلا أَعْطَاهُ. قَال: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَينَ جَبَلَينِ. فَرَجَعَ إلى قَوْمِهِ، فَقَال: يَا قَوْمِ، أَسْلِمُوا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ

ــ

عمرو البصري، صدوق، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (حدثنا حميد) بن أبي الحميد تير مولى طلحة الطلحات أبو عبيدة الطويل البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (14) بابا (عن موسى بن أنس) بن مالك الأنصاري البصري قاضيها، ثقة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (عن أبيه) أنس بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أنس:(ما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإِسلام) متعلق بالإعطاء الآتي (شيئًا) مفعول ثان لسئل أي ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا من متاع الدنيا (إلا أعطاه) أي إلا أعطى ذلك الشيء استئلافًا على الإِسلام واستئناسًا وتقوية عليه إن دخل في الإِسلام وضعف إيمانه واستجلابًا إلى الإِسلام وترغيبًا فيه إن لم يدخل فيه بأن كان من أشراف قومه وبإعطائه يدخل هو وقومه في الإِسلام (قال) أنس: (فجاءه) صلى الله عليه وسلم (رجل) من المشركين، قال في نسيم الرياض: ذلك الرجل هو صفوان بن أمية الجمحي القرشي الآتي ذكره فيما بعد، له صحبة، وكنيته أبو وهب أسلم بعد يوم الفتح وشهد حنينًا والطائف وهو مشرك فلما أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفيء ما ذكر قال: أشهد بالله ما طابت بهذا إلا نفس نبي فأسلم اهـ منه.

(فأعطاه) أي فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل (غنمًا) كثيرة لكثرتها تكاد أن تملأ ما (بين جبلين) وكان ذلك العطاء من غنائم حنين، قال الأبي: وفي هذا وفيما بعده إعطاء المؤلفة ولا خلاف في إعطاء المؤلفة المسلمين، وإنما اختلف فيما يُعطون منه فقيل: يُعطون من بيت المال ومن الزكاة، وقيل من بيت المال فقط، وأما مؤلفة الكفار فلا يُعطون من الزكاة، واختلف هل يُعطون من بيت المال والأصح عند المالكية لا يُعطون أصلًا لأن الله تعالى قد أعز الإِسلام فلا حاجة إلى الترغيب فيه بالمال اهـ (فرجع) ذلك الرجل (إلى قومه) المشركين (فقال) لهم:(يا قوم أسلموا) أي ادخلوا في الإِسلام وآمنوا بمحمد (فإن محمدًا يعطي عطاء) من (لا يخشى) ولا يخاف (الفاقة)

ص: 122

5868 -

(00)(00) - حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ حمّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ؛ أَن رَجُلًا سَأَلَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم غَنَمًا بَينَ جَبَلَينِ، فَأَعْطَاهُ إِياهُ، فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَال: أَي قَوْمِ، أَسْلِمُوا، فَوَاللهِ إِن مُحمدا لَيُعْطِي عَطَاءً مَا يَخَافُ الْفَقْرَ.

فَقَال أَنَسٌ: إِنْ كَانَ الرَّجُلُ

ــ

والفقر لثقته بالله وتوكله عليه يُعطي جميع ما عنده فلا يبقي لنفسه شيئًا يدخَّر لها، قال الأبي: لم يأمرهم بالإِسلام رغبة في الإعطاء بل لظهور دليل صدقه صلى الله عليه وسلم عنده لأن إدعاء النبوة مع جزيل العطاء يدل على وثوقه صلى الله عليه وسلم بمن أرسله لأن الله تعالى هو الغني الذي لا يُعجزه شيء اهـ ويؤيد ما ذكره الأبي الرجل لا يخشى الفاقة يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يخشى الفاقة لكمال ثقته بالله تعالى ومثل هذه الثقة لا يكاد يحصل لغير نبي وكذلك يؤيده ما سيأتي من قوله: (أشهد بالله ما طابت بهذا إلا نفس نبي).

وهذا الحديث انفرد به الإِمام مسلم -رحمه الله تعالى- عن أصحاب الأمهات.

ثم ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

5868 -

(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي، ثقة، من (9) روى عنه في (19) بابا (عن حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن ثابت) بن أسلم البناني (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ثابت لموسى بن أنس (أن رجلًا) من المشركين هو صفوان بن أمية كما مر آنفًا (سأل النبي صلى الله عليه وسلم غنمًا) يملأ (بين جبلين) قال القرطبي: يعني غنمًا ملء ما بين جبلين كانا هنالك وكان هذا والله أعلم يوم حنين لكثرة ما كان هنالك من غنائم الإبل والبقر والغنم والذراري ولأن هذا الذي أُعطي هذا القدر كان من المؤلفة قلوبهم ألا ترى أنه رجع إلى قومه فدعاهم إلى الإِسلام لأجل العطاء اهـ من المفهم (فأعطاه) أي فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل (إياه) أي غنمًا بين جبلين (فأتى قومه) المشركين (فقال) لهم: (أي قوم) أي يا قوم وأي حرف نداء القريب (أسلموا) أي ادخلوا في الإِسلام (فوالله إن محمدًا ليعطي عطاءً) كثيرًا (ما يخاف) أي لا يخاف آخذه بعده (الفقر) أو ما يخاف محمَّد الفقر (فقال أنس) بالسند السابق: (إن كان الرجل) إن مخففة

ص: 123

لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إلا الدُّنْيَا. فَمَا يُسْلِمُ حَتَّى يَكُونَ الإِسْلامُ أَحَبَّ إِلَيهِ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيهَا.

5869 -

(2289)(44) وحدَّثني أبُو الطَّاهِرِ، أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ

ــ

اسمها ضمير الشأن محذوف أي إن الشأن والحال كان الرجل من المشرك (ليسلم) أي ليدخل في الإِسلام ظاهرًا والحال أنه (ما يريد) بإسلامه (إلا) نيل (الدنيا) وإصابتها (فما بسلم) ذلك الرجل للدنيا (حتى يكون الإِسلام) متمكنًا في قلبه منشرحًا في صدره ويكون الإِسلام (أحب إليه) أي عنده (من الدنيا) أي من نيل ملك الأرض (وما عليها) أي وما على الأرض من نعيمها وزخرفها، قال النووي: قوله: (إن كان الرجل ليسلم حتى يكون) إن مخففة من الثقيلة بدليل ذكر اللام الفارقة بعدها في قوله: ليسلم، قوله:(فما يسلم حتى يكون الإِسلام) معناه فما يلبث بعد إسلامه إلا يسيرًا حتى يكون الإِسلام أحب إليه والمراد أنه يُظهر الإِسلام أولًا للدنيا لا بقصد صحيح بقلبه ثم من بركة النبي صلى الله عليه وسلم ونور الإِسلام لم يلبث إلا قليله حتى ينشرح صدره بحقيقة الإيمان ويمكن من قلبه فيكون حينئذٍ أحب إليه من الدنيا وما فيها اهـ نووي.

وقال القرطبي: ومقصود أنس من هذا الأثر أن الرجل كان يدخل في دين الإِسلام رغبة في كثرة العطاء فلا يزال يُعطى حتى ينشرح صدره للإسلام ويستقر فيه ويتنور بأنواره حتى يكون الإِسلام أحب إليه من الدنيا وما فيها كما صرح بذلك صفوان بن أمية حيث قال: والله لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وأنه لأبغض الناس إليّ فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليّ وهكذا اتفق لمعظم المؤلفة قلوبهم اهـ من المفهم.

قوله: (فما يسلم حتى يكون الإِسلام) إلخ هكذا (يُسلم) في معظم النسخ، وفي بعضها (فما يمسي) وكلاهما صحيح يعني ما يلبث إلا يسيرًا حتى يكون الإِسلام أحب.

ثم استشهد المؤلف -رحمه الله تعالى- لحديث جابر ثانيًا بمرسل ابن شهاب إلى قوله مائة ثم مائة ثم أسنده من طريق ابن المسيب عن صفوان وبهذا الطريق آخرجه الترمذي في الزكاة [666] فقال:

5869 -

(2289)(44)(وحدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح) الأموي المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) بن مسلم المصري (أخبرني يونس) بن يزيد (عن ابن

ص: 124

شِهَابٍ. قَال: غَزَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم غَزْوَةَ الْفَتْحِ، فَتْحِ مَكَّةَ. ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. فَاقْتَتَلُوا بِحُنَينٍ. فَنَصَرَ الله دِينَهُ وَالْمُسْلِمِينَ. وَأَعْطَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ مِائَةَ مِنَ النَّعَمِ، ثُمَّ مِائَةً، ثُمَّ مِائَةً.

قَال ابْنُ شِهَابِ: حَدَّثني سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ؛ أَنَّ صَفْوَانَ قَال: وَاللهِ، لَقَدْ أَعْطَانِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مَا أَعْطَانِي، وَإنهُ لأَبْغَضُ النَّاسِ إِليَّ. فَمَا بَرِحَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنهُ لأَحَبَّ الناسِ إِليَّ

ــ

شهاب) الزهريّ (قال) الزهريّ: (غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح فتح مكة) بدل مما قبله أو عطف بيان (ثم) بعد ما فرغ من غزوة الفتح (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه) أي مع من معه (من المسلمين) والطلقاء إلى حنين (فاقتتلوا) مع المشركين (بحنين) واد بين مكة والطائف (فنصر الله دينه والمسلمين وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ) أي يوم غزوة حنين من غنائم حنين (صفوان بن أمية مالة من النعم) أي من الإبل (ثم) ثانيًا (مائة ثم) ثالثًا (مائة) من الإبل فكمل له ثلاثمائة، وهو صفوان بن أمية بن خلف بن وهب الجمحي وإن أحد العشرة الذين انتهى إليه الشرف في الجاهلية وأبوه أمية بن خلف قُتل ببدر كافرًا وأن صفوان هرب يوم فتح مكة وأسلمت امرأته ناجية بنت الوليد بن المغيرة وأحضر له ابن عمه عمير بن وهب أمانًا من النبي صلى الله عليه وسلم فحضر وشهد حنينًا والطائف وهو مشرك واستعار منه النبي صلى الله عليه وسلم سلاحًا وأعطاه يوم حنين من الغنائم فأكثر حتى قال صفوان:(أشهد ما طابت بهذا إلا نفس نبي) فأسلم ورد عليه النبي صلى الله عليه وسلم امرأته ناجية ونزل صفوان على العباس بالمدينة ثم أذن له النبي صلى الله عليه وسلم بالرجوع إلى مكة فأقام بها حتى مات بها مقتل عثمان رضي الله عنه، وقال الزبير: جاء نعي عثمان حين سُوِّي على صفوان اهـ من الإصابة [2/ 181](وقال ابن شهاب) بالسند السابق واصلًا ما أرسله أولًا كما أشرنا إليه أولًا (حدثني سعيد بن المسيب أن صفوان قال: والله لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني) من الغنائم (وإنه) صلى الله عليه وسلم (لأبغض الناس إلى) أي أشد الناس بغضًا عندي (فما برح) أي فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يعطيني) مرة بعد مرة (حتى إنه) صلى الله عليه وسلم (لأحب الناس إلى)

ص: 125

5977 -

(60) حدثنا عَمْروٌ النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ. وَعَنْ عَمْرِو، عَنْ محمد بْنِ عَلِيٍّ،

ــ

أي لأشد الناس حبًّا عندي، قال علي القاري في شرح الشفاء: وذلك لعلمه صلى الله عليه وسلم أن دواءه من دار الكفر ذلك المنتج إسلامه إذ الطبيب الماهر يعالج بما يناسب الداء، وقد رأى أن داء المؤلفة حب المال والأنعام فداواهم بأكرم الأنعام حتى عوفوا من نقمة الكفر بنعمة الإِسلام اهـ وهذا الإعطاء وأمثاله أوضح دليل على عظيم سخائه صلى الله عليه وسلم وغزارة جوده اهـ، وفي قوله:(فما برح يعطيني) إلخ إعطاء الكفار من الغنائم لتأليف قلوبهم على الإِسلام وهو إنما يجوز إذا دعت إليه حاجة المسلمين والمراد من المؤلفة قلوبهم في آية الصدقة قوم حديثو عهد بالإِسلام يُعطون لتقويتهم على الإِسلام أو ليرغب نظراؤهم في الإِسلام ولم يثبت في شيء من الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الكفار من الزكاة لتأليف قلوبهم هذا ما عليه المحققون اهـ تكملة. قال القاضي عياض: وفي قوله: (فما برح يعطيني) الاستئلاف للدين والخير والأخذ بالتي هي أحسن وكان الإعطاء للمؤلفة قلوبهم أولًا مشروعًا وأنه أحد الأصناف في مصرف الصدقة واختلف هل هو بأن إلى الآن إذا احتيج إليه أم لا؟ اهـ الأبي.

ثم استشهد المؤلف -رحمه الله تعالى- لحديث جابر الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال:

5870 -

(2290)(45)(حدثنا عمرو) بن محمَّد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا سفيان بن عيينة عن) محمَّد (بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير مصغرًا القرشي التيمي أبي عبد الله المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (11) بابا (أنه سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني - رضي الله تعالى عنهما -. وهذا السند من رباعياته (ح وحدثنا إسحاق) بن إبراهيم الحنظلي المروزي (أخبرنا سفيان) بن عيينة (عن) محمَّد (بن المنكدر عن جابر) بن عبد الله. وهذا السند من رباعياته أيضًا، وقوله:(وعن عمرو) بن دينار الجمحي المكي معطوف على قوله عن ابن المنكدر، وتقدير الكلام حدثنا إسحاق بن إبراهيم عن سفيان عن عمرو بن دينار (عن محمَّد) الباقر (بن علي) زين العابدين بن

ص: 126

عَنْ جَابِرٍ. أَحَدُهُمَا يَزِيدُ عَلَى الآخَرِ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أبي عُمَرَ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، قَال: قَال سُفْيَانُ: سَمِعْتُ مُحَمدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله. قَال سُفْيَانُ: وَسَمِعْتُ أَيضًا عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ يحدث، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيُّ. قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله. وَزَادَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ قَدْ جَاءَنَا مَالُ الْبَحْرَينِ

ــ

الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين الهاشمي المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن جابر) بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما -. وهذا السند من خماسياته، قال سفيان بن عيينة (أحدهما) أي أحد الراويين لي يعني ابن المنكدر وعمرو بن دينار أي قال سفيان: سمعته عن ابن المنكدر وعن عمرو بن دينار حالة كون أحدهما (يزيد على الآخر) فيما روياه لي (ح وحدثنا) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (واللفظ) الآتي (له) أي لابن أبي عمر (قال) ابن أبي عمر (قال) لنا (سفيان) بن عيينة (سمعت محمَّد بن المنكدر يقول: سمعت جابر بن عبد الله) - رضي الله تعالى عنهما -. وهذا السند أيضًا من رباعياته، قال ابن أبي عمر (قال) لنا (سفيان): سمعت هذا الحديث عن ابن المنكدر (وسمعت أيضًا) أي سمعت ابن المنكدر (عمرو بن دينار يحدّث) هذا الحديث (عن محمَّد) الباقر (بن علي) بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم (قال) محمَّد الباقر: (سمعت جابر بن عبد الله) - رضي الله تعالى- عنهما. وهذا السند أيضًا من خماسياته، قال سفيان بن عيينة روى لي هذا الحديث ابن المنكدر وعمرو بن دينار (و) قد (زاد أحدهما) أي أحد الراويين لي (على الآخر) فيما روياه لي، والحاصل أن سند المؤلف من طريق عمرو الناقد من رباعياته فقط ومن طريق إسحاق وابن أبي عمر تارة يكون رباعيًّا يعني إذا كان من طريق ابن المنكدر وتارة يكون خماسيًا يعني إذا كان من طريق عمرو بن دينار فالحاصل أن للمؤلف في هذا الحديث خمسة أسانيد ثلاثة منها من رباعياته، واثنان من خماسياته فليتدبر (قال) جابر:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قد جاءنا مال البحرين) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح مجوس البحرين على الجزية سنة تسع وبعث أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه لأخذ الجزية فجاء بمال كثير فقسمه النبي صلى الله عليه وسلم بين الصحابة كما هو مصرح في حديث عمرو بن عوف عند البخاري في أول الجزية رقم [3158]

ص: 127

لَقَدْ أَعْطَيتُكَ هَكَذَا وَهَكذَا وَهَكَذَا" وَقَال بِيَدَيهِ جَمِيعًا، فَقُبِضَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَن يَجِيءَ مَالُ الْبَحْرَينِ. فَقَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ بَعْدَهُ، فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: مَنْ كَانَتْ لَهُ عَلَى النبِي صلى الله عليه وسلم عِدَةٌ، أَوْ دَينٌ فَلْيَأْتِ، فَقُمْتُ فَقُلْتُ: إِن النبي صلى الله عليه وسلم قَال: "لَوْ قَدْ جَاءَنَا مَالُ الْبَحْرَينِ أَعْطَيتُكَ هَكَذَا وَهَكذَا وَهَكَذَا" فَحَثَى أَبُو بَكْرٍ مَرَّةً، ثُمَّ قَال لِي: عُدَّهَا، فَعَدَدْتُهَا فَإِذَا هِيَ خَمْسُمِائَةٍ. فَقَال: خُذ مِثْلَيهَا

ــ

وبعد ذلك ومحمد جابرًا رضي الله عنه بإعطاءه من جزية البحرين في السنة القادمة (لقد أعطيتك) يا جابر من ذلك المال (هكذا وهكذا وهكذا، وقال) النبي صلى الله عليه وسلم عند قوله هكذا (بيديه) أي أشار بكفيه (جميعًا) أي مجموعتين مضمومتين أي أعطيتك ما يملأ الكفين المجموعتين من الدرهم الذي يجيء من البحرين (فقُبض) أي تُوفي (النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يجيء) ويأتي (مال البحرين) في السنة العاشرة (فقدم) ذلك المال (على أبي بكر) الصديق رضي الله عنه في خلافته (بعده) أي بعد ما تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأمر) أبو بكر (مناديًا) ينادي في الناس (فنادى) ذلك المنادي بقوله: (من كانت له على النبي صلى الله عليه وسلم عدة) أي ومحمد بالعطاء من عنده (أو) كان له (دين) على النبي صلى الله عليه وسلم (فليأت) أي فليجيء إلينا نوفي له ذلك الوعد ونقضي له دينه، قال جابر:(فقمت) من بين الناس (فقلت) لأبي بكر: (إن النبي صلى الله عليه وسلم قال) لي في حياته: (لو قد جاءنا مال البحرين أعطيتك) منه (هكذا وهكذا وهكذا) ثلاث مرات مشيرًا بكفيه أي نعطي لك ما يملأ الكفين ثلاث مرات (فحثى) أي حفن (أبو بكر) من الدراهم التي أتت بكفيه (مرة) واحدة ففيه إنجاز العدة، قال الشافعي والجمهور: إنجازها والوفاء بها مستحب لا واجب، وأوجبه الحسن وبعض المالكية اهـ نووي، وفي الموطأ فحفن له ثلاث حفنات، قال الزرقاني: الحفنة ما يملأ الكفين والمراد أنه حفن له حفنة وقال: عدها فوجدها خمسمائة فقال له: خذ مثليها (ثم قال لي) أبو بكر: (عدّها) أي احسب عدد هذه الحفنة، قال جابر:(فعددتها) أي حسبت عدد تلك الحفنة (فإذا هي) أي تلك الحفنة (خمسمائة) درهم أي ففاجأني كونها خمسمائة (فقال) لي أبو بكر: (خذ مثليها) أي مثلي هذه الحفنة وضعفيها معها فيكون المجموع ألفًا وخمسمائة لأن له ثلاث حثيات، وفي البخاري فحثى له ثلاثًا، وفي رواية فحثى له حثية؛ والمراد بالحثية: الحفنة على ما قال الهروي أي بمعنى وإن كان

ص: 128

5871 -

(00)(00) حدثنا محمد بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيمُونٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ محمد بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله. قَال: وَأَخْبَرَنِي محمد بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله. قَال: لَمَّا مَاتَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، جَاءَ أَبَا بَكْرٍ مَالٌ مِنْ قِبَلِ الْعَلاءِ بْنِ الْحَضرَمِيِّ. فَقَال أَبُو بَكْرٍ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دَينٌ، أَوْ كَانَتْ لَهُ قِبَلَهُ عِدَةٌ، فَلْيَأْتِنَا، بِنَحْو حَدِيثِ ابْنِ عُيَينَةَ

ــ

المعروف لغة أن الحثية ملء كف واحدة قال الإسماعيلي: لما كان وعده صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يخلف نزلوا وعده منزلة الضمان في الصحة فرقا بينه وبين غيره ممن يجوز أن يفي وأن لا يفي وأشار غير واحد إلى أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم اهـ باختصار.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 307] والبخاري في أبواب كثيرة منها في الجزية باب ما أقطع النبي صلى الله عليه وسلم من البحرين وما وعد من البحرين [3164].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال:

5871 -

(00)(00)(حدثنا محمَّد بن حاتم بن ميمون) السمين البغدادي، صدوق، من (10) روى عنه في (11) بابا (حدثنا محمَّد بن بكر) الأزدي البرسني أبو عثمان البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (5) أبواب (أخبرنا ابن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (6)(أخبرني عمرو بن دينار) الجمحي المكي (عن محمَّد بن علي) بن الحسين (عن جابر بن عبد الله) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة ابن جريج لسفيان بن عيينة (قال) ابن جريج بالسند السابق: أخبرني عمرو بن دينار (وأخبرني) أيضًا (محمَّد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنه فهو معطوف على قوله: أخبرني عمرو بن دينار. وهذا السند من خماسياته (قال) جابر: (لما مات النبي صلى الله عليه وسلم جاء مال) من البحرين (من قبل العلاء بن الحضرمي فقال أبو بكر) الصديق أي نادى في الناس (من كان له على النبي صلى الله عليه وسلم دين أو كانت له قبله) أي من جهته صلى الله عليه وسلم (عدة) أو وعد بالعطاء (فليأتنا) نقضي له دينه ونفي له وعده، وساق ابن جريج (بنحو حديث ابن عيينة) أي بقريبه لفظًا ومعنى.

ص: 129

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: (هكذا وهكذا بيديه جميعًا) قال القرطبي: هذا يدل على سخاوة نفس النبي صلى الله عليه وسلم بالمال وأنه ما كان لنفسه به تعلق فإنه كان لا يعده بعدد ولا يقدّره بمقدار لا عند أخذه ولا عند بذله وهذا منه صلى الله عليه وسلم كان وعدًا لجابر رضي الله عنه وكان المعلوم من خلقه الوفاء بالوعد ولذلك نفذه له أبو بكر رضي الله عنه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا كان خُلق أبي بكر وخُلق الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم ألا ترى أن أبا بكر كيف نفذ عدة رسول الله صلى الله عليه وسلم لجابر يقول جابر ثم إنه دفعها له على نحو ما قال من غير تقدير وأخبارهم في ذلك معروفة وأحوالهم موصوفة وكفى بذلك (ما سار مسير المثل) الذي لم يزل يجري على قول علي رضي الله عنه (يا صفراء ويا بيضاء غُزي غيري) اهـ من المفهم.

قوله: (من قبل العلاء بن الحضرمي) هو صحابي جليل وتجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قسمة الغنائم بالجعرانة إلى المنذر بن ساوى عامل البحرين يدعوه إلى الإِسلام فأسلم وصالح مجوس تلك البلاد على الجزية ثم صار عاملًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوه الحضرمي اسمه زهرمز كان عبدًا فارسيًا سرقه رجل من حضرموت ثم اشتراه رجل فقدم به إلى مكة فأعتقه وكان رجلًا صناعًا أقام بمكة ووُلد له أولاد نجباء وتزوج أبو سفيان ابنته الصعبة وبما أن مولاه وإن من حضرموت سُمي حضرميًا حتى غلب على اسمه وأسلم العلاء بن الحضرمي قديمًا، ومات في خلافة عمر - رضي الله تعالى عنهما اهـ من فتح الباري [6/ 262].

قوله: (من كانت له عدة على النبي صلى الله عليه وسلم أو دين فليأتنا) وقد وقع مثل ذلك لأبي جحيفة رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض قد شاب وكان الحسن بن علي يشبهه وأمر لنا بثلاثة عشر قلوصًا فذهبنا نقبضها فأتانا موته فلم يعطونا شيئًا فلما قام أبو بكر قال: من كانت له عدة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فليجيء فقمت إليه فأخبرته فأمر لنا بها، أخرجه الترمذي في الأدب باب ما جاء في العدة [2826]، وقال: حديث حسن.

وقال بعض العلماء: إن وعده صلى الله عليه وسلم لا يجوز إخلافه فنُزل منزلة الضمان، وقيل: إنما فعله أبو بكر على سبيل التطوع ولم يكن يلزمه قضاء ذلك، وقال

ص: 130

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ابن بطال: لما كان النبي صلى الله عليه وسلم أولى الناس بمكارم الأخلاق أدى أبو بكر مواعيده عنه ولم يسأل جابرًا البينة على ما ادعاه لأنه لم يدَّع شيئًا في ذمة النبي صلى الله عليه وسلم وإنما ادعى شيئًا من بيت المال وذلك موكول إلى اجتهاد الإِمام اهـ فتح الباري [5/ 29 و 6/ 242].

وقد وقع في رواية للبخاري في فرض الخمس (فأتيت أبا بكر فسألت فلم يعطني، ثم أتيته فلم يعطني، ثم أتيته الثالثة فقلت: سألتك فلم تعطني، ثم سألتك فلم تعطني، ثم سألتك فلم تعطني، فإما أن تعطيني واما أن تبخل عني؟ قال: قلت: تبخل على ما منعتك من مرة إلا وأنا أريد أن أعطيك) قال الحافظ: وإنما أخر أبو بكر إعطاء جابر إما لأمر أهم من ذلك أو خشية أن يحمل ذلك على الحرص على الطلب أو لئلا يكثر الطالبون لمثل ذلك ولم يرد به المنع على الإطلاق اهـ.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث تسعة: الأول: حديث سعد بن أبي وقاص ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث أنس بن مالك ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثالث: حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث أنس الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والخامس: حديث أنس ذكره للاستشهاد به وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس: حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع: حديث أنس الرابع ذكره للاستشهاد به وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن: مرسل ابن شهاب ذكره للاستشهاد، والتاسع: حديث جابر الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة.

***

ص: 131