المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌695 - (9) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرا له ووجوب امتثال ما فعله شرعا في الدين دون ما ذكره رأيا من معايش الدنيا وفضل النظر إليه وتمنيه - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٢٣

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌687 - (1) باب كونه صلى الله عليه وسلم مختارًا من خيار الناس، وتسليم الحجر عليه وتفضيله على جميع الخلق، وبعض معجزاته، وتوكله

- ‌ كتاب فضائل النبي صلى الله عليه وسلم وفواضله عليه الصلاة والسلام

- ‌688 - (2) باب بيان مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم وشفقته على أمته وذكر كونه خاتم النبيين وذكر إذا أراد الله رحمة أمة قبض نبيها قبلها

- ‌689 - (3) باب إثبات حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبيان قدره وصفته وكيزانه

- ‌690 - (4) - باب قتال الملائكة مع النبي صلى الله عليه وسلم وشجاعته، وكونه أجود الناس، وكونه أحسنهم خلقًا، وما سُئل شيئًا وقال: "لا" قط، وكثرة عطائه

- ‌691 - (5) باب رحمته صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال، وكثرة حيائه، وتبسمه، وأمر سواق مطايا النساء بالرفق بهن، وتبرك الناس به صلى الله عليه وسلم

- ‌692 - (6) باب بعداه صلى الله عليه وسلم من الإثم واختياره أيسر الأمور وانتقامه لله تعالى وطيب رائحته ولين مسه وطيب عرقه والتبرك به وعرقه حين يأتيه الوحي وبيان كيفية إتيانه

- ‌693 - (7) باب في سدله وفرقه شعره وقده وصفة شعره وفمه وعينيه وعقبيه ولونه وشيبه صلى الله عليه وسلم

- ‌694 - (8) باب إثبات خاتم النبوة وصفة النبي صلى الله عليه وسلم ومبعثه وكم سنه حين قُبض وكم أقام بمكة وبالمدينة وفي أسمائه وكونه أشد الناس علمًا بالله وخشية له تعالى ووجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم

- ‌695 - (9) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرًا له ووجوب امتثال ما فعله شرعًا في الدين دون ما ذكره رأيًا من معايش الدنيا وفضل النظر إليه وتمنيه

- ‌ كتاب فضائل بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وفضائل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين

- ‌696 - (10) باب في فضائل عيسى وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام

- ‌697 - (11) باب فضائل موسى، وفضائل يونس، وفضائل يوسف، وفضائل زكريا عليهم الصلاة والسلام

- ‌698 - (12) باب فضائل الخضر عليه السلام

- ‌ أبواب فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌699 - (13) الأول منها باب فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌700 - (14) والثاني منها باب فضل عمر رضي الله عنه

- ‌701 - (15) والثالث منها باب فضل عثمان بن عفان، رضي الله تعالى عنه وأرضاه

- ‌702 - (16) والرابع منها باب فضائل علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه

- ‌703 - (17) الباب الخامس منها باب فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌704 - (18) والباب السادس منها باب فضائل طلحة والزبير وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌705 - (19) باب فضائل الحسن والحسين وفضائل أهل البيت وفضائل زيد بن حارثة وابنه أسامة وفضائل عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌706 - (20) والباب الثامن منها باب فضائل خديجة الكبرى رضي الله تعالى عنها وأرضاها

- ‌707 - (21) والباب التاسع منها باب فضل عائشة رضي الله تعالى عنها

- ‌708 - (22) والباب العاشر منها باب فضائل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء العالمين رضي الله تعالى عنها وأرضاها

- ‌709 - (23) والحادي عشر منها باب من فضائل أم سلمة وزينب وأم أيمن وأم سليم رضي الله تعالى عنهن

- ‌زينب أم المؤمنين

- ‌أم أيمن

- ‌أم سليم

- ‌710 - (24) والباب الثاني عشر منها باب فضائل أبي طلحة الأنصاري وبلال وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌فضائل بلال

- ‌فضائل ابن مسعود

- ‌711 - (25) والثالث عشر منها باب‌‌ فضائل أُبي بن كعبوزيد بن ثابت وسعد بن معاذ وأبي دجانة وعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌ فضائل أُبي بن كعب

- ‌فضائل زيد بن ثابت

- ‌فضائل سعد رضي الله عنه

- ‌فضائل أبو دجانة

- ‌فضائل أبي جابر

الفصل: ‌695 - (9) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرا له ووجوب امتثال ما فعله شرعا في الدين دون ما ذكره رأيا من معايش الدنيا وفضل النظر إليه وتمنيه

‌695 - (9) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرًا له ووجوب امتثال ما فعله شرعًا في الدين دون ما ذكره رأيًا من معايش الدنيا وفضل النظر إليه وتمنيه

5960 -

(2235)(90) حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ. قَالا: كَانَ أَبُو هُرَيرَةَ يُحَدِّثُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا نَهَيتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ،

ــ

695 -

(9) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرًا له ووجوب امتثال ما فعله شرعًا في الدين دون ما ذكره رأيًا من معايش الدنيا وفضل النظر إليه وتمنيه

ثم استدل على الجزء الأول من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

5960 -

(2235)(90)(حدثني حرملة بن يحيى التجيبي أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (أخبرني أبو سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (وسعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني (قالا: كان أبو هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (يحدّث أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما نهيتكم) وزجرتكم (عنه) أي عن ارتكابه وفعله، قوله:(فاجتنبوه) أي فابتعدوا عنه ولا تقدموا على فعل شيء من المنهي عنه وإن قل لأنه تحصل بذلك المخالفة لأن النهي طلب الانكفاف المطلق والأمر المطلق على النقيض من ذلك لأنه يحصل الامتثال بفعل أقل ما ينطلق عليه اسم المأمور به على أي وجه فُعل وفي أي زمان فُعل ويكفيك من ذلك مثال بقرة بني إسرائيل فإنهم حين أُمروا بذبح بقرة لو بادروا وذبحوا بقرة أي بقرة كانت لحصل لهم الامتثال لكنهم أكثروا الأسئلة فكثرت أجوبتهم فقل الموصوف فعظم الامتحان عليهم فهلكوا فحذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته عن أن يقعوا في مثل ما وقعوا فيه فلذلك قال: "إنما أهلك الذين من قبلكم كثرة سؤالهم على أنبيائهم" متفق عليه ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم للذي سأله عن تكرار الحج بقوله: أفي كل عام يا رسول الله؟ فقال: "لو قلت: نعم لوجبت ولما استطعتم

ص: 236

وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ، وَاخْتِلافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ".

5961 -

(00)(00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ. حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، وَهُوَ مَنْصُورُ بْنُ سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ. أَخْبَرَنَا لَيثٌ، عَنْ

ــ

ذروني ما تركتم" رواه أحمد وأبو داود، فالواجب على هذا الأصل أن على السامع لنهي الشارع الانكفاف مطلقًا وإذا سمع الأمر أن يفعل فيه ما يصدق عليه ذلك الأمر ولا يتنطع فيُكثر من السؤال فيحصل عليه الإصرار والأغلال اهـ من المفهم. (وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم فإنما أهلك الذين) كانوا (من قبلكم) من الأمم (كثرة مسائلهم) لأنبيائهم (واختلافهم على أنبيائهم) أي اختلافهم لأنبيائهم، فعلى بمعنى اللام، قال الأبي: يحتمل أن سؤالهم كان سؤال تعنيت وامتحان لا سؤال استرشاد، قوله:(فافعلوا منه ما استطعتم .. إلخ) قيد الأمر بالاستطاعة ولم يقيد النهي به لأن متعلق النهي الكف مطلقًا وأي شيء فعل من المنهي عنه وإن قل يحصل به المخالفة ومتعلق الطلب حصول الامتثال والامتثال يحصل بأقل ما يطلق عليه اسم الشيء المطلوب اهـ من الأبي كما نقلناه عن القرطبي آنفًا.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 247]، والبخاري في الاعتصام باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم [7288]، والترمذي في العلم باب في الانتهاء عما نهى عنه صلى الله عليه وسلم [2679] والنسائي في الحج باب وجوب الحج [2619]، وابن ماجه في المقدمة باب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم برقم [2].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:

5961 -

(00)(00)(وحدثني محمد بن أحمد بن أبي خلف) محمد السلمي مولاهم أبو عبد الله البغدادي، ثقة، من كبار (10) روى عنه في (9)(حدثنا أبو سلمة وهو منصور بن سلمة) بن عبد العزيز بن صالح (الخزاعي) البغدادي، ثقة، من كبار (10) روى عنه في (3) أبواب (أخبرنا ليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم أبو الحارث المصري، ثقة ثبت فقيه إمام مشهور، من (7) روى عنه في (15) بابا (عن

ص: 237

يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ سَوَاءً.

5962 -

(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ، (يَعْنِي الْحِزَامِيَّ). ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. كِلاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. خ وحدّثناه عُبَيدُ اللهِ ابْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ

ــ

يزيد) بن عبد الله بن أسامة (بن الهاد) الليثي أبي عبد الله المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (12) بابا (عن ابن شهاب بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة، غرضه بيان متابعة يزيد بن الهاد ليونس بن يزيد، وساق ابن الهاد (مثله) أي مثل حديث يونس حالة كون حديثهما (سواء) أي متساويين لفظًا ومعنى أتى به تأكيدًا لمعنى المماثلة.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

5962 -

(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا أبو معاوية ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله (كلاهما) أي كل من أبي معاوية وعبد الله بن نمير (عن الأعمش عن أبي صالح) السمان ذكوان الزيات المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي صالح لأبي سلمة وسعيد بن المسيب (ح وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا المغيرة) بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام القرشي الأسدي (يعني الحزامي) نسبة إلى جده المذكور المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (6) أبواب (ح وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (كلاهما) أي كل من مغيرة بن عبد الرحمن وسفيان بن عيينة رويا (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذان السندان أيضًا من خماسياته، غرضه بيان متابعة الأعرج لأبي سلمة وسعيد بن المسيب (ح وحدثناه عبيد الله بن معاذ) بن معاذ العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة عن

ص: 238

مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ. ح وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ همَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ. كُلُّهُمْ قَال: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "ذَرُونِي مَا تَركْتُكُمْ"، وَفِي حَدِيثِ هَمَّامٍ "مَا تُرِكْتُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ". ثُمَّ ذَكَرُوا نَحْوَ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ

ــ

محمد بن زياد) الجمحي مولاهم أبي الحارث المدني ثم البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (سمع أبا هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند أيضًا من خماسياته، غرضه بيان متابعة محمد بن زياد لأبي سلمة وسعيد بن المسيب (ح وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل بن سيج اليماني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة همام بن منبه لأبي سلمة وسعيد بن المسيب (كلهم) أي كل هؤلاء الأربعة المذكورين من أبي صالح والأعرج ومحمد بن زياد وهمام بن منبه (قال): أي قالوا في روايتهم لفظة (عن النبي صلى الله عليه وسلم بصيغة العنعنة أي لم يقولوا كما قال أبو سلمة وسعيد (كان أبو هريرة يحدث أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أي حدثوا بصيغة العنعنة لا بصيغة السماع بلفظ (ذروني) أي اتركوني عن السؤال بأمر (ما تركتكم) عن الأمر به كالسؤال عن وجوب الحج كل عام (وفي حديث همام) بن منبه وروايته ذروني عن السؤال والبحث عن الشيء (ما تركتم) بصيغة المبني للمجهول أي مدة تركي إياكم عن الأمر به، وما هنا وفيما قبله مصدرية ظرفية لأنكم إذا سألتموني عن أمر لم أذكره قبل ربما أجبتم بوجوبه فلا تستطيعونه (فإنما هلك من كان قبلكم) الحديث (ثم ذكروا) جميعًا أي ذكر هؤلاء الأربعة المذكورون (نحو حديث الزهري) والصواب أن يقال:(نحو حديث سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة) رضي الله عنه. لأنهما اللذان رويا عن أبي هريرة بلا واسطة كالأربعة المذكورين إلا أن يعود الضمير في كلهم إلى الأعمش وأبي الزناد وشعبة ومعمر فتكون المتابعة حينئذٍ ناقصة فيكون في الكلام غموض فالأوضح إسقاط لفظ الزهري لتكون المتابعة تامة كما قررناه أولًا. ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنهما فقال:

ص: 239

5963 -

(2336)(91) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا، مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيءٍ لَمْ يُحَرَّمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَحُرِّمَ عَلَيهِمْ، مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ"

ــ

5963 -

(2336)(91)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن ابن شهاب عن عامر بن سعد) بن أبي وقاص الزهري، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) سعد بن أبي وقاص:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أعظم المسلمين في المسلمين جرمًا) بضم الجيم وسكون الراء الذنب، قال القرطبي: الجرم والجريمة الذنب وهذا صريح في أن السؤال الذي يكون على هذا الوجه ويحصل للمسلمين عنه الحرج والمشقة والكلفة هو من أعظم الذنوب والله أعلم اهـ، قال في المبارق: الجار والمجرور حال عن جرمًا والمعنى إن أعظم من أجرم جرمًا كائنًا في حق المسلمين وأشده عقوبة بسبب المسلمين (من سأل عن شيء لم يُحرم) قبل (على المسلمين فحرّم عليهم) ذلك الشيء (من أجل مسألته) أي بسبب سؤاله عنه لأنه أدخل عليهم المشقة بسؤاله عنه وحملهم حمولة الذنب والإصر، ويصح كون جرمًا تمييزًا محولًا عما هو في الأصل مبتدأ وهو اسم إن والمعنى حينئذٍ إن أعظم جرم من أجرم في حقوق المسلمين جرم من سأل عن شيء لم يحرم عليهم فحرم عليهم فيعاقب على سؤاله لأنه حملهم مشقة التحريم والمراد بالجرم هنا الذنب والإثم كما عليه الجمهور لا كما قاله القاضي عياض من أن المراد بالجرم الحدث على المسلمين لا أنه من الجرائم والآثام المعاقب عليها إذ كان السؤال أولًا مباحًا ولولا ذلك لم يقل سلوني، قال في المبارق: اعلم أن السؤال نوعان: أحدهما: ما كان على وجه التبيين فيما يحتاج إليه من أمر الدين وذلك جائز كسؤال عمر وغيره من الصحابة في أمر الخمر حتى حرمت بعدما كانت حلالًا لأن الحاجة دعت إليه، وثانيهما: ما كان على وجه التعنت وهو السؤال عما لم يقع ولا دعت إليه حاجة فسكوت النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذا عن جوابه ردع لسائله إلخ اهـ.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 179]، والبخاري في الاعتصام

ص: 240

5964 -

(00)(00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. عَنِ الزُّهْرِيِّ. ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَال: - (أحْفَظُهُ كَمَا أَحْفَظُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الزُّهْرِيُّ: عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَعْظَمُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا، مَنْ سَأَلَ عَنْ أَمْرٍ لَمْ يُحَرَّمْ، فَحُرِّمَ عَلَى النَّاسِ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ".

5965 -

(00)(00) وحَدَّثنِيهِ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ

ــ

بالكتاب والسنة باب ما يكره من كثرة السؤال [6289]، وأبو داود في السنة باب لزوم السنة [4610].

ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال:

5964 -

(00)(00)(وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري ح وحدثنا محمد بن عباد) بن الزبرقان المكي نزيل بغداد، صدوق، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا سفيان) بن عيينة، قال محمد بن عباد (قال) لنا سفيان:(أحفظه) أي أحفظ هذا الحديث حفظًا متقنًا (كما أحفظ بسم الله الرحمن الرحيم) أي حفظًا كائنًا كحفظي البسملة، والجملة معترضة لتأكيد الكلام أي قال سفيان: حدثني (الزهري) فهو فاعل لفعل محذوف معلوم من السياق كما قدرناه لأنه ربما يحذف الراوي صيغة التحديث والإخبار مع ذكر شيخه (عن عامر بن سعد عن أبيه) وهذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان لإبراهيم بن سعد (قال) سعد:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعظم المسلمين في المسلمين جرمًا) أي أعظم المسلمين جرمًا في عدم رعاية حقوق المسلمين (من سأل عن أمر لم يحرم) عليهم أولًا (فحرم على الناس من أجل مسألته) قال أبو الفرج الجوزي: هذا محمول على من سأل عن الشيء عنتًا وعبثًا فعوقب لسوء قصده بتحريم ما سأل عنه والتحريم يعمّ.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا فقال:

5965 -

(00)(00)(وحدثنيه حرملة بن يحيى) التجيبي (أخبرنا) عبد الله (بن وهب أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (ح وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق

ص: 241

أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَزَادَ فِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ:"رَجُلٌ سَأَلَ عَنْ شَيءٍ وَنَقَّرَ عَنْهُ". وَقَال فِي حَدِيثِ يُونُسَ: عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ سَعْدًا.

5966 -

(2337)(92) حدَّثنا مَحْمُودُ بْنُ غَيلانَ وَمُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ السُّلَمِيُّ وَيَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ اللُّؤْلُؤِيُّ. وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ، (قَال مَحْمُودٌ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيلٍ. وَقَال الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا النَّضْرُ)،

ــ

أخبرنا معمر) بن راشد (كلاهما) أي كل من يونس ومعمر رويا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن عامر بن سعد عن أبيه. وهذان السندان من سداسياته، غرضه بيان متابعة يونس ومعمر لسفيان بن عيينة (و) لكن (زاد) عبد الرزاق (في حديث معمر) وروايته لفظة (رجل سأل عن شيء ونقّر) بفتح النون وتشديد القاف من باب فعل المضعف أي استقصى في السؤال والبحث (عنه) أي قال بدل رواية سفيان أعظم المسلمين جرمًا من سأل عن أمر لم يحرم .. إلخ أي قال بدل ذلك أعظم المسلمين جرمًا رجل سأل عن شيء ونقر عنه فالزيادة في هذه الرواية لفظة ونقّر عنه أي بالغ في السؤال عنه، قال الدهني: قوله: (ونقر عنه) أي بحث وفتش، وفي رواية (فنقب) معناهما متقارب يقال رجل ناقب أي عالم باحث عن الأشياء، قال في النهاية: نقر عنه أي بحث واستقصى اهـ وأصل النقر والتنقير حفر الخشب والمراد هنا البحث والفحص عنه (وقال) ابن وهب (في حديث يونس) وروايته لفظة عن (عامر بن سعد أنه سمع سعدًا) هذا بيان لمحل مخالفتهما لسفيان بن عيينة.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما فقال:

5966 -

(2337)(92)(حدثنا محمود بن غيلان) العدوي مولاهم أبو أحمد المروزي، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (ومحمد بن قدامة) بن إسماعيل (السلمي) أبو عبد الله البخاري، نزيل مرو، روى عنه في (3) أبواب، مقبول، من (11)(ويحيى بن محمد) بن معاوية (اللؤلؤي) أبو زكريا المروزي، نزيل بخارى، مقبول، من (11) روى عنه في (2) (وألفاظهم متقاربة قال محمود: حدثنا النضر بن شميل وقال الآخران: أخبرنا النضر) بن شميل المازني أبو الحسن البصري، ثم الكوفي، ثقة، من

ص: 242

أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ. حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَال: بَلَغَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَصْحَابِهِ شَيءٌ

ــ

(9)

روى عنه في (9) أبواب (أخبرنا شعبة) بن الحجاج البصري، إمام الأئمة ثقة، من (7)(حدثنا موسى بن أنس) بن مالك الأنصاري البصري، قاضيها، ثقة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (عن) أبيه (أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أنس:(بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنصب على المفعولية (عن أصحابه شيء) بالرفع على الفاعلية، قال الأبي: كان الشيخ ابن عرفة يقول: يحتمل أنهم أرادوا زيادة أدلة على صدقه صلى الله عليه وسلم بإخباره عن المغيبات التي سألوه عنها فوقع في نفسه من ذلك شيء من الغضب، وقال: أليس فيما رأيتم كفاية وهذا هو الذي حمل عمر رضي الله عنه على قوله: رضينا بالله ربًا .. إلخ وقال آخرون: يمكن أن يكون سببه ما بلغه صلى الله عليه وسلم من الغضب من أجل خوضهم في أسئلة لا تعنيهم ويؤيده ما سيأتي من رواية قتادة عن أنس: أن الناس سألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة وألحوا عليه، فخرج ذات يوم فصعد المنبر. ويؤيده أيضًا حديث أبي موسى فيما سيأتي: وفيه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء كرهها. قال القرطبي: وقوله في هذه الرواية: (إنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيء) أي عن بعض أصحابه وذلك أنه بلغه والله أعلم أن بعض من دخل في أصحابه ولم يتحقق إيمانه هم أن يمتحن النبي صلى الله عليه وسلم بالأسئلة ويكثر عليه منها ليعجزه وهذا كان دأب المنافقين وغيرهم من المعادين له ولدين الإسلام فإنهم كانوا: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)} [التوبة: 32] ولذلك لما فهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قال لهم في هذا المجلس: "سلوني سلوني، فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أنبأتكم به" فكل من سأله في ذلك المقام عن شيء أخبره به أحبه أو كرهه، ولذلك أنزل الله تعالى في ذلك قوله سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} الآية، فأدبهم الله تعالى بترك السؤال عما ليس بمهم وخصوصًا من أحوال الجاهلية التي قد عفا الله عنها وغفرها ولما سمعت الصحابة رضي الله عنهم هذا كله انتهت عن سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في أمر لا يجدون منه بدًا، ولذلك قال أنس فيما تقدم:(نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل العاقل من أهل البادية ونحن نسمع)

ص: 243

فَخَطَبَ فَقَال: "عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنارُ، فَلَمْ أَرَ كَاليَوْمِ فِي الْخَيرِ وَالشر، وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلا وَلَبَكَيتم كَثِيرًا" قَال: فَمَا أَتَى عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمٌ أَشَد مِنْهُ. قَال: غَطَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَلَهُمْ خَنِينٌ. قَال: فَقَامَ عُمَرُ فَقَال: رَضِينَا بِاللهِ رَبا. وَبِالإِسْلامِ دِينا. وَبِمُحَمدٍ نَبِيا

ــ

رواه مسلم [12] اهـ من المفهم (فخطب) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وعظ الناس، زاد الجارودي في روايته عند البخاري في التفسير (خطبة ما سمعت مثلها قط) (فقال) في خطبته:(عُرضت عليّ الجنة والنار) وفي رواية هلال بن علي عن أنس عند البخاري في الأذان: صلى لنا النبي صلى الله عليه وسلم ثم رقى المنبر فأشار بيديه قبل قبلة المسجد ثم قال: "لقد رأيت الآن منذ صليت لكم الصلاة الجنة والنار ممثلتين في قبلة هذا الجدار"(فلم أر كاليوم في الخير والشر) قال النووي: معناه لم أر خيرًا أكثر مما رأيته اليوم في الجنة ولا شرًا أكثر مما رأيته اليوم في النار اهـ (ولو تعلمون ما أعلم) من الشر والعذاب (لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا) قال الأبي: فإن قيل قد علم صلى الله عليه وسلم ذلك فلم يبك كثيرًا، قيل: البكاء إنما هو للخوف وهو صلى الله عليه وسلم آمن (قلت): ويضاف إلى ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان أضبط الناس لنفسه وإلا فكانت شفقته على أمته كانت أكثر من خوف الرجل على نفسه اهـ (قال) أنس: (فما أتى) ومر (على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أشد) حزنًا وخوفًا وبكاء فيه (منه) أي من ذلك اليوم لما عرفوا فيه من شدة عذاب النار أو لما شعروا من النبي صلى الله عليه وسلم الكراهية لكثرة السؤال وسخطه على ذلك أو لما ذكر من الفتن العظيمة التي ستقع قبل قيام الساعة أو لمجموع هذه الأمور (قال) أنس وإنما قلت ذلك لأنهم (غطوا) أي ستروا (رؤوسهم ولهم) أي والحال أن لهم (خنين) بالخاء المعجمة صوت البكاء وهو نوع من البكاء قالوا: أصل الخنين بالخاء المعجمة خروج الصوت من الأنف كالحنين بالحاء المهملة من الفم كذا في الشارح، وقال أبو زيد: الخنين مثل الحنين وهو شديد البكاء مع ترديد الصوت والنفس في الحلق بلا رفع الصوت (قال) أنس: (فقام عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (فقال): وفي رواية زيادة (فبرك عمر على ركبتيه) فقال: (رضينا بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًّا) فسكت، قال ابن بطال: فهم عمر منه أن تلك الأسئلة قد كانت على سبيل التعنت أو الشك فخشي أن تنزل العقوبة بذلك فقال: رضينا

ص: 244

قَال: فَقَامَ ذَاكَ الرجُلُ فَقَال: مَنْ أَبِي؟ قَال: "أَبُوكَ فُلان". فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101].

5967 -

(00)(00) وحدثنا مُحَمدُ بْنُ مَعْمَرِ بْنِ رِبْعِيٍّ الْقَيسِي. حَدَّثَنَا

ــ

بالله ربًا إلخ فرضي النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فسكت (قال فقال: فقام ذاك الرجل) الذي سأل عما لا يعنيه سيأتي أنه عبد الله بن حذافة رضي الله عنه (فقال من أبي) يا رسول الله فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: لذلك الرجل (أبوك فلان) أي حذافة (فنزلت) آية ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]) قال البيضاوي: الجملة الشرطية وما عُطف عليها صفتان لأشياء والمعنى لا تسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء إن تظهر لكم تغمكم وإن تسألوا عنها في زمان الوحي تظهر لكم وهما كمقدمتين تنتجان ما يمنع السؤال وهو أنه مما يغمكم والعاقل لا يفعل ما يغمه اهـ.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 162]، والبخاري في أبواب كثيرة جدًّا منها في العلم [93]، والترمذي في التفسير سورة المائدة [3056]، وابن ماجه في الزهد باب الحزن والبكاء [6244].

وقد وردت في سبب نزول هذه الآية روايات أخرى أيضًا فقد أخرج الترمذي عن علي رضي الله عنه أنها نزلت عندما سئل النبي صلى الله عليه وسلم في الحج (يا رسول الله في كل عام؟ ) وكذلك أخرج البخاري في التفسير عن ابن عباس قال: كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاءً فيقول الرجل: من أبي؟ ويقول الرجل: ضلت ناقتي فأين ناقتي؟ فأنزل فيهم هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} وقد تقرر في موضعه أنه لا تزاحم في الأسباب فيحتمل أن يكون كل من هذه الواقعات سببًا لنزولها، ويمكن أن يكون السبب إحداها وقد أطلق على غيرها أن الآية نزلت فيه من حيث إنه ينطبق عليه مضمون الآية.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

5967 -

(00)(00)(وحدثنا محمد بن معمر بن ربعي القيسي) بالقاف أبو عبد الله البحراني بموحدة البصري، صدوق، من (11) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا

ص: 245

رَوحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا شُعبَةُ، أَخبَرَنِي مُوسَى بْنُ أنسٍ قَال: سَمِعتُ أنس بنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله، مَن أَبِي؟ قَال:"أبوكَ فُلانٌ" وَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]. تمَامَ الآيَةِ.

5968 -

(00)(00) وحدثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحيَى بنِ عَبدِ الله بْنِ حَرمَلَةَ بْنِ عِمْرَانَ التُّجِيبِي. أَخْبَرَنَا ابنُ وَهب. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَاب. أَخْبَرَنِي أنسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشمْسُ. فَصَلَّى لَهُمْ صَلاةَ الظُّهْرِ، فَلَما سَلمَ قَام عَلَى الْمِنبَرِ، فَذَكَرَ السَّاعَةَ، وَذَكَرَ أَن قَبْلَهَا أمُورًا عِظَامًا. ثُم قَال: "مَنْ أَحَب أَن

ــ

روح بن عبادة) بن العلاء بن حسان القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابا (حدثنا شعبة أخبرني موسى بن أنس) بن مالك (قال) موسى:(سمعت) والدي (أنس بن مالك) رضي الله عنه (يقول): وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة روح بن عبادة للنضر بن شميل (قال رجل) وهو عبد الله بن حذافة:(يا رسول الله من أبي؟ قال: "أبوك فلان") أي حذافة، وأكثروا السؤال على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره ذلك (ونزلت) آية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} ) اقرأ (تمام الآية) المذكورة في سورة المائدة برقم [101].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أن رضي الله عنه فقال:

5968 -

(00)(00) وحدثني حرملة بن يحيى بن عبد الله بن حرملة بن عمران التجيبي) المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب أخبرني أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن شهاب لموسى بن أنس (أن رسول إله صلى الله عليه وسلم خرج) يومًا من منزله إلى المسجد (حين زاغت الشمس) أي زالت عن وسط السماء (فصلى) إمامًا (لهم صلاة الظهر فلما سلم) من صلاته (قام على المنبر) خطيبا (فدكر) في خطبته (الساعة) أي أهوال يوم القيامة (وذكر) صلى الله عليه وسلم (أن قبلها) أي أن قبل الساعة (أمورًا عظامًا) أي أشراطًا كباراً كالدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس حين ألحوا عليه السؤال وأغضبوه (من أحب أن

ص: 246

يَسْألَنِي عَنْ شَيءٍ فَليَسْألنِي عَنهُ، فَواللهِ لَا تَسْألُونَنِي عَنْ شَيءٍ إِلَّا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ، مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا".

قَال أنسُ بْنُ مَالِكٍ: فَأكْثَرَ الناسُ الْبُكَاءَ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَأَكْثَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُولَ:"سَلُوني" فَقَامَ عَبدُ الله بْنُ حُذَافَةَ فَقَال: مَنْ أَبِي يا رَسُولَ الله؟ قَال: "أبوكَ حُذَافَةُ" فَلَما أَكْثَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ أَنْ يَقُولَ: "سَلُوني" بَرَكَ عُمَرُ فَقَال: رَضِينَا بِاللهِ رَبا، وَبِالإِسْلامِ دِينا. وَبِمُحَمدٍ رَسُولًا. قَال: فَسَكَتَ

ــ

يسألني) اليوم عن شيء (فليسألني عنه) أي عن ذلك الشيء الذي أراده (فوالله) الذي لا إله غيره (لا تسألوني) اليوم (عن شيء) أردتموه (ألا أخبرتكم به) أي بذلك الشيء الذي سألتموه (ما دمت) قائمًا (في مقامي هذا) يعني منبره (قال أنس بن مالك) بالسند السابق: (فكثر الناس البكاء حين سمعوا ذلك) الكلام يعني قوله سلوني، قوله:(لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به) قال العلماء: هذا القول منه صلى الله عليه وسلم محمول على أنه أُوحي إليه والا فلا يعلم كل ما سُئل عنه من المغيبات إلا بإعلام الله تعالى، وقال القاضي عياض: وظاهر الحديث أن قوله صلى الله عليه وسلم: "سلوني" إنما كان غضبًا كما قال في الرواية الأخرى (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء كرهها فلما أكثروا عليه غضب ثم قال للناس: "سلوني" قوله: (فأكثر الناس البكاء) يحتمل أن يكون سبب البكاء غضبه صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون ما أخبر به من الفتن ومن شدة عذاب النار أي حين سمعوا ذلك القول (من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: سلوني فقام عبد الله بن حذافة) بن قيس بن عدي القرشي السهمي أبو حذافة رضي الله عنه من قدماء المهاجرين هاجر الهجرتين (فقال: من أبي يا رسول الله؟ ) سيأتي أنه سأل عن ذلك لأن ناسًا كانوا يطعنون في نسبه وكأنه لم يشعر أن ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم من سلوني إنما قاله تقريعًا وغضبًا واغتنم هذه الفرصة لدفع الطعن عن نسبه فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبوك حذافة، فلما أكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يقول: سلوني برك عمر) رضي الله عنه أي جلس على ركبتيه استسلامًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتسكينًا لغضبه (فقال) عمر: (رضينا بالله ربًا وبالاسلام دينًا وبمحمد رسولًا قال) أنس: (فسكت

ص: 247

رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حِينَ قَال عُمَرُ ذَلِكَ. ثُم قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَوْلَى، وَالذِي نَفسُ مُحَمَدِ بِيَدِهِ، لَقَدْ عُرِضَت عَلَى الْجنَّةُ وَالنارُ آنِفًا، فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الخيرِ وَالشر".

قَال ابْنُ شِهَاب: أَخبَرَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ عُتْبَةَ قَال: قَالتْ أُمُ عَبْدِ الله بْنِ حُذَافَةَ لِعَبْدِ الله بْنِ حُذَافَةَ: مَا سَمِعْتُ بابْنٍ قَط أَعَق مِنْكَ؟

ــ

رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال عمر ذلك) الكلام، وإنما قال ذلك أدبًا وإكرامًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشفقة على المسلمين لئلا يؤذوا النبي صلى الله عليه وسلم فيهلكوا، ومعنى كلامه رضينا بما عندنا من كتاب الله وسنة رسوله واكتفينا به عن السؤال اهـ سنوسي، وهذا يدل على أن قوله: سلوني كان غضبا (ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أولى) أي قرب منكم ما تكرهونه من الهلاك فاحذروه، قال النووي: لفظة أولى كلمة تهديد ووعيد، وقيل: كلمة تلهف فعلى هذا يستعملها من نجا من أمر عظيم، والصحيح المشهور أنها للتهديد ومعناها قرب منكم ما تكرهونه ومنه قوله تعالى:{أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34)} أي قاربك ما تكره فاحذره مأخوذ من الولي وهو القرب فهي اسم فعل ماض بمعنى قرب الهلاك بك وإن أردت البسط في هذا المقام فراجع تفسيرنا حدائق الروح في سورة القيامة إعرابًا ومعنى واشتقاق (والذي نفس محمد بيده) المقدسة القد عُرضت) وأظهرت وقرّبت (علي الجنة والنار آنفًا) قريبًا أي في زمن قريب والمشهور فيه المد ويقال بالقصر وقرئ بهما في السبع الأكثرون بالمد اهـ نووي (في عُرض هذا الحائط) بضم العين أي في جانب هذا الجدار يعني جدار المسجد القبلي، وقيل في وسطه والظاهر أن المراد جهة الجدار وإلا فالجدار لا يسع الجنة والنار ويقاربه ما سيأتي من قوله صررت لي الجنة والنار (فلم أر كاليوم) أي فلم أر رؤية مثل رؤية اليوم (في الخير والشر) قد سبق ما فيه (قال ابن شهاب) بالسند السابق (أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود الهذلي أبو عبد الله المدني، الأعمى الفقيه، أحد الفقهاء السبعة في المدينة، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (قال) عبيد الله:(قالت أم عبد الله بن حذافة لعبد الله بن حذافة): ولم أر أحدًا من الشراح ولا غيرهم ذكر اسم عبد الله بن حذافة (ما سمعت بابن قط) أي فيما مضى من الزمان (أعق منك) أي أشد

ص: 248

أَأَمِنْتَ أَنْ تَكُونَ أُمكَ قَدْ قَارَفَتْ بَعْضَ مَا تُقَارِفُ نِساءُ أَهْلِ الْجَاهِلِيةِ، فَتَفْضَحَهَا عَلَى أَعْيُنِ الناسِ؟ قَال عَبْدُ الله بْنُ حُذَافَةَ: وَاللهِ لَوْ أَلْحَقَنِي بِعَبْدِ أَسْوَدَ، لَلَحِقْتُهُ.

5969 -

(00)(00) حدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرزاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَر. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ عَبْدِ الرحْمنِ الدارِمي. أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعَيب

ــ

عقوقا للوالدين منك (أأمنت) أي هل تأمن (أن تكون أمك قد قارفت) أي قد ارتكبت وفعلت (بعض ما تقارف) وتفعل (نساء أهل الجاهلية) من الفاحشة والزنا، هم من قبل النبوة سموا بذلك لكثرة جهالتهم وتسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيك (فتفضحها) أي فتفضح أمك (على أعين الناس) وأشرافهم إذا أخبر الرسول بأبيك حقيقة والمعنى لو كنت من زنى فنفاك عن أبيك حذافة فضحتني (قال عبد الله بن حذافة: والله لو ألحقني) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بعبد أسود للحقته) أي للحقت ذلك العبد وقبلت إلحاق الرسول إياي به استسلاما لحكم الرسول في الإلحاق قد يقال: هذا الإلحاق لا يتصور لأن الزنا لا يثبت به النسب ويجاب عنه بأنه يحتمل وجهين أحدهما: أن ابن حذافة ما كان بلغه هذا الحكم إذ ذاك فكان يظن أن ولد الزنا يلحق الزاني، والثاني: أنه يتصور الإلحاق بعد وطئها بشبهة فيثبت النسب منه اهـ نووي، وقد يقال إن ابن حذافة إنما أراد بيان استسلامه الكامل لقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر إلحاقه بعبد أسود على سبيل الفرض والتقدير وحينئذٍ لا يلزم منه عدم معرفته بمسائل الفراش ومقصوده أي إنما فعلت ذلك بنية الخضوع الكامل لما يقضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو ظهر شيء مكروه لقبلته لأنه صلى الله عليه وسلم ما كان ليقضي إلا بوحي من الله تعالى ولإثبات الحق وإن السعي لإثبات الحق ليس فيه عقوق وإن كان فيه بعض الفضيحة والله أعلم اهـ من التكملة.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

5969 -

(00)(00)(حدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد البصري (ح وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل (الدارمي) السمرقندي (أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة الأموي مولاهم اسم أبيه دينار أبو بشر الحمصي، ثقة، من

ص: 249

كِلاهُمَا عَنِ الزهْرِي، عَن أنسِ، عَنِ النبِي صلى الله عليه وسلم، بِهذَا الْحَدِيثِ، وَحَدِيثِ عُبَيدِ الله، مَعَهُ. غَيرَ أن شُعَيبا قَال: عَنِ الزهْرِي. قَال: أَخبَرَنِي عُبَيدُ الله بْنُ عَبْدِ الله معه. قَال: حدّثني رَجُل مِنْ أهْلِ الْعِلْمِ؛ أَن أُمَّ عَبْدِ الله بنِ حُذَافَةَ قَالتْ: بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ.

5970 -

(00)(00) حدَّثنا يُوسُفُ بْنُ حَمادٍ الْمُغنِي. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعلَي، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ،

ــ

(7)

روى عنه في (5) أبواب (كلاهما) أي كل من معمر وشعيب رويا (عن الزهري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث) السابق عن يونس (و) ب (حديث عبيد الله) بن عبد الله عن أم عبد الله بن حذافة قالت لعبد الله بن حذافة: ما سمعت بابن قط .. إلخ ومعنى قوله: (معه) أي حالة كون حديث عبيد الله مع حديث يونس السابق، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة معمر وشعيب ليونس (غير أن شعيبًا قال) في روايته لفظة (عن الزهري قال) الزهري:(أخبرني عبيد الله بن عبد الله قال) عبيد الله: (حدثني رجل من أهل العلم أن أم عبد الله بن حدافة قالت) لولدها عبد الله بن حذافة، ولم يجعل شعيب الحديث من مسند أنس، بل جعله من مسند صحابي آخر ولكنه مجهول، والجهالة في الصحابي لا يضر لأنهم عدول، ويحتمل كونه غير صحابي وعلى كل حال لم أر أحدًا من الشراح عين اسم هذا المبهم، وساقا (بمثل حديث يونس) عن الزهري أي ساق معمر وشعيب بمثل حديث يونس، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعتهما ليونس.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

5970 -

(00)(00)(حدثنا يوسف بن حماد المعنيّ) بضم الميم وسكون العين المهملة ثم نون وتشديد الياء، قال السمعاني: منسوب إلى معن بن زائدة أحد أجداده اهـ سنوسي، أبو يعقوب البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالمهملة أبو محمد البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (11) بابا (عن سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (8) أبواب (عن قتادة) بن دعامة بن السدوسي البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (25)

ص: 250

عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَن الناسَ سَأَلُوا نَبِيَّ الله صلى الله عليه وسلم حَتى أَخفَوهُ بِالْمَسْألَةِ، فَخَرَجَ ذَاتَ يَوْم فَصَعِدَ الْمِنبَرَ. فَقَال:"سَلُوني، لَا تَسْألُوني عَنْ شَيءٍ إِلا بَينْتُهُ لَكُمْ" فَلَما سَمِعَ ذَلِكَ الْقَوْمُ أَرَموا وَرَهِبُوا أَنْ يَكُونَ بَينَ يَدَي أَمْرٍ قَدْ حَضَرَ.

قَال أنس: فَجَعَلْتُ أَلْتَفِتُ يَمِينا وَشِمَالا. فَإِذَا كُل رَجُلٍ لافّ رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ يَبْكِي. فَأَنْشَأ رَجُل مِنَ الْمَسْجِدِ، كَانَ يُلاحَى فَيُدْعَى لِغَيرِ أَبِيهِ

ــ

بابا (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة قتادة لمن روى عن أنس (أن الناس سألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة) أي حتى أكثروها عليه وبالغوا فيها، يقال: أحفى في السؤال وألحف وألح بمعنى واحد أي بالغ فيه وأكثر منه (فخرج) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذات يوم) أي، يوما من الأيام من منزله إلى المسجد (فصعد المنبر فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس:(سلوني) اليوم عما شئتم فوالله (لا تسأوني عن شيء إلا بينته) وأجبته (لكم) في مقامي هذا (فلما سمع ذلك) مفعول مقدم (القوم) فاعل أي فلما سمع القوم الحاضرون ذلك الكلام منه صلى الله عليه وسلم يعني قوله: سلوني (أرموا) أي أرم القوم وسكتوا عن الكلام والسؤال، وهو بفتح الهمزة والراء والميم المشددة وأصله من المرمة وهي الشفة أي ضموا شفاههم بعضها على بعض فلم يتكلموا ومنه رمت الشاة الحشيش ضمته بشفتيها اهـ نووي (ورهبوا) أي خافوا (أن يكون) سؤالهم (بين يدي أمر) أي بين قدام عذاب (قد حضر) وقرب نزوله بهم بسبب غضبه صلى الله عليه وسلم بإكثارهم في السؤال يعني أنهم خافوا أن يكون سؤالهم سببا لنزول أمر مكروه والله أعلم (قال أنس) بالسند السابق:(فجعلت) أي شرعت ألتفت يمينا وشمالا لأنظر سبب مرمتهم وسكوتهم عن السؤال (فإذا) الفاء عاطفة هاذا فجائية (كل رجل) من الحاضرين وهو مبتدأ خبره (لاف) أي غاط (رأصه في ثوبه) حالة كونه (يبكي) خوفا من نزول العذاب بهم بسبب غضبه صلى الله عليه وسلم والتقدير فجعلت ألتفت وأنظر يمينا وشمالا ففجأني لف كل رجل رأسه في ثوبه، حالة كونه يبكي خوفا من العذاب (فأنشأ) الكلام وابتدأ به (رجل من) أهل (المسجد كان) ذلك الرجل (يلاحى) أي يعاب ويطعن في نسبه (فيدعى) أي ينسب (لغير أبيه) الحقيقي الذي أولده، من الملاحاة وهي المخاصمة والمسابة

ص: 251

فَقَال: يَا نَبِي الله، مَنْ أَبِي؟ قَال:"أبوكَ حُذَافَةُ". ثُم أنْشَأ عُمَرُ بْنُ الْخَطابِ رضي الله عنه فَقَال: رَضِينَا بِاللهِ رَبا. وبِالإِسْلامِ دِينا. وَبِمُحَمدٍ رَسُولا. عَائذا بِاللهِ مِنْ سُوءِ الْفِتَنِ

ــ

والمطاعنة في النسب (فقال) ذلك الرجل: (يا نبي الله من أبي؟ ) الذي أولدني (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبوك حذافة) الذي تدعى به وتنسب إليه لأنه صاحب الفراش والولد يُنسب لصاحب الفراش.

قال القرطبي: قوله: (ثم أنشأ رجل من المسجد) أي أخذ في الكلام وشرع فيه، قوله:(كان يلاحى) بالبناء للمجهول أي يعبر ويذم بأن ينسب إلى غير أبيه وينفى عن أبيه، وسبب هذا ما أنكحة الجاهلية عليه فإنها كانت على ضروب كما سبق في النكاح، وكان منها أن المرأة يطؤها جماعة فإذا حملت فولدت دُعي لها كل ما أصابها فتلحق الولد بمن شاءت فيلحق به فربما يكون الولد من خسيس القدر فتلحقه بكبير القدر فإذا نفي عمن له مقدار وألحق بمن لا مقدار له ألحقه من ذلك نقص وعار وكانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تحقيق ذلك لينسب لأبيه الحقيقي الذي وُلد من نطفته وتزول عنه تلك المعرة، فسأل هذان الرجلان النبي صلى الله عليه وسلم عن تحقيق ذلك فقال لأحدهما:"أبوك حذافة" وقال للآخر: "أبوك سالم مولى شيبة" فتحقق نسبهما وزالت معرتها اهـ من المفهم.

(ثم أنشأ) أي أخذ وشرع في الكلام (عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: رضينا بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولًا عائذًا) أي نعوذ عياذا (بالله) فهو مصدر على صيغة اسم الفاعل منصوب بفعله المحذوت وجوبا كما قدرناه (من سوء الفتن) أي من الفتن السيئة والعقوبة الشديدة، والإضافة فيه من إضافة الصفة إلى المَوصوف فهو صفة كاشفة له لأن الفتن لا تكون إلا سيئة، وفي رواية (عائذ بالله) بالرفع على أنه خبر لمحذوت أي أنا عائذ أي مستجير مستعيذ بالله من سوء الفتن، والفتن جمع فتنة وقد تقدم أن أصلها الاختبار وأنها تطلق على معان متعددة، ويعني بها هنا المحن والمشقات والعذاب ولذلك قال:"من سوء الفتن" أي من سيئها ومكروهها، ولما قال ذلك عمر وضم إلى ذلك قوله: (إنا نتوب إلى الله عز وجل كما جاء في الرواية الأخرى سكن غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أخذ يحدثهم بما أطلعه الله عليه من أمور

ص: 252

فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ قَط فِي الخيرِ وَالشرِّ. إِني صُوِّرَتْ لِيَ الْجَنةُ وَالنارُ، فَرَأَيتُهُمَا دُونَ هَذَا الْحَائطِ"

ــ

الآخرة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم أر كاليوم قط في الخير والشر) وجملة إن في قوله: (إني صررت لي الجنة والنار) تعليل للنفي المذكور قبلها أي وإنما قلت: لم أو قط كاليوم لأني صورت ومثلت وكشفت لي الجنة والنار (فرأيتهما دون هذا الحائط) أي أقرب من هذا الجدار يعني جدار المسجد القبلي؛ أي حالة كونهما أقرب إيئ من هذا الحائط، وهذا الكلام محمول على الحقيقة لا على التوسع والمجاز فإنه لا خير مثل خير الجنة ولا شر مثل شر النار، وقط هي من الظروف الزمانية مستغرقة لما مضى من الزمان ملازمة للنفي غالبا، ورويناها هنا مفتوحة القاف مضمومة الطاء مشددة وهي إحدى لغاتها، وتقال بالتخفيف، وتقال بضم القاف على إتباع حركتها لحركة الطاء وذلك مع التشديد والتخفيف فأما قط بمعنى حسب فبتخفيف الطاء وسكونها، وقد تزاد عليها نون بعدها فيقال: قطني وقد تحذف النون فيقال: قطي وقد تحذف الياء فيقال: قط بكسر الطاء، وقد يبدل من الطاء دال مهملة فيقال: قد وتكون على تلك الأوجه كلها بمعنى حسب كله من الصحاح، وقوله:(إني صورت لي الجنة والنار) .. إلخ، وفي البخاري:"لقد عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط" وفي البخاري في هذا الحديث: "لقد رأيت الآن منذ صليت بكم الصلاة الجنة والنار ممتثلين في قبلة هذا الجدار" ظاهر هذه الروايات وإن اختلفت ألفاظها أنه صلى الله عليه وسلم رأى مثال الجنة والنار في الجدار الذي استقبله مصورتين فيه وهذا لا إحالة فيه كما تتمثل المرئيات في الأجسام الصقلية بقي أن يقال: فالحائط ليس بصقيل ويجاب بأن اشتراط الصقالة في ذلك ليس بشرط عقلي بل عادي وذلك محل خرق العادة ووقتها فيجوز أن يمثلها الله فيما ليس بصقيل على مقتضى ظاهر هذا الحديث، وأما على مقتضى ظاهر أحاديث الكسوف فيكون رآهما حقيقة ومد يده لياخذ قطفا ورأى النار وتأخر مخافة أن يصيبه لفحها ورأى فيها فلانا وفلانة وبمجموع الحديثين تحصل أن الله تعالى أطلع نبيه صلى الله عليه وسلم على الجنة والنار مرتين: إحداهما: في صلاة الكسوت إطلاع رؤية كما سبق في بابه، وثانيهما: هذه الإطلاعة وكانت في صلاة الظهر كما قد جاء في بعض طرق حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم خرج إليهم بعدما زاغت الشمس فصلى بهم الظهر ثم قام فخطب وذكر نحو ما تقدم، وقد نص عليه البخاري كما نقلناه عنه آنفا اهـ من المفهم.

ص: 253

5971 -

(00)(00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الحارِثِي. حَدَّثَنَا خَالِد، (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). ح وحَدثَنَا مُحَمدُ بْنُ بَشارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ أَبِي عَدِي. كِلاهُمَا عَنْ هِشَامٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ النضْرِ التيمِي. حَدَّثَنَا مُعْتَمِر. قَال: سَمِعْتُ أَبِي. قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، بِهَذِهِ الْقِصةِ.

5972 -

(2338)(93) حدَّثنا عَبْدُ الله بْنُ بَراد

ــ

وقول عمر رضي الله عنه: (رضينا بالله ربًا .. ) إلخ كلام يقتضي إفراد الحق بما يجب له تعالى من الربوبية ولرسوله من الرسالة اليقينية والتسليم لأمرهما وحكمهما بالكلية والاعتراف لدين الإسلام بأنه أفضل الأديان، وإنما صدر عمر رضي الله عنه كلامه بنون الجمع لأنه متكلم عن نفسه وعن كل من حضر هنالك من المسلمين.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا فقال:

5971 -

(00)(00)(حدثنا يحيى بن حببب) بن عربي (الحارثي) أبو زكرياء البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (ح وحدثنا محمد بن بشار) العبدي البصري (حدثنا محمد) بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (كلاهما) أي كل من خالد وابن أبي عدي رويا (عن هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي (ح وحدثنا عاصم بن النضر) بن المنتشر الأحول (التيمي) البصري، صدوق، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا معتمر) بن سليمان البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (قال: سمعت أبي) سليمان بن طرخان (قالا): أي قال هشام وسليمان (جميعا حدثنا قتادة عن أنس) بن مالك، وساقا (بهذه القصة) أي وساق هشام وسليمان بهذه القصة التي رواها ابن أبي عروبة عن قتادة، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة هشام وسليمان لسعيد بن أبي عروبة في الرواية عن قتادة.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أبي هريرة بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما فقال:

5972 -

(2338)(93)(حدثنا عبد الله بن براد) بن يوسف بن أبي بردة بن أبي

ص: 254

الأشعَرِي وَمُحَمدُ بْنُ الْعَلاءِ الْهَمدَانِي قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ، عَنْ بُرَيدٍ، عَن أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أبِي مُوسَي قَال: سُئِلَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَشْيَاءَ كَرِهَهَا. فَلَمَّا أُكْثِرَ عَلَيهِ غَضِبَ. ثُم قَال لِلناسِ: "سَلُوني عَم شِئْتُم لا فَقَال رَجُل: مَنْ أبِي؟ قَال: "أَبُوك حُذَافَةُ" فَقَامَ آخَرُ فَقَال: مَنْ أَبِي يَا رَسُولَ الله؟ قَال: "أَبوكَ سَالِم مَوْلَى شَيبَةَ" فَلَما رَأَي عُمَرُ مَا فِي وَجْهِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنَ الْغَضَبِ قَال: يَا رَسُولَ الله، إِنا نَتُوبُ إِلَي الله.

وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيب:

ــ

موسى (الأشعري) الكوفي، صدوق، من (10) روى عنه في (4) أبواب (ومحمد بن العلاء) بن كريب أبو كريب (الهمداني، قالا: حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي، ثقة، من (9)(عن بريد) بن عبد الله بن عامر بن أبي موسى أبي بردة الصغير، ثقة، من (6) روى عنه في (4) أبواب (عن) جده (أبي بردة) الكبير عامر بن عبد الله بن قيس أبي موسى الأشعري، ثقة، من (2) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي موسى) الأشعري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو موسى:(سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء) كثيرة كرهها) أي كره السؤال عنها لكونها مما لا يعنيهم من أمور الجاهلية ولإكثارهم المسألة عليه (فلما أكُثر) بالبناء للمجهول أي فلما أكثروا (عليه) صلى الله عليه وسلم السؤال فيما لا يعني (غضب) أي ظهر أثر غضبه في وجهه (ثم قال للناس: سلوني عم شئتم) بحذف ألف ما الاستفهامية فرقًا بينهما وبين ما الموصولة نظير قوله تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1)} أي سلوني عن أبي أمر شئتم السؤال عنه سواء كان لكم فيه حاجة أم لا (فقال رجل) من الحاضرين هو عبد الله بن حذافة (من أبي) يا رسول الله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبوك حذافة، فقام) رجل (آخر فقال) أيضًا: (من أبي يا رسول الله؟ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبوك سالم مولى شيبة) قال الحافظ في الفتح [1/ 187]، هو سعد بن سالم مولى شيبة بن رببعة وهو صحابي بلا مرية لقوله: فقال: من أبي يا رسول الله؟ (فلما رأى عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (ما في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من) أثر (النضب) من نغير لون الوجه (قال) عمر: (يا رسول الله إنا نتوب إلى الله) تعالى من إساءة الأدب عندك (وفي رواية أبي كريب)

ص: 255

قَال: مَنْ أبِي يَا رَسُولَ الله؟ قَال: "أَبُوكَ سَالِمٌ، مَوْلَى شَيبَةَ".

5973 -

(2339)(94) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سعِيدٍ الثقَفِي وَأَبُو كَامِلٍ الجحْدَرِي، وَتَقَارَبَا فِي اللفْظِ. وَهَذَا حَدِيثُ قُتَيبَةَ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أبِيهِ. قَال: مَرَرْتُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بِقَوْمٍ عَلَى رُؤُوسِ النخْلِ. فَقَال: "مَما يَصْنَعُ هَؤُلاءِ؟ " فَقَالُوا: يُلَقحُونهُ. يَجعَلُونَ الذكَرَ فِي الأنثَى فَيلْقَحُ

ــ

محمد بن العلاء (قال) الرجل الآخر: (من أبي يا رسول الله؟ ) بإسقاط لفظة فقام آخر (قال) رسول الله: (أبوك سالم مولى شيبة) بن ربيعة.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في كتاب العلم باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره [92] وفي كتاب الاعتصام [7291].

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه فقال:

5973 -

(2339)(94)(حدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي) البغلاني (وأبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (وتقاربا في اللفظ وهذا) الآتي (حديث قتيبة) أي لفظ حديثه (قالا: حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7) روى عنه في (19) بابا (عن سماك) بن حرب بن أوس الذهلي الكوفي، صدوق، من (4) روى عنه في (14) بابا (عن موسى بن طلحة) بن عبيد الله القرشي التيمي أبي عيسى المدني، نزل الكوفة، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبيه) طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن تيم بن مرة التيمي أبي محمد المدني، أحد العشرة، وستة الشورى، وأحمد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام رضي الله عنه روى عنه في (3) أبواب، وهذا السند من خماسياته (قال) طلحة:(مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم) كائنين (على رؤوس النخل) وأعاليها لتلقيحه وتأبيره (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما يصنع هولاء) الذين على رؤوس النخل (فقالوا): أي فقال الحاضرون عنده صلى الله عليه وسلم: هم (يلقحونه) أي يلقحون النخل ويأبرونه، وفسره بقوله أي (يجعلون) طلع (الذكر في) طلع (الأنثى فيلقح) أي فينعقد ويعلق طلعه بإذن الله

ص: 256

فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا أَظُن يُغْنِي ذَلِكَ شَيئًا قَال: فَأُخبِرُوا بِذَلِكَ فَتَرَكُوُه، فَأُخْبِرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ فَقَال: "إِنْ كَانَ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ فَلْيَصْنَعُوهُ، فَإِني إِنمَا ظَنَنتُ ظَنا، فَلَا تُؤَاخِذُوني بِالظن،

ــ

تعالى ويثمر، يقال: لقح الفحل الناقة والريح السحاب ورياح لواقح ولا يقال: ملاقح وهو من النوادر، وقد قيل فيه الأصل ملقحة ولكنها لا تلقح إلا وهي في نفسها لاقح، ويقال: لقحت الناقة بالكسر لقحًا ولقاحًا بالفتح فهي لاقح، واللقاح أيضًا بالفتح ما تلقح به النخل (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أظن يغني) وينفع (ذلك) التلقيح (شيئًا) من الإثمار فإن المثمر هو الله تعالى إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك على سبيل الظن لأنه لم يمارس الفلاحة والزراعة ولم يكن عنده علم باستمرار هذه العادة لأنه لم يكن ممن عانى الزراعة والفلاحة ولا باشر شيئًا من ذلك فخفيت عليه تلك الحالة وتمسك بالقاعدة الكلية المعلومة التي هي أنه ليس في الوجود ولا في الإمكان فاعل ولا خالق ولا مؤثر إلا الله تعالى فإذا نُسب شيء إلى غيره تعالى نسبة التأثير فتلك النسبة مجازية عرضية لا حقيقية فصدق قوله صلى الله عليه وسلم: "ما أظن ذلك يعني شيئًا الآن الذي يعني في الأشياء عن الأشياء بالحقيقة هو الله تعالى غير أن الله تعالى قد أجرى عادته بأن ستر تأثير قدرته في بعض الأشياء باسباب معتادة فجعلها مقارنة لها ومغطاة بها ليؤمن من سبقت له السعادة بالغيب وليضل من سبقت له الشقاوة بالجهل والريب {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 42](قال) طلحة بن عبيد الله (فأخبروا) بصيغة المبني للمجهول المسند إلى ضمير الجمع أي فأخبر أولئك الملقحون للنخل (بذلك) أي بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: (ما يُغني ذلك شيئًا)(فتركوه) أي فترك الملقحون التلقيح تمسكا بقول النبي صلى الله عليه وسلم (فأخبر) بالبناء للمجهول أي فأخبر (رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك) أي بتركهم التلقيح بسبب قوله: (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن عنده قولوا لهم: لا تتركوا التلقيح بسبب قولي (إن كان ينفعهم ذلك) التلقيح شيئًا في الإثمار (فليصنعوه) أي فليفعلوا ذلك التلقيح (فإني انما ظننت) ذلك أي عدم نفع التلقيح في الإثمار (ظنًّا) وقلت ذلك بالرأي والظن لا بالوحي من الله تعالى (فلا تؤاخذوني) أي لا تلوموني (بالظن) والرأي، قال النووي: قال العلماء ورأيه صلى الله عليه وسلم في أمور المعايش وظنه كغيره فلا يمتنع وقوع مثل هذا ولا

ص: 257

وَلَكِنْ إِذَا حَدثْتُكُمْ عَنِ اللهِ شَيئًا، فخُذُوا بِهِ، فَإِني لَنْ أكذِبَ عَلَى اللهِ عز وجل".

5974 -

(2340)(95) حدَّثنا عَبْدُ الله بْنُ الرومي اليَمَامي وَعَباسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ العَنْبَرِي

ــ

نقص في ذلك وسببه تعلق همه بالآخرة ومعارفها اهـ، قال القرطبي:(قوله إنما ظننت ظنًّا فلا تؤاخذوني بالظن) وقوله: في الأخرى (إنما أنا بشر) هذا كله منه صلى الله عليه وسلم اعتذار لمن ضعف عقله مخافة أن يزله الشيطان فيكذب النبي صلى الله عليه وسلم فيكفر وإلا فما وقع منه شيء يحتاج فيه إلى عذر غاية ما جرى مصلحة دنيوية خاصة بقوم مخصوصين لم يعرفها من لم يباشرها ولا كان من أهلها المباشرين لعلمها وأوضح ما في هذه الألفاظ المعتذر بها في هذه القصة (أنتم أعلم بأمر دنياكم) وكأنه قال: (وأنا أعلم بامر دينكم)(ولكن إذا حدثنكم عن الله شيئًا) من الوحي (فخذوا به) أي بالذي حدثتكم عن الله تعالى وهذا أمر جزم بوجوب الأخذ عنه في كل أحواله من الغضب والرضا والمرض والصحة، وإنما أمرتكم بالأخذ به (فإني) أي لأني (لن كدب) بكسر الذال من باب ضرب أي لن أقول (على الله عز وجل بالكذب ولن أنسب إليه ما لم يقله ولم يأمرني به أي لا يقع منه فيما يبلغه عن الله تعالى كذب ولا غلط لا سهوًا ولا عمدًا، وقد قلنا: إن صدقه في ذلك هو مدلول المعجزة وأما الكذب العمد المحض فلم يقع منه قط في خبر من الأخبار ولا جُرِّب عليه شيء من ذلك منذ أنثاه الله تعالى وإلى أن توفاه الله تعالى وقد كان في صغره معروفًا بالصدق والأمانة ومجانبة أهل الكذب والخيانة حتى إنه كان يسمى بالصادق الأمين يشهد له بذلك كل من عرفه وإن كان من أعدائه وممن خالفه.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه في الأحكام باب تلقيح النخل [2495].

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث طلحة بن عبيد الله بحديث رافع بن خديج رضي الله عنه فقال:

5974 -

(2340)(95)(حدثنا عبد الله) بن محمد المعروف بـ (ابن الرومي) أبو محمد (اليمامي) نزيل بغداد، صدوق، من (10) روى عنه في (3) أبواب (وعباس بن عبد العظيم) بن إسماعيل بن توبة (العنبري) أبو الفضل البصري، ثقة، من (11) روى

ص: 258

وَأَحْمَدُ بْنُ جَعْفَر الْمَعْقِرِي. قَالُوا: حَدَّثَنَا النضْرُ بْنُ مُحَمدٍ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، (وَهُوَ ابْنُ عَمارٍ)، حَدَّثَنَا أَبُو النجَاشِي. حدّثني رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ قَال: قَدِمَ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، وَهُمْ يَأبِرُونَ النخْلَ. يَقُولُونَ: يُلَقحُونَ النخْلَ. فَقَال: "مَا تَصْنَعُونَ؟ " قَالُوا: كُنا نَصْنَعُهُ. قَال: "لَعَلكُمْ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا كانَ خَيرًا" فَتَرَكُوهُ، فَنَفَضَتْ أوْ فَنَقَصَتْ

ــ

عنه في (4) أبواب (وأحمد بن جعفر المعقري) بفتح الميم وكسر القاف بينهما عين ساكنة، نسبة إلى معقر ناحية باليمن اليمنى ثم المكي، مقبول، من (11) روى عنه في (3) أبواب (قالوا: حدثنا النضر بن محمد) بن موسى الأموي مولاهم أبو محمد اليمامي، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا عكرمة وهو ابن عمار) العجلي اليمامي، صدوق، من (5) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا أبو النجاشي) عطاء بن صهيب الأنصاري، مولى رافع بن خديج، ثقة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (حدثني رافع بن خديج) بن رافع بن عدي الأنصاري الأوسي الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه في (5) أبواب. وهذا السند من خماسياته (قال) رافع بن خديج:(قدم نبي الله صلى الله عليه وسلم المدينة) مهاجرًا إليها (وهم) أي والحال أن الأنصار (يأبرون النخل) أي يلقحون طلع النخل، يقال: أبر يأبر ويأبر من بأبي ضرب ونصر نظير قولهم بذر يبذر ويبذر، ويقال: أبر بالتشديد يؤبر تأبيرًا، والتأبير شق طلع الإناث وذر طلع الذكور فيها، ويجيء الثمر منه أجود وإلا يكون شيصًا، وقوله:(يقولون): لعله تحريف من النساخ والصواب (يقول) كما في نسخة القرطبي وهو من كلام أبي النجاشي أي قال أبو النجاشي (يقول) رافع بن خديج: أي يريد رافع بقوله: يأبرون النخل بمعنى (يلقحون النخل) والتلقيح والتأبير واحد (فقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم على رؤوس النخل (ما تصنعون) أي ما تفعلون على رؤوس النخل (قالوا) له صلى الله عليه وسلم: (كنا) عادة (نصنعه) أي نصنع هذا التأبير (قال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعلكم لو لم تفعلوا) التأبيرلـ (كان) ترك التأبير (خيرًا) لكم من فعله لما فيه من تفويض الثمار إلى الله تعالى (فتركوه) أي فتركوا التأبير تمسكًا بما قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم (فنفضت) بالفاء أي أسقطت النخيل ثمرها بالكلية (أو) قال الراوي: (فنقصت) بالقاف أي انتقص ثمرها عن عادة إثمارها، قال القرطبي: ظاهره أنه شك من

ص: 259

قَال: فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقَال: "إِنمَا أنا بَشَرٌ، إذَا أَمَرتُكُم بِشَيءٍ مِنْ دِينِكُمْ فَخُذُوا بِهِ، وإذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيءٍ مِنْ رَأييِ. فَإنمَا أنا بَشَرٌ".

قَال عِكْرِمَةُ: أَوْ نَحْوَ هَذَا

ــ

بعض الرواة في أي اللفظين، قال رافع أو من دونه: ويحتمل أن تكون أو بمعنى الواو أي نفضت ثمرها ونقصت في حملها وقد دل على هذا قوله في الرواية الأخرى (فخرج شيصًا) وهو البلح الذي لا ينعقد نواه ولا يكون فيه حلاة إذا أبر ويسقط أكثره فيصير حشفًا اهـ من المفهم (قال) رافع بن خديج: (فذكروا) أي ذكر أصحاب النخل (ذلك) أي نفضها الثمار أو نقصها (له) صلى الله عليه وسلم (فقال) صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا بشر) أي واحد منهم في البشرية ومساو لهم فيما ليس من الأمور الدينية، وهذه إشارة إلى قوله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} [الكهف: 110] فقد ساوى البشر في البشرية وامتاز منهم بالخصوصية الإلهية التي هي تبليغ الأمور الدينية اهـ منه (إذا أمرتكم بشيء من دينكم) أي بأمر من أمور دينكم (فخذوا به) أي بذلك الأمر بامتثال الأوامر واجتناب النواهي وجوبًا في الواجبات وندبًا في المندوبات (وإذا أمرتكم بشيء من رأي) بالتنوين، وفي بعض النسخ من رأي بالإضافة إلى ياء المتكلم، أي بأمر من أمور الدنيا ومعايشها الذي عليه سوق هذه القصة (من رأي) أي أمرًا صادرًا من رأي وظن لا بوحي من الله تعالى فلا يجب عليكم أخذه فإذا أخذتم رأيي وبان خلاف رأيي فلا تلوموني (فإنما أنا بشر) مثلكم يصدر مني الخطأ والنسيان فيما ليس بطريق الوحي من الشرع وليس تأبير النخل من الأمور الشرعية، قوله:(فنفضت أو فنقصت) هو بفتح الحروف كلها وتاء التأنيث ساكنة والأول بالفاء والضاد المعجمة والثاني بالقاف والصاد المهملة، وقوله:(وإذا أمرتكم بشيء من رأي) قال القاضي عياض: يعني برأيه في أمر الدنيا لا برأيه في أمر الشرع على القول بأن له أن يتحكم باجتهاد فإن رأيه في ذلك يجب العمل به لأنه من الشرع (قال عكرمة): قال لي أبوالنجاشي: (بشيء من رأي)(أو) قال لي أبو النجاشي: (نحو هذا) أي قريب لفظ الرأي في المعنى كقوله: (وإذا أمرتكم بشيء بظن) قال القاضي عياض: ولفظ الرأي إنما أتى به عكرمة على المعنى لا أنه لفظه صلى الله عليه وسلم لقوله آخر الحديث أو نحو هذا فلم يأت بلفظه صلى الله عليه وسلم محققًا فلا يحتج به من لا يرى أنه يحكم باجتهاده وقوله ذلك للأنصار ليس على وجه الخبر الذي يدخله

ص: 260

قَال الْمَعْقِرِيُّ: فَنَفَضَتْ، وَلَم يَشُك.

5975 -

(2341)(96) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمرو الناقِدُ، كِلاهُمَا عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ عَامِر. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِر. حَدَّثَنَا حَمادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُروَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. وَعن ثَابِتٍ، عَنْ أنسٍ؛ أن النبِي صلى الله عليه وسلم مَر بِقَوْم يُلَقحُونَ

ــ

الصدق والكذب فإنه صلى الله عليه وسلم منزه عن الخلف في الخبر، وإنما أخبر عن ظنه لقوله فيما سبق ما أظن ذلك يغني شيئًا، ولا شك أنه خبر صادق لمطابقته الواقع وهو أن له ظنًا متعلقًا بما ذكر اهـ سنوسي، قال القاضي: والأنبياء عليهم السلام في أمور الدنيا كغيرهم في اعتقادهم بعض الأمور على خلاف ما هي عليه ولا وصم عليهم في ذلك إذ هممهم متعلقة بالآخرة والملأ الأعلى وأمور الشريعة، وأمور الدنيا تضاد ذلك بخلاف غيرهم من أهل الدنيا الذين يعلمون ظاهرًا منها وهم عن الآخرة هم غافلون اهـ سنوسي (قال المعقري: فنفضت) بالفاء والضاد المعجمة ومعناه أسقطت ثمرها، ويقال لذلك المتساقط النفض بالفاء والتحريك بمعنى المنفوض كالخبط بمعنى المخبوط، ويقال: أنفض القوم إذا فني زادهم (ولم يشك) المعقري في لفظ فنفضت بل جزمه ولم يذكر معه غيره.

وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن غيره من أصحاب الأمهات الخمس.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث طلحة بن عبيد الله بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

5975 -

(2341)(96)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي كلاهما) رويا (عن الأسود بن عامر قال أبو بكر) بن أبي شيبة: (حدثنا أسود بن عامر) الشامي أبو عبد الرحمن البغدادي، ويُلقب بشاذان، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، وقوله:(وعن ثابت) معطوف على هشام أي حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت بن أسلم (عن أنس) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته كلاهما أي كل من عائشة وأنس رويا (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون) أي

ص: 261

فَقَال: "لَوْ لَم تَفعَلُوا لَصَلُحَ" قَال: فَخَرَجَ شِيصًا. فَمَر بِهِم فَقَال: "مَا لِنَخلِكُم؟ " قَالُوا: قُمْتَ كَذَا وَكَذَا. قَال: "أَنْتُم أَعْلَمُ بِأمْرِ دُنْياكُمْ".

5976 -

(2342)(97) حدَّثنا مُحَمدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبدُ الرزاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنْ هَمامِ بْنِ مُنَبهٍ قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أحَادِيثَ

ــ

يأبرون النخل (فقال) لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (لو لم تفعلوا) التأبير وتركتموه (لصلح) الثمر لأن المثمر والمؤثر فيه هو الله تعالى لا غيره لأنه خالق كل شيء (قال) الراوي: إما عائشة أو أنس بن مالك فتركوا التأبير تمسكًا بقوله صلى الله عليه وسلم: (فخرج) الثمر من النخل أي طلع حالة كونه (شيصًا) بكسر الشين المعجمة أي بسرًا رديئًا، قال المازري: الشيص البسر الذي لا نوى له، وقال القاضي: الشيص هو رديء البسر، وإذا يبس كان حشفًا اهـ أبي (فمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بهم) أي على القوم الملقحين (فقال) لهم:(ما لنخلكم) أي أي شيء ثبت وحصل لنخلكم أي هل أثمر ثمرًا جيدًا أم رديئًا (قالوا): أي قال أولئك القوم لرسول الله صلى الله عليه وسلم (قلت) لنا: يا رسول الله كذا وكذا) أي لو لم تفعلوا لصلح فتركنا التأبير فأثمر ثمرًا رديئًا شيصًا فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنتم أعلم) مني (بأمر دنياكم) ومعايشكم فامشوا على عادتكم فيما يستقبل من أمور دنياكم وكأنه قال: وأنا أعلم بأمر دينكم فاقتدوا بي في أمور الدين، والمعنى وأنتم أعلم بالأمور التي وكلها الشرع إلى التجربة ولم يأت فيها بأمر أو نهي جازم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 152]، وابن ماجه في الأحكام [2471].

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أبي

هريرة رضي الله عنه فقال:

5976 -

(2342)(97)(حدثنا محمد بن رافع) القشيري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني (قال) همام: (هذا) الحديث الذي أمليه عليكم (ما حدثنا) به (أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته (فذكر) همام (أحاديث) كثيرة

ص: 262

مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "وَالذِي نَفسُ مُحَمد بِيَدِهِ، لَيَأتِيَن عَلَى أَحَدِكُمْ يَومٌ وَلَا يَرَانِي. ثُم لأَن يَرَاني أَحَب إلَيهِ مِن أَهلِهِ وَمَالِهِ مَعهُم".

قَال أبُو إِسحَاقَ: الْمَغنَي فِيهِ عِندِي، لأَن يَرَانِي مَعَهُم أحَب إِلَيهِ مِنْ أَهلِهِ وَمَالِهِ. وَهُوَ عِندِي مُقَدمٌ وَمُؤَخر

ــ

(منها) أي من تلك الأحاديث، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا وكذا (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده) المقدسة (ليأتين على أحدكم) أيتها الصحابة (يوم و) الحال أنه (لا) يمكن له أن (يراني) فيه بسبب موتي، وهنا تم الكلام ثم استؤنف بقوله:(ثم) بعد يأسه عن رؤيتي بسبب موتي (لأن يراني) لحظة أي لرؤيته إياي لحظة (أحب إليه) أي إلى أحدكم (من) جميع (أهله وماله) حالة كون المال (معهم) أي مع الأهل في الفقدان، والمعنى أن رؤيته إياي أفضل عنده وأحظى من أهله وماله جميعًا، ولفظ البخاري هنا (وليأتين على أحدكم زمان لأن يراني أحب إليه من أن يكون له مثل أهله وماله) قال الحافظ في الفتح [6/ 607] إن كل أحد من الصحابة بعد موته صلى الله عليه وسلم كان يود لو كان رآه وفقد مثل أهله وماله، وإنما قلت ذلك لأن كل أحد ممن بعدهم إلى زماننا هذا يتمنى مثل ذلك فكيف بهم مع عظيم منزلته عندهم ومحبتهم، وقال النووي: ومقصود الحديث حثهم على ملازمة مجلسه الشريف ومشاهدته حضرًا وسفرًا للتأدب بآدابه وتعلم الشرائع وحفظها ليبلغوها وإعلامهم أنهم سيندمون على ما فرطوا فيه من الزيادة من مشاهدته وملازمته، ومنه قول عمر رضي الله عنه: ألهاني الصفق بالأسواق.

(قال أبو إسحاق) وهو الشيخ إبراهيم بن محمد بن سفيان النيسابوري الفقيه تلميذ الإمام مسلم ورواة صحيحه وأستاذ أبي أحمد محمد بن عيسى الجلودي النيسابوري (المعنى فيه) أي في هذا الحديث (عندي لأن يراني معهم أحب إليه من أهله وماله وهو عندي مقدم ومؤخر) يعني أن قوله صلى الله عليه وسلم لأن يراني مقدم في المعنى على قوله: (ولا يراني) يعني أن الرواية المذكورة في ألفاظها تقديم وتأخير، وتقدير العبارة عند أبي إسحاق ما ذكره النووي بأن التقديم والتأخير هما فيما بين (لأن يراني) وبين (ثم لا يراني) وأما (معهم) فهي في موضعها والمعنى المقصود (ليأتين على أحدكم يوم لأن يراني فيه لحظة فقط ثم لا يراني بعدها أحب إليه من أهله وماله جميعًا) ولكن في ما ذكره النووي

ص: 263

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بُعد بالنظر إلى لفظ الرواية وبالنظر إلى لفظ أبي إسحاق جميعًا. والذي يظهر من مراد أبي إسحاق أن كلمة (معهم) ليست في موضعها، وأما قوله:(ولا يراني) وقوله: (لأن يراني) فهما في موضعهما والمعنى (ليأتين على أحدكم يوم لا يراني فيه بسبب وفاتي) ثم تكون رؤيتي عنده معهم أحب إليه من أهله وماله والله أعلم قاله صاحب التكلمة.

قال القرطبي: الرواية دون تقديم ولا تأخير صحيحة المعنى والمقصود بالحديث إخبارهم بأنه صلى الله عليه وسلم إذا فُقد تغير الحال على أصحابه فيقع من الاختلاف والفتن والمحن ما يود أحدهم أن لو يراه بكل ما معه من أهل ومال، وعلى الجملة فساعة موته صلى الله عليه وسلم اختلفت الآراء ونجمت الأهواء وكاد النظام أن ينحل لولا أن الله تداركه بأبي بكر رضي الله عنه وبأهل الحل والعقد حتى قال بعض الصحابة: ما سوينا التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا فكلما حصل واحد منهم في كربة من تلك الكرب ود أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل ما معه من أهل ومال ونُشب وذلك لتذكره ما فات من بركات مشاهدته ولما حصل بعده من فساد الأمر وتغير حالته والله سبحانه أعلم اهـ من المفهم.

[قلت]: والحديث صحيح المعنى بلا تقديم ولا تأخير كما ذكره القرطبي وكما قررناه في حلنا.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 313]، والبخاري في المناقب باب علامات النبوة برقم [3589] من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة في ضمن حديث آخر.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ثمانية: الأول: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتبن، والثاني: حديث سعد بن أبي وقاص ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والثالث: حديث أنس ذكره للاستشهاد وذكر فيه خمس متابعات، والرابع: حديث أبي موسى الأشعري ذكره للاستشهاد، والخامس: حديث طلحة بن عبيد الله ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والسادس: حديث رافع بن خديج ذكره للاستشهاد، والسابع: حديث عائشة وأنس ذكره للاستشهاد، والثامن: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والله سبحانه أعلم.

***

ص: 264