الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
692 - (6) باب بعداه صلى الله عليه وسلم من الإثم واختياره أيسر الأمور وانتقامه لله تعالى وطيب رائحته ولين مسه وطيب عرقه والتبرك به وعرقه حين يأتيه الوحي وبيان كيفية إتيانه
5999 -
(77) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهَا قَالتْ: مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَينَ أَمْرَينِ إِلَّا أَخَذَ أَيسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا. فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ
ــ
692 -
(6) باب بعداه صلى الله عليه وسلم من الإثم واختياره أيسر الأمور وانتقامه لله تعالى وطيب رائحته ولين مسه وطيب عرقه والتبرك به وعرقه حين يأتيه الوحي وبيان كيفية إتيانه
5892 -
(2303)(58)(حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس) الإمام في الفروع الأصبحي المدني، ثقة ثبت، إمام حجة، من (7) روى عنه في (17) بابا (فيما قرئ عليه) فهو بمنزلة أخبرنا (ح وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال) يحيى بن يحيى:(قرأت على مالك) بن أنس فهو بمعنى أخبرني مالك حالة كونه راويًا لي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (23) بابا (عن عروة بن الزبير) الأسدي المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (20) بابا (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها (زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته (أنها قالت: ما خيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين) الظاهر التخيير في أمور الدنيا يعني أنه كلما خَيّره أحد من الناس بين أمرين أو وقع له التردد بين أمرين (إلا أخذ) واختار (أيسرهما) وأسهلهما عليه، قال القرطبي: نعني أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا خيره أحد في شيئين يجوز له فعل كل واحد منهما أو عُرضت عليه مصلحتان مال إلى الأيسر منهما وترك الأثقل أخذًا بالسهولة لنفسه وتعليمًا لأمته (ما لم يكن) ذلك الأيسر (إثمًا فإن كان) الأيسر (إثمًا كان) صلى الله عليه وسلم (أبعد الناس منه) أي من ذلك الأيسر الذي كان إثمًا أي ترك ذلك الأيسر الذي كان إثمًا وأخذ الآخر وإن كان هو الأثقل، قوله:(إلا أخذ أيسرهما) فيه الأخذ بالأيسر وترك التكلف، ثم التخيير يحتمل
وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِهِ، إِلَّا أنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللهِ عز وجل
ــ
أنه من الله تعالى في عقوبتين أو فيما بينه وبين الكفار في القتل أو أخذ الجزية أو فيما يخيّره فيه المنافقون من الموادعة والمحاربة أو في حق أمته من الشدة في العبادة أو القصد فيختار في كل هذا الأخذ بالأيسر اهـ (ع)، قال الأبي:(قلت): التخيير بين أمرين هو أعم من كونهما فيما يرجع إليه أو يرجع إلى غيره فإن كان الأول فهو يرجع إلى حُسن خُلقه صلى الله عليه وسلم وإن كان الثاني فهو من باب الرفق كما لو أمره الله تعالى بتخيير رجل في التكفير بالعتق أو بالصوم فإنه يختار له الصوم وقد يرجع الأول إلى الرفق أيضًا كما لو خيّره إنسان بين أن يقبل منه هدية كثيرة أو شيئًا أقل فإنه يختار الأقل اهـ منه.
وإنما اختار أيسرهما لأن ذلك أوفق بالعبدية والتواضع لله تعالى لأن من يرجح الأصعب والأشق باختياره فكأنه يدّعي لنفسه الشجاعة والجلادة وذلك مخالف لمقتضى العبدية والتواضع وأيضًا ففي اختيار الأصعب إيقاع للنفس في أمور ربما لا يطيقها الإنسان وهذا مخالف لحقوق النفس والله أعلم اهـ. قوله: (ما لم يكن) ذلك الأيسر (إثمًا) قال القاضي عياض: إن كان التخيير من الله تعالى فالاستثناء منقطع لأن الله تعالى لا يُخيّر في إثم وكذلك من الأمة وإن كان من المنافق فالاستثناء على وجهه اهـ (وما انتقم) وعاقب (رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا (لنفسه) أي من أجل نفسه ومن أجل تسكين عواطف الانتقام فقط فلا يرد عليه ما أمر به من قتل عقبة بن أبي معيط وعبد الله بن خطل فإنه إنما كان عقوبة لانتهاكهم وارتكابهم حرمات الله تعالى أي ما حرمه الله تعالى من الشرك وإيذاء النبي صلى الله عليه وسلم كما قالت: (إلا أن تُنتهك) وتُرتكب (حرمة الله) أي ما حرمه الله عز وجل وكذلك اقتصاصه ممن لدّه في مرض وفاته إنما كان تأديبًا لهم وصيانة لأنفسهم من عقوبة الله المحتملة بسبب تأذي النبي صلى الله عليه وسلم. قال القرطبي: وقولها: (ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك) .. إلخ تعني أنه كان يصبر على جهل من جهل عليه ويتحمل جفاءه ويصفح عمن آذاه في خاصة نفسه كصفحه عمن قال: يا محمد اعدل، فإن هذه قسمة ما أُريد بها وجه الله تعالى وما عدلت منذ اليوم، وكصفحه عن الذي جبذ رداءه عليه حتى شقه وأثّر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في عنقه فإن قيل: فأذاه انتهاك حرمة من حرم الله تعالى فكيف يترك الانتقام لله تعالى فيها، وقد قال تعالى:{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة / 61] فالجواب أنه صلى الله عليه وسلم ترك الانتقام ممن آذاه استئلافًا وتركًا لما يُنفّر عن الدخول في دينه كما قال صلى الله عليه وسلم: "لئلا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه" كما سبق تخريجه، وقد قال مالك: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعفو عمن شتمه مشيرًا إلى ما ذكرنا وإذا تقرر هذا فمراد عائشة رضي الله تعالى عنها بقولها: (إلا أن تنتهك حرمة الله) الحرمة التي لا ترجع لحق النبي صلى الله عليه وسلم كحرمة الله وحرمة محارمه فإنه كان يقيم حدود الله على من انتهك شيئًا منها ولا يعفو عنها كما قال في حديث السارقة "لو أن فاطمة سرقت لقطعت يدها" متفق عليه، لكن ينبغي أن يُفهم أن صفحه عمن آذاه كان مخصوصًا به وبزمانه لما ذكرناه وأما بعد ذلك فلا يُعفى عنه بوجه، قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: أجمع العلماء على أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم كفر واختلفوا هل حكمه حكم المرتد؟ فيستتاب أو حكم الزنديق لا يستتاب؟ وهل قتله للكفر أو للحد؟ فجمهورهم على أن حكمه حكم الزنديق لا تقبل توبته وهو مشهور مذهب مالك وقول الشافعي وأحمد وإسحاق ورأوا أن قتله للحد ولا ترفعه التوبة لكن تنفعه عند الله تعالى ولا يسقط حد القتل عنه، وقال أبو حنيفة والثوري: هي كفر وردة وتُقبل توبته إذا تاب وهي رواية الوليد بن مسلم عن مالك.
واختلفوا في الذمي إذا سبه بغير الوجه الذي به كفر فعامة العلماء على أنه يُقتل لحق النبي صلى الله عليه وسلم وأبو حنيفة والثوري والكوفيون لا يرون قتله، قالوا: ما هو عليه من الكفر أشد، واختلف أهل المدينة وأصحاب مالك في قتله إذا سبه بالوجه الذي به كفر من تكذيبه وجحد نبوته، والأصح الأشهر قتله واختلفوا في إسلام الكافر بعد سبه هل يسقط ذلك القتل عنه أم لا؟ والأشهر عندنا سقوطه لأن الإسلام يَجُبّ ما قبله، وحكى أبو محمد بن نصر في درء القتل عنه بالإسلام روايتين اهـ.
ويستفاد من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ترغيب الحكام وولاة الأمور في الصفح عمن جهل عليهم وجفاهم والصبر على أذاهم كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل وأن الحاكم لا يحكم لنفسه، وقد أجمع العلماء على أن القاضي لا يحكم لنفسه
5893 -
(00)(00) وحدّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبِ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ جَرِيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ. حَدَّثَنَا فُضَيلُ بْنُ عِيَاضٍ. كِلاهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُحَّمدٍ. فِي رِوَايَةِ فُضَيلٍ: ابْنِ شِهَابٍ. وَفِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ: مُحَمَّدِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ.
5894 -
(00)(00) وَحَدَّثَنِيهِ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى أخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ
ــ
ولا لمن لا تجوز شهادته له على ما حكاه عياض رحمه الله تعالى اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 162]، والبخاري في مواضع منها في المناقب [3560]، وأبو داود في الأدب [4785].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فقال:
5893 -
(00)(00)(وحدثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم جميعًا عن جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8)(ح وحدثنا أحمد بن عبدة) بن موسى الضبي البصري، ثقة، من (10)(حدثنا فضيل بن عياض) بن مسعود التميمي المكي، ثقة، من (8)(كلاهما) أي كل من جرير وفضيل رويا (عن منصور) بن المعتمر السلمي الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (19) بابا (عن محمد) بن مسلم الزهري (في رواية فضيل) عن (ابن شهاب وني رواية جرير) عن (محمد الزهري) يعني أن فضيل بن عياض، ذكر الزهري باسم محمد بن شهاب، وذكره جرير باسم محمد الزهري (عن عروة عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة منصور لمالك بن أنس.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا فقال:
5894 -
(00)(00)(وحدثنيه حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة، غرضه بيان متابعة يونس لمالك، وساق يونس (نحو حديث مالك) بن أنس.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا فقال:
5895 -
(00)(00) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَينَ أَمْرَينِ، أَحَدُهُمَا أَيسَرُ مِنَ الآخَرِ، إِلَّا اخْتَارَ أَيسَرَهُمَا. مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا. فَإِنْ كَانَ إِثْمًا، كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ.
5896 -
(00)(00) وحدّثناه أَبُو كُرَيبٍ. وَابْنُ نُمَيرٍ جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ، عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، إِلَى قَوْلِهِ: أَيسَرَهُمَا، وَلَمْ يَذْكُرَا مَا بَعْدَهُ
ــ
5895 -
(00)(00)(حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (عن هشام) بن عروة الأسدي المدني (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام، ثقة، من (2)(عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة هشام للزهري (قالت) عائشة:(ما خُيّر) بالبناء للمجهول (رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين أحدهما أيسر من الآخر) قال القاضي عياض: التخيير يحتمل أن يكون من الله تعالى في عقوبتين أو فيما بينه وبين الكفار في القتل وأخذ الجزية أو فيما يُخيّره فيه المنافقون من الموادعة والمحاربة كما مر آنفًا (إلا اختار أيسرهما) وأسهلهما (ما لم يكن) ذلك الأيسر (إثمًا) أي يجر إلى إثم (فإن كان) الأيسر (إثمًا) أي يجر إلى إثم أي يخاف منه إثم (كان أبعد الناس منه) أي من ذلك الأيسر، كرر متن الحديث لما فيه من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
5896 -
(00)(00)(وحدثناه أبو كريب و) محمد بن عبد الله (بن نمير جميعًا) أي كلاهما رويا (عن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي، ثقة، من (9)(عن هشام) بن عروة (بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن نمير لأبي أسامة، وساق أبو كريب ومحمد بن نمير الحديث السابق (إلى قوله) أي إلى قول الراوي إلا اختار (أيسرهما ولم يذكرا) أي ولم يذكر أبو كريب ومحمد بن نمير (ما بعده) أي ما بعد قوله: أيسرهما من قوله: ما لم يكن إثمًا فإن كان إثمًا .. إلخ وهذا التفسير الذي قررناه مجاراة على النسخة المحرّفة من
5897 -
(2304)(59) حدّثناه أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَيئًا قَطُّ بِيَدِهِ. وَلَا امْرَأَةً. وَلَا خَادِمًا. إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيل اللهِ. وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيءٌ قَطُّ. فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللهِ
ــ
كتابة الألف في قوله: (ولم يذكرا) والصواب إسقاط هذه الألف لأن الغرض بيان متابعة عبد الله بن نمير لأبي أسامة لا متابعة أبي كُريب وابن نمير لأبي كريب فكيف يتابع أبو كريب لأبي كريب، والصواب أن يقال: وساق عبد الله بن نمير الحديث السابق إلى قول الراوي أيسرهما ولم يذكر عبد الله بن نمير ما بعده والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة الأول بحديث آخر لها رضي الله تعالى عنها فقال:
5897 -
(2304)(59)(حدثنا أبو كريب) وفي أغلب النسخ (حدثناه أبو كريب) بزيادة الضمير، وهو تحريف من النساخ لعدم المرجع لأن هذا الحديث الآتي حديث آخر غير السابق، بدليل اختلاف من أخرجه من الأئمة (حدثنا أبو أسامة عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من خماسياته (قالت) عائشة (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا) ممن يملك أمره وتأديبه وانتقامه (قط) أي في زمن من الأزمنة الماضية من عمره، ولفظ قط ظرف مستغرق لما مضى من الزمان ملازم للنفي وعوض ضده (بيده) الشريفة عبدًا (ولا امرأة ولا خادمًا) ولا ولدًا ولا دابة وهو معطوف على محذوف قدرناه يكون بدلًا من قوله شيئًا، بدل تفصيل من مجمل أو معطوف على شيئًا عطف مفصل على مجمل (إلا أن يجاهد) صلى الله عليه وسلم (في سبيل الله) فيضرب الكافر دفاعًا عن دين الله تعالى وفي هذا أن ضرب الزوجة والخادم والدابة وإن كان مباحًا للتأديب فتركه أفضل (وما نيل) وأصيب (منه) من عرضه وجسمه (شيء) بأذى من قول أو فعل (قط) أي في زمن من الأزمان (فينتقم) بالنصب بأن مضمرة وجوبًا بعد الفاء السببية لوقوعها بعد النفي أي لم يكن إصابة شيء من عرضه وجسمه فانتقامه (من صاحبه) أي ممن أصابه بأذى فعقابه له (إلا أن ينتهك) ويرتكب ويفعل مع عدم المبالاة به استخفافًا لنهي الشارع عنه (شيء من محارم الله) أي مما حرّمه الله تعالى على عباده كالزنا والسرقة مثلًا، وقوله:(إلا أن ينتهك) .. إلخ استثناء منقطع
فَيَنْتَقِمَ للهِ عز وجل.
5898 -
(00)(00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وابْنُ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ. كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ.
5899 -
(2305)(60) حدَّثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادِ بْنِ طَلْحَةَ الْقَنَّادُ
ــ
معناه لكن إذا انتهكت حرمة الله تعالى انتصر لله تعالى وانتقم ممن ارتكب ذلك وانتهاك حرمته تعالى هو ارتكاب ما حرّمه اهـ نووي (فينتقم) أي يعاقب فاعله انتقامًا منه (لله عز وجل ووفاء لحده لأنه انتهك حرمات الله تعالى.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 229]، وأبو داود في الأدب باب التجاوز في الأمر [4786]، وابن ماجه في النكاح باب ضرب النساء [1992].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة هذا رضي الله تعالى عنها فقال:
5898 -
(00)(00)(وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد بن عبد الله (بن نمير قالا: حدثنا عبدة) بن سليمان الكلابي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (ووكيع) بن الجراح (ح وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو معاوية كلهم) أي كل من عبدة ووكيع وأبي معاوية رووا (عن هشام بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لأبي أسامة حالة كونهم (يزيد بعضهم على بعض) في متن الحديث.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنهما فقال:
5899 -
(2305)(60)(حدثنا عمرو بن حماد بن طلحة القنّاد) بفتح القاف والنون المشددة آخره دال مهملة نسبة إلى بيع القند بفتحتين وهو السكر ذكره السمعاني في كتاب الأنساب أبو محمد الكوفي، روى عن أسباط بن نصر في المناقب ومندل بن علي، ويروي عنه (م د س) وإبراهيم الجوزجاني والذهلي وعلي البغوي، له في (م) فرد حديث، قال ابن معين وأبو حاتم: صدوق، وقال ابن سعد: ثقة إن شاء الله، وقال في
حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، (وَهُوَ ابْنُ نَصْرٍ الْهَمْدَانِيُّ)، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ. قَال: صَلَّيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلاةَ الأُولى. ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أهْلِهِ وَخَرَجْتُ مَعَهُ. فَاسْتَقْبَلَهُ ولْدَانٌ. فَجَعَلَ يَمْسَحُ خَدَّي أَحَدِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا. قَال: وَأَمَّا أَنَا فَمَسَحَ خَدِّي. قَال: فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْدًا أَوْ رِيحًا،
ــ
التقريب: صدوق رُمي بالرفض، من العاشرة، مات سنة اثنتين وعشرين ومائتين (222)(حدثنا أسباط وهو ابن نصر) بالمهملة وبالمعجمة (الهمداني) أبو نصر الكوفي، روى عن سماك بن حرب في المناقب والسدِّي ويروي عنه (م عم) وعمرو بن حماد بن طلحة وأبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي، قال ابن معين في موضع: ثقة، وقال مرة: ليس بشيء، وقال موسى بن هارون: لم يكن به بأس، وقال النسائي: ليس بالقويّ، وقال في التقريب: صدوق كثير الخطإ يُغرِب، من الثامنة (عن سماك) بن حرب بن أوس الذهلي أبي المغيرة الكوفي، صدوق، من (4) (عن جابر بن سمرة) بن جنادة السوائي الكوفي الصحابي بن الصحابي رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من رباعياته (قال) جابر:(صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الأولى) وهو من باب إضافة الموصوف إلى صفته كما قالوا مسجد الجامع يعني بالصلاة الأولى صلاة الظهر فإنها أول صلاة صلاها جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يريد بها صلاة الصبح لأنها أول صلاة النهار أو أول صلاة فرضت (ثم خرج) النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد قاصدًا الرجوع (إلى أهله) ومنزله، قال جابر:(وخرجت معه) صلى الله عليه وسلم من المسجد (فاستقبله) أي تلقاه صلى الله عليه وسلم (ولدان) المدينة وصبيانهم جمع وليد (فجعل) صلى الله عليه وسلم أي شرع (يمسح) بكفيه (خدي أحدهم) بصيغة التثنية أي يمسح الخدين منهم بالكفين منه من الجانبين مرة حالة كونهم (واحدًا واحدًا) حال مركبة مفيدة الترتيب أي مرتبين واحدًا بعد واحد أي يمسح خدي أحدهم شفقة عليهم وتشريفًا لهم ببركة يده المباركة، وفي مسحه الصبيان دلالة على حسن خُلقه صلى الله عليه وسلم وتواضعه ورحمته للأطفال وملاطفتهم (قال) جابر:(وأما أنما فمسح خدي) بالإفراد بيد واحدة (قال) جابر: (فوجدت ليده) الشريفة (بردًا) طبيعيًا (أو ريحًا) أي وريحًا طيبة والأولى في (أو) هذه أن تكون بمعنى الواو لا للشك لأنها لو كانت للشك وقدرنا إسقاط لفظة (أو ريحًا) لم يستقم تشبيه برودة يده بإخراجها من جؤنة عطار فإن ذلك إنما هو
كَأَنَّمَا أخْرَجَهَا مِنْ جُؤْنَةِ عَطَّارٍ.
5900 -
(2306)(61) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا هَاشِمٌ، (يَعْنِي ابْنَ الْقَاسِمِ)، حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ، (وَهُوَ ابْنُ الْمُغِيرَةِ)، عَنْ ثَابِتٍ
ــ
تشبيه للرائحة فإذا حُملت (أو) على معنى الواو الجامعة استقام التشبيه للرائحة والإخبار عن وجدان برودة اليد التي تكون عن صحة العضو، ويحتمل أن يريد بالبرودة برودة الطيب فإنهم يصفونه بالبرودة كما قال الشاعر الأعشى:
وتبرد برد رداء العرو
…
س في الصيف رقرقت العبيرا
(كأنما أخرجها) أي كأنما أخرج النبي صلى الله عليه وسلم يده الشريفة (من جؤنة عطار) أي من شنطة العطار ووعاءه في فوح رائحة الطيب منها خلقة لا تطيبًا (والجؤنة) بضم الجيم وسكون الهمزة وفتح النون هي سفط يحمل فيه العطار متاعه، قال الحربي: وهو مهموز وقد يُسهل، وقال صاحب العين: هي سليلة مستديرة مغشاة أُدمًا اهـ من المفهم. والسليلة: السلة وهي الزنبيل المتخذ من خوص النخل أو من قديد قصب البوص، والعطار هو من يبيع العطر وهو من صيغ النسب لا للمبالغة كالتمار لمن يبيع التمر مثلًا.
وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر بن سمرة بحديث أنس رضي الله عنهم أجمعين فقال:
5900 -
(2306)(61)(وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جعفر بن سليمان) الضبعي بضم المعجمة وفتح الموحدة نسبة إلى ضبيعة لأنه نزل فيهم أبو سليمان البصري، صدوق، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن ثابت) البناني (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (ح وحدثني زهير بن حرب واللفظ له حدثنا هاشم يعني ابن القاسم) بن مسلم بن مقسم الليثي مولاهم أبو النضر البغدادي، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا سليمان وهو ابن المغيرة) القيسي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري، ثقة، من (4)
قَال أَنَسٌ: مَا شَمِمْتُ عَنْبَرًا قَطُّ وَلَا مِسْكًا وَلَا شَيئًا أَطيَبَ مِنْ رِيحِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَلَا مَسِسْتُ شَيئًا قَطُّ دِيباجًا وَلَا حَرِيرًا أَلْيَنَ مَسًا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
ــ
روى عنه في (13) بابا (قال أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (ما شممت) بكسر الميم الأولى على الأشهر، وحكى أبو عبيد وابن السكيت والجوهري وآخرون فتحها أي ما تروحت بأنفي (عنبرًا) طيب معروف (قط) أي في زمن من الأزمنة الماضية (ولا) شممت (مسكًا) طيب يكون من فأرة الغزال (ولا) شممت قط (شيئًا) من أنواع الطيب (أطيب) رائحة (من ريح) أي من طيب رائحة (رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي هذه الأحاديث بيان طيب ريحه صلى الله عليه وسلم وهو مما أكرمه الله تعالى به، قال العلماء: كانت هذه الريح الطيبة صفته صلى الله عليه وسلم وإن لم يمس طيبًا ومع هذا كان يستعمل الطيب في كثير من الأوقات مبالغة في طيب ريحه لملاقاة الملائكة وأخذ الوحي الكريم ومجالسة المسلمين اهـ نووي.
قال القرطبي: قوله: (ما شممت عنبرًا) .. إلخ هذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان طيب الريح وإن لم يتطيب ثم إنه كان يستعمل الطيب ويعجبه رائحته لأنه كان يناجي الملائكة ولأنه مستلذ لحسن الشم كالحلاوة لحسن الذوق ولأنه مقو الدماغ ومحرّك لشهوة الجماع ولأنه مما يرضي الرب سبحانه وتعالى إذا قصد به القربة والتهيؤ للصلاة اهـ من المفهم.
(ولا مسست) أي لمست بفتح السين الأول لأنه من باب شد أي ولا لمست (شيئًا) لينًا (قط ديباجًا) بدل من شيئًا بدل تفصيل من مجمل (ولا حريرًا) ولا خزًّا ولا إبريسمًا ولا قزًا (ألين) أي أنعم (مسًا) ولمسًا (من) جسد (رسول الله صلى الله عليه وسلم والديباج ما غلظ من الحرير والاستبرق ما رق منه، والحرير عام لهما سُمي حريرًا لأنه يدافع البرودة عند البرد والحرارة عند الحر، وكان مقتضى القياس أن يسمى بريدًا أيضًا ولكن فيه اكتفاء.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 103]، والبخاري في المناقب باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم [6281]، والنسائي في البر والصلة باب ما جاء في خُلق النبي صلى الله عليه وسلم [2015].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:
5901 -
(00)(00) وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخرٍ الدَّارِمِيُّ. حَدَّثَنَا حَبَّانُ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَزْهَرَ اللَّوْنِ. كَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤُ. إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ. وَلَا مَسِسْتُ دِيباجَةً وَلَا حَرِيرَةً أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَلَا شَمِمْتُ مِسْكَةً وَلَا عَنْبَرَةً أَطْيَبَ مِنْ رَائِحَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
5902 -
(2307)(62) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَربٍ. حَدَّثَنَا هَاشِمٌ، (يَعْنِي ابْنَ
ــ
5901 -
(00)(00)(وحدثني أحمد بن سعيد بن صخر الدارمي) النيسابوري، ثقة حافظ، من (11) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا حبان) بفتح المهملة وتشديد الموحدة بن هلال الباهلي البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا حماد) بن سلمة البصري (حدثنا ثابت) بن أسلم البناني (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة حماد لسليمان بن المغيرة (قال) أنس:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون) وهو الأبيض المستعير وهو أحسن الألوان يعني أبيض اللون في صفاء كما قال في الرواية الأخرى ليس بالأبيض الأمهق أي المتألق البياض الذي صفته تشبه بياض الثلج والجص (كأن عرقه اللؤلؤ) أي في الصفاء والبياض واللؤلؤ بهمز أوله وآخره وبتركهما وبهمز الأول دون الثاني وعكسه جوهر نفيس أبيض برّاق لمّاع يخرج من البحر راجع تفسيرنا إن أردت البسط (إذا مشى تكفأ) أي تمايل وانحنى إلى قدام كأنما ينهبط من فوق أو يشير إلى الركوع كما قال في رواية أخرى (كأنما ينحط من صبب)(ولا مسست يباجة ولا حريرة ألين) وأنعم (من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شمست مسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعارض هذا ما ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان شئن الكفين وقد فُسر الشثن بالغليظ لأنها كانت ممتلئة اللحم غير أنها مع غاية ضخامتها كانت لينة ناعمة، وقوله: (ديباجة ولا حريرة) أي خرقة منهما من ذكر العام بعد الخاص ليفيد العموم كما مر آنفًا.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث آخر لأنس رضي الله عنه فقال:
5902 -
(2307)(62) (حدثني زهير بن حرب حدثنا هاشم يعني ابن
الْقَاسِمِ)، عَنْ سُلَيمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: دَخَلَ عَلَينَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَال عِنْدَنَا. فَعَرِقَ، وَجَاءَتْ أُمِّي بِقَارُورَةٍ، فَجَعَلَتْ تَسْلِتُ الْعَرَقَ فِيهَا، فَاسْتَيقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَال:"يَا أُمَّ سُلَيمٍ، مَا هَذَا الَّذِي تَصْنَعِينَ؟ " قَالتْ: هَذَا عَرَقُكَ نَجْعَلُهُ فِي طِيبِنَا وَهُوَ مِنْ أَطْيَبِ الطِّيبِ
ــ
القاسم الليثي) البغدادي (عن سليمان) بن المغيرة القيسي البصري (عن ثابت) بن أسلم البناني (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أنس: (دخل علينا) في بيتنا بيت أم سليم (النبي صلى الله عليه وسلم يومًا من الأيام (فقال): أي نام نومة القيلولة رسول الله صلى الله عليه وسلم (عندنا) في بيتنا (فعرق) أي خرج منه العرق وسال عليه في نومه، وقوله:(فقال عندنا) فهو من قال يقيل قيلولة أما قال يقول: فهو من القول وقد تلطّف النضير المناوي حيث قال في لغزه:
قال: قال النبي: قولًا صحيحًا
…
قلت قال النبي قولًا صحيحًا
وفسره السراج الوراق في جوابه حيث قال:
فابن منه مضارعًا يظهر الخا
…
في ويبدو الذي كنيت صريحًا
وقال المهلب: فيه مشروعية القيلولة للكبير في بيوت معارفه لما في ذلك من ثبوت المودة وتأكد المحبة اهـ من التكملة، قال القرطبي: وفيه دليل على دخول الرجل على ذوات محارمه في القائلة وتبسطه معهن ونومه على فراشهن وكانت أم سليم ذات محرم له من الرضاعة قاله القاضي اهـ من المفهم.
قال أنس: (وجاءت أمي) من داخل البيت (بقارورة) أي بإناء من زجاج (فجعلت) أي شرعت أمي (تسلت العرق) بضم اللام وكسرها من بابي نصر وضرب، مضارع من سلت الشيء إذا أخرجه، والقصعة إذا مسحها بأصبعه كذا في القاموس أي شرعت تجمع عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيها) أي في القارورة (فاستيقظ) أي انتبه (النبي صلى الله عليه وسلم من نومه (فقال) لها:(يا أم سليم ما هذا) الصنيع (الذي تصنعين) بي من مسح عرقي وجمعه في القارورة (قالت) أم سليم في جواب استفهامه صلى الله عليه وسلم (هذا) الذي جمعته في القارورة (عرقك) يا رسول الله نريد أن (نجعله) ونخلطه (في طيبنا وهو) أي عرقك (من أطيب الطيب) وأحسنه رائحة، وفي رواية للبخاري (فجمعته في سك) والسك بضم السين طيب مركب.
(5903)
- (00)(00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا حُجَينُ بْنُ المُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، (وَهُوَ ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ)، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُ بَيتَ أُمِّ سُلَيمٍ فَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِهَا، وَلَيسَتْ فِيهِ. قَال: فَجَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ فَنَامَ عَلَى فِرَاشِهَا. فَأُتِيَتْ
ــ
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 136]، والبخاري في الاستئذان باب من زار قومًا فقال عندهم [6281]، والنسائي في الزينة باب ما جاء في الأنطاع [5371].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
(5903)
- (00)(00)(وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا حجين بن المثنى) اليمامي أبو عمرو البغدادي، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا عبد العزيز) بن عبد الله (وهو ابن أبي سلمة) الماجشون هما كنية أبيه ولقبه، التيمي مولاهم المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (10)(عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري الخزرجي المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (7) أبواب (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة إسحاق بن عبد الله لثابت بن أسلم (قال) أنس:(كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل بيتـ) ـنا بيت (أم سليم) والدتي (فينام) النبي صلى الله عليه وسلم (على فراشها) ومرقدها (و) الحال أنها (ليست فيه) أي في ذلك الفراش، قال النووي: قد سبق أنها كانت محرمًا له صلى الله عليه وسلم ففيه الدخول على المحارم والنوم في بيوتهن ولعله يشير بذلك إلى ما سبق في باب غزو البحر من كتاب الإمارة من أن أم حرام بنت ملحان كانت خالة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاع، وقيل: خالة لأبيه أو لجده لأن أم عبد المطلب كانت أنصارية من بني النجار، وإن أم حرام هي أخت أم سليم رضي الله تعالى عنهما فما صدق عن أم حرام يصدق على أم سليم والله أعلم، وقوله:(وليست فيه) وفيه الاكتفاء بالإذن المتعارف في استعمال ملك الغير إذا كان الإنسان متيقنًا بأنه لا يكرهه بل تطيب نفسه (قال) أنس: (فجاء) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذات يوم) أي يومًا من الأيام فلفظ ذات مقحم أو من إضافة الشيء إلى نفسه للتأكيد أو من إضافة المسمى إلى الاسم (فنام على فراشها) ومرقدها (فأُتيت) بصيغة المجهول
فَقِيلَ لَهَا: هَذا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَامَ فِي بَيتِكِ، عَلَى فِرَاشِكِ. قَال: فَجَاءَتْ وقَدْ عَرِقَ، وَاسْتَنْقَعَ عَرَقُهُ عَلَى قِطعَةِ أَدِيمِ عَلَى الْفِرَاشِ، فَفَتَحَتْ عَتِيدَتَهَا فَجَعَلَتْ تُنَشِّفُ ذَلِكَ الْعَرَقَ فَتَعْصِرُهُ فِي قَوَارِيرِهَا، فَفَزعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَال:"مَا تَصْنَعِينَ يَا أُمَّ سُلَيمٍ؟ " فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَرْجُو بَرَكَتَهُ لِصِبْيَانِنَا. قَال:"أَصَبْتِ".
5904 -
(2308)(63) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ
ــ
المسند إلى ضمير المؤنث أي فأتيت أم سليم أي أتاها آت من أهل بيتها (فقيل لها): أي فقال الآتي لها: (هذا) الحاضر هو (النبي صلى الله عليه وسلم وقد (نام في بيتك على فراشك قال) أنس: (فجاءت) أم سليم (و) الحال أنه (قد عرق) النبي صلى الله عليه وسلم في نَوْمهِ (واستنقع) معطوف على عرق أي واجتمع (عرقه على قطعة أديم) مبسوط (على الفراش) وأصل الاستنقاع هو خروج العصارة من نحو ثمر كالبرتقال واجتماعها، والأديم الجلد المدبوغ يبسط على الفراش كالسجادة (ففتحت) أم سليم (عتيدتها) بفتح العين وكسر التاء وهي كالصندوق الصغير تجعل المرأة فيه ما يعز من متاعها وهي مأخوذ من العتاد وهو الشيء المعد لأمر مهم (فجعلت) أي شرعت أم سليم (تنشف) أي تمسح (ذلك العرق) المجتمع بخرقة (فتعصره) من باب ضرب أي تعصر ذلك العرق من الخرقة (في قواريرها) أي قوارير عطرها وطيبها (ففزع) أي فجع (النبي صلى الله عليه وسلم من مسحها العرق منه واستيقظ من نومه (فقال) لها:(ما تصنعين) وتفعلين وتريدين (يا أم سليم فقالت) له: (يا رسول الله) أريد أن تمسح عرقك وأدّخره في قارورة لأنا (نرجو بركته) وشفاءه (لـ) أمراض (صبياننا) إذ مرضوا ولا يعارض هذا ما سبق من أنها كانت تجمعه للطيب لأنها كانت تفعله للأمرين جميعًا فذكر كل راو ما لم يذكره الآخر فـ (قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أصبت) بكسر التاء خطابًا لها أي وافقت الصواب أو عملت العمل الصواب، وفي هذا تقرير صريح لها على فعلها فهو دليل على جواز التبرك بآثاره صلى الله عليه وسلم ما لم يؤد ذلك إلى الشرك والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث أم سليم رضي الله تعالى عنهما فقال:
5904 -
(2308)(63)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان بن مسلم) بن
حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا أيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أُمِّ سُلَيمٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْتِيها فَيَقِيلُ عِنْدَهَا. فَتَبْسُطُ لَهُ نِطْعًا فَيَقِيلُ عَلَيهِ، وَكَانَ كَثِيرَ الْعَرَقِ، فَكَانَت تَجْمَعُ عَرَقَهُ فَتَجْعَلُهُ فِي الطِّيبِ وَالْقَوَارِيرِ. فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"يَا أُمَّ سُلَيمٍ، مَا هَذَا؟ " قَالتْ: عَرَقُكَ أَدُوفُ بِهِ طِيبِي
ــ
عبد الله الصفّار الأنصاري مولاهم أبو عثمان البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (13) بابا (حدثنا أيوب) السختياني العنزي البصري (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي البصري (عن أنس) بن مالك (عن) والدته (أم سليم) سهلة بنت ملحان الأنصارية الخزرجية رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سباعياته، وفيه رواية صحابي عن صحابية، وولد عن والدة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيها) في بيتها (فيقيل) أي ينام نوم القيلولة (عندها) في بيتها (فتبسط له) صلى الله عليه وسلم من باب نصر أي فتفرش له (نطعًا) بكسر النون وفَتْحِها وسكون الطاء وهو الجلد المدبوغ (فيقيل) من باب باع أي ينام (عليه) أي على ذلك النطع نوم القيلولة (وكان) صلى الله عليه وسلم (كثير العرق) لكمال صحته (فكانت) أم سليم (تجمع عرقه) صلى الله عليه وسلم (فتجعله) أي فتجعل ذلك العرق المجموع (في) وعاء (الطيب) ليزيد له طيبًا (و) في إناء (القوارير) استقلالًا للاستشفاء والتبرك به عندما أصيب الصبيان بأمراض (فقال) لها (النبي صلى الله عليه وسلم: يا أم سليم ما هذا) الصنيع (قالت) له: هذا (عرقك أدوف) من باب قال أي أخلط (به طيبي) ليزداد لي طيبًا.
وقوله: (أدوف به طيبي) قال القرطبي: هو بالدال المهملة ثلاثيًّا أي أخلطه وهكذا صحيح الرواية فيه وهو المشهور عند أهل اللغة، وحُكي فيه الذال المعجمة ثلاثيًّا ورباعيًا اهـ من المفهم.
وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
5905 -
(2309)(64) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالت: إِنْ كَانَ لَيُنْزَلُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْغَدَاةِ الْبَارِدَةِ، ثُمَّ تَفِيضُ جَبْهَتُهُ عَرَقًا.
5906 -
(2310)(65) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ بِشْرٍ. جَمِيعًا عَنْ هِشَامٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
ــ
5905 -
(2309)(64)(حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام) بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من خماسياته (قالت) عائشة:(إن) مخففة من الثقيلة (كان) زائدة أو شأنية (لينزل) الوحي بالبناء للمجهول واللام حرف ابتداء أي أن الشأن والحال لينزل الوحي (على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغداة الباردة) أي في الصباح البارد (ثم تفيض) وتسيل (جبهته) وجبينه (عرقًا) لشدة ما يلقاه من الوحي من مشقة استلام الوحي، وفي رواية البخاري (ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرودة فيفصم عنه وإن جبينه لينفصد عرقًا) وفي قولها بيان لما رأته من الشدة ودلالة على كثرة معاناة التعب لما في العرق في شدة البرد من مخالفة العادة.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 58]، والبخاري في بدء الوحي رقم [2] وفي بدء الخلق باب ذكر الملائكة [3215]، والترمذي في المناقب باب ما جاء كيف ينزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم [3634]، والنسائي في الافتتاح باب جامع ما جاء في القرآن [933 و 934].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث آخر لها رضي الله تعالى عنها فقال:
5906 -
(2310)(65)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة ح وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو أسامة و) محمد (بن بشر) العبدي الكوفي (جميعًا) أي كل من هؤلاء الثلاثة من سفيان وأبي أسامة وابن بشر رووا (عن هشام) بن عروة (ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير واللفظ له حدثنا محمد بن بشر حدثنا هشام عن أبيه عن
عَائِشَةَ؛ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: كَيفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَال: "أَحْيَانًا يَأْتِينِي فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ، ثُمَّ يَفْصِمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيتُهُ، وَأَحْيَانًا مَلَك فِي مِثْلِ صُورَةِ الرَّجُلِ
ــ
عائشة) رضي الله تعالى عنها (أن الحارث بن هشام) المخزومي هو أخو أبي جهل شقيقه، أسلم يوم الفتح، وكان من فضلاء الصحابة، واستشهد في فتوح الشام رضي الله عنه (سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن كيفية إتيان الوحي إليه فقال في سؤاله:(كيف يأتيك الوحي؟ ) أي حامله يا رسول الله أي على أي (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحيانًا) أي أزمانًا (يأتيني) ملك الوحي صوته (في مثل صلصلة الجرس) أي مشابهًا صوته صوت الجرس، والصلصلة بفتح الصادين مع سكون اللام بينهما وهو في الأصل صوت وقوع الحديد بعضه على بعض أي صوت سقوط بعضه على بعض ثم أطلق على كل صوت له طنين، والجرس ما يعلق في عنق البعير ليطلب بصوته إذا ضاع ويُسمى الجلجل وهو كل ما يُعلق في عنق الدواب، قيل: والصلصلة المذكورة هو صوت الملك بالوحي، وقيل: صوت خفيق أجنحة الملك، والحكمة في تقدمه أن يقرع سمعه الوحي فلا يبقى فيه متسع لغيره اهـ من القسطلاني (وهو) أي إتيانه بذلك الصوت (أشده) أي أشد الوحي وأثقله (عليّ) أي إيحاؤه إليّ بذلك الصوت أثقل عليّ استلامًا منه من إيحائه إليّ بصوت رجل معروف، والتعبير بصيغة المفاضلة يُفهم منه أن الوحي كله شديد ولكن هذه الصفة أشدها وهو واضح لأن الفهم من كلام مثل الصلصلة أشكل من الفهم من كلام الرجل بالتخاطب المعهود (ثم يفصم) بفتح الياء وكسر الصاد بالبناء للفاعل أي ثم يقلع (عني) وينجلي وينكشف ويزول عني ما غشاني من الثقل والشدة بسبب الوحي قاله الخطابي، قال العلماء: الفصم بالفاء هو القطع من غير إبانة، وأما القصم بالقاف هو القطع مع الإبانة والانفصال، وفي التعبير بالفصم بالفاء إشارة إلى أن الملك فارقه ليعود إليه ولا يفارقه مفارقة قاطع لا يعود، ورُوي هذا الحرف أيضًا بلفظ يفصم على صيغة المبني للمجهول من فصم الثلاثي، ورُوي بلفظ يفصم بضم الياء وكسر الصاد من أفصم الرباعي وهي لغة قليلة ومنه أفصم المطر إذا أقلع وانقطع أي ينكشف عني ما أراه من شدة الوحي وثقله (و) الحال أني (قد وعيته) وحفظته وفهمته أي حفظت ما أوحى إليّ (وأحيانًا) أي أزمانًا يأتيني (ملك) الوحي صورته (في مثل صورة الرجل) المعروف وهو
فَأَعِي مَا يَقُولُ".
5907 -
(2311)(66) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأعلَى. حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. قَال: كَانَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أُنْزِلَ عَلَيهِ الْوَحْيُ، كُرِبَ
ــ
دحية بن خليفة الكلبي فيكون ذلك أخفه عليّ (فأعي) أي فأحفظ (ما يقول) لي ويوحي إلي من الله تعالى، وفي رواية البخاري (يتمثل لي الملك رجلًا) والمراد بالملك هنا جبريل عليه السلام كما هو مصرح به في بعض الروايات، وفيه دليل على أن الملك يتشكل بشكل البشر، وقال الحافظ في الفتح [1/ 21] والحق أن تمثل الملك رجلًا ليس معناه أن ذاته انقلبت رجلًا بل معناه أنه ظهر بتلك الصورة تأنيسًا لمن يخاطبه، والظاهر أن القدر الزائد لا يزول ولا يفنى بل يخفى على الرائي فقط، والظاهر من لفظ التمثل في رواية البخاري أنه ليس من باب انقلاب الحقيقة وإنما هو ظهور مثاله في صورة رجل والله أعلم بحقائق خلقه اهـ منه، قال القاضي عياض: ذكر هذين الوجهين من أوجه الوحي ولم يذكر الثالث وهو الرؤيا لأنه إنما سأله عن إتيانه عن يقظة، وأما الرؤيا فلم يسأله عنها لأنهم عرفوها اهـ من الأبي.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في بدء الوحي أول الكتاب [1].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عائشة بحديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنهما فقال:
5907 -
(2311)(66)(وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي أبو محمد البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (11) بابا (حدثنا سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري مولاهم أبو النضر البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (8) أبواب (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (25) بابا (عن الحسن) بن أبي الحسن يسار الأنصاري مولاهم أبي سعيد البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن حطّان بن عبد الله) الرقاشي البصري، ثقة، من (2) روى عنه في (3) أبواب (عن عبادة بن الصامت) بن قيس بن أصرم الأنصاري الخزرجي الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته (قال) عبادة:(كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أُنزل عليه الوحي كُرِب) بالبناء للمجهول أي أصابه كرب وتعب
لِذَلِكَ، وَتَرَبَّدَ وَجْهُهُ.
5908 -
(00)(00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. قَال: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أُنْزِلَ عَلَيهِ الْوَحْيُ نَكَسَ رَأْسَهُ، وَنَكَسَ أَصْحَابُهُ رُؤُوسَهُمْ. فَلَمَّا أُتْلِيَ عَنْهُ، رَفَعَ رَأْسَهُ
ــ
ومشقة (لذلك) أي لنزول الوحي عليه لثقله وشدته لكونه غير مألوف له (وتربَّد) بتشديد الباء الموحدة من باب تفعل الخماسي أي تغير (وجهه) أي لونُ وجهه من البياض إلى الاحمرار، يقال: ترَبَّد وَارْبَدَّ كَاحْمرَّ أي تَلوَّن وصار كلون الرماد، قال أبو عبيد: الربدة لون بين السواد والغبرة كذا في الأبي وإنما حصل له ذلك لعظم موقع الوحي.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الحدود، والترمذي في الحدود، والنسائي في الرجم في الكبرى، وابن ماجه في الحدود اهـ تحفة الأشراف.
وقد تقدم هذا الحديث للمؤلف بطوله في الحدود باب حد الزنا.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبادة رضي الله عنه فقال:
5908 -
(00)(00)(وحدثنا محمد بن بشار) العبدي البصري (حدثنا معاذ بن هشام) الدستوائي (حدثنا أبي) هشام بن أبي عبد الله الدستوائي (عن قتادة بن الحسن) البصري (عن حطّان بن عبد الله الرقاشي) البصري (عن عبادة بن الصامت) رضي الله عنه. وهذا السند أيضًا من سباعياته، غرضه بيان متابعة هشام لسعيد بن أبي عروبة (قال) عبادة:(كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أُنزل عليه الوحي نكس رأسه) أي خفض رأسه تعظيمًا لما نزل به من أمر الله تعالى وتوقيرًا له (ونكس) أي خفض (أصحابه) الحاضرون عنده وقتئذٍ (رؤوسهم) موافقة له صلى الله عليه وسلم (فلما أُتلي عنه) لما حينية أو بمعنى إذا وأُتلي بضم الهمزة وسكون التاء على صيغة الرباعي المبني للمجهول أي فإذا انجلى وانكشف وسُرّي عنه ما يجده من شدة الوحي (رفع رأسه) لزوال سبب الانتكاس، قوله:(فلما أُتلي عنه) كذا وقع في النسخ الموجودة لدينا بضم الهمزة وسكون التاء وكسر اللام مجهول من الإتلاء، والظاهر أن معناه خُلي وتُرك أو انقطع الوحي، ووقع في بعض الروايات (أُجلي) وفي بعضها انجلى وهو أوضح، وزعم القاضي عياض أن أُتلي لا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يناسب المقام من حيث اللغة وهو الذي يظهر من كلام المازري اهـ من الأبي.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث تسعة: الأول: حديث عائشة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثاني: حديثها الثاني ذكره للاستشهاد، والثالث: حديث جابر بن سمرة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والرابع: حديث أنس الأول ذكره للاستشهاد به لحديث جابر بن سمرة وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس: حديث أنس الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس: حديث أم سليم ذكره للاستشهاد، والسابع: حديث عائشة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، والثامن: حديثها الرابع ذكره للاستشهاد لما قبله، والتاسع: حديث عبادة بن الصامت ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.
***