الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
691 - (5) باب رحمته صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال، وكثرة حيائه، وتبسمه، وأمر سواق مطايا النساء بالرفق بهن، وتبرك الناس به صلى الله عليه وسلم
5979 -
(62) حدثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ وَشَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. كِلاهُمَا عَنْ سُلَيمَانَ، (وَاللَّفْظُ لِشَيبَانَ)، حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ المُغِيرَةِ. حَدَّثَنَا ثَابِتْ البُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "وُلِدَ لِيَ اللَّيلَةَ غُلامٌ. فَسَمَّيتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ" ثُمّ دَفَعَهُ إلى أُمَّ سَيفٍ، امْرَأَةِ قَينٍ يُقَالُ لَهُ: أَبُو سَيفٍ
ــ
691 -
(5) باب رحمته صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال، وكثرة حيائه، وتبسمه، وأمر سواق مطايا النساء بالرفق بهن، وتبرك الناس به صلى الله عليه وسلم
5872 -
(2291)(46)(حدثنا هداب بن خالد) ويقال له: هدبة بن خالد بن الأسود بن هدبة القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (4) أبواب (وشيبان بن فروخ) الحبطي الأُبَليُّ، صدوق، من (9) روى عنه في (10) أبواب كلاهما) رويا (عن سليمان) بن المغيرة (واللفظ لشيبان) قال شيبان (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي مولاهم البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا ثابت) بن أسلم بن موسى (البناني) البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (13) بابا (عن أنس بن مالك) رضي الله تعالى عنه. وهذا السند من رباعياته (قال) أنس:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لي الله عليه وسلم: وُلد لي الليلة) البارحة (غلام) أي وّلد ذكر (فسميته باسم أبي) وجدي الأعلى (إبراهيم) الخليل عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى السلام، قال أنس:(ثم دفعه) أي دفع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الغلام (إلى أم سيف امرأة قين) بفتح القاف وسكون الياء أي زوجة حداد (يقال له) أي لذلك القين (أبو سيف).
قوله صلى الله عليه وسلم: (وُلد لي الليلة غلام) قال العيني: مجموع أولاد النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية القاسم وبه يكنى والطاهر والطيب، ويقال: إن الطاهر هو الطيب، وإبراهيم وزينب زوجة ابن أبي العاص، ورقية وأم كلثوم زوجا عثمان بن عفان، وفاطمة زوجة علي بن أبي طالب، وجميع أولاده من خديجة الكبرى رضي الله تعالى عنهم أجمعين إلا إبراهيم رضي الله تعالى عنه فإنه من مارية القبطية اهـ.
قوله: (فسميته باسم أبي إبراهيم) فيه جواز التسمية بأسماء الأنبياء عليهم السلام. قوله: (إلى أم سيف) اسمها خولة بنت المنذر الأنصارية واسم زوجها البراء بن أوس كذا
فَانطَلَقَ يَأْتِيهِ وَاتَّبَعْتُهُ. فَانتَهَينَا إلى أَبِي سَيفٍ وَهُوَ يَنْفُخُ بِكِيرِهِ. قَدِ امْتَلأَ الْبَيتُ دُخَانًا. فَأسْرعْتُ المَشْيَ بَينَ يَدَي رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَيفٍ، أَمْسِكْ، جَاءَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. فَأَمْسَكَ. فَدَعَا النبي صلى الله عليه وسلم بِالصَّبِيِّ. فضَمَّهُ إِلَيهِ. وَقَال مَا شَاءَ الله أن يَقُولَ
ــ
في الأبي. قوله أيضًا (ثم دفعه إلى أم سيف) ووقع عند ابن سعد في الطبقات عن عبد الله بن صعصعة بسند فيه الواقدي (لما وُلد إبراهيم تنافست نساء الأنصار أيتهن ترضعه فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم بردة بنت المنذر بن زيد بن لبيد من بني عدي بن النجار، وزوجها البراء بن أوس بن خالد بن الجعد من بني عدي بن النجار أيضًا) وجمع القاضي عياض بين الروايتين بأن أبا سيف كنية البراء بن أوس زوجته خوله بنت المنذر تكنى بأم بردة، وقد أطلق عليها أم سيف في رواية الصحيح ذكره الحافظ في فتح الباري [3/ 173]، ثم قال: وما جمع به غير مستبعد إلا أنه لم يأت عن أحد من الأئمة التصريح بأن البراء بن أوس يكنى أبا سيف ولا أن أبا سيف يُسمى البراء بن أوس، وجمع الحافظ في الإصابة [4/ 99] بطريق آخر فقال: فإن كان ما رواه ثابتًا احتمل أن تكون أم بردة أرضعته ثم تحول إلى أم سيف وإلا فالذي في الصحيح هو المعتمد اهـ منه.
(فانطلق) صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى العوالي حالة كونه يريد أن (يأتيه) ويزوره ولعله صلى الله عليه وسلم اطلع على أنه مريض فأتاه ليستكشف عن حاله (واتبعته) صلى الله عليه وسلم أي صحبته في زيارته (فانتهينا) أي وصلنا أنا والنبي صلى الله عليه وسلم (إلى) بيت (أبي سيف وهو) أي والحال أن أبا سيف (ينفخ) أي يشغل (بكيره) أي بمنفاخه الذي ينفخ به النار و (قد امتلأ البيت دخانًا) أي بخارًا (فأسرعت المشي) أي جريت وسعيت (بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أي قدامه (فقلت) لأبي سيف: (يا أبا سيف أمسك) غيرك عن التشغيل والنفخ به في النار فإنه (جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيتك لزيارة ولده (فأمسك) أبو سيف غيره عن التشغيل (فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بالصبي) أي طلب إحضاره إليه فأخذه (فضمه) أي ضم الصبي (إليه) أي إلى صدره (وقال) النبي صلى الله عليه وسلم: (ما شاء الله أن يقول) ـه من كلام يدل على حزنه وشفقته، قال ثابت البناني:
فَقَال أَنَسٌ: لَقَدْ رَأَيتُهُ وَهُوَ يَكِيدُ بِنَفْسِهِ بَينَ يدي رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. فَدَمَعَتْ عَينَا رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. فَقَال: "تَدْمَعُ الْعَينُ وَيحْزَنُ القَلبُ، وَلَا نَقُولُ إلا مَا يَرْضَى رَبُّنَا. وَاللهِ يَا إِبْرَاهِيمُ إِنَّا بِكَ لَمَحزُونُونَ"
ــ
(فقال) لنا (أنس): والله (لقد رأيته) أي لقد رأيت الصبي (وهو) أي والحال أن الصبي (يكيد) أي يجود (بنفسه) أي بروحه للملك، ومعناه ولقد رأيته (بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدامه والحال أنه في حالة نزع روحه وقبضها، قال الأبي: معناه يسوق أي في النَّزْعِ، وقال ابن السراج: يكيد من الكيد وهو القيء يقال منه كاد يكيد شبه تقَلُّع نَفَسِه في الصدر وتردُّدَه في الحلقوم عند الموت بالقيء؛ والمعنى وهو يقيء بروحه، وقيل هو من كيد الغراب، وهو نعيقه (فدمعت) أي سالت (عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدموع وهو ماء مالح يخرج من العين عند الحزن أو الرمد (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تدمع العين) أي تسيل عيننا بالدموع (ويحزن القلب) أي يتوجع قلبنا بفراقك (ولا نقول) بألسنتنا (إلا ما يرضى) ويحب (ربنا) من الشكر له على ما أعطى والحمد له على ما أخذ (والله) أي أقسمت لك (يا إبراهيم) بالذي نفسي ونفسك بيده (إنابـ) فراقـ (ـك لمحزونون) أي لمتأسفون وموجعون بحرارة الحزن وأم الفراق، قال النووي: قوله تدمع العين .. إلخ فيه دليل على جواز البكاء على المريض والحزن به وعلى أن البكاء الذي لا يملكه الإنسان ليس منافيًا للصبر، وحقيقة الصبر ما بيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:"ولا نقول إلا ما يرضى ربنا" وحاصل الصبر التفويض والاعتقاد بأن ما قضاه الله تعالى هو الحق الموافق للحكمة والكف عن التكلم بكلمة تنبيء عن الاعتراض على قضاء الله وقدره وإلى هذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في حديث ابن عمر عند البخاري في الجائز [1304]"إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بِحزن القلب ولكن يُعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم" بل هي رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما المذموم الندب والنياحة والويل والثبور ونحو ذلك من القول الباطل اهـ نووي مع زيادة وفي قوله:(يا إبراهيم) دليل على جواز استعمال صيغة النداء في الغائب أو الميت باعتبار كونه حاضرًا في الذهن.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجنائز [1303] ، وأبو داود في الجنائز باب البكاء على الميت [3126].
5873 -
(2292)(47) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ، (وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ)، قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (وَهُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ)، عَنْ أَيوبَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: مَا رَأَيتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ من رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. قَال: كَانَ إِبْرَاهِيمُ مُسْتَرْضِعًا لَهُ في عَوَالِي الْمَدِينَةِ، فَكَانَ يَنْطَلِقُ وَنَحْنُ مَعَهُ. فَيَدْخُلُ الْبَيتَ وإِنَّهُ لَيُدَّخَنُ. وَكَانَ ظِئرُهُ قَينًا. فَيَأخُذُه فَيُقَبِّلُهُ،
ــ
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث آخر له رضي الله عنه فقال:
5873 -
(2292)(47)(حدثنا زهير بن حرب ومحمد بن عبد الله بن نمير واللفظ لزهير قالا: حدثنا إسماعيل وهو ابن عليه عن أيوب) السختياني (عن عمرو بن سعيد) القرشي مولاهم ويقال له الثقفي أبو سعيد البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (6) أبواب (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أنس: إما رأيت أحدًا) من الناس كان أرحم بالعيال) أي أكثر رحمة للعيال أي للذراري والنساء، والعيال كل من تعوله وتنفق عليه (من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) أنس وذلك لأنه (كان إبراهيم) ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم (مسترضعًا) أي مرتضعًا (له) صلى الله عليه وسلم (في عوالي المدينة) وهي القرى التي بقرب المدينة (فكان) صلى الله عليه وسلم (ينطلق) ويذهب إليه لزيارته (ونحن) معاشر الأصحاب (معه) صلى الله عليه وسلم (فيدخل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (البيت) الذي فيه إبراهيم (وانه) أي والحال إن ذلك البيت (ليُذخن) ويبخر بكير الحداد بضم الياء وتشديد الدال وفتح الخاء على صيغة المبني للمفعول من ادخن من باب افتعل أصله ادتخن قلبت تاء الافتعال دالًا فأدغمت الدال في الدال ليكون مملوءًا بالدخان لأن أبا سيف ظئره كان حدادًا وكان ينفخ الكبير، وفي بعض النسخ بفتح الياء وتشديد الدال وكسر الخاء، ثم بين سببه بقوله .. إلخ (وكان ظئره) أي ظئر إبراهيم وزوج مرضعته (قينًا) أي حدادًا، والظئر زوج المرضعة وتُسمى المرضعة أيضًا ظئرًا قاله ابن قرقول، وقال ابن الجوزي الظئر المرضعة ولما كان زوجها تكفّله سُمي ظئرًا اهـ عيني (فيأخده) أي فيأخذ النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيم من مرضعته (فيُقبِّله) بتشديد الموحدة المكسورة من التقبيل أي يقبله بفمه شفقة عليه ورحمة
ثُمَّ يَرْجِعُ.
قَال عَمْرٌو: فَلَمَّا تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ ابْنِي. وَإِنَّهُ مَاتَ في الثَّدْيِ وَإِن لَهُ لَظِئْرَينِ تُكَمِّلانِ رَضَاعَهُ في الْجَنَّةِ".
5874 -
(2293)(48) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ، عَنْ
ــ
له (ثم يرجعـ) ـه أي يرده إلى مرضعته (قال عمرو) بن سعيد: قال لنا أنس: (فلما توفي) ومات (إبراهيم) رضي الله تعالى عنه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن إبراهيم ابني) وولدي وثمرة فؤادي، وهذا القول أخرجه منه فرط الشفقة والرحمة والحزن اهـ من المفهم (وإنه) أي وإن إبراهيم (مات في) سن ارتضاع (الثدي) أي مات في سن الرضاع قبل تمامه يعني حولين أو المعنى مات في حال تغذية بلبن الثدي اهـ نووي (وإن له) أي لإبراهيم (لظئرين) أي لمرضعتين تثنية ظئرة، والظئر هي المرضعة ولد غيرها وزوجها ظئر لذلك الرضيع فلفظة ظئر تقع على الأنثى والذكر اهـ نووي (تكملان) له أي تتمان له (رضاعه) أي بقية تمام رضاعه (في الجنة) أي بقية السنتين فإنه تمام الرضاعة بنص القرآن، قال الأبي: قال صاحب التحرير دخوله الجنة هو متصل بموته بظاهر هذا الحديث، قال النووي: توفي وله ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر فتُرضعانه بقية السنتين فيدخل الجنة متصلًا بموته نجيتم فيها رضاعه كرامة له ولأبيه صلى الله عليه وسلم اهـ، ولا اختلاف في أن إبراهيم وُلد في ذي الحجة سنة ثمان، وجزم الواقدي بأنه مات يوم الثلاثاء لعشر خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر، وقال ابن حزم: مات قبل النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر اهـ فتح الباري [3/ 174].
وهذا الحديث انفرد به الإِمام مسلم رحمه الله تعالى بهذا السياق.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أنس الأول بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال:
5874 -
(2293)(48) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو غريب قالا: حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي مولاهم الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (17) بابا (و) عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (17) بابا (عن
هِشام، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائشَةَ. قَالت: قَدِمَ نَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. فَقَالُوا: أَتُقَبِّلُونَ صِبْيَانَكُمْ؟ فَقَالُوا: نَعَم. فَقَالُوا: لَكِنَّا، واللهِ مَا نُقَبِّلُ. فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"وَأَمْلِكُ إن كَانَ الله نَزَعَ مِنْكُمُ الرَّحمَةَ".
وَقَال ابْنُ نُمَيرٍ: "من قَلْبِكَ الرَّحمَةَ"
ــ
هشام) بن عروة الأسدي، ثقة، من (5) روى عنه في (16) بابا (عن أبيه) عروة بن الزبير المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (20) بابا (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (قالت) عائشة:(قدم ناس من الأعراب) أي من سكان البوادي (على رسول الله صلى الله عليه وسلم يمكن أن يكون في أولئك الناس الأقرع بن حابس الآتي ذكره في الحديث التالي، وقد ذكر الأصفهاني في الأغاني مثل هذه القصة لقيس بن عاصم التميمي، ووقع مثل ذلك لعيينة بن حصن فيما أخرجه أبو يعلى في مسنده برجال ثقات قال الحافظ في الفتح [10/ 430] بعد ما ذكر هذه الروايات يحتمل أن يكون وقع ذلك لجميعهم، فقد وقع في رواية قدم ناس من الأعراب (فقالوا) لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قتل بعض أولاد بناته وهو الحسن بن علي كما هو مصرح في الحديث الآتي (أتقبَّلون) أي هل تقبّلون (صبيانكم) أي أولادكم يا معشر قريش (فقالوا): أي فقال الحاضرون عند النبي صلى الله عليه وسلم من الأصحاب (نعم) نقتل أولادنا شفقة عليهم (فقالوا): أي فقال أولئك الأعراب (لكنا) نحن (والله ما نقبل) أولادنا (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأولئك الأعراب (وأملك) وفي رواية البخاري (أو أملك) بإثبات همزة الاستفهام فحُذفت همزة الاستفهام في رواية مسلم لعلمها من السياق أي أأملك وأقدر على جعل الرحمة في قلوبكم (إن كان الله) سبحانه (نزع) وأخذ (منكم) أي من قلوبكم (الرحمة) والاستفهام هنا للإنكار أي لا أقدر أن أجعل الرحمة في قلوبكم بعد أن نزعها الله من قلوبكم (وقال) عبد الله (بن نمير) في روايته (من قلبك الرحمة) بكاف خطاب المفرد نظرًا إلى المحاور مع النبي صلى الله عليه وسلم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأدب باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته [5998] وابن ماجه في الآداب باب برّ الوالد والإحسان إلى البنات [3709].
قوله: (وأملك إن كان الله نزع منكم الرحمة) قال القرطبي: كذا وقع هذا اللفظ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
محذوف همزة الاستفهام وهي مرادة تقديره أو أملك وكذا جاء هذا اللفظ في البخاري بإثباتها وهو الأحسن لقلة حذف همزة الاستفهام و (أن) مفتوحة الهمزة وهي مع الفعل في تأويل مصدر منصوب على كونه مفعولًا به لأملك ولكنه على حذف مضاف تقديره أو أملك لكم دفع كون الله نزع الرحمة من قلوبكم بتحصيل الرحمة فيها أي لا أقدر على تحصيلها في قلوبكم وقد أبعد من كسرها ولم تصح رواية الكسر ومعنى الكلام نفى قدرته على الإتيان بما نزع الله من قلوبهم من الرحمة.
والرحمة في حقنا هي رقة وحنو يجده الإنسان في نفسه عند مشاهدة مبتلى أو ضعيف أو صغير يحمله على الإحسان إليه واللطف والرفق والسعي في كشف ما به وقد جعل الله هذه الرحمة في الحيوان كله عاقله وغير عاقله فيها تعطف الحيوانات على نوعها وأولادها فتحنو عليها وتلطف بها في حال ضعفها وصغرها، وحكمة هذه الرحمة تسخير القوى للضعيف والكبير للصغير حتى ينحفظ نوعه وتتم مصلحته وذلك تدبير اللطيف الخبير وهذه الرحمة التي جعلها الله في القلوب في هذه الدار وتحصل عنها هذه المصلحة العظيمة هي رحمة واحدة من مائة رحمة ادخرها الله تعالى ليوم القيامة فيرحم بها عباده المؤمنين وقت أهوالها وشدائدها حتى يخلصهم منها ويدخلهم في جنته وكرامته.
وإذا تقرر هذا فمن خلق الله تعالى في قلبه هذه الرحمة الحاملة على الرفق وكشف ضر المبتلى فقد رحمه الله تعالى بذلك في الحال وجعل ذلك علامة على رحمته إياه في المآل ومن سلب الله ذلك المعنى منه وابتلاه بنقيض ذلك من القسوة والغلظ ولم يلطف بضعيفٍ ولا أَشْفقَ على مُبْتَلَى فقد أشقاه في الحال وجعل ذلك علمًا على شقوته في الحال نعوذ من ذلك، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:"الراحمون يرحمهم الرحمن" رواه أبو داود [4941]، والترمذي [1925] وقال:"لا يرحم الله من عباده إلا الرحماء" متفق عليه رواه البخاري [6655]، ومسلم [923] وقال:"لا تُنزع الرحمة إلا من شقي" رواه أبو داود [4942]، والترمذي [1924] وقال:"من لا يرحم لا يُرحم" انظر تخريجه في التلخيص برقم [2937].
وأما الرحمة في حقه تعالى فهي صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها لا نمثلها ولا نكيفها ولا نعطلها أثرها الأنعام على عباده والإحسان إليهم ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
5875 -
(2294)(49) وحدّثني عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أبي عُمَرَ. جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ. قَال عَمْرٌو: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن الأَقرَعَ بْنَ حَابِسٍ
ــ
وفي هذه الأحاديث ما يدل على جواز تقبيل الصغير على جهة الرحمة والشفقة وكراهة الامتناع من ذلك على جهة الأنفة وهذه القُبلة هي على الفم ويكره مثل ذلك في الكبار إذ لم يكن ذلك معروفًا في الصدر الأول ولا يدل على شفقته فأما تقبيل الرأس فإكرام عند من جرت عادتهم بذلك كالأب والأم، وأما تقبيل اليد فكرهه مالك ورآه من باب الكبر وإذا كان مكروهًا في اليد كان أحرى في الرجل، وقد أجاز تقبيل اليد والرِجل بعض الناس مستدلًا بأن اليهود قبَّلوا يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجليه حين سألوه عن مسائل فأخبرهم بها رواه ابن ماجه [3705]، ولا حجة في ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نزّهه الله عن الكبر وأمن ذلك عليه وليس كذلك غيره ولأن ذلك أظهر من اليهود تعظيمه واعتقادهم صدقه فأقرهم على ذلك ليتبين للحاضرين بإذلالهم أنفسهم له ما عندهم من معرفتهم بصدقه وأن كفرهم بذلك عناد وجحد ولو فهمت الصحابة رضي الله عنهم جواز تقبيل يده ورجله لكانوا أول سابق إلى ذلك فيفعلون به ذلك دائمًا وفي كل وقت كما كانوا يتبركون ببزاقه ونخامته ويدلكون بذلك وجوههم ويتطيّبون بعرقه ويقتتلون على وضوءه ولم يرو قط عن واحد منهم بطريق صحيح أنه قتل يدًا ولا رِجلًا فصح ما قلناه والله ولي التوفيق اهـ من المفهم.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أنس الأول بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال:
5875 -
(2294)(49)(وحدثني عمرو) بن محمَّد بن بكير (الناقد) البغدادي (و) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (جميعًا) أي كلاهما رويا (عن سفيان) بن عيينة (قال عمرو: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهريّ عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه. وهذا السند من خماسياته (أن الأقرع بن حابس) التميمي المجاشعي الدارمي سُمي الأقرع لقرع كان في رأسه وكان حكمًا في الجاهلية، قال ابن إسحاق: وقد على النبي صلى الله عليه وسلم وشهد فتح مكة وحنينًا والطائف وهو من المؤلفة قلوبهم وقد حسُن إسلامه، وشهد مع خالد اليمامة وحرب
أَبْصَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ الحَسَنَ. فَقَال: إِنَّ لِي عَشَرَةَ مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ وَاحِدًا مِنْهُمْ. فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّهُ مَن لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ".
5876 -
(00)(00) حدثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. حَدَّثَني أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثلِهِ
ــ
العراق، ومع شرحبيل دومة الجندل، وكان شريفًا في الجاهلية والإِسلام سار بجيش إلى خراسان فأُصيب بجوزجان في خلافة عثمان، وقيل: استشهد باليرموك مع عشرة من بنيه اهـ من الإصابة [1/ 73](أبصر) ورأى (النبي صلى الله عليه وسلم حالة كون النبي صلى الله عليه وسلم (يُقبّل) بفمه (الحسن) بن علي بن أبي طالب ابن فاطمة رضي الله عنهم (فقال) الأقرع متعجبًا من النبي صلى الله عليه وسلم (إن لي عشرة ومن الولد) المذكور إما قبلت واحدًا منهم) قط (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم متعجبًا: (إنه) أي إن الشأن والحال (من لا يرحم) غيره في الدنيا بالبناء للفاعل (لا يُرحم) بالبناء للمجهول أي لا يرحم في الآخرة بالرفع والجزم في الفعلين الرفع على أن من موصولة، والجزم على أن من شرطية كذا في العيني، قال النووي: قال العلماء: هذا عام يتناول رحمة الأطفال وغيرهم اهـ يعني من لا يرحم الخلق من مؤمن وكافر وبهائم مملوكة وغيرها كأن يتعاهدهم بالإطعام والسقي والتخفيف في الحمل وترك التعدي بالضرب في الدنيا لا يُرحم أي في الآخرة والله أعلم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الأدب باب رحمة الولد [5997] ، وأبو داود في الأدب باب في قبلة الرجل ولده [5218] ، والترمذي في البر والصلة باب في رحمة الولد [1911].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
5876 -
(00)(00)(حدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11)(أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من (9)(أخبرنا معمر بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7)(عن الزهريّ حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة معمر لسفيان بن عيينة (عن النبي صلى الله عليه وسلم وساق معمر (بمثله) أي بمثل حديث ابن عيينة.
5877 -
(2295)(50) حدثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. كِلاهُمَا عَنْ جَرِيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلِيُّ بْنُ خَشرَمٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنَا أبُو كُرَيب، محمد بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا أبُو مُعَاويةَ. ح وَحَدَّثَنَا أبُو سَعِيدٍ الأشَجُّ. حَدَّثَنَا حَفْصٌ، (يَعْنِي ابنَ غِيَاثِ)، كُلُّهمْ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيدِ بْنِ وَهْب وَأَبِي ظِبْيَانَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الله. قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَا يَرْحَمِ النَّاسَ لَا يَرْحَمُهُ الله عز وجل"
ــ
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث أنس الأول بحديث جرير بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما فقال:
5877 -
(2295)(50)(حدثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (كلاهما عن جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم وعلي بن خشرم) بن عبد الرحمن بن عطاء بن هلال المروزي، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (قالا: أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (17) بابا (ح وحدثنا أبو كريب محمَّد بن العلاء) الهمداني الكوفي (حدثنا أبو معاوية) محمَّد بن خازم الضرير التميمي الكوفي، ثقة، من (9)(ح وحدثنا أبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا حفص يعني ابن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (كلهم) أي كل هؤلاء الأربعة المذكورين من جرير وعيسى وأبي معاوية وحفص بن غياث رووا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن زيد بن وهب) الجهني الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (8) أبواب (وأبي ظبيان) حصين بن جندب بن عمرو بن الحارث الجنبي بفتح الجيم وسكون النون، نسبة إلى جنب قبيلة من قبائل اليمن الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (2) (عن جرير بن عبد الله) البجلي الأحمسي الكوفي رضي الله تعالى عنه. وهذه الأسانيد الأربعة كلها من خماسياته (قال) جرير:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لا يرحم الناس) صغارهم وكبارهم وكذا كل الحيوانات (لا يرحمه الله عز وجل في الآخرة جزاءً على عمله. وهذا الحديث بمعنى حديث أبي هريرة المذكور قبله.
5985 -
(00) وحدّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وكيعٌ وَعَبدُ الله بْنُ نُمَيرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيسٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ النبِي صلى الله عليه وسلم، ح وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي شَيبَةَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ. قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ النبِي صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِ حَدِيثِ الأَعْمَشِ
ــ
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 362]، والبخاري أخرجه في الأدب باب رحمة الناس والبهائم [6013] وفي التوحبد باب قول الله تعالى:{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَو ادْعُوا الرَّحْمَنَ} [الإسراء: 110][2376] ، والترمذي في البر والصلة باب في رحمة المسلمين [1922].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جرير رضي الله تعالى عنه فقال:
5878 -
(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع وعبد الله بن نمير عن إسماعيل) بن أبي خالد سعيد البجلي الأحمسي الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (8) أبواب (عن قيس) بن أبي حازم عوف بن عبد الحارث البجلي الأحمسي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (10) أبواب (عن جرير) بن عبد الله رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة قيس بن أبي حازم لزيد بن وهب وأبي ظبيان (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (وأحمد بن عبدة) بن موسى الضبي البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (قالوا: حدثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (عن نافع بن جبير) بن مطعم النوفلي المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (10) أبواب (عن جرير) بن عبد الله رضي الله تعالى عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عمرو بن دينار لسليمان بن الأعمش، ولكنها متابعة ناقصة، وساق عمرو (بمثل حديث الأعمش) عن زيد بن وهب، ولو قال المؤلف بمثل حديث زيد بن وهب لكانت المتابعة تامة واضحة فحينئذٍ غرضه بيان متابعة نافع بن جبير لزيد بن وهب نظير ما قبله والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:
5879 -
(2296)(51) حدّثني عُبَيدُ الله بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعَ عَبْدَ الله بْنَ أَبِي عُتْبَةَ يحدِّثُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِي، ح وحدّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَأَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَال: سَمِعتُ عَبدَ الله بْنَ أبي عُتْبَةَ يَقُولُ: سَمِعتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ حَيَاءَ مِنَ الْعَذْرَاءِ في خِدْرِهَا، وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيئًا عَرَفنَاهُ في وَجْهِهِ
ــ
5879 -
(2296)(51)(حدثني عبيد الله بن معاذ) بن معاذ العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان التميمي العنبري أبو المثنى البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا شعبة عن قتادة سمع عبد الله بن أبي عتبة) الأنصاري مولاهم مولى أنس بن مالك البصري، روى عن أبي سعيد الخدري في المناقب، وعن مولاه أنس وعائشة، ويروي عنه (خ م ق) وقتادة في المناقب وثابت وحميد، قال البزار: ثقة مشهور، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، أي سمعت عبد الله حالة كونه (يحدّث عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك رضي الله تعالى عنه. وهذا السند من سداسياته (ح وحدثنا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى وأحمد بن سنان) بنونين بن أسد بن حبان بكسر المهملة ثم موحدة القطان الواسطي، ثقة، من (11) روى عنه في بابين الصلاة والفضائل (قال زهير: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابا (عن شعبة عن قتادة قال: سمعت عبد الله بن أبي عتبة يقول: سمعت أبا سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته أيضًا حالة كونه (يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها) أي في سترها، والعذراء هي الجارية البكر والخدر ستر يُجعل للبكر في جنب البيت، قال في الشفاء: فالحياء رقة تعتري وجه الإنسان عند فعل ما يتوقع كراهته أو ما يكون تركه خيرًا من فعله اهـ (وكان إذا كره شيئًا عرفناه في وجهه) أي لا يتكلم به لحيائه بل يتغير وجهه فنفهم نحن كراهته وهذا إذا لم تقتض حاجة التبليغ إلى التكلم أما إذا اقتضت ذلك فكان ربما يتكلم بأسلوب حكيم، وفيه فضيلة الحياء وهو من شعب الإيمان وهو خير كله ولا يأتي إلا بخير وهو محثوث عليه ما لم ينته إلى الضعف والنخو اهـ نووي؛ والمراد أنه لا يتكلم إذا لم يكن ذلك في
5880 -
(2297)(52) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. قَالا: حَدَّثَنَا جَريرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ. قَال: دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو حِينَ قَدِمَ مُعَاويةُ إِلَى الْكُوفَةِ. فَذَكَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا
ــ
حدود الله تعالى وحقوقه فلا يؤاخذ أحدًا بما يكره كذا في نسيم الرياض.
وقال بعضهم: الحياء هو انقباض النفس خشبة ارتكاب ما يُكره أعم من أن يكون شرعيًّا أو عقليًا أو عرفيًا ومقابل الأول فاسق، والثاني مجنون، والثالث أبله. وقال بعضهم: إن كان أي الحياء في محرم فهو واجب وإن كان في مكروه فهو مندوب دهان كان في مباح فهو العرفي وهو المراد بقوله: الحياء لا يأتي إلا بخير ويجمع كل ذلك أن المباح إنما هو ما يقع على وفق الشرع إثباتًا ونفيًا، وقد تقدم بسط الكلام على الحياء في كتاب الإيمان باب بيان عدد شعب الإيمان فراجعه إن شئت.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 71]، والبخاري في المناقب [3562]، وفي الأدب [6102] وباب الحياء [6119]، وابن ماجه في الزهد باب الحياء [4233].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي سعيد الخدري بحديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما فقال:
5880 -
(2297)(52)(حدثنا زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة قالا: حدثنا جرير) بن عبد الحميد (عن الأعمش عن شقيق) بن سلمة الأسدي أبي وائل الكوفي، ثقة مخضرم، من (2)(عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (11) بابا (قال: دخلنا على عبد الله بن عمرو) بن العاص رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته (حين قدم معاوية) بن أبي سفيان من الشام (إلى الكوفة) وعبد الله بن عمرو مع معاوية (فدكر) عبد الله بن عمرو (رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أخلاقه وفضائله (فقال) عبد الله بن عمرو في ذكر أخلاقه صلى الله عليه وسلم (لم يكن) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فاحشًا) أي ذا فحش في كلامه. وهذا يدل على كثرة حيائه وشدة صفائه، وأصل الفحش هو الخروج عن الحد المشروع، والفواحش عند العرب القبائح (ولا متفحشًا) أي متكلفًا بفعل الفحش. وقال الحافظ في
وَقَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحَاسنَكُمْ أَخلاقًا".
قَال عُثْمَانُ: حِينَ قَدِمَ مَعَ مُعَاويَةَ إِلَى الْكُوفَةِ
ــ
الفتح [6/ 575](فاحشًا) أي ناطقًا بالفحش وهو الزيادة على الحد في الكلام السيء والمتفحش المتكلّف لذلك أي لم يكن له الفحش خُلُقًا وطبيعة ولا مكتسبًا له اهـ قال الهروي: الفاحش ذو الفحش خِلقة، والمتفحش هو الذي يتكلّف الفحش ويتعمده لإفساد حاله وقد يكون المتفحش الذي يأتي الفاحشة ويفعلها اهـ (وقال) عبد الله بن عمرو:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من خياركم) وأفاضلكم (أحاسنكم أخلاقًا) وسجايا وطبائع، وفيه الحث على حُسن الخُلق وبيان فضيلة صاحبه وهو صفة أنبياء الله تعالى وأوليائه، قال الحسن البصري: حقيقة حُسن الخُلق بذل المعروف وكف الأذى وطلاقة الوجه اهـ نووي (قال عثمان) بن أبي شيبة في روايته (حين قدم) عبد الله (مع معاوية) من الشام (إلى الكوفة).
وعبارة القرطبي هنا: و (الفاحش) هو المجبول على الفحش وهو الجفاء في الأقوال والأفعال، والمتفحش هو المتعاطي لذلك والمستعمل له وقد برأ الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن جميع ذلك ونزّهه فإنه كان رحيمًا رفيقًا لطيفًا سمحًا (سهلًا) متواضعًا طلقًا برًا وصولًا محبوبًا لا تقتحمه عين ولا تمجه نفس ولا يصدر عنه شيء يُكره صلى الله عليه وسلم وشرّف وكرّم، وقوله:(إن من خياركم أحاسنكم أخلاقًا) هو جمع أحسن على وزن أفعل التي للتفضيل وهي إن قرنت بـ (من) كانت للمذكر والمؤنث والجمع بلفظ واحد وإن لم تقترن بـ (من) وعرّفتها بالألف واللام ذكرت وأنَّثْتَ وثنَّيتَ وجمعت، وإذا أضيفت ساغ فيها الأمران كما جاء هنا أحاسنكم وكما قال تعالى:{أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} [الأنعام: 123] وقد قال تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة: 96] وقد روي هذا الحديث "أحسنكم" بالإفراد، والأخلاق جمع خُلق وهي عبارة عن أوصاف الإنسان التي يُعامل بها غيره ويخالطه، وهي منقسمة إلى محمود ومذموم فالمحمود منها صفات الأنبياء والأولياء والفضلاء كالصبر عند المكاره، والحلم عند الجفاء، وتحمّل الأذى والإحسان إلى الناس والتودد لهم، والمسارعة في حوائجهم والرحمة والشفقة واللطف في المجادلة والتثبت في الأمور ومجانبة المفاسد والشرور، وعلى الجملة فاعتدالها أن تكون مع غيرك على نفسك فتنصف منها ولا تنتصف لها؛
5881 -
(00)(00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ، (يَعْنِي الأَحْمَرَ)، كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
5882 -
(2298)(53) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ. قَال: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ
ــ
فتعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، والمذموم منها نقيض ذلك كله اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 161]، والبخاري في مواضع كثيرة منها في المناقب باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم [3559]، والترمذي في البر والصلة باب ما جاء في الفحش والتفحش [1975].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
5881 -
(00)(00)(وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية ووكيع ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (ح وحدثنا أبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا أبو خالد يعني الأحمر) سليمان بن حيان الأزدي الكوفي، صدوق، من (8) روى عنه في (12) بابا (كلهم) أي كل من هؤلاء الأربعة المذكورين من أبي معاوية ووكيع وعبد الله بن نمير وأبي خالد الأحمر رووا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن شقيق، عن مسروق، عن عبد الله، غرضه بيان متابعة هؤلاء الأربعة لجرير بن عبد الحميد، وساقوا أي ساق هؤلاء الأربعة (مثله) أي مثل ما روى جرير عن الأعمش.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنهما فقال:
5882 -
(2298)(53)(حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية الجعفي الكوفي (عن سماك بن حرب) بن أوس الذهلي الكوفي، صدوق، من (4) روى عنه في (14) بابا (قال) سماك:(قلت لجابر بن سمرة) بن جنادة السوائي الكوفي، الصحابي بن الصحابي رضي الله تعالى عنهما، روى عنه في (6) أبواب، وهذا السند من رباعياته (أكنت) أي هل كنت يا جابر (تجالس) وتلازم (رسول الله صلى الله
عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَال: نَعَمْ، كَثِيرًا. كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاة الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. فَإِذَا طَلَعَتْ قَامَ. وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِليَّةِ. فَيَضْحَكُونَ. ويتَبَسَّمُ صلى الله عليه وسلم
ــ
عليه وسلم قال) جابر: (نعم) جالسته (كثيرًا) من الزمن فإن شئت أن أخبر لك من آدابه فأقول لك (كان) صلى الله عليه وسلم (لا يقوم) ولا يمشي (من مصلاه) أي من مكان صلاته (الذي يصلي فيه الصبح حتى تطلع الشمس) وتشرق ويصح أن يكون كثيرًا ظرفًا لكان تقديره كان كثيرًا من الزمن لا يقوم من مصلاه أي كان في أغلب الأوقات لا يقوم حتى تطلع الشمس .. إلخ (فإذا طلعت) الشمس وأشرقت (قام) من مصلاه ومشى إلى منزله أو إلى حاجته، وفيه استحباب الذكر بعد الصبح وملازمة مجلسها ما لم يكن عذر، قال القاضي: هذه سنة كان السلف وأهل العلم يفعلونها ويقتصرون في ذلك الوقت على الذكر والدعاء حتى تطلع الشمس اهـ نووي (وكانوا) أي وكان أصحابه صلى الله عليه وسلم (يتحدثون) جنبه (فيأخذون) أي فيشرعون ويذكرون في محادثتهم (في أمر الجاهلية) أي في أمورهم وشؤونهم التي مرت عليهم في الجاهلية يعني قبل الإسلام أو يذكرون أمور أهل الجاهلية والأمم السابقة (فيضحكون) من تلك الأمور التي ذكروها إن كانت مما يضحك منه (ويتبسم) رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكروا من تلك الأمور وضحكوا، والضحك انكشار الشفتين عن الأسنان واللثات مع إظهار الصوت بلا رفع فإن كان فيه رفع فيُسمى قهقهة والتبسم انكشار الشفة عن الأسنان بلا إظهار صوت أصلًا.
ففيه جواز الحديث بأخبار الجاهلية وغيرها من الأمم وجواز المباح من الكلام وجواز الضحك، وأن التبسمَ هو المستحسنُ منه اللائقُ بأهلِ الفضلِ والسَّمتِ وهو كان أكثر ضحكه في عامة أوقاته صلى الله عليه وسلم ويكره الإكثار من الضحك لأنه يُميت القلب كما قال لقمان، وهو من خُلق أهل البطالة والسّفه اهـ من إكمال المعلم، وهو في أهل المراتب والعلم أقبح والله أعلم نووي.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الصلاة باب صلاة الضحى [1294]، والترمذي في الصلاة باب ذكر ما يستحب من الجلوس في المسجد بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس [585]، والنسائي في السهو باب قعود الإمام في مصلاه بعد
5883 -
(2299)(54) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ وَحَامِدُ بْنُ عُمَرَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو كَامِلٍ. جَمِيعًا عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيدٍ. قَال أَبُو الرَّبِيعِ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَغُلامٌ أَسْوَدُ يُقَالُ لَهُ: أَنْجَشَةُ يَحْدُو. فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَا أَنْجَشَةُ، رُوَيدَكَ، سَوْقًا بِالْقَوَارِيرِ"
ــ
التسليم [1357 و 1358]، وقد سبق للمؤلف أيضًا ذكره في المساجد باب فضل الجلوس في مصلاه بعد الصبح.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة بحديث أنس رضي الله عنه فقال:
5883 -
(2299)(54)(حدثنا أبو الربيع العتكي) الزهراني سليمان بن داود البصري (وحامد بن عمر) بن حفص بن عمر بن أبي بكرة الثقفي البكراوي البصري، قاضي كرمان ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (وقتيبة بن سعيد وأبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (جميعًا) أي كل من الأربعة رووا (عن حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري (قال أبو الربيع: حدثنا حماد) بصيغة السماع (حدثنا أيوب) بن أبي تميمة السختياني العنزي البصري (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي البصري (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذ! السند من خماسياته (قال) أنس: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره) هذه السفرة هي حجة الوداع كما رأيته أنا في مسند أحمد اهـ تنبيه المعلم، الجار والمجرور خبر لكان (وغلام) مبتدأ سوغ الابتداء بالنكرة وصفه بقوله:(أسود يقال له) أي يسمى (أنجشة) والجملة صفة ثانية للمبتدأ (يحدو) ويمدح الإبل لتسرع في سيرها، والجملة الفعلية خبر المبتدأ قال البلاذري: وكان الغلام حبشيًّا حسن الصوت يكنى أبا مارية، ووقع عند الطبراني أنه كان من المخنثين كما في الإصابة [1/ 81] وقوله:(يحدو) من الحداء الذي ينشده السائق لحث الإبل على السير (فقال له) أي لذلك الغلام (رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أنجشة رويدك) اسم فعل أمر بمعنى أرود و (سوقًا بالقوارير) مفعول به لاسم الفعل، والكاف حرف خطاب لا ضمير أي ارفق والطف وخفّف سوقًا بالقوارير أي خفف سوقك الإبل بالنساء المشبهة بالقوارير في سرعة التأثر والانكسار إليهن إذا أسرعت الإبل
5884 -
(00)(00) وحدّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ وَحَامِدُ بْنُ عُمَرَ وَأَبُو كَامِلٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، بِنَحْوهِ.
5885 -
(00)(00) وحدّثني عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ
ــ
فسقطن منها لأنهن ضعاف الجسم ربما ينكسرن إذا سقطن من الإبل بإسراعها، أو منصوبة بنزع الخافض أي خفّف في سوقك بالقوارير، وقال الراغب: رويدًا من أرود يرود كأمهل يمهل وزنًا ومعنى من الرود وهو التردد في طلب الشيء برفق، وقال الرامهرمزي: رويدًا تصغير رود فعل الرائد، ولم يُستعمل رود بمعنى المهلة إلا مصغرًا، والقوارير جمع قارورة وهي الزجاجة سُميت بذلك لاستقرار الشراب فيها، وأراد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء وهي كناية لطيفة لأن المرأة تشابه الزجاجة في رقتها ولطافتها وضعف بنيتها يعني بالقوارير ضعفة النساء شبههنّ بالقوارير لسرعة تأثرهن ولعدم تجلّدهن فخاف عليهن من حث السير وسرعته سقوط بعضهن أو تألمهن بكثرة الحركة والاضطرابِ الذي يكون عن السرعة والاستعجال، وقيل: إنه خاف عليهن الفتنة، وحُسن الحدو طيبه كما قال سليمان بن عبد الملك: يا بني أمية إياكم والغناء فإنه رقية الزنا، فإن كنتم ولا بد فاعليه فجنبوه النساء.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع كثيرة منها باب المعاريض مندوحة من الكذب [6209 و 6210 و 6211].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
5884 -
(00)(00)(وحدثنا أبو الربيع العتكي وحامد بن عمر وأبو كامل قالوا: حدثنا حماد) بن زيد (عن ثابت) بن أسلم البناني (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة ثابت لأبي قلابة وساق ثابت (بنحوه) أي بنحو حديث أبي قلابة.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:
5885 -
(00)(00)(وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (كلاهما) رويا (عن) إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه، ثقة، من (8) روى عنه في (15)
قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَنَس؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَى عَلَى أَزْوَاجِهِ، وَسَوَّاقٌ يَسُوقُ بِهِنَّ يُقَالُ لَهُ: أَنْجَشَةُ. فَقَال: "وَيحَكَ يَا أَنْجَشَةُ، رُوَيدًا سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ".
قَال: قَال أَبُو قِلابَةَ: تَكَلَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِكَلِمَةٍ لَوْ تَكَلَّمَ بِهَا بَعْضُكُمْ لَعِبْتُمُوهَا عَلَيهِ
ــ
بابا (قال زهير: حدثنا إسماعيل) بصيغة السماع، قال إسماعيل:(حدثنا أيوب) السختياني (عن أبي قلابة عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة إسماعيل لحماد بن زيد (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى) أي مر (على أزواجه) رضي الله تعالى عنهن في بعض أسفاره (وسوّاق) مبتدأ وسوّغ الابتداء بالنكرة قصد الإبهام، وجملة قوله:(يسوق بهن) النوق خبر المبتدأ أو الجملة الفعلية صفة للمبتدأ وهي المسوغة للابتداء، والخبر جملة قوله:(يقال له أنجشة) أو جملة القول حال من فاعل يسوق أو الكلام على التقديم والتأخير فتكون جملة القول صفة لسواق فهي المسوغة كما تدل على هذا الوجه الرواية الأولى، والتقدير وسواق يقال له: أنجشة يسوق بهن النوق، وجملة قوله:(فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: معطوفة على جملة قوله أتى أي مر على أزواجه، والحال أنه يسوق بهن النوق سواق يقال: أنجشة فقال للسواق: (ويحك يا أنجشة) أي ألزمك الله الرحمة والسلامة وحفظك من كل مكروه (رويدًا) أي أرود وأمهل (سوقك) النوق (بالقوارير) إروادًا وإمهالًا والطف وارفق في سوقك بالنوق ولا تستعجل فيه وتأن فيه لأنها حاملة بالنساء المشبهة بالقوارير في إنكسارهن وتألمهن بأقل عثرة وزلة من النوق، قال ابن علية:(قال) لنا أيوب: (قال أبو قلابة) عن أنس: (تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند نهيه السواق عن الاستعجال (بكلمة لو تكلم بها بعضكم) الآن (لعبتموها) أي لعيبتموا تلك الكلمة (عليه) أي على ذلك البعض المتكلم بها لكونها من كلمة يُستقبح التصريح بها.
وقال الكرماني: (فإن قلت): هذه استعارة لطيفة بليغة فلم تُعاب (قلت): لعله نظر إلى أن شروط الاستعارة أن يكون وجه الشبه جليًّا وليس بين القارورة والمرأة وجه التشبيه من حيث ذاتهما ظاهر، لكن الحق أنه كلام في غاية الحسن والسلامة عن العيوب ولا يلزم في الاستعارة أن يكون وجه الشبه جليًّا من حيث ذاتهما بل يكفي الجلاء الحاصل من القرائن الجاعلة للوجه جليًّا ظاهرًا كما في المبحث، ويحتمل أن يكون قصد
5993 -
(72) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ، عَنْ سُلَيمَانَ التَّيمِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ. حَدَّثَنَا التَّيمِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: كَانَتْ أُمُّ سُلَيمٍ مَعَ نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَهُنَّ يَسُوقُ بِهِنَّ سَوَّاقٌ. فَقَال نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَي أَنْجَشَةُ، رُوَيدًا سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ"
ــ
أبي قلابة أن هذه الاستعارة تحسن من مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم في البلاغة ولو صدرت ممن لا بلاغة له لعبتموها وهذا هو الائق بمنصب أبي قلابة والله أعلم اهـ. وقال الأبي: تلك الكلمة هي قوله رويدك سوقك بالقوارير، وفي الآخر لا تكسر القوارير وهن ضعفة النساء، واختلف العلماء في المراد بتسميتهن قوارير على قولين أصحهما أن معناه أن أنجشة كان حسن الصوت وكان يحدو بهن وينشد شيئًا من القريض والرجز وما فيه تشبيب فلم يأمن أن يفتنهن ويقع في قلوبهن حداؤه فأمره بالكف عن ذلك، ومن أمثالهم المشهورة (الغناء رقية الزنا) والقول الثاني أن المراد به الرفق في السير لأن الإبل إذا سمعت الحداء أسرعت في المشي واستلذته فأزعجت الراكب وأتعبته فنهاه عن ذلك لأن النساء يضعفن عن شدة الحركة ويخاف ضررهن وسقوطهن اهـ نووي باختصار.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:
5886 -
(00)(00)(وحدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (أخبرنا يزيد بن زريع) مصغرًا التيمي العيشي أبو معاوية البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن سليمان) بن طرخان (التيمي) أبي المعتمر البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (13) بابا (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة سليمان لأبي قلابة (ح وحدثنا أبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (حدثنا يزيد) بن زريع التيمي العيشي (حدثنا) سليمان (التيمي عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة أبي كامل ليحيى بن يحيى (قال) أنس:(كانت) والدتي (أم سليم مع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره (وهن) أي نساء النبي صلى الله عليه وسلم (يسوق بهن) الإبل (سواق) فحدا الإبل فأسرعت في السير (فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم للسواق (أي أنجشة) أي يا أنجشة (رويدًا) أي أرود رويدًا أو أمهل إمهالًا (سوقك) النوق (بالقوارير) أي بالنساء المشبهة بالقارورة.
5887 -
(00)(00) وحدّثنا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ. حَدَّثَنِي هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَادٍ حَسَنُ الصَّوْتِ. فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "رُوَيدًا يَا أَنْجَشَةُ، لَا تَكْسِرِ الْقَوَارِيرَ" يَعْنِي ضَعَفَةَ النِّسَاءِ.
5888 -
(00)(00) وحدّثناه ابْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَلَمْ يَذْكُرْ: حَادٍ حَسَنُ الصَّوْتِ
ــ
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:
5887 -
(00)(00)(وحدثنا) محمد (بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث العنبري البصري (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار العوذي، مولاهم مولى عوذ بن سود بن الحجر بن عمران أبو عبد الله البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (حدثنا قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة قتادة لأبي قلابة (قال) أنس:(كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سواق (حاد) أي مادح للإبل لتنشط في السير (حسن الصوت) فحدا الإبل وعليها أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (فقال له): أي لذلك الحادي (رسول الله صلى الله عليه وسلم رويدًا) أي أرود إروادًا في سوق الإبل وارفق بها إرفاقًا (يا أنجشة لا تكسر القوارير) قال أنس: (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بالقوارير (ضعفة النساء).
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:
5888 -
(00)(00)(وحدثناه) محمد (ابن بشار) العبدي البصري (حدثنا أبو داود) الطيالسي سليمان بن داود بن الجارود البصري (حدثنا هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي (عن قتادة عن أنس) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم غرضه بيان متابعة هشام لهمام (و) لكن (لم يذكر) هشام في روايته (حاد حسن الصوت) بل قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلام يقال له أنجشة.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الخامس من الترجمة بحديث آخر لأنس رضي الله عنه فقال:
5889 -
(2300)(55) حدَّثنا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، جَمِيعًا عَنْ أَبِي النَّضْرِ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، (يَعْنِي هَاشِمَ بْنَ الْقَاسِمِ)، حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ جَاءَ خَدَمُ الْمَدِينَةِ بِآنِيَتِهِمْ فِيهَا الْمَاءُ. فَمَا يُؤْتَى بإِنَاءٍ إِلَّا غَمَسَ يَدَهُ فِيهَا. فَرُبَّمَا جَاؤُوهُ فِي الْغَدَاةِ الْبَارِدَةِ فَيَغْمِسُ يَدَهُ فِيهَا
ــ
5889 -
(2300)(55)(حدثنا مجاهد بن موسى) بن فروخ الخوارزمي أبو علي الختلي البغدادي، ثقة، من (9) روى عنه في (2) النكاح والمناقب (وأبو بكر) محمد (بن النضر بن أبي النضر) هاشم بن القاسم البغدادي، ثقة، من (11) روى عنه في (7) أبواب (وهارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي المعروف بِالحَمَّال بالمهملة، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن أبي النضر) هاشم بن القاسم لكن (قال أبو بكر: حدثنا أبو النضر) بصيغة السماع (يعني) أبو بكر بأبي النضر (هاشم بن القاسم) بن مسلم بن مقسم الليثي مولاهم البغدادي، الحافظ مشهور بكنيته، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي مولاهم أبو سعيد البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (9) (عن ثابت) البناني (عن أنس بن مالك) الأنصاري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أنس:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الغداة) أي صلاة الصبح (جاء خدم) أهل (المدينة) جمع خادم يطلق على الذكر والأنثى أي جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم (بآنيتهم) جمع إناء كالقدح والإبريق والكأس والطست التي (فيها الماء فما يؤتى) النبي صلى الله عليه وسلم بالبناء للمفعول (بإناء) من تلك الأواني (إلا غمس) وأدخل (يده) الشريفة (فيها) أي في تلك الأواني أي في ماءها (فربما جاؤوه) أي فكثيرًا ما جاء خدم أهل المدينة النبي صلى الله عليه وسلم (في الغداة الباردة) أي في البكرة ذات البرد الشديد بالأواني التي فيها المياه الباردة (فيغمس) أي فيدخل (يده) الشريفة (فيها) أي في تلك الأواني المشتملة على المياه الباردة وفاءً لهم لطلباتهم فلا يمنعه البرد الشديد من إدخال يده فيها يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يمنعه البرد من تحقيقه آمال أصحابه فكان يتحمل العناء والتعب بنفسه لقضاء حوائجهم وإنما كانوا يفعلون ذلك تبركًا بما لمسه النبي صلى
5890 -
(2301)(56) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا أَبُو النَّضرِ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: لَقَدْ رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالْحَلَّاقُ يَحْلِقُهُ. وَأَطَافَ بِهِ أَصْحَابُهُ. فَمَا يُرِيدُونَ أَنْ تَقَعَ شَعْرَةٌ إِلَّا فِي يَدِ رَجُلٍ
ــ
الله عليه وسلم وأدخل يده المباركة فيه، وفيه حسن خلقه صلى الله عليه وسلم ومشاركته الجميع وإجابته دعوة الصغير والكبير كما قال تعالى:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} قال النووي: في هذه الأحاديث بيان بروزه صلى الله عليه وسلم للناس وقربه منهم ليصل أهل الحقوق إلى حقوقهم ويرشد مسترشدهم ليشاهدوا أفعاله وحركاته فيقتدى بها وهكذا ينبغي لولاة الأمور.
وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات لكن شاركه أحمد في مسنده [3/ 137].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث آخر له رضي الله عنه فقال:
5890 -
(2301)(56)(حدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا أبو النضر) هاشم بن القاسم (حدثنا سليمان) بن المغيرة (عن ثابت) بن أسلم (عن أنس) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أنس: والله (لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق) أي والحال أن صاحب الحلق فهو صيغة نسب كتمار وبقال وبزاز (يحلقه) أي يحلق شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم (و) قد (أطاف) وأحاط (به) أي بالحلاق أو بالنبي صلى الله عليه وسلم (أصحابه) رضي الله عنهم لأخذ شعره تبركًا به (فما يريدون) أي فيما يُحبون (أن تقع) وتسقط (شعرة) من شعره صلى الله عليه وسلم من رأسه (إلا في يد رجل) منهم أي إلا وقوعها في يد رجل منهم لا على الأرض. وفي الحديث دليل ظاهر على التبرك بشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قسم شعراته بين أصحابه وما ذلك إلا لأجل التبرك به، وفي الحديث دليل على طهارة شعر الإنسان، وهذا الحديث انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات لكن أخرجه أحمد في مسنده [3/ 137].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أنس بحديث آخر له رضي الله عنه فقال:
5891 -
(2302)(57) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ؛ أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيءٌ. فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي إِلَيكَ حَاجَةً. فَقَال:"يَا أُمَّ فُلانٍ، انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ" فَخَلا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ. حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا
ــ
5891 -
(2302)(57)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي، ثقة، من (9) روى عنه في (19) بابا (عن حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن ثابت) بن أسلم (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن امرأة) من الصحابيات تسمى أم زفر وهي ماشطة خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها كذا في النسيم (كان في عقلها شيء) من النقص (فقالت: يا رسول الله: إن لي إليك حاجة) أي خفية عن الناس (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أم فلان) أي يا أم زفر (انظري) أي اختاري (أي السكك) أي أي الزقاق (شئت) أي أردت فعيّني لي (حتى أقضي) وأتمم لك فيها (حاجتك) فعينت له زقاقًا من الأزقة (فخلا معها) أي وقف معها (في بعض الطرق) أي في طريق مسلوك للناس ليقضي حاجتها ويفتيها في الخلوة (حتى فرغت من حاجتها) واستفتائها ولم يكن ذلك من الخلوة بالأجنبية فإن هذا كان في ممر الناس ومشاهدتهم إياه وإياها لكن لا يسمعون كلامها لأن مسألتها مما لا يظهره والله أعلم اهـ نووي. وفي الحديث من كمال تواضعه صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 98]، والبخاري أخرجه في رقم [6072]، وأبو داود [4819]، والترمذي [324] في الشمائل، وابن ماجه [4177].
قال القرطبي: وموافقة النبي صلى الله عليه وسلم لمن يطلب منه غمس يده في الماء وللجارية التي كلمته في الطريق دليل على كمال حُسن خُلقه وتواضعه وإسعاف منه لمن طلب منه ما يجوز طلبه وإن شق ذلك عليه ويحصل لهم أجر على نياتهم وبركة في أطعمتهم وقضاء حاجاتهم وقد كانت الأمة تأخذ بيده فتنطلق به حيث شاءت من المدينة وهذا كمال لا يعرفه إلا الذي خصه به والله أعلم اهـ من المفهم.
جملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث اثنا عشر: الأول: حديث أنس
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني: حديث أنس الثاني ذكره للاستشهاد به للأول، والثالث: حديث عائشة ذكره للاستشهاد به، والرابع: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس: حديث جرير بن عبد الله ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس: حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والسابع: حديث عبد الله بن عمرو ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن: حديث جابر بن سمرة ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة، والتاسع: حديث أنس الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات، والعاشر: حديث أنس الرابع ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة، والحادي عشر: حديث أنس الخامس ذكره للاستشهاد، والثاني عشر: حديث أنس السادس ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم.
***