الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
688 - (2) باب بيان مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم وشفقته على أمته وذكر كونه خاتم النبيين وذكر إذا أراد الله رحمة أمة قبض نبيها قبلها
5811 -
(2255)(10) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو عَامِرٍ الأَشْعَرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، (وَاللَّفْظُ لأَبِي عَامِرٍ)، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: "إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ عز وجل مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ غَيثٍ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ، قَبِلَتِ الْمَاءَ
ــ
688 -
(2) باب بيان مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم وشفقته على أمته وذكر كونه خاتم النبيين وذكر إذا أراد الله رحمة أمة قبض نبيها قبلها
5811 -
(2255)(10)(حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو عامر) عبد الله بن براد (الأشعري) الكوفي، صدوق، من (10) روى عنه في (4) أبواب (ومحمد بن العلاء) بن غريب أبو غريب (واللفظ) الآتي (لأبي عامر قالوا): أي قال كل من الثلاثة: (حَدَّثَنَا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي، ثقة، من (9)(عن بريد) بن عبد الله بن أبي بردة أبو بردة الصغير الكوفي، ثقة، من (6)(عن) جده (أبي بردة) الكبير عامر بن أبي موسى، ثقة، من (2)(عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال) النبي صلى الله عليه وسلم لأبي موسى:(أن مثل) وصفة (ما بعثني الله به عز وجل في كونه أمرًا مشتركًا بين الناس فانتفع به بعضهم وحُرم منه الآخرون، والمثل هنا بفتحتين بمعنى الصفة العجيبة لا بمعنى المثل السائر، حالة كونه (من الهدى) والشريعة (والعلم) أي والفقه في الدين، وقال القسطلاني: هي الدلالة الموصلة إلى المقصود والعلم المراد به هنا الأدلة الشرعية (كمثل غيث) أي مطر أي كصفة مطر (أصاب أرضًا) أي نزل بجميع نواحي الأرض لم يخص بعضها عن بعض (فكانت منها) بيان مقدم أي فكانت (طائفة) أي قطعة (طيبة) أي منبتة منها أي من الأرض (قبلت الماء) أي شربت الماء أي ماء المطر وانتفعت به في نفسها. وقوله:
فَأَنْبَتَتِ الْكَلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ. وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ. فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ. فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَرَعَوْا، وَأَصَابَ طَائِفَةَ مِنهَا أُخْرَى. إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلأً. فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللهِ، وَنَفَعَهُ بِمَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ
ــ
(قبلت) لم يختلف رواة مسلم فيه في كونه بالباء الموحدة وهو الصواب وفي رواية البخاري (قيلت) بالياء المشددة بدل الموحدة، قال الأصيلي: وهو تصحيف لا معنى له (فأنبتت) تلك الطائفة التي قبلت الماء وشربت (الكلأ) بالهمز بلا مد، يقال للنبات الرطب واليابس كليهما (والعشب الكثير) والعشب بضم العين وسكون الشين المعجمة فهو بمعنى النبات الرطب فقط، وذكره بعد الكلأ من ذكر الخاص بعد العام للاهتمام به (وكان منها) بيان مقدم أيضًا أي وكان (أجادب) منها جمع جدب بفتحتين وهي الأرض الصلبة التي لا ينضب ولا يدخل فيها الماء ولا تشربه ولكن يجتمع عليها الماء كالبركة والمستنقع، قال الأصمعي: الأجادب من الأرض ما لا ينبت الكلأ ومعناه أنها جردة بارزة لا يسترها شيء أي وكانت أجادب منها (أمسكت) الماء وجمعته على ظهرها (فنفع الله) تعالى (بها) أي بالماء الَّذي جمعته على ظهرها (الناس فشربوا منها) أي من مائها بأنفسهم (وسقوا) به زرعهم (ورعوا) به أي بعشبه دوابهم، وهذا مثل الطائفة الثانية يعني الَّذي فقه الدين وعلم غيره ولم يعمل به إلَّا الفرائض (وأصاب) ذلك المطر (منها) طائفة (أخرى) أي غير الأوليين أي وأصاب طائفة أخرى منها (إنما هي) أي تِلْكَ الأخرى (قيعان) بكسر القاف وسكون الياء جمع قاع؛ وهي الأرض المستوية الملساء التي لا تنبت ولا تجمع ماء يعني لا يستقر عليها الماء لاستوائه وملاسته فلم تنتفع بالماء لعدم دخول الماء فيها ولم تنفع غيرها لعدم جمعها الماء فينتفع به غيرها كما قاله في الحديث (لا تمسك ماء) فتنتفع به (ولا تنبت كلا) فتنفع غيرها، وهذا مثل الطائفة الثالثة التي بلغها الشرع فلم تؤمن به ولم تقبل (فذلك) المذكور من طوائف الأرض الثلاثة أمثال من بعثت إليهم بهذا الدين: الأولى منها وهي الأرض الطيبة التي قبلت الماء وأنبتت الكلأ (مثل من فقه) وعلم (في دين الله) أي صار فقيهًا فيه (ونفعه) الله تعالى (بـ) العمل بـ (ما بعثني الله به) ونفع غيره بتعليمه إياه (فـ) الثانية منها وهي الأجادب التي أمسكت الماء فنفع الله بها الناس مثل من (عَلِمَ) وفقه في دين الله (وعلّم) غيره فانتفع به الناس ولم
وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ"
ــ
ينتفع هو به بالعمل بنواقله وآدابه إلَّا الفرائض (و) الثالثة منها وهي القيعان التي لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ (مثل من لم يرفع بذلك) أي بما بعثني الله به (رأسًا) له من الأرض أي لم يستمع إليه بإذنه ولم يبال به (ولم يقبل) بقلبه (هدى الله الَّذي) جئت و (أُرسلت به) يعني لم يستمع ولم يصغ إليه بإذنه الَّذي في الرأس ولم يصدقه بقلبه، فذكر في الحديث الأقسام الثلاثة من الناس ضمنًا كما ذكر الأقسام الثلاثة من الأرض صريحًا، وقال القرطبي: قوله: (فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه الله بما بعثني الله به فعَلِم وعلّم) هذا مثل الطائفة الأولى من الأرض. وقوله: (ومثل من لم يقبل هدى الله الَّذي أُرسلت به) مثل الطائفة الثالثة من الأرض وسكت عن مثل الطائفة الثانية من الأرض إما لأنها قد دخلت في الأولى بوجه لأنها قد حصل منها نفع في الدين وإما لأنه قد أخبر بالأهم فالأهم وهما الطائفتان المتقابلتان العليا والسفلى وترك الوسطى التي بينهما لفهمها من أقسام المشبه به المذكورة أولًا اهـ من المفهم.
وقال في المبارق: قوله عليه السلام من فقه إلى قوله فعلم وعلّم مثل الطائفة الأولى من الأرض، وقوله: من لم يرفع بذلك رأسًا مثل الطائفة الثانية، وقوله: ولم يقبل هدى الله الَّذي أُرسلت به مثل الطائفة الثالثة بتقدير ومثل من لم يقبل هدى الله. وقال الكرماني: قوله ونفعه صلة موصول محذوف معطوف على الموصول الأول فيكون الحديث هكذا: فذلك مثل من فقه في دين الله ومثل من نفعه الله .. إلخ فحينئذٍ تكون الأقسام الثلاثة من الأمة المذكورة إلَّا أنها غير مرتبة لأن من فقه في دين الله مثل للثاني ومن نفعه الله به فعلم وعلّم هو الأول ومن لم يرفع به .. إلخ هو الثالث، ومنهم من بيّن الأقسام الثلاثة من الأرض والأمة كالنووي إلَّا أنَّه لم يبتن أي جملة من جمل الحديث مثال لأي قسم من أقسام المشبه والله أعلم.
قال القرطبي: ومقصود هذا الحديث ضرب مثل لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من العلم والدين ولمن جاءهم بذلك فشبَّه ما جاء به بالمطر العام الَّذي يأتي الناس في حال إشرافهم على الهلاك يحييهم ويغيثهم، ثم شبّه السامعين له بالأرض المختلفة فمنهم العالم العامل المعلّم فهذا بمنزلة الأرض الطيبة شربت الماء فانتفعت به في نفسها وأنبتت فنفعت غيرها، ومنهم الجامع المعلّم الحافظ له المستغرق لزمانه في جمعه ووعيه غير أنَّه لم يتفرغ للعمل بنوافله ولا ليتفقه فيما جمع لكنه أداه لغيره كما سمعه فهذا بمنزلة
5812 -
(2256)(11) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادٍ الأشعَرِيُّ وَأَبُو كُرَيبٍ، (وَاللَّفْظُ لأَبِي كُرَيبٍ)، قَالا حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: "إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللهُ بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمَهُ. فَقَال: يَا قَوْمِ، إِنِّي رَأَيتُ الْجَيشَ بِعَينَيَّ، وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ
ــ
الأرض الصلبة التي يستقر فيها الماء فينتفع الناس بذلك الماء فيشربون ويسقون، ومنهم من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الَّذي أُرسلت به ولم يؤمن به وكفر فهذا مثل الأرض القيعان التي لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ اهـ من المفهم باختصار وزيادة.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 399]، والبخاري في العلم باب فضل من عَلِم وعلّم [97].
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال:
5812 -
(2256)(11)(حَدَّثَنَا عبد الله بن برّاد) بن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى (الأشعري) أبو عامر الكوفي، صدوق، من (10) (وأبو غريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (واللفظ لأبي غريب قالا: حَدَّثَنَا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد) بن عبد الله بن أبي بردة (عن أبي بردة عن أبي موسى) الأشعري رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته، وهو نفس السند الَّذي في الحديث قبله (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (إن مثلي) وصفتي (ومثل) أي صفة (ما بعثني الله به) من الهدى والشريعة (كمثل رجل أتى قومه فقال) لهم: (يا قوم إني رأيت الجيش) أي جيش عدوكم (بعيني) هاتين.
قال القرطبي: وهذا ضرب مثل لحاله في الإنذار ولأحوال السامعين لإنذاره فإنه أنذرهم بما علمه من عقاب الله وبما يتخوف عليهم من فجاته فمن صدَّقه نجا ومن أعرض عنه هلك وهذا بخلاف المثل في الحديث الأول فإن ذلك بالنسبة إلى تحصيل العلم والانتفاع به صمالى الإعراض عنه فهما مثلان مختلفان اهـ من المفهم.
(وإني أنا) توكيد لياء المتكلم أو ضمير فصل (النذير) أي المنذر المخوِّف لكم عما يهلككم من عذاب الله تعالى إن عصيتموني (العريان) أي المخلص في إنذاركم لا يغشكم ولا يكذب فيما يقول لكم والنصيح المخلص في نصيحته لكم والكلام على التشبيه البليغ
الْعُرْيَانُ، فَالنَّجَاءَ، فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَدْلَجُوا فَانْطَلَقُوا عَلَى مُهْلَتِهِمْ، وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ، فَصَبَّحَهُمُ الْجَيشُ فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ. فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي وَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ. وَمَثَلُ مَنْ عَصَاني وَكَذَّبَ مَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ"
ــ
أي أنا لكم كالنذير العريان لقومه من عدوهم قيل: كان أصله أن رجلًا معينًا سلبه العدو فانفلت منهم فأنذر قومه عريانًا، وقيل: كان الرجل من العرب إذا رأى ما يوجب إنذاره قومه تجرد من ثيابه وأشار إليهم بها ليعلمهم بما دهمهم وهذا أشبه وأليق بمقصود الحديث اهـ من المفهم. أي دماني أنا المنذر لكم المخلص في إنذاره (فـ) إن قبلتم إنذاري فـ (النجاء) بالمد بلا تكرار منصوب على الإغراء جوازًا لعدم التكرار ولو تكرر لوجب نصبه على الإغراء لقيام التكرار مقام العامل المحذوف أي فاطلبوا النجاة والسلامة لأنفسكم قبل هجوم العدو لكم (فأطاعه) أي قبل قوله وتحذيره (طائفة من قومه) أي جماعة منهم (فأدلجوا) أي ساروا من أول الليل إدلاجًا، من أدلج الرباعي كأكرم إكرامًا، والاسم الدلج والدلجة تفتح الدال فيهما وهو ظلام أول الليل ويقال: أدلج يدلج إدلاجًا بالتشديد من باب افتعل الخماسي والاسم الدلجة بضم الدال وهو آخر الليل (فانطلقوا) أي ذهبوا ومشوا (على مهلتهم) بضم الميم أي على راحتهم وهينتهم بلا إسراع ولا استعجال (وكذبت طائفة منهم) إنذار نذيرهم (فأصبحوا مكانهم) أي دخلوا وقت الصباح في مكانهم بلا تحرك (فصبَّحهم الجيش) أي أغار عليهم في الصباح جيش العدو (فأهلكهم) أي قتلهم (واجتاحهم) أي استأصلهم وأعدمهم بالكلية صغارًا وكبارًا رجالًا ونساءً وأخذ أموالهم، أصله من جاح يجوح بوزن قال: والاسم الجائحة (فذلك) المذكور من الطائفتين (مثل من أطاعني) وقبلني فيما أقول (واتبع) أي وامتثل (ما جئت به) من الهدى والشريعة وهذا مثل الطائفة الأولى (ومثل من عصاني) وخالفني فيما أمرتهم به (وكذب ما جئت به من الحق) والشريعة. وفيه إشارة إلى أن مطلق العصيان غير مستأصل بل العصيان مع التكذيب بالحق كذا في المبارق وهذا مثل الطائفة الثانية.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الرقاق باب الانتهاء من المعاصي [6482] وفي الاعتصام بالكتاب والسنة باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم [7283].
قوله: (وإني أنا النذير العريان) قال النووي: قال العلماء: أصله أن الرجل إذا أراد
5813 -
(2257)(12) وَحَدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ،
ــ
إنذار قومه وإعلامهم بما يوجب المخافة نزع ثوبه وأشار به إليهم إذا كان بعيدًا منهم ليخبرهم بما دهمهم وأكثر ما يفعل هذا ربيئة القوم وهو طليعتهم ورقيبهم قالوا: وإنما يفعل ذلك لأنه أبيَن للناظر وأغرب وأشنع منظرًا فهو بلغ في استحثاثهم في التأهب للعدو.
أما سبب هذه العادة الجارية فقد ذكروا فيها وجوهًا فمنها ما ذكره أبو بشر الآمدي أن زَنْبَر بن عمرو الخثعمي كان ناكحًا في آل زبيد فأرادوا أن يغزوا قومه وخشوا أن ينذر بهم فحرسه أربعة أنفار فصادف منهم غرة فقذف ثيابه وعدا وكان من أشد الناس عدوًا فأنذر قومه، وقال غيره: الأصل فيه أن رجلًا لقي جيشًا فسلبوه وأسروه فانفلت إلى قومه فقال: إني رأيت الجيش فسلبوني فرأوه عريانًا فتحققوا صدقه لأنهم كانوا يعرفونه ولا يتهمونه في النصيحة ولا جرت عادته بالتعري فقطعوا بصدقه لهذه القرائن. فضرب النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه ولما جاء به مثلًا بذلك لما أبداه من الخوارق والمعجزات الدالة على القطع بصدقه تقريبًا لإفهام المخاطبين بما يألفونه ويعرفونه ويؤيده ما أخرجه الرامهرمزي في الأمثال وهو عند أحمد أيضًا بسند جيد من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فنادى ثلاث مرات "أيها الناس مثلي ومثلكم مثل قوم خافوا عدوًا أن يأتيهم فبعثوا رجلًا يترايا لهم فبينما هم كذلك إذ أبصر العدو فأقبل ليُنذر قومه فخشي أن يدركه العدو قبل أن يُنذر قومه فأهوى بثوبه أيها الناس أُتيتم" ثلاث مرات. ذكره الحافظ في فتح الباري [11/ 317].
وقوله: (فالنجاء) بفتح النون ونصب الهمزة على الإغراء، ووقع في رواية البخاري فالنجاء النجاء مرتين أي: اطلبوا النجاء، والنجاء بمعنى النجاة والتخلص من الشر اهـ تكملة.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي موسى بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال:
5813 -
(2257)(12)(وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل بن طريف الثقفي البلخي (حَدَّثَنَا المغيرة بن عبد الرحمن) بن عبد الله بن خالد بن حزام (القرشي) الأسدي
عَنْ أَبِي الزَّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ أُمَّتِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا. فَجَعَلَتِ الدَّوَابُّ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهِ، فَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ وَأَنْتُمْ تَقَحَّمُونَ فِيهِ"
ــ
الحزامي المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي مولاهم المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (9) أبواب (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم أبي داود المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلَّا قتيبة بن سعيد (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما مثلي) وصفتي (ومثل أمتي) أي صفتهم (كمثل رجل استوقد نارًا) أي أوقد نارًا، فالسين والتاء زائدتان أي كمثل رجل أوقد نارًا في ظلام الليل (فَجَعلت الدواب) أي الحشرات التي أَعْيُنُها ضعيفة كالنحل والبعوض وصرار الليل والضفادع، وقوله:(والفراش) من ذو الخاص بعد العام لأنه أسرع وقوعًا في النار لأنها تظن ضوء النار ضوء الصباح، والفراش بفتح الفاء اسم لنوع من حشرات الطير له أجنحة أكبر من جثته وأنواعه مختلفة في الكبر والصغر وكذا أجنحته وهي التي تحب النور والنار فتفع فيها، شبّه رسول الله صلى الله عليه وسلم بها الناسَ الذين يحبون الشهواتِ التي تأخذ بهم إلى النار أي شرعت حشرات الطير والهوام (يقعن) ويسقطن (فيه) أي في ضوء النار ولهبها لظنها أنها ضوء الصباح لضعف بصرها (فأنا آخذ) قال النووي: رُوي بوجهين أحدهما: اسم فاعل بكسر الخاء وتنوين الذال، والثاني: فهو مضارع بضم الخاء والذال بلا تنوين والأول أشهر، وكلاهما صحيح؛ أي أنا ممسك (بحجزكم) بضم الحاء وفتح الجيم وقيل بضمها بعدها زاي معجمة جمع حجزة وهي معقد الإزار ومن السراويل موضع التكة (وأنتم تقحّمون) بفتحات أصله تتقحمون فحُذفت إحدى التاءين من تقحم من باب تفعل الخماسي أي تدخلون (فيه) أي في سبب النار أي والحال أنكم تريدون أن تقحموا وتسقطوا وتدخلوا وتقدموا في النار أي في الشرك الَّذي يؤديكم إلى النار، والتقحم هو الإقدام والوقوع في الأمور التي تضر من غير تثبت وتبين وذكر الضمير العائد إلى النار في الموضعين إشارة إلى أن النار تذكر وتؤنث كما يدل على ذلك ما سيأتي في الرواية الآتية حيث أنثه فيها أو ذكره في الموضع الأول بمعنى الضوء وفي الثاني بمعنى العذاب.
5814 -
(00)(00) وحدَّثناه عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالا: حدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.
5815 -
(00)(00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا،
ــ
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الأنبياء باب {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [3426] وفي الرقاق في باب الانتهاء من المعاصي [6483]، والترمذي في الأمثال باب ما جاء في مثل ابن آدم وأجله وأمله [2824].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
5814 -
(00)(00)(وحدثناه عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (قالا: حَدَّثَنَا سفيان) بن عيينة (عن أبي الزناد بهذا الإسناد) يعني عن الأعرج عن أبي هريرة (نحوه) أي نحو ما حدَّث المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد، غرضه بيان متابعة سفيان لمغيرة بن عبد الرحمن.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
5815 -
(00)(00)(حَدَّثَنَا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بن همام (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل بن سيج اليماني (قال) همام: (هذا) الحديث الَّذي أمليه عليكم من هذه الصحيفة (ما حدَّثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) همام (أحاديث) كثيرة (منها) أي من تلك الأحاديث، قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا وكذا (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلي) أي صفتي كمثل) أي كصفة (رجل استوقد نارًا) أي يُوقد نارًا لينتفع بها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة
فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهَا جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا. وَجَعَلَ يَحْجُزُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَتَقَحْمْنَ فِيهَا. قَال: فَذَلِكُمْ مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ. أَنا آخِذ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ. هَلُمَّ عَنِ النَّارِ. هَلُمَّ عَنِ النَّارِ، فَتَغْلِبُونِي تَقَحَّمُونَ فِيهَا".
5816 -
(2258)(13) حدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ
ــ
همام بن منبه للأعرج (فلما أضاءت) وأنارت النار (ما حولها) أي ما في جانبها من الظلام (جعل) أي شرع (الفراش وهذه الدواب) أي الحشرات كالذباب والنحل والبعوض والصرّار والضفادع، وهو من ذكر العام بعد الخاص لإفادة التعميم (التي) تقع (في النار) عادة وصلة الموصول محذوفة كما هي ثابتة في بعض النسخ، وجملة قوله:(يقعن فيها) خبر لجعل التي هي من أفعال الشروع أي فلما أضاءت النار الموقدة جعل الفراش وهذه الدواب الساقطة في النار عادة أي شرعت يقعن ويسقطن فيها أي في النار الموقدة للرجل (وجعل) أي شرع الرجل الموقد للنار (يحجزهن) ويمنعهن من الوقوع في النار (ويغلبنه) أي ويغلبن تلك الدواب الرجل الحاجز لهن من الوقوع في النار لكثرتها (فيقتحمن) أي فيسقطن (فيها) أي في النار الموقدة للرجل (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فذلكم) المذكور من الرجل الموقد للنار والدواب التي يقعن فيها (مثلي ومثلكم) أي شبهي وشبهكم أي أنا مثل الرجل الحاجز للدواب عن الوقوع في النار وأنتم مثل الدواب التي تقع في النار لأني (أنا آخذ بحجزكم) أي أنا ممسك بمعاقد أزركم مانعًا لكم (عن) الوقوع والسقوط في (النار) قائلًا لكم (هلم) إفي عباد الله أي أقبلوا إليَّ (عن) السقوط في (النار) وقوله: ثانيًا (هلم عن النار) توكيد لفظي للأول (فتغلبوني) أي تمتنعون من حجزي لكم عن النار وتغلبونني في الامتناع حالة كونكم (تقحّمون) وتسقطون (فيها) أي في النار، قال الأبي: شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم تساقط العصاة في نار الآخرة لجهلهم عاقبة شهواتهم بتساقط الفراش في نار الدنيا بجهله وعدم تمييزه لما يقصد إليه اهـ.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي موسى بحديث جابر رضي الله تعالى عنهما فقال:
5816 -
(2258)(13)(حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10) روى عنه في (11) بابا (حَدَّثَنَا) عبد الرحمن (بن مهدي) بن حسان
حَدَّثَنَا سَلِيمٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا. وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا. وَأنا آخِذٌ بِحُجَزِكمْ عَنِ النَّارِ. وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي"
ــ
الأزدي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابا (حَدَّثَنَا سليم) بفتح السين وكسر اللام مكبرًا ابن حيان بمهملة وتحتانية الهذلي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (4) وروى المؤلف عنه في (6) أبواب، وليس في الصحيحين من اسمه سليم مكبرًا إلَّا هذا ومن عداه مصغر (عن سعيد بن ميناء) بكسر الميم ومد النون مولى البختري بن أبي ذُباب بوزن غراب أبي الوليد المكي أو المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه وهذا السند من خماسياته (قال) جابر:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثلي ومثلكم) أي صفتي وصفتكم أيها الناس (كمثل رجل أوقد نارًا) في الليالي المظلمة للانتفاع بها (فجعل) أي شرع (الجنادب) جمع جندب بكسر الجيم وفتح الدال وجندب بضم الجيم وفتح الدال وجندب بضم الجيم والدال والجنادب هو الصرار الَّذي يشبه الجراد، وقال أبو حاتم: الجندب على خلقة الجراد له أربعة أجنحة كالجراد وأصغر منها يطير ويصر بالليل -أي يصيح - صرًا شديدًا كذا في شرح النووي (والفراش) قال الفراء: هو غوغاء الجراد وصغارها التي تنفرش وتتراكب، وقال غيره: هو الطير الَّذي يتساقط في النار وفي السراج (قلت): وهذا أشبه بما في الحديث (يقعن) أي يتساقطن (فيها) أي في تلك النار الموقدة (وهو) أي والحال أن صاحب النار (يذبّهن) أي يمنع تلك الجنادب والفراش (عنها) أي عن الوقوع والتساقط في النار (وأنا آخد) أي ممسك (بحجزكم) أي بمعاقد أزركم لأمنعكم (عن) التساقط في (النار) والحجز جمع حجزة وهي معقد الإزار والسراويل المسمى بالحقو ويقال: تحاجز القوم إذا أخذ بعضهم بحجز بعض وإذا أراد الرجل إمساك من يخاف سقوطه أخذ بذلك الموضع منه (وأنتم تفلّتون) بفتح التاء والفاء واللام المشددة من باب تفعل الخماسي أصله تتفلّتون بتاءين تاء المضارعة وتاء المطاوعة أسقطوا إحداهما لتوالي الأمثال، ورُوي (تُفلِتون) بضم التاء وسكون الفاء وكسر اللام من أفلت الرباعي كأكرم وكلاهما صحيح يقال: أفلت مني وتفلت إذا نازعك طلبًا للغلبة والهرب ثم غلب وهرب أي تخرجون (من يدي) بقوة وغلبة وتقعون في النار، وفي رواية
5817 -
(2259)(14) حدَّثنا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَال:"مَثَلِي وَمَثَلُ الأَنبِيَاءِ كمَثَلِ رَجُل بَنَى بُنْيَانًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، فَجَعَلَ الناسُ يُطِيفُونَ بِهِ. يَقُولُونَ: مَا رَأَينَا بُنْيَانًا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا. إلا هَذِهِ اللَّبِنَةَ، فَكُنْتُ أَنَا تِلْكَ اللَّبِنَةَ"
ــ
(تقحّمون) والتقحم هو التهجم على الشيء من غير ترو ولا تبصر وهذا مثل لاجتهاد نبينا صلى الله عليه وسلم في نجاتنا وحرصه على تخليصنا من الهلكات التي بين أيدينا ولجهلنا بقدر ذلك وغلبة شهواتنا علينا وظفر عدونا اللعين بنا حتَّى صرنا أحقر من الفراش والجنادب وأذل من الطين اللازب.
وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
5817 -
(2259)(14)(حَدَّثَنَا عمرو بن محمد) بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي (حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة) الهلالي الكوفي الأعور (عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثلي ومثل الأنبياء) من قبلي أي صفتي وصفتهم (كمثل) بناء (رجل) ولبنة باقية منه (بنى) ذلك الرجل (بنيانًا) أي بناء من الدار مثلًا (فأحسنه) أي فأحسن ذلك الرجل - بنائه - أي بناء ذلك البنيان بتحسين وضع لبناته بعضها على بعض (وأجمله) أي أجمل ذلك البناء وزينه بتطيينه وتجصيصه (فجعل الناسه) أي شرعوا (يطيفون به) أي يطوفون ويدورون بذلك البناء لينظروا حسنه ويتعجبوا من تجميله، وهو من أطاف بمعنى طاف الثلاثي، حالة كونهم (يقولون) أي يقول بعضهم لبعض:(ما رأينا بنيانًا) أي بناء (أحسن) وضعًا وأساسًا (من هذا) البناء (إلا هذه اللبنة) أي إلَّا ما بقي منه من فرجه موضع هذه اللبنة الباقية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(فكنت أنا تلك اللبنة) الباقية من البناء فختم الله عز وجل بي بناء دار النبوة وجعلني آخرَ لِبَنَاتِهَا فكنتُ خاتمَ النبيين فلا نبي بعدي.
5818 -
(00)(00) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بن رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلِي
ــ
قوله: (مثلي ومثل الأنبياء) قال القسطلاني: إن التشبيه هنا ليس من باب تشبيه المفرد بالمفرد بل هو تشبيه تمثيلي فيؤخذ وصف من جميع أحوال المشبه ويثبه بمثله من أحوال المشبه به فيقال شبه الأنبياء وما بعثوا به من الهدى والعلم وإرشاد الناس إلى مكارم الأخلاق بقصر أسس قواعده ورفع بنيانه وبقي منه موضع لبنة فنبينا صلى الله عليه وسلم بُعث لتتميم مكارم الأخلاق كأنه هو تلك اللبنة التي بها إصلاح ما بقي من الدار اهـ واللبنة بفتح اللام وكسر الباء هي القطعة من الطين تُعجن وتُيبس وتُعد للبناء، وتُسمى لبنة ما لم تُحرق وإن أُحرقت فهي أجرة، وقال القرطبي: اللبنة الطوبة التي يُبنى بها وفيها لغتان إحداهما: فتح اللام وكسر الباء وتُجمع على لبن غير أنك تسقط التاء من الجمع نظير نبقة ونبق والثانية: كسر اللام وسكون الباء وتُجمع على لبن بكسر اللام وفتح الباء كسدرة وسدر، ومقصود هذا المثل أن يبين أن الله تعالى ختم به النبيين والمرسلين وتمم به ما سبق في علمه إظهاره من مكارم الأخلاق وشرائع الرسل فبه كمل النظام وهو ختم الأنبياء والرسل الكرام صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 398]، والبخاري في الأنبياء باب خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم [3534]، والترمذي في الأمثال باب ما جاء في مثل النبي صلى الله عليه وسلم [2862].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
5818 -
(00)(00)(وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (11) بابا (حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بن همام الحميري اليماني، ثقة، من (9)(حَدَّثَنَا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7) (عن همام بن منبه) اليماني (قال) همام:(هذا ما حدَّثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) همام (أحاديث) كثيرة (منها) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا وكذا (وقال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة همام للأعرج (مثلي
وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ ابْتَنَى بُيُوتًا فأَحْسَنَهَا وَأَجْمَلَهَا وَكمَلَهَا، إلا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاويةٍ مِنْ زَوَايَاهَا. فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ وَيُعْجِبُهُمُ الْبُنْيَانُ فَيَقُولُونَ: أَلَّا وَضَعْتَ هَهُنَا لَبِنَةً! فَيَتِمَّ بُنْيَانُك" فَقَال مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم: "فَكُنْتُ أَنَا اللَّبِنَةَ".
5819 -
(00)(00) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبُ وَقُتَيبَةُ وابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ)، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَن أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ،
ــ
ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل ابتنى) من باب افتعل الخماسي فهو بمعنى الثلاثي أي كمثل رجل بنى (بيوتًا) جمع بيت أي دورًا (فأحسنها) أي أحسن وضع أساسها وقواعدها (وأجملها) أي زيَّنها بتطيينها وتلبيسها (وأكملها) أي أكمل بنيانها بتركيب جميع لبناتها ووضعها في موضعها (إلا موضع لبنة) أي إلَّا فرجة يسدها وضع لبنة واحدة فيها كائنًا ذلك الموضع المنفرج (من زاوية من زواياها) أي من ركن من أركان تلك البيوت (فجعل) أي شرع (الناس يطوفون) ويدورون بتلك البيوت لينظروا إلى محاسنها (و) الحال أنَّه (يعجبهم البنيان) أي يورثهم العجب حُسن بنائها (فيقولون) لصاحبها (ألا) بتشديد اللام للتحضيض أي هلا (وضعت) أيها الباني (ها هنا) أي في هذا الموضع المنفرج (لبنة فيتم بنيانك) بالنصب بعد الفاء السببية الواقعة في جواب التحضيض أي هلا يكن منك وضع لبنة واحدة في هذا الموضع فتمام بنيانك (فقال محمدصلى الله عليه وسلم: فكنت أنا) تلك (اللبنة) السادة للموضع المنفرج الَّذي حصل به نقص البنيان فكنت الدرة اليتيمة من عقد الرسالة وخاتم بنيانها.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
5819 -
(00)(00)(وحدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة) بن سعيد الثقفي البلخي (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (قالوا: حَدَّثَنَا إسماعيل يعنون ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم مولى ابن عمر المدني (عن أبي صالح السمان) المدني ذكوان
عَنْ أَبِي هُرَيرَة، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"مَثَلِي وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيَانًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إلا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاويَةٍ مِنْ زَوَايَاهُ فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ: هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ! قَال: فَأَنَا اللَّبِنَةُ. وَأنا خَاتَمُ النَّبِيينَ".
5810 -
(2260)(15) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلِي وَمَثَلُ
ــ
الزيات القيسي، ثقة، من (3)(عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي صالح للأعرج ووهب بن منبه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنيانًا فأحسنه وأجمله) بسد خلله وفرجه (إلا موضع) يسع لوضع البنة) واحدة كائنًا ذلك الموضع (من زاوية) أي من ركن كائن (من زواياه) أي من أركانه الأربعة (فجعل) أي شرع (الناس يطوفون به) أي بذلك البناء (و) الحال أنهم يَتعَجَّبُون له أي لذلك البناء أي من حسنه وجماله (وبقولون هلا وضعت) بالبناء للمجهول (هذه اللبنة) فتَسدَّ هذا الانفراجَ ولتكمل هذا النقصان القليل (قال: فأنا اللبنة وأنا) أيها الناس تلك اللبنة المكملة للبناء ولذلك كُنْتُ (خاتم النبيين) وآخِرَهم شبحًا وبعثًا وأولَهم قدرًا ومنزلة، آدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة، وكونُه صلى الله عليه وسلم خاتمَ النبيين لا نبي بعده ثابت بنصوص قطعية متواترة لا شبهة فيها وعقيدة ثبتت من الدين بالضرورة يكفر جاحدها بالإجماع.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما فقال:
5810 -
(2260)(15)(حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو غريب قالا: حَدَّثَنَا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح) السمان (عن أبي سعيد) الخدري سعد بن مالك رضي الله تعالى عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي سعيد لأبي هريرة فتكون المتابعة بمعنى الشاهد أو بيان متابعة الأعمش لعبد الله بن دينار، ولكنها متابعة ناقصة لأن شيخ شيخهما مختلف لأنه في الأول أبو هريرة، وفي الثاني: أبو سعيد، وإن كان المتن واحدًا (قال) أبو سعيد (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثلي ومثل
النَّبِيِّينَ". فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
5811 -
(2261)(16) حدَّثَنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال:"مَثَلِي وَمَثَلُ الأَنبِيَاءِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا فَأَتمَّهَا وَأَكْمَلَهَا إلا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ. فَجَعَلَ النَّاسُ يَدْخُلُونَهَا وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْهَا، وَيَقُولُونَ: لَوْلَا مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ! " قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فَأَنَا مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ، جِئْتُ فَخَتَمْتُ الأَنْبِيَاءَ"
ــ
النبيين فذكر) أبو سعيد إنحوه) أي نحو حديث أبي هريرة، فهذه متابعة بمعنى الشاهد لأنها استشهاد لحديث أبي هريرة بحديث أبي سعيد أو متابعة في السند واستشهاد في المتن ومثل هذا قليل في كلامه.
وحديث أبي سعيد هذا انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات الخمس.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث جابر رضي الله تعالى عنهما فقال:
5811 -
(2261)(16)(حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا عفان) بن مسلم الصفَّار الأنصاري البصري، ثقة، من (10)(حَدَّثَنَا سليم) مكبرًا (بن حيان) الهذلي البصري، ثقة، من (7)(حَدَّثَنَا سعيد بن ميناء) المكي أو المدني، ثقة، من (3) (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثلي ومثل الأنبياء) قبلي (كمثل رجل بنى دارًا فأتمها) أي فأتم بناء جدرانها وسقوفها (وأكملها) بوضع جميع لبناتها (إلا موضع لبنة) أي إلَّا موضعًا يسد بوضع لبنة (فجعل النَّاس يدخلونها ويتعجبون منها) أي من حسنها وجمالها (ويقولون: لولا موضع) سد (اللبنة) موجود ما أحسنها وأجملها، وموضع بالرفع على أنَّه مبتدأ خبره محذوف أي لولا موضع يوهم النقص موجود لكان بناء الدار كاملًا كما في قوله: لولا زيد لكان كذا أي لولا زيد موجود لكان كذا، فلولا حرف امتناع لوجود، ويحتمل أن تكون لولا تحضيضية بمعنى هلا لا امتناعية وفعله محذوف تقديره لولا ترك موضع اللبنة أي هلا تركه أي لولا سوى موضع اللبنة أي هلا سواه اهـ عيني بزيادة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأنا موضع اللبنة جئت) وبُعثت بعدهم فسددت موضعها من بنيان النبوة وبيتها (فختمت الأنبياء) أي فكنت خاتمهم وآخرهم شبحًا وبعثًا وإن كنت أولهم منزلة وفضلًا وسيد ولد آدم.
5812 -
(00)(00) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ. حَدَّثَنَا سَلِيمٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَال بَدَلَ - أَتَمَّهَا - أَحْسَنَهَا.
5813 -
(2262)(17) قَال مُسْلِمٌ: وَحُدِّثْتُ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ. وَمِمَّنْ رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنِي بُرَيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: "إِنَّ اللهَ عز وجل إِذَا أَرَادَ رَحْمَةَ أُمَّةٍ مِنْ عِبَادِهِ قَبَضَ نَبِيَّهَا قَبْلَهَا،
ــ
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 361]، والبخاري في الأنبياء باب خاتم النبيين [3534]، والترمذي في الأمثال باب ما جاء في مثل النبي صلى الله عليه وسلم [286].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله تعالى عنه فقال:
5812 -
(00)(00)(وحدثنيه محمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي، ثقة، من (11)(حَدَّثَنَا) عبد الرحمن (بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9)(حَدَّثَنَا سليم) بن حيان الهذلي البصري (بهذا الإسناد) يعني عن سعيد بن ميناء عن جابر، غرضه بيان متابعة ابن مهدي لعفان بن مسلم، وساق ابن مهدي (مثله) أي مثل حديث عفان (و) لكن (قال) ابن مهدي:(بدل) قول عفان فـ (أتمها) لفظة فـ (أحسنها) والله أعلم.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه فقال:
5813 -
(2262)(17)(قال) الإمام (مسلم) رحمه الله تعالى: (وحدثت عن أبي أسامة) حماد بن أسامة (وممن روى) لي (ذلك عنه إبراهيم بن سعيد الجوهري) الطبري أبو إسحاق البغدادي الحافظ صاحب المسند، ثقة، من (10) روى عنه في (2) بابين (حَدَّثَنَا أبو أسامة: حدثني بريد بن عبد الله) بن أبي بردة أبو بردة الصغير الكوفي (عن) جده (أبي بردة) عامر بن أبي موسى، ثقة، من (2) (عن أبي موسى) الأشعري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل إذا أراد رحمة أمة) أي بقاء أمة (من عباده) وحياتها وسلامتها (قبض نبيها) وأماته (قبلها) أي
فَجَعَلَهُ لَهَا فَرَطًا وَسَلَفًا بَينَ يَدَيهَا، وَإِذَا أَرَادَ هَلَكَةَ أُمَّةٍ، عَذَبَهَا، وَنَبِيُّهَا حَيٌّ، فَأَهْلَكَهَا وَهُوَ يَنْظُرُ، فَأَقَرَّ عَينَهُ بِهَلَكَتِهَا حِينَ كَذَّبُوهُ وَعَصَوْا أَمْرَهُ"
ــ
قبل إهلاكها (فجعله) أي فجعل ذلك النبي (لها) أي للأمة (فرطًا) بفتحتين بمعنى الفارط والفارط المتقدم من الرفقة إلى الماء ليهيء لهم أسباب السقي من الدلاء والرشا والحياض يريد أنَّه شفيع متقدم لهم (وسلفًا) أي سابقًا (بين يديها) أي قدامها إلى الآخرة فهو بمعنى مطلق السابق لهم سواء هيأ لهم المصالح أم لا فعطفه على فرطا من عطف العام على الخاص للتأكيد أو من عطف المرادف، قال القرطبي: وإنما كان موت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أمته رحمة لهم لأن الموجب لبقائهم بعده إيمانهم به واتباعهم لشريعته ثم إنهم يصابون بموته فتعظم أجورهم بذلك إذ لا مصيبة أعظم من فقد الأنبياء فلا أجر أعظم من أجر من أصيب بذلك ثم يحصل لهم أجر التمسك بشريعته بعده فتتضاعف الأجور فتعظم الرحمة ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "حياتي لكم رحمة ومماتي لكم رحمة" اهـ من المفهم ذكره الزبيدي في الإتحاف [9/ 176 و 177]، وابن حجر في المطالب العالية [3853]، وابن عدي في الكامل [3/ 945] وأما إذا أهلكها قبله فذلك لا يكون إلَّا لأنهم لم يؤمنوا به وخالفوه وعصوا أمره فإذا استمروا على ذلك من عصيانهم وتمردهم أبغضهم نبيهم فربما دعا عليهم فأجاب الله دعوته فأهلكهم فأقر عينه فيهم كما فعل بقوم نوح وغيره من الأنبياء اهـ من المفهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث:(وإذا أراد) الله تعالى (هلكة أمة) من الأمم وعذابها (عذبها) بنوع من عقوباته (و) الحال أن (نبيها حي) فيهم (فأهلكها وهو) أي والحال أن نبيهم (ينظر) إلى عذابها النازل بهم (فأقر) أي أبرد (عينه) أي عين النبي (بهلكتها) وأراحه من فسادهم وشركهم (حين كذبوه) فيما جاءهم به من عند الله تعالى (وعصوا أمره) فيما أمرهم به أي خالفوه في أوامرهم ونواهيه فأهلكهم بسبب عصيانهم لنصره عليهم، ومعنى فأقر عينه فرحه وبلغه أمنيته وذلك أن المبشر الضاحك يخرج من عينه ماء بارد يقر اهـ دهني.
وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم لم يروه غيره.
قال القرطبي: وحديث أبي موسى هو من الأربعة عشر حديثًا المنقطعة الواقعة في كتاب مسلم لأنه قال في أول سنده حدثت عن أبي أسامة وممن روى عنه إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: حَدَّثَنَا أبو أسامة ثم ذكر السند متصلًا إلى أبي موسى رضي الله عنه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اهـ من المفهم. وقال المازري: إن هذا الحديث من الأحاديث المنقطعة في صحيح مسلم لأنه قال: حدثت عن أبي أسامة لكن قال النووي: ليس هذا حقيقة انقطاع وإنما هو رواية عن مجهول، وقد وقع في بعض النسخ المعتمدة قال الجلودي: حَدَّثَنَا محمد بن المسيب الأرعياني، قال: حَدَّثَنَا إبراهيم بن سعيد الجوهري بهذا الحديث عن أبي أسامة بإسناده فاتصل إسناده اهـ.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ثمانية: الأول: حديث أبي موسى الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الثرجمة، والثاني: حديث أبي موسى الأشعري الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثالث: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والرابع: حديث جابر ذكره للاستشهاد به ثانيًا، والخامس: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والسادس: حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة مع ذكر المتابعة في سنده، والسابع: حديث جابر الثاني ذكره للاستشهاد به ثانيًا وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن: حديث أبي موسى الأخير ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم.
* * *