المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌703 - (17) الباب الخامس منها باب فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٢٣

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌687 - (1) باب كونه صلى الله عليه وسلم مختارًا من خيار الناس، وتسليم الحجر عليه وتفضيله على جميع الخلق، وبعض معجزاته، وتوكله

- ‌ كتاب فضائل النبي صلى الله عليه وسلم وفواضله عليه الصلاة والسلام

- ‌688 - (2) باب بيان مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم وشفقته على أمته وذكر كونه خاتم النبيين وذكر إذا أراد الله رحمة أمة قبض نبيها قبلها

- ‌689 - (3) باب إثبات حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبيان قدره وصفته وكيزانه

- ‌690 - (4) - باب قتال الملائكة مع النبي صلى الله عليه وسلم وشجاعته، وكونه أجود الناس، وكونه أحسنهم خلقًا، وما سُئل شيئًا وقال: "لا" قط، وكثرة عطائه

- ‌691 - (5) باب رحمته صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال، وكثرة حيائه، وتبسمه، وأمر سواق مطايا النساء بالرفق بهن، وتبرك الناس به صلى الله عليه وسلم

- ‌692 - (6) باب بعداه صلى الله عليه وسلم من الإثم واختياره أيسر الأمور وانتقامه لله تعالى وطيب رائحته ولين مسه وطيب عرقه والتبرك به وعرقه حين يأتيه الوحي وبيان كيفية إتيانه

- ‌693 - (7) باب في سدله وفرقه شعره وقده وصفة شعره وفمه وعينيه وعقبيه ولونه وشيبه صلى الله عليه وسلم

- ‌694 - (8) باب إثبات خاتم النبوة وصفة النبي صلى الله عليه وسلم ومبعثه وكم سنه حين قُبض وكم أقام بمكة وبالمدينة وفي أسمائه وكونه أشد الناس علمًا بالله وخشية له تعالى ووجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم

- ‌695 - (9) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرًا له ووجوب امتثال ما فعله شرعًا في الدين دون ما ذكره رأيًا من معايش الدنيا وفضل النظر إليه وتمنيه

- ‌ كتاب فضائل بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وفضائل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين

- ‌696 - (10) باب في فضائل عيسى وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام

- ‌697 - (11) باب فضائل موسى، وفضائل يونس، وفضائل يوسف، وفضائل زكريا عليهم الصلاة والسلام

- ‌698 - (12) باب فضائل الخضر عليه السلام

- ‌ أبواب فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌699 - (13) الأول منها باب فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌700 - (14) والثاني منها باب فضل عمر رضي الله عنه

- ‌701 - (15) والثالث منها باب فضل عثمان بن عفان، رضي الله تعالى عنه وأرضاه

- ‌702 - (16) والرابع منها باب فضائل علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه

- ‌703 - (17) الباب الخامس منها باب فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌704 - (18) والباب السادس منها باب فضائل طلحة والزبير وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌705 - (19) باب فضائل الحسن والحسين وفضائل أهل البيت وفضائل زيد بن حارثة وابنه أسامة وفضائل عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌706 - (20) والباب الثامن منها باب فضائل خديجة الكبرى رضي الله تعالى عنها وأرضاها

- ‌707 - (21) والباب التاسع منها باب فضل عائشة رضي الله تعالى عنها

- ‌708 - (22) والباب العاشر منها باب فضائل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء العالمين رضي الله تعالى عنها وأرضاها

- ‌709 - (23) والحادي عشر منها باب من فضائل أم سلمة وزينب وأم أيمن وأم سليم رضي الله تعالى عنهن

- ‌زينب أم المؤمنين

- ‌أم أيمن

- ‌أم سليم

- ‌710 - (24) والباب الثاني عشر منها باب فضائل أبي طلحة الأنصاري وبلال وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌فضائل بلال

- ‌فضائل ابن مسعود

- ‌711 - (25) والثالث عشر منها باب‌‌ فضائل أُبي بن كعبوزيد بن ثابت وسعد بن معاذ وأبي دجانة وعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌ فضائل أُبي بن كعب

- ‌فضائل زيد بن ثابت

- ‌فضائل سعد رضي الله عنه

- ‌فضائل أبو دجانة

- ‌فضائل أبي جابر

الفصل: ‌703 - (17) الباب الخامس منها باب فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

‌703 - (17) الباب الخامس منها باب فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

ــ

703 -

(17) الباب الخامس منها باب فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

واسم أبي وقاص مالك وهو سعد بن مالك بن وهيب ويقال أهيب بالهمزة بدل الواو بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة، يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة، كنيته أبو إسحاق المدني أسلم قديمًا، وهو ابن سبع عشرة سنة، وقال: مكثت ثلاثة أيام وأنا ثلث الإسلام، وقال: أنا أول من رمى بسهم في سبيل الله، شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى اللأ عليه وسلم وولي الولايات العظيمة من قبل عمر وعثمان رضي الله عنه وهو أحد أصحاب الشورى، وأحد المشهود لهم بالجنة، تُوفي في قصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة وصلى عليه مروان بن الحكم، ومروان إذ ذاك والي المدينة ثم صلى عليه أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ودخل بجنازته في المسجد فصلين عليه في حجرهن وكُفّن في جبة صوف لقي المشركين فيها يوم بدر فوصى أن يُكفن فيها، ودُفن بالبقيع سنة خمس وخمسين، ويقال سنة خمسين، وهو ابن بضع وسبعين سنة، ويقال ابن اثنين وثمانين سنة، ورُوي له من الحديث مئتان وسبعون حديثًا أخرج له منها في الصحيحين ثمانية وثلاثون، قال الأبي: وفي كتاب الاكتفاء وكان وهيب جد سعد عم آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد حمزة لأمه فهو أحد أخواله، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"اللهم أجب دعوته وسدّد رميته" وفي حديث آخر: "اللهم أجب دعوة سعد إذا دعا" فكان مشهورًا بإجابة الدعوة إذا دعا، مر يومًا بالكوفة على جماعة فيهم رجل يسب عثمان وعليًّا وطلحة والزبير فقال للرجل: كف عن ذكر هؤلاء القوم الصالحين، فقال الرجل: وإن لم أكفف، فقال: أدعو الله عليك، فنفض الرجل يده في وجه سعد وقال: ادع كأنك تشرفني بدعائك، فاعتزله سعد فصلى ركعتين ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أن هذا الرجل يسب رجالًا سبقت لهم منك الحسنى إلا أحللت به هذه الساعة قارعة حتى يكون شهرة في الناس، قال الشعبي: أخبرني من حضر لم يتم دعاءه حتى خرجت ناقة من نوق بني فلان فجمحت على الجماعة حتى وصلت الرجل فلم تزل تخبطه بيديها ورجليها حتى قضى، فقال الناس: أُجيبت دعوة أبي إسحاق، ومرض في قصره القريب من القادسية، فقال بعض فرسان جيشه يُعرِّض في قعودِه بالقَصْر وترك حضوره الققال:

ص: 465

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ألَمْ تَرَ أن الله يُظْهِرْ دِينَه

وسعدٌ بقَصْرِ القادسيةِ يُعْصَمُ

فَأُبْنَا وقَد ْأيِمَتْ نِساءٌ كَثِيرةٌ

ونِسْوَةُ سَعْدٍ لَيس فيهن أَيِّمُ

فقال: اللهم اكفف لسانه ويده، فيبست يده وخرست لسانه، وكان واليًا على الكوفة من قبل عمر فشكاه أهلها فعزله وكان عمر من عدله لا يشكو قوم عاملهم إلا عزله وبعث عمر رجلًا يسأل أهل الكوفة عن حال سعد قبل أن يصل سعد إلى المدينة فلم يدع الرجل مسجدًا إلا سأل أهله فيثنون خيرًا حتى دخل مسجد بن عيس فقام رجل منهم فقال: أما إذا نشدتنا فكان لا يقسم بالسوية ولا يعدل في القضية، فقال سعد: اللهم إن كان كاذبًا فأطل عمره وفقره وعرّضه للفتن، فقال عبد الله بن عمر: فرأيته سقط حاجباه من الكبر يتعرض للجواري يغمزهن وكان يقول إذا سُئل: شيخ مفتون أصابته دعوة سعد. ومن مآثره أن عمر أرسل إليه وهو أمير العراق أن قاتل الفرس فمضى إليهم وحالت بينهما دجلة وهي كالبحر لا تعبر إلا بالسفن فقال للجند الذين معه: ما ترون؟ فقالوا: ما تأمر عزم الله لنا ولك الرشد، فلما سمع كلامهم اقتحم الوادي بفرسه وتبعه المسلمون فقطعوا دجلة خيلًا ورجالًا ودواب حتى لا يُرى وجه الماء من الشاطئ إلى الشاطئ وسعد يقول في أثناء القطع: حسبنا الله ونعم الوكيل، والله لينصرن الله وليه يعني عمر، وليظهرن الله دينه، وليهزمن الله عدوه إن لم يكن في الجيش ذنوب، وكان الفرس إذا أحس بالإعياء أبان الله له رابية في جوف الماء يقف عليها حتى يرجع إليه نشاطه ثم يعوم براكبه، وخرجت تلك الخيل تنفض أعرافها وجميع الخلق والدواب سالمة ولم يضع لأحد شيء إلا رجل سقط له قدح فعيّره صاحبه فقال له: أصابه القدر فطاح، فقال: ما كان الله ليسلبني قدحي من بين أهل العسكر فضربته الريح والأمواج حتى أخرجته إلى الشاطئ فقال للذي عيّره: ألم أقل لك ما كان الله ليسلبني قدحي من دون غيري، وكان ذلك بيانًا لما في الكتب القديمة من أن هذه الأمة تخوض البحر إلى أعدائها. وكان سعد أصيب ببصره في آخر عمره وكانت عائشة بنته قد عمرت فرآها مالك وهو صغير، وهي التي قال فيها سعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لي مالًا ولا يرثني إلا ابنة أفأفرق مالي .. الحديث اهـ من الأبي.

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

ص: 466

6079 -

(2389)(144) حدثنا عَبدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بنِ قَعْنَبٍ. حَّدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالتْ: أَرِقَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيلَةٍ. فَقَال: "لَيتَ رَجُلًا صَالِحًا مِن أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيلَةَ"

ــ

6079 -

(2389)(144)(حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) التميمي الحارثي القعنبي المدني نزيل البصرة، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا سليمان بن بلال) التيمي مولاهم المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (16) بابا (عن عبد الله بن عامر بن ربيعة) بن عامر بن مالك بن ربيعة العدوي العنزي أبي محمد المدني، صحابي صغير، مات النبي صلى الله عليه وسلم وله خمس سنين رضي الله عنه، روى عنه في (3) أبواب (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، وفيه رواية صحابي عن صحابي (قالت) عائشة:(أرق) أي سهر ولم يأته النوم، وأرق من باب فرح يأرق أرقًا، والأرق السهر وفقد النوم، ويقال: أرقني الأمر تأريقًا من باب فعل المضعف أي أسهرني، ورجل أرق على وزن فرح اهـ نووي (رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة) من إضافة الشيء إلى نفسه أي ذاتًا هي ليلة أو لفظ ذات مقحم للتأكيد أي سهر عند أول قدومه المدينة في ليلة من الليالي (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ليت رجلًا صالحًا من أصحابي يحرسني) هذه (الليلة) قيل: كان هذا من النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر قبل أن ينزل قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة / 67].

[قلت]: ويحتمل أن يقال إن قوله: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} ليس فيه ما يناقض احتراسه ولا ما يمنعه كما إن إخبار الله تعالى عن نصره وإظهاره لدينه ليس فيه ما يمنع الأمر بالقتال وإعداد العَدَد والعُدد والأخذ بالجد والحزم والحذر وسر ذلك أن هذه أخبار عن عاقب الحال ومآله لكن هل تحصل تلك العافية عن سبب معتاد أو عن غير سبب لم يتعرض ذلك الإخبار له فليبحث عنه في موضع آخر ولما بحثت عن ذلك وجدت الشريعة طافحة بالأمر له ولغيره بالتحصن وأخذ الحذر ومدافعتهم بالقتل والقتال وإعداد الأسلحة والالات، وقد عمل النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأخذ به فلا تعارض في ذلك والله الموفق لفهم ما هنالك اهـ من المفهم.

ص: 467

قَالتْ: وَسَمِعْنَا صَوْتَ السِّلاحِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ هَذَا؟ " قَال: سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ يَا رَسُولَ اللهِ جِئْتُ أَحْرُسُكَ.

قَالتْ عَائِشَةُ: فَنَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ.

6181 -

(40) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ

ــ

وقوله: (يحرسني الليلة) فيه الأخذ بالحذر والاحتراس من العدو وأنه ليس منافيًا للتوكل ولعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ساهرًا الليل أول ما قدم المدينة لما كان يتوقع من هجوم عدو به لأن أكثر أهل المدينة كان وقتئذٍ من اليهود.

(قالت) عائشة: (و) بينا نحن كذلك كما في الرواية الآتية (سمعنا صوت السلاح) أي صوت وقوع بعضه على بعض (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هذا؟ ) الذي عنده صوت السلاح (قال) صاحب السلاح: أنا (سعد بن أبي وقاص يا رسول الله جئت أحرسك) أي لأكون حارسًا لك من نزول العدو بك، وفي هذا الحديث دلالة على أن على عامة الناس أن يحرسوا سلطانهم في مواقع الخوف، وفيه فضيلة ظاهرة لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه حيث حقق الله به ما تمناه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه فضيلته من جهة شدة حفيظته على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن جهة كونه مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم:"رجلًا صالحًا من أصحابي"(قالت عائشة) بالسند السابق: (فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعت غطيطه) وهو صوت النائم المرتفع وهو أعلى من الشخير اهـ من الأبي.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 141]، والبخاري في الجهاد باب الحراسة في الغزوة [2885] وفي التمني باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ليت كذا وكذا [7231]، والترمذي في المناقب باب مناقب سعد بن أبي وقاص [3756]، والنسائي في الكبرى [8667].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

6076 -

(00)(00)(حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد (ح وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر المصري (أخبرنا الليث عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن

ص: 468

عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ؛ أَن عَائِشَةَ قَالتْ: سَهِرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، مَقْدَمَهُ الْمَدِينَةَ، لَيلَةً، فَقَال:"لَيتَ رَجُلًا صَالِحًا مِنْ أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيلَةَ" قَالتْ: فَبَينَا نَحْنُ كَذَلِكَ سَمِعْنَا خَشْخَشَةَ سِلاحٍ. فَقَال: "مَنْ هَذا؟ " قَال: سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ. فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا جَاءَ بِكَ؟ " قَال: وَقَعَ فِي نَفْسِي خَوْفٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَجِئْتُ أَحْرُسُهُ. فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى

ــ

عبد الله بن عامر بن ربيعة) العنزي المدني رضي الله عنه (أن عائشة قالت): وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الليث لسليمان بن بلال (سهر) أي أرق وترك النوم في الليل (رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه) أي أول قدومه (المدينة) وتمنى (ليلة) من الليالي الحراسة له (فقال:"ليت رجلًا صالحًا من أصحابي يحرسني") هذه (الليلة) المستقبلة لأنام فيها، وكان لا ينام الليل بعدما قدم المدينة خوفًا من هجوم اليهود عليه، قال النووي: فيه جواز الاحتراس من العدو والأخذ بالحزم وترك الإهمال في موضع الحاجة، قال العلماء: وكان هذا الحديث قبل نزول قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الاحتراس حين نزلت هذه الآية اهـ منه (قالت) عائشة: (فبينا نحن) أي أنا والنبي صلى الله عليه وسلم كائنون (كذلك) أي مجردين عن الحراسة مع سهر النبي صلى الله عليه وسلم كل الليالي وتمنيه لمن يحرسه (سمعنا خشخشة سلاح) أي صوت سلاح صدم بعضه بعضًا (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم: (من هذا؟ ) الذي عنده خشخشة سلاح (قال) صاحب السلاح: أنا (سعد بن أبي وقاص، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما جاء بك؟ ) أي أي غرض وأي سبب جاء بك أي حثك على المجيء عندنا؟ وما استفهامية في محل الرفع مبتدأ وجملة جاء بك خبرها والجملة الاستفهامية في محل النصب مقول قال: (قال) سعد: (وقع في نفسي) وخطر في قلبي (خوف) من هجوم العدو في الليل (على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة لغرض التلذذ بلفظ الرسول أو لغرض التأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (فجئته صلى الله عليه وسلم لـ (أحرسه) من العدو أو حالة كوني قاصدًا حراسته، وفي قوله:(وقع في نفسي) دلالة على أنه من المحدثين الملهمين وعلى أنه من صالح العباد اهـ من الأبي (فدعا له) أي لسعد (رسول الله صلى

ص: 469

اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَامَ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ رُمْحٍ: فَقُلْنَا: مَنْ هَذَا؟ .

6077 -

(00)(00) حدَّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ. سَمِعْتُ يَحيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ يَقُولُ: قَالتْ عَائِشَةُ: أَرِقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيلَةٍ، بِمِثْلِ حَدِيثِ سُلَيمَانَ بْنِ بِلالٍ.

6078 -

(2390)(145) حدَّثنا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ

ــ

الله عليه وسلم ثم نام) رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله:(فقال: من هذا؟ ) من رواية قتيبة بن سعيد (و) أما (في رواية ابن رمح فقلنا: من هذا) بالقول المسند إلى ضمير المتكلمين، قال القرطبي: (وقول سعد وقع في نفسي خوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. إلخ دليل على مكانة نببنا صلى الله عليه وسلم وكرامته على الله فإنه قضى أمنيته وحقق في الحين طلبته، وفيه دليل على أن سعدًا رضي الله عنه من عباد الله الصالحين المحدثين الملهمين وتخصيصه بهذه الحالة كلها وبدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له من أعظم الفضائل وأشرف المناقب اهـ من المفهم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

6077 -

(00)(00)(حدثناه محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (6) أبواب (سمعت يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (يقول: سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة) العنزي المدني الصحابي الصغير رضي الله عنه (يقول: قالت عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الوهاب الثقفي لسليمان بن بلال في الرواية عن يحيى بن سعيد (أرق) بوزن فرح أي سهر (رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك النوم (ذات ليلة) أي ليلة من الليالي. وساق عبد الوهاب (بمثل حديث سليمان بن بلال) لفظًا ومعنى.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث علي رضي الله عنهم فقال:

6078 -

(2390)(145)(حدثنا منصور بن أبي مزاحم) بشير التركي أبو نصر

ص: 470

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، (يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ)، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ. قَال: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: مَا جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبَوَيهِ لأَحَدٍ، غَيرَ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ. فَإِنهُ جَعَلَ يَقُولُ لَهُ، يَوْمَ أُحُدٍ:"ارْمِ. فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي"

ــ

البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا إبراهيم يعني ابن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (14)(عن أبيه) سعد بن إبراهيم الزهري المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن عبد الله بن شداد) بن الهاد، واسمه أسامة الليثي، أبي الوليد المدني، ثقة، من (2) من كبار التابعين، روى عنه في (4) أبواب (قال) ابن شداد:(سمعت عليًّا يقول) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد) من الناس في التفدية (غير سعد بن) أبي وقاص (مالك) بن أهيب رضي الله عنه (فإنه) صلى الله عليه وسلم (جعل) أي شرع (يقول له) أي لسعد حين انهزم المسلمون (يوم أحد) وبقي سعد معه صلى الله عليه وسلم (ارم) الأعداء بسهمك يا سعد (فداك أبي وأمي) عن كل مكروه.

ومعنى قوله: (ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد غير سعد) أي في علمي أو في أحد فلا يرد جمعه للزبير في وقعة الخندق والله أعلم، ولعل عليًّا لم يطلع على ذلك أو أن كلامه في حديث الباب مقتصر على غزوة أحد، قال ابن الأثير: الفداء بالكسر والمد والفتح مع القصر فكاك الأسير، يقال: فداه يفديه فداء وفدى اهـ، وقال الجوهري: الفداء إذا كُسر أوله يُمد ويُقصر وإذا فتح فهو مقصور اهـ، وقال العيني:(فداك أبي وأمي) أي مفدي لك أبي وأمي فقوله أبي مبتدأ وأمي عطف عليه وفداك خبره مقدمًا اهـ، وقال الزملكاني: الحق أن كلمة التفدية نقلت بالعرف عن وضعها وصارت علامة على الرضا وكأنه قال: ارم مرضيًا عنك اهـ، وقال صاحب المرقاة:(فداك أبي وأمي) بفتح الفاء وقد يُكسر وفي هذه التفدية تعظيم لقدره واعتداد بعمله واعتبار بأمره لأن الإنسان لا يفدي إلا من يعظمه فيبذل نفسه أو أعز أهله له اهـ، قال النووي: وفيه جواز التفدية بالأبوين وبه قال جماهير العلماء وكرهه عمر بن الخطاب والحسن البصري اهـ دهني، قال القرطبي: وجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد أبويه في التفدية وفداؤه بهما خاصة من خصائصه إذ لم يرو ولا سُمع أن النبي صلى الله عليه وسلم فدى

ص: 471

6079 -

(00)(00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ وَإِسْحَاق الْحَنْظَلِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مِسْعَرٍ. كُلُّهُمْ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ

ــ

أحدًا من الناس بأبويه جميعًا غير سعد هذا أو غير ما يأتي في حديث الزبير اهـ من المفهم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في مواضع كثيرة منها في الأدب باب قول الرجل فداك أبي وأمي [6184]، والترمذي في المناقب باب مناقب لسعد بن أبي وقاص [3755]، وابن ماجه في المقدمة باب فضل سعد بن أبي وقاص [116].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث علي رضي الله عنه فقال:

6079 -

(00)(00)(حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع) عن مسعر (ح وحدثنا أبو كريب .. إلخ) وفي بعض النسخ: (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن مسعر) قال المازري: زعم بعضهم أن وكيعًا لم يدرك مسعرًا، وهو خطا ظاهر فإن ابن أبي حاتم ذكر أن وكيعًا آخر من روى عن مسعر، وأنه أدرك من حياة مسعر خمسًا وعشرين سنة اهـ من الأبي (ح وحدثنا أبو كريب وإسحاق) بن إبراهيم (الحنظلي) المروزي (عن محمد بن بشر) بن الفرافصة العبدي الكوفي (عن مسعر) بن كدام بن ظهير بن عبيد الهلالي الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (ح وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة الهلالي الكوفي ثم المكي (عن مسعر) بن كدام (كلهم) والصواب (كلاهما) أي كل من شعبة ومسعر رويا (عن سعد بن إبراهيم عن عبد الله بن شداد عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة شعبة ومسعر لإبراهيم بن سعد، وساقا (بمثله) أي بمثل حديث إبراهيم بن سعد.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيا لحديث عائشة بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم فقال:

ص: 472

6080 -

(2391)(146) حدَّثنا عَبدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانَ، (يَعْنِي ابْنَ بِلالٍ)، عَنْ يَحْيَى، (وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ)، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَال: لَقَدْ جَمَعَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبَوَيهِ يَوْمَ أُحُدٍ.

6081 -

(00)(00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ. كِلاهُمَا عَنْ يحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، بِهَذا الإِسْنَادِ

ــ

6080 -

(2391)(146)(حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) التميمي البصري من (9)(حدثنا سليمان يعني ابن بلال) التيمي المدني (عن يحيى وهو ابن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (عن سعيد) بن المسيب المخزومي المدني (عن سعد بن أبي وقاص) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (قال) سعد: والله (لقد جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه) في التفدية (يوم أحد) حين قال لي: "ارم فداك أبي وأمي".

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في مناقب سعد [3725] وفي المغازي باب (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا)[4058 و 4059]، والترمذي في المناقب باب مناقب سعد بن أبي وقاص [3755]، وابن ماجه في المقدمة باب فضل سعد بن أبي وقاص [117].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما فقال:

6081 -

(00)(00)(حدثنا قتيبة بن سعيد و) محمد (بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري (عن الليث بن سعد) الفهمي المصري (ح وحدثنا ابن المثنى حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري (كلاهما) أي كل من ليث بن سعد وعبد الوهاب الثقفي رويا (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري المدني (بهذا الإسناد) يعني عن سعيد عن سعد بن أبي وقاص، غرضه بيان متابعة ليث بن سعد وعبد الوهاب الثقفي لسليمان بن بلال.

ص: 473

6082 -

(00)(00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ. حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، (يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ)، عَنْ بُكَيرِ بْنِ مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ لَهُ أَبَوَيهِ يَوْمَ أُحُدٍ. قَال: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَحْرَقَ الْمُسْلِمِينَ. فَقَال لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "ارْمِ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي قَال: فَنَزَعْتُ لَهُ بِسَهْمٍ لَيسَ فِيهِ نَصْلٌ. فَأَصَبْتُ جَنْبَهُ فَسَقَطَ. فَانْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى نَوَاجِذِهِ

ــ

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سعد رضي الله عنه فقال:

6082 -

(00)(00)(حدثنا محمد بن عباد) بن الزبرقان المكي أبو عبد الله البغدادي، صدوق، من (10) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا حاتم يعني ابن إسماعيل) العبدري مولاهم أبو إسماعيل المدني، صدوق، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن بكير بن مسمار) الزهري مولاهم مولى عامر بن سعد المدني، صدوق، من (4) روى عنه في (3) أبواب (عن عامر بن سعد) بن أبي وقاص الزهري المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عامر بن سعد لسعيد بن المسيب (أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع له) أي لسعد (أبويه يوم أحد) في التفدية (قال) سعد:(كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين) أي أصاب كثيرًا منهم وآلمهم بالقتل والجراح حتى كأنه فعل فيهم ما تفعله النار من الإحراق (فقال له) أي لسعد: (النبي صلى الله عليه وسلم ارم) يا سعد إلى هذا الرجل (فداك أبي وأمي) أي مفدي لك أبي وأمي (قال) سعد: (فنزعت) أي جذبت وأخذت من كنانتي من النزع وهو الأخذ بالقوة (له) أي لقتل ذلك المشرك (بسهم) أي بنبل (ليس فيه نصل) أي زج وحديدة استعجالا (فأصبت) أي طعنت بسهمي (جنبه) أي جنب ذلك المشرك، بالجيم والنون كذا لأكثر الرواة وكذا رويته، وقيده القاضي الشهيد (حبته) بالحاء المهملة الموحدة يعني بن حبة قلبه وفيه بُعد اهـ من المفهم (فسقط) ذلك المشرك (فانكشفت عورته فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فرحًا بقتله وذله لا لانكشاف عورته لأنه صلى الله عليه وسلم منزه عن ذلك، وفيه من آياته السهم الذي رمى به من غير حديدة فقتل اهـ من الأبي (حتى نظرت إلى نواجذه) قال القرطبي: والنواجذ بالذال المعجمة آخر الأضراس وأنها تقال على الضواحك وأنها المعنية في هذا الحديث فإنها

ص: 474

6083 -

(2392)(147) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا زُهَيرٌ، حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ نَزَلَتْ فِيهِ آيَاتٌ مِنَ الْقُرْآنِ. قَال: حَلَفَتْ أُمُّ سَعْدٍ أَنْ لَا تُكَلِّمَهُ أبَدًا حَتَّى يَكْفُرَ بِدِينِهِ، وَلَا تَأْكُلَ وَلَا تَشْرَبَ. قَالت: زَعَمْتَ أَنَّ اللهَ وَصَّاكَ بِوَالِدَيكَ. وَأَنَا أُمُّكَ. وَأَنَا آمُرُكَ بِهَذَا

ــ

هي التي يمكن أن ينظر إليها غالبًا في حال الضحك، وكان جل ضحكه صلى الله عليه وسلم التبسم فإذا استغرب (استغرب الرجل في الضحك بالغ فيه وكأنه من الغرب وهو البعد) فغاية ما يظهر منه ضواحكه مع ندور ذلك منه وقِلَّتِه اهـ من المفهم.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث عائشة بحديث آخر لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم فقال:

6083 -

(2392)(147)) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالا: حدثنا الحسن بن موسى) البغدادي أبو علي الأشيب، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا زهير) بن معاوية بن حديج مصغرًا، ثقة، من (7) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا سماك بن حرب) بن أوس الذهلي أبو المغيرة الكوفي، صدوق، من (4) روى عنه في (14) بابا (حدثني مصعب بن سعد) بن أبي وقاص الزهري أبو زرارة المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته (أنه) أي أن الشأن والحال (نزلت فيه) أي في سعد (آيات) أي أربع آيات كما سيأتي التصريح به في الرواية الآتية (من القرآن) الأولى منها ما ذكره في هذه القصة (قال) سعد (حلفت) أمي (أم سعد) اسمها حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، وهي مشركة، فآمن سعد وهو ابن ست عشرة كما قال ابن سعد في الطبقات الكبرى [3/ 137]، [6/ 12]، اهـ من تنبيه المعلم، على (أن لا تكلمه) أي على أن لا تكلم سعدًا (أبدًا) ظرف مستغرق لما يستقبل من الزمان كعوض (حتى يكفر) سعد (بدينه) دين الإسلام أي حتى يكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم (ولا تأكل ولا تشرب) شيئًا (قالت) أم سعد لسعد:(زعمت) أي قلت من الزعم وهو القول الفاسد أي قلت في زعمك أنه في دينك (أن الله) سبحانه (وصاك) أي أمرك في دينك (بـ) أن تطيع (والديك وأنا أمك وأنا آمرك بهذا) أي بأن تكفر بدينك فأطعني بالكفر بدينك إن

ص: 475

قَال: مَكَثَتْ ثَلاثًا حَتَّى غُشِيَ عَلَيهَا مِنَ الْجَهْدِ. فَقَامَ ابْنٌ لَهَا يُقَالُ لَهُ عُمَارَةُ. فَسَقَاهَا. فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَى سَعْدٍ. فَأَنْزَلَ الله عز وجل فِي الْقُرْآنِ هَذهِ الآيَةَ: {وَوَصَّينَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي} [لقمان: 15].

قَال: وَأَصَابَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَنِيمَةً عَظِيمَةً. فَإِذَا فِيهَا سَيفٌ فَأَخَذْتُهُ. فَأَتَيتُ بِهِ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ: نَفِّلْنِي هَذَا السَّيفَ. فَأَنَا مَنْ قَدْ عَلِمْتَ حَالهُ

ــ

كان زعمك صحيحًا (قال) سعد: (مكثت) أي جلست (ثلاثًا) من الليالي لا تأكل ولا تشرب شيئًا (حتى غُشي عليها) أي أُغمي عليها (من) شدة (الجهد) والجوع (فقام ابن لها يقال له عمارة) بن أبي وقاص (فسقاها) الشراب (فجعلت) أي شرعت (تدعو على سعد) بن أبي وقاص وتلعنه (فأنزل الله عز وجل في شأني وشأنها (في القرآن هذه الآية) يعني قوله تعالى: {وَوَصَّينَا الْإِنْسَانَ} أي أمرنا (بـ) أن يُحسن إلى (والديه حسنًا) أي إحسانًا مصدر مؤكد لعامله المحذوف وهو اسم مصدر لأحسن الرباعي بمعنى المصدر ({وَإِنْ جَاهَدَاكَ} أي كلفاك {عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي} [العنكبوت / 8] هذه الآية في سورة العنكبوت إلا أن فيها {وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي} باللام وفي لقمان بعلى (وفيها) أي وفي أم سعد نزلت هذه الآية أيضًا {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا} ({وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] أي وإن حاولاك وكلفاك على الشرك والكفر فلا تطعهما وإن بالغا في ذلك وأتعبا أنفسهما فيه فإن الشرك بالله تعالى باطل ليس له حقيقة فتعلم اهـ من الأبي.

والآية الثانية ما ذكره في هذه القصة الآتية بقوله: (قال) سعد: (وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أخذ وغنم من الكفار (غنيمة عظيمة) أي كثيرة (فإذا فيها سيف) جيد (فأخذته) أي فأخذت ذلك السيف من جملة الغنيمة قبل القسمة (فأتيت به) أي بذلك السيف (الرسول) الشريف محمدًا صلى الله عليه وسلم فقلت) له صلى الله عليه وسلم: (نفلني) أي أعطني (هذا السيف) زيادة على سهمي، وقد مر الكلام على هذه القصة مبسوطًا في كتاب الجهاد باب الأنفال (فأنا من قد علمت حاله) من الجد والاجتهاد في

ص: 476

فَقَال: "رُدُّهُ مِنْ حَيثُ أَخَذْتَهُ" فَانْطَلَقْتُ. حَتَّى إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أُلْقِيَهُ فِي الْقَبَضِ لامَتْنِي نَفْسِي، فَرَجَعْتُ إِلَيهِ. فَقُلْتُ: أَعْطِنِيهِ. قَال: فَشَدَّ لِي صَوْتَهُ "رُدُّهُ مِنْ حَيثُ أَخَذْتَهُ" قَال: فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1].

قَال: وَمَرِضْتُ فَأرْسَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَانِي. فَقُلْتُ: دَعْنِي أَقْسِمْ مَالِي حَيثُ شِئْتُ. قَال: فَأَبَى. قُلْتُ: فَالنِّصْفَ. قَال: فَأَبَى

ــ

الجهاد والثبات عند اللقاء (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رده) أي رد هذا السيف (من حيث أخدته) أي إلى الموضع الذي أخذته منه وهو مجمع الغنيمة (فانطلقت) أي ذهبت به من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (حتى إذا أردت أن ألقيه) وأرميه (في القبض) أي في المال المقبوض من الغنيمة، والقبض بفتح القاف والباء اسم لما يُقبض وكذلك هو ها هنا، والقبض بسكون الموحدة مصدر قبضت اهـ من المفهم، وقال النووي: القبض هو الموضع الذي تجمع فيه الغنائم اهـ والأول هو الموافق للقواعد النحوية والصرفية كما ذكرناه في مناهل الرجال (لامتني نفسي) على رده جواب إذا أي وبختني على رده وعيرتني به (فرجعت إليه) صلى الله عليه وسلم (فقلت) له: (أعطنيه) أي أعطني هذا السيف (قال) سعد: (فشد لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم (صوته) أي شدده علي ورفعه وقال لي: (رده) أي رد هذا السيف (من حيث أخذته) إلى الموضع الذي أخذته منه (قال) سعد: (فأنزل الله عز وجل بسبب ذلك قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1].

(قال) سعد: (ومرضت فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأشاوره في توزيع مالي في سبيل الله (فأتاني) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقلت) له: (دعني) واتركني يا رسول الله ولا تمنعني من توزيع مالي إن تركتني (أقسم مالي) كله مضارع من قسم الثلاثي من باب ضرب مجزوم بالطلب السابق (حيث شئت) أي في أي مكان شئت من مصارف الخير من الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام (قال) سعد: (فأبى) أي امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإذن لي في توزيعه، قال سعد:(قلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم: دعني (فـ) أقسم (النصف) أي نصف مالي حيث شئت (قال) سعد: (فأبى) أي فامتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الإذن لي في توزيع النصف، قال سعد:

ص: 477

قُلْتُ: فَالثُّلُثَ. قَال: فَسَكَتَ. فَكَانَ، بَعْدُ، الثلُثُ جَائِزًا.

قَال: وَأَتَيتُ عَلَى نَفَرٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرِينَ. فَقَالُوا: تَعَال نُطْعِمْكَ وَنَسْقِيكَ خَمْرًا، وَذلِكَ قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ الْخَمْرُ. قَال: فَأَتَيتُهُمْ فِي حَشٍّ -وَالْحَشُّ الْبُسْتَانُ- فَإِذَا رَأْسُ جَزُورٍ مَشْويٌّ عِنْدَهُمْ، وَزِقٌّ مِنْ خَمْرٍ. قَال: فَأَكَلْتُ وَشَرِبْتُ مَعَهُمْ. قَال: فَذَكَرْتُ الأنصَارَ وَالْمُهَاجِرِينَ عِنْدَهُمْ. فَقُلْتُ: الْمُهَاجِرُونَ خَيرٌ مِنَ الأنصَارِ

ــ

(قلت) له صلى الله عليه وسلم: (فـ) دعني أقسم (الثلث) أي ثلث مالي (قال) سعد: (فسكت) عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم بمنعني من قسم الثلث، قال سعد:(فكان بعد) أي بعدما أذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعد ذلك اليوم (الثلث) أي توزيع ثلث المال ووصيته (جائزًا) لكل أحد أي مشروعًا للناس، وقد مر شرح هذا الحديث مستوفى في كتاب الوصايا.

والآية الثالثة ما ذكره في ضمن قوله: (قال) سعد: (وأتيت) أي مررت (على نفر) أي على جماعة اجتمعوا (من الأنصار والمهاجرين فقالوا) لي: (تعال) أي أقبل إلينا (نطعمك) الطعام بالجزم في جواب الطلب (ونسقيك خمرًا) بإثبات الياء على الاستئناف أي ونحن نسقيك خمرًا، وبحذفها للجازم على العطف (وذلك) القول الواقع منهم يعني قولهم نسقيك خمرًا أو ذلك القول (قبل أن تحرم الخمر، قال) سعد: (فأتيتهم في حش) بفتح الحاء وضمها بستان النخل ويُجمع على حشا وقد يكنى بالحش عن موضع الخلاء لأنهم كانوا يقضون حاجتهم في البساتين وحائش النخل جماعته وفسره الراوي بقوله: (والحش البستان) والفاء في قوله: (فإذا) عاطفة على قوله فأتيتهم، وإذا فجائية أي فاتيتهم ففاجأني (رأس جزور) أي جمل وهو مبتدأ (مشوي) بالرفع صفة لرأس موضوع ذلك الرأس (عندهم) وهو خبر المبتدأ (وزق) بكسر الزاي وتشديد القاف بالرفع معطوف على رأس جزور، وقوله:(من خمر) صفة لزق، والزق الظرف والقربة ويُجمع على أزقاق وزقاق اهـ مصباح والمعنى فأتيتهم ففاجأني رؤية رأس جزور وزق خمر موضوعين عندهم (قال) سعد:(فأكلت) رأس الجزور معهم (وشربت) الخمر (معهم، قال) سعد: (فذكرت الأنصار والمهاجرين عندهم) أي ذكر بعض أولئك النفر وسأل أي الفريقين خير، قال سعد:(فقلت) للسائل: (المهاجرون خير من الأنصار) لأنهم فارقوا أهليهم

ص: 478

قَال: فَأَخَذَ رَجُلٌ أحَدَ لَحْيَيِ الرَّأْسِ فَضَرَبَنِي بِهِ فَجَرَحَ بِأَنْفِي. فَأَتَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأخْبَرْتُهُ. فَأَنزَلَ اللهُ عز وجل فِيَّ -يَعْنِي نَفْسَهُ- شَأْنَ الْخَمْرِ: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيطَانِ} [المائدة: 90]

ــ

وأموالهم وتركوا أوطانهم طلبًا لرضا الله ورسوله (قال) سعد: (فأخذ رجل) من الأنصار، وفي بعض الرواية (رجل منهم) بزيادة منهم أي من الأنصار، قال ابن بشكوال: الرجل الأنصاري عتبان بن مالك، وساق له شاهدًا، قال: وقيل: إنه حمزة بن عبد المطلب ذكره فتح بن إبراهيم، عن أبي الطيب الحريري البغدادي صاحب محمد بن جرير الطبري، واسم أبي الطيب أحمد بن سليمان اهـ تنبيه المعلم. وقال الشيخ ولي الدين قال الزهري: إن سعدًا كان هو الضارب اهـ تنبيه المعلم (أحد لحيي) تثنية لحي، واللحي منبت الأسنان السفلى يجتمعان في الذقن أي أخذ واحدًا من لحيي (الرأس) أي رأس الجزور، وفي القرطبي: ولحى الجمل بفتح اللام هو أحد فكي فمه وهما لحيان أعلى وأسفل والذي يمكن أن يؤخذ ويضرب به هو الأسفل اهـ من المفهم (فضربني) ذلك الرجل (به) أي بأحد اللحيين (فجرح بأنفي) أي أوقع الجراحة في أنفي (فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأنزل الله عز وجل فيَّ) بتشديد الياء بإدغام ياء الكلمة في ياء المتكلم (يعني) سعد بضمير فيّ (نفسه) تفسير من الراوي أي فأنزل الله سبحانه بسببي (شأن الخمر) بقوله: ({إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ})[المائدة: 90] وتقدم الكلام على تحريم الخمر (والميسر) هو القمار وهو كل لعب تردد بين غنم وغرم (والأزلام) قداح أي سهام، وقيل: حصيات كانت الجاهلية تستقسم بها وتمضي الأمور على ما يخرج فيها (والأنصاب) جمع نصب وهو ما ينصب من الأصنام ليُعبد وهي أيضًا حجارة تنصب يذبح عندها لطواغيتهم (رجس) أي نجس وقد يأتي الرجس بمعنى النجس وما يستقذر ومنه قولهم في الخمر إنها رجس أي نجس، والرجس أيضًا بمعنى اللعنة ومنه قوله تعالى:{وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} اهـ من الأبي، وقد بسطنا الكلام في تفسيرنا في هذا المقام فراجعه.

وهذا الحديث قد مر تخريجه من المؤلف في الجهاد باب الأنفال، وشاركه أبو داود في الجهاد باب في النفل [2840]، والترمذي في تفسير سورة العنكبوت [2189] وفي تفسير سورة الأنفال [3080].

ص: 479

6084 -

(00)(00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَن سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ قَال: أُنْزِلَتْ فِيَّ أرْبَعُ آيَاتٍ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ زُهَيرٍ، عَنْ سِمَاكٍ، وَزَادَ فِي حَدِيثِ شُعْبَةَ: قَال فَكَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يُطْعِمُوهَا شَجَرُوا فَاهَا بِعَصًا، ثُمَّ أَوْجَرُوهَا،

ــ

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سعد هذا رضي الله عنه فقال:

6084 -

(00)(00)(حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري غندر (حدثنا شعبة عن سماك بن حرب) بن أوس الذهلي الكوفي، صدوق، من (4) روى عنه في (14) بابا (عن مصعب بن سعد عن أبيه) سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لزهير بن معاوية (أنه) أي أن سعد (قال: أنزلت في أربع آيات) من القرآن (وساق) شعبة (الحديث) السابق (بمعنى حديث زهير) بن معاوية (عن سماك) بن حرب، قوله:(أربع آيات) مرت ثلاث منها على التفصيل والرابعة قوله تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} وستأتي في الرواية التالية لهذه والله أعلم (وزاد) محمد بن جعفر (في حديث شعبة) وروايته (قال) سعد: (فكانوا) أي فكان أقارب أمي (إذا أرادوا أن يطعموها شجروا) أي فتحوا (فاها) أي فمها (بعصا) أو نحوه كعود (ثم) بعد فتح فمها بعصا (أوجروها) أي صبوا الطعام في فمها وإنما شجروا بالعصا لئلا تطبعه فيمتنع وصول الطعام، قال النووي: وهكذا صوابه بالشين المعجمة والجيم والراء وهكذا في جميع النسخ، قال القاضي: ويروى (شحوا فاها) بالحاء المهملة وحذف الراء ومعناه قريب من الأول أي أوسعوه وفتحوه، والشَّحْو التوسعة ودابة شحو واسعة الخطوة، ويقال: أوجره ووجره لغتان الأولى أفصح وأشهر اهـ.

قال القاضي: شجروا بالشين المعجمة والجيم معناه فتحوا فمها وأدخلوا فيه عصا لئلا تغلقه حتى يوجروها الغذاء، والوجور بفتح الواو ما يصب من وسط الفم، واللدود بفتح اللام ما يصب من جانبه ويقال: وجرته وأوجرته ثلاثيًّا ورباعيًّا إذا ألقيت الوجور في فيه أي الدواء اهـ أبي، وفي المصباح: الوجور بفتح الواو وزان رسول الدواء يصب في الحلق وأوجرت المريض إيجارًا إذا فعلت به ذلك ووجرته أجره من باب وعد لغة فيه اهـ.

ص: 480

وَفِي حَدِيثِهِ أَيضًا: فَضَرَبَ بِهِ أَنْفَ سَعْدٍ فَفَزَرَهُ، وَكَانَ أَنْفُ سَعْدٍ مَفْزُورًا.

6085 -

(00)(00) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ: فِيَّ نَزَلَتْ: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الأنعام: 52].

قَال: نَزَلَتْ فِي سِتَّةٍ: أنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ مِنْهُمْ، وَكَانَ الْمُشرِكُونَ قَالُوا لَهُ: تُدْنِي هَؤُلاءِ

ــ

وهذه قطعة من حديث قصة أم سعد رضي الله عنه (وفي حديثه) أي في حديث شعبة وروايته (أيضًا) أي كما فيه هذه الزيادة المذكورة يعني قوله: (فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها) لفظة (فضرب) ذلك الرجل الأنصاري (به) أي بذلك اللحمي (أنف سعد) بن أبي وقاص (ففزر) بتقديم الزاي المخففة على الراء أي جرح أنفه وشقه (وكان أنف سعد مفزورًا) بتقديم الزاي المخففة أيضًا أي مشقوقًا وفي هذه الرواية بتصريح بأن المضروب سعد ويكون الضارب الأنصاري.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث سعد هذا رضي الله عنه فقال:

6085 -

(00)(00)(حدثنا زهير بن حرب حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9)(عن سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي (عن المقدام بن شريح) بن هانئ بن يزيد الحارثي الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (3) أبواب (عن أبيه) شريح بن هانئ بن يزيد المذحجي أبي المقدام اليمنى الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (4) أبواب (عن سعد) بن أبي وقاص رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شريح بن هانئ لمصعب بن سعد، قال سعد:(فيّ) أي في نفسي وفي أمثالي من فقراء الصحابة رضي الله عنهم (نزلت) آية {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الأنعام / 52](قال) سعد: (نزدت في ستة) من فقراء المسلمين سيأتي تعدادهم إن شاء الله تعالى قريبًا (أنا وابن مسعود منهم) أي من أولئك الستة (وكان المشركون قالوا له) صلى الله عليه وسلم أنت يا محمد (تدني) وتقرب إليك (هؤلاء) الفقراء فاطردهم عنك ونحن نستحيي أن نجلس معهم، والمعنى

ص: 481

6086 -

(00)(00) حدَّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأسَدِيُّ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ. قَال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سِتَّةَ نَفَرٍ. فَقَال الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: اطْرُدْ هَؤُلاءِ لَا يَجْتَرِئونَ عَلَينَا

ــ

تقربهم إليك وتسمح لهم بالجلوس في مجلسك ونحن لا نجلس معهم واطردهم عنك.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث سعد هذا رضي الله عنه فقال:

6086 -

(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن عبد الله) بن الزبير بن عمرو بن درهم (الأسدي) الزبيري مولاهم أبو أحمد الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن المقدام بن شريح عن أبيه عن سعد) بن أبي وقاص رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة إسرائيل لسفيان الثوري (قال) سعد:(كنا) معاشر فقراء الصحابة رضوان الله عليهم (ستة نفر فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد) أي أبعد (هؤلاء) الفقراء عن مجلسك فـ (لا يجتروون علينا) أي لا يتشجعون علينا في الكلام إذا طردتهم عن مجلسنا معك، قال في المصباح: اجترأ على القول بالهمز إذا أسرع بالهجوم عليه من غير توقف اهـ، يريدون بذلك طرد الفقراء لئلا يسرعوا في محاوراتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ولا يواجهوهم في القول والله أعلم اهـ دهني.

قال القرطبي: (وقول المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم اطرد هؤلاء عنك لا يجترؤون علينا) كان هؤلاء المشركون أشراف قومهم، وقيل: كان منهم عيينة بن حصن والأقرع بن حابس وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ومطعم بن عدي والحارث بن نوفل وقرظة بن عبد عمرو أنفوا من مجالسة ضعفاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كصهيب وسلمان وعمار وبلال وسالم ومهجع العكي مولى عمر بن الخطاب وسعد هذا وابن مسعود وغيرهم ممن كان على مثل حالهم كخباب وسالم مولى أبي حذيفة وصبيح مولى أسيد وعمرو بن عبد عمرو ومرثد بن أبي مرثد، استصغارًا لهم وكبرًا عليهم واستقذارًا لهم فإنهم قالوا: يؤذوننا بريحهم، وفي بعض كتب التفسير أنهم لما عرضوا

ص: 482

قَال: وَكُنتُ أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيلٍ، وَبِلالٌ، وَرَجُلانِ لَسْتُ أُسَمِّيهِمَا، فَوَقَعَ فِي نَفْسِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقَعَ. فَحَدَّثَ نَفْسَهُ. فَأنْزَلَ اللهُ عز وجل:{وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52]

ــ

ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم أبي، فقالوا له: اجعل لنا يومًا ولهم يومًا، وطلبوا أن يكتب لهم بذلك، فهمّ النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ودعا عليًّا ليكتب فقام الفقراء وجلسوا ناحية. [قلت]: ولهذا أشار سعد بقوله: فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إنما مال إلى ذلك طمعًا في إسلامهم وإسلام قومهم ورأى أن ذلك لا يفوّت أصحابه شيئًا ولا ينقص لهم قدرًا فمال إليه فأنزل الله تعالى:{وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} الآية.

(قال) سعد: (وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما) أي أذكر اسمهما أي وكنت أنا وهؤلاء المذكورون ممن طلبوا طردهم (فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله) تعالى (أن يقع) في قلبه (فحدّث) النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الذي وقع في قلبه (نفسه) الشريفة والذي وقع في قلبه أن يجعل لهم يومًا ولفقراء الصحابة يومًا كما ذكرنا آنفًا (فأنزل الله عز وجل: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام / 52] فنهاه عما همَّ به من الطرد لا أنه أوقع الطرد ووصف أولئك الفقراء بأحسن أوصافهم وأمره أن يصبر نفسه معهم بقوله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الكهف / 28] فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآهم بعد ذلك يقول: "مرحبًا بقوم عاتبني الله فيهم" ذكره السيوطي في الدر المنثور [5/ 381] وعزاه لابن جرير والطبراني وابن مردويه بلفظ: "الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أصبر نفسي معهم" وإذا جالسهم لم يقم عنهم حتى يكونوا هم الذين يبدؤون حوله بالقيام، وحديث سعد هذا أصح إسنادًا من الروايات الأخرى وأخرجه ابن ماجه في الزهد باب مجالسة الفقراء [4180].

وقوله: (يدعون ربهم بالغداة والعشي) قيل: معناه يدعون ربهم بالغداة بطلب التوفيق والتيسير، وبالعشي قيل معناه بطلب العفو عن التقصير، وقيل معناه يذكرون الله بعد صلاة الصبح وصلاة العصر، وقيل يصلون الصبح والعصر، وقال ابن عباس رضي الله

ص: 483

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عنهما: يصلون الصلوات الخمس، وقال يحيى بن أبي كثير: هو مجالس الفقه بالغداة والعشي، وقيل: يعني دوام أعمالهم وعباداتهم وإنما خص طرفي النهار بالذكر لأن من عمل في وقت الشغل كان في وقت الفراغ من الشغل أعمل اهـ من المفهم.

وقوله: (يريدون وجهه) أي يخلصون في عباداتهم وأعمالهم لله تعالى ويتوجهون إليه بذلك لا لغيره، ويصح أن يقال: يقصدون باعمالهم رضا وجهه الكريم المنزه المقدس عن صفات المخلوقين.

وقوله: {مَا عَلَيكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيءٍ} [الأنعام / 52] أي من جزائهم ولا كفاية رزقهم أي جزاؤهم ورزقهم وجزاؤك ورزقك على الله تعالى لا على غيره فكأنه يقول: وإذا كان الأمر كذلك فاقبل عليهم وجالسهم ولا تطردهم مراعاة لحق من ليس على مثل حالهم في الدين والفضل فإن فعلت ذلك كنت ظالمًا، وحاشاه من وقوع ذلك منه وإنما هو لبيان الأحكام ولئلا يقع مثل ذلك من غيره من أهل الإسلام، وهذا نحو قوله تعالى:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر / 65] وقد علم الله منه أي لا يشرك ولا يحبط عمله اهـ من المفهم.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث أربعة: الأول: حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني: حديث علي بن أبي طالب ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث سعد بن أبي وقاص ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والرابع: حديث سعد الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

ص: 484