الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
697 - (11) باب فضائل موسى، وفضائل يونس، وفضائل يوسف، وفضائل زكريا عليهم الصلاة والسلام
6098 -
(155) حدثني مُحَمدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "كَانَتْ بَنُو إِسْرَائيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى سَوْأَةِ بَعْضٍ، وكَانَ مُوسَى عليه السلام يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ. فَقَالُوا: وَاللهِ، مَا يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَغتَسِلَ مَعَنَا إِلا أَنهُ آدَرُ. قَال:
ــ
697 -
(11) باب فضائل موسى، وفضائل يونس، وفضائل يوسف، وفضائل زكريا عليهم الصلاة والسلام
993 -
(2350)(105)(حدثني محمد بن رافع) القشيري (حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الأبي معنى هذا الكلام أن المجلس اشتمل على ذكر أحاديث كل منها تام ومن جملتها هذا، وليس المعنى أنه ذكر حديثًا من ألفاظه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اهـ. وهذا السند من خماسياته كانت بنو إسرائيل) قوم موسى عليه السلام كانوا (يغتسلون) أبدانهم (عراة) جمع عار أي عارين من ستر العورة حتى السوأتين مجتمعين على الماء، حالة كونهم (ينظر بعضهم إلى سوأة بعض) أي إلى عورته، قال القاضي عياض: لم يكن ستر العورة واجبًا في شرعهم لأن موسى عليه السلام لم ينكره عليهم وإنما كان يستتر هو حياءَ كما ذكروا أن الله تعالى أظهر ذلك منه لقوله حتى نظروا إليه اهـ، وقال النووي: إن كان التعري جائزًا في شرعهم فستر موسى عليه السلام تنزه وكرم أخلاق وإن لم يكن من شرعهم فتعريهم تساهل كما يتساهل فيه عندنا كثير من الناس، قال الأبي: ويدل على أن التعري من شرعهم قولهم ما يمنعه أن يغتسل معنا اهـ من الأبي (وكان موسى عليه السلام يغتسل وحده) تنزهًا عن الاختلاط ورعاية لمكارم الأخلاق (فقالوا) أي قال بنو إسرائيل بعضهم لبعض: (والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا) لأجل (أنه آدر) بهمزة ممدودة ثم دال مهملة مفتوحة ثم راء وهو عظيم الخصيتين منتفخ الأنثيين (قال) رسول الله صلى
فَذَهَبَ مَرةَ يَغْتَسِلُ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ، فَفَر الحجَرُ بِثَوبِهِ. قَالْ فَجَمَحَ مُوسَى بِأثَرِهِ يَقُولُ: ثَوْبِي حَجَرُ، ثَوْبِي حَجَرُ، حَتَّى نَظَرَت بَنُو إِسْرَائِيلَ
ــ
الله عليه وسلم: (فذهب) موسى عليه السلام (مرة) أي يومًا أي قصد أن (يغتسل فوضع ثوبه على حجر) قرب الماء (ففر) أي شرد (الحجر بثوبه) إلى مجتمع بني إسرائيل (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فجمح موسى) أي ذهب (بأثره) أي بأثر الحجر أي خلفه ليأخذ منه ثوبه أي أسرع في مشيه خلف الحجر ليأخذ ثوبه منه إسراعًا بليغًا، قال القرطبي: والجموح من الخيل هو الذي يركب رأسه في إسراعه لا يرده لحام ولا يثنيه شيء وهو عيب فيها، وإنما أطلق على إسراع موسى خلف الحجر جماحًا لأنه اشتد خلفه اشتدادًا لا يثنيه شيء عن أخذ ثوبه وهو مع ذلك (يقول) وينادي بقوله: أعطني (ثوبي) يا (حجر) أعطني (ثوبي) يا (حجر) كرره استعظامًا لكشف عورته فسبقه الحجر إلى أن وصل إلى بني إسرائيل فنظروا إلى موسى وكذبهم الله في قولهم وقامت حجته عليهم اهـ من المفهم، قال القرطبي: ثوبي منصوب بفعل محذوف، وحجر منادى مفرد لأنه نكرة مقصودة كقوله: يا رجل إذا قصدت معينًا حُذف منه حرف النداء وتقدير الكلام أعطني ثوبي يا حجر أو اترك ثوبي يا حجر فحُذف الفعل لدلالة الحال عليه، وحُذف حرف النداء هنا استعجالًا للمنادى وقد جاء في كلام العرب حذف حرف النداء مع النكرة المقصودة كما قالوا:(اطرق كرا فإن النعامة في القرى) وقوله: (واقتد مخنوق) وهو قليل، وإنما نادى موسى عليه السلام الحجر نداء من يعقل لأنه صدر عن الحجر فعل من يعقل.
وقد بسطنا الكلام على أمثال هذا في حاشيتنا رفع الحجاب على كشف النقاب مع إعرابها وفي وضع موسى ثوبه على الحجر ودخوله في الماء عريانًا دليل على جواز ذلك وهو مذهب الجمهور ومنعه ابن أبي ليلى واحتج بحديث لم يصح وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تدخلوا الماء إلا بمئزر فإن للماء عامرًا" ذكره الزبيدي في الإتحاف [2/ 401] وهو ضعيف ومخالف كما قال العراقي لما ذهب إليه الأئمة الأربعة وجمهور العلماء من السلف والخلف من جواز كشف العورة في الخلوة في حالة الاغتسال مع إمكان التستر.
حتى وصل الحجر إلى مجمع بني إسرائيل فوقف عندهم (حتى نظرت بنو إسرائيل
إِلَي سَوْأَةِ مُوسَى. فَقَالُوا: وَاللهِ، مَا بِمُوسَى مِنْ بَأسٍ. فَقَامَ الْحَجَرُ بَعْدُ، حَتى نُظِرَ إِلَيهِ. قَال: فَأخَذَ ثَوْبَهُ فَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَربًا.
قَال أبُو هُرَيرَةَ: وَاللهِ، إِنَّهُ بِالحجَرِ ندَبٌ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ. ضَربُ مُوسَى عليه السلام بِالْحَجَرِ
ــ
إلى سوأة موسى) وعورته (فقالوا): أي قال بعضهم لبعض: (والله ما بموسى من بأس) أي من عيب (فقام الحجر) أي وقف (بعد) أي بعدما وصل إليهم (حتى نُظر) بالبناء للمجهول أي حتى نظروا (إليه) أي إلى موسى أي إلى سوأته (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأخذ) موسى (ثوبه) من الحجر (فطفق) موسى بفتح الفاء وكسرها أي أخذ موسى يضرب (بالحجر ضربًا) وضرب موسى للحجر لعلمه أنه خُلقت فيه حياة، وفيه أن من فعل مثل هذا فهرب بشيء ثم رده أنه يؤدب إذا رده [قلت]: وإن كان ضرب أدب فشرطه مخالفته وهو كذلك هنا لأن فراره به من العداء (قال أبو هريرة) رضي الله عنه بالسند السابق: (والله إنه) أي إن الشأن والحال، وضمير الشأن اسم إن، وقوله:(بالحجر) متعلق بقوله: (ندب) وهو خبر مقدم والندب بفتحتين أصله أثر الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد، وقوله:(ستة أو سبعة) صفة لندب (ضرب موسى عليه السلام) مبتدأ مؤخر (بالحجر) متعلق بضرب، والجملة من المبتدأ المؤخر والخبر المقدم في محل الرفع خبر إن، وجملة إن جواب القسم وجملة القسم مقول قال: وجملة القول مستأنفة استئنافًا نحويًّا ففي الكلام تقديم وتأخير، والتقدير قال أبو هريرة: أقسم بالله إن الشأن والحال ضرب موسى بالحجر لندب ستة أو سبعة بالحجر اهـ من الفهم السقيم. قال الأبي: وفي هذه الجملة تقديم وتأخير، وفي نسخته (والله إن بالحجر ندبًا ستة أو سبعة ضرب موسى عليه السلام بالحجر) وقال: والأصل ضرب موسى بالحجر ستة أو سبعة إنه بالحجر ندبًا فضرب موسى مبتدأ وبالحجر الخبر وإنه بالحجر إن واسمها وخبرها وندبًا حال وعلم أبي هريرة إن الأثر الذي بالحجر هو من ضرب موسى عليه السلام يحتمل أنه سمعه ولا يقال فيه الحلف على الظن لأنه لم يتواتر أنه أثر العصا لأن ما سمعه الصحابي معلوم له وإنما هو ظني لمن بعده اهـ منه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 315]، والبخاري [278]، والترمذي [3219].
6099 -
(156) وحدثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ. حَدَّثَنَا خَالِد الْحَذَّاءُ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ شَقِيقٍ قَال: أَنْبَأنا أَبُو هُرَيرَةَ قَال: كَانَ مُوسَى عليه السلام رَجُلا حَيِيًّا. قَال: فَكَانَ لَا يُرَى مُتَجَرِّدًا. قَال: فَقَال بَنُوُ إِسْرَائيلَ: إِنهُ آدَرُ. قَال: فَاغْتَسَلَ عِنْدَ مُوَتهِ. فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ. فَانْطَلَقَ الْحَجَرُ يَسْعَى
ــ
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
5994 -
(00)(00)(وحدثنا يحيى بن حبيب) ابن عربي (الحارثي) البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا يزيد بن زريع) التيمي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (حدثنا خالد) بن مهران (الحذاء) المجاشعي البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (14) بابا (عن عبد الله بن شقيق) العقيلي مصغرًا البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (8) أبواب (قال) عبد الله:(أنبأنا أبو هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن شقيق لهمام بن منبه (قال) أبو هريرة:(كان موسى) بن عمران (عليه السلام رجلًا حييًا) بفتح الحاء وكسر الياء الأول وتشديد الثانية أي كثير الحياء والحديث إنما يقوله أبو هريرة بالسماع من النبي صلى الله عليه وسلم فهو مرفوع لأنه إنما ذكر هذا الطريق للمتابعة (قال) أبو هريرة: (فكان) موسى (لا يرى) لغيره (متجردًا) عن اللباس (قال) أبو هريرة: (فقال بنو إسرائيل) بعضهم لبعض (إنه) أي إن موسى (آدر) والأدرذ والأدرة بضم الهمزة وسكون الدال وهي عظم الخصيتين وانتفاخهما أي منتفخ الخصيتين (قال) أبو هريرة: (فاغتسل) موسى (عند مويه) أي عند ماء قليلة، قال النووي: هكذا هو في جميع نسخ بلادنا ومعظم غيرها (مويه) تصغير ماء لأن التصغير يرد الأشياء إلى أصولها لأن أصل ماء مَوَه تحركت الواو وانفتح ما قبلها قُلبت ألفًا فصار ماءً ثم قُلبت الهمزة هاء لتطرفها فصار ماهًا ثم صُغر على مويه، قال القاضي عياض: وفي رواية العذري مويه تصغير ماء وهو تصحيف، والرواية الصحيحة (فاغتسل عند مشربة) والمشربة بفتح الميم والراء هنا الشربة وهي حفرة في أصل النخل يجتمع فيها الماء، والمشرب بكسر الميم الماء الذي يُشرب والمشربة أيضًا أرض لينة فيه بنت، وأما المشربة التي هي الغرفة فبفتح الراء وضمها (فوضع) موسى (ثوبه على حجر فانطلق الحجر) أي ذهب الحجر بثوبه حالة كون الحجر (يسعى) ويجري
وَاتَّبَعَهُ بِعَصاهُ يَضْربُهُ: ثَوْبِي حَجَرُ، ثَوْبِي حَجَرُ، حَتى وَقَفَ عَلَى مَلإٍ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَنَزَلَتْ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الأحزاب: 69]
ــ
(واتبعه) بتشديد التاء من الاتباع أي لحقه موسى (بعصاه) حالة كونه (يضربه) قائلًا (ثوبي حجر ثوبي حجر) وقوله: (حتى وقف) الحجر غاية لقوله يسعى (على ملأ) أي على جماعة (من بني إسرائيل ونزلت) في قصتهم آية ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69)} [الأحزاب: 69]) قال الأبي: الظاهر أن قضية الحجر هذه إنما كانت بعد النبوة لقوله: فضربه ولأن لقياه لبني إسرائيل إنما كان بعد النبوة اهـ.
[تتمة]: قوله: (كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة) .. إلخ، قال القرطبي: إنما كانت بنو إسرائيل تفعل ذلك معاندة للشرع ومخالفة لموسى عليه السلام وهو من جملة عتوهم وقلة مبالاتهم باتباع شرع موسى ألا ترى أن موسى عليه السلام كان يستتر عند الغسل فلو كانوا أهل توفيق وعقل اتبعوه ثم لم يكفهم مخالفتهم له حتى آذوه بما نسبوا إليه من آفة الأدرة فأظهر الله تعالى براءته مما قالوا بطريق خارق للعادة زيادة في أدلة صدق موسى عليه السلام ومبالغة في قيام الحجة عليهم، وفي هذا الحديث ما يدل على أن الله تعالى كمل أنبياءه خلقًا ونزههم في أول خلقهم من المعايب والنقائص المنفرة عن الاقتداء بهم المبعدة عنهم ولذلك لم يسمع أنه كان في الأنبياء والرسل من خلقه الله تعالى أعمى ولا أعرج ولا أقطع ولا أبرص ولا أجذم ولا غير ذلك من العيوب والآفات التي تكون نقصًا ووصمًا يوجب لمن اتصف بها شينًا وذمًّا ومن تصفح أخبارهم وعلم أحوالهم علم ذلك على القطع، وقد ذكر القاضي رحمه الله تعالى في الشفاء من هذا جملة وافرة ولا يعترض عليها بعمى يعقوب وبابتلاء أيوب فإن ذلك كان طارئًا عليهم محبة لهم وليقتدي بهم من ابتلي ببلاء في حالهم وفي صبرهم وفي أن ذلك لم يقطعهم عن عبادة ربهم ثم إن الله تعالى أظهر كرامتهم ومعجزاتهم بأن أعاد يعقوب بصيرًا عند وصول قميص يوسف إليه وأزال عن أيوب جذامه وبلاءه عند اغتساله من العين التي أنبع الله تعالى له عند ركضه الأرض برجله فكان ذلك زيادة في معجزاتهم وتمكينًا في كمالهم ومنزلتهم اهـ من المفهم.
5995 -
(2351)(106) وحدثني مُحَمدُ بن رَافِعٍ وَعَبدُ بْنُ حُمَيد. (قَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ رَافِع: حَدَّثَنَا) عَبْدُ الرزاقِ. أَخبَرَنَا مَعمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَن أبِي هُرَيرَةَ، قَال: أُرْسِلَ مَلَكُ الموْتِ إِلَىمُوسَى عليه السلام. فَلَما جَاءَهُ صَكَّهُ فَفَقأ عَينَهُ،
ــ
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث آخر له رضي الله عنه فقال:
5995 -
(2351)(106)(وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11)(وعبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11) (قال عبد: أخبرنا وقال ابن رافع: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن) عبد الله (بن طاوس) اليماني الحميري، ثقة، من (6) روى عنه في (3) أبواب (عن أبيه) طاوس بن كيسان الحميري مولاهم اليماني، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة:(أرسل) بالبناء للمفعول (ملك الموت) الذي يسمونه عزرائيل (إلى موسى) بن عمران (عليه السلام) لقبض روحه فقال له: أجب ربك (فلما جاءه) أي فلما جاء ملك الموت وأخبره سبب مجيئه (صكه) أي لطمه موسى، وقد وقع بهذا اللفظ في رواية همام الآتية (فلطم موسى عين ملك الموت)(ففقأ عينه) أي شدخ موسى عين ملك الموت أو رمى حدقتها عن محلها بلطمه، وذكر بعض العلماء أن موسى إنما لطمه لأنه جاء لقبض روحه من قبل أن يخبره لما ثبت أنه لم يقبض نبي حتى يُخبر فلهذا لما خيره في المرة الثانية أذعن، ولكن يشكل عليه أنه كيف أقدم ملك الموت على قبض نبي الله وأخل بالشرط مع أن الملائكة معصومين، والأحسن في تفسير هذه الواقعة ما ذكره ابن خزيمة رحمه الله تعالى قال: إن موسى لم يبعث الله إليه وهو يريد قبض روحه حينئذٍ وإنما بعثه اختبارًا وابتلاءً كما أمر الله تعالى خليله بذبح ولده ولم يرد إمضاء ذلك ولو أراد أن يقبض روح موسى عليه السلام حين لطم الملك لكان ما أراد، وكانت اللطمة مباحة عند موسى إذ رأى آدميًا دخل عليه ولا يعلم أنه ملك الموت، وقد أباح رسولنا صلى الله عليه وسلم فقا عين الناظر في دار المسلم بغير إذنه، وحاصل هذا الجواب أن الملك جاءه في صورة رجل أجنبي اقتحم بيته بدون إذنه وقال: أجب ربك، فلم يعرفه موسى عليه السلام وظن أنه عدو من أعدائه فاجأه ليقتله فلطمه دفاعًا عن نفسه ففقا عينه
فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَال: أَرْسَلتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الموتَ. قَال: فَرَد اللهُ إِلَيهِ عَينَه وَقَال: ارْجِعْ إِلَيهِ. فَقُل لَهُ: يَضَعُ يَدَهُ عَلَي مَتْنِ ثَورٍ، فَلَهُ بِمَا غَطت يَدُهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَة. قَال: أَي رَب، ثُم مَه؟ قَال: ثُم الموتُ. قَال: فَالآنَ. فَسَألَ اللهَ أَنُ يُدْنِيَهُ مِنَ الأَرْضِ الْمُقَدسَةِ رَمْيَةَ بِحَجَرٍ
ــ
وكان موسى شديد القوة والبطش، وقد يشكل بأنه كيف يمكن فقأ عين الملك مع أن الملائكة مجردون عن المادة، فيجاب عنه بأن الملائكة أو الجن حينما يتمثلون بصورة مخصوصة فإن خواص تلك الصورة تثبت لهم في تلك الحالة فإذا جاء الملك أو الجني بصورة رجل فإنه تثبت له خوص الرجل أو بعضها على الأقل فلا يبعد أن تكون عين الملك في تلك الحالة المخصوصة مثل عين رجل في القوة وكان موسى عليه السلام شديد القوة والبطش ففقأ تلك العين بلطمه (فرجع) ملك الموت (إلى ربه فقال: أرسلتني) يا رب (إلى عبد لا يريد الموت) واللقاء (قال) أبو هريرة: (فرد الله إليه) أي إلى ملك الموت (عينه، وقال) له: (ارجع إليه) أي إلى موسى مرة ثانية (فقل له) أي لموسى (يضع) موسى (يده) أي كفه (على متن ثور) أي على ظهر فحل بقر، وهذا خبر بمعنى الأمر، وفيه التفات أي قل له ضع يدك على متن ثور، وفي الرواية الآتية فقل له: الحياة تريد فإن كنت تريد الحياة فضع يدك (فله بما غطت يده) أي فلك بمقابلة ما غطت وسترت يدك من ظهر الثور، والجار والمجرور في قوله:(بكل شعرة سنة) بدل من الجار والمجرور في قوله: بما غطت أي فلك بمقابلة كل شعرة مما غطت يدك من متن الثور سنة، والمعنى فله بكل شعرة مما غطت يده سنة (قال) موسى:(أي رب) أي يا رب (ثم) بعد تلك السنين التي كانت بمقابلة كل شعرة (منه) ما استفهامية، والهاء للسكت؛ أي ثم ماذا يكون أحياة أم موت (قال) الرب جل جلاله:(ثم) يكون (الموت) عليك، فقوله:(بكل شعرة سنة) أي يمد له في عمره بعدد الشعرات المغطاة من السنين. وهذا على سبيل التقدير المعلق وتبين مما وقع أن القضاء المبرم كان أن يموت في ذلك الوقت. قوله: (ثم منه) أي ثم ماذا؟ وإنما سأل موسى عليه السلام ذلك مع كون الجواب واضحًا لتنبيه الناس على أن الموت لا مفر منه حتى للأنبياء عليهم السلام (قال) موسى: (فالآن) أي إذا كان الأمر كذلك فالآن أي في الزمن الحاضر أريد الموت (فسأل الله) سبحانه وتعالى (أن يدنيه) ويقربه (من الأرض المقدسة رمية بحجر) أي يقرب من أرض بيت
فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فَلَوْ كُنْتُ ثَم، لأَرَيتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَي جَانِبِ الطرِيقِ، تحْتَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ"
ــ
المقدس، قال العيني في عمدة القاري [4/ 166] "فإن قلت": ما الحكمة في طلبه الدنو من الأرض المقدسة [قلت]: الحكمة في ذلك أن الله لما منع بني إسرائيل من دخول بيت المقدس وتركهم في التيه أربعين سنة إلى أن أفناهم الموت ولم يدخل الأرض المقدسة إلا أولادهم مع يوشع عليه السلام ومات هارون ثم موسى عليهم السلام قبل فتحها، ثم إن موسى لما لم يتهيأ له دخولها لغلبة الجبارين عليها ولا يمكن نبشه بعد ذلك لينقل إليها طلب القرب منها لأن ما قارب الشيء أعطي حكمه، ويستنبط منه فضيلة الدفن في المواضع الفاضلة وفي مقابر الصلحاء اهـ وسُميت أرض بيت المقدس الأرض المقدسة لأنها لم يُعبد فيها صنم لأنها أرض الأنبياء ومهاجرهم بخلاف مكة لأنها عُبد فيها الأصنام حول البيت فلا تسمى مقدسة بل تسمى الأرض الأمينة والأرض المشرفة والبلدة المكرمة فانتبه لهذه الدقيقة كما ذكرناها في تفسيرنا حدائق الروح والريحان. قوله:(رمية بحجر) يحتمل أن يكون مراده أن يقرب من بيت المقدس بحيث إذا رُمي منه بحجر وقع في موضع دفنه، ويحتمل أن يكون المراد أن يقدم من مكانه الذي يتكلم هو فيه الآن بقدر رمية حجر إلى جهة بيت المقدس ذكر الاحتمالين العيني، والأول أولى بالنظر إلى رواية همام الآتية، وفيها (أمتني من الأرض المقدسة رمية بحجر) وقوله:(رمية بحجر) منصوب على الظرفية المكانية يعني على النيابة عنها أي مقدار رمية بحجر قاله القرطبي.
قال أبو هريرة: (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلو كنت) أنا وأنتم (ثم) بفتح المثلثة اسم إشارة للمكان البعيد أي لو كنت أنا وأنتم ثم أي في المكان الذي دفن فيه موسى (لأريتكم) أي لأبصرتكم (قبره) أي قبر موسى (إلى جانب الطريق) أي عند جانب الطريق الذي كان ثم، فإلى بمعنى عند ويعني بالطريق طريق بيت المقدس، وقوله:(تحت الكثيب الأحمر) بدل من الجار والمجرور قبله لأن إلى ظرف بمعنى عند كما قررناه في الحل أي أسفل من الكثيب الأحمر الذي كان هناك، والكثيب الرمل المجتمع المستطيل، وقيل التل، وقد تقدم في كتاب الأيمان (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر في طريقه إلى بيت المقدس ليلة أسري به بقبر موسى وهو قائم يصلي فيه) وهذا يدل على أن قبر موسى أخفاه الله تعالى عن الخلق ولم يجعله مشهورًا عندهم ولعل ذلك
5996 -
(00)(00) حدثنا مُحَمدُ بن رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَر، عَنْ هَمامِ بْنِ مُنَبهٍ. قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عليه السلام. فَقَال لَهُ: أَجِبْ رَبكَ. قَال: فَلَطَمَ مُوسَى عليه السلام عَينَ مَلَكِ الموْتِ فَفَقَأهَا
ــ
لئلا يُعبد والله أعلم، وقد وقع في الرواية الأخرى إلى جانب الطور بدل الطريق، والطور الجبل بالسريانية.
وقد أبهم النبي صلى الله عليه وسلم قبره ورُوي عن ابن عباس أنه لو عرف اليهود قبري موسى وهارون عليهما السلام لاتخذوهما إلهين، وقد اختلف أصحاب السير في موضع قبر موسى عليه السلام إلى أقوال كثيرة منه؛ أريحا، ومآب، ودمشق، ومدين، والأصح أنه عليه السلام دُفن بالتيه وهو صحراء سيناء والله أعلم. وأخرج الإمام مسلم هذا الحديث من طريق طاوس موقوفًا، ثم أخرجه من طريق همام بن منبه مرفوعًا وكذا أخرجه البخاري في الأنبياء موقوفًا، وأشار إلى حديث همام المرفوع، والرفع مشهور عن عبد الرزاق وأخرج الإسماعيلي عنه رواية طاوس مرفوعًا أيضًا فكان أبا هريرة رواه مرة مرفوعًا وأخرى موقوفًا.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 315]، والبخاري في الأنبياء باب وفاة موسى عليه السلام[3407] وفي الجنائز أيضًا [1339]، والنسائي في الجنائز [3089].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
5996 -
(00)(00)(حدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة همام لطاوس (فذكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جاء ملك الموت إلى موسى عليه السلام) ليقبض روحه (فقال) ملك الموت: (له) أي لموسى: (أجب ربك) إلى الموت ومعناه جثت لقبض روحك أو أجب دعوة ربك، وهذه كلمة يتكلم بها رسل الملك لمن دعاه الملك (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم:(فلطم موسى عليه السلام عين ملك الموت ففقأها) أي شدخها
قَال: فَرَجَعَ الْمَلَكُ إِلَى اللهِ تَعَالى فَقَال: إِنكَ أَرسَلتَنِي إِلَى عَبدٍ لَكَ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ. وَقَد فَقَأ عَينِي. قَال: فَرَدَّ اللهُ إِلَيهِ عَينَهُ وَقَال: ارْجِعْ إِلَى عَبْدِي فَقُلِ الْحَيَاةَ تُرِيدُ؟ فَإِن كنْتَ تُرِيدُ الْحَيَاةَ فَضَعْ يَدَكَ عَلَي مَتنِ ثَورٍ، فَمَا تَوَارَتْ يَدُكَ مِنْ شَعْرَةٍ. فَإِنكَ تَعِيشُ بِهَا سَنَةً. قَال: ثُم مَه؟ قَال: ثُم تَمُوتُ. قَال: فَالآنَ مِنْ قَرِيبٍ. رَب أَمِتْنِي مِنَ الأَرْضِ المقدسَةِ. رَميَةً بِحَجَرً. قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "وَاللهِ، لَوْ أَني عِنْدَهُ لأَرَيتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطرِيقِ، عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ"
ــ
وأعورها (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فرجع الملك) أي ملك الموت (إلى الله) سبحانه وتعالى (فقال) ملك الموت لله عز وجل: (إنك) يا إلهي (أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت) واللقاء (وقد فقأ) وأعور (عيني قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فرد الله إليه) أي إلى ملك الموت (عينه فقال) الله عز وجل لملك الموت: (ارجع إلى عبدي) ثانيًا (فقل) له: هل (الحياة) في الدنيا (تريد فإن كنت تريد الحياة فضع يدك) أي حط كفك (على متن) أي على ظهر (ثور) بقر وفحلها (فما توارت) أي سترت (يدك من شعرة) على ظهر الثور (فإنك تعيش) وتحيى (بها) أي بمقابلة شعرة من شعوره (سنة) كاملة (قال) موسى عليه السلام: (ثم) بعد تلك السنين التي في مقابلة كل شعرة (منه) أي ماذا يكون في (قال) الله عز وجل لموسى: (ثم) بعد تلك السنين (تموت قال) موسى عليه السلام: (فـ) إذا كان الأمر لا بد من الموت (الآن) أي في هذا الزمن الحاضر، وقوله:(من قريب رب أمتني من الأرض المقدسة) فيه تقديم وتأخير، والتقدير فإن كان الأمر والشأن لا بد من الموت وإن طالت الحياة رب أمتي الآن في مكان قريب إلى الأرض المقدسة فمن الأولى بمعنى في والثانية بمعنى إلى، قال النووي: هكذا هو في معظم النسخ (أمتني) وفي بعضها: (أدنني) أي قربني من الأرض المقدسة (رمية بحجر) أي مقدار رمية بحجر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لو أني) كنت (عنده) أي عند قبره وكنتم معي وعند بيت المقدس (لأريتكم) أي لأبصرتكم (قبره) أي قبر موسى (إلى جانب) أي عند جانب (الطريق عند الكثيب الأحمر) أي عند التل المستطيل المجتمع من الرمل. قوله: (أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر) قال القاضي عياض: قيل: طلب ذلك ليقرب مشيه إلى المحشر، وقيل: لينال بركة البقعة وفضل مجاورة من دُفن بها، قال ابن أبي صفرة: وسأل الدنو منها ولم يسأل الحلول بها
قَال أَبُو إِسحَاقَ: حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ يَحْيى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزاقِ. أَخبَرَنَا مَعْمَرٌ، بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ.
5997 -
(2352)(107) حدثني زُهَيرُ بن حَربٍ. حَدَّثَنَا حُجَينُ بن المُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَن عَبدِ الهِ بنِ الفَضلِ الهاشِمِي، عَنْ عَبْدِ الرحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَال: بَينَمَا يَهُودِي
ــ
لئلا يشتهر قبره بها فيعبده الجهال (قال أبو إسحاق) إبراهيم بن محمد بن سفيان النيسابوري الفقيه تلميذ الإمام مسلم ورواة صحيحه وأستاذ أبي أحمد محمد بن عيسى الجلودي النيسابوري (حدثنا محمد بن يحيى) بن عبد الله بن خالد بن فارس الذهلي النيسابوري، روى عن عبد الرزاق وعبد الصمد بن عبد الوارث وخلق، ويروي عنه أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان راوي الصحيح عن مسلم وأبو عوانة وخلق، ويروي عنه الجماعة غير مسلم ولم يوجد له ذكر في صحيح مسلم إلا في هذا الموضع بسبب أبي إسحاق اهـ من التهذيب [9/ 511 - 512] هو ثقة، من (11)(حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من (9)(أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة محمد بن يحيى لمحمد بن رافع، وساق محمد بن يحيى (بمئل هذا الحديث) الذي رواه محمد بن رافع. وهذا السند من ملحقات أبي إسحاق وليس من أسانيد الإمام مسلم والله أعلم.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال:
5997 -
(2352)(107)(حدثني زهير بن حرب حدثنا حجين بن المثنى) اليمامي أبو عمرو الخراساني نزيل بغداد، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة) الماجشون التيمي مولاهم المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (10)(عن عبد الله بن الفضل) بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب (الهاشمي) المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (عن عبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج) الهاشمي مولاهم المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة:(بينما يهودي) زعم ابن بشكوال أن اسمه فنحاص وعزاه لابن إسحاق لكن ذكر الحافظ
يَعرِضُ سِلْعَةً لَهُ أعْطِيَ بِهَا شَيئًا، كَرِهَهُ أَوْ لَمْ يَرْضَهُ -شَك عَبدُ العزِيزِ- قَال: لَا، وَالذِي اصْطَفَى مُوسَى عليه السلام عَلَى الْبَشَرِ. قَال: فَسَمِعَهُ رَجُل مِنَ الأَنْصَارِ فَلَطَمَ وَجْهَهُ. قَال: تَقُولُ: وَالذِي اصْطَفَي مُوسَى عليه السلام عَلَى البَشَرِ! وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَينَ أَظْهُرِنَا؟
ــ
في الفتح [6/ 443] أن الذي ذكره ابن إسحاق لفنحاص قصة أخرى مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه في لطمه إياه (يعرض) من باب ضرب أي يظهر (سلعة) أي بضاعة (له) أي لليهودي في السوق للبيع (أعطي) ذلك اليهودي (بها) أي بتلك السلعة (شيئًا كرهه) من الثمن (أو) قال عبد الله بن الفضل: (لم يرضه) أي شيئًا لم يرضه ذلك اليهودي لكونه دون ثمن المثل، قال المؤلف:(شك عبد العزيز) بن عبد الله في أي اللفظين، قال عبد الله بن الفضل يعني ساومه رجل في تلك السلعة بثمن زعمه اليهودي قليلًا (قال) اليهودي جواب بينما (لا) أبيعها بهذا الثمن (والذي) أي أقسمت بالإله الذي (اصطفى) واختار (موسى عليه السلام على) جميع (الشر قال) أبو هريرة:(فسمعه) أي فسمع الهودي أي سمع ما قاله في يمينه (رجل) مسلم (من الأنصار) كذا وقع في غير واحد من الروايات أن الرجل المسلم في هذه القصة كان رجلًا من الأنصار، ولكن وقع في جامع سفيان بن عيينة وكتاب البعث لابن أبي الدنيا عن عمرو بن دينار أنه قال هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه كما ذكره الحافظ في الفتح فإما أن يكون عمرو بن دينار التبس عليه قصة أبي بكر مع فنحاص بهذه القصة فإما أن يكون الراوي في حديث الباب أطلق لفظ رجل من الأنصار على الصديق رضي الله عنه بالمعنى الأعم فإن أبا بكر الصديق رضي الله عنه من أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعًا (فلطم) الرجل المسلم أي فضرب بكفه (وجهه) أي وجه اليهودي (قال) الرجل المسلم أ (تقول) في يمينك (والذي اصطفى موسى عليه السلام على الشر ورسول الله) أي والحال أن رسول الله محمدًا صلى الله عليه وسلم حي حاضر (بين أظهرنا) أي بين وسطنا أو بيننا، ولفظ أظهر مقحم، قال القسطلاني: قوله: (بين أظهرنا) حمع ظهر ومعناه أنه بينهم على سبيل الاستظهار كان ظهرًا منهم قدامه وظهرًا وراءه فهو مكنوف من جانبيه إذا قيل بين ظهرانيهم بلفظ التثنية ومن جوانبه إذا قيل بين أظهرهم بلفظ الجمع أو لفظ أظهر مقحم كما قاله الكرماني اهـ منه، وإنما لطمه الأنصاري لما فهمه من عموم لفظ البشر فدخل فيه
قَال: فَذَهَبَ الْيَهُودِي إِلَي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَال: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، إِن لِي ذِمةً وَعَهْدا. وَقَال: فُلانٌ لَطَمَ وَجْهِي. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لِمَ لَطَمْتَ وَجْهَهُ؟ " قَال: قَال - (يَا رَسُولَ اللهِ): وَالذِي اصْطَفَى مُوسَى عليه السلام عَلَى الْبَشَرِ! وَأَنْتَ بَينَ أَظْهُرِنَا. قَال: فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتى عُرِفَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ. ثُم قَال: "لَا تُفَضلُوا بَينَ أَنْبِيَاءِ اللهِ
ــ
محمد صلى الله عليه وسلم وقد تقرر عند المسلم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم أفضل البشر، وقد جاء ذلك مبينًا في حديث أبي سعيد الخدري عند البخاري في الخصومات أن الضارب قال لليهودي: أي خبيث على محمد (قال) أبو هريرة: (فذهب) أي انطلق (اليهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لشكوى الأنصاري (فقال) اليهودي: (يا أبا القاسم إن لي ذمة) أي عقد ذمة وأمان (وعهدًا) أي عقد عهد ومسألة فما بال فلان لطم وجهي فلم أخفر ذمتي (وقال) اليهودي معطوف على القول قبله (فلان) من المسلمين يعني الأنصاري (لطم وجهي) أي ضرب وجهي بكفه (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصاري: (لم لطمت) أي لأي سبب وجريمة ضربت (وجهه) أي وجه اليهودي بكفك (قال) الأنصاري: (قال) اليهودي: (يا رسول الله، والذي اصطفى موسى عليه السلام على البشر) جملة القسم مقول لقال، وجملة النداء معترضة بين القول ومقوله (وأنت) أي والحال أنك (بين أظهرنا، قال) أبو هريرة: (فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول الأنصاري ولطمه اليهودي (حتى عُرف الغضب) أي أثره من تغير اللون من البياض إلى الحمرة (في وجهه) صلى الله عليه وسلم (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تفضلوا بين أنبياء الله) عليهم الصلاة والسلام أي من تلقاء أنفسكم أو تفضيلًا يؤدي إلى تنقيص الآخر يعني لا تفضلوا بينهم بدون حاجة داعية إلى ذلك أو ما يستلزم تنقيص أحد منهم وإلا فقد قال الله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} وقد تقدم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنا سيد ولد آدم" قال القاضي عياض: ويحتمل أن يكون ذلك قبل أن يوحى إليه أنه أفضل، وقيل: المعنى لا تفضلوا التفضيل الذي يؤدي إلى تنقيص بعضهم، والحديث خرج على سبب هو لطم اليهودي فخاف صلى الله عليه وسلم أن يُفهم من هذه الفعلة انتقاص موسى عليه السلام فنهى عن التفضيل المؤدي إلى نقص المفضول، وقيل: قاله صلى الله عليه وسلم على وجه التواضع والبر
فَإِنهُ يُنْفَخُ فِي الصورِ فَيَصعَقُ مَن فِي السمَاوَاتِ وَمَن فِي الأرضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللهُ. قَال: ثُم يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى. فَكُونُ أَولَ مَنْ بُعِثَ. أَوْ فِي أَولِ مَن بُعِثَ، فَإذَا مُوسَى عليه السلام آخِذٌ بِالْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَحُوسِبَ
ــ
لغيره من الأنبياء عليهم السلام، وقيل: إنما نهى عن التفضيل بينهم في النبوة والرسالة لأنهم فيهما سواء وإنما التفضيل في الأحوال والكرامات والرتب فلذلك كان منهم رسل، ومنهم أولو عزم، ومنهم من رُفع مكانًا عليًا، ومنهم من أوتي الحكم صبيًّا، ومنهم من أوتي الزبور، ومنهم من أوتي الكتاب، ومنهم من كلم الله قال تعالى:{وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} اهـ من الأبي.
قوله سابقًا: (فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم "قلت": الرجل إنما قام بتغيير منكر في اعتقاده لا سيما إن فهم من اليهودي أنه عرض بغير موسى وحينئذٍ فغضبه صلى الله عليه وسلم يحتمل لأن المسألة علمية وقد تتوقف على أمور لا يعلمها إلا العلماء وما كان كذلك فالتغيير فيه مصروف إلى الإمام فلما افتات عليه غضب، ويحتمل لأنه فضل النبي صلى الله عليه وسلم تفضيلًا يؤدي إلى اهتضام موسى عليه السلام، ويحتمل لأنه عدل عن وجه التغيير لأن التغير أولًا إنما يكون بالقول.
(فإن قلت): لا يتعين في اليهودي أن يكون فعل منكرًا لاحتمال أن يكون مستنده في التفضيل أن عندهم في التوراة ما هو بمعنى ما هو في القرآن من قوله تعالى: {إِنِّي اصْطَفَيتُكَ عَلَى النَّاسِ} الآية. (والجواب) أنه وإن سلم ذلك فهو عام والعمل بالعام قبل البحث عن المخصص منكر اهـ من الأبي. (فإنه) أي فإن الشأن والحال (يُنفخ في الصور) النفخة الأولى (فيصعق) أي ويهلك ويموت (من في السماوات ومن في الأرض) جميعًا (إلا من شاء الله) بقاءه (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثم ينفخ فيه) أي في الصور نفخة (أخرى) أي نفخة ثانية وهي نفخة البعث من القبور (فأكون أول من بعث) من قبره (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو قال الراوي فأكون (في أول من بعث) من قبره، فالشك من الراوي أو ممن دونه (فإذا موسى عليه السلام) وإذا فجائية والفاء عاطفة (آخد) أي ماسك بيده (بالعرش) أي بقائمة من قوائم العرش كما في الحديث الآخر أي فأكون أول من بُعث فيفاجؤوني أخذ موسى بالعرش (فلا أدري) ولا أعلم (أحوسب) موسى واكتفي فيه عن هذه الصعقة
بِصَعْقَتِهِ يَوْمَ الطُّورِ. أَوْ بُعِثَ قَبلِي. وَلَا أَقُولُ: إِن أَحَدًا أَفْضَلُ مِنْ يُونُسَ بنِ مَتى عليه السلام"
ــ
الثانية (بصعقة) وغشية (يوم الطور) يوم تجلى ربه للجبل (أو) أخذته هذه الصعقة و (بُعث قبلي) وفي رواية البخاري أم بُعث قبلي يعني أنه عليه السلام استثني من الصعقة بنفخ الصور لصعقة أصابها يوم تجلى ربه للطور، والصعق بفتح العين والصعقة بسكونها قد يراد منهما الهلاك والموت وقد يراد بهما الغشي، ومنه قوله تعالى:{وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} فإنه خر مغشيًا لا ميتًا (ولا أقول أن أحدًا) من الناس (أفضل من يونس بن متى عليه السلام قال المازري: هذا الكلام يدل على المنع من التفضيل وأنه امتنع منه فيحمل على أنه كان قبل أن يوحى إليه أنه الأفضل ولا يدل على أن يونس عليه السلام أفضل من المرسلين حتى يعارض حديث"أنا سيد ولد آدم" اهـ من الأبي، وقد استشكل هذا الحديث بأن نفخة الصعق إنما يموت بها من كان حيًّا في هذه الدار فأما من مات قبله فيستحيل أن يموت ثانيًا وإنما ينفخ في الموتى نفخة البعث وإن موسى عليه السلام قد مات فلا يصح أن يموت مرة أخرى ولا يصح أن يكون مستثنى من نفخة الصعق، وقد أجاب العلماء عن هذا الإشكال بأجوبة مختلفة: الأول منها ما ذكره العيني في عمدة القاري [61/ 68] وحاصله أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وإن كان قد طرأ عليهم الموت بالنسبة لنا ولكنهم أحياء في قبورهم ولا تأكل أجسادهم التراب فموتهم في الحقيقة انتقال من دار إلى دار، وإذا تقرر أنهم أحياء فهم فيما بين السماوات والأرض فإذا نُفخ في الصور نفخة الصعق صعق كل من في السماوات والأرض إلا من شاء الله فأما صعق غير الأنبياء فموت، وأما صعق الأنبياء فالأظهر أنه غشي فإذا نفخ في الصور نفخة البعث فمن مات حيي ومن غُشي عليه أفاق، وإن النبي صلى الله عليه وسلم أول من يفيق غير أنه يرى موسى عليه السلام فيتردد هل كان قد استثني من الصعقة أوكان قد أفاق قبله. والثاني ما ذكره الحافظ في الفتح [6/ 444] من أن النفخة الأولى يعقبها الصعق من جميع الخلق أحيائهم وأمواتهم كما وقع في سورة النمل:{فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} ثم يعقب ذلك الفزع للموتى زيادة فيما هم فيه وللأحياء موتًا ثم يُنفخ الثانية للبعث فيفيقون كلهم أجمعون وعلى هذا كان الأصل أن يصعق موسى عليه السلام مع سائر الموتى فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم آخذًا بالعرش تردد هل استثني من الصعقة أو أفاق قبله. والثالث ما ذهب إليه القاضي عياض وذكره النووي وغيره
5998 -
(00)(00) وحدثنيه مُحَمدُ بْنُ حَاتِمٍ
ــ
وحاصله أنه ليس المراد من الصعقة في حديث الباب صعقة تعقب النفخة الأولى للصور حتى يرد الإشكال، وإنما المراد صعقة أخرى تحدث بعد البعث حين تنشق السماء والأرض والمراد من هذه الصعقة الغشي لا الموت بدليل أنه صلى الله عليه وسلم عبر عن الخلوص منها بالإفاقة، والإفاقة لا تكون إلا من الغشي ولو كان المراد الموت لاستعمل كلمة البعث فلما كانت هذه الصعقة بعد البعث كان الأصل أن يُصاب بها كل من بُعث من قبره ومنهم موسى عليه السلام ولذا تردد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه قائمًا بالعرش، والأقرب منها إلى الصواب ما قاله الحافظ ابن حجر في الفتح وهو الثاني منها من أن المراد بالصعقة ما يعقب النفخة الأولى، وعليه يدل ظاهر الحديث من أنه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات والأرض، وإن هذه الصعقة تصيب الأحياء والأموات جميعا أما الأحياء فصعقهم الموت وأما الأموات فإن الصعقة أي الغشي تصيب أرواحهم وهذا على ما حقق من أن الأموات تخرج أرواحهم من أبدانهم وتكون لهم حياة برزخية إلى يوم القيامة فلما قامت القيامة ونُفخ في الصور انتهت حياتهم البرزخية أيضًا فلا إشكال في صعق الأموات حينئذٍ وعلى هذا فإن موسى عليه السلام وإن كان ميتًا عند النفخة الأولى غير أنه كان الأصل أن تصيب روحه الصعقة كما تصيب غيره من الأموات ولكن النبي صلى الله عليه وسلم حين رآه بالعرش تردد هل قد استثني من الصعقة أو أفاق قبله وبما أن أحوال البعث والنشور خارجة عن تصورنا لا نستطيع إدراك كنهها بجميع تفاصيلها والله سبحانه وتعالى أعلم، وعلى كل الأجوبة المذكورة ففي حديث الباب دلالة على خصوصية فاضلة لسيدنا موسى عليه السلام.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري ذكره في مواضع كثيرة منها في الخصومات باب الخصومة بين المسلم واليهودي [2411] وفي الرقاق باب نفخ الصور [6517]، وأبو داود في السنة باب في التخيير بين الأنبياء [4671]، والترمذي في التفسير باب ومن سورة الزمر [3245]، وابن ماجه في الزهد باب ذكر البعث [4328].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة هذا رضي الله عنه فقال:
5998 -
(00)(00)(وحدثنيه محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي،
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أبِي سَلَمَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، سَوَاء.
5999 -
(00)(00) حدثني زُهَيرُ بن حَرْبٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ النضرِ قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا أبِي، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرحْمَنِ وَعَبْدِ الرحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ. قَال: اسْتَب رَجُلانِ رَجُل مِنَ الْيَهُودِ وَرَجُل مِنَ الْمُسْلِمِينَ. فَقَال الْمُسْلِمُ: وَالذِي اصْطَفى مُحَمدا صلى الله عليه وسلم عَلَى الْعَالمِينَ. وَقَال الْيَهُودِي: وَالذِي اصطَفَى مُوسَى عليه السلام عَلَى الْعَالمِينَ
ــ
صدوق، من (10) روى عنه في (11) بابا (حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي، ثقة، من (9) روى عنه في (19) بابا (حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة) الماجشون (بهذا الإسناد) يعني عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن أبي هريرة بمثله (سواء) أي وساق يزيد بن هارون بمثل ما حدث حجين بن المثنى حالة كون حديثيهما سواء أي متساويين لفظًا ومعنى، غرضه بيان متابعة يزيد بن هارون لحجين بن المثنى.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال:
5999 -
(00)(00)(حدثني زهير بن حرب وأبو بكر) محمد (بن النضر) بن أبي النضر هاشم بن القاسم البغدادي، ثقة، من (11) روى عنه في (7) أبواب (قالا: حدثنا بعقوب بن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (9) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد الزهري المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (وعبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج) الهاشمي مولاهم المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب، كلاهما (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة ابن شهاب لعبد الله بن الفضل الهاشمي (قال) أبو هريرة:(استب رجلان) أي تساب رجلان وتشاتما (رجل من اليهود ورجل من المسلمين) لم أر أحدًا من الشراح ذكر اسمهما، وقال العيني: قيل: المسلم أبو بكر الصديق واليهودي هو فنحاص، وفيه نزل قوله تعالى:{لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} الآية اهـ دهني (فقال المسلم والذي اصطفى محمدًا صلى الله عليه وسلم على العالمين وقال اليهودي والذي اصطفى موسى عليه السلام على العالمين
قَال: فَرَفَعَ الْمُسْلِمُ يَدَهُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَطَمَ وَجْهَ اليَهُودِي، فَذَهَبَ اليَهُودِي إِلَي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ الْمُسْلِمِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"لَا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَي، فَإِن الناسَ يَصْعَقُونَ فَأكُونُ أَولَ مَنْ يُفِيقُ. فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أكانَ فِيمَن صَعِقَ فَأفَاقَ قَبْلِي أَمْ كَانَ مِمنِ اسْتَثْنَى اللهُ".
6000 -
(00)(00) وحدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرحْمَنِ الدارِمِي وَأَبُو بَكْرِ بن إِسْحَاقَ
ــ
قال) أبو هريرة: (فرفع المسلم يده عند ذلك) أي عندما قال اليهودي والذي اصطفى موسى (فلطم) أي ضرب المسلم بكفه مبسوطة (وجه اليهودي فذهب اليهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره) أي فأخبر اليهودي النبي صلى الله عليه وسلم (بما كان) ووقع وحصل، فكان تامة (من أمره وأمر المسلم) من التخاصم والتحالف ولطم المسلم له (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه (لا تُخيّروني) أي لا تفضلوني (على موسى) عليه السلام (فإن الناس يصعقون) أي يموتون عند النفخة الأولى (فأكون أول من يفيق) من تلك الصعقة (فإذا موسى باطش) أي آخذ (بجانب العرش) أي بقائمة من قوائم العرش، فقوله:(فإذا موسى باطش) أي متعلق به بقوة، والبطش الأخذ القوي الشديد والله أعلم اهـ دهني (فلا أدري) ولا أعلم (أكان) موسى (فيمن صعق) وغشي عليه (فأفاق) من غشيانه (قبلي أم كان ممن اسنثنى الله) تعالى بقوله:{إلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} فلم يصعق، قال الأبي: وكون موسى ممن أفاق قبل أحد من الناس أو كونه ممن استثنى الله تعالى فضيلة اختص بها موسى عليه السلام وقد يختص المفضول بفضيلة ليست في الأفضل ولا يكون بسببها مساويًا له ولا أفضل.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة هذا رضي الله عنه فقال:
6000 -
(00)(00)(وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن بهرام (الدارمي) السمرقندي، ثقة متقن، من (11) روى عنه في (14) بابا (وأبو بكر) محمد (بن إسحاق) الصاغاني الخراساني الأصل البغدادي، ثقة، من (11) روى عنه في (8)
قَالا: أخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ، عَنِ الزهرِي. أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرحْمَنِ وَسَعِيدُ بن الْمُسَيَّبِ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: اسْتَب رَجُل مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَرَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ، بِمِثلِ حَدِيثِ إِبراهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَن ابْنِ شِهَابٍ.
6001 -
(2353)(108) وحدثني عَمْرو الناقِدُ. حَدَّثَنَا أَبُو أَحمدَ الزبَيرِي. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحيَى، عَن أَبِيهِ، عَن أَبِي سَعِيدٍ الخدْرِيِّ قَال: جَاءَ يَهُودِي إِلَى النبِي صلى الله عليه وسلم قَد لُطِمَ وَجْهُهُ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ الزهْرِي. غَيرَ أنهُ قَال: "فَلَا
ــ
أبواب (قالا: أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة دينار الأموي مولاهم أبو بشر الحمصي، ثقة، من (7) روى عنه في (5) أبواب (عن الزهري أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب) كلاهما (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شعيب بن أبي حمزة لإبراهيم بن سعد (قال) أبو هريرة:(استب) أي شتم (رجل من المسلمين ورجل من اليهود) أي تسابا، وساق شعيب (بمثل حديث إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب).
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما فقال:
6001 -
(2353)(108)(وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا أبو أحمد الزبيري) محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمرو بن درهم الأسدي مولاهم الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن عمرو بن يحيى) بن عمارة المازني المدني، ثقة، من (6) روى عنه في (9) أبواب (عن أبيه) يحيى بن عمارة بن أبي حسن الأنصاري المازني المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك الأنصاري المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عمرو بن يحيى لابن شهاب ولكنها متابعة ناقصة (قال: جاء يهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد لطم وجهه) قيل: اسمه فنحاص (وساق) عمرو بن يحيى (الحديث) السابق (بمعنى حديث الزهري) لا بلفظه (غير أنه) أي لكن أن عمرو بن يحيى (قال) في روايته لفظة (فلا
أَدْرِي أكانَ مِمنْ صَعِقَ فَأفَاقَ قَبْلِي، أَو اكْتَفَي بِصَعْقَةِ الطورِ".
6002 -
(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَير. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا تُخَيِّرُوا بَينَ الأَنْبِيَاءِ"، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ نُمَيرٍ: عَمْرِو بْنِ يَحْيى، حدّثني أَبِي.
6003 -
(2354)(109) حدَّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ وَشَيبَانُ بْنُ فَروخَ
ــ
أدري أكان) موسى (ممن صعق فأفاق قبلي أو اكتفى) أي استغنى عن هذه الصعقة (بصعقة الطور).
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الخصومات [2412] وفي الأنبياء [2398] وفي التفسير [3638].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:
6002 -
(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان) الثوري (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني (حدثنا أبي) عبد الله (حدثنا سفيان) الثوري (عن عمرو بن يحيى) بن عمارة (عن أبيه) يحيى بن عمارة (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذان السندان من سداسياته، غرضه بيان متابعة وكيع وعبد الله بن نمير لأبي أحمد الزبيري (قال) أبو سعيد:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تخيّروا) أي لا تفضلوا (بين) أفراد (الأنبياء) أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام (و) لكن (في حديث) عبد الله (بن نمير) وروايته عن (عمرو بن يحيى حدثني أبي) يحيى بن عمارة بتصريح صيغة السماع بقوله: حدثني أبي بدل قوله عن أبيه فالعنعنة رواية وكيع، والتحديث رواية ابن نمير.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة الأول رابعًا بحديث أنس رضي الله عنهما فقال:
6003 -
(2354)(109)(حدثنا هداب بن خالد) بن الأسود بن هدبة القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (وشيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي،
قَالا: حَدَّثَنَا حَمادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَن ثَابِتٍ الْبُنَانِي وَسُلَيمَانَ التيمِي، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَال:"أَتَيتُ -وَفِي رِوَايَةِ هَدَّابٍ: مَرَرْتُ- عَلَى مُوسَى لَيلَةَ أُسْرِيَ بِي عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ. وَهُوَ قَائِم يُصَلي في قَبْرِه".
6004 -
(00)(00) وحدثنا عَلِي بْنُ خَشرَمٍ
ــ
صدوق من (9) روى عنه في (10) أبواب (قالا: حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن ثابت) بن أسلم (البناني) البصري (وسليمان) بن طرخان (التيمي) البصري (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتيت) أي مررت (وفي رواية هداب مررت على موسى) عليه السلام (ليلة أُسري) وعُرج (بي) إلى السماء أي مررت عليه في قبره (عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره) قال القرطبي: الكثيب هو الكوم من الرمل ويُجمع على كثب بضمتين، وهذا الكثيب هو بطريق بيت المقدس. وهذا الحديث يدل بظاهره على أنه صلى الله عليه وسلم رأى موسى رؤية حقيقية في اليقظة وأن موسى عليه السلام كان في قبره حيًّا يُصلي فيه الصلاة التي كان يصلي بها في الحياة وهذا كله ممكن لا إحالة في شيء منه، وقد صح أن الشهداء أحياء يُرزقون عند ربهم وإذا كان هذا في الشهداء كان في الأنبياء أحرى وأولى، فإن قيل: كيف يُصلون بعد الموت وليست تلك الحال حال تكليف. فالجواب أن ذلك ليس بحكم التكليف وإنما ذلك بحكم الإكرام والتشريف لهم وذلك أنهم كانوا في الدنيا حُببت لهم عبادة الله والصلاة بحيث كانوا يلازمون ذلك ثم توفوا وهم على ذلك فشرفهم الله تعالى بعد موتهم بأن أبقى عليهم ما كانوا يحبون وما عرفوا به فتكون عبادتهم إلهامية كعبادة الملائكة لا تكليفية وقد جاء في الصحيح أن أهل الجنة يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس رواه مسلم (2835) اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 120] والنسائي في قيام الليل باب ذكر صلاة نبي الله موسى عليه السلام رقم [1631 و 1637].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:
6004 -
(00)(00)(وحدثنا علي بن خشرم) بن عبد الرحمن بن عطاء المروزي،
أَخْبَرَنَا عِيسَى، (يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ). ح وحَدثَنَا عُثْمَانُ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. كِلاهُمَا عَنْ سُلَيمَانَ التيمِيِّ، عَنْ أَنس. ح وحدثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سُلَيمَانَ التيمِي. سَمِعْتُ أنسًا يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى وَهُوَ يُصَلي فِي قَبرِهِ"، وَزَادَ فِي حَدِيثِ عِيسَى "مَرَرْتُ لَيلَةَ أُسْرِيَ بِي".
6005 -
(2355)(110) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمدُ بْنُ المثنى وَمُحَمدُ بْنُ
ــ
ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (أخبرنا عيسى يعني ابن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (17)(ح وحدثنا عثمان) بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (12) بابا (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (كلاهما) أي كل من عيسى وجرير رويا (عن سليمان التيمي عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذان السندان من رباعياته، غرضه بيان متابعة عيسى وجرير لحماد بن سلمة (ح وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة) عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (16) بابا (حدثنا عبدة بن سليمان) الكلابي أبو محمد الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (24) بابا (عن سليمان التيمي سمعت أنسًا) رضي الله عنه (يقول): وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة سفيان لحماد بن سلمة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مررت على موسى) عليه السلام (وهو يصلي في قبره وزاد) علي بن خشرم (في حديث عيسى) بن يونس وروايته عن سليمان التيمي أي زاد على رواية جرير وسفيان عن سليمان لفظة (مررت ليلة أُسري بي) كرواية حماد بن سلمة في السند الأول.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
6005 -
(2355)(110) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى ومحمد بن
بَشَّارٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. قَال: سَمِعْتُ حُمَيدَ بنَ عَبْدِ الرحْمنِ يُحَدثُ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النبِي صلى الله عليه وسلم؛ أنهُ: "قَال -يَعْنِي اللهَ تبارك وتعالى لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ لِي. (وَقَال ابْنُ الْمُثَنى: لِعَبْدِي)
ــ
بشار قالوا: حدثنا محمد بن جعفر) غندر (حدثنا شعبة) بن الحجاج (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (قال) سعد:(سمعت) عمي (حميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (12) بابا (يُحدث عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من سداسياته (أنه) أي أن الله عز وجل (قال) في الحديث القدسي:(لا ينبغي لعبد لي) .. إلخ، قال أبو هريرة:(يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بضمير أنه قال: (والله تبارك وتعالى لا ينبغي لعبد لي) بنصب لفظ الجلالة على أنه مفعول يعني وفاعله ضمير يعود على النبي صلى الله عليه وسلم أي لا يصلح ولا يليق ولا يجوز لعبد لي بالتنوين والتنكير أي لعبد من عبادي أيًا كان نبيًّا كان أو مرسلًا أو ملكًا أو غيرهم (وقال ابن المثنى) في روايته العبدي) بإضافته إلى ياء المتكلم وهو الله تعالى في هذه الرواية، ويحتمل أن تكون الإضافة غير محضة بجعل العبد صفة مشبهة أي لشخص متصف بعبوديتي أي بكونه عبدًا مخلوقًا لي، ويصح أن تكون الإضافة محضة معزفة أي لعبدي المكرم المشرف عندي كالأنبياء والمرسلين فغيرهم من باب أولى في المنع من هذا القول نظير قوله تعالى {إِنَّ عِبَادِي لَيسَ لَكَ عَلَيهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42] أي عبادي المكرمين عندي والمشرفين لدي وقد شهد لهذا المعنى ما قد روي في كتاب أبي داود في هذا الحديث دالا ينبغي لنبي أن يقول أنا خير من يونس أخرجه برقم [4670] كما قد روى أيضًا ما يشهد لتنكير عبد في كتاب مسلم "لا أقول إن أحدًا أفضل من يونس" رواه برقم [2373] وعلى هذا يقيد مطلق الرواية الأولى بمقيد هذه الرواية فيكون معناه لا ينبغي لعبد نبي أن يقول أنا خير من يونس وهذا المعنى هو الأولى لأن من ليس بنبي لا يمكنه بوجه أن يقول أنا أفضل من النبي لأنه من المعلوم الضروري عند المشرعين أن درجة النبي لا يبلغها ولي ولا غيره وإنما يمكن ذلك في الأنبياء لأنهم صلوات الله وسلامه عليهم قد تساووا في النبوة وتفاضلوا فيما بينهم بما خص به بعضهم دون بعض فإن منهم من اتخذه الله خليلًا، ومنهم من اتخذه حبيبًا، ومنهم أولو العزم،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومنهم من كلم الله على ما هو المعروف من أحوالهم وقد قال الله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: 253] فإن قيل إذا كانوا متفاضلين في أنفسهم فكيف ينهى عن التفضيل وكيف لا يقول من هو في درجة عليا أنا خير من فلان لمن هو دونه على جهة الإخبار عن المعنى الصحيح، فالجواب أن مقتضى هذا الحديث المنع من إطلاق ذلك اللفظ لا المعنى من اعتقاد معناه أدبًا مع يونس عليه السلام وتحذيرًا من أن يفهم في يونس نقص من إطلاق ذلك اللفظ.
وإنما خُص يونس بالذكر في هذا الحديث لأنه لما دعا قومه للدخول في دينه فأبطؤوا عليه ضجر واستعجل بالدعاء عليهم ووعدهم بالعذاب بعد ثلاث ليال، وفر منهم فرأى قومه دخانًا ومقدمات العذاب الذي وعدهم فآمنوا به وصدقوه وتابوا إلى الله تعالى فردوا المظالم حتى ردوا حجارة مغصوبة كانوا بنوها ثم إنهم فرقوا بين الأمهات وأولادهم ودعوا الله تعالى وضجوا بالبكاء والعويل وخرجوا طالبين يونس فلم يجدوه لم يزالوا كذلك حتى كشف الله عنهم العذاب ومتعهم إلى حين وهم أهل نينوى من بلاد الموصل على شاطئ دجلة ثم إن يونس ركب في سفينة فسكنت ولم تجر فقال أهلها: فيكم آبق؟ فقال: أنا فأبوا أن يكون هو الآبق فقارعهم فخرجت القرعة عليه فرُمي في البحر فالتقمه حوت كبير فأقام في بطنه ما شاء الله تعالى، وقد اختلف في عدد ذلك من يوم إلى أربعين وهو في تلك المدة يدعو الله تعالى ويسبحه إلى أن عفا الله عنه فلفظه الحوت في ساحل لا نبات فيه وهو كالفرخ فأنبت الله تعالى عليه من حينه شجرة اليقطين فسترته بورقها، وحكى أهل التفسير أن الله تعالى قيض له أروية -الأنثى من الوعول- ترضعه إلى أن قوي فيبست الشجرة فاغتم لها وتألم فقيل له: أتغتم وتحزن لهلاك شجرة ولم تغتم على هلاك مائة ألف أو يزيدون؟ وقد دل على صحة ما ذُكر قوله تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} الآيات إلى آخرها [الصافات / 39 1 - 148] وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن للنبوة أثقالًا وإن يونس تفسخ -ضعُف- تحتها تفسخ الربع -ولد الناقة-" أو كما قال، رواه الحاكم [2/ 584]، والقاضي عياض في الشفا [1/ 442 - 443].
"قلت": ولما جرى هذا ليونس عليه السلام وأطلق الله تعالى عليه أنه {مُلِيمٌ} أي أتى لما يلام عليه قال على لسان نبيه "ولا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس" لأن
أَنْ يَقُولَ: أَنا خَير مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتى، عليه السلام".
قَال ابْنُ أَبِي شَيبَةَ: مُحَمدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ.
6006 -
(2356)(111) حدَّثنا مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشار، (وَاللفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى)، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ يَقُولُ: حَدثَنِي ابْنُ عَم نَبِيكُمْ صلى الله عليه وسلم، (يَعْنِي ابْنَ عَباسٍ)، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَال: "مَا يَنْبَغِي لِعْبَدٍ أَنْ
ــ
ذلك يوهم نقصًا في نبوته وقدحًا في درجته وقد بينا- لعبد هنا بمعنى النبي، وقد قيل إنه محمول على غير الأنبياء ويكون معنى قوله لا ينبغي لعبد (أن يقول أنا خير من يونس بن متى عليه السلام) لا يظن أحد ممن ليس بنبي وإن بلغ من العلم والفضل والمنازل الرفيعة والمقامات الشريفة الغاية القصوى أنه يبلغ مرتبة يونس عليه السلام لأن أقل مراتب النبوة لا يلحقها من ليس من الأنبياء وهذا المعنى صحيح والذي صدرنا به الكلام أحسن منه والله سبحانه أعلم اهـ من المفهم (قال) أبو بكر (بن أبي شيبة) في روايته: حدثنا (محمد بن جعفر عن شعبة) بالعنعنة بدل قول المحمدين حدثنا شعبة بصيغة السماع.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 405]، والبخاري في مواضع كثيرة منها في الأنبياء باب قول الله تعالى:{وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139)} [3415 و 3416]، وأبو داود [4669].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة لحديث أبي هريرة بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال:
6006 -
(2356)(111)(حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن قتادة قال) قتادة: (سمعت أبا العالية) رفيع بالتصغير بن مهران الرياحي بكسر الراء نسبة إلى بطن من تيم يسمى رياح وإلى محلة لهم في مدينة البصرة البصري، ثقة مخضرم إمام، من (2) روى عنه في (4) أبواب (يقول: حدثني ابن عم نبيكم صلى الله عليه وسلم قال قتادة: (يعني) أبو العالية بابن عم نبيكم عبد الله (بن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما ينبغي) أي لا يصلح ولا يليق (لعبد) من عباد الله أيًا كان (أن
يَقُولَ: أَنا خَيرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى"، وَنَسَبَهُ إِلَي أَبِيهِ.
6007 -
(2357)(112) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَعُبَيدُ الله بْنُ سَعِيدٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيدِ الله. أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قِيلَ: يَا رَسُولَ الله، مَنْ أَكْرَمُ الناسِ؟ قَال:
ــ
يقول: أنا خير من يونس بن متى) بتشديد التاء كلمة أنا إما راجعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحينئذٍ قال ذلك القول تواضعًا منه، أو قبل علمه أنه سيد ولد آدم، قال الراوي أو من دونه (ونسبه) أي نسب النبي صلى الله عليه وسلم يونس (إلى أبيه) متى، قال الحافظ في الفتح: فيه إشارة إلى الرد على من زعم أن متى اسم أمه وهو محكي عن وهب بن منبه في المبتدأ وذكره الطبري وتبعه ابن الأثير في الكاف والذي في الصحيح أصح.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 242]، والبخاري في مواضع منها في الأنبياء باب قول الله تعالى:{وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139)} [3413]، وأبو داود في السنة باب في التخيير بين الأنبياء عليهم السلام [4669].
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
6007 -
(2357)(112)(حدثنا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى وعبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري مولاهم النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (قالوا: حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ التميمي القطان البصري (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (12) بابا (أخبرني سعيد بن أبي سعيد) المقبري كيسان أبو سعد المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (10) أبواب (عن أبيه) أبي سعيد المقبري كيسان بن سعيد المدني الليثي مولاهم مولى أم شريك الليثية، ثقة، من (2) روى عنه في (9) سُمي بالمقبري لأنه كان نازلًا قرب المقبرة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة:(قيل يا رسول الله) لم أر أحدًا من الشراح ذكر اسم هذا القائل (من كرم الناس) أي أفضلهم وأشرفهم وأخيرهم عند الله تعالى وعند الناس (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: في
"أَتْقَاهُم" قَالُوا: لَيسَ عَنْ هَذَا نَسْألُكَ. قَال: "فَيُوسُفُ نَبِي الله ابْنُ نَبِي الله ابْنِ
ــ
جواب السائل أكرم الناس (أتقاهم) لله تعالى أي أكثرهم بتقوى الله تعالى بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات، وفي رواية البخاري:(أكرمهم أتقاهم) وهذا موافق لقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ} أي أكثرهم خشية لله تعالى (قالوا) أي قال السائلون: (ليس عن هذا) الأتقى (نسألك) يا رسول الله أي ليس نسألك عن هذا الأتقى الذي أجبتنا به وإنما أجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأتقى لظنه أنهم يسألونه عن الصفات التي يكرم بها الإنسان على سبيل العموم فلما قالوا ليس عن هذا نسألك ظن أنهم يسألونه عن خصوص من أُوتي هذه الصفات مع شرف النسب وفُضل بها على سائر الناس (قال: فـ) أكرم الناس (يوسف) نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله وقد جمع يوسف عليه السلام مكارم الأخلاق مع شرف النبوة وشرف النسب، وكونه نبيا ابن ثلاثة أنبياء متناسلين أحدهم خليل الله عليه السلام وانضم إليه شرف علم الرؤيا وتمكنه فيه ورياسة الدنيا وملكها بالسيرة الجميلة وحياطته للرعية وعموم نفعه إياهم وشفقته عليهم وإنقاذه إياهم من تلك السنين.
وإنما أطلق عليه أكرم الناس من جهة أنه عليه السلام جمع بين مكارم الأخلاق مع كونه نبيًا ابنًا لثلاثة أنبياء متناسلين وهذه الخصوصية لا يشاركه فيها أحد، قال الأبي: ولا يلزم من اختصاص يوسف عليه السلام بتلك الفضيلة أن يكون أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم فإن المفضول قد يختص بفضيلة ولا يلزم أن يكون بسببها أفضل اهـ.
"قلت": أما كونه مفضولًا بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلا يعارضه حديث الباب لأن المتكلم خارج عن التفضيل لا سيما في جواب الصحابة الذين كانوا يعتقدون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل البرية فظاهر أن سؤالهم كان عن أكرم الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولكن يشكل عليه فضيلة إبراهيم وموسى عليهما السلام ويُجاب عنه بما أجاب به الأبي من أنه أكرم الناس بهذه الجهة المخصوصة.
وعبارة القرطبي: (قول السائل من أكرم الناس) معناه من هو أولى بهذا الاسم ولذلك أجابه النبي صلى الله عليه وسلم بجواب كلي فقال: "أتقاهم" وهذا منتزع من قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] فلما قالوا ليس عن هذا نسألك نزل إلى ما يقابله وهو الخصوص بشخص معين، فقال يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم: لأنه نبي بن نبي بن نبي بن نبي عليهم السلام فإن هذا لم يجتمع لغيره من ولد آدم فهو أحق الناس المعنيين
نَبِي الله ابْنِ خَلِيلِ الله" قَالُوا: لَيسَ عَن هَذَا نَسألُكَ. قَال: "فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْألُوني؟ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِليةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلامِ، إِذَا فَقُهُوا"
ــ
بهذا الاسم، فلما (قالوا: ليس عن هذا نسألك) تبين له أنهم سألوه عمن هو أحق بهذا الاسم من العرب و (قال فعن معادن العرب) أي عن أكرم أصولها وقبائلها (تسألوني) فأجابهم بقوله: (خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) في الدين، معناه أن أصحاب المروءات ومكارم الأخلاق في الجاهلية إذا أسلموا وفقهوا فهم خيار الناس.
قوله: (فعن معادن العرب تسألوني) والمعادن جمع معدن مأخوذ من عدن إذا أقام والعدن الإقامة ولما كانت أصول قبائل العرب ثابتة سُميت معادن أي فعن أصولهن التي ينسبون إليها ويتفاخرون بها تسألوني بتشديد النون بإدغام نون الرفع في نون الوقاية نظير قوله تعالى: {أَتُحَاجُّونِّي} ويجوز تخفيفها بحذف إحداهما لتوالي الأمثال، وإنما سُميت القبائل معادن لما فيها من الاستعداد المتفاوت أو شبهها بالمعادن لكونها أوعية الشرف كما أن المعادن أوعية للجواهر اهـ فتح الباري [6/ 415].
ثم قال: (خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) بضم القاف أي صاروا فقهاء عالمين بالشرع، قال القرطبي: فمعنى هذا أن من اجتمع له خصال شرف في زمن الجاهلية من شرف الآباء ومكارم الأخلاق وصنائع المعروف مع شرف دين الإسلام والتفقه فيه فهو الأحق بهذا الاسم، وقد تقدم أن الكرم كثرة الخير والنفع ولما كانت تقوى الله تعالى هو الذي حصل به خير الدنيا والآخرة مطلقًا كان المتصف بها أحق بهذا الاسم فإنه أكرم الناس لكن هذه قضية عامة فلما نظر النبي صلى الله عليه وسلم فيمن تعين في الوجود بهذه الصفة ظهر له أن الأنبياء بهذا المعنى إذ لا يبلغ أحد درجتهم وإن أحقهم بذلك من كان معرفًا في النبوة وليس ذلك إلا ليوسف كما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم ويؤخذ منه الرد على من قال: إن إخوة يوسف كانوا أنبياء إذ لو كانوا كذلك لشاركوا يوسف في ذلك المعنى ثم إنه لما نظر النبي صلى الله عليه وسلم بين الأعم والأخص ظهر أن الأحق بذلك المعنى نوع من الأنواع المتوسطة بين الجنس الأعم والنوع الأخص، وظهر له أنهم أشراف العرب ورؤساؤهم إذا تفقهوا في الدين وعلموا وعملوا فحازوا كل الرتب الفاخرة إذا اجتمع لهم شرف الدنيا والآخرة، وفيه ما يدل على شرف الفقه في الدين وأن العالم يجوز له أن يجيب بحسب ما يظهر له ولا يلزمه أن يستفصل السائل عن تعيين الاحتمالات إلا إن خاف على السائل غلطًا أو سوء فهم فيستفصله كما هو مقرر في الأصول اهـ من المفهم.
6008 -
(2358)(113) حدَّثنا هَدابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"كَانَ زَكَرِياءُ نَجارًا"
ــ
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 257]، والبخاري في مواضع منها في الأنبياء باب قول الله تعالى:{وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [3353].
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:
6008 -
(2358)(113)(حدثنا هداب بن خالد) بن الأسود القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري (عن أبي رافع) المدني نفيع بن رافع الصانع العدوي مولاهم مولى ابنة عمر بن الخطاب، ثقة، من (2) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان زكرياء) عليه السلام (نجارًا) والنجار من ينحت الأخشاب ويجعلها أبوابًا وكراسي مثلًا، قال ابن إسحاق: كان زكريا وابنه يحيى آخر من بُعث من بني إسرائيل قبل عيسى، وقال أيضًا: أراد بنو إسرائيل قتل زكريا ففر منهم فمر بشجرة فانفلقت له فدخل فيها فالتأمت عليه فأخذ الشيطان بهدبة ثوبه فرأوها فوضعوا المنشار على الشجرة فنشروها حتى قطعوه من وسطه في جوفها كذا في فتح الباري والله أعلم، قال النووي: في الحديث جواز الصنائع وإن النجارة لا تسقط المروءة وأنها صنعة فاضلة، وفيه فضيلة لزكريا عليه السلام فإنه كان صانعًا يأكل من كسبه وقد ثبت قوله صلى الله عليه وسلم:"أفضل ما أكل الرجل من كسبه" اهـ وزكريا يقرأ بفتح الزاي والكاف وكسر الراء ثم فيه أربع لغات؛ المد كما وقع هنا، والقصر كما هو في القرآن الكريم وحُذف الألف مع تخفيف الياء زكَرِيَ وتشديدها زكَرِي وليس هو زكريا الذي له صحيفة مستقلة في أسفار العهد القديم لأهل الكتاب لأنه كان قبل المسيح عليه السلام بخمسة قرون، وزكريا الذي ذكره القرآن كان قبيل المسيح عليه السلام وابنه يحيى وزوجته اليشع أخت لحنة امرأة عمران وأم مريم فكانت زوجة زكريا عليه السلام خالة لمريم، وكان زكريا من سلالة داود عليهما السلام، وزوجته من ذرية هارون عليه السلام اهـ تفسير ابن كثير [2/ 47]، وفتح الباري [6/ 468].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإن زكريا هذا عليه السلام مذكور في إنجيل لوقا [1/ 5] وذكر فيه أنه كان كاهنًا وكانت الكهانة منصبًا في بني إسرائيل يتولى أداء العبادات وليس هو الكاهن بالمعنى المعروف عند العرب، وقد صرح في إنجيل برنابا بأنه كان نبيًا اهـ تكملة، قال القرطبي:(قوله: كان زكريا نجارًا) يدل على شرف النجارة وعلى أن التحرف بالصناعات لا يغض من مناصب أهل الفضائل بل نقول: إن الحرف والصناعات غير الركيكة زيادة في فضيلة أهل الفضل يحصل لهم بذلك التواضع في أنفسهم والاستغناء عن غيرهم وكسب الحلال الخلي عن الامتنان الذي هو خير المكاسب كما قد نص عليه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: "إن خير ما أكل المرء من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده" رواه البخاري [2072] وقد نقل عن كثير من الأنبياء أنهم كانوا يحاولون الإعمال فأولهم آدم عليه السلام علمه الله تعالى صناعة الحراثة، ونوح عليه السلام علمه الله تعالى صناعة النجارة، وداود عليه السلام علمه الله تعالى صناعة الحدادة، وقيل: إن موسى عليه السلام كان كاتبًا يكتب التوراة وكلهم قد رعى الغنم كما قال صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 296]، وابن ماجه [2150] والله سبحانه وتعالى أعلم.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث تسعة: الأول منها حديث أبي هريرة الأول: ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والرابع: حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس: حديث أنس بن مالك ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس: حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والسابع: حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد، والثامن: حديث أبي هريرة الخامس ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة، والتاسع: حديث أبي هريرة السادس ذكره للاستدلال على الجزء الأخير من الترجمة والله سبحانه أعلم.
***