الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
694 - (8) باب إثبات خاتم النبوة وصفة النبي صلى الله عليه وسلم ومبعثه وكم سنه حين قُبض وكم أقام بمكة وبالمدينة وفي أسمائه وكونه أشد الناس علمًا بالله وخشية له تعالى ووجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم
5932 -
(2321)(76) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ. قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ. قَال: رَأَيتُ خَاتِمًا فِي ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، كَأنَّهُ بَيضَةُ حَمَامٍ
ــ
694 -
(8) باب إثبات خاتم النبوة وصفة النبي صلى الله عليه وسلم ومبعثه وكم سنه حين قُبض وكم أقام بمكة وبالمدينة وفي أسمائه وكونه أشد الناس علمًا بالله وخشية له تعالى ووجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأول من الترجمة فقال:
5932 -
(2321)(76)(حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي (حدثنا شعبة عن سماك) بن حرب بن أوس الذهلي الكوفي، صدوق، من (4) (قال: سمعت جابر بن سمرة) السوائي الكوفي رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته (قال) جابر: (رأيت خاتمًا) للنبوة (في ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه بيضة حمام) وبيضتها معروفة، والحمامة واحدة والحمام بتخفيف الميم الأولى فيهما يعني أنه مرتفع على جسده الشريف ليس كالخال الكبير والله أعلم ويؤيده رواية البخاري (وكانت بضعة ناشزة) أي مرتفعة على جسده اهـ.
قال القرطبي: واختلفت ألفاظ النقلة في صفة ذلك الخاتم فروى جابر بن سمرة وأبو موسى ما ذكرناه آنفًا، وروى السائب بن يزيد أنه مثل زر الحجلة كما سيأتي، وروى عبد الله بن سرجس أنه رأى جُمعًا عليه خيلان مثل التآثيل كما سيأتي أيضًا، وروى الترمذي عن جابر بن سمرة قال: كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني الذي بين كتفيه غُدة حمراء مثل بيضة الحمامة، وقال: حسن صحيح (قلت): وهذه الكلمات كلها متقاربة المعنى مفيدة أن خاتم النبوة كان نتوءًا قاتمًا أحمر تحت كتفه الأيسر قدره إذا قُلِّل بيضة الحمامة وإذا كُبّر جُمع اليد، وقد جاء في البخاري (كان بضعة ناشزة) أي مرتفعة ذكره ابن حجر في فتح الباري [6/ 563] وعزاه للترمذي والله أعلم.
5933 -
(00)(00) وحدّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُوسَى. أَخْبَرَنَا حَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ سِمَاكٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
5934 -
(2322)(77) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، (وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ)، عَنِ الْجَعْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. قَال: سَمِعْتُ
ــ
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في المناقب باب خاتم النبوة [3644].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنهما فقال:
5933 -
(00)(00)(وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا عبيد الله بن موسى) العبسي الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (أخبرنا حسن بن صالح) بن صالح بن مسلم بن حيان الهمداني الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (5) أبواب (عن سماك) بن حرب (بهذا الإسناد) يعني عن جابر بن سمرة. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة حسن بن صالح لشعبة، وساق الحسن (مثله) أي مثل حديث شعبة.
ثم استشهد المؤلف لحديث جابر بحديث السائب بن يزيد رضي الله تعالى عنهما فقال:
5934 -
(2322)(77)(وحدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن عباد) بن الزبرقان المكي نزيل بغداد صدوق يهم، من (10) روى عنه في (4) أبواب (قالا: حدثنا حاتم وهو ابن إسماعيل) العبدري المدني كوفي الأصل، صدوق، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن الجعد بن عبد الرحمن) بن أوس وقد ينسب إلى جده وقد يُصغر الكندي أو التميمي أبي عبد الرحمن المدني، روى عن السائب بن يزيد في صفة النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة بنت سعد وجماعة، ويروي عنه (خ م د ت س) وحاتم بن إسماعيل والفضل بن موسى ومكي بن إبراهيم ذكره الساجي في الضعفاء، وذكره ابن حبان في الثقات، ووثقه ابن معين، له في (م) فرد حديث رباعي في باب خاتم النبوة، وقال في التقريب: من الخامسة، مات سنة (144) أربع وأربعين ومائة (قال) الجعد: (سمعت
السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: ذَهَبَتْ بِي خَالتِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِن ابْنَ أُخْتِي وَجِعٌ، فَمَسَحَ رَأْسِي وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ. ثُمَّ تَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ، ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتِمِهِ بَينَ كَتِفَيهِ، مِثْلَ زِرِّ الْحَجَلَةِ
ــ
السائب بن يزيد) بن سعيد بن ثمامة بضم ففتح وتخفيف الكندي الحجازي، الصحابي بن الصحابي رضي الله عنه، روى عنه في (8) أبواب (يقول) السائب:(ذهبت بي خالتي) قال القسطلاني: لم تسم، وقال في تنبيه المعلم: خالة السائب بن يزيد في حفظي أنها فاطمة بنت شريح اهـ (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت) خالتي: (يا رسول الله إن ابن أختي) علبة بضم العين المهملة وسكون اللام وفتح الموحدة بنت شريح (وجع) بكسر الجيم والتنوين على صيغة اسم الفاعل من فعل المكسور من باب فرح أي مريض فادع له (فمسح) رسول الله صلى الله عليه وسلم (رأسي) بيده الشريفة، قال عطاء مولى السائب: كان مقدم رأس السائب أسود بعدما كبر وهو الموضع الذي مسحه النبي صلى الله عليه وسلم من رأسه وشاب ما سوى ذلك ورواه البيهقي والبغوي ولا يحضرني الآن لفظهما اهـ قسطلاني (ودعا لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بالبركة ثم توضأ) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فشربت من وضوئه) بفتح الواو أي من الماء المتقاطر من أعضائه الشريفة (ثم قمت خلف ظهره) صلى الله عليه وسلم (فنظرت إلى خاتمه) أي إلى خاتم نبوته وهو أي ذلك الخاتم (بين كتفيه) وهو الذي يُعرف عند أهل الكتاب، وفي حديث ابن سرجس الآتي (أنه كان إلى جهة كتفه اليسرى) حالة كونه (مثل زر الحجلة) أي مثل إزار ستور العروس والحجلة بفتح الحاء ثم الجيم واحدة الحجال فلها معنيان أحدهما أنها بيت كالقبة لها أزرار كبار وعرى وهذا هو الصواب عند الجمهور، والثاني: طائر معروف سماوي اللون على جناحه وريشه وجميع جسمه نقط بيض يقال له في الأرميا (سُلُحا) وأما الزر بكسر الزاي وتشديد الراء هو مفرد أزرار القميص والقباء ويناسبه المعنى الأول للحجلة فإن حجلة العروس تكون لها أزرار كبار والمعنى على الثاني مثل نقط الطائر المسمى بالحجلة.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في مواضع كثيرة منها في المناقب باب خاتم النبوة [3540 و 3541]، والترمذي في المناقب باب خاتم النبوة [3643].
5935 -
(2323)(78) حدَّثنا أَبُو كَامِلٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، (يَعْنِي ابْنَ زَيدٍ). ح وَحَدَّثَنِي سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ. كِلاهُمَا عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ. ح وَحَدَّثَنِي حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاويُّ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، (يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ)، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَرْجِسَ. قَال: رَأَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَكَلْتُ مَعَهُ خُبْزًا وَلَحْمًا. أَوْ قَال: ثَرِيدًا. قَال: فَقُلْتُ لَهُ: أَسْتَغْفَرَ لَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؟ قَال: نَعَمْ. وَلَكَ. ثُمَّ تَلا
ــ
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث جابر بن سمرة بحديث عبد الله بن سرجس رضي الله عنهم فقال:
5935 -
(2323)(78)(حدثنا أبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (حدثنا حماد يعني ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري (ح وحدثني سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل أبو محمد الحدثاني، صدوق، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (كلاهما) أي كل من حماد وعلي بن مسهر رويا (عن عاصم) بن سليمان (الأحول) التميمي البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (17) بابا (ح وحدثني حامد بن عمر) بن حفص الثقفي (البكراوي) نسبة إلى جده الأعلى أبي بكرة، الصحابي رضي الله عنه أبو عبد الرحمن البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (واللفظ) الآتي (له) أي لحامد بن عمر (حدثنا عبد الواحد يعني ابن زياد) العبدي مولاهم البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (حدثنا عاصم) الأحول (عن عبد الله بن سرجس) بفتح السين وسكون الراء وكسر الجيم بوزن مسجد المزني البصري، الصحابي الجليل رضي الله عنه، روى عنه في (3) أبواب. وهذه الأسانيد كلها من رباعياته (قال) عبد الله:(رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأكلت معه خبزًا ولحمًا) قال عاصم: (أو) قال لي عبد الله: أكلت معه (ثريدًا) هو الخبز المثري بالإدام (قال) عاصم: (فقلت له) لابن سرجس: (أستغفر) بتقدير همزة الاستفهام أي هل أستغفر (لك النبي صلى الله عليه وسلم قال) ابن سرجس: (نعم) استغفر لي (ولك) ولجميع المؤمنين يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستغفر لي فقط بل قد استغفر لك أيضًا لأنه تعالى أمره بالاستغفار لجميع المؤمنين والمؤمنات وأنت منهم (ثم تلا) عبد الله بن سرجس استدلالًا على استغفاره لجميع
هَذِهِ الآيَةَ: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19].
قَال: ثُمَّ دُرْتُ خَلْفَهُ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَينَ كَتِفَيهِ. عِنْدَ نَاغِضِ كَتِفِهِ الْيُسْرَى، جُمْعًا، عَلَيهِ خِيلانٌ كَأَمْثَالِ الثَّآلِيلِ.
5936 -
(2324)(79) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ ابْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
ــ
المؤمنين (هذه الآية) يعني قوله: ({وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ})[محمد / 19](قال) عبد الله بن سرجس: (ثم) بعدما أكلت معه (درت) أي طُفْتُ من دار بالشيء إذا طاف به أي تحولت من مكاني وقمت (خلفه فنظرت إلى خاتم النبوة) حالة كونه كائنًا (بين كتفيه عند ناغض كتفه اليسرى) أي عند أعلى كتفه اليسرى، قال الجمهور: الناغض والنغض أعلى الكتف، وقيل: هو العظم الرقيق الذي على طرف الكتف، وقيل ما يظهر منه عند التحرك، سمي ناغضًا لتحركه اهـ نووي، حالة كون ذلك الخاتم (جُمعًا) بضم الجيم وسكون الميم أي مثل الكف المجموع مع أصابعه فالإنسان إذا قبض أصابعه وضمها إلى كفه فمجموع كفه وأصابعه يسمى جُمعًا أي مثل الكف المجموع في الصورة لا في الحجم فلا ينافي ما مر من أنه كبيضة الحمامة لأنه كان كبيضة الحمامة في الحجم وكالجُمع في الشكل والصورة، ويسمى الجُمع في الأرميا (بحنسي)(عليه) أي على ذلك الخاتم (خيلان) بكسر الخاء جمع خال وهو الشامة وهو ما يخالف لونه لون البدن مثل البهق الصغار ولكنه أسود في الأرميا (هين) أي على ذلك الخاتم خيلان (كأمثال الثآليل) أي كأشباه البثرات جمع ثؤلول على وزن زنبور وهي البثرة أي خيلان كأشباه الحبيبات التي تنبت على الجسد خصوصًا على جباه المرد وخدودهم، والكاف زائدة والمعنى عليه خيلان أشباه الثآليل والثؤلول في الأرميا (فنيس).
وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال:
5936 -
(2324)(79)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال: قرأت على مالك) بن أنس المدني (عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) فروخ التيمي مولاهم أبي عثمان
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيسَ بِالطَّويلِ الْبَائِنِ وَلَا بِالْقَصِيرِ. وَلَيسَ بِالأَبْيَضِ الأَمْهَقِ وَلَا بِالآدَمِ،
ــ
المدني، المعروف بربيعة الرأي، ثقة، من (5) روى عنه في (8) أبواب (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (أنه) أي أن ربيعة (سمعه) أي سمع أنس بن مالك (يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن) أي المفرط الطول أي هو بين زائد الطول والقصير (ولا بالقصير وليس بالأبيض الأمهق) أي الكريه البياض كلون الجص يعني أنه كان نيّر البياض، والأمهق البياض الناصع الذي لم يخالطه حمرة ولا غيره (ولا بالآدم) أي بالأسمر والسمرة بياض يميل إلى السواد اهـ أبي، والأدمة عندهم السمرة الشديدة القريبة إلى السواد، قوله:(بالطويل البائن) أي الذي يباين الناس بزيادة طوله وهو الذي عبّر عنه في الرواية الأخرى (بالمشذّب) وفي الأخرى (بالممعط) بالعين والغين أي المتناهي في الطول وهو عند العرب العشنق والعشنط فالبائن هو اسم فاعل من باب يبين أي ظهر على غيره يعني أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن طوله ظاهرًا بحيث يمتاز عن الرجال المقتصدين في القامة ويمكن أن يكون من باب يبون بمعنى بعُد يعني أنه لم يكن بالطويل الذي يبعد في الطول، وعلى كلا التقديرين فهو صفة مبالغة للطويل والمقصود أن طوله صلى الله عليه وسلم لم يكن مفرطًا (ولا بالقصير) المتردد أي الذي تداخل بعضه في بعض وهو المسمى عند العرب بحنبل وأقصر منه الحنتل وكلا الطرفين مستقبح عند العرب وخير الأمور أوساطها وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله، قوله:(وليس بالأبيض الأمهق) أي الشديد البياض الذي لا يخالط بياضه حمرة ولا غيرها والعرب تكرهه لأنه يشبه البرص والمراد أن بياضه صلى الله عليه وسلم ليس بالبياض الخالي عن الحمرة والنور كالجص وهو كريه المنظر وربما الناظر أبرص بل كان بياضه صلى الله عليه وسلم نيّرًا مشربًا بحمرة، وقد يطلق عليه أزهر اللون كما مر في حديث أنس وقد تطلق عليه العرب أسمر، وقد جاء في حديث أنس عند أحمد والبزار بإسناد صحيح (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أسمر) ذكره الحافظ في الفتح [6/ 569] ثم قال: وتبين من مجموع الروايات أن المراد بالسمرة الحمرة التي يخالطه البياض وأن المراد بالبياض المثبت ما يخالطه الحمرة وبالمنفي ما لا يخالطه، قوله:(ولا بالآدم) يعني الذي فيه أدمة والمراد بالأدمة شدة السمرة وهي منزلة بين البياض والسواد والمراد هنا ميلانها إلى السواد فلا ينافي ما
وَلَا بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبِطِ، بَعَثَهُ اللهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَتَوَفَّاهُ اللهُ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً. وَلَيسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةَ بَيضَاءَ
ــ
سبق، قال القرطبي: أي ليس بالآدم الذي يغلب سمرته السواد، فإن السمرة بياض يميل إلى سواد، والسحمة بالسين فوقه، ثم الصحمة بالصاد فوقه وهو غالب لون الحبشة، ثم الأدمة فوقه وهو غالب ألوان العرب، والنبي صلى الله عليه وسلم كان بياضه مشربًا بحمرة في صفاء فصدق عليه أنه أزهر وأنه مشرب وهذا اللون هو أعدل الألوان وأحسنها اهـ من المفهم (ولا بالجعد الفطط) يروى بفتح الطاء وكسرها وهو الشديد الجعودة الذي لا يطول إلا باليد وهو حال شعور السودان (ولا بالسبط) بفتح السين وكسر الباء يعني المسترسل الذي لا تكسّر فيه وهو غالب شعور الروم، والرّجل بكسر الجيم هو الوسط بين ذينك (بعثه الله) تعالى (على رأس أربعين سنة) يعني من مولده أي عند كمال أربعين سنة بعثه رسولًا وهذا هو أكثر الأقول، وقد جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه بُعث على رأس ثلاث وأربعين سنة وهو قول سعيد بن المسيب اهـ من المفهم.
قوله: (على رأس أربعين سنة) هذا ظاهر على قول من ذهب إلى أنه صلى الله عليه وسلم بُعث في الشهر الذي وُلد فيه وهو شهر ربيع الأول وهو قول المسعودي وابن عبد البر، وقال بعضهم: إنه بُعث وله أربعون سنة وعشرة أيام، وعند الجِعَابيِّ أنه بُعِثَ وله أربعون وعشرون يومًا وهذه الأقوال متقاربة ينطبق على كل منها رأسُ أربعين سنة، ولكن المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما وُلد في شهر ربيع الأول وبُعث في شهر رمضان فعلى هذا يكون له حين بُعث أربعون ونصف أو تسع وثلاثون ونصف فمن قال أربعين ألغى الكسر أو جَبَر.
(فأقام بمكة عشر سنين) يعني بعد البعث وقبل الهجرة وهذا مما اختلف فيه فقيل عشر، وقيل ثلاث عشرة، وقيل خمس عشرة (و) لم يختلف أنه أقام بالمدينة عشر سنين وتوفاه الله تعالى (على رأس سنين سنة وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء) والمشهور الذي عليه الجمهور هو أنه صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بعد بعثته ثلاث عشرة سنة كما سيأتي عن ابن عباس رضي الله عنه فإما أن يكون أنس رضي الله عنه ألغى كسر ثلاث سنين أو أنه أراد بيان مدة الوحي المتتابع وألغى مدة الفترة وإلى الأول ذهب
5937 -
(00)(00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ). ح وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخلَدٍ. حَدَّثَنِي سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ. كِلاهُمَا عَنْ رَبِيعَةَ، (يَعْنِي
ــ
الحافظ في الفتح، وإلى الثاني ذهب علي القاري في شرح الشمائل والأول أولى لأنه هو المتعين في قوله وتوفاه الله تعالى على رأس ستين سنة، قوله:(وتوفاه على رأس ستين سنة) هذا أحد قولي أنس، وفي الرواية الأخرى الآتية له:(ثلاث وستين) ووافقه على ذلك ابن عباس ومعاوية وعائشة وهو أشهر الأقوال، وأصح الروايات على ما ذكره البخاري وقد ذُكر عن أنس خمس وستون سنة وهي الرواية الأخرى عن ابن عباس، ولا خلاف أنه صلى الله عليه وسلم وُلد عام الفيل اهـ من المفهم، قوله:(وليس في رأسه ولحيته) .. إلخ معناه أي كانت الشعرات البيضاء فيهما أقل من عشرين، وأخرج ابن سعد بإسناد صحيح عن ثابت عن أنس قال: ما كان في رأس النبي صلى الله عليه وسلم ولحيته إلا سبع عشرة أو ثمان عشرة. وقد سبق أن هذا منه تقدير على جهة التقليل وأن شيبه كان أكثر من ذلك اهـ مفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 240]، والبخاري في مواضع منها في المناقب [3548]، والترمذي في المناقب [3623].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
5937 -
(00)(00)(وحدثنا يحيى بن أيوب) البغدادي المقابري، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (وقتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي (وعلي بن حجر) السعدي المروزي (قالوا: حدثنا إسماعيل يعنون ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا عن ربيعة عن أنس بن مالك، وهذا السند من رباعياته (ح وحدثني القاسم بن زكريا) بن دينار القرشي الكوفي الطحان، ثقة، من (11) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا خالد بن مخلد) البجلي مولاهم أبو الهيثم الكوفي، صدوق، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثني سليمان بن بلال) التيمي مولاهم المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا. وهذا السند من خماسياته (كلاهما) أي كل من إسماعيل بن جعفر وسليمان بن بلال رويا (عن ربيعة) الرأي (يعني) كل من
ابْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
…
بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَزَادَ فِي حَدِيثِهِمَا: كَانَ أَزْهَرَ.
5938 -
(2325)(80) حدّثني أَبُو غَسَّانَ الرَّازِيُّ، مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو. حَدَّثَنَا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ زَائِدَةَ، عَنِ الزُّبَيرِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ
ــ
الراويين بربيعة ربيعة (بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك) رضي الله عنه غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة ابن جعفر وابن بلال لمالك بن أنس وساقا (بمثل حديث مالك بن أنس وزادا) أي زاد كل من إسماعيل وسليمان، وفي أغلب النسخ (وزاد) بتجريد الفعل عن ضمير التشبيه، وهو إسقاط من النساخ بدليل قوله:(في حديثهما) أي في روايتهما لفظة (كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أزهر) اللون أي صافيه في البياض بعد قوله: (وليس بالأبيض الأمهق) والله أعلم.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال:
5938 -
(2325)(80)(حدثنا أبو غسان الرازي) نسبة إلى الري بلدة من بلاد العجم (محمد بن عمرو) بن بكر التميمي العدوي الطيالسي، المعروف بزنيج مصغرًا، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا حكام) بفتح أوله وتشديد الكاف (بن سلم) بفتح السين وسكون اللام الرازي أبو عبد الرحمن الكناني بنونين، روى عن عثمان بن زائدة في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وحميد الطويل وإسماعيل بن أبي خالد، ويروي عنه (م عم) وأبو غسان الرازي محمد بن عمرو وأبو كريب والزعفراني، وثقه ابن معين وابن سعد وأبو حاتم ويعقوب بن شيبة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، له غرائب، من الثامنة، مات سنة (190) تسعين ومائة، وليس في مسلم من اسمه حكام إلا هذا الثقة كما بيناه في الخلاصة (حدثنا عثمان بن زائدة) المقري الكوفي أبو محمد العابد الزاهد نزيل الري، روى عن الزبير بن عدي في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ويروي عنه (م) وحكام بن سلم، قال العجلي: ثقة رجل صالح، وقال أبو حاتم: من أفاضل المسلمين، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة زاهد، من التاسعة (عن الزبير بن عدي) الهمداني اليامي بالتحتانية أبي عبد الله الكوفي، قاضي الري، ثقة، من (5) روى عنه في (3) أبواب (عن أنس بن
مَالِكٍ. قَال: قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ، وَأَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ. وَعُمَرُ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ.
5939 -
(2326)(81) وحدّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي. قَال: حَدَّثَنِي عُقَيلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً.
وَقَال ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، بِمِثْلِ ذَلِكَ
ــ
مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أنس: (قُبض) أي تُوفي (رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين و) قُبض (أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين و) قُبض (عمر وهو ابن ثلاث وستين) سنة.
وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال:
5939 -
(2326)(81)(وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد الفهمي المصري، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (حدثني أبي) شعيب بن الليث الفهمي المصري، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (عن جدي) ليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي المصري، ثقة، من (7) روى عنه في (15) بابا (قال) جدي:(حدثني عقيل بن خالد) بن عقيل مكبرًا الأموي مولاهم الأيلي ثم المصري، ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تُوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة وقال ابن شهاب) بالسند السابق (أخبرني سعيد بن المسيب) عن عائشة (بمثل ذلك) أي بمثل ما حدثني عروة عن عائشة.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في المناقب [3536]، والترمذي في المناقب [3654].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
5940 -
(00)(00) وحدّثنا عُثمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَبَّادُ بْنُ مُوسَى. قَالا: حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِالإِسْنَادَينِ جَمِيعًا، مِثْلَ حَدِيثِ عُقَيلٍ.
5941 -
(2327)(82) حدَّثنا أَبُو مَعْمَرٍ، إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْهُذَلِيُّ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو. قَال: قُلْتُ لِعُرْوَةَ: كَمْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ؟ قَال: عَشْرًا. قَال: قُلْتُ: فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسِ يَقُولُ: ثَلاثَ عَشْرَةَ
ــ
5940 -
(00)(00)(وحدثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكوفي أخو أبي بكر بن أبي شيبة، ثقة، من (10) روى عنه في (12) بابا (وعباد بن موسى) الختلي بضم المعجمة وفتح التاء المشددة نسبة إلى ختل كورة خلف جيحون أبو محمد الأنباري، نزيل بغداد، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (قالا: حدثنا طلحة بن يحيى) بن طلحة بن عبيد الله التميمي المدني، نزيل الكوفة، صدوق، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن يونس بن يزيد) الأموي مولاهم الأيلي (عن ابن شهاب بالإسنادين جميعًا) يعني إسنادي ابن شهاب يعني إسناده عن عروة عن عائشة، وإسناده عن سعيد بن المسيب عن عائشة، أي روى يونس عن ابن شهاب بإسناديه جميعًا (مثل حديث عقيل) عن ابن شهاب، غرضه بيان متابعة يونس لعقيل بن خالد.
ثم استدل المؤلف على الجزء الرابع من الترجمة بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال:
5941 -
(2327)(82)(حدثنا أبو معمر إسماعيل بن إبراهيم) بن معمر (الهذلي) البغدادي القطيعي بفتح فكسر نسبة إلى قطيعة الدقيق، محلة ببغداد، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي، ثقة، من (4) روى عنه في (22) بابا (قال) عمرو:(قلت لعروة) بن الزبير بن العوام: (كم كان) أي كم أقام (النبي صلى الله عليه وسلم بمكة) بعد البعثة وقبل الهجرة (قال) عروة: أقام (عشرًا) من السنوات (قال) عمرو: (قلت) لعروة: (فإن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما (يقول): أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد البعثة وقبل الهجرة (ثلاث عشرة) سنة. وهذا الحديث لم يخرجه غير المؤلف من الأئمة الستة وسنده من رباعياته.
ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال:
5942 -
(00)(00) وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو. قَال: قُلْتُ لِعُرْوَةَ: كَمْ لَبِثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ؟ قَال: عَشْرًا. قُلْتُ: فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: بِضْعَ عَشْرَةَ. قَال: فَغَفَّرَهُ وَقَال: إِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ
ــ
5942 -
(00)(00)(وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بن دينار (قال) عمرو: (قلت لعروة: كم لبث) أي كم جلس (النبي صلى الله عليه وسلم بمكة) بعد البعثة وقبل الهجرة (قال) عروة: جلس بينهما بمكة (عشرًا) من السنوات ثم هاجر، قال عمرو:(قلت) لعروة: (فإن ابن عباس يقول): جلس النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بينهما (بضع عشرة) سنة، والبضع بكسر الباء وسكون الضاد ما بين العقود من الآحاد أي مكث ثلاث عشرة سنة، وهو المراد هنا من البضع بدليل الرواية الأولى، قال القرطبي: والأشهر في لفظ البضع أنه من الثلاث إلى السبع فيصلح البضع هنا لقول ابن عباس الثلاث عشرة والخمس عشرة فأنكر عروة ذلك اهـ من المفهم. وهذا السند أيضًا من رباعياته، غرضه بيان متابعة ابن أبي عمر لأبي معمر (قال) عمرو بن دينار: فخطأه عروة أي فنسب عروة ابن عباس إلى الخطأ فيما يقول: (فغفره) أي فاستغفر عروة لابن عباس من خطأه (وقال) عروة: (إنما أخذه) أي إنما أخذ ابن عباس قوله بضع عشرة (من قول الشاعر) يعني أبا قيس صرمة بن أبي أنس حيث يقول:
ثوى في قريش بضع عشرة حِجة
…
يُذكّر لو يلقى صديقًا مواتيًا
وقد وقع هذا البيت في بعض نسخ صحيح مسلم وليس هو في عامتها.
قوله: (ثوى) من الثواء وهو الإقامة يقال ثوى بالمكان أي أقام به ويقال: الثواء طول المكث، وقوله:(حجة) بكسر الحاء المهملة أي سنة، وقوله:(مواتيًا) أي موافقًا متابعًا له من المواناة وهي الموافقة والمطاوعة.
قوله: (فغفره) بتشديد الفاء من باب فعل المضعف وهي رواية الجلودي أي دعا له عروة بالمغفرة من خطأه، وقال: غفر الله له وهذا مثل قول عائشة لابن عمر يغفر الله لأبي عبد الرحمن ما كذب ولكنه وهم، وعند ابن ماهان فصغره من الصغر، وهو أظهر أي استصغره سنة عن الضبط أي أشار إلى أن ابن عباس كان صغيرًا في ذلك الوقت فلم يضبطه لصغره وقيل: إنه وُلد في الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين وهذا هو المناسب لقول عروة اهـ من المفهم. والتغفير قول الرجل لآخر غفر الله له وهذه اللفظة يقولونها غالبًا
5943 -
(2328)(83) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَكَثَ بِمَكَّةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ. وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ.
5944 -
(00)(00) وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ
ــ
لمن غلط في شيء فكأنه قال: أخطأ غفر الله له اهـ سنوسي، قال النووي: أبو قيس هذا هو أنصاري من بني النجار كان ترهب في الجاهلية ولبس المسوح واعتزل الأوثان واغتسل من الجنابة واتخذ مسجدًا لا تدخله حائض ولا جُنب، وقال: أعبد رب إبراهيم فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم وهو شيخ كبير أسلم وحسُن إسلامه وكان قوالًا بالحق وكان معظمًا لله تعالى في الجاهلية يقول الشعر في تعظيمه سبحانه وتعالى.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس بحديث آخر له رضي الله تعالى عنهما فقال:
5943 -
(2328)(83)(حدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (وهارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي البزاز المعروف بالحمّال، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب كلاهما (عن روح بن عبادة) بن العلاء بن حسان القيسي أبي محمد البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابا (حدثنا زكرياء بن إسحاق) المكي، ثقة، من (6) روى عنه في (9) أبواب (عن عمرو بن دينار) الجمحي المكي (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث) أي أقام (بمكة) بعد البعثة وقبل الهجرة (ثلاث عشرة سنة وتُوفي) أي قُبض روحه (وهو) أي والحال أنه (ابن ثلاث وستين) سنة.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في المغازي باب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم [4464 و 4465]، والترمذي في المناقب باب في سن النبي صلى الله عليه وسلم [3652].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس هذا رضي الله تعالى عنهما فقال:
5944 -
(00)(00)(وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) اسمه محمد العدني
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: أَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةَ يُوحَى إِلَيهِ. وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا. وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةٌ.
5945 -
(2329)(84) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانَ الْجُعْفِيُّ. حَدَّثَنَا سَلَّامٌ، أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. قَال: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ،
ــ
المكي، صدوق، من (10) روى عنه في (11) بابا (حدثنا بشر بن السري) الأفوه أبو عمرو البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا حماد) بن سلمة بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن أبي جمرة الضبعي) نصر بن عمران بن عصام البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي جمرة لعمرو بن دينار (قال) ابن عباس:(أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة) بين البعثة والهجرة (ثلاث عشرة سنة) حالة كونه (يوحى إليه) بالدعوة إلى الله ومحو الشرك (و) أقام (بالمدينة عشرًا) من السنوات بلا خلاف (ومات) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو) أي والحال أنه (ابن ثلاث وستين سنة) على الصحيح.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عباس بحديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم فقال:
5945 -
(2329)(84)(وحدثنا عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان) بن صالح بن عمير الأموي مولاهم مولى عثمان بن عفان المعروف بالجعفي كما قال الإمام مسلم (الجعفي) أبو عبد الرحمن الكوفي، الملقب بمشكدانه، صدوق متشيع، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا سلام) بن سليم الحنفي مولاهم (أبو الأحوص) الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (عن أبي إسحاق) الهمداني السبيعي عمرو بن عبد الله الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (11) بابا (قال) أبو إسحاق:(كنت جالسًا مع عبد الله بن عتبة) بن مسعود الهذلي ابن أخي عبد الله بن مسعود أبي عبيد الله أو أبي عبد الرحمن المدني، وُلد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فله رؤية روى عن عبد الله بن مسعود في التفسير، وعن عمر وعمار، ويروي (خ م د س ق) وأبو إسحاق وابناه عبيد الله
فَذَكَرُوا سِنِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَال بَعْضُ الْقَوْمِ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَكْبَرَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَال عَبْدُ اللهِ: قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ. وَمَاتَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ. وَقُتِلَ عُمَرُ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ.
قَال: فَقَال رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، يُقَالُ لَهُ عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ قَال: كُنَّا قُعُودًا عِنْدَ مُعَاوَيةَ. فَذَكَرُوا سِنِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَال مُعَاويَةُ: قُبِضَ
ــ
وعون وابن سيرين وغيرهم، قال ابن سعد: كان ثقة رفيعًا فقيهًا كثير الحديث والفتيا، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان يؤم الناس بالكوفة، وقال العجلي: تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من كبار الثانية، مات سنة (74) أربع وسبعين (فذكروا) أي فذكر الناس الحاضرون عند عبد الله بن عتبة (سني) وفاة (رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره (فقال بعض القوم) الحاضرين عند ابن عتبة (كان أبو بكر) الصديق رضي الله عنه (أكبر) سنًّا (من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عبد الله) بن عتبة بن مسعود: لا، أي ليس الأمر كما قلت بل أبو بكر أصغر من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه (قُبض) أي تُوفي (رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين) سنة (ومات أبو بكر) بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين وشيء (وهو) أي والحال أن أبا بكر (ابن ثلاث وستين سنة وقُتل عمر وهو ابن ثلاث وستين سنة قال) أبو إسحاق السبيعي:(فقال رجل من القوم) الحاضرين عند عبد الله بن عتبة (يقال له) أي لذلك الرجل (عامر بن سعد) البجلي الكوفي، روى عن جابر بن عبد الله البجلي في سني وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي هريرة، ويروي عنه (م د ت س) وأبو إسحاق السبيعي والعيزار بن حريث، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: مقبول، من الثالثة، قال الرجل:(حدثنا جرير) بن عبد الله بن جابر البجلي اليماني الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه (قال) جرير: (كنا قعودًا) أي جالسين (عند معاوية) بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما (فذكروا) أي ذكر القوم الجالسون عند معاوية (سني) عمر (رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفاته فتماروا في ذلك (فقال) لهم (معاوية): لا تماروا في ذلك فإنه (قُبض
رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةٌ. وَمَاتَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ. وَقُتِلَ عُمَرُ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ.
5946 -
(00)(00) وحدّثنا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى)، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يُحَدِّث، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ الْبَجَلِيِّ، عَنْ جَرِيرٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوَيةَ يَخطُبُ فَقَال: مَاتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَأَنَا ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ
ــ
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة ومات أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين وقُتل عمر وهو ابن ثلاث وستين) وسند هذا الحديث من سداسياته لأن أبا إسحاق روى عن عامر بن سعد عن جرير عن معاوية، وفيه رواية صحابي عن صحابي، وتابعي عن تابعي.
وشارك المؤلف في روايته أحمد [4/ 96 و 97]، والترمذي في المناقب باب في سن رسول الله صلى الله عليه وسلم [3653].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث معاوية رضي الله عنه فقال:
5946 -
(00)(00)(وحدثنا) محمد (بن المثنى) العنزي البصري (و) محمد (بن بشار) بن عثمان العبدي البصري (واللفظ لابن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي البصري (سمعت أبا إسحاق) السبيعي (يحدّث عن عامر بن سعد البجلي عن جرير) بن عبد الله البجلي رضي الله عنه (أنه سمع معاوية) بن أبي سفيان حالة كون معاوية (يخطب) الناس أي يذكّرهم بالوعد والوعيد. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة شعبة لأبي الأحوص (فقال) معاوية في خطبته:(مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين و) مات (أبو بكر) كذلك (وعمر) كذلك، قال القرطبي: هما معطوفان على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يرفعا بالابتداء وخبرهما محذوف أي وهما كذلك اهـ من المفهم، وأنا متوقع موافقتي إياهم في قدر سن الموت بأن أموت في سنتي هذه (وأنا) أي والحال أني (ابن ثلاث وستين) سنة لأنه كان كذلك في تلك السنة كأنه توقع وفاته في تلك السنة حبًّا منه لموافقة النبي صلى الله عليه وسلم والشيخين رضي الله تعالى عنهما ولكنه
5947 -
(2330)(85) وحدّثني ابْنُ مِنْهَالٍ الضَّرِيرُ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيدٍ، عَنْ عَمَّارٍ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ. قَال: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ: كَمْ أَتَى لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ مَاتَ؟ فَقَال: مَا كُنْتُ
ــ
رضي الله عنه لم يقع له ما تمناه بل توفي وهو ابن ثمان وسبعين على الأقل فإن أقل ما قيل في عمره يوم توفي أنه كان ثمانيًا وسبعين سنة، وأكثر ما قيل فيه ست وثمانون سنة، وقيل: اثنان وثمانون سنة، وكانت وفاته بدمشق في شهر رجب سنة مشين من الهجرة في النصف من رجبها ودُفن بها بين باب الجابية وباب الصغير وكان عنده شيء من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلامة أظفاره وأوصى أن تُجعل في فمه وعينيه وقال: افعلوا ذلك وخلوا بيني وبين أرحم الراحمين ذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء مع زيادة، وقال القسطلاني: وُلد معاوية قبل البعثة بخمس سنين، ومات في رجب سنة ستين من الهجرة على الصحيح اهـ وقال ابن إسحاق: كان معاوية أميرًا عشرين سنة وكان خليفة عشرين سنة وقال غيره: كانت خلافته تسع عشرة سنة وستة أشهر وثمانية وعشرين يومًا.
ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث ابن عباس الأول بحديث آخر له رضي الله تعالى عنهما فقال:
5947 -
(2330)(85)(وحدثني) محمد (بن منهال الضرير) أبو عبد الله التميمي البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا يزيد بن زريع) مصغرًا التيمي العيشي أبو معاوية البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (حدثنا يونس بن عبيد) بن دينار العبدي مولاهم أبو عبيد البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن عمار) بن أبي عمار (مولى بني هاشم) ويقال: مولى بني الحارث بن نوفل أبي عمرو المكي، روى عن ابن عباس في سن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي قتادة وأبي هريرة، ويروي عنه (م عم) ويونس بن عبيد وخالد الحذاء وحماد بن سلمة وعطاء وشعبة وخلق، قال أحمد وأبو داود: ثقة، وقال أبو زرعة وأبو حاتم: ثقة لا بأس، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق ربما أخطأ، من الثالثة، مات بعد العشرين (120) زمن ولاية خالد بن عبد الله القسري على العراق (قال) عمار:(سألت ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته فقلت له: (كم أتى) ومضى وخلا (لرسول الله صلى الله عليه وسلم من السنين (يوم مات) وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال) ابن عباس لعمار: (ما كنت) أنا
أَحْسِبُ مِثْلَكَ مِنْ قَوْمِهِ يَخْفَى عَلَيهِ ذَاكَ. قَال: قُلْتُ: إِنِّي قَدْ سَأَلْتُ النَّاسَ فَاخْتَلَفُوا عَلَيَّ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَعْلَمْ قَوْلَكَ فِيهِ. قَال: أَتَحْسُبُ؟ قَال: قُلْتُ: نَعَمْ. قَال: أَمْسِكْ أَرْبَعِينَ بُعِثَ لَهَا خَمْسَ عَشْرَةَ بِمَكَّةَ، يَأْمَنُ وَيَخَافُ، وَعَشْرَ مِنْ مُهَاجَرِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ
ــ
(أحسب) وأظن بكسر السين من باب ضرب من الحسبان بمعنى (مثلك من قومه) صلى الله عليه وسلم يعني من بني هاشم ومواليهم (يخفى عليه ذاك) أي ما مضى من سنه صلى الله عليه وسلم يوم مات (قال) عمار: (قلت) لابن عباس: (إني قد سألت الناس) عما مضى من سنه يوم مات (فاختلفوا) أي فاختلف الناس في رد جواب سؤال (عليّ فأحببت أن أعلم قولك) وجوابك (فيه) أي في سنه صلى الله عليه وسلم يوم مات (قال) ابن عباس لعمار: (أتحسب) بضم السين من باب نصر لأنه من الحساب أي هل تعرف الأعداد والحساب (قال) عمار: (قلت) له: (نعم) أعرف الحساب قال لي ابن عباس: (أمسك) في يدك (أربعين) سنة (بُعث لها) أي بُعث وأُرسل عندها أي عند تمامها، وفي المشكاة: بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة اهـ قال شارحه: أي وقت إتمام هذه المدة، قال الطيبي: اللام فيه بمعنى الوقت كما في قوله تعالى: {قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} وأمسك (خمس عشرة) سنة مدة إقامته بمكة بعد البعثة وقبل الهجرة حالة كونه (يأمن) على نفسه تارة في تلك المدة إن سكت عن الدعوة إلى الله تعالى (ويخاف) على نفسه تارة أخرى إن دعا إلى الله تعالى يعني مكث في مكة بعد البعثة خمس عشرة سنة آمنًا وخائفًا فتلك مع الأربعين خمس وخمسون (و) أمسك (عشرًا) محسوبة (من مهاجره) أي من وقت هجرته (إلى المدينة) إلى وفاته فتلك العشرة مع الحاصل السابق تكون خمسًا وستين سنة فيكون عمره خمسًا وستين وهذا على إكمال سنة الولادة وسنة الوفاة وحسابهما.
قوله: (خمس عشرة يأمن ويخاف) يعني أنه كان في تلك المدة غير مستقل لإظهار أمره فكان إذا أخفى أمره تركوه ولم يتعرضوا له وأمن على نفسه، وإذا أعلن أمره وأفشاه بأن يدعوهم إلى الله تعالى ويفتح عليهم ما أُرسل به تكالبوا عليه وهموا بقتله فيخاف على نفسه إلى أن أخبره الله تعالى بعصمته منهم فلم يكن يبال بهم اهـ من المفهم.
وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
5948 -
(00)(00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يُونُسَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زُريعٍ.
5949 -
(00)(00) وحدّثني نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، (يَعْنِي ابْنَ مُفَضَّلٍ)، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ. حَدَّثَنَا عَمَّارٌ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ
ــ
5948 -
(00)(00)(وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا شبابة بن سوار) المدائني أبو عمرو الفزاري مولاهم، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا شعبة) بن الحجاج (عن يونس) بن عبيد (بهذا الإسناد) يعني عن عمار بن أبي عمار، غرضه بيان متابعة شعبة ليزيد بن زريع، وساق شعبة (نحو حديث يزيد بن زريع).
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال:
5949 -
(00)(00)(وحدثني نصر بن علي) بن نصر بن علي بن صهبان الأزدي أبو عمر البصري الجهضمي، ثقة ثبت، من (10) روى عنه في (16) بابا (حدثنا بشر يعني ابن مفضل) بن لاحق الرقاشي مولاهم أبو إسماعيل البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (حدثنا خالد) بن مهران (الحذاء) المجاشعي مولاهم أبو المنازل البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (14) بابا (حدثنا عمار) بن أبي عمار (مولى بني هاشم حدثنا ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة خالد الحذاء ليونس بن عبيد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تُوفي وهو ابن خمس وستين) سنة وهذا مبني على القول بأن إقامته بمكة بعد البعثة خمس عشرة وهو خلاف ما روي عن أكثر الرواة من أنه صلى الله عليه وسلم إنما أقام بمكة بعد البعثة ثلاث عشرة سنة وهو المروي عن ابن عباس نفسه في أول هذا الباب فلا بد في هذه الرواية من تأويل إما بان يكون ابن عباس ضم سنة البعثة وسنة الهجرة إلى سنوات الإقامة حتى صار العدد خمس عشرة سنة وإما أن يكون جبر الكسر فأطلق الخمس عثرة على ثلاث عشرة وإما بأن يكون بعض الرواة عنه وهم في ذكر العدد والله سبحانه أعلم اهـ من التكملة.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا فقال:
5950 -
(00)(00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ.
5951 -
(00)(00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، أَخْبَرَنَا رَوْحٌ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: أَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، يَسْمَعُ الصَّوْتَ، وَيَرَى الضَّوْءَ، سَبْعَ سِنِينَ، وَلَا يَرَى شَيئًا. وَثَمَانِ سِنِينَ يُوحَى إِلَيهِ، وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرًا
ــ
5950 -
(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا) إسماعيل (ابن علية عن خالد) الحذاء، غرضه بيان متابعة ابن علية لبشر بن المفضل (بهذا الإسناد) يعني عن عمار عن ابن عباس.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا فقال:
5951 -
(00)(00)(وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (أخبرنا روح) بن عبادة بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابا (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة حماد بن سلمة ليونس بن عبيد (قال) ابن عباس:(أقام) أي مكث (رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة) بعد البعثة وقبل: الهجرة (خمس عشرة سنة) أي بإدخال سنتي البعثة والهجرة وجبرهما وحسابهما كاملًا لأنه بُعث يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول، وكذلك الهجرة كما هو الرواية حالة كونه (يسمع الصوت) أي صوت جبريل ولا يرى شخصه (ويرى الضوء) أي النور في الليالي المظلمة ضياء عظيمًا كذا في المرقاة، وقال القاضي عياض: أي صوت الهاتف به من الملائكة ويرى الضوء أي نور الملائكة ونور آيات الله تعالى حتى رأى الملك بعينه وشافهه بوحي الله تعالى أي يسمع الصوت ويرى الضوء (سبع سنين) من تلك الخمسة عشرة (ولا يرى) فيها (شيئًا) من الملائكة بعينه (و) أقام (ثمان سنين) من تلك الخمسة عشرة، حالة كونه (يُوحى إليه) بأوامر الشرع ونواهيه أي يأتيه الملك بالوحي (وأقام بالمدينة) بعد الهجرة (عشرًا) من السنوات إلى أن توفاه
5952 -
(2331)(86) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ -وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ- (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيرِ بْنِ مُطعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: "أَنَا مُحَمَّدْ، وَأَنَا أَحْمَدُ،
ــ
الله تعالى. وعبارة القرطبي: قوله: (يسمع الصوت ويرى الضوء سبع سنين) أي أصوات الملائكة والجمادات والحجارة فيُسلِّمون عليه بالرسالة كما أخرجه الترمذي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه [3626](قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله) وقال: هذا حديث حسن غريب. ويعني بالضوء نور الملائكة، ويحتمل أن يكون أنوارًا تنور بين يديه في أوقات الظلمة يُحجب عنها غيره ولذلك نُقل أنه كان يبصر بالليل كما يُبصر بالنهار، ويعني أن هذه الحالة ثبتت عليه سبع سنين ثم بعد ذلك أُوحي إليه أي جاءه الوحي وشافهه بالخطاب ثماني سنين وعلى هذا فكمل له بمكة خمس عشرة سنة اهـ من المفهم.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الخامس من الترجمة بحديث جبير بن مطعم رضي الله عنه فقال:
5952 -
(2331)(86)(حدثني زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (واللفظ لِزُهَير قال إسحاق: أخبرنا وقال الآخران: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري سمع) الزهري (محمد بن جبير بن مطعم) بن عدي بن نوفل القرشي أبا سعيد المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبيه) جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي أبو محمد المدني، أسلم قبل حنين أو يوم الفتح، الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه في (3) أبواب، وله (60) ستون حديثًا. وهذا السند من خماسياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(أنا محمد وأنا أحمد") وهذان أشهر أسمائه صلى الله عليه وسلم، وأشهرهما محمد وقد تكرر في القرآن، مأخوذ من التفعيل للمبالغة، ومعناه الذي حُمد مرة بعد مرة أو الذي تكاملت فيه الخصال المحمودة، وأما أحمد فإنه علم منقول من اسم التفضيل ومعناه أحمد الحامدين لربه أي أكثرهم حمدًا له وأعظمهم في صفة الحمد.
وَأنَا الْمَاحِي الَّذِي يُمْحَى بِيَ الْكُفْرُ،
ــ
قال القرطبي: كلاهما مأخوذ من الحمد وقد تقدم الكلام على الحمد في أول الكتاب فمحمد مفعَّل من حمّدت الرجل مشددًا إذا نسبت الحمد إليه كما يقال: شجعت الرجل وبخلته إذا نسبت ذلك إليه فهو بمعنى المحمود، والنبي صلى الله عليه وسلم أحق الخلق بهذا الاسم فإن الله تعالى قد حمده بما لم يحمد به أحدًا من الخلق وقد قال فيه:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} وقال: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)} إلى غير ذلك وأعطاه من المحامد ما لم يعط مثله أحدًا من الخلق ويلهمه يوم القيامة من محامده ما لم يلهمه أحدًا من الخلق، وقد حمده أهل السماوات والأرض والدنيا والآخرة حمدًا لم يحمد به أحدًا من الخلق فهو أحمد المحمودين وأحمد الحامدين.
ويستنبط من تسميته صلى الله عليه وسلم بأحمد أن حمد الله سبحانه وتعالى المتضمن لشكره جل وعلا من أعظم صفات العبودية ومن أعلى الخصائل التي يَتقرب بها العبد إلى ربه سبحانه ومن أجل ذلك افتتح به القرآن وافتتحت به الصلاة وأمر المسلمون بالافتتاح به كل أمر ذي بال، وذكر الحافظ في الفتح [6/ 555] عن القاضي عياض رحمه الله تعالى: أن أول ما سُمي به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتب السالفة أحمد ثم سُمي محمدًا في القرآن وهو إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم صار محمودًا لكونه أحمد الحامدين لله تعالى وكذلك يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بحمد الله تعالى بصفة كونه أحمد فيصير محمدًا ومحمودًا عند الناس والله أعلم.
ثم نقل الحافظ عن عياض أيضًا أنه قال رحمه الله تعالى: حمى الله هذه الأسماء أن يسمى بها أحد قبله، وإنما تسمى بعض العرب محمدًا قُرب ميلاده صلى الله عليه وسلم لما سمعوا من الكهان والأحبار أن نبيًّا يُبعث في ذلك الزمان يُسمى محمدًا فرجوا أن يكونوا هو فسموا أبناءهم به لذلك، قال: وهم ستة لا سابع لهم، وذكر السهيلي في الروض الأنف أنه لا يُعرف في العرب من تسمى بمحمد إلا ثلاثة ولكن رد عليه الحافظ ابن حجر وحقق أنهم خمسة عشر نفسًا وقد ألف فيهم جزءًا مفردًا وذكر أسماءهم في الفتح وأورد روايات تدل على أنهم إنما تسموا بهذا الاسم لما سمعوا من أن نبيًّا سيُبعث يسمى بهذا الاسم.
(وأنا الماحي الذي يُمحى بي) في ضمير العائد التفات إلى التكلم إشارة إلى أنه مختص بهذا المعنى أي وأنا الماحي الذي يمحى ويزال ويضمحل به (الكفر) والشرك أي
وَأنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى عَقِبِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ". وَالْعَاقِبُ الَّذِي لَيسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ
ــ
من الأرض التي زُويت له وأري أن ملك أمته يبلغه أو يعني بذلك أنه مُحي به معظم الكفر وغالبه بظهور دينه على كل الأديان بالحجج الواضحة والغلبة العامة الفادحة كما صرح به الحق جل وعلا بقوله: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التوبة: 33] وقيل: المراد بذلك إزالة الكفر من جزيرة العرب لأن الكفر بقي في كثير من البلدان، وقيل: إنه ينمحي بسببه تدريجًا إلى أن يضمحل في زمن عيسى بن مريم عليه السلام فإنه يرفع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام، وقد فسر بعض الرواة الماحي بأنه الذي يمحو الله به سيئات من اتبعه.
(وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على عقبي) أي بعدي يعني أنه الذي يحشر الخلق يوم القيامة على أثره أي ليس بينه وبين القيامة نبي آخر ولا أمة أخرى ولا شريعة تنسخ شريعته كما نسخت شريعته سائر الشرائع، وهذا يدل على قوله صلى الله عليه وسلم:"بُعثت أنا والساعة كهاتين" وقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى رواه البخاري [6505]، وابن ماجه [4040] من حديث أبي هريرة.
(وأنا العاقب) أي الآخر لجميع الأنبياء والمرسلين وخاتمهم كما فسره بقوله: (والعاقب الذي ليس بعده نبي) ولا شريعة، وإن جاء بعده نبي على طريقة الاستخلاف عنه فاندفع الاعتراض بعيسى ابن مريم، وفي الرواية الأخرى:(وأنا المقفي) ومعناهما واحد، قال ابن الأنباري: المقفي بصيغة اسم الفاعل المتبع للنبيين قبله، يقال: قفوته أقفوه وقفيته إذا تبعته ومثله قفته أقوفه من باب قال: ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ قَفَّينَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّينَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [الحديد: 27] وقوله: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] وقافية كل شيء آخره اهـ من المفهم. قوله: (والعاقب الذي ليس بعده نبي) وهذا التفسير يحتمل أن يكون مرفوعًا ويؤيده ما أخرجه الترمذي من طريق ابن عيينة بلفظ (الذي ليس بعدي نبي) ويحتمل أن يكون مدرجًا من الراوي ويؤيده ما سيأتي في رواية عقيل قلت للزهري: وما العاقب؟ قال: الذي ليس بعده نبي.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 80]، والبخاري في الأنبياء باب ما جاء في أسماء النبي صلى الله عليه وسلم [3532] وفي التفسير سورة الصف [4896] والترمذي في الأدب باب ما جاء في أسماء النبي صلى الله عليه وسلم [2840].
5953 -
(00)(00) حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"إِنَّ لِي أَسْمَاءً، أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللهُ بِيَ الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيَّ، وَأَنَا الْعَاقِبُ الَّذِي لَيسَ بَعْدَهُ أَحَدٌ". وَقَدْ سَمَّاهُ اللهُ رَؤُوفًا رَحِيمًا
ــ
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه فقال:
5953 -
(00)(00)(حدثنا حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يونس لسفيان بن عيينة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن لي أسماء) كثيرة فمنها ما أبيّنها لكم بقولي: (أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر) قال العلماء: المراد محو الكفر من مكة والمدينة وسائر بلاد العرب وما زُوي له صلى الله عليه وسلم من الأرض ووُعد أن يبلغه مُلك أمته اهـ نووي (وأنا الحاشر الذي يُحشر الناس على قدمي) بصيغة المثنى المضاف إلى المتكلم، والحاشر اسم فاعل من الحشر، والحشر الجمع أي يُحشرون على قدميّ أي على سابقتي كما قال تعالى:{أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [يونس / 3] أي سابقة خير وإكرام وترجع إلى ما فُسرت به الرواية الأولى أي لا نبي بعدي، وقيل على سنتي، وقيل يحشرون بمشاهدتي من قوله تعالى:{وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيكُمْ شَهِيدًا} وقيل: يعني على أمامي وقدامي كأنهم يجمعون إليه ويكونون أمامه وخلفه وحوله اهـ من الأبي نقلًا عن القاضي عياض، وقيل بعدي أن يتبعوني إلى يوم القيامة وهذا أشبهها لأنه يكون معناه معنى عقبي لأنه وقع موقعه في تلك الرواية ووجه توسعه فيه كأنه قال: يُحشر الناس على أثر قدمي أي بعدي والله أعلم اهـ من المفهم (وأنا العاقب) أي الآخر في البعث (الذي ليس بعده أحد) من الأنبياء، قال المازري: العاقب آخر الرسل عليهم السلام أي أُرسل عقبهم، قال القاضي عياض: قال ابن العربي: العاقب والعقوب الذي يخلف من كان قبله في الخير، ومنه قولهم عقب الرجل لولده بعده اهـ أبي، وقوله:(وقد سماه الله رؤوفًا رحيمًا) يعني في كتابه العزيز، ذكر البيهقي في الدلائل أنه مدرج من قول الزهري وكأنه أشار إلى ما قاله في آخر سورة التوبة.
5954 -
(00)(00) وحدّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ. قَال: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي. حَدَّثَنِي عُقَيلٌ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ. كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَفِي حَدِيثِ شُعَيبٍ وَمَعْمَرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَفَي حَدِيثِ عُقَيلٍ: قَال: قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ: وَمَا الْعَاقِبُ؟ قَال: الَّذِي لَيسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ، وَفِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ وَعُقَيلٍ: الْكَفَرَةَ، وَفِي حَدِيثِ شُعَيبٍ: الْكُفْرَ
ــ
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه فقال:
5954 -
(00)(00)(وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي المصري، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (قال) عبد الملك:(حدثني أبي) شعيب بن الليث، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (عن جدي) ليث بن سعد، ثقة، من (7)(حدثني عقيل) بن خالد الأموي مولاهم المصري، ثقة، من (6)(ح وحدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11)(أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من (9)(أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7)(ح وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن بهرام (الدارمي) السمرقندي، ثقة متقن، من (11) روى عنه في (14) بابا (أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي مشهور بكنيته، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة دينار الأموي مولاهم أبو بشر الحمصي، ثقة، من (7) روى عنه في (5) أبواب (كلهم) أي كل من عقيل ومعمر وشعيب رووا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن محمد بن جبير عن أبيه، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لسفيان بن عيينة في الرواية عن الزهري (و) لكن (في حديث شعيب ومعمر) وروايتهما لفظة (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حديث عقيل) وروايته زيادة (قال) عقيل:(قلت للزهري: وما) معنى (العاقب؟ قال) الزهري: العاقب هو (الذي ليس بعده نبي وفي حديث معمر وعقيل) وروايتهما أيضًا لفظة يمحو الله بي (الكفرة) جمع كافر أي يهلكهم (وفي حديث شعيب) وروايته أيضًا يمحو الله بي (الكفر) بالنصب مخالفًا لرواية سفيان لأنها بالرفع ولكنه وافق رواية يونس.
5955 -
(2332)(87) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُسَمِّي لَنَا نَفْسَهُ أَسْمَاءً. فَقَال: "أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَالْمُقَفِّي، وَالْحَاشِرُ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ،
ــ
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جبير بن مطعم بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهما فقال:
5955 -
(2332)(87)(وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق المرادي الجملي الأعمى أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن أبي عبيدة) عامر بن عبد الله بن مسعود الهذلي الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي موسى الأشعري) عبد الله بن قيس الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو موسى:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه) الشريفة (أسماء) أي بأسماء كثيرة (فقال) صلى الله عليه وسلم في تسميتها لنا (أنا) من أسمائي (محمد) أي محمود الخلق والخُلق (وأحمد) الخلق لربه (والمقفي) بصيغة اسم الفاعل أي المتبع لمن قبلي بعثًا وعقيدة، قال شمر: بالتحريك هو بمعنى العاقب، وقال ابن الأعرابي: هو المُتبع للأنبياء في العقائد (والحاشر) الذي يحشر الناس بعده إلى القيامة (و) أنا (نبي التوبة) أي الذي تكثر التوبة في أمته وتعم حتى لا يوجد فيما ملكته أمته إلا تائب من الكفر فيقرب معناه على هذا (من الماحي) إلا أن ذلك يشهد بمحو ما ظهر من الكفر وهذا يشهد بصحة ما يخفى من توبة أمته منه، ويحتمل أن يكون معناه أن أمته لما كانت أكثر الأمم كانت توبتهم أكثر من توبة غيرهم، ويحتمل أن تكون توبة أمته أبلغ حتى يكون التائب منهم كمن لم يذنب ولا يؤاخذ في الدنيا ولا في الآخرة ويكون غيرهم يؤاخذ في الدنيا وإن لم يؤاخذ في الآخرة والله أعلم. والذي أحوج إلى هذه الأوجه اختصاص نبينا صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم مع أن كل نبي جاء بتوبة أمته فيصدق أنه نبي التوبة فلا بد من إبداء مزية لنبينا يختص بها كما بينا اهـ من المفهم.
وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ"
ــ
(ونبي الرحمة) وفي أخرى (المرحمة) وفي أخرى (الملحمة) فأما الرحمة والمرحمة فكلاهما بمعنى واحد ومعنى الرحمة إفاضة النعم على المحتاجين والشفقة عليهم واللطف بهم وقد أعطى الله تعالى نبينا صلى الله عليه وسلم وأمته منها ما لم يعطه أحدًا من العالمين ويكفي من ذلك قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا رَحْمَةً لِلْعَالمِينَ (107)} [الأنبياء: 107] فهو أعظم كل رحمة وأمته القابلة لما جاء به قد حصلت على أعظم حظ من هذه الرحمة وشفاعته يوم القيامة لأهل الموقف أعم كل رحمة ولأهل الكبائر أجل كل نعمة وخاتمة ذلك شفاعته في ترفيع منازل أهل الجنة، وأما رواية من روى (نبي الملحمة) فهو صحيح في نعته ومعلوم في الكتب القديمة من وصفه فإنه قد جاء فيها أنه نبي الملاحم وأنه يجيء بالسيف والانتقام ممن خالفه من جميع الأنام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا معشر قريش لقد جئتكم بالذبح" رواه أبو يعلى [343]، وأبو نعيم في دلائل النبوة [159] وقال:"أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به" رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي فهو نبي الملحمة التي بسببها عمت الرحمة وثبتت المرحمة اهـ من المفهم، قال الأبي: ووقع في غير مسلم ونبي الملاحم معطوفًا على نبي الرحمة والملاحم جمع ملحمة وهي الحرب ولذلك أورد الخطابي فقال: فإن قيل كيف الجمع بين كونه نبي الرحمة ونبي الملحمة لا سيما مع قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا رَحْمَةً لِلْعَالمِينَ (107)} ومع قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا رحمة مهداة" وأجاب عنه بأن بعثه صلى الله عليه وسلم بالسيف والحرب من وجوه الرحمة لأن الله تعالى أيد رسله صلى الله عليهم وسلم بالمعجزات وجرت عادته تعالى في الأمم السابقة بأنهم إذا كذبوا عوجلوا بالعذاب المستأصل إثر التكذيب واستؤني بهذه الأمة ولم يعاجلوا بالعذاب المستأصل وأُمر بجهادهم ليرتدعوا عن الكفر ولم يجاحوا بالسيف لأن السيف له بقية وليس للعذاب المستأصل بقية، ورُوي أن قومًا من العرب قالوا: يا رسول الله أفنانا السيف، قال:"إنه أبقى لأجركم" هذا معنى الرحمة المبعوث بها صلى الله عليه وسلم، ومن وجوه الرحمة ما صح أنه صلى الله عليه وسلم جاءه ملك الجبال فقال: إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين، قال:"أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يوحده ولا يشرك به"، ومن وجوهها أيضًا أن الله تعالى وضع على أمته الإصر والأغلال التي كانت على الأمم قبلها كما قال تعالى في قصة موسى عليه السلام {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيءٍ} إلى قوله تعالى:{الَّتِي كَانَتْ عَلَيهِمْ} اهـ قال القاضي
5956 -
(2333)(88) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: صَنَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمْرًا فَتَرَخَّصَ فِيهِ
ــ
عياض: وله صلى الله عليه وسلم أسماء عديدة وصفات كثيرة جاءت في أحاديث أُخر وفي آيات من كتاب الله تعالى جمعنا منها كثيرًا في كتاب الشفا في التعريف بحقوق المصطفى، وقيل: إنما خص صلى الله عليه وسلم هذه المذكورات بالذكر لأنها المنصوص عليها في الكتب السابقة ولكونها أشهر وإلا فقد ثبتت له أسماء أخرى بلغها بعضهم إلى تسع وتسعين وبعضهم إلى أكثر من ثلاثمائة، وذكر ابن العربي في شرح الترمذي أن له صلى الله عليه وسلم ألف اسم والذي يبدو أن كثيرًا منهم أدرج صفاته صلى الله عليه وسلم في أسمائه وبهذا ازداد عدد أسمائه صلى الله عليه وسلم والله أعلم.
وهذا الحديث انفرد بروايته الإمام مسلم رحمه الله تعالى.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء السادس من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
5956 -
(2333)(88)(حدثنا زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثقة، من (8)(عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح مصغرًا الهمداني الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني أبي عائشة الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (11) بابا (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته (قالت) عائشة:(صنع رسول الله أمرًا فترخص فيه) أي عمل فيه بالرخصة الشرعية، قال القرطبي: أي عمل أمرًا ترك فيه التشديد لأنه رخص له فيه كما قال في الطريق الآتي "ما بال رِجالٍ يرغبون عما رُخص لي فيه" وذلك الأمر الفطر والنوم والنكاح، ولعل هذا من عائشة رضي الله تعالى عنها إشارة لحديث النفر الذين استقلوا عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فقال أحدهم: أما أنا فأصلي ولا أنام، وقال الآخر: وأنا أصوم ولا أفطر، وقال الآخر: وأنا لا أنكح النساء، فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الذي قالوا، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"وأما أنا فأصلي وأنام وأصوم وأفطر وأنكح النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني" سبق تخريجه في كتاب النكاح.
فَبَلَغَ ذلِكَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ. فَكَأَنَّهُمْ كَرِهُوهُ وَتَنَزَّهُوا عَنْهُ. فَبَلَغَهُ ذلِكَ، فَقَامَ خَطِيبًا فَقَال:"مَا بَالُ رِجَالٍ بَلَغَهُمْ عَنِّي أَمْرٌ تَرَخَّصْتُ فِيهِ. فَكَرِهُوهُ وَتَنَزَّهُوا عَنْهُ. فَوَاللهِ لَأنَا أَعْلَمُهُمْ بِاللهِ وَأَشَدُّهُم لَهُ خَشْيَةً"
ــ
(فبلغ ذلك) أي ترخص النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر (ناسًا) أي قومًا (من أصحابه فكأنهم) أي فكأن أولئك الناس (كرهوه) أي كرهوا ترخص النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر (وتنزهوا) أي اجتنبوا وتبرؤوا (عفه) أي عن ذلك الأمر الذي رخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم (فبلغه) أي فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم (ذلك) أي كراهية أولئك الناس ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم وتنزههم منه (فقام) النبي صلى الله عليه وسلم (خطيبًا) على المنبر (فقال) أي قال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته: (ما بال رجال) أي ما شأن رجال (بلغهم عني) أي من جهتي (أمر) أي ترخيص أمر (ترخصت فيه) أي حكمت فيه بالترخيص والتسهيل (فكرهوه) أي فكرهوا ذلك الترخيص (وتنزهوا عنه) أي تبرؤوا عن العمل به، وهذا منه صلى الله عليه وسلم عدول عن مواجهة هؤلاء القوم بالعتاب وكانوا معينين عنده لكنه فعل ذلك لغلبة الحياء عليه ولِتلطُّفِه في التأديب ولستْرِ المعاتب، وتنزه هؤلاء عما ترخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم غَلَط أوقعهم فيه ظن أن المغفور له يُسامح في بعض الأمور ويسقط عنه بعض التكاليف والأمر بالعكس لوجهين أحدهما أن المغفور له يتعين عليه وظيفة الشكر كما قال صلى الله عليه وسلم:"أفلا أكون عبدًا شكورًا" متفق عليه، وثانيهما: أن الأعلم بالله وبأحكامه هو الأخشى له كما قال صلى الله عليه وسلم: (فوالله لأنا أعلمهم) أي أكثرهم علمًا (بالله وأشدهم له خشية).
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأدب باب من لم يواجه الناس بالعتاب وفي الاعتصام باب ما يكره من التعمق والتنازع والغلو في الدين والبدع [7301] والله أعلم.
ويستفاد من هذا الحديث النهي عن التنطع في الدين وعن الأخذ بالتشديد في جميع الأمور فإن دين الله يسر وهو الحنيفية السمحة فإن الله سبحانه يحب أن تؤتى رخصه كما يحسب أن تؤتى عزائمه، وحاصل الأمر أن الواجب الاقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم فما شدد فيه التزمناه على شدته وفعلناه على مشقته وما ترخص فيه
5957 -
(00)(00) حدَّثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. حَدَّثَنَا حَفْصٌ، (يَعْنِي ابْنَ غِيَاثٍ). ح وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ. بَإِسْنَادِ جَرِيرٍ، نَحْوَ حَدِيثِهِ.
5958 -
(00)(00) وحدّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ
ــ
أخذنا برخصته وشكرنا الله تعالى على تخفيفه ونعمته ومن رغب عن هذا فليس على سنته ولا على منهاج شريعته، وفيه حجة على القول بمشروعية الاقتداء به في جميع أفعاله كما نقوله في جميع أحواله إلا ما دل دليل على أنه من خصوصياته اهـ من المفهم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
5957 -
(00)(00)(حدثنا أبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا حفص يعني ابن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (ح وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (وعلي بن خشرم) بن عبد الرحمن بن عطاء بن هلال المروزي، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (قالا): أي قال إسحاق وعلي (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي أبو عمرو الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (17) بابا (كلاهما) أي كل من حفص وعيسى رويا (عن الأعمش بإسناد جرير) بن عبد الحميد يعني عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة، وساقا (نحو حديثه) أي نحو حديث جرير وقريبه لفظًا ومعنى لا مثله جدد العهد بالفرق بين قوله مثله ونحوه، ومعناه بمثله وبنحوه وبمعناه لأن معرفة ذلك مهم ضروري لا بد منه في الاستفادة من مسلم، ولا تقل هذا ما وجدنا عليه آباءنا فيكفينا ولو كانوا في خطأ مبين.
ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
5958 -
(00)(00)(وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم) بن صبيح وهو أبو الضحى ذكر في الرواية الأولى بكنيته وهنا باسمه ليتفطن الفطن (عن مسروق) بن الأجدع (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته،
قَالت: رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَمْرٍ. فَتَنَزَّهَ عَنْهُ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ، فَبَلَغَ ذلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَغَضِبَ، حَتَّى بَانَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَال:"مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْغَبُونَ عَمَّا رُخِّصَ لِي فِيهِ، فَوَاللهِ لأَنَا أَعْلَمُهُمْ بِاللهِ وَأَشدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً"
ــ
غرضه بيان متابعة أبي معاوية لجرير بن عبد الحميد (قالت) عائشة: (رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر) يعني في الفطر والنوم والنكاح كما سبق (فتنزه) أي تبرأ واجتنب (عنه) أي عن قبول رخصة ذلك الأمر تنطعًا في العبادة (ناس من الناس) أي رجال من الناس يعني من الأصحاب (فبلغ ذلك) أي تنزههم عن الرخصة (النبي صلى الله عليه وسلم فغضب) صلى الله عليه وسلم من ذلك (حتى بان) وظهر (الغضب) أي أثره (في وجهه) الشريف باحمراره بعد أن كان أبيض أزهر (ثم) بعدما بلغه خبرهم وغضب عليهم قام خطيبًا (قال: ما بال أقوام يرغبون) أي يعرضون (عما رخص لي فيه فوالله لأنا أعلمهم بالله وأشدهم له خشية).
قوله: (ما بال رجال) .. إلخ فيه الاجتناب عن المخاطبة الشخصية للمعتوبين رفقًا بهم وتحرزًا عن إهانتهم أمام الناس وهو الطريق المطلوب في ذلك، قوله:(لأنا أعلمهم بالله) .. إلخ فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ من الكمال الذروة في جميع الصفات العلمية والعملية، وقد أشار إلى الأول بقوله أعلمهم، وإلى الثاني بقوله وأشدهم له خشية، وفيه جواز تحدث المرء بما فيه من فضل بحسب الحاجة إلى ذلك إذا كان تحدثًا لنعمة ربه وأمن من المباهاة والتعاظم، قال القرطبي: وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله لما خصه الله تعالى به في أصل الخلقة من كمال الفطنة وجودة القريحة وسداد النظر وسرعة الإدراك ولما رفع الله عنه من موانع الإدراك وقواطع النظر قبل تمامه ومن اجتمعت له هذه الأمور سهل عليه الوصول إلى العلوم النظرية وصارت في حقه كالضرورية، ثم إن الله تعالى قد أطلعه من علم صفاته وأحكامه وأحوال العالم كله على ما لم يطلع عليه غيره وهذا كله معلوم من حاله صلى الله عليه وسلم بالعقل الصريح والنقل الصحيح وإذا كان في علمه بالله تعالى أعلم الناس لزم أن يكون أخشى الناس لله تعالى لأن الخشية منبعثة عن العلم وبحسبه كما قال تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] اهـ من المفهم.
5959 -
(2334)(89) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيرِ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيرَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ
ــ
ثم استدل رحمه الله تعالى على الجزء السابع من الترجمة بحديث عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما فقال:
5959 -
(2334)(89)(حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد المصري (ح وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر التُّجِيبيُّ المصريُّ (أخبرنا الليث) بن سعد المصري (عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن عبد الله بن الزبير حدثه) أي حدث لعروة. وهذا السند من خماسياته (أن رجلًا من الأنصار) قيل: إن هذا الرجل كان من الأنصار نسبًا ولم يكن منهم نصرة ودينًا بل كان منافقًا لما صدر عنه من تهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجور في الأحكام لأجل قرابته ولأنه لم يرض بحكمه ولأن الله تعالى قد أنزل فيه {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُمْ} [النساء: 65] هذا هو الظاهر من حاله، ويحتمل أنه لم يكن منافقًا ولكن أصدر ذلك منه بادرة نفس وزلة شيطان كما قد اتفق لحاطب بن أبي بلتعة ولحسان ومسطح وحمنة في قضية الإفك وغيرهم ممن بدرت منهم بوادر شيطانية وأهواء نفسانية لكن لطف بهم حتى رجعوا عن الزلة وصحت لهم التوبة ولم يؤاخذوا بالحوبة اهـ من المفهم، وقال العيني في العمدة [6/ 15] قال شيخنا: لم يقع تسمية هذا الرجل في شيء من طرق الحديث أي في طرق حديث الزبير وأبناءه وما وقع من التسمية عند ابن أبي حاتم من أنه حاطب بن أبي بلتعة فإنه مرسل لابن المسيب ولعل الزبير وبقية الرواة أرادوا ستره لما وقع منه اهـ، وقال في تنبيه المعلم: هو حاطب بن أبي بلتعة قاله ابن الملقن اهـ وبسط الخلاف فيه في الفتح [5/ 35 - 36] ومال فيه إلى أنه حاطب بن أبي بلتعة والله أعلم (خاصم) أي تخاصم (الزبير) بن العوام (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة) بكسر الشين المعجمة وفتح الراء المهملة بعدها ألف والجيم آخره جمع شرجة بفتح فكسر، وقيل: جمع شرج بفتح الشين وسكون الراء مثل رهن ورهان وبحر وبحار، وفي المنتهى لأبي المعالي الشرج مسيل الماء من القناة إلى النخل والجمع شراج وشروج وشُرج، وأما الحرة بفتح الحاء وتشديد
الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ. فَقَال الأَنْصَارِيُّ: سَرِّحِ الْمَاءَ يَمُرُّ، فَأَبَى عَلَيهِمْ، فَاخْتَصَمُوا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
ــ
الراء فهي الأرض الصلبة الغليظة التي غشيتها حجارة سود، وفي المدينة حرات كثيرة والمراد من شراج الحرة أن هذا المسيل كان بالحرة ونُسب إليها والإضافة فيه من إضافة المظروف إلى الظرف كمحراب المسجد اهـ من عمدة القاري [6/ 16] والمخاصمة إنما كانت في السقي بالماء الذي يسيل فيها وكان الزبير يتقدم شربه على شرب الأنصاري لقربه إلى القناة فكان الزبير يمسك الماء لحاجته فطلب الأنصاري أن يسرّحه له قبل استيفاء حاجته فلما ترافعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم سلك النبي صلى الله عليه وسلم معهما مسلك الصلح فقال للزبير:"اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك" أي تساهل في سقيك وعجل في إرسال الماء إلى جارك يحضه على المسامحة والتيسير فلما سمع الأنصاري بهذا لم يرض بذلك وغضب لأنه كان يريد أن لا يُمسك الماء أصلًا وعند ذلك نطق بالكلمة الجائرة المهلكة الغاقرة فقال: آن كان ابن عمتك. بمد همزة أن المفتوحة لأن استفهام على جهة الإنكار أي أتحكم له عليّ لأجل أنه قرابتك وعند ذلك تلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبًا وتألمًا من تلك الكلمة ثم إنه بعد ذلك حكم للزبير باستيفاء حقه فقال: "اسق يا زبير ثم أمسك الماء حتى يرجع إلى الجدر" أي تخاصما في شراج الحرة (التي يسقون بها النخل) والأعناب (فقال الأنصاري) للزبير: (سرح الماءَ) أي أَرْسِلْه إِلَيَّ حالةَ كونِ الماء (يمرُ) عليك بلا سَقْيٍ منه، وقوله: سرّح أمر من التسريح بمعنى الإرسال وإنما قال له ذلك لأن الماء كان يمر بأرض الزبير قبل أرض الأنصاري فيحسبه الزبير لإكمال سقي أرضه ثم يرسله إلى أرض جاره فالتمس منه الأنصاري تعجيل إرسال الماء أو طلب منه أن لا يحبس الماء أصلًا فامتنع منه الزبير رضي الله عنه لأن الحق للأعلى فالأعلى، وقال أبو عبيد رحمه الله: كان بالمدينة واديان يسيلان بماء المطر فيتنافس الناس فيه فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعلى فالأعلى نقله الحافظ في الفتح (فأبى) الزبير وامتنع إرسال الماء (عليهم) أي على الشركاء في ذلك الماء حتى يستوفي حقه (فاختصموا) أي اختصم الزبير والأنصاري ومن معهما من شركاء الماء (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وترافعوا إليه ليحكم بينهم (فـ) لما أخبروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قضية التخاصم (قال رسول الله صلى الله
عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِلزُّبَيرِ: "اسْقِ يَا زُبَيرُ، ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ" فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم. ثُمَّ قَال:"يَا زُبَيرُ، اسْقِ، ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَذرِ"
ــ
عليه وسلم للزبير: اسق يا زبير) قدر الحاجة (ثم أرسل الماء إلى جارك) ليسقي نخله (فغضب الأنصاري) من حكم الرسول صلى الله عليه وسلم للزبير (فقال) الأنصاري: (يا رسول الله) لأجل (أن كان) الزبير (ابن عمتك) صفية بنت عبد المطلب حمت له ولم تأمره بإرسال الماء إليّ (فتلون) أي تغير لون (وجه النبي صلى الله عليه وسلم من البياض إلى الحمرة لشدة غضبه من مقالته (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا زبير اسق) نخلك (ثم احبس الماء) تحته (حتى يرجع) أي حتى يجتمع الماء تحت أصل النخل ويملأ شرباته ويرجع (إلى الجدر) والجدر بفتح الجيم وسكون الدال هو ما يوضع حول شربات النخل كالجدار ليجتمع الماء تحته يُجمع على جدور يعني به حتى يصل الماء إلى أصول النخل والشجر وتأخذ منه حقها، والشربة حويض يحفر حول النخلة والشجرة يملأ ماء فيكون ريها، وفي بعض الروايات حتى يبلغ إلى الكعبين يعني به حتى يجتمع الماء في الشربات وهي الحفر التي تحفر تحت أصول النخل والشجر إلى أن يصل من الواقف فيها إلى الكعبين، ورُوي الجدر بكسر الجيم وسكون الدال وهو الجدار ويُجمع على جدر بضمتين ويعني به جدران الشربات فإنها ترفع حتى تكون شبه الجدار وتمنع الماء من السيلان، فإن قلت: كيف حكم النبي صلى الله عليه وسلم للزبير في حالة غضبه وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا يقضي القاضي وهو غضبان"(قلت): إن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الخطأ في كل من حالتي الغضب والرضا وليس كغيره، وعبارة القرطبي هنا والجواب عن هذا الإيراد بأن هذا النهي معلل بما يخاف على القاضي من التشويش المؤدي به إلى الخطأ في الحكم والغلط فيه والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الخطأ في التبليغ والأحكام بدليل العقل الدال على صدقه فيما يبلّغه عن الله تعالى وفي أحكامه ولذلك قالوا: أنكتب عنك في الرضا والغضب؟ قال: "نعم" رواه أحمد [2/ 162 و 192] فدل ذلك على أن المراد بالحديث أعني قوله: "لا يقضي القاضي .. " إلخ من يجوز عليه الخطأ من القضاة فلم يدخل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك العموم اهـ من المفهم.
فَقَال الزُّبَيرُ: وَاللهِ، إِنِّي لأَحْسِبُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَت فِي ذلِكَ:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا} [النساء: 65]
ــ
(فقال الزبير والله إني لأحسب) وأظن (هذه الآية) الآتية (نزلت في ذلك) الخصام الواقع بيني وبين الأنصاري وحكم النبي صلى الله عليه وسلم بيننا قوله تعالى: ({فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا})[النساء: 65] وهذا أحد ما قيل في سبب نزول هذه الآية، وقيل: نزلت في رجلين تحاكما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحكم على أحدهما فقال: ارفعني إلى عمر بن الخطاب، وقيل إلى أبي بكر، وقيل حكم النبي صلى الله عليه وسلم ليهودي على منافق فلم يرض المنافق، وأتيا عمر بن الخطاب فأخبراه فقال: أمهلاني حتى أدخل بيتي فدخل بيته فأخرج السيف فقتل المنافق، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنه رد حكمك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فرّقت بين الحق والباطل" وقد بسطنا الكلام في هذا المقام في الحدائق فراجعه إن شئت.
ثم إن الأنصاري كان قد استحق التعزير بالإنكار على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن عفا عنه تأليفًا للقلوب، وفيه جواز عفو الإمام عن التعزير، وفي هذا الحديث أبواب من الفقه فمنها الاكتفاء من الخصوم بما يُفهم عنه مقصودهم وأن لا يُكلفوا النص على الدعاوي ولا تحديد المدعى فيه ولا حصره بجميع صفاته كما قد تنطع في ذلك قضاة الشافعية، ومنها إرشاد الحاكم إلى الإصلاح بين الخصوم فإن اصطلحوا وإلا استوفى لذي الحق حقه وبت الحكم، ومنها أن الأولى بالماء الجاري الأول فالأول حتى يستوفي حاجته وهذا إذا لم يكن أصله ملكًا للأسفل مختصًا به فليس للأعلى أن يشرب منه شيئًا وإن كان يمر عليه ومنها الصفح عن جفاء الخصوم ما لم يؤد إلى هتك حرمة الشرع والاستهانة بالأحكام فإن كان ذلك فالأدب وهذا الذي صدر من خصم الزبير أذى للنبي صلى الله عليه وسلم ولم يقتله النبي صلى الله عليه وسلم لما جُبل عليه من عظم حلمه وصفحه ولئلا يكون قتله منفرًا لغيره عن الدخول في دين الإسلام فلو صدر اليوم مثل هذا من أحد في حق النبي صلى الله عليه وسلم لقُتل قتلة زنديق، ومنها أن القدر الذي يستحق الأعلى من الماء كفايته وغاية ذلك أن يبلغ الماء إلى الكعبين اهـ من المفهم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث السبعة أحمد [4/ 4 - 5]، والبخاري في مواضع كثيرة منها في المساقاة باب في شرب الأعلى قبل الأسفل [2361]، وأبو داود في الأقضية باب أبواب من القضاء [3637]، والترمذي في الأحكام باب ما جاء في الرجلين يكون أحدهما أسفل من الآخر في الماء [1363]، والنسائي في القضاء باب إشارة الحاكم بالرفق [5416]، ابن ماجه في الأحكام باب الشرب من الأودية ومقدار حبس الماء [2505].
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث أربعة عشر: الأول منها حديث جابر بن سمرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني: حديث السائب بن يزيد ذكره للاستشهاد، والثالث: حديث عبد الله بن سرجس ذكره للاستشهاد، والرابع: حديث أنس بن مالك ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس: حديث أنس بن مالك الثاني ذكره للاستدلال على الجزء الثالث من الترجمة، والسادس: حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع: حديث ابن عباس ذكره للاستدلال على الجزء الرابع من الترجمة، والثامن: حديث ابن عباس الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والتاسع: حديث معاوية بن أبي سفيان ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والعاشر: حديث ابن عباس الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه أربع متابعات، والحادي عشر: حديث جبير بن مطعم ذكره للاستدلال على الجزء الخاص من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني عشر: حديث أبي موسى الأشعري ذكره للاستشهاد، والثالث عشر: حديث عائشة الأخير ذكره للاستدلال به على الجزء السادس من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والرابع عشر: حديث عبد الله بن الزبير ذكره للاستدلال به على الجزء السابع من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم.
***