الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
707 - (21) والباب التاسع منها باب فضل عائشة رضي الله تعالى عنها
6127 -
(2417)(171) حدَّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ
ــ
707 -
(21) والباب التاسع منها باب فضل عائشة رضي الله تعالى عنها
وعائشة هي بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما تُكنى بام عبد الله بن الزبير وهو ابن أختها أسماء بنت أبي بكر، أباح لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تكتني به، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد موت خديجة وقبل الهجرة بثلاث سنين، وهو أول ما قيل في ذلك، وهي بنت ست سنين وابتنى بها بالمدينة وهي بنت تسع سنين، وقال ابن شهاب: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج بها في شوال قبل الهجرة بثلاث سنين وأعرس بها في المدينة في شوال على رأس ثمانية عشر شهرًا من مهاجره إلى المدينة، وقد روي عنها أنها قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست، وبنى بي وأنا بنت تسع، وقُبض عني وأنا بنت ثمان عشرة. رواه مسلم [1422] وتوفيت سنة ثمان وخمسين ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من رمضان، وأمرت أن تُدفن ليلًا فدُفنت بعد الوتر بالبقيع، وصلى عليها أبو هريرة رضي الله عنه، ونزل في قبرها خمسة عبد الله وعروة ابنا الزبير والقاسم ومحمد ابنا محمد بن أبي بكر وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر وكانت فاضلة عالمة كاملة، قال مسروق: رأيت مشيخة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأكابر يسألونها عن الفرائض، وقال عطاء: كانت عائشة أفقه الناس وأحسن الناس رأيًا في العامة وقال: ما رأيت أحدًا أعلم بفقه ولا طب ولا شعر من عائشة، وقال أبو الزناد: ما رأيت أحدًا أروى لشعر من عروة فقيل له: ما أرواك يا أبا عبد الله؟ قال: ما في روايتي في رواية عائشة ما كان ينزل بها شيء إلا أنشدت فيه شعرًا، قال الزهري: لو جمع علم عائشة إلى علم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل، وجملة ما روت عن النبي صلى الله عليه وسلم ألفا حديث ومئتا حديث وعشرة أحاديث أُخرج منها في الصحيحين ثلاثمائة إلى ثلاثة أحاديث.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الترجمة بحديثها رضي الله تعالى عنها فقال:
6127 -
(2417)(171)(حدثنا خلف بن هشام) بن ثعلب بالمثلثة والمهملة البزار
وَأَبُو الرَّبِيعِ. جَمِيعًا عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيدٍ، (وَاللَّفْظُ لأبي الرَّبِيعِ)، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّها قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أُرِيتُكِ فِي الْمَنَام ثَلاثَ لَيَالٍ، جَاءَنِي بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ. فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَأكْشِفُ عَنْ وَجْهِكِ فَإذَا أَنْتِ هِيَ. فَأقُولُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ، يُمْضِهِ"
ــ
بالراء آخره البغدادي المقرئ، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (وأبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (جميعًا) أي كلاهما رويا (عن حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) (واللفظ لأبي الربيع) قال أبو الربيع:(حدثنا حماد حدثنا هشام عن أبيه) عروة (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (أنها) أي أن عائشة (قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أُريتك) بضم الهمزة على صيغة المبني للمجهول وبكسر الكاف خطابًا لها أي أراني الله إياك (في المنام) قبل زواجك وخطبتك (ثلاث ليال) وذلك أني (جاءني بك) أي بصورتك (الملك) أي ملك الرؤيا أو جبريل عليه السلام، وفي رواية أبي أسامة عن هشام عند البخاري (إذا رجل يحملك) فكأن الملك تمثل له حينئذٍ رجلًا، ووقع في رواية ابن حبان من طريق أخرى عن عائشة جاء بي جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي جاءني بك جبريل ملفوفة (في سرقة) بفتحات أي في خرقة كائنة (من حرير) والسرقة بفتح المهملة والراء والقاف واحدة السرق وهي شقق الحرير البيض والمراد القطعة من الحرير وفي رواية ابن حبان في خرقة حرير، وفيه دليل على أن للرؤيا ملكًا يمثل الصور في النوم (فيقول) لي الملك:(هذه) الملفوفة في الخرقة (امرأتك) أي زوجتك في الدنيا والاخرة (فأكشف) مضارع بمعنى الماضي عبّر عنه بالمضارع مشاكلة لما قبله وما بعده أي فلما تزوجتك الآن كشفت (عن وجهك فإذا أنت) الحاضرة عندي (هي) أي تلك الصورة التي رأيتها في المنام، قال القرطبي: أي إنه رآها في النوم كما رآها في اليقظة فكان المراد بالرؤيا ظاهرها، قال الطيبي: يحتمل هذا الكلام وجهين: أحدهما: كشفت عن وجه صورتك فإذا أنت الآن تلك الصورة وثانيهما: كشفت عن وجهك عندما شاهدتك فإذا أنت مثل الصورة التي رأيتها في المنام وهو تشبيه بليغ حيث حُذف المضاف وأُقيم المضاف إليه مقامه كذا في المرقاة، وقوله:(فأقول): معطوف على قوله: فيقول الملك هذه امرأتك وما بينهما اعتراض أي فأقول في نفسي: (إن يك هذا) المنام (من عند الله) تعالى (يمضه) الله سبحانه ويتمه، واستشكل البعض هذا الكلام
6128 -
(00)(00) حدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. جَمِيعًا عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.
6129 -
(2418)(172) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. قَال: وَجَدْتُ فِي كِتَابِي عَنْ أَبِي أُسَامَةَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالتْ: قَال لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي راضِيَةً، وإِذَا
ــ
بأن رؤيا الأنبياء وحي فكيف تردد النبي صلى الله عليه وسلم في كونها من عند الله، فأجاب عنه القاضي عياض بأنه يحتمل أن يكون وقع ذلك المنام قبل البعثة فلا إشكال فيه حينئذٍ لأن حكمه حكم البشر في عدم تخليص منامه عن الأحلام، وإن كان بعد البعثة فمبنى التردد هل هي زوجته في الدنيا أو في الآخرة، ويحتمل أن يكون التردد في تأويل هذه الرؤيا في أنه هل يقع عين ما رآه أو أن للرؤيا تعبيرًا آخر يخالف الظاهر والله أعلم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في الفضائل باب تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة [3859]، والترمذي في المناقب باب من فضل عائشة رضي الله تعالى عنها [3880].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
6128 -
(00)(00)(حدثنا) محمد (بن نمير حدثنا) عبد الله (بن إدريس) الأودي الكوفي (ح وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو أسامة جميعًا) أي كل من ابن إدريس وأبي أسامة رويا (عن هشام بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة (نحوه) أي وساق ابن إدريس وأبو أسامة نحو ما حدّث حماد عن هشام.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة هذا بحديث آخر لها رضي الله تعالى عنها فقال:
6129 -
(2418)(172)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال) أبو بكر: (وجدت) أي رأيت (في كتابي) وثبتي الذي جمعت فيه ما رويته (عن أبي أسامة حدثنا هشام) بن عروة، وجملة التحديث مفعول محكي للرؤية (ح وحدثنا أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذان السندان من خماسياته (قالت) عائشة:(قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم) ما (إذا
كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى" قَالتْ: فَقُلْتُ: وَمِنْ أَينَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ قَال: "أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لَا وَرَبَّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى، قُلْتِ: لَا، وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ" قَالتْ: قُلْتُ: أَجَل، وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ
ــ
كنت عني راضية و) ما (إذا كنت عليّ غضبى) أي غاضبة غير راضية (قالت: فقلت) له صلى الله عليه وسلم: (ومن أين) أي ومن أي شيء (تعرف ذلك؟ ) أي كوني راضية عنك أو غير راضية (قال) النبي صلى الله عليه وسلم لها: (أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين) في المحاورة معي (لا) أي ليس الأمر كذلك (ورب محمد) أي أقسمت لك برب محمد (وإذا كنت غضبى) أي غير راضية (قلت) لي في المحاورة معي: (لا) أي ليس الأمر كذلك (ورب إبراهيم) أي أقسمت لك برب إبراهيم (قالت) عائشة (قلت) للنبي صلى الله عليه وسلم: (أجل) أي نعم كذلك حال في محاورتي معك إذا كنت راضية أذكر اسمك، وإذا كنت غضبى عليك أذكر اسم إبراهيم (والله) أي أقسمت لك (يا رسول الله) بالإله الذي لا إله غيره (ما أهجر) ولا أكره حينئذ (إلا) ذكر (اسمك) لغضبي عليك.
قوله: (وإذا كنت غضبى عليّ) قال في المبارق: غضبها على النبي صلى الله عليه وسلم كان من جهة الغيرة وهي معقدة عن النساء، حتى قال مالك وغيره من علماء المدينة: إذا قذفت المرأة زوجها بالفاحشة حين أخذتها الغيرة يسقط الحد عنها، رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما يدري صاحب الغيرة أعلى الجبل من أسفله" اهـ.
قال القرطبي: غضب عائشة على النبي صلى الله عليه وسلم للأسباب التي ذكرناها في حديث خديجة أو لبعضها، والغالب أنها كانت للغيرة التي لا تتمالك المرأة نفسها معها، قال القاضي عياض: يعفى عن النساء في كثير من الأحكام لأجل الغيرة حتى قد ذهب مالك إلى إسقاط الحد عن المرأة إذا رمت زوجها بالزنا، قوله:(قلت: لا ورب إبراهيم) فيه جواز الاستدلال بالأفعال على ما في البال، وعن هذا قيل من أحب شيئًا أكثر من ذكره.
قال الحافظ في الفتح [9/ 326]: قوله: (إني لأعلم إذا كنت عني راضية) .. إلخ يؤخذ منه استقراء الرجل حال المرأة من فعلها وقولها فيما يتعلق بالميل وعدمه والحكم بما تقتضيه القرائن في ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم جزم برضا عائشة وغضبها بمجرد ذكرها اسمه وشكوتها فبنى على تغير الحالين من الذكر والسكوت تغير الحالتين من
6130 -
(00)(00) وحدّثناه ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، إِلَى قَوْلِهِ:"لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ". وَلَمْ يَذكُرْ مَا بَعْدَهُ.
6131 -
(2419)(172) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
ــ
الرضا والغضب، أما غضبها على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه كبيرة من الكبائر؛ فالمراد منه غيرتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم التي يبعثها الدلال وشدة محبتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهي مغتفرة، وأما قولها ما أهجر إلا اسمك فالمراد أن حبك يا رسول الله مستقر بقلبي لا ينفك عنه حتى في حالة الغيرة والغضب وغاية ما تحملني الغيرة عليه أن أهجر اسمك، ثم إنها كانت تذكر اسم إبراهيم عليه السلام لكونه أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه جده الأعلى اهـ. والمعنى هجراني مقصور على اسمك أي على تسمية اسمك وذكره ولا يتجاوز إلى ذاتك الشريفة وقلبي وحبي إلى ذاتك كما كان اهـ دهني. قال القرطبي: تعني بذلك أنها وإن أعرضت عن ذكر اسمه في حالة غضبها فقلبها مغمور بمحبته صلى الله عليه وسلم لم يتغير منها شيء، وفي هذا ما يدل على ما كانا عليه من صفاء المحبة وحسن العشرة، وفيه ما يدل على أن الاسم غير المسمى اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 61 و 213]، والبخاري في مواضع منها في النكاح باب غيرة النساء ووجدهن [5228].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
6130 -
(00)(00)(وحدثناه) محمد (بن نمير حدثنا عبدة) بن سليمان الكلابي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن هشام بن عروة بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن عائشة، غرضه بيان متابعة عبدة لأبي أسامة، وساق عبدة الحديث السابق (إلى قوله) أي إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة:"وإذا كنت غضبى قلت: (لا ورب إبراهيم" ولم يذكر) عبدة في روايته (ما بعده) أي ما بعد قوله: (ورب إبراهيم) من قوله: (قالت قلت أجل) .. إلخ.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عائشة الأول بحديث آخر لها فقال:
6131 -
(2419)(172)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا عبد العزيز بن
مُحَمَّدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا كَانَتْ تَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَالتْ: وَكَانَت تَأْتِينِي صَوَاحِبِي. فَكُنَّ يَنْقَمِعْنَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَالتْ: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُسَرِّبُهُن إِلَيَّ
ــ
محمد) بن عبيد الدراوردي الجهني المدني، صدوق، من (8) روى عنه في (9) أبواب (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (أنها) أي أن عائشة (كانت تلعب بالبنات) أي بلعب يُسمى بلعب البنات والحال أنها كانت (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أي في بيته ومسكنه، واللعب بضم اللام وفتح العين جمع لعبة بضم اللام وسكون العين وهو ما يلعب به، والبنات جمع بنت وهي الجواري وأُضيفت إلى البنات لأنهن هن اللواتي يصنعنها ويلعبن بها، وقد تقدم القول في جواز ذلك وفي فائدته وأنه مستثنى من الصور الممنوعة لأن ذلك من باب تدريب النساء من صغرهن على النظر لأنفسهن وبيوتهن، وقد أجاز العلماء بيعهن وشراءهن غير مالك فإنه كره ذلك وحمله بعض أصحابه على كراهية الاكتساب بذلك (قالت) عائشة: (وكانت تأتيني صواحبي) وأترابي اللاتي، والصواحب جمع صاحبة، وفي الكلام تقديم وتأخير، والتقدير وكانت صواحبي وأصدقائي تأتيني في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلعبن معي بتلك اللعب (فكن) أي صواحبي إذا جئن إليّ ورسول الله صلى الله عليه وسلم حاضر (ينقمعن) أي يختفين ويتغيبن ويستترن في جانب البيت حياءً (من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهيبة منه، وفي القاموس يقال: انقمع الرجل من باب انفعل الخماسي إذا دخل البيت مستخفيًا (قالت) عائشة: (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسربهن) بضم الباء وتشديد الراء المكسورة من التسريب بمعنى الإرسال أي يسرب تلك الصواحب ويرسلهن (إليّ) بأذن أهلهن ليلعبن معي إذا خرج من عندي، قال النووي: وهذا من لطفه صلى الله عليه وسلم وحسن معاشرته أو المعنى إذا جاء النبي صلى الله عليه وسلم من خارج وهن يلعبن معي تغيبن واستترن منه صلى الله عليه وسلم في جانب البيت، ثم يدعوهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرسلهن إليّ ليلعبن معي، قال القرطبي: أي يرسلهن إليها ويسكنهن ويؤنسهن حتى يزول عنهن ما كان أصابهن منه فيرجعن يلعبن معها كما كن أولًا اهـ.
6132 -
(00)(00) حدّثناه أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وحَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشرٍ. كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَال فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ: كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ فِي بَيتِهِ، وَهُنَّ اللُّعَبُ.
6133 -
(2420)(174) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ. يَبْتَغُونَ بِذَلِكَ مَرْضَاةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
ــ
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 166]، والبخاري في الأدب باب الانبساط إلى الناس [6130]، وأبو داود في الأدب باب في اللعب بالبنات [4931]، والنسائي [6/ 131]، وابن ماجه [1982].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
6132 -
(00)(00)(حدثناه أبو كريب حدثنا أبو أسامة ح وحدثنا زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (ح وحدثنا) محمد (بن نمير حدثنا محمد بن بشر) العبدي الكوفي (كلهم) أي كل من أبي أسامة وجرير ومحمد بن بشر رووا (عن هشام) بن عروة (بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة، غرضه بسوق هذه الأسانيد الثلاثة بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لعبد العزيز بن محمد (وقال) زهير (في حديث جرير: كنت ألعب بالبنات) أي باللعب التي تسمى بالبنات (في بيته) صلى الله عليه وسلم ولا يمنعني (وهن) أي تلك البنات التي ألعب بهن (اللعب) أي المسماة بلعب البنات.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث عائشة الأول بحديث آخر لها رضي الله تعالى عنها فقال:
6133 -
(2420)(174)(حدثنا أبو كريب حدثنا عبدة) بن سليمان الكلابي الكوفي (عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (أن الناس كانوا يتحرون) أي يقصدون (بـ) إهداء (هداياهم) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (يوم) نوبة (عائشة) رضي الله تعالى عنها حالة كونهم (يبتغون) أي يطلبون (بذلك) أي بإهدائهم له في يوم نوبة عائشة (مرضاة) أي إرضاء (رسول الله صلى الله عليه وسلم بإهداءهم له في يوم نوبتها.
6134 -
(2421)(175) حدّثني الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِي وَأَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. (قَال عَبْدٌ: حَدَّثَنِي. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ
ــ
قوله: (كانوا يتحرون) .. إلخ أي ينتظرون اليوم الذي يبيت فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عائشة فيقدّمون إليه هداياهم في ذلك اليوم علمًا منهم بأنه صلى الله عليه وسلم يحب عائشة، قال المهلب: في هذا الحديث منقبة عظيمة ظاهرة لعائشة، وأنه لا حرج على المرء في إيثار بعض نسائه بالتحف، وإنما اللازم العدل في المبيت والنفقة ونحو ذلك من الأمور اللازمة وتعقبه ابن المنير بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك وإنما فعله الذين أهدوا له وهم باختيارهم في ذلك، وإنما لم يمنعهم النبي صلى الله عليه وسلم لأنه ليس من كمال الأخلاق أن يتعرض الرجل إلى الناس بمثل ذلك لما فيه من التعرض لطلب الهدية وأيضًا فالذي يهدي لأجل عائشة كأنه ملك الهدية بشرط، والتمليك يتبع فيه تحجير المالك مع أن الذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم كان يشرك غيرها من الأزواج في ذلك، وإنما وقعت المنافسة لكون العطية تصل إليهن من بيت عائشة اهـ من الفتح [5/ 208].
قوله: (يبتغون بذلك مرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه قصد الناس بالهدية أوقات المسرة ومواضعها ليزيد ذلك في سرور المُهدى إليه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها باب فضل عائشة [3775]، والترمذي في المناقب باب فضل عائشة [3879]، والنسائي في عشرة النساء باب حب الرجل بعض نساءه أكثر من بعض [3944 إلى 3945 و 3951].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث عائشة الأول بحديث آخر لها رضي الله تعالى عنها فقال:
6134 -
(2421)(175)(حدثني الحسن بن علي الحلواني) الخلال الهذلي المكي، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (وأبو بكر) محمد أو أحمد (بن النضر) بن أبي النضر هاشم بن القاسم البغدادي، ثقة، من (11) روى عنه في (7) أبواب (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11) (قال عبد: حدثني وقال الآخران: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزهري المدني، ثقة، من (9) روى عنه في
حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ؛ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالتْ: أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ، بِنْتَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيهِ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ مَعِي فِي مِرْطِي، فَأَذِنَ لَهَا. فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيكَ يَسأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ
ــ
(5)
أبواب (حدثني أبي) إبراهيم بن سعد، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (15) أبواب (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (23) بابا (أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام) القرشي المخزومي أخو أبي بكر بن عبد الرحمن، روى عن عائشة في الفضائل، ويروي عنه (م س) والزهري، قال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وقال النسائي: ثقة، وقال ابن معين: ليس حديثه بشيء، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته (قالت) عائشة:(أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنت) فاطمة في الدخول (عليه) صلى الله عليه وسلم (وهو) صلى الله عليه وسلم (مضطجع معي في مرطي) وكسائي (فأذن لها) رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدخول عليه فدخلت عليه وهو مضطجع معي في مرطي كما هو ظاهر لفظ الحديث، قال القرطبي: ودخول فاطمة وزينب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مع عائشة في مرطها دليل على جواز مثل ذلك إذ ليس فيه كشف عورة ولا ما يستقبح على من فعل ذلك مع خاصته وأهله اهـ من المفهم (فقالت) فاطمة: (يا رسول الله إن أزواجك أرسلني إليك يسألنك العدل) والتسوية (في) المحبة بينهن وبين عائشة (ابنة) أبي بكر بن (أبي قحافة) رضي الله عنهم، قال النووي رحمه الله تعالى: معناه يسألنك التسوية بينها وبينهن في المحبة وكان صلى الله عليه وسلم يسوي بينهن في الأفعال والمبيت ونحوه، وأما محبة القلب فكان يحب عائشة أكثر منهن، وأجمع المسلمون على أن محبتهن لا تكليف فيها ولا يلزمه التسوية فيها لأنه لا قدرة لأحد عليها إلا الله سبحانه وتعالى، وإنما يؤمر العدل في الأفعال قال القرطبي: وطلب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم منه العدل
وأَنَا سَاكِتَةٌ. قَالتْ: فَقَال لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَي بُنَيَّةُ، أَلَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ؟ " فَقَالتْ: بَلَى. قَال: "فَأَحِبِّي هَذِهِ" قَالتْ: فَقَامَت فَاطِمَةُ حِينَ سَمِعَتْ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَرَجَعَتْ إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَأَخبَرَتْهُنَّ بِالَّذِي قَالتْ، وَبِالَّذِي قَال لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْنَ لَهَا: مَا نَرَاكِ أَغْنَيتِ عَنَّا مِنْ شَيءٍ. فَارْجِعِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُولِي لَهُ: إِن أَزْوَاجَكَ ينَشُدْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ
ــ
بينهن وبين عائشة ليس على معنى أنه جار عليهن فمنعهن حقًّا هو لهن لأنه صلى الله عليه وسلم منزه عن ذلك ولأنه لم يكن العدل بينهن واجبًا عليه كما قدمنا في كتاب النكاح لكن صدر ذلك منهن بمقتضى الغيرة والحرص على أن يكون لهن مثل ما كان لعائشة رضي الله تعالى عنها من إهداء الناس له إذا كان في بيوتهن فكأنهن أردن أن يأمر من أراد أن يُهدي له شيئًا أن لا يتحرى يوم عائشة رضي الله تعالى عنها ولذلك قال: (وكان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة) ويحتمل أن يقال: إنهن طلبن منه أن يسوي بينهن في الحب ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله تعالى عنه: "ألست تحبين من أحب؟ " قالت: بلى، قال:"فأحبي هذه" وكلا الأمرين لا يجب العدل فيه بين النساء، أما الهدية فلا تطلب من المهدي فلا يتعين لها وقت، وأما الحب فغير داخل قدرة الإنسان ولا كسبه اهـ من المفهم، قالت عائشة:(وأنا ساكتة، قالت) عائشة: (فقال لها) أي لفاطمة (رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بنية) أي يا بنيتي (ألست) أنت (تحبين ما أحب؟ فقالت) فاطمة: (بلى) أي ليس الأمر عدم محبتي لما تحب بل أحب ما أحب ما تحبه فـ (قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأحبي هذه) الحميراء (قالت) عائشة: (فقامت فاطمة حين) ما (سمعت ذلك) الكلام (من رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعت) فاطمة (إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتهن بـ) الكلام (الذي قالته) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (وبـ) الكلام (الذي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقلن) أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (لها) أي لفاطمة (ما نراك) أي ما نظنك (أغنيت) أي دفعت (عنا) شيئًا من مكارهنا وحصلت لنا من مرادنا ومطلبنا (من شيء) قليل ولا كثير كلًّا ولا بعضًا (فارجعي) يا فاطمة مرة ثانية (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولي له) صلى الله عليه وسلم: (إن أزواجك ينشدنك) من باب نصر أي يسألنك بالله (العدل) والتسوية (في) الحب بينهن وبين (ابنة) أبي بكر بن (أبي قحافة)
فَقَالت فَاطِمَةُ: وَاللهِ، لَا أُكَلِّمُهُ فِيهَا أَبَدًا. قَالت عَائشَةُ: فَأَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم زينَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تسَامِينِي مِنْهُنَّ فِي الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَلَم أَرَ امْرَأَةً قَط خَيرًا فِي الدِّينِ مِنْ زينَبَ. وَأَتْقَى لِلهِ، وَأَصْدَقَ حَدِيثًا، وَأَوْصَلَ لِلرَّحِم، وَأَعْظَمَ صَدَقَةً، وَأَشَدَّ ابْتِذَالًا لِنَفْسِهَا فِي الْعَمَلِ الَّذِي تَصَدَّقُ بِهِ، وَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللهِ تَعَالى
ــ
اسمه عثمان بن عامر بن عمرو التيمي، والد أبي بكر، وليس مرادهن بالعدل ما يقابله الظلم والجور فإنه لا يتصور من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن ينسبن مثل ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما مرادهن التسوية بما هو من مقتضيات العدل في زعمهن، صهان لم يكن من مقتضياته في نفس الأمر فكأنهن إنما أردن لفت نظره صلى الله عليه وسلم إلى ما زعمنه خفي عليه صلى الله عليه وسلم (فقالت فاطمة) لهن:(والله لا أكلمه) صلى الله عليه وسلم (فيها) أي في شأن ابنة أبي قحافة (أبدًا) أي في جميع الأزمنة المستقبلة من عمري لأن أبدًا ظرف مستغرق لما يستقبل من الزمان (قالت عائشة: فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش) بن رئاب بن يعمر بن صبرة الأسدية المدنية (زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي) أي زينب المرأة (التي كانت تساميني) أي تعادلني وتضاهيني وتقاربني وتطاولني وترافعني وتعادلني (منهن) أي من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (في المنزلة) والمكانة والحظوة والمحبة (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مأخوذ من السمو وهو العلو والرفعة تعني أنها كانت تتعاطى أن يكون لها من الحظوة والمنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما كان لعائشة عنده، قالت عائشة: (ولم أر) أنا (امرأة قط) أي فيما مضى من عمري كانت (خيرًا) وأفضل (في الدين) والعبادة والعمل الصالح (من زينب) بنت جحش (و) لا امرأة (أتقى) وأخشع (لله) تعالى من زينب (و) لا امرأة (أصدق حديثًا) أي أكثر صدقًا في الحديث من زينب (و) لا امرأة (أوصل للرحم) أي أكثر صلة للرحم والقرابة من زينب (و) لا امرأة (أعظم صدقة) أي أكثر صدقة وصرفًا للمال في سبيل الله للمحتاج من زينب (و) لا امرأة (أشد) أي أكثر (ابتذالًا) وامتهانًا (لنفسها) وتذليلًا لها (في العمل الذي) يوصلها إلى ما (تصدق) وتصرف (به) للمحتاج من المال (وتقرّب) مضارع تقرب الخماسي من باب تفعل بحذف إحدى التاءين لتوالي الأمثال أي وتطلب القرب (به) أي بصرفه للمحتاج (إلى الله تعالى) منزلة ودرجة في الآخرة، والابتذال في العمل من البذلة وهي الامتهان
مَا عَدَا سَوْرَةً مِنْ حَدٍّ كَانَتْ فِيهَا. تُسْرِعُ مِنْهَا الْفيئَةَ
ــ
بالعمل والخدمة والشغل فكانت زينب تعمل بيديها عمل النساء من الغزل والنسيج وغير ذلك مما جرت به عادة النساء بعمله والكسب به، وكانت تتصدق بذلك وتصل به ذوي رحمها وهي التي كانت أطولهن يدًا بالعمل والصدقة وهي التي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيها:"أسرعكن لحاقًا بي أطولكن يدًا" وسيأتي إن شاء الله تعالى في مناقبها، وفي الحديث ما يدل على جواز صدقة المرأة مما تكسبه في بيت زوجها من غير أمره اهـ من المفهم، وقال القاضي عياض: وقد أثنت عليها عائشة بهذه الخصال الحميدة ففيه جواز اعتمال المرأة بيدها وكسبها في بيت زوجها والصدقة بإذنه أو بغير إذنه اهـ من الأبي، وأثنت عليها عائشة رضي الله تعالى عنهما بهذه الأخلاق الكريمة فكأن عائشة قالت فلها أخلاق كريمة وخصال شريفة (ما عدا سورة) وسرعة وعجلة (من حدة) وغضب، وقوله:(كانت) تلك السورة والعجلة (فيها) أي في زينب في محل النصب صفة لسورة وكذا قوله: (تسرع منها الفيئة) أي الرجوع صفة ثانية لسورة أي ما عدا سورة من حد أي سرعة من غضب تسرع زينب الفيئة والرجوع منها أي من تلك السورة، تعني عائشة أنها سريعة الغضب لشدة خلقها سريعة الرجوع منه، والسورة الشدة والثوران والحد بفتح الحاء وتشديد الدال بمعنى الحدة بكسر الحاء في آخره هاء، وقد وقع في بعض النسخ بهذا اللفظ، والحدة هنا بمعنى الغضب والمراد أن زينب كانت فيها خصال محمودة غير أنها كانت سريعة الغضب.
قوله: (تسرع منها الفيئة) والفيئة الرجوع والمعنى أنها كما كانت تسرع إلى الغضب تسرع إلى الهدوء أيضًا فهي سريعة الغضب سريعة الهدوء اهـ من التكملة.
قال القرطبي: وقولها: (ما عدا سورة من حدة كانت فيها تسرع منها الفيئة) ما عدا وما خلا من أدوات الاستثناء وهما مع ما فعلان ينصبان ما بعدهما على الأفصح المشهور ومع عدم (ما) حرفا جر يخفضان ما بعدهما لأنهما حرفان من حروف الجر على الأعرف الأشهر، والسورة بفتح السين الشدة والثوران ومنه سورة الشراب أي قوته وحدّته أي يعتريها ما يعتري الشارب من الشراب، ويروى هذا الحرف (ما عدا سورة حد) بفتح الحاء من غير تاء تأنيث أي سرعة غضب، والفيئة الرجوع ولأجل هذه الحدة وقعت بعائشة واستطالت عليها أي أكثرت عليها من القول والعتب وعائشة رضي الله تعالى عنها ساكتة تنتظر الأذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الانتصار فلما
قَالتْ: فَاسْتأْذَنَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ عَائِشَةَ فِي مِرْطِهَا. عَلَى الْحَالةِ التِي دَخَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَيهَا وَهُوَ بِهَا. فَأَذِنَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيكَ يَسْأَلنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ. قَال: ثُمَّ وَقَعَت بِي، فَاسْتَطَالتْ عَلَى. وَأَنَا أَرْقُبُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَرْقُبُ طَرْفَهُ، هَلْ يَأْذَنُ لِي فِيهَا. قَالتْ: فَلَمْ تَبْرَحْ زَينَبُ حَتَّى عَرَفْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَكْرَهُ أَنْ أَنْتَصِرَ
ــ
علمت أنه لا يكره ذلك من قرائن أحواله انتصرت لنفسها فجاوبتها وردت عليها قولها حتى أفحمتها، وكانت زينب لما بدأتها بالعتب واللوم كانت كأنها ظالمة فجاز لعائشة أن تنتصر لقوله تعالى:{وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)} [الشورى: 41].
(قالت) عائشة: (فاستأذنت) معطوف على قوله فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب أي فأرسلنها فجاءت فاستأذنت في الدخول (على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجع (مع عائشة في مرطها) وكسائها حالة كونه (على الحالة التي دخلت فاطمة عليها وهو) صلى الله عليه وسلم متصف (بها) أي بتلك الحالة (فأذن لها) أي لزينب (رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدخول عليه معطوف على استأذنت فدخلت زينب (فقالت: يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في) المحبة بينهن وبين (ابنة أبي قحافة، قالت) عائشة: (ثم وقعت) زينب (بي) أي في عرضي وسبتني وذمتني ولامتني (فاستطألت عليّ) بلسانها ووثبت عليّ بكلامها وصالتني به (وأنا) أي والحال أني (أرقب) وأنتظر (رسول الله صلى الله عليه وسلم أي كلامه هل يأمرها بالسكوت عني أو يأذن لي في الانتصار منها (وأرقب) أي انظر (طرفه) أي طرف عينه وجفنها (هل يأذن لي فيها) أي في الوقيعة في زينب بالإشارة (قالت) عائشة: (فلم تبرح) أي لم تزل (زينب) تقع في عرضي وتسبني (حتى عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكره أن أنتصر) وأنتقم منها، قوله:(لا يكره أن أنتصر) قال القاضي عياض: ليس فيه أنه أذن لها ولا غمزها وإن قالت أرقب طرفه لحديث: "ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين" وإنما فهمت ذلك حين رأى تطلبها لذلك ولم ينهها، ألا ترى كيف قال إنها ابنة أبي بكر، وهذا يدل على أنه وافقها في أنها
قَالتْ: فَلَمَّا وَقَعْتُ بِهَا لَمْ أَنْشَبْهَا حِينَ أَنْحَيتُ عَلَيهَا. قَالتْ: فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَتَبَسَّمَ: "إِنَّهَا ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ"
ــ
ابتدأتها ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)} وقيل: بل أذن لها لتنتصف منها فلا يبقى على زينب تباعة، ولا يبقى في نفس عائشة بغيضة ثم يرجعان إلى حال الصحبة اهـ من الأبي (قالت) عائشة:(فلما وقعت) أي أصبت (بها) أي بعرضها أي فلما أصبت بعرضها ونلت منه بالسب والذم (لم أنشبها) أي لم أمهلها ولم أترك من عرضها شيئًا (حين أنحيت) وواثبت (عليها) أي على عرضها بالذم والتقبيح والشتم أو المعنى حتى أنحيت أي حين قصدت معارضتها، وجواب كلامها وَرَدَّ ما قالت لي عليها، ويُروى (حتى أنحيت عليها) والمعنى حينئذٍ فلما وقعت وأصبت بعرضها كما أصابتني لم أنشبها أي لم أمهلها ولم أترك لها وقتًا لنيل عرضي حتى أنحيت وأكثرت عليها الكلام وبالغت في الرد عليها وقهرتها وأعجزتها وأسكتها عن الكلام معي (قالت) عائشة:(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: و) الحال أنه قد (تبسم) أي ضحك ضحكة التبسم (إنها) أي إن هذه الحميراء التي أسكتت زينب وقطعت كلامها هي (ابنة أبي بكر) الصديق رضي الله عنهما. قال القاضي عياض: وهذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم إشارة إلى كمال فهمها وحسن نظرها اهـ، وقال القرطبي: هذا الكلام منه صلى الله عليه وسلم تنبيه على أصلها الكريم الذي نشأت عنه واكتسبت الجزالة والبلاغة والفضيلة منه وطيب الفروع بطيب عروقها وغذاؤها من عروقها كما قال الشاعر:
طيب الفروع من الأصول ولم ير
…
فرع يطيب وأصله الزقوم
ففيه مدح عائشة وأبيها رضي الله تعالى عنهما. وهذا الحديث تفصيل للحديث الذي قبله وذاك قطعة من هذا.
وشارك المؤلف في روايته أحمد [6/ 88]، والبخاري في مواضع منها في الهبة باب من أهدى إلى صاحبه وتحرى بعض نسائه دون بعض [2580 و 2581]، والنسائي [64/ 7 - 66].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
6135 -
(00)(00) حدّثنيه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُهْزَاذَ. قَال: عَبدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِي، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثلَهُ فِي الْمَعْنَى. غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَلَمَّا وَقَعْتُ بِهَا لَمْ أَنْشَبْهَا أَنْ اثْخَنْتُهَا غَلَبَةً.
6136 -
(2422)(176) وحدّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. قَال. وَجَدْتُ فِي كِتَابِي عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم
ــ
6135 -
(00)(00)(حدثنيه محمد بن عبد الله بن قهزاذ) المروزي، ثقة، من (11) روى عنه في (7) أبواب (قال) محمد بن قهزاذ (عبد الله بن عثمان) بن جبلة الأزدي المروزي، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب، وهو مبتدأ خبره قوله:(حدثنيه) أي حدثني هذا الحديث (عن عبد الله بن المبارك) بن واضح الحنظلي المروزي، ثقة، من (8) روى عنه في (10) أبواب (عن يونس) بن يزيد الأيلي، ثقة، من (7) عن الزهري بهذا الإسناد يعني عن محمد بن عبد الرحمن عن عائشة. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة يونس لصالح بن كيسان، وساق يونس (مثله) أي مثل حديث صالح بن كيسان (في المعنى) لا في اللفظ (غير أنه) أي لكن أن يونس (قال) في روايته قالت عائشة:(فلما وقعت) وأصبت (بها) أي بعرضها (لم أنشبها) أي لم أتركها حتى (أن أثخنتها) وأضعفتها وأسكتها (فلبة) عليها وقهرًا لها في المشاتمة.
قوله: (أن أثخبتها غلبة) قال القاضي عياض: يحتمل أن هذه الرواية أصح والأولى مغيرة عنها مصحفة والله أعلم، ومعنى أثخنتها غلبة بالغت في الرد عليها وقهرتها اهـ من الأبي.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث عائشة الأول بحديث آخر لها فقال:
6136 -
(2422)(176)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: وجدت في كتابي) وثبتي حرف (عن أبي أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (قالت) عائشة: (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إن مخففة
لَيَتَفَقَّدُ يَقُولُ: "أَينَ أنَا الْيَوْمَ؟ أَينَ أَنَا غَدًا؟ " اسْتِبْطَاءَ لِيَوْمِ عَائِشَةَ. قَالت: فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي قَبَضَهُ اللهُ بَينَ سَحْرِي وَنَحْرِي.
6137 -
(2423)(177) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا أَخبَرَتهُ؛ أَنَّهَا سَمِعَت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ قَبلَ أَنْ يَمُوتَ، وَهُوَ مُسْنِدٌ إِلَى صَدْرِهَا،
ــ
من الثقيلة أي إن الشأن والحال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليتفقد) ويبحث ويسأل عن أيام نوبه ودورانه على أزواجه في مرض موته، حالة كونه (يقول أين) أكون (أنا اليوم؟ أين) أكون (أنا غدًا؟ استبطاءًا) أي عدًا (ليوم) نوبة (عائشة) بطيئًا متأخرًا عنه (قالت) عائشة:(فلما كان يومي) أي فلما جاء يوم نوبتي أي يومها الأصيل بحساب الدور والقسم وإلا فقد كان في جميع الأيام في بيتها باتفاق جميع الأزواج على ذلك وإذنهن فيه (قبضه الله) أي قبض الله سبحانه وتعالى روحه الشريفة مسندًا رأسه على ما (بين سحري) ورئتي (ونحري) وحلقي، والرواية الصحيحة سحري بسين مفتوحة غير معجمة والسحر الرئة والنحر أعلى الصدر وأرادت أنه صلى الله عليه وسلم توفي وهو مستند إلى صدرها، وحُكي عن عمارة بن عقيل بن بلال أنه قال: إنما هو (شجري) بالشين المعجمة والجيم وشبك بين أصابعه وأومأ إلى أنها ضمته إلى صدرها مشبكة يديها عليه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 48]، والبخاري في مواضع منها باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم [4438].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سادسًا لحديث عائشة الأول بحديث آخر لها رضي الله عنها فقال:
6137 -
(2423)(177)(حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس فيما قرئ عليه) فهو بمعنى أخبرنا (عن هشام بن عروة عن عباد بن عبد الله بن الزبير) الأسدي المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (أنها) أي أن عائشة (أخبرته) أي أخبرت لعباد (أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت وهو) صلى الله عليه وسلم (مسند) ظهره (إلى صدرها
وَأَصْغَت إِلَيهِ وَهُوَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ".
6138 -
(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ. كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ
ــ
و) الحال أنها قد (أصغت) واستمعت (إليه) صلى الله عليه وسلم (وهو) صلى الله عليه وسلم (يقول: اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق) أي بالجماعة الذين يسكنون في أعلى عليين من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وهذا المعنى هو الأولى لأنه هو الذي دل عليه قوله تعالى:{فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] وتخيير الله للأنبياء عند الموت مبالغة في إكرامهم وفي ترفيع مكانتهم عند الله تعالى وليستخرج منهم شدة شوقهم ومحبتهم لله تعالى ولما عنده اهـ من المفهم. والرفيق اسم جاء على وزن فعيل ومعناه الجماعة كالصديق والخليل، وقيل معنى ألحقني بالرفيق الأعلى أي بالله تعالى يقال: الله رفيق من الرفق والرأفة وهو فعيل بمعنى فاعل اهـ قسطلاني، قال القاضي عياض: الرفيق يقال للواحد والجميع بلفظ واحد اهـ.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 231]، والبخاري في مواضع منها في المغازي باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم [4440]، والترمذي [3496].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
6138 -
(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا أبو أسامة ح وحدثنا) محمد (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبدة بن سليمان) الكلابي الكوفي (كلهم) أي كل من هؤلاء الثلاثة من أبي أسامة وعبد الله بن نمير وعبدة بن سليمان رووا (عن هشام) بن عروة، غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لمالك بن أنس وساقوا (بهذا الإسناد) يعني عن عباد بن عبد الله عن عائشة (مثله) أي مثل ما حدّث مالك بن أنس.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سابعًا لحديث عائشة الأول بحديث آخر لها رضي الله عنهما فقال:
6139 -
(2424)(178) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى)، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالتْ: كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّهُ لَنْ يَمُوتَ نَبِيٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ بَينَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. قَالتْ: فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَأَخَذَتْهُ بُحَّةٌ، يَقُولُ:{مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69].
قَالتْ: فَظَنَنْتُهُ خُيِّرَ حِينَئِذٍ
ــ
6139 -
(2424)(178)(وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن عروة عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته (قالت) عائشة:(كنت أسمع) من النبي صلى الله عليه وسلم وهو صحيح كما هو مصرح في الرواية الآتية (أنه) أي أن الشأن والحال (لن يموت نبي) من الأنبياء (حتى يخيّر) من الله (بين) المقام في (الدنيا و) بين الانتقال إلى (الآخرة) تكرمة له (قالت) عائشة: (فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه و) الحال أنه قد (أخذته بحة) بضم الباء وتشديد الحاء المهملة شيء يعرض في الحلق فيتغير له الصوت فيغلظ يقال: بححت بكسر الحاء بُحًا إذا كان فيه ذلك خلقة، وفي تعليق الدهني البحة هي غلظة وخشونة تعرض في مجاري النفس فيغلظ الصوت اهـ، أي سمعته (يقول): اللهم اجعلني {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69](قالت) عائشة: (فظننته) صلى الله عليه وسلم (خُيّر) بين الدنيا والآخرة (حينئذٍ) أي حين إذ يقول مع الذين أنعم الله عليهم فاختار الآخرة، وفي رواية أبي بردة عن أبي موسى عند النسائي وصححه ابن حبان فقال:"أسأل الله الرفيق الأعلى الأسعد مع جبريل وميكائيل وإسرافيل" وظاهره أن الرفيق المكان الذي تحصل فيه المرافقة مع المذكورين، قوله:(وحسن أولئك رفيقًا) قال السهيلي: ونكتة الإتيان بهذه الكلمة بالإفراد الإشارة إلى أن أهل الجنة يدخلونها على قلب رجل واحد اهـ فتح الباري [8/ 137].
6140 -
(00)(00) حدّثناه أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
6141 -
(2425)(179) حدّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي. حَدَّثَنِي عُقَيلُ بْنُ خَالِدٍ. قَال: قَال ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ،
ــ
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في كتاب المغازي باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته [4435 إلى 4436]، والترمذي في الدعوات باب الاستعاذة من عذاب القبر [3490]، وابن ماجه في كتاب الجنائز باب ما جاء في ذكر مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم [1620].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
6140 -
(00)(00)(حدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (قالا) أي قال وكيع ومعاذ بن معاذ: (حدثنا شعبة عن سعد) بن إبراهيم، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة وكيع ومعاذ بن معاذ لمحمد بن جعفر وساقا (بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة (مثله) أي مثل ما حدّث محمد بن جعفر عن شعبة.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثامنًا لحديث عائشة الأول بحديث آخر لها رضي الله عنها فقال:
6141 -
(2425)(179)(حدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد) الفهمي المصري، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (حدثني أبي) شعيب بن الليث، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (عن جدي) ليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي المصري، ثقة، من (7) روى عنه في (15) بابا (حدثني عقيل بن خالد) الأموي المصري، ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (قال) عقيل:(قال ابن شهاب: أخبرني سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (17) بابا (وعروة بن الزبير) بن العوام الأسدي المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (20) بابا
فِي رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالت: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ وَهُوَ صَحِيحٌ: "إِنَّهُ لَمْ يُقْبَض نَبِيٌّ قَطُّ، حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ فِي الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُخَيَّرَ" قَالتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي، غُشِيَ عَلَيهِ سَاعَةً ثُمَّ أَفَاقَ، فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى السَّقْفِ، ثُمَّ قَال:"اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى".
قَالتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ: إِذًا لَا يَخْتَارَنَا.
قَالتْ عَائِشَةُ: وَعَرَفْتُ الْحَدِيثَ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا بِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي قَوْلِهِ:
ــ
حالة كونهما كائنين (في رجال) أي مع رجال (من أهل العلم) والحديث، والجهالة في المقرون لا تضر في السند (أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت): وهذا السند من سباعياته كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وهو) أي والحال أنه (صحيح) غير مريض (إنه) أي أن الشأن والحال (لم يُقبض نبي) من الأنبياء (قط) أي فيما مضى من الزمان (حتى يُرى) بضم الياء على صيغة المجهول وبفتحها على صيغة المعلوم (مقعده) أي مقره ومنزله (في الجنة ثم يُخيّر) بالنصب على صيغة المجهول معطوف على يرى، وبالرفع على أنه خبر لمحذوف؛ أي ثم هو يخيّر بين المقام في الدنيا والتحول إلى الآخرة (قالت عائشة: فلما نزل) الموت أو ملكه (برسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه) أي والحال أن رأسه (على فخذي) أولًا تعني أن رأسه الشريف أولًا كان على فخذي ثم رفع إلى سحري ونحري لتضيق نفسه عليه صلى الله عليه وسلم فلا منافاة بين هذه الرواية والرواية السابقة (غشي عليه) أي أُغمي عليه (ساعة) أي قطعة قليلة من الزمن (ثم أفاق) وصحا من إغمائه (فأشخص بصره إلى السقف) أي رفع بصره إلى سقف البيت، قال القرطبي: أي حدّد نظره إلى سقف البيت كما تفعل الموتى اهـ (ثم) بعدما أشخص بصره (قال: اللهم) أريد (الرفيق الأعلى) أو أختار مرافقة الرفيق الأعلى لا المقام في الدنيا (قالت عائشة: قلت) في نفسي (إذًا لا يختارنا) أي إذا اختار مرافقة الرفيق الأعلى فلا يختارنا أي فلا يختار المقام معنا في الدنيا (قالت عائشة) بالسند السابق (وعرفت) أي تذكرت (الحديث الذي كان يحدّثنا به وهو صحيح في قوله) أي من
"إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ. ثُمَّ يُخَيَّرَ".
قَالتْ عَائِشَةُ: فَكَانَتْ تِلْكَ آخِرُ كَلِمَةِ تَكَلَّمَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلَهُ: "اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى".
6142 -
(2426)(180) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. كِلاهُمَا عَنْ أَبِي نُعَيمٍ. قَال عَبْدٌ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيمٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ
ــ
قوله (إنه لم يُقبض نبي قط حتى يرى مقعده) ومقره ومنزله (من الجنة ثم يخيّر، قالت عائشة) أيضًا (فكانت تلك) الكلمة التي هي قوله: "اللهم الرفيق الأعلى" واسم الإشارة في محل الرفع اسم كان، وقوله:(آخر كلمة تكلم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا بالنصب خبرها وهو أولى من عكسه كما يوهمه تشكيل المتن بالرفع لأن اسم الإشارة معرفة فكان أحق بأن يكون اسم كان إلا أن يقال إن في الكلام معنى الحصر والمعنى حينئذٍ ما كان آخر كلمة تكلم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تلك الكلمة تعني عائشة باسم الإشارة (قوله) صلى الله عليه وسلم: (اللهم الرفيق الأعلى).
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 89]، والبخاري أخرجه في كتاب المغازي باب آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم [4463] وأخرجه أيضًا في كتاب الدعوات باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم الرفيق الأعلى [6348] وأخرجه أيضًا في كتاب الرقاق باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه [6509] اهـ تحفة الأشراف.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى تاسعًا لحديث عائشة بحديث آخر لها رضي الله عنها فقال:
6142 -
(2426)(180)(حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي (كلاهما) رويا (عن أبي نعيم) التميمي الملائي بضم الميم الفضل بن دكين بن حماد بن زهير الكوفي الأحول، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (قال عبد) بن حميد:(حدثنا أبو نعيم) بصيغة السماع لا بالعنعنة (حدثنا عبد الواحد بن أيمن) المخزومي مولاهم أبو القاسم المكي، قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، قال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات،
الْوَاحِدِ بْنُ أَيمَنَ. حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إِذَا خَرَجَ، أَقْرَعَ بَينَ نِسَائِهِ. فَطَارَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ، فَخَرَجَتَا مَعَهُ جَمِيعًا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إِذَا كَانَ بِاللَّيلِ، سَارَ مَعَ عَائِشَةَ، يَتَحَدَّثُ مَعَهَا
ــ
وقال في التقريب: لا بأس به، من (5) روى عنه في (2) النكاح والفضائل (حدثني) عبد الله بن عبيد الله (بن أبي مليكة) زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي المكي، ثقة، من (3) روى عنه في (20) بابا (عن القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق التيمي المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن) عمته (عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته (قالت) عائشة:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج) في بعض أسفاره: (أقرع بين نسائه) وأزواجه، وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك مبالغة في تطييب قلوبهن إذ لم يكن القسم واجبًا عليه على خلاف المتقدم، وليست القرعة في هذا واجبة عند مالك لأنه قد يكون لبعض النساء من الغناء في السفر والمنفعة والصلاحية ما لا يكون لغيرها فتتعين الصالحة لذلك ولأن من وقعت القرعة عليها لا تُجبر على السفر مع الزوج إلى الغزو والتجارة وما أشبه ذلك، وإنما القرعة بينهن من باب تحسين العشرة إذا أردن ذلك وكن صالحات له، وقال أبو حنيفة بإيجاب القرعة في هذا وهو أحد قولي الشافعي ومالك أخذًا بظاهر هذا الحديث اهـ من المفهم.
وفي الحديث دليل على أن مدة السفر خارجة عن القسم بين الزوجات، وللزوج أن يختار من شاء منهن لمرافقته في السفر ولكن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرع بين نسائه تطييبًا لقلوبهن، وفيه جواز القرعة في مثل ذلك ولا تجوز القرعة عند الحنفية لإثبات الحقوق وإنما تجوز لتعيين أحد المحتملات المباحة.
(فطارت) أي خرجت (القرعة على عائشة وحفصة فخرجتا معه) صلى الله عليه وسلم، حالة كونهما (جميعًا) أي مجتمعين في الخروج معه (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك السفر (إذا كان بالليل) أي في الليل (سار) ومشى (مع عائشة) رضي الله تعالى عنها، حالة كونه (يتحدث معها) أي مع عائشة لزيادة حبه لها، ظاهره أنه لم يكن يقسم بين عائشة وحفصة في المسير والحديث وأن ذلك كان مع عائشة دائمًا دون
فَقَالتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: أَلا تَرْكَبِينَ اللَّيلَةَ بَعِيرِي وَأَرْكَبُ بَعِيرَكِ، فَتَنْظُرِينَ وَأَنْظُرُ؟ قَالتْ: بَلَى، فَرَكِبَتْ عَائِشَةُ عَلَى بَعِيرِ حَفْصَةَ، وَرَكِبَتْ حَفْصَةُ عَلَى بَعِيرِ عَائِشَةَ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى جَمَلِ عَائِشَةَ، وَعَلَيهِ حَفْصَةُ، فَسَلَّمَ ثُمَّ سَارَ مَعَهَا، حَتَّى نَزَلُوا، فَافْتَقَدَتْهُ عَائِشَةُ
ــ
حفصة، ولذلك تحيلت حفصة حتى سار وتحدث معها فيحتمل أن هذا القدر لا يجب القسم فيه إذ الطريق ليس محل خلوة ولا يحصل لها به اختصاص، ويحتمل أن يقال: إن القدر الذي يقع فيه التسامح من السير والتحدث مع إحداهما هو الشيء اليسير كما يفعل في الحضر فإنه يتحدث ويسأل وينظر في مصلحة بيت التي لا يكون في نوبتها ولكن لا يكثر من ذلك ولا يطيله وعلى هذا فيكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما أدام ذلك لأن أصل القسم لم يكن واجبًا عليه والله أعلم اهـ من المفهم. ولم يختلف الفقهاء في أن الحاضرة لا تحاسب المسافرة فيما مضى لها مع زوجها في السفر وكذلك لم يختلفوا في أنه يقسم بين الزوجات في السفر كما يقسم بينهن في الحضر، وقد ذكرنا الاحتمال الذي في السير والحديث اهـ منه (فقالت حفصة لعائشة: ألا) بالتخفيف أداة عرض وهو الطلب برفق ولين نظير قولهم ألا تنزل عندنا فتصيب خيرًا أي ألا (تركبين) هذه (الليلة بعيري وأركب بعيرك فتنظرين) بعيري (و) أنا (أنظر) بعيرك (قالت) عائشة: (بلى) أركب بعيرك وتركبين بعيري (فركبت عائشة على بعير حفصة وركبت حفصة على بعير عائشة فجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جمل عائشة وعليه حفصة فسلم) رسول الله صلى الله عليه وسلم على حفصة (ثم صار معها) أي مع حفصة يتحدث معها (حتى نزلوا) آخر الليل للتعريس (فافتقدته عائشة) أي ففقدت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة.
وقول حفصة لعائشة: (ألا تركبين بعيري) .. إلخ هذا حيلة منها تمت لها على عائشة لصغر سن عائشة وسلامة صدرها عن المكر والحيل إذ لم تجرب الأمور بعد ولا درك ولا تبعة على حفصة فيما فعلت من جهة أنها أخذت حقًّا هو لعائشة لأن السير والحديث إن لم يدخل في القسم فهي وعائشة فيه سواء، فأرادت حفصة أن يكون لها حظ من الحديث والسير معه، وإن كان ذلك واجبًا فقد توصلت إلى ما كان لها وإنما يكون عليها الدرك من حيث إنها خالفت مراد النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه فقد يريد أن يحدّث عائشة حديثًا يسرّ به إليها أو يختص بها فتسمعه حفصة وهذا لا يجوز
فَغَارَتْ، فَلَمَّا نَزَلُوا جَعَلَتْ تَجْعَلُ رِجْلَهَا بَينَ الإِذْخِرِ وَتَقُولُ: يَا رَبِّ، سَلِّطْ عَلَيَّ عَقْرَبًا، أَوْ حَيَّةً تَلْدَغُنِي، رَسُولُكَ وَلَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقُولَ لَهُ شَيئًا
ــ
بالاتفاق لكن حملها على اقتحام ذلك الغيرة التي تورث صاحبها الدهش والحيرة اهـ من المفهم، قال القاضي عياض: قال المهلب: تحيل حفصة في الإكثار منه صلى الله عليه وسلم يدل على أن القسم عليه غير واجب لأنها لم تفعل إلا ما أباحه لها، وليس قوله بالبين لأن القائل بوجوب القسم لا يمنع حديث الأخرى في وقت غير معتاد للقسم لأن السير والحديث لم يدخل في القسم فهي وعائشة فيه سواء فأرادت حفصة أن تستكثر من السير والحديث معه، ولو كان ذلك حقًّا لعائشة لكان لحفصة مثله وليس على حفصة في ذلك درك لأنها طلبت الخير لنفسها وليس حقًّا واجبًا لغيرها، وسيره صلى الله عليه وسلم مع حفصة وحديثه معها بعد معرفته بها دليل على جوازه ولو كان غير جائز لم يقره ولم يسامح فيه كما لم يسامح في تمريضه في بيت عائشة إلا بإذن منهن مع جواز ذلك كله اهـ من الأبي.
(فغارت) عائشة على تحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لحفصة وسيره معها (فلما نزلوا) في الليل للتعريس (جعلت) أي شرعت عائشة أن (تجعل رجلها بين الأذخر) كأنها لما عرفت أنها الجانية على نفسها فيما أجابت إليه حفصة أعتبت نفسها على تلك الجناية (والإذخر) نبت معروف طيب الرائحة توجد فيه الهوام غالبًا في البرية اهـ فتح الباري (وتقول: يا رب سلط عليّ عقربًا أو حية تلدغني) أي تلذعني، قال القاضي: هو دعاء بغير نية حملتها عليه الغيرة فهي غير مؤاخذة به ولا تجاب في الغالب قال الله تعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ} الآية اهـ من الأبي، قال القرطبي: هذا دعاء منها على نفسها بعقوبة لما لحقها من الندم على ما فعلت ولما تم عليها من الحيلة ولما حصل لها من الغيرة وهو دعاء باللسان غير مراد بالقلب اهـ مفهم، وتقول: هو محمد صلى الله عليه وسلم (رسولك ولا أستطيع) أي لا أقدر (أن أقول له شيئًا) من العتاب واللوم لأن العتاب على نفسي لأنها الجانية على نفسها حيث أجابت حفصة إلى ما دعت إليه. قولها: (رسولك) بالرفع على أنه خبر لمبتدأ تقديره هو رسولك كما قررناه في الحل، ويجوز النصب على تقدير فعل تقديره أُبرئ رسولك على الجناية عليّ أو لا ألوم رسولك وإنما لم تتعرض لحفصة لأنها هي التي أجابتها طائعة فعادت على نفسها باللوم اهـ فتح الباري.
6143 -
(2427)(181) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ، (يَعْنِي ابْنَ بِلالٍ)، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ"
ــ
وظاهر قولها: (ولا أستطيع أن أقول له شيئًا) أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف القصة وإنما تمت لحفصة حيلتها عليها والله أعلم مع أنه يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علم ذلك بالوحي أو بالقرائن وتناقل عما جرى من ذلك إذ لم يجر منهما شيء يترتب عليه حكم ولا يتعلق به إثم والله تعالى أعلم. ورسولك منصوب بإضمار فعل تقديره انظر رسولك، ويجوز الرفع على الابتداء وإضمار الخبر اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 114]، والبخاري أخرجه في النكاح باب القرعة بين النساء إذا أراد سفرًا [5211]، وابن ماجه مختصرًا [1940].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى عاشرًا لحديث عائشة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنهما فقال:
6143 -
(2427)(181)(حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا سليمان يعني ابن بلال) التيمي مولاهم أبو محمد المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (عن عبد الله بن عبد الرحمن) بن معمر بن حزم بن زيد بن لوذان الأنصاري البخاري أبي طوالة المدني قاضيها، ثقة، من (9) روى عنه في (5) أبواب (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (قال) أنس:(سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فضل عائشة على النساء) ويستثنى منهن الأربع المذكورة في الأحاديث المتقدمة وهن مريم بنت عمران وخديجة وفاطمة وآسية فإنهن أفضل من عائشة بدليل الأحاديث المتقدمة في باب فضل خديجة وبهذا يصح الجمع ويرتفع التعارض كفضل الثريد على سائر الطعام) وإنما كان الثريد أفضل الأطعمة ليسارة مؤنته وسهولة إساغته وعظيم بركته ولأنه كان جل أطعمتهم وألذها بالنسبة إليهم ولعوائدهم وأما غيرهم فقد يكون غير الثريد عنده أطيب وأفضل وذلك بحسب العوائد في الأطعمة والله تعالى أعلم اهـ من المفهم.
6144 -
(00)(00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَر). ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، (يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ)، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ. وَلَيسَ فِي حَدِيثِهِمَا: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَفِي حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنْسَ بْنَ مَالِكٍ
ــ
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في باب فضل عائشة [3770] وفي الأطعمة باب الثريد [5419] وباب ذكر الطعام [5428]، والترمذي في كتاب المناقب باب فضل عائشة [3887]، وابن ماجه في الأطعمة باب فضل الثريد على الطعام [3281] اهـ تحفة الأشراف.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:
6144 -
(00)(00)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (وقتيبة) بن سعيد (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (قالوا: حدثنا إسماعيل يعنون ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (ح وحدثنا قتيبة) بن سعيد (حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد) بن عبيد الدراوردي الجهني المدني، صدوق، من (8) روى عنه في (9) أبواب (كلاهما) أي كل من إسماعيل وعبد العزيز رويا (عن عبد الله بن عبد الرحمن) الأنصاري أبي طوالة المدني (عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة إسماعيل وعبد العزيز لسليمان بن بلال وساقا (بمثله) أي بمثل حديث سليمان بن بلال (و) لكن (ليس في حديثهما) أي في حديث إسماعيل وعبد العزيز وروايتهما لفظة (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بل في حديثهما لفظة (عن النبي صلى الله عليه وسلم (وفي حديث إسماعيل) بن جعفر وروايته لفظة (أنه) أي إن عبد الله بن عبد الرحمن (سمع أنس بن مالك) أي تصريح سماع عبد الله بن عبد الرحمن لأنس، وهذا كله بيان لموضع المخالفة بين المتابع والمتابَع.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى حادي عشرة لحديث عائشة الأول بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما فقال:
6145 -
(2428)(182) وحدّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. جَمِيعًا عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ. وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ غَيرُ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَان، وَآسِيَةَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضلِ الثرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ"
ــ
6145 -
(2428)(182)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا وكيع ح وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي غندر (جميعًا) أي كل من وكيع ومحمد بن جعفر رويا (عن شعبة ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري) البصري (واللفظ له) أي لعبيد الله (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري (حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق الهمداني المرادي الجملي الأعمى أبي عبد الله الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن مرة) بن شراحيل الهمداني أبي إسماعيل الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (3) أبواب (عن أبي موسى) الأشعري عبد الله بن قيس الكوفي رضي الله عنه. وهذه الأسانيد كلها من سداسياته (قال) أبو موسى:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كمُل) بفتح الميم وضمها وكسرها ثلاث لغات مشهورات والكسر ضعيف، ولفظة الكمال تطلق على تمام الشيء وتناهيه في بابه والمراد هنا التناهي في جميع الفضائل وخصال البر والتقوى اهـ نووي. ومضارع الجميع يكمل بالضم وكمال كل شيء بحسبه والكمال المطلق إنما هو الله تعالى خاصة عدد (كثير) من الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين (ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية) بوزن فاعلة من الأسى وهي بنت مزاحم (امرأة فرعون) قيل: وكانت ابنة عمه، وقيل غير ذلك (وأن فضل عائشة على النساء) أي على نساء زمنها وأشار ابن حبان كما أفاده في الفتح إلى أن أفضليتها التي يدل عليها الحديث وغيره مقيدة بنساء النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يدخل فيها مثل فاطمة وخديجة جمعا بينه وبين حديث الحاكم "أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة" اهـ قسطلاني (كفضل الثريد) المتخذ من الخبز واللحم (على سائر الطعام) وقد استدل بهذا الحديث على فضل عائشة على خديجة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وليس ذلك بلازم لأنه يحتمل أن يكون المراد من النساء في هذا الحديث نساء زمنها.
وقال السبكي الكبير: الذي ندين الله به أن فاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة، والخلاف في ذلك شهير، ولكن الحق أحق أن يُتبع وهو ما قلنا، وقال ابن تيمية: جهات الفضل بين خديجة وعائشة متقاربة وكأنه رأى التوقف، وقال ابن القيم: إن أريد بالتفضيل كثرة الثواب عند الله فذلك أمر لا يُطلع عليه فإن عمل القلوب أفضل من عمل الجوارح وإن أريد كثرة العلم فعائشة لا محالة وإن أُريد شرف الأصل ففاطمة لا محالة وهي فضيلة لا يشاركها فيها غير أخواتها وإن أُريد شرف السيادة فقد ثبت النص لفاطمة وحدها وقد أخرج الطحاوي والحاكم بسند جيد عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حق زينب ابنته لما أُوذيت عند خروجها من مكة: "هي أفضل بناتي أصيبت فيّ" اهـ فتح الباري [7/ 159].
قال القرطبي: ولا شك أن أكمل نوع الإنسان الأنبياء ثم يليهم الأولياء ويعني بهم الصديقين والشهداء والصالحين، وإذا تقرر هذا فقد قيل إن الكمال المذكور في الحديث يعني به النبوة فيلزم أن تكون مريم وآسية نبيتين وقد قيل بذلك، والصحيح أن مريم نبية لأن الله تعالى أوحى إليها بواسطة الملك كما أوحى إلى سائر النبيين، وأما آسية فلم يرد ما يدل على نبوتها دلالة واضحة بل على صذيقيتها وفضيلتها فلو صحت لها نبوتها لما كان في الحديث إشكال فإنه يكون معناه أن الأنبياء في الرجال كثير وليس في النساء نبي إلا هاتين المرأتين ومن عداهما من فضلاء النساء صديقات لا نبيات وحينئذٍ يصح أن تكونا أفضل نساء العالمين، والأولى أن يقال إن الكمال المذكور في الحديث ليس مقصورًا على كمال الأنبياء بل يندرج معه كمال الأولياء فيكون معنى الحديث إن نوعي الكمال وُجدا كثيرًا في الرجال ولم يُوجد منه في النساء المتقدمات على زمانه صلى الله عليه وسلم أكمل من هاتين المرأتين ولم يتعرض النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث فضلًا لأحد من نساء زمانه إلا لعائشة خاصة فإنه فضلها على سائر النساء ويستثنى منهن الأربع المذكورات في الأحاديث المتقدمة وهن مريم بنت عمران وخديجة وفاطمة وآسية فإنهن أفضل من عائشة بدليل الأحاديث المتقدمة في باب خديجة وبهذا يصح الجمع بين الأحاديث ويدفع التعارض قوله:(كفضل الثريد على سائر الطعام) قال
6146 -
(2429)(183) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيمَانَ
ــ
النووي: قال العلماء: معناه أن الثريد من كل طعام أفضل من المرق، فثريد اللحم أفضل من مرقه بلا ثريد، وثريد ما لا لحم فيه أفضل من مرقه، والمراد بالفضيلة هنا نفعه والشبع منه وسهولة مساغه والالتذاذ به وتيسر تناوله وتمكن الإنسان من أخذ كفايته منه بسرعة وغير ذلك فهو أفضل من المرق كله ومن سائر الأطعمة وفضل عائشة على النساء زائد كزيادة فضل الثريد على غيره من الأطعمة.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 394]، والبخاري في مواضع منها ما أخرجه في الفضائل باب فضل عائشة [3769]، والترمذي في الأطعمة باب ما جاء في فضل الثريد [1834]، والنسائي في كتاب عشرة النساء باب حب الرجل بعض نسائه أكثر من بعض [3957]، وابن ماجه في كتاب الأطعمة باب فضل الثريد على الطعام [3280] اهـ تحفة الأشراف.
"تنبيه مهم": وحديث أبي موسى الأشعري هذا ذكره البخاري في باب فضل عائشة، وكذا ذكره القرطبي هنا أعني في أواخر أحاديث فضل عائشة في تلخيص صحيح مسلم، وكذا في النسحة القديمة من صحيح مسلم ولا مناسبة له في باب فضل خديجة لأنه ليس فيه ذكر خديجة وقد أشكل ذكر هذا الحديث في باب فضل خديجة علينا مع بعض مشايخنا وأوّل ذلك البعض بان في هذا الحديث إسقاط خديجة وبذلك طابق ترجمة خديجة والآن بحثت عن هذا الحديث في جميع الأمهات وفي كتب من ذكره من غيرهم فوجدتهم ذكروه في هذا الباب فزال عني الإشكال في هذا الحديث فلله الحمد، فلذلك أخرته في تعليقنا هذا إلى هذا الموضع فصار الحديث مطابقًا لترجمة عائشة فيا عجبًا لشراح مسلم لم ينبهوا على مشكلة هذا الحديث فمروا عليه وقالوا هذا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباءهم في ضلال مبين.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثاني عشرة لحديث عائشة الأول بحديث آخر لها رضي الله عنها فقال:
6146 -
(2429)(183)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الرحيم بن سليمان) الكسائي أو الطائي أبو علي الأشل المروزي نزيل الكوفة، ثقة، من (8) روى
وَيَعْلَى بْنُ عُبَيدٍ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال لَهَا:"إِنَّ جِبْرِيلَ يَقْرَأُ عَلَيكِ السَّلامَ" قَالتْ: فَقُلْتُ: وَعَلَيهِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ
ــ
عنه في (6) أبواب (وبعلي بن عبيد) بن أبي أمية الحنفي مولاهم أبو يوسف الكوفي، ثقة، من كبار (9) روى عنه في (2) بابين الأدب والفضائل كلاهما رويا (عن زكريا) بن أبي زائدة خالد بن ميمون الهمداني أبي يحيى الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (13) بابا (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري الشعبي أبي عمرو الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (19) بابا (عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة فقيه، من (3) روى عنه في (14) بابا (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته (أنها) أي أن عائشة (حدثته) أي حدثت أبا سلمة (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: إن جبريل) الأمين عليه السلام (يقرأ عليك السلام فالت: فقلت) له صلى الله عليه وسلم: (وعليه) أي وعلى جبريل المسلِّم عليّ (السلام) من الله تعالى (ورحمة الله) تعالى عليه، والواوفي قولها:(وعليه) عاطفة لسلام عائشة على سلام جبريل عليها وزادت في ردها عليه الرحمة لأن الزيادة في الرد مطلوبة كما نص عليه القرآن الكريم.
قال القرطبي: قوله: (يقرأ عليك السلام) يقال: أقرأته السلام وهو يقرئك السلام رباعيًّا فبضم ياء المضارعة منه فإذا قلت يقرأ عليك السلام كان مفتوح عين مضارعه لأنه ثلاثي، وقيل: هما لغتان اهـ سنوسي، وهذه فضيلة عظيمة لعائشة غير أن ما ذكر من تسليم الله عز وجل على خديجة أعظم لأن ذلك سلام من الله وهذا سلام من جبريل.
وقولها: (و عليه السلام ورحمة الله) حجة لمن اختار أن يكون رد السلام هكذا بالزيادة وإليه ذهب ابن عمر رضي الله عنهما.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في باب فضل عائشة [3768]، وأبو داود في الأدب باب في الرجل يقول فلان يقرئك السلام [5232]، والترمذي في المناقب باب مناقب عائشة [3876]، والنسائي في عشرة النساء باب حب الرجل بعض نسائه أكثر من بعض [3953].
6147 -
(00)(00) حدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخبَرَنَا الْمُلائِيُّ، حَدَّثَنَا زَكَريَّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ. قَال: سَمِعْتُ عَامِرًا يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال لَهَا: بِمِثْلِ حَدِيثِهِمَا.
6148 -
(00)(00) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَسْبَاطُ بْنُ
ــ
قوله: (و عليه السلام ورحمة الله) قال القاضي عياض: فيه أن صورة الرد هكذا وهو اختيار ابن عمر رضي الله عنهما فإن اقتصر على رد مثل ما قيل له فليقل: السلام عليه، قال النووي: وفي الحديث استحباب بعث السلام ويجب على الرسول تبليغه، وفيه بعث الأجنبي السلام إلى الأجنبية الصالحة إذا لم يخف ترتب مفسدة وإن الذي يبلغه السلام يرد عليه، قال أصحابنا: وهذا الرد واجب على الفور وكذا لو بلغه السلام في ورقة من غائب لزمه أن يرد السلام عليه باللفظ على الفور إذا قرأ، وفيه أنه يستحب في الرد أن يقول وعليك أو وعليكم السلام بالواو فلو قال: عليكم السلام أو عليكم أجزأه على الصحيح، وكان تاركًا للأفضل، وقال بعض أصحابنا: لا يجزئه، وسبقت مسائل السلام في بابه مستوفاة، ومعنى يقرأ عليك السلام يسلم عليك اهـ نووي.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة هذا رضي الله تعالى عنها فقال:
6147 -
(00)(00)(حدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا) عبد السلام بن حرب بن سلمة النهدي بالنون (الملائي) بضم الميم وتخفيف اللام أبو بكر الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (2) بابين الجهاد وفضائل عائشة لقب بالملائي لأنه كان يبيع الملاءة عند باب مسجد الكوفة (حدثنا زكريا بن أبي زائدة قال: سمعت عامرًا) بن شراحيل الشعبي (يقول: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن عائشة حدثته) وهذا السند من سداسيات، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة الملائي لعبد الرحيم ويعلى بن عبيد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها): إن جبريل .. الحديث، وساق الملائي (بمثل حديثهما) أي بمثل حديث عبد الرحيم ويعلي بن عبيد.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال:
6148 -
(00)(00)(وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (أخبرنا أسباط بن
مُحَمَّدٍ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
6149 -
(00)(00) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَائِشُ، هَذَا جِبْرِبلُ يَقْرَأُ عَلَيكِ السَّلامَ" قَالتْ: فَقُلْتُ: وَعَلَيهِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ. قَالتْ: وَهُوَ يَرَى مَا لَا أَرَى
ــ
محمد) بن عبد الرحمن بن خالد بن ميسرة مولى السائب بن يزيد أبو محمد الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (4) أبواب (عن زكرياء) بن أبي زائدة (بهذا الإسناد) يعني عن الشعبي عن أبي سلمة عن عائشة، غرضه بيان متابعة أسباط لعبد الرحيم ويعلي بن عبيد، وساق أسباط (مثلهما) أي مثل حديث عبد الرحيم ويعلى بن عبيد، وفي أغلب النسخ (مثله) بالإفراد وهو تحريف من النساخ، والصواب ما قررناه في تعليقنا كما تدل عليه الرواية المذكورة قبله.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة هذا رضي الله تعالى عنها فقال:
6149 -
(00)(00)(حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) أبو محمد السمرقندي، ثقة متقن، من (11) روى عنه في (14) بابا (أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة دينار الأموي الحمصي، ثقة، من (7) روى عنه في (5) أبواب (عن الزهري حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت): وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الزهري للشعبي في الرواية عن أبي سلمة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائش) مرخم عائشة بضم الشين على لغة من لا ينتظر المحذوف، وبفتحها على لغة من ينتظر، وفيه دليل على جواز الترخيم (هذا) الحاضر (جبريل) الأمين عليه السلام (يقرأ عليك السلام، قالت) عائشة: (فقلت) له صلى الله عليه وسلم: (وعليه) أي على جبريل (السلام ورحمة الله، قالت) عائشة رضي الله تعالى عنها: (وهو) صلى الله عليه وسلم (يرى) من المغيبات (ما لا أرى) أنا والله أعلم.
6150 -
(2430)(184) حدَّثنا عَلِي بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ جَنَابٍ. كِلاهُمَا عَنْ عِيسَى، (وَاللَّفْظُ لابْنِ حُجْرٍ)، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَخِيهِ، عَبْدِ اللهِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ،
ــ
وقد استدل البخاري بهذا الحديث على أن الرجل يجوز له أن يسلم على امرأة أجنبية ووجه الاستدلال أن جبريل إنما كان يأتي في صورة رجل واستدل أيضًا بما أخرجه عن سهل بن سعد أنهم كانوا يذهبون يوم الجمعة إلى عجوز تصنع لهم طعامًا من سلق وشعير فيسلمون عليها، وقد أخرج الترمذي عن أسماء بنت يزيد وحسنه ومر علينا النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة فسلم علينا، وثبت في صحيح مسلم حديث أم هانئ: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل فسلمت عليه.
وقال ابن بطال: عن المهلب: سلام الرجال على النساء والنساء على الرجال جائز إذا أمنت الفتنة، وفرّق المالكية بين الشابة والعجوز سدًا للذريعة، ومنع منه ربيعة مطلقًا، وقال الكوفيون: لا يُشرع للنساء ابتداء السلام على الرجال لأنهن منعن من الأذان والإقامة والجهر بالقراءة، وقالوا: يستثنى المحرم فيجوز لها السلام على محرمها، وفرّق بعضهم بين الجميلة وغير الجميلة فيكره السلام على الأولى ولا يكره على الثانية، ولم أقف بعد على حديث يدل على منع السلام، ومن كرهه إنما كرهه مخافة الفتنة فينبغي أن تكون الكراهة مقيدة بخوف الفتنة وإلا فظاهر الأحاديث يدل على الجواز والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالث عشرة لحديث عائشة الأول بحديث آخر لها رضي الله تعالى عنها في قصة النسوة اللاتي اجتمعن وتعاهدن فقال:
6150 -
(2430)(184)(حدثنا علي بن حجر السعدي) المروزي، ثقة، من (9) روى عنه في (11) بابا (وأحمد بن جناب) بن المغيرة المصيصي، صدوق، من (10) روى عنه في (2) بابين الجهاد والفضائل (كلاهما) رويا (عن عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق الهمداني السبيعي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (17) بابا (واللفظ لابن حجر) قال ابن حجر:(حدثنا عيسى بن يونس) بصيغة السماع (حدثنا هشام بن عروة عن أخيه عبد الله بن عروة) بن الزبير الأسدي المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب
عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالتْ: جَلَسَ إِحْدَى عَشَرَةَ امْرَأَةً. فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لَا يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِن شَيئًا
ــ
(عن) أبيه (عروة) بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته (أنها) أي أن عائشة (قالت: جلس إحدى عشرة امرأة) قال النووي: إحدى عشرة وتسع عشرة وما بينهما يجوز فيها إسكان الشين وكسرها وفتحها والإسكان أفصح وأشهر اهـ، قال القرطبي: هكذا صحيح الرواية ومشهورها، وعند الطبري (جلسن) بنون الإناث على لغة أكلوني البراغيث، قال علي القاري: وأما تذكير فعل جلس مع أن القياس أن يكون مؤنثًا لكونه مسندًا إلى المؤنث الحقيقي بلا فاصل فوجهه أنه على حد قولهم قال فلانة كما حكاه سيبويه عن بعض العرب استغناءً بظهور تأنيثه عن علامته، وقيل: إنه روعي فيه معنى الجمع لا الجماعة كذا في جمع الوسائل لعلي القاري [2/ 48](فتعاهدن) أي أخذ بعضهن عن بعض العهد على أن لا يكتمن من خبر أزواجهن وأخلاقهم شيئًا (وتعاقدن) أي تواثقن وأكدن ذلك العهد باليمين وقوله على (أن لا يكتمن) ولا يخفين (من أخبار أزواجهن شيئًا) قليلًا ولا كثيرًا تنازع فيه الفعلان قبله وأعملنا الثاني فيه لقربه على مذهب البصريين وقدّرنا للأول في حفنا وهو الراجح عندهم نظرا إلى قربه إلى المعمول بخلافه عند الكوفيين لأنهم يعملون الأول في المذكور لسبقه كما هو مقرر في محله، وقد ذكر الزبير بن بكار أن هذه النسوة كن باليمن وخرج أزواجهن سفرا فتذاكرن فيما بينهن، ووقع في بعض الروايات أنهن من مكة، وفي بعضها أنهن من خثعم، وقد وقعت تسميتهن في بعض الروايات بما لا يوثق به وقد ذكره الخطيب في المبهمات وحكى عنه النووي، وعبارة النووي هنا قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في كتابه المبهمات: لا أعلم أحدًا سمى النسوة المذكورات في حديث أم زرع إلا من الطريق الذي أذكره وهو غريب جدًّا فذكره، وفيه أن الثانية اسمها عمرة بنت عمرو واسم الثالثة حنى بنت نعب والرابعة مهدد بنت أبي مرزمة والخامسة كبشة والسادسة اسمها هند والسابعة حنى بنت علقمة والثامنة بنت أوس بن عبد والعاشرة كبشة بنت الأرقم والحادية عشرة أم زرع بنت أكهل بن ساعد اهـ نووي.
قال القرطبي: الصحيح في هذا الحديث أنه كله من قول عائشة رضي الله تعالى عنها إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم لها "كنت لك كأبي زرع لأم زرع" هذا هو المتفق
قَالتِ الأُولَى: زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٌّ
ــ
عليه عند أهل التصحيح، وقد رواه سعيد بن سليم المدني عن هشام بن عروة عن أخيه عبد الله بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كنت لك كأبي زرع لأم زرع" ثم أنشأ يحدّث بحديث أم زرع وصواحبها قال: "اجتمع إحدى عشرة امرأة .. وذكر الحديث فتوهم بعض الناس أن هذا الحديث كله مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنسبه إليه وجعله من قوله صلى الله عليه وسلم وهو وهم محض فإن القائل لفظة "ثم أنشأ يُحدّث " هو هشام يخبر بذلك عن أخيه عن أبيه أنه أنشأ بعد ذلك القول المتقدم يحدّث بحديث أم زرع اهـ من المفهم.
وبمثل رواية مسلم أخرجه البخاري ولكن أخرجه النسائي من طريق عباد بن منصور بما يدل قطعًا على أن القصة كلها مرفوعة ولفظه (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كنت لك كأبي زرع لأم زرع" قالت عائشة: بأبي وأمي يا رسول الله ومن كان أبو زرع؟ قال: "اجتمع نساء .. فساق الحديث كله، وقد رواه عدة من المحدثين مثله مرفوعًا، قال الحافظ في الفتح [9/ 357] ويقوي رفع جميعه أن التشبيه المتفق على رفعه يقتضي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم سمع القصة وعرفها فأقرها فيكون كله مرفوعًا من هذه الحيثية [قلت]: قد ذكر الحافظ نفسه أن الروايات التي صرحت بكون القصة كلها مرفوعة صحيحة من جهة الإسناد، وقد تقرر في موضعه أن الرفع زيادة وهي من الثقة مقبولة فلا مانع من أن تكون القصة كلها مرفوعة والله أعلم، ثم قد وقع عند النسائي سبب لهذا الحديث (قالت عائشة: فخرت بمال أبي في الجاهلية وكان ألف ألف أوقية)، وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم؛ "اسكتي يا عائشة فإني كنت لك كأبي زرع لأم زرع".
(قالت الأولى): من تلك النسوة (زوجي) مبتدأ (لحم) بالرفع خبر المبتدأ (جمل) بالجر مضاف إليه (غث) بالجر صفة لجمل وهي الرواية المشهورة والكلام على التشبيه البليغ، والغث بفتح الغين المعجمة وتشديد المثلثة الشديد الهزال يستغث من هزاله أي يستترك ويستكره مأخوذ من غث الجرح غثًا وغثيثًا إذا سأل منه المدة بكسر الميم وتشديد الدال المهملة أي القيح، واستغث صاحبه أي زوجي كلحم جمل شديد الهزال لا يؤكل لحمه ولا ينتفع به وإن لحم الجمل من أخبث اللحوم خصوصًا إذا كان هزيلًا، ويجوز فيه الرفع على أنه صفة للحم فهو تشبيه بليغ في كون زوجها قليل الخير غير منتفع به كلحم
عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ وَعْرٍ. لَا سَهْلٌ فَيُرْتَقَى. وَلَا سَمِينٌ فَيُنْتَقَلَ.
قَالتِ الثَّانِيَةُ: زَوْجِي لَا أَبُثُّ خَبَرَهُ. إِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا أَذَرَهُ. إِنْ أَذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ
ــ
الجمل المهزول الذي لا يؤكل ولا ينتفع به كائن ذلك الجمل (على رأس جبل) مستطيل وقلته فهو صفة ثانية لجمل (وعر) صفة لجبل أي صعب الصعود إليه والوعر من الجبال الصعب المرتقى لوعورته وعقبته وهو أن يكون بحيث تزل الأقدام فيه، وفسرته بقولها:(لا سهل) ذلك الجبل بالجر صفة ثانية لجبل وهي الراوية الواضحة، وأما على الرواية الرفع فسهل خبر لمحذوف والجملة صفة لجبل أي لا هو سهل فهو تفسير لقوله وعر أي زوجي كلحم جمل هزيل كانت على رأس جبل وعر طريقه غير سهل صعوده (فيرتقي) ويصعد إليه (ولا سمين) صفة ثانية لجمل أي زوجي كلحم جمل مهزول غير سمين أي لا نقي ولا مخ له (فينتقل) أي ينقله الناس إلى بيوتهم ليأكلوا لحمه بل يتركوه رغبة عنه لردائته بمعنى أن زوجها قليل المنفعة من وجوه عديدة منها كونه كلحم الجمل لا كلحم الضأن، ومنها أنه مع ذلك غث مهزول رديء، ومنها أنه صعب التناول لا يوصل إليه إلا بمشقة شديدة هكذا فسره الجمهور، وقال الخطابي: قولها على رأس جبل أي يرتفع ويتكبر ويسمو بنفسه فوق موضعها كثيرًا أي أنه يجمع إلى قلة خيره تكبره وسوء الخلق اهـ نووي. وهذه الأولى لم أر من ذكر اسمها وهي أبلغهن ذمًا لزوجها.
(قالت الثانية): اسمها عمرة بنت عمرو (زوجي لا أبث) ولا أنشر ولا أشيع (خبره) أي لا أريد أن أنشر أخباره، وفي رواية:(لا أنث) بالنون ومعناه إشاعة الخبر السوء (إني أخاف أن لا أذره) أي إني أخاف أن لا أترك من خبره شيئًا فالضمير للخبر تعني إن خبره لطوله وكثرته إن بدأته لم أقدر على تكميله، وقيل: إن الضمير في قوله: (لا أذره) للزوج والمعنى إني أخاف إن ذكرت معايبه أنه سيطلقني واضطر إلى أن أتركه مع أني لا أقدر على ذلك لعلاقتي به وأولادي منه ولا أحب فراقه، وقيل: إن لا زائدة؛ والمعنى إني أخاف أن أذره أي أن أتركه لتطليقه إياي؛ والمعنى زوجي لا أنشر خبره لأني إن نشرت خبره أخاف أن يطلقني وأفارقه ولا أحب مفارقته للعلاقة التي بيني وبينه من الأولاد والمعاشرة (إن أكره) أي إن أذكر عيوبه (أذكر عجره) أي عيوبه الظاهرة (و) أذكر (بجره) أي عيوبه الباطنة تعني أنها إن وصفت حال زوجها ذكرت عيوبه كلها وفاء
قَالتِ الثَّالِثَةُ: زَوْجِي العَشَنَّقُ. إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ. وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ.
قَالتِ الرَّابِعَةُ: زَوْجِي كَلَيلِ تِهَامَةَ. لَا حَرٌّ وَلَا قُرٌّ
ــ
بما التزمت مع صواحبها وإن فعلت ذلك خافت من فراقه وهي تكره فراقه للعلقة التي بينهما، والحاصل أنها أشارت إلى كثرة عيوب زوجها وفاءً بما تعاقدت عليه ولكنها سكتت عن تفصيلها للمعنى الذي اعتذرت به، والعجر بضم العين وفتح الجيم جمع عجرة بضم العين مع سكون الجيم ككرب وكربة وغرف وغرفة وهي العقدة في الأعضاء الظاهرة والعيوب فيها كالظهر والرجلين واليدين والبجر كذلك في ضبطه وهي العيوب في الأعضاء الباطنة كالبطن والوركين والفخذين والدبر والقبل تعني أنه معيب ظاهرًا وباطنًا ولكني أسكت عنها مخافة فراقه.
(قالت الثالثة): قيل اسمها حنى بنت نعب كما مر (زوجي العشنق) أي الطويل الخارج بطوله إلى الحد المستكره الأحمق السيء الخلق، ويقال له: العثنط بالطاء أي ليس عنده أكثر من طول بلا نفع فهو منظر بلا مخبر (إن أنطق) أي إن أذكر عيوبه وفاء بما التزمته (أُطلق) أي أخاف أن يطلقني (وإن أسكت) عن ذكر عيوبه (أُعلّق) أي تركني معلقة لا أيمًا ولا ذات زوج كما قال تعالى: {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} .
(قالت الرابعة): قيل اسمها مهدد بنت أبي مزرمة (زوجي كليل تهامة) بكسر التاء، قال علي القاري: هي مكة وما حولها من الأغوار، وقيل كل ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز، وأما المدينة فلا تهامية ولا نجدية لأنها فوق الغور دون النجد، وقال الحافظ في الفتح: قد ضربوا بليل تهامة في الطيب لأنها بلاد حارة في غالب الزمان وليس فيها رياح باردة فإذا كان الليل كان وهج الحر ساكنًا فيطيب الليل لأهلها بالنسبة لما كانوا فيه من أذى حر النهار فوصفت زوجها بجميل العشرة واعتدال الحال وسلامة الباطن (لا حر ولا قر) يجوز فيهما الفتح بلا تنوين على إعمال لا عمل إن نظير قوله تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَال فِي الْحَجِّ} وخبر لا محذوف تقديره لا حر ولا قر موجودان، وجملة لا من اسمها وخبرها في محل الجر صفة لليل أي موصوف بعدم الحر والقر فيه، ويجوز الرفع مع التنوين على إعمال لا عمل ليس نظير قوله تعالى:{لَا بَيعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ} وخبر لا محذوف تقديره لا حر ولا قر موجودين فيه والجملة أيضًا صفة لليل، والقر بفتح القاف وبضمها بمعنى البرد الشديد وفتح القاف ها هنا أنسب نظرًا لحسن
وَلَا مَخَافَةَ وَلَا سَآمَةَ.
قَالتِ الْخَامِسَةُ: زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ. وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ. وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ.
قَالتِ السَّادِسَةُ: زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ. وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ
ــ
الازدواج والمراد أن ليل تهامة معتدل بين الحر والبرد وكذلك زوجي معتدل في أحواله وأخلاقه ففيه مدح لزوجها (ولا مخافة) من شره وضره (ولا سآمة) من معاشرته ويجري في هذا التركيب أيضًا ما جرى في التركيب قبله من أوجه الإعراب، أما نفي المخافة فلكون تهامة محصونة بالجبال، وأما نفي السآمة فلكون ليلها لذيذ الهواء فكأنها وصفت زوجها بأنه لا أذى عنده ولا مكروه وأنا آمنة منه فلا أخاف من شره وآذاه ولا ملل من المقام عنده فأسأم من عشرته فأنا لذيذة العيش معه كلذة أهل تهامة بليلهم المعتدل.
(قالت الخامسة): قيل اسمها كبشة (زوجي إن دخل) البيت (فهد) بكسر الهاء من باب فرح أي صار كالفهد، وهذا أيضًا مدح بليغ فقولها:(فهد) وصف له بكثرة النوم والغفلة في منزله عن تعهد ما ذهب من متاعه وما بقي وشبهته بالفهد لكثرة نومه وهو معنى قولها: (ولا يسأل عما عهد) أي لا يسأل عما كان عهده وعرفه في البيت من ماله ومتاعه تعني هو شديد الكرم كثير التسامح لا يسأل عما فقد من ماله ولا يلتفت إلى ما رأى بل فوض كل أموره إليّ (وإن خرج) من البيت (أسد) أي صار كالأسد بين الناس أو خالط الحرب كان كالأسد في شدة الإقدام على الأعداء تعني كان معظمًا موقرًا بين الناس لشدة حيائه وشديد الإقدام على الأعداء في الحرب لشدة شجاعته، وقوله:(ولا يسأل عما عهد) تفسير لقوله إن دخل فهد.
(قالت السادسة): قيل اسمها هند (زوجي إن أكل لف) أي يكثر الأكل ويخلّص ما في القصعة ولا يُبقي فيها شيئًا من الطعام (وإن شرب) الشراب (اشتف) أي امتص ما في الكأس وغلّق، والمراد من اللف الإكثار من الطعام واستقصاؤه من الإناء حتى لا يترك منه شيئًا، وقال أبو عبيد: اللف الإكثار مع التخليط فأرادت أنه يخلط صنوف الطعام من نهمته وشرهه ثم لا يبقي منه شيئًا، ووقع في بعض الروايات (اقتف) بدل قولها (لف) والاقتفاف: التجميع وأما قولها (اشتف) من الاشتفاف في الشرب وهو استقصاء ما في الإناء مأخوذ من الشفافة بالضم وهي البقية تبقى في الإناء فإذا شربها الشارب قيل: اشتف الإناء أي لم يدع فيه شفافة أي بقية، قال القرطبي: تصفه بكثرة الأكل مع التخليط
وَإِنْ اضْطَجَعَ الْتَفَّ. وَلَا يُولِجُ الْكَفَّ. لِيَعْلَمَ الْبَثَّ.
قَالتِ السَّابِعَةُ: زَوْجِي غَيَايَاءُ أَوْ عَيَايَاءُ طَبَاقَاءُ
ــ
من أنواع المأكول فهو يلف كل ما يجده من الأطعمة ويشرب كل ما يجده من الأشربة يقال: اشتف ما في الإناء إذا شرب ما فيه من الشفافة وهي البقية اهـ من المفهم (وإن اضطجع) للنوم (التف) بثوبه تعني أنه بنام وحده ملتفًا في ثوبه في ناحبة البيت (ولا يولج الكف) أي لا يدخل كفه تحت لحافي (ليعلم البث) أي الحزن الذي أنا فيه بسبب إعراضه عني؛ والمعنى لا يمد يده إليّ ليعلم ما أنا فيه من الحزن لإعراضه عني فيزيله، ويحتمل أنه إنما يفعل ذلك فشلًا وعجزًا فإن هذه نومة العجزان الكسلان وعلى هذا فيجتمع فيه أنه أكول شروب نؤوم لا رغبة له في شيء غير ذلك فحديثها كله ذم، وقيل غير ذلك راجع المفهم.
(قالت السابعة): قيل: اسمها حنى بنت علقمة (زوجي غياباء) بالغين المعجمة أي شرير مجد من الشر والإذاية لا خير فيه (أو) قالت زوجي (عياياء) بالعين المهملة أي عنين عاجز من مجامعة النساء ومباضعتهن (طباقاء) أي مطبق عقله مغفل لا يهتدي في أموره إلى المصالح، قال القرطبي: الرواية التي لا يعرف غيرها عياياء بالعين المهملة، وأو للشك من بعض الرواة وهو عيسى بن يونس كما في عمدة القاري [9/ 468] وفد صرح به أبو يعلى في روايته عن أحمد بن خباب عنه كما في فتح الباري [9/ 263]، وقال الكرماني: أو للتنويع من الزوجة القائلة والأكثرون لم يشكوا وروايتهم بالعين المهملة فالعياياء من العي بمعنى العجز هو الذي تعجزه مجامعة النساء وكذلك في الإبل هو الذي لا يضرب ولا يلقح، وأما غياياء بالغين المعجمة من الغي وهو الانهماك في الشر أو من الغي الذي هو الخيبة من المقصود، قال تعالى:{فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} أي خيبة عن السعادة الأبدية، وأما الطباقاء فقال ابن العربي: الطباقاء المطبق عليه حمقًا، وقال ابن دريد: الطباقاء هو الذي تنطبق عليه أموره، وعن الجاحظ: هو الثقيل الصدر عند الجماع يطبّق صدره على صدر المرأة فيرتفع سفله عنها، وقد ذمت امرأة امرئ القيس فقالت له: ثقيل الصدر خفيف العجز، سريع الإراقة بطيء الإفاقة. والنساء يكرهن صدور الرجال على صدورهن، وقال القاضي عياض: ولا منافاة بين وصفها له بالعجز عند الجماع وبين وصفها بثقل الصدر فيه لاحتمال تنزيله على حالتين كل منهما مذموم
كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ. شَجَّكِ أَوْ فَلَّكِ. أَوْ جَمَعَ كُلالَكِ.
قَالتِ الثَّامِنَةُ: زَوْجِي، الرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ، وَالْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ.
قَالتِ التَّاسِعَةُ: زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ
ــ
(كل داء) ومرض تفرق في الناس فهو (له داء) أي موجود فيه أي كل شيء تفرق في الناس من المعايب الظاهرية والباطنية فهو موجود فيه أي هو موصوف بجميع الأدواء والمعايب مع عييه وعجزه عن الجماع فهو مع ذلك إما أن (شجك) أي جرح رأسك (أو فلك) أي جرح جسدك (أو جمع كلًّا) من الشج والفل (لك) الشج الجرح في الرأس، والفل الجرح في الجسد مأخوذ من فل السيف فلولًا إذا انثلم، وقيل: معناه كسر أسنانها، و (أو) هنا للتقسيم والتنويع تعني أنه في وقت يضربها فيشج رأسها، وفي وقت يؤثر في جسدها، وفي آخر يجمع كل ذلك عليها، وزاد ابن السكيت في روايته (أو بجك) والبج شق القرحة، وقيل: هو الطعنة، ووقع في رواية ابن الزبير بن بكار (إن حدثنيه سبك وإن مازحته فلك وإلا جمع كلا لك) قال القاضي عياض: وصفته بالحمق والتناهي في سوء العشرة وجمع النقائض بأن يعجز عن قضاء وطرها مع الأذى فإذا حدثته سبها، وإذا مازحته شجها، وإذا أغضبته كسر عضوًا من أعضائها أو شق جلدها أو أغار على مالها أو جمع كل ذلك اهـ.
(قالت الثامنة): قيل هي بنت أوس بن عبد (زوجي الريح) منه (ريح زرنب) فيه تشبيه بليغ أي كريم زرنب، والزرنب بتقديم الزاي على الراء ضرب من النبات طيب الرائحة ووزنة فعلل قيل: أرادت طيب رائحة جسده، وقيل طيب ثنائه في الناس، وقيل لين خُلقه وحسن عشرته (والمس) منه (مس أرنب) أي كمس أرنب تعني به أنه لين الجسد عند المس ناعمه كمس جلد الأرنب، وزاد الزبير بن بكار في روايته (وأنا أغلبه والناس يغلب) تعني غلبته بمحبتي له وبمحبته لي ولكنه يغلب الناس الآخرين بشجاعته فوصفته بكثرة محبته لها وبالشجاعة وبالكرم لما قيل في النساء (يغلبن الكرام ويغلبهن اللئام).
(قالت التاسعة): لم أر من ذكر اسمها (زوجي رفيع العماد) أي مرتفع عمود بيته وخيمته لارتفاع بيته وارتفاع باب البيت يدل على شرف أهله وكرامتهم أو على طول قامتهم وكانت العرب تتمادح بالطول وتذم القصر؛ والمراد بالعماد: عمود باب البيت أو
طَويلُ النِّجَادِ. عَظِيمُ الرَّمَادِ. قَرِيبُ الْبَيتِ مِنَ النَّادِي.
قَالتِ العَاشِرَةُ: زَوْجِي مَالِكٌ. وَمَا مَالِكٌ؟ مَالِكٌ خَيرٌ مِنْ ذلِكِ. لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ. قَلِيلاتُ الْمَسَارحِ
ــ
عمود الخيمة، ظاهره أنها وصفته بطول البيت وعلوه فإن بيوت الأشراف والكرماء كذلك فإنهم يعلونها ويضربونها في الأماكن المرتفعة ليقصدهم الطارقون والمحتاجون من الأضياف وغيرهم وبيوت غيرهم قصار (طويل النجاد) بكسر النون أي طويل حمائل السيف جمع حمالة وهو الحبل الذي تعلق به وطوله يدل على طول قامة صاحبه تريد أنه طويل القامة لا قصيرها، والعرب تمدح بطولها وتذم بقصرها (عظيم الرماد) أي كثيره تعني أن نار قراه للأضياف لا تطفأ فرماد ناره كثير عظيم فهو كناية عن جوده وسخائه وكرمه لأن السبب في كثرة الرماد هو كثرة إيقاد النار لطبخ الطعام ولا يحتاج إلى ذلك إلا من يكثر عنده الضيوف (قريب البيت من النادي) أي قريب بيته إلى النادي، والنادي والناد والندي والمندى مجلس القوم ومجتمعهم للمحادثة تريد أن تصفه بالكرم والسودد لأنه لا يقرب البيت من النادي إلا من هذه صفته لأن الضيفان يقصدون النادي، واللئام يبتعدون من النادي تعني أنه سيد في قومه فهم إذا تشاوروا أو تفاوضوا في أمر أتوه فجلسوا قريبًا من بيته فاعتمدوا على رأيه وامتثلوا أمره، ويحتمل أن تريد أن النادي إذا أتوه لم يصعب عليهم لقاؤه أي لا يحتجب عنهم ويتلقاهم مرحبًا بهم ومبادرًا لإكرامهم ومقتضى حديثها أنها وصفته بالسيادة والكرم وحسن الخلق وطيب المعاشرة.
(قالت العاشرة): قيل اسمها كبشة بنت الأرقم (زوجي) اسمه (مالك وما مالك) هذا تعظيم لزوجها نظير قوله تعالى: {الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2)} [الحاقة: 1 - 2] وقوله تعالى: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27)} (مالك خير من ذلك) أي هو أجل من أن أصفه لشهرة فضله وكثرة خيره أو هو إشارة إلى ما ذكرته النسوة الأُخر في الثناء على أزواجهن فتقول: زوجي خير من زوج كل من أثنت على زوجها منكن، ويحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى ما هو في اعتقاد أحد أو تصور أحد من الناس من أوصاف مالك تريد أنه فوق ما يعتقد فيه الإنسان أو يتصوره (له) أي لمالك (إبل كثيرات) في (المبارك) أي في موضع بروكها ومبيتها (قليلات) في (المسارح) ومبارك الإبل موضع بروكها واضطجاعها في الليل، واحده مبرك ومسارحها مواضع رعيها واحده مسرح. واختلف في معناه على
إِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ أَيقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ.
قَالتِ الْحَادِيَةُ عَشْرَةَ: زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ. فَمَا أَبُو زَرْعٍ؟ أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ. وَمَلأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ
ــ
ثلاثة أقوال: أحدها: أنه أكثر بروكها وأقل تسريحها مخافة أن ينزل به ضيف وهي غائبة ذكره أبو عبيد: والثاني: أنها إذا بركت في مراحها كانت كثيرة لتوفر عددها وإذا سُرّحت كانت قليلة لكثرة ما يجزر منها للضيفان قاله ابن أبي أويس. وثالثها: أنها إذا بركت كانت كثيرة لكثرة من ينضم إليها ممن يلتمس لحمها ولبنها وإذا سرّحت كانت قليلة لقلة من ينضم إليها منهم اهـ من المفهم (إذا سمعن) إبله (صوت المزهر) بكسر الميم وفتح الهاء هو العود الذي يُضرب به في اللهو؛ والمراد أن من عادة زوجها أنه كلما نزل به الأضياف أتاهم بالعيدان والمعازف ونحر لهم الإبل فكلما سمعت الإبل صوت المزهر علمن أنه قد حان وقت نحرهن لقرى الأضياف و (أيقن أنهن هوالك) أي منحورات، وقد ضبط بعضهم المزهر بضم الميم وكسر الهاء وهو موقد النار للأضياف ومعناه أن الإبل إذا سمعت صوت إيقاد النار علمن أنهن هوالك.
قال القرطبي: المزهر بكسر الميم وفتح الهاء هو عود الغناء وهو نوع من المزامير معروف عند العرب ومذكور في أشعارهم، وقد أخطأ من قال: إنه مُزهِر بضم الميم وكسر الهاء وفسره بموقد النار في الرواية والمعنى، أما الرواية فلا يصح منها إلا ما ذكرناه وهو كسر الميم وفتح الهاء وأما المعنى فقيل فيه قولان: أحدهما: أنه يتلقى ضيفانه بالغناء مبالغة في الترحيب والإكرام وإظهار الفرح. والثاني: أنه يأتي ضيفانه بالشراب والغناء فإذا سمعت الإبل صوت المزهر والغناء أيقن بنحرهن للأضياف وكلا القولين أمدح ومعناهما أوضح اهـ من المفهم.
(قالت الحادية عشرة): وهي أم زرع بنت أكهل بن ساعد (زوجي) كنيته (أبو زرع فما أبو زرع) أي فهل تعرفون جواب من أبو زرع استفهام تعظيم وتعجيب (أناس) بفتح الهمزة وتخفيف النون بمعنى حرّك، وقال ابن السكيت: أناس أي أثقل (من حلي) أي من ذهب (أذني) بصيغة التثنية حتى تدلى واضطرب، والنوس حركة كل شيء متدل، ووقع في رواية ابن السكيت (أذني وفرعي) ومعنى الفرعين اليدان تعني أنه حقى أذنيها ومعصميها (وملأ من شحم) ولحم (عضدي) بصيغة التثنية أيضًا معناه أسمنني وملأ بدني
وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي. وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيمَةٍ بِشِقٍّ. فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ، وَدَائِسٍ وَمُنَقٍّ. فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلَا أُقَبَّحُ. وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ
ــ
شحمًا ولحمًا ولم ترد خصوص العضدين لكن إذا سمنت العضدان سمن غيرهما من الأعضاء (وبجحني فبجحت إلي نفسي) هو بتقديم الجيم على الحاء فيهما وتشديد الجيم في الأول وبكسرها أو فتحها في الثاني، والتبجيح التفريح أي إنه فرحني وسرني فصارت نفسي مسرورة، وقيل: معناه التعظيم والمعنى عليه أنه عظمني فعظصت عندي نفسي أي صارت عظيمة فافتخرت نفسي (وجدني في أهل غنيمة) تصغير غنم (بشق) بكسر الشين وفتحها والمشهور عند أهل الحديث كسرها والمعروف عند أهل اللغة فتحها اسم موضع أي وجدني في أهل غنيمة قليلة نازلين بشق جبل وناحيته لقلتهم وقلة غنمتهم أو المراد منه الجهد والمشقة أي وجدني في أهل غنيمة قليلة كائنين في مشقة وضيق عيش فإن العرب لا تعتد بأهل الغنم وإنما يعتدون بأصحاب الخيل والإبل ومرادها أن أهلها كانوا مقلين في المال والثروة (فجعلني في أهل) فرس ذات (صهيل) وصوت (و) في أهل إبل ذات (أطيط) وحنين (و) في أهل زرع (دالس) أي يدوسون زرعهم (و) في أهل زرع (منق) أي ينقون ويصفون زرعهم من قشوره، والصهيل حمحمة الخيل وصوته، والأطيط صوت الإبل وحنينها وصوت الرحل من ثقل أحمالها أيضًا (ودائس) اسم فاعل من داس الطعام يدوسه دياسة فانداس هو والموضع مداسة والمدوس ما يداس به أي يدق ويدرس، ويقال: داس الشيء برجله يدوسه دوسًا إذا وطئه بها، والدائس هو الذي يدوس الزرع في بيدره، والمنقي اسم فاعل من التنقية وهو الذي ينقي الطعام أي يخرجه من قشوره وتبنه ويصفيه منها يقال: نقى الطعام والشيء ينقيه تنقية فهو منق؛ ومرادها أن أسرة زوجي كانت غنية كثيرة الخيل والإبل يسمع عندهم أصوات الخيل والإبل ويوجد عندهم الزروع والثمار موفورة، وقد ضبط بعضهم (منق) بكسر النون على أنه اسم فاعل من الإنفاق يقال: أنق إذا صار ذا نقيق وهو أصوات المواشي والأنعام والأكثرون على الأول، قال القرطبي: ومقصود قولها هذا أنها كانت في قوم ضعفاء فقراء فنقلها إلى قوم أغنياء أقوياء (فعنده) أي فعند زوجي أبي زرع (أقول): ما شئت واتكلم (فلا أقبح) أي فلا يعد قولي قبيحًا معيبًا عنده أي لا يعاب على قولي ولا يرد بل يستحسن ويمتثل ويطاع (وأرقد) في الليل (فأتصبح) في النوم أي أديم النوم إلى الصباح لا يوقظني أحد لأني
وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ.
أُمُّ أَبِي زَرْعٍ. فَمَا أُمُّ أَبِي زَرْعٍ؟ عُكُومُهَا رَدَاحٌ. وَبَيتُهَا فَسَاحٌ.
ابْنُ أَبِي زَرْعٍ. فَمَا ابْنُ أَبِي زَرعٍ؟ مَضجَعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ
ــ
مكرمة مكفية الخدمة والعمل (وأشرب) المشروبات من الماء واللبن وغيرهما (فأتقنح) أي فأشربه على المهل والراحة قليلًا قليلًا، كذا وقع في الصحيحين بالنون أتقنح، ووقع عند غيرهما أتقمح بالميم بدل النون وهو الأظهر من حيث اللغة فإن التقمح هو الثرب حتى لا يحب المرء الشرب فوق ذلك ومنه قمح البعير إذا رفع رأسه من الماء بعد الري، وأما التقنح بالنون فمنهم من لم يعرف معناه، ومنهم من فسره بالشرب بعد الري، ومنهم من فسره بالشرب على مهل، ومنهم من ذكر أنه مرادف للتقمح والحاصل أنها ذكرت أنها تشرب من الماء أو اللبن أو المشروبات الأخرى حتى تروي منها وإنما ذكرته لأن الماء كان عزيزًا في بلاد العرب فوفور الماء دليل على كونها ذات رفاهية وترف (أم أبي زرع) أذكر شأنها (فما أم أبي زرع) أي فمن يعرف قدرها وشأنها أعقبت مدح زوجها بالثناء على أمه وابنه وابنته لأنه من تمام الثناء عليه (عكومها) أي أعدالها وأوعيتها وحقيبتها (رداح) أي مملوءة من الأمتعة تعني أنها كثيرة الأمتعة والقماش والأثاث، والعكوم بضم العين الأعدال والأوعية التي فيها الطعام والأمتعة واحدها عكم بكسر العين، وقيل: هي نمط تجعل المرأة فيها ذخيرتها حكاه الزمخشري في الفائق و (رداح) بكسر الراء وبفتحها بمعنى العظيم الكبير المملوء والمراد أن أوعيتها وحقائبها كبيرة متسعة ولا يكون ذلك إلا لمن كثر متاعها فهو كناية عن كثرة مالها "فإن قلت": إن العكوم جمع عكم ورداح مفرد فكيف أخبرت بالمفرد عن الجمع "قلت": أخبرت عنه به لأنها أرادت بالعكوم الجنس أي جنس عكومها رداح أي إن كل عكم لها فهو رداح أو يقال إن رداحًا مصدرها كذهاب فيصح الاخبار بالمصدر عن الجمع والمثنى والمفرد (وبيتها فساح) أي واسع يقال: بيت فسيح وفساح إذا كان واسعًا وظاهره أنه فسيح الفناء، ويحتمل أن يكون كناية عما يفعل فيه من الخير والمعروف وسعة البيت دالة أيضًا على رغد عيشها وتنعمها (ابن أبي زرع) أذكر شأنه (فما ابن أبي زرع) أي فمن يعرف قدره ومنزلته (مضجعه) أي موضع ضجاعه ورقاده (كمسل شطبة) أي كموضع سل وأخرج منه خيط من خيوط الحصير الذي نُسج من خوص النخل وورقه أي خفيف اللحم قليل المرقد والمضجع، قال أبو عبيد:
ويشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ.
بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ. فَمَا بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ؟ طَوْعُ أَبِيهَا وَطَوْعُ أُمِّهَا. وَمِلْءُ كِسَائِهَا وَغَيْظُ جَارَتِهَا
ــ
وأصل الشطبة ما شُطب وقُطع من سعف النخل، وغصنه من خوصه وورقه فيُشقق خيوطًا رقاقًا يُنسج منها الحصير، وقال ابن السكيت: الشطبة سدى الحصير، والمسل بفتح الميم والسين واللام المشددة اسم مكان من السلول وهو إخراج الشيء من الشيء كسل الشعر من العجين تعني أن مضجعه كموضع سُل وأُخذ منه الشطبة أي خيط الحصير وسداه فيبقى مكانه فارغًا فهو كناية عن خفة جسمه ورقته ونحافته أي أنه يضطجع في مثل هذا المكان القليل الذي سل منه خيط الحصير لخفة جسمه ورقته، وقال ابن الأعرابي: أرادت بمسل الشطبة سيفًا سُل من غمده فمضجعه الذي ينام فيه في الصغر كقدر مسل شطبة واحدة، وعلى هذا التفسير يكون المسل مصدرًا ميميًا بمعنى المفعول أي مضجعه كموضع الشطبة المسلولة من غمده والشطبة أُريد بها السيف والله أعلم (وبشبعه) عند الأكل (ذراع الجفرة) وهي الأنثى من ولد المعز والذكر جفر وإذا أتى على ولد المعز أربعة أشهر وفُصل عن أمه وأخذ في الرعي أطلق عليه جفر، مدحته بقلة أكله وقلة لحمه وهما وصفان ممدوحان فإن ذراع الجفرة قدر قليل من اللحم فأرادت أنه يقتنع بالقدر القليل وليس بكثير الأكل (بنت أبي زرع) أذكر شأنها (فما بنت أبي زرع) أي فمن يعرف قدرها ومنزلتها، هي (طوع أبيها) أي طائعة ممتثلة أمر أبيها (وطوع أمها) أي طائعة لها تعني أنها بارة بهما، وزاد في رواية الزبير بن بكار (وزين أهلها ونساءها) أي يتجملون بها، وفي رواية للنسائي (زين أمها وزين أبيها) وفي رواية للطبراني:(وقرة عين لأمها وأبيها وزين لأهلها)(وملء كسائها) أي مالئة كسائها وثوبها لضخامتها وسمنها وامتلاء جسمها وكثرة لحمها وشحمها وهو مطلوب في النساء عند العرب أو هو كناية عن المبالغة في ضخامتها بحيث لا يسعها إلا ثوبها، وفي الرواية الآتية (صفر رداءها) والصفر بكسر الصاد وهو الخال، قال القاضي: والمراد به امتلاء منكبيها وقيام نهديها بحيث يرفعان الرداء من أعلى جسدها فلا يمسه فيصير خاليًا بخلاف ما في أسفلها من الكساء فإنه ممتلئ بجسمها (وغيظ جارتها) أي مغيظة مغضبة لجارتها، والجارة: الضرة وليس هو تأنيث الجار والمعنى أنها محسودة لجارتها لجمالها وحسن سيرتها وأخلاقها
جَارِيةُ أَبِي زَرْعٍ. فَمَا جَارِيةُ أَبِي زَرْعٍ؛ لَا تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا. وَلَا تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا. وَلَا تَمْلأُ بَيتَنَا تَعْشِيشًا.
قَالتْ: خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ وَالأَوْطَابُ تُمْخَضُ
ــ
(جارية أبي زرع) وأمته أذكر شأنها (فما جارية أبي زرع) أي فمن يعرف قدرها ومنزلتها هي (لا تبث) بالباء الموحدة من البث وهو الإظهار والإشاعة أي لا تنثر (حديثنا) أي أخبارنا في الأجانب (تبثيثًا) أي نشرًا وإشاعة وهو مصدر لبثث المضعف من غير لفظ عامله أتى به لتأكيده وصفتها بكتمان ما تسمعه من حديثهم، وهذا يدل على عقلها وأمانتها، ويروى بالنون وهو بمعنى الأول يقال: نث الحديث إذا أفشاه، وفي الصحاح بث الخبر وأبثه إذا أفشاه ونثه بالنون ينثه بالضم كذلك وأنشد:
إذا جاوز الاثنين سر فإنه
…
ينث وتكثير الوشاة قمين
(ولا تنقث) أي لا تنقص (ميرتنا) أي طعامنا طعام البيت الذي نأكل منه (تنقيثًا) أي تنقيصًا بصرفه وإخراجه في غير مصارفه بغير إذننا كالإهداء والهبة للناس، أصل التنقيث الإسراع يقال: خرجت أنقث بالضم أي أسرع السير وكذلك أنتقث، والميرة بكسر الميم الطعام يمتار من موضع إلى موضع، وصفتها بالأمانة في الطعام لا تخرجه من البيت بغير إذننا وحافظة له (ولا تملأ بيتنا تعشيشًا) أي قمامة وكناسة رُوي بالعين المهملة من عش الطير والتعشيش كناية عن ترك القمامة في البيت، والمعنى أنها تتعهد بيتنا بالنظافة والكنس ولا تترك كناسة في البيت بل تهتم بتنظيف البيت وإزالة القمامة منه ولا تملأه بالقمامة حتى صارت كأنها أعشاش الطير، ورُوي بالغين المعجمة (تغشيشًا) أيضًا من الغش والخيانة أي لا تخوننا في شيء من ذلك ولا تترك النصيحة في شغل البيت.
(قالت) أم زرع: (خرج أبو زرع) يومًا من البيت (والأوطاب) أي والحال أن أوطاب لبننا وأوانيه وحلابه (تمخض) بضم التاء وسكون الميم وفتح الخاء على صيغة المبني للمجهول أي يجعل لبنها مخيضًا لاستخراج الزبدة منه، والأوطاب جمع وطب بفتح الواو وسكون الطاء وهو من الجموع النادرة فإن (فعلا) في الصحيح قياسه في القلة أن يأتي على أفعل وفي الكثرة على فعول كفلس وأفلس وفلوس وهي أسقية اللبن (وتمخض) بمعنى تحرك ليخرج زبدها وكان يفعل ذلك عادة في الصباح الباكر فكأنها أرادت أن أبا زرع خرج مبكرًا، ويحتمل أن يكون مخض الأوطاب كناية عن زمن
فَلَقِيَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا كَالْفَهْدَينِ. يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَينِ. فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا. فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلًا سَرِيًّا. رَكِبَ شَرِيًّا. وَأَخَذَ خَطِّيًّا. وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَمًا ثَرِيًّا. وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا
ــ
الخصب وطيب الربيع تعني أنه خرج في زمن الخصب صباحًا من البيت (فلقي) أي رأى (امرأة معها ولدان لها كالفهدين) في كثرة الأكل والنوم (يلعبان من تحت خصرها) وكشحها (برمانتين) حقيقيتين، قال أبو عبيد: معناه أنها ذات كفل عظيم -وفي القاموس الكفل محركة العجز والدبر يُجمع على أكفال كسبب وأسباب -أي ذات دبر عظيم وعجيزة كبيرة فإذا استلقت على قفاها نتأ الكفل بها عن الأرض حتى تصير تحتها فجوة يجري فيها الرمان فكان الولدين كانا يلعبان برمانتين حقيقتين فيرمي بهما أحدهما من جانب وتخرجان من جانب آخر، وقال القرطبي: قال بعضهم: المراد بالرمانتين هنا ثديا المرأة ومعناه أن لها نهدين حسنين صغيران كالرمانتين، قال القاضي: وهذا أرجح لا سيما وقد رُوي (من تحت صدرها) و (من تحت درعها) ولأن العادة لم تجر برمي الصبيان الرمان تحت ظهور أمهاتهم ولا جرت العادة أيضًا باستلقاء النساء كذلك حتى يشاهده منهن الرجال، قالت أم زرع:(فطلقني) أبو زرع (ونكحها) أي ونكح تلك المرأة (فنكحت) أي تزوجت (بعده) أي بعد أبي زرع (رجلًا سريًا) أي رجلًا سيدًا شريفًا فالسري السين المهملة السيد الشريف يُجمع على سراة (ركب) فرسًا (شريًا) أي سريع الجري، والشري بالشين المعجمة من استشرى الفرس إذا لج في سيره ومضى فيه، وقال يعقوب: فرس شري خيار وهو بالمعجمة لا غير (وأخذ) رمحًا (خطيًا) بفتح الخاء المعجمة وكسرها أي رمحًا منسوبًا إلى الخط قرية من سيف الجر أي ساحله عند عمان والبحرين، قال أبو الفتح: قيل لها الخط لأنها على ساحل البحر والساحل يقال له الخط لأنه فاصل بين الماء والتراب وسميت الرماح خطية لأنها تحمل إلى هذا الموضع وتثقف فيه (و) رجلًا (أراح عليّ) في المساء أي رجع عليّ (نعما ثريا) أي نعمًا كثيرًا إلى مراحها أي أتى بها إلى مراحها بضم الميم وهو موضع مبيتها والنعم الإبل والبقر والغنم، وذكر بعضهم أن المراد به هنا الإبل فقط والثري الكثير من المال (وأعطاني) ذلك الرجل (من كل رائحة) أي من كل بهيمة رائحة من المرعى إلى المراح (زوجًا) أي اثنين اثنين والمراد بالرائحة هنا ما يروح من الإبل والبقر والغنم من المرعى إلى المراح في الليل
قَال: كُلِي أُمَّ زَرْعٍ وَمِيرِي أَهْلَكِ، فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيءٍ أَعْطَاني مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ.
قَالت عَائِشَةُ: قَال لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ"
ــ
وهو اسم فاعل من راح يروح روحًا فـ (قال) لي ذلك الرجل: (كلي) يا (أم زرع) ما شئت من طعامي (وميري) أي أرسلي (أهلك) منه أي أعطيهم الميرة وصليهم بها أي أباح لها أن تأكل ما شاءت من طعامه وأن تبعث منه بما شاءت لأهلها مبالغة في إكرامها واحترامها ومع ذلك كله فكانت أحواله كلها عندها محتقرة بالنسبة إلى أبي زرع ولذلك قالت: (فلو جمعت كل شيء أعطاني) هذا الرجل الثاني (ما بلغ) الذي أعطانيه ولا ساوى (أصغر آنية أبي زرع) أي أقل ما أعطانيه أبو زرع، وسبب ذلك أن أبا زرع كان الحبيب الأول كما قال أبو تمام:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى
…
ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى
…
وحنينه أبدًا لأول منزل
(قالت عائشة: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت لك كأبي زرع لأم زرع) أي أنا لك كأبي زرع .. إلخ نظير قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيرَ أُمَّةٍ} أي أنتم خير أمة ويمكن بقاؤه على ظاهره أي كنت لك في علم الله السابق ويمكن أن يكون مما أريد به الدوام كقوله تعالى {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} وقوله صلى الله عليه وسلم لها ذلك تطييب لقلبها ومبالغة في حسن عشرتها، زاد في رواية الهيثم ابن عدي (في الألفة والوفاء لا في الفرقة والجلاء) وزاد الزبير في آخره (إلا أنه طلقها وإني لا أطلقك) وزاد النسائي في رواية له والطبراني (قالت عائشة: يا رسول الله بل أنت خير من أبي زرع) وفي أول رواية الزبير (بأبي وأمي لأنت خير لي من أبي زرع لأم زرع).
وقوله صلى الله عليه وسلم: (كنت لك كأبي زرع لأم زرع) يدل على محبته صلى الله عليه وسلم لعائشة وفي محبته إياها فضيلة لها وبهذا طابق الحديث الترجمة وأدخلوه في ترجمة فضل عائشة رضي الله تعالى عنها وهذه القطعة هي المقصودة من الحديث ومغناه في هذا الباب، وفي الحديث منع الفخر بحطام الدنيا لقوله صلى الله عليه وسلم:"اسكتي يا عائشة" وجواز إخبار الرجل زوجته بحسن صحبته وإحسانه إليها اهـ من المبارق باختصار.
6151 -
(00)(00) وَحَدَّثَنِيهِ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ. حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ،
ــ
قال القرطبي: وحديث أم زرع هذا فيه أحكام منها جواز محادثة الأهل ومباسطتهن بما لا مانع منه، وفيه جواز إعلام الزوج زوجته بمحبته إياها بالقول كقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة:"كنت لك كأبي زرع لأم زرع "إذا لم يؤد ذلك إلى مفسدة في حاله بحيث تهجره وتتجرأ عليه، وفيه ما يدل على أن ذكر عيوب من ليس بمعين لا يكون غيبة، وفيه جواز الانبساط بذكر طرف الأخبار ومستطابات الأحاديث وتنشيط النفوس بذلك، وجواز ذكر محاسن الرجال للنساء ولكن إذا كانوا مجهولين بخلاف المعين فإن ذلك هو المنهي عنه بقوله صلى الله عليه وسلم:"لا تصف المرأة المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها" رواه الطبراني في الكبير [10/ 73] وفيه ما يدل على جواز الكلام بالألفاظ الغريبة والأسجاع وأن ذلك لا يكره وإنما يكره تكلف ذلك في الدعاء اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في النكاح باب حسن المعاشرة مع الأهل [5189]، والترمذي في كتاب الشمائل باب ما جاء في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السمر والله أعلم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
6151 -
(00)(00)(وحدثنيه الحسن بن علي) الخلال (الحلواني) المكي، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا موسى بن إسماعيل) التميمي المنقري بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف التبوذكي بفتح المثناة وضم الموحدة وسكون الواو وفتح المعجمة سمي بذلك لأنه اشترى دارًا بتبوذك فنُسب إليها والتبوذكي من يبيع ما في بطون الدجاج من القلب والقانصة اهـ تقريب التهذيب، أبو سلمة البصري، روى عن سعيد بن سلمة في الفضائل وجرير بن حازم ومهدي بن ميمون وغيرهم، ويروي عنه (ع) والحسن الحلواني وأبو زرعة ومحمد بن يحيى وغيرهم، وثقه ابن معين وأبو حاتم وابن سعد، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من صغار التاسعة، مات سنة (223) ثلاث وعشرين ومائتين (حدثنا سعيد بن سلمة) بن أبي الحسام العدوي مولاهم مولى آل عمر بن الخطاب أبو عمرو الدوسي المدني، روى عن هشام بن عروة في
عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: عَيَايَاءُ طَبَاقَاءُ. وَلَمْ يَشُكَّ وَقَال: قَلِيلاتُ الْمَسَارحِ. وَقَال: وَصِفْرُ رِدَائِهَا. وَخَيرُ نِسَائِهَا. وَعَقْرُ جَارَيهَا. وَقَال: وَلَا تَنْقُثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا. وَقَال: وَأَعْطَانِي مِن كُلِّ ذَابِحَةٍ زَوْجًا
ــ
الفضائل، وأبيه وزيد بن أسلم وطائفة، ويروي عنه (م دس) وموسى التبوذكي ومحمد بن أبي بكر المقدمي والعقدي، له فرد حديث عن (م) ذكره ابن حبان في الثقات، وقال النسائي: شيخ ضعيف، وقال في التقريب: صدوق، صحيح الكتاب يخطئ من حفظه، من السابعة (عن هشام بن عروة بهذا الإسناد) يعني عن أخيه عبد الله بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة سعيد بن سلمة لعيسى بن يونس (غير أنه) أي لكن أن سعيد بن سلمة (قال) في روايته:(عياياء طباقاء ولم يشك) سعيد كما شك عيسى بن يونس (وقال) سعيد بن سلمة أيضًا: (قليلات المسارح) أي لا يوجهها تسرح إلى المرعى إلا قليلًا، ولم يذكر مع هذه اللفظة لفظة (كثيرات المبارك) بل اقتصر على هذه ولم يذكر ذلك (وقال) سعيد بن سلمة أيضًا:(وصفر ردائها) أي خالية ردائها لأنها ضامرة البطن لا تملأ رداءها بجسمها قاله الهروي، وقال غيره: معناه أنها خفيفة أعلى البدن وهو موضع الرداء ممتلئة أسفله وهو موضع الكساء أي قال سعيد لفظة (صفر ردائها) بدل قول عيسى (ومل كساءها) فلا تعارض بين العبارتين كما مر الجمع بينهما هناك بأن كونها ملء كساءها بالنظر إلى أسافل بدنها وكونها صفر ردائها بالنظر إلى أعلى بدنها، وقال سعيد أيضًا:(وخير نسائها وعقر جارتها) أي طعنة ضرتها ودهشتها وحيرتها لجمالها وحسن قذها لأنها تغيظ الضرة بجمالها فتصير الضرة كمعقور مطعون أي قال سعيد: هذه اللفظة بدل قول عيسى (وغيظ جارتها) مع زيادة لفظة (وخير نسائها) أي خير نساء عشيرتها بجمالها وحسن خلقها (وقال) سعيد أيضًا: (ولا تنقث) بفتح التاء وسكون النون بصيغة الثلاثي الذي من باب نصر بخلاف عيسى فإنه قال: (تنقث) بصيغة الرباعي المضعف (ميرتنا تنقيثًا) بوزن تفعيلًا فجاء المصدر في هذه الرواية على غير لفظ فعله بخلاف رواية عيسى فإنه جاء على لفظ فعله (وقال) سعيد أيضًا (وأعطاني من كل ذابحة زوجًا) بدل قول عيسى (من كل رائحة) أي من كل ما يجوز ذبحه من الإبل والبقر والغنم وغيرها، وهي فاعلة بمعنى مفعولة، وهذا كله بيان لمحل المخالفة بين الروايتين.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث أربعة عشر حديثًا: الأول: حديث عائشة الأول ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث عائشة الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث عائشة الثالث ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث عائشة الرابع ذكره للاستشهاد، والخامس: حديث عائشة الخامس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس: حديث عائشة السادس ذكره للاستشهاد، والسابع حديث عائشة السابع ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن: حديث عائشة الثامن ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والتاسع: حديث عائشة التاسع ذكره للاستشهاد، والعاشر: حديث عائشة العاشر ذكره للاستشهاد، والحادي عثر: حديث أنس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني عشر: حديث أبي موسى الأشعري ذكره للاستشهاد، والثالث عشر: حديث عائشة الحادي عشر ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والرابع عشر: حديث عائشة الأخير المعروف بحديث أم زرع وهو الثاني عثر من أحاديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة فجملة ما في الباب أربعة عشر حديثًا اثنا عشر منها لعائشة وواحد لأنس وواحد لأبي موسى والله سبحانه وتعالى أعلم.
***