المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌696 - (10) باب في فضائل عيسى وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٢٣

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌687 - (1) باب كونه صلى الله عليه وسلم مختارًا من خيار الناس، وتسليم الحجر عليه وتفضيله على جميع الخلق، وبعض معجزاته، وتوكله

- ‌ كتاب فضائل النبي صلى الله عليه وسلم وفواضله عليه الصلاة والسلام

- ‌688 - (2) باب بيان مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم وشفقته على أمته وذكر كونه خاتم النبيين وذكر إذا أراد الله رحمة أمة قبض نبيها قبلها

- ‌689 - (3) باب إثبات حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبيان قدره وصفته وكيزانه

- ‌690 - (4) - باب قتال الملائكة مع النبي صلى الله عليه وسلم وشجاعته، وكونه أجود الناس، وكونه أحسنهم خلقًا، وما سُئل شيئًا وقال: "لا" قط، وكثرة عطائه

- ‌691 - (5) باب رحمته صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال، وكثرة حيائه، وتبسمه، وأمر سواق مطايا النساء بالرفق بهن، وتبرك الناس به صلى الله عليه وسلم

- ‌692 - (6) باب بعداه صلى الله عليه وسلم من الإثم واختياره أيسر الأمور وانتقامه لله تعالى وطيب رائحته ولين مسه وطيب عرقه والتبرك به وعرقه حين يأتيه الوحي وبيان كيفية إتيانه

- ‌693 - (7) باب في سدله وفرقه شعره وقده وصفة شعره وفمه وعينيه وعقبيه ولونه وشيبه صلى الله عليه وسلم

- ‌694 - (8) باب إثبات خاتم النبوة وصفة النبي صلى الله عليه وسلم ومبعثه وكم سنه حين قُبض وكم أقام بمكة وبالمدينة وفي أسمائه وكونه أشد الناس علمًا بالله وخشية له تعالى ووجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم

- ‌695 - (9) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرًا له ووجوب امتثال ما فعله شرعًا في الدين دون ما ذكره رأيًا من معايش الدنيا وفضل النظر إليه وتمنيه

- ‌ كتاب فضائل بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وفضائل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين

- ‌696 - (10) باب في فضائل عيسى وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام

- ‌697 - (11) باب فضائل موسى، وفضائل يونس، وفضائل يوسف، وفضائل زكريا عليهم الصلاة والسلام

- ‌698 - (12) باب فضائل الخضر عليه السلام

- ‌ أبواب فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌699 - (13) الأول منها باب فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌700 - (14) والثاني منها باب فضل عمر رضي الله عنه

- ‌701 - (15) والثالث منها باب فضل عثمان بن عفان، رضي الله تعالى عنه وأرضاه

- ‌702 - (16) والرابع منها باب فضائل علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه

- ‌703 - (17) الباب الخامس منها باب فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌704 - (18) والباب السادس منها باب فضائل طلحة والزبير وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌705 - (19) باب فضائل الحسن والحسين وفضائل أهل البيت وفضائل زيد بن حارثة وابنه أسامة وفضائل عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌706 - (20) والباب الثامن منها باب فضائل خديجة الكبرى رضي الله تعالى عنها وأرضاها

- ‌707 - (21) والباب التاسع منها باب فضل عائشة رضي الله تعالى عنها

- ‌708 - (22) والباب العاشر منها باب فضائل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء العالمين رضي الله تعالى عنها وأرضاها

- ‌709 - (23) والحادي عشر منها باب من فضائل أم سلمة وزينب وأم أيمن وأم سليم رضي الله تعالى عنهن

- ‌زينب أم المؤمنين

- ‌أم أيمن

- ‌أم سليم

- ‌710 - (24) والباب الثاني عشر منها باب فضائل أبي طلحة الأنصاري وبلال وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌فضائل بلال

- ‌فضائل ابن مسعود

- ‌711 - (25) والثالث عشر منها باب‌‌ فضائل أُبي بن كعبوزيد بن ثابت وسعد بن معاذ وأبي دجانة وعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌ فضائل أُبي بن كعب

- ‌فضائل زيد بن ثابت

- ‌فضائل سعد رضي الله عنه

- ‌فضائل أبو دجانة

- ‌فضائل أبي جابر

الفصل: ‌696 - (10) باب في فضائل عيسى وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

25 -

‌ كتاب فضائل بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وفضائل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين

‌696 - (10) باب في فضائل عيسى وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام

5977 -

(2343)(98) حدثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحيَى. أَخْبَرَنَا ابنُ وَهْبٍ. أخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَن أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرحمنِ أَخْبَرَهُ؛ أن أَبَا هُرَيرَةَ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "أنا أَوْلَى الناسِ بِابنِ مَريَمَ. الأَنبِيَاءُ أَوْلادُ عَلاتِ،

ــ

25 -

كتاب فضائل بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وفضائل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين

696 -

(10) باب في فضائل عيسى وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام

5977 -

(2343)(98)(حدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن ابن شهاب أن أبا سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (أخبره) أي أخبر لابن شهاب (أن أبا هريرة) رضي الله عنه (قال): وهذا السند من سداسياته (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أنا أولى الناس) وأقربهم زمنًا (بـ) عيسى (ابن مريم) والمراد بالناس الأنبياء أي أنا أقرب الأنبياء بعيسى بن مريم زمنًا وأخصهم به لأنه بشر الناس برسالتي (الأنبياء أولاد علات) بقح العين وتشديد اللام، والكلام على التشبيه البليغ أي كأولاد ضرائر أبوهم واحد وأمهم مختلفة يعني أن أصل دينهم من التوحيد والعقائد واحد وشرائعهم مختلفة بحسب اختلاف الأعصار يعني اختلفت شرائعهم في الأحكام الفرعية. (وأولاد العلات) الأخوة من الأب وأمهاتهم شتى أي متعددة، أما الأخوة من الأبوين فيقال لهم أولاد الأعيان، وأما الأخوة من الأم فيقال

ص: 265

وَلَيسَ بَيني وَبَينَهُ نَبِي"

ــ

لهم أولاد الأم، مأخوذ من العلل وهو الشرب بعد الشرب لأن من تزوج امرأة ثم تزوج أخرى فكأنه عل وشرب من الثانية بعدما شرب من الأولى ومنها سُميت الضرائر علات وأولادهن من زوج واحد بنو العلات، وفي الصحاح بنو العلات هم أولاد الرجل من نسوة شتى سُميت بذلك لأن الذي يتزوجها على أول كانت قبلها عل من هذه بعدما عل من الأولى والعلل الشرب الثاني والنهل الشرب الأول يقال: هذا علل بعد نهل وعله يعله إذا سقاه السقية الثانية، وقال غيره: سموا بذلك لأنهم أولاد ضرائر، والعلات الضرائر وشتى مختلفة، ومنه قوله تعالى:{تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر: 14] اهـ قال القاضي عياض: معنى هذا الحديث أن الأنبياء مختلفون في أزمانهم وبعضهم بعيد الزمن من بعض فهم أولاد علات إذ لم يجمعهم زمان واحد كما لا يجمع أولاد العلات بطن واحد، وعيسى عليه السلام لما كان قريب الزمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن بينهما نبي كانا كأنهما في زمان واحد بخلاف غيرهما.

وهذا أشبه ما قيل في هذا الحديث ويستفاد منه إبطال قول من قال إنه كان بعد عيسى أنبياء ورسل، فقال بعض الناس: إن الحواريين كانوا أنبياء وأنهم أرسلوا إلى الناس بعد عيسى وهو قول أكثر النصارى ولا يعارض هذا الحديث يعني قوله: (أنا أولى الناس بابن مريم) بقوله تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ} لأن النبي صلى الله عليه وسلم أولى الناس بإبراهيم وبعيسى كليهما، أما كونه أولى بإبراهيم عليه السلام فمن جهة قوة الاقتداء به، وأما كونه أولى بعيسى عليه السلام فمن جهة قرب عهده به (فإن قلت): إن عيسى ليس له أب فكيف يطلق عليه أولاد العلات. [قلت]: التنظير من جهة الأم فقط. (فإن قلت): لم خص التنظير باختلاف الأمهات والأنبياء أيضًا لآباء مختلفة [قلت]: خص التنظير باختلاف الأمهات لإدخال عيسى في صورة التنظير لأنه ليس له أب.

قوله: (وليس بيني وبينه نبي) بيان لوجه أولويته به أما قصة الرسل الثلاثة المذكورة في سورة يس فكانوا من أتباع عيسى عليه السلام ورسله ولا يلزم أن يكونوا أنبياء، وقد وردت بعض الروايات بكون جرجيس وخالد بن سنان نبيين بعد عيسى عليه السلام -

ص: 266

5978 -

(00)(00) وحدّثنا أَبُو بَكرِ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، عُمَرُ بن سَعْدٍ، عَن سُفيَانَ، عَن أَبِي الزنَادِ، عَنِ الأَعرَجِ، عَن أَبِي سَلَمَةَ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَنا أَولَى الناسِ بِعِيسَى، الأَنبِيَاءُ أَبْنَاءُ عَلاتٍ، وَلَيسَ بَيني وَبَينَ عِيسَى نَبِي"

ــ

والروايات في نبوة خالد بن سنان كثيرة بسطها الحافظ في الإصابة [1/ 458] وأنه قال فيه نبينا صلى الله عليه وسلم: "نبي ضيعه قومه" وأن ابنته وفدت على النبي صلى الله عليه وسلم فأكرمها وأسلمت، ولكن معظم هذه الروايات لا يُوثق بها بإزاء حديث الباب الذي لا شك في صحته ولئن ثبت كون أحدهم نبيًّا فيمكن أن يكون المراد من حديث الباب أنه لم يات بين عيسى عليه السلام وبين نبينا صلى الله عليه وسلم نبي مستقل بشريعته كذا أوله الحافظ في الفتح [6/ 489] ولكن لا يخلوا عن بُعد (فإن قلت): كم المدة بين عيسى عليه السلام وبين نبينا صلى الله عليه وسلم. [قلت]: أنها ستمائة سنة، وذكر البخاري عن سلمان أن الفترة بينهما كانت ستمائة سنة اهـ من الأبي.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 319]، والبخاري في الأنبياء باب قول الله تعالى:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا} [3442 و 3443]، وأبو داود في السنة باب التخيير بين الأنبياء عليهم السلام [4675].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

5978 -

(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو داود عمر بن سعد) بن عبيد الكوفي الحفري بفتح المهملة والفاء نسبة إلى الحفر موضع بالكوفة، ثقة، من (9) روى عنه في (4) أبواب (عن سفيان) الثوري (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة الأعرج لابن شهاب في الرواية عن أبي سلمة، وفيه رواية تابعي عن تابعي (قال) أبو هريرة:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أولى الناس بعيسى، الأنبياء أبناء علات، وليس بيني وبين عيسى نبي).

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

ص: 267

5979 -

(00)(00) وحدثنا مُحَمدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّزاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَن هَمَّام بْنِ مُنَبهٍ. قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ أحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أَوْلَى الناسِ بِعِيسَى ابْنِ مَريَمَ. فِي الأولَى والآخِرَةِ" قَالُوا: كَيفَ يَا رَسُولَ الله؟ قَال: "الأَنبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِن عَلاتٍ، وَأُمهَاتُهُمْ شَتى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، فَلَيسَ بَينَنَا نَبِي"

ــ

5979 -

(00)(00)(وحدثنا محمد بن رافع) القشيري (حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه قال) همام: (هذا ما حدَّثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) أبو هريرة (أحاديث) كثيرة (منها) أي من تلك الأحاديث الكثيرة خبر مقدم لقوله: (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم .. إلخ لأنه محكي، والتقدير ومنها قول أبي هريرة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة همام لأبي سلمة (أنا أولى الناس) أي أقرب الأنبياء (بعيسى ابن مريم) عليه السلام زمنًا (في الأولى) أي في الدنيا لأنه لا نبي بيني وبينه (و) في (الآخرة) لأنه لا واسطة بيني وبينه في طلب أهل الموقف الشفاعة لأنهم بعدما مروا على عيسى جاؤوا إلي بدلالة عيسى إياهم إلي (قالوا) أي قال الحاضرون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال هذا الحديث كيف) تكون أولى الناس بعيسى (يا رسول الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الأنبياء إخوة من علات) أي أولاد من ضرائر كانوا لرجل واحد (وأمهاتهم شتى) أي مختلفة يعني شرائعهم الفروعية مختلفة (ودينهم) أي وأصل دينهم وهو التوحيد (واحد فليس بيننا) أي بيني وبين عيسى (نبي) في الدنيا والآخرة، وقد مر آنفًا كلام القاضي عياض في تفسير هذا الحديث من أن الأنبياء مختلفون في أزمانهم وبعضهم بعيد الوقت من بعض .. إلخ، قال القرطبي: قوله: (ودينهم واحد) أي توحيدهم وأصول أديانهم وطاعتهم لله تعالى واتباعهم لشرائعه والقيام بالحق كما قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} [الشورى: 13] ولم يرد فروع الشرائع فإنهم مختلفون فيها كما قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48].

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة هذا الحديث بحديث آخر له رضي الله عنه فقال:

ص: 268

6086 -

(146) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بن أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبدُ الأَعلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزهرِي، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَال:"مَا مِنْ مَوْلُودِ يُولَدُ إِلا نَخَسَهُ الشيطَانُ. فَيَسْتَهِل صَارِخا مِن نَخْسَةِ الشيطَانِ. إِلا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمهُ"، ثُم قَال أَبُو هُرَيرَةَ: اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُم: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران: 36]

ــ

5980 -

(2344)(99)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالمهملة البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (11) بابا (عن معمر) بن راشد البصري (عن الزهري عن سعيد) بن المسيب المخزومي المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من) من زائدة بعد ما فأبطلت عملها أي ليس (مولود يولد) من بني آدم (إلا نخسه الشيطان) أي طعنه في خاصرته عند خروجه من بطن أمه (فيستهل) أي يبكي ذلك المولود حالة كونه (صارخًا) أي رافعًا صوته بالبكاء (من نخسة الشيطان) وطعنته (إلا) عيسى (بن مريم وأمه) أي أم عيسى وهي مريم بنت عمران وهذه فضيلة ظاهرة لعيسى وأمه. وظاهر الحديث اختصاصها بعيسى وأمه، واختار القاضي عياض: أن جميع الأنبياء يتشاركون فيه اهـ نووي. وأصل النخس غمز الدابة بعود أو نحوه، وفي رواية الأعرج عند البخاري في بدء الخلق "كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بأصبعه حين يولد غير عيسى بن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب" أي في المشيمة التي فيها الولد، قال القرطبي: وكان النخس من الشيطان إشعار منه بالتمكن والتسليط وحفظ الله تعالى لمريم وابنها من نخسته تلك التي هي ابتداء التسليط ببركة إجابة دعوة أمها حين قالت: {وَإِنِّي سَمَّيتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران: 36] فاستجاب الله تعالى لها لما حضرها في ذلك الوقت من صدق الالتجاء إلى الله تعالى وصحة التوكل، وأمها هي امرأة عمران واسمها حنة بنت فاقود وكانت لما حملت نذرت وأوجبت على نفسها أن تجعل ما تلده منزهًا منقطعًا للعبادة لا يشغل لشيء مما في الوجود على شريعتهم في الرهبانية وملازمتهم الكنائس وانقطاعهم فيها إلى الله تعالى بالكلية ولذلك لما ولدتها أنثى قالت:{وَلَيسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [آل عمران: 36] اهـ من المفهم.

قال سعيد بن المسيب: (ثم) بعدما ذكره أولًا (قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم) شاهد ما حدثته لكم قوله تعالى: ({وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ})

ص: 269

5981 -

(00)(00) وحَدثَنِيهِ مُحَمدُ بن رَافِع. حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّزاقِ. أَخبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وحَدَّثَنِي عَبدُ الله بْنُ عَبْدِ الرحْمَن الدَّارِمي. حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ. أَخبَرَنَا شُعَيبٌ. جَمِيعًا عَنِ الزهرِي بِهَذا الإِسْنَادِ. وَقَالا: "يَمَسهُ حِينَ يُولَدُ، فَيَسْتَهِل صَارِخًا مِن مَسَّةِ الشيطانِ إِياهُ"، وَفِي حَدِيثِ شُعَيب:"مِنْ مَس الشيطَانِ".

5982 -

(00)(00) حدثني أَبُو الطاهِرِ، أَخبَرَنَا ابنُ وَهْب. حدّثني عَمْرُو بن الْحَارِثِ؛ أن

ــ

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 233]، والبخاري في مواضع منها في تفسير سورة آل عمران باب {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ} [4548].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا فقال:

5981 -

(00)(00) وحدثنيه محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر (ح) وحدثني عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن بهرام (الدارمي) السمرقندي، ثقة متقن، من (11) روى عنه في (14) بابا (حدثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي مشهور بكنيته، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة دينار الأموي الحمصي، ثقة، من (7) روى عنه في (5) أبواب (جميعًا) أي كل من معمر وشعيب رويا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن سعيد عن أبي هريرة، غرضه بيان متابعة شعيب لمعمر (و) لكن (قالا): أي قال شعيب ومعمر في هذه الرواية ما من مولود إلا (يمسه) الشيطان (حين يولد فيستهل صارخًا) والمس هنا بمعنى النخس في الرواية الأولى أي إلا يطعنه فيرفع صوته باكيًا (من مسة الشيطان) وطعنه (إياه) أي ذلك المولود (وفي حديث شعيب) وروايته لفظة (من مس الشيطان) وطعنه بدل قول معمر من مسة الشيطان.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال:

5982 -

(00)(00)(حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو الأموي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب حدثني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري) (أن

ص: 270

أبَا يُونسَ سُلَيمًا، مَولَي أَبِي هُرَيرَةَ، حَدثَهُ عَن أَبِي هُرَيرَةَ، عَن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ أَنهُ قَال: كُل بَنِي آدَمَ يَمَسهُ الشيطَانُ يَومَ وَلَدَتْهُ أُمه، إِلا مَريَمَ وَابْنَهَا".

5983 -

(00)(00) حدَّثنا شَيبَانُ بن فَروخَ. أَخبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ،

ــ

أبا يونس سليمًا) بن جبير الدوسي مولاهم (مولى أبي هريرة) المصري، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (حدثه) أي حدث لعمرو بن الحارث (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سليم بن جبير لسعيد بن المسيب (أنه قال كل بني آم يمسه الشيطان) أي يطعنه في جنبه (يوم ولدته أمه) أي حين وضعته أمه (إلا مريم وابنها) والعرب قد تطلق اليوم وتريد به الوقت والحين كما في قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا} [الأحقاف: 35] أي حين يرون العذاب، وقوله هنا:(كل بني آدم) وفي الحديث السابق (كل مولود وما من مولود) ظاهر قوي في العموم والاحاطة لأن لفظة كل تفيد الإحاطة والشمول ولما استثنى منه مريم وابنها التحق بالنصوص فأفاد أن الشيطان ينخس جميع ولد آدم حتى الأنبياء والأولياء إلا مريم وابنها وإن لم يكن كذا بطلت الخصوصية بهما ولا يُفهم من هذا أن نخس الشيطان يلزم منه إضلال المنخوس وإغواؤه فإن ذلك ظن فاسد وكم تعرض الشيطان للأنبياء والأولياء بأنواع الإفساد والإغواء ومع ذلك يعصمهم الله مما يرومه الشيطان كما قال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيسَ لَكَ عَلَيهِمْ سُلْطَانٌ} [الإسراء: 65] هذا مع أن كل واحد من بني آدم قد وُكل به قرينه من الشياطين كما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أحمد [2/ 319] وعلى هذا فمريم وابنها وإن عُصما من نخسه فلم يُعصما من ملازمته لهما ومقارنته، وقد خص الله تعالى نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم بخاصية كمل بها عليه إنعامه بأن أعانه على شيطانه حتى صح إسلامه رواه أحمد [1/ 385]، ومسلم [4/ 28] فلا يكون عنده شر ولا يأمره إلا بخير وهذه خاصية لم يؤتها أحد غيره لا عيسى ولا أمه اهـ من المفهم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة هذا رضي الله عنه فقال:

5983 -

(00)(00)(حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأيلي (أخبرنا أبو عوانة)

ص: 271

عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "صِيَاحُ الْمَوْلُودِ حِينَ يَقَعُ، نَزْغة مِنَ الشيطَانِ".

5984 -

(2345)(100) حدثني مُحَمدُ بن رَافِع. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَر، عَنْ هَمامِ بْنِ مُنَبه. قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أحَادِيثَ مِنهَا: وَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "رَأَى عِيسَى ابْنُ مَريَم رَجُلًا يَسْرِقُ. فَقَال لَهُ عِيسَى: سَرَقْتَ؟

ــ

الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي (عن سهيل) بن أبي صالح، صدوق، من (6)(عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان المدني القيسي (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي صالح لسعيد بن المسيب (قال) أبو هريرة:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صياح المولود حين يقع) ويسقط على الأرض من بطن أمه (نزغة) أي طعنة ونخسة (من الشيطان) ومنه قولهم: نزغة بكلمة سوء أي رماه بها، قال القرطبي: الرواية المعروفة (نزغة) بالنون والزاي والغين المعجمة من النزغ وهو الوسوسة والإغواء بالفساد، وقيل في قوله تعالى:{مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيطَانُ بَينِي وَبَينَ إِخْوَتِي} معناه أفسد، كأنه يريد هنا من فعلة فعلها الشيطان رام بها ضرر المولود، ووقع لبعض الرواة (فزعة) بالفاء والعين المهملة من الفزع اهـ من المفهم.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له أيضًا رضي الله عنه فقال:

5984 -

(2345)(100)(حدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) بابا (حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام بن منبه قال) همام: (هذا) الحديث الذي أمليه عليكم من صحيفتي (ما حدَّثنا) به (أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) أبو هريرة (أحاديث) كثيرة (منها) أي من تلك الأحاديث قول أبي هريرة (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهذا السند من خماسياته (رأى عيسى بن مريم) عليه السلام (رجلًا يسرق) لم أر من ذكر اسم هذا الرجل أي يأخذ مالًا خفية من حرز مثله (فقال له) أي للرجل (عيسى: سرقت) أي أسرقت مالًا للناس بتقدير همزة الاستفهام، وفي البخاري (أسرقت) قال القسطلاني: بهمزة الاستفهام ورد بأنه بعيد مع

ص: 272

قَال: كَلا. وَالذِي لَا إِلَهَ إِلا هُوَ. فَقَال عِيسَى: آمَنتُ بِاللهِ. وَكَذَبْتُ نَفْسِي".

5985 -

(2346)(101) حدْثنا أَبُو بَكرِ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ

ــ

جزم النبي صلى الله عليه وسلم بأن عيسى رأى رجلًا يسرق (قال) الرجل: (كلا) أي لا أي ما سرقت (والذي) أي أقسمت بالإله الذي (لا إله إلا هو) نفى السرقة عن نفسه ثم أكده باليمين، قال القرطبي: ظاهر قول عيسى لهذا الرجل سرقت أنه خبر عما فعل الرجل من السرقة وكأنه حقق السرقة لأنه رآه قد أخذ مالًا لغيره من حرزه في خفية، ويحتمل أن يكون مستفهمًا له عن تحقيق ذلك فحذف همزة الاستفهام وحذفها قليل اهـ (فقال عيسى: آمنت بالله) أي صدقت من حلف بالله (وكذبت نفسي) أي ما ظهر لي من كون الأخذ المذكور سرقة فإنه يحتمل أن يكون الرجل أخذ ماله فيه حق أو ما أذن له صاحبه في أخذه اهـ عيني، ويحتمل أن يكون أخذه ليقلبه فينظر إليه ولم يقصد الغصب والاستيلاء. ويستفاد من هذا الحديث درء الحد بالشبهة اهـ ط، أو ظن عيسى أنه أخذ حين رآه مد يده فلما حلف له أسقط ظنه، قال الأبي: السرقة أخذ المال خفية من حرز وعيسى عليه السلام لم يقل ذلك حتى رآه فعل وحين رآه فعل غلب على ظنه الصادق أنه سارق فقال: سرقت، على وجه التفسير لا على إساءة الظن، وقوله:(آمنت بالله وكذبت نفسي) وفي رواية البخاري وكذبت عيني فالأليق أنه سرق حقيقة ولها غلب عليه السلام مقام العلم بالله تعالى والتعظيم له قال: آمنت بالله وكذبت نفسي أي وتركت ظني ولا بُعد في أن يترك النبي ظنه، ويحتمل أن الرجل لم يسرق حقيقة وإنما أخذه لوجه من الوجوه التي ذكرت آنفًا ويكون في يمينه بارًا وترك عيسى عليه السلام ظنه لتصديقه إياه اهـ من الأبي، وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان: والحق أن الله كان في قلبه أجل من أن يحلف به أحد كاذبًا فدار الأمر بين تهمة الحالف وتهمة بصره فرد التهمة إلى بصره.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 314]، والبخاري في الأنبياء باب (واذكر في الكتاب مريم) إلخ [3444]، والنسائي في القضاة باب كيف يستحلف الحاكم [5427]، وابن ماجه [2102].

ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال:

5985 -

(2346)(101)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر)

ص: 273

وَابْنُ فُضَيلٍ، عَنِ المختَارِ. ح وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السعدِي، (وَاللفظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ. أَخبَرَنَا الْمُختارُ بْنُ فُلفُل، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: جَاءَ رَجُل إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا خَيرَ البَرِيَّةِ. فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام"

ــ

القرشي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (و) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (20) بابا، كلاهما رويا (عن المختار) بن فلفل الكوفي مولى عمرو بن حرث، صدوق، من (5) روى عنه في (4) أبواب (ح وحدثني علي بن حجر) بن إياس (السعدي) المروزي، ثقة، من صغار (9) روى عنه في (11) (واللفظ له حدثنا علي بن مسهر أخبرنا المختار بن فلفل عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذان السندان من رباعياته (قال) أنس:(جاء رجل) لم أر أحدًا من الشراح عين اسم الرجل (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) الرجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في ندائه: (يا خير البرية) وأفضل الخليقة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل: (ذاك) الذي وصفته بخير البرية هو (إبراهيم عليه السلام) قال العلماء: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام تواضعًا واحترامًا لإبراهيم عليه السلام لخلته وأبوته، وإلا فنبينا عليه السلام أفضل منه اهـ نووي، والبرية: الخلق وتهمز ولا تهمز وقد قرئ بهما، واختُلف في اشتقاقها فقيل: هي مأخوذ من البراء وهي التراب فعلى هذا لا يهمز وقيل: هي مأخوذة من برأ الله الخلق بالهمز أي خلقهم وعلى هذا فيهمز، وقد يكون من هذا وتسهل همزتها كما سهلوا همزة خابية وهي من خبات مهموزًا، والبرية على الوجهين فعيلة بمعنى مفعولة. وقد عارض هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم:"أنا سيد ولد آدم" أخرجه أحمد ومسلم والترمذي وما علم من غير ما موضع من الكتاب والسنة وأقوال السلف والأمة أنه أفضل ولد آدم. وقد أجيب عن هذا الاعتراض بوجهين؛ أحدهما: أن ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم على جهة التواضع وترك التطاول على الأنبياء كما قال: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأنا أكرم ولد آدم على ربي يوم القيامة ولا فخر" رواه الترمذي [3620] وإسناده ضعيف، وخصوصًا على إبراهيم الذي هو أعظم آبائه وأشرفهم. وثانيهما: أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل أن يعلم بمنزلته عند الله تعالى ثم إنه أعلم بأنه أكرم وأفضل فأخبر به كما أمر ألا ترى أنه

ص: 274

5986 -

(00)(00) وحدثناه أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا ابنُ إِدرِيس. قَال: سَمِعتُ مُخْتَارَ بْنَ فُلْفُلٍ، مَوْلَي عَمْرِو بْنِ حُرَيثٍ قَال: سَمِعتُ أَنَسًا يَقُولُ: قَال رَجُل. يَا رَسُولَ الله! بِمِثلِهِ.

5987 -

(00)(00) وحدثني مُحَمدُ بن المُثَنى. حَدَّثَنَا عَبدُ الرحمنِ، عَن سُفْيَانَ، عَنِ المختَارِ. قَال: سَمِعتُ أنسًا، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثلِهِ

ــ

كان في أول أمره يسأل أن يبلغ درجة إبراهيم من الصلاة عليه والرحمة والبركة والخلة ثم بعد ذلك أخبرنا أن الله تعالى قد أوصله إلى ذلك لما قال: "إن الله تعالى قد اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلا" رواه مسلم [532] ثم بعد ذلك زاده الله من فضله فشرفه وكرمه وفضله على جميع خلقه اهـ من المفهم. وتأخير فضائله عن فضائل عيسى عليه السلام يحتمل أنه من مسلم إشارة على ما ذكر زمنه إلى زمن صلى الله عليه وسلم اهـ أبي.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 178]، وأبو داود [4672] ، والترمذي [3349].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

5986 -

(00)(00)(حدثناه أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني (حدثنا) عبد الله (بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي، ثقة ثقة، من (8) (قال: سمعت مختار بن فلفل مولى عمرو بن حريث) الكوفي (قال) المختار: (سمعت أنسًا يقول قال رجل: يا رسول الله) أنت خير البرية. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن إدريس لعلي بن مسهر، وساق عبد الله بن إدريس (بمثله) أي بمثل حديث علي بن مسهر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

5987 -

(00)(00)(وحدثني محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9)(عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي، ثقة حجة، من (7) (عن المختار) بن فلفل الكوفي (قال) المختار:(سمعت أنسًا عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إبراهيم خير البرية. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لعلي بن مسهر، وساق سفيان (بمثله) أي بمثل حديث علي بن مسهر.

ص: 275

5988 -

(2347)(102) حدَّثنا قُتَيبَةُ بن سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا المغِيرَةُ، (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرحْمَنِ الْحِزَامي)، عَنْ أَبِي الزنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ، النبِي عليه السلام، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَة، بِالْقَدُومِ"

ــ

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال:

5988 -

(2347)(102)(حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا المغيرة يعني ابن عبد الرحمن) بن عبد الله بن خالد بن حزام القرشي الأسدي (الحزامي) نسبة إلى جده المذكور المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي المدني (عن) عبد الرحمن بن هرمز (الأعرج) الهاشمي المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اختتن إبراهيم النبي) الخليل (عليه السلام) أي قطع قلفة ذكره حين أمر بالختان (وهو) أي والحال أن إبراهيم (ابن ثمانين سنة بالقدوم) بالتخفيف أي بآلة تُسمى قدومًا وهي آلة ينجر بها النجارون الأخشاب أي ينحتونها بها عند جعلها بابا أو طاقة مثلًا كالفأس، والباء حينئذٍ للاستعانة، ويروي بتشديد الدال أي اختتن بموضع يُسمى قدومًا وهو معروف بالشام، والباء حينئذِ بمعنى في الظرفية، ومنهم من قال بالسراة وهو أول من اختتن، قال النووي: رواه مسلم متفقون على تخفيف القدوم، ووقع في روايات البخاري الخلاف في تخفيفه وتشديده قالوا: وآلة النجار يقال: قدوم بالتخفيف لا غير، وأما القدوم مكان بالشام ففيه التخفيف والتشديد ومن رواه بالتشديد أراد القرية، ورواية التخفيف تحتمل القرية والآلة والأكثرون على التخفيف وعلى إرادة الآلة اهـ.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 322]، والبخاري في الأنبياء باب قول الله تعالى:{وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [3356] وفي الاستئذان باب الختان بعد الكبر ونتف الإبط [6298].

قوله: (اختتن إبراهيم) قال القاضي عياض: من ها هنا شرع الختان في العرب من ولد إسماعيل، وفي اليهود من ولد إسحاق بن إبراهيم. قوله:(وهو ابن ثمانين سنة) قال العياض: كذا في مسلم، وفي حديث رواه مالك والأوزاعي اختتن وهو ابن مائة

ص: 276

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعشرين سنة ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة إلا أن مالكًا ومن تبعه أوقفوه على أبي هريرة فثبت الحديث في الموطأ من رواية القعنبي وسقط من رواية غيره، وذكر بعضهم العكس أنه اختتن وهو ابن ثمانين سنة كما في مسلم وعاش بعد ذلك مائة وعشرين وعلى كلا التقديرين فعمره مائتا سنة اهـ وفي صحيح ابن حبان أنه عليه السلام اختتن وهو ابن مائة وعشرين سنة، وقد تكلف بعض العلماء في الجمع بين الروايتين وأطال في ذلك في الفتح [111/ 88 و 89] ولكن لا تخلو وجوه الجمع من التعسف، والأحسن ما ذهب إليه بعض العلماء من أن حديث الصحيحين المذكور هنا قاض على الرواية الأخرى فإنها لا تقاوم حديث الباب من جهة الإسناد، وقال ابن المهلب: ليس اختتان إبراهيم عليه السلام بعد ثمانين مما يوجب علينا مثل فعله إذ عامة من يموت من الناس لا يبلغ الثمانين وإنما اختتن إبراهيم في الوقت الذي أوحى الله إليه بذلك وأمره به.

ومراد المهلب رحمه الله أنه ليس من السنة تأخير الختان إلى هذا السن لأن إبراهيم عليه السلام إنما فعل ذلك لأنه لم يؤمر به قبله، قال القرطبي: قد تقدم أن إبراهيم عليه السلام أول من اختتن وأن ذلك لم تزل سنة عامة معمولًا بها في ذريته وأهل الأديان المنتمين إلى دينه وهو حكم التوراة علي بني إسرائيل كلهم ولم تزل أنبياء بني إسرائيل يختتنون حتى عيسى عليه السلام غير أن طوائف من النصارى تأولوا ما جاء في التوراة من ذلك بان المقصود زوال غلفة القلب لا جلدة الذكر فتركوا المشروع من الختان بضرب من الهذيان وليس هذا بِأولِ جهالاتهم فكم لهم منها وكم ويكفيك في ذلك أنهم زادوا على أنبياءهم في الفَهْمِ وغلطوهم فيما عملوا عليه وقضوا به من الحُكْمِ اهـ من المفهم.

وأما الوقت المستحب للختان فهو السابع من يوم الولادة إلى ثنتي عشرة سنة وقد ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين رضي الله عنهما اليوم السابع من ولادتهما رواه الحاكم في المستدرك عن عائشة رضي الله تعالى عنها، وقال مكحول: إن إبراهيم عليه السلام ختن ابنه إسحاق لسبعة أيام وختن ابنه إسماعيل لثلاث عشر سنة ذكره العيني في عمدة القاري [1/ 514].

ودل حديث الباب على مشروعية الختان حتى لو أخر لمانع إلى أن كبر الرجل لم تسقط مشروعيته إلا أن يكون هناك عذر طبيعي أو شرعي فالشيخ الضعيف إذا أسلم ولا يطيق الختان إن قال أهل الخبرة لا يطيق يترك لأن ترك الواجب بالعذر جائز فترك السنة

ص: 277

5989 -

(2348)(103) وحدثني حَرمَلَةُ بن يَحيَى أَخبَرَنَا ابنُ وَهبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَن أبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرحمن وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَال: نَحنُ أَحَق بِالشك مِنْ إِبْرَاهِيمَ

ــ

أولى، وقيل في ختان الكبير إذا أمكن أن يختن نفسه فعل وإلا لم يفعل إلا أن يمكنه أن يتزوج أو يشتري ختانة فتختنه، وذكرالكرخي في الجامع الصغير ويختنه الحمامي اهـ وفي عصرنا هذا يختنه دكتور المستشفى كسائر العمليات.

قوله: (بالقدوم) وقد ذكرنا الخلاف في معناه آنفًا ورجح الحافظ في الفتح [6/ 390] أن المراد بالقدوم في الحديث هو الآلة لا الموضع واستدل عليه بما أخرجه أبو يعلى من طريق علي بن رباح قال: أمر إبراهيم بالختان فاختتن بقدوم فاشتد عليه فاوحى الله إليه إن عجلت قبل أن نأمرك بآلته فقال: يا رب كرهت أن أؤخر أمرك، ويؤيده أيضًا ما أخرجه أبو العباس السراج عن عبيد الله بن سعيد عن يحيى بن سعيد عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة رفعه "اختتن إبراهيم بالقدوم"، فقلت ليحيى: ما القدوم؟ قال: الفأس. ذكره الحافظ في الاستئذان [11/ 90].

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أنس بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنهما فقال:

5989 -

(2348)(103)(وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب) كلاهما (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نحن) معاشر الأنبياء (أحق) وأولى وأحرى (بالشك) أي بتطرق الشك في الإيمان لو فُرض وقُدر في إيمان الانبياء (من إبراهيم) الخليل صلى الله عليه وسلم ولكن لا يتطرق الشك والتردد في إيمان سائر الانبياء عليهم السلام فضلًا عن إبراهيم الذي هو خليل الرحمن فليس سؤاله إراءة الآية للشك في قدرة الله تعالى على الإحياء بل طلبًا لطمأنينة القلب وزيادة الإيمان، والمعنى أن الشك مستحيل في حق إبراهيم فإن الشك في إحياء الموتى لو كان متطرقًا إلى الأنبياء لكنت أنا أحق من إبراهيم وقد علمتم أني لم أشك فاعلموا أن إبراهيم عليه السلام لم يشك وإنما

ص: 278

إِذْ قَال: {رَبِّ أَرِنِي كَيفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَال أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَال بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260] ويرْحَمُ الله لُوطًا، لَقَد كَانَ يَأوي إلى رُكنٍ شَدِيدٍ. وَلَو لَبِثتُ فِي السجنِ طُولَ لَبثِ يُوسُفَ لأجَبْتُ الداعِيَ

ــ

خص إبراهيم بالذكر من بين الأنبياء لكون الآية قد يسبق منها إلى بعض الأذهان الفاسدة احتمال شك إبراهيم عليه السلام وإنما رجح إبراهيم على نفسه تواضعًا وأدبًا أو قبل أن يعلم صلى الله عليه وسلم أنه خير ولد آدم اهـ من الكوكب الوهاج [3/ 362] والظرف في قوله: (إذ قال) إبراهيم متعلق بمحذوف حال من الشك تقديره نحن أحق بالشك من إبراهيم حال كون الشك مظنونًا منه وقت قوله: {رَبِّ أَرِنِي كَيفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} أي حالة كون الشك مظنونًا منه وقت طلبه من ربه إراءة كيفية إحياء الموتى حين قال رب أرني .. إلخ سأله عن إراءة كيفية إحياء الموتى مع إيمانه الجازم بالقدرة الربانية فكان يريد أن يعلم بالعيان ما كان يوقن به بالوجدان، فعاتبه الله على ذلك حيث ({قَال أَوَلَمْ تُؤْمِنْ}) أي أتسألني عن ذلك ولم توقن ولم تصدق بقدرتي على الإحياء، والهمزة فيه للاستفهام الاستثباتي كقول جرير:

ألستم خير من ركب المطايا

{قَال} إبراهيم: {بَلَى} يا رب آمنت وصدقت أنك قادر على الإحياء وليس سؤالي لعدم إيماني بذلك {وَلَكِنْ} سألتك عن ذلك ({لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}) أي ليوقن قلبي ويزداد طمأنينة وبصيرة بمضامة العيان إلى الاستدلال وقصة إبراهيم هذه هي موضع الترجمة وذكر ما بعدها لإتمام الحديث، وقوله:(ويرحم الله لوطًا) معطوف على قوله: نحن أحق بالشك من إبراهيم أي وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرحم الله لوطأ أي يكرم الله سبحانه لوطًا برحمته وإحسانه والله (لقد كان) لوط (يأوي) ويلتجئ من إذاية قومه (إلى ركن) وملجأ (شديد) أي قوي وحصن حصين مانع حافظ من إذاية العدو فالمراد بالركن الشديد هو الله تعالى حين خاف منهم على أضيافه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شك يوسف بن يعقوب (ولو لبثت) ومكثت (في السجن) والمحبس (طول لبث يوسف) عليه السلام أي لبثًا طويلًا كاللبث الطويل الذي لبثه يوسف (لأجبت الداعي) إلى الخروج، وما تأنيت قال ذلك تواضعًا، وقد مر بسط الكلام على هذا الحديث في كتاب الإيمان فراجعه ثم.

ص: 279

5990 -

(00)(00) وحدثناه إِن شَاءَ الله، عَبدُ الله بن مُحَمدِ بنِ أَسماءَ. حَدَّثَنَا جُوَيرِيَةُ، عَن مَالِكٍ، عَنِ الزهْرِي؛ أَن سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَأَبَا عُبَيدٍ أَخْبَرَاهُ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، بِمَعْنَى حَدِيث يُونُسَ عَنِ الزهرِي

ــ

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في كتاب التفسير وابن ماجه في الفتن.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

5990 -

(00)(00)(وحدثناه إن شاء الله) تعالى (عبد الله بن محمد بن أسماء) بن عبيد بن مخراق (الضبعي) بضم المعجمة وفتح الموحدة نسبة إلى بني ضبيعة أبو عبد الرحمن البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب، وجملة قوله:(إن شاء الله) تعالى معترضة بين الفعل والفاعل، ولعل المؤلف طرأ عليه شيء من الشك في سماع هذا الحديث من عبد الله بن محمد، ولذلك قال: إن شاء الله والمراد أني أنسب هذا الحديث إلى عبد الله بن محمد بن أسماء بغالب ظني، وقيل: جاء بها للتبرك لا للشك وقد اعترض بها على مسلم من لا علم عنده ولا خبرة لديه فقال: يحتج مسلم بشيء يشك فيه وهذا الاعتراض خيال باطل من قائله فإن مسلمًا رحمه الله تعالى لم يحتج بهذا الإسناد وإنما ذكره متابعة للسند الأول، وقد قدمنا أنه يحتمل عندهم في المتابعات والشواهد ما لا يحتمل في الأصول والله أعلم اهـ نووي في كتاب الإيمان (حدثنا) عمي (جويرية) بن أسماء بن عبيد الضبعي البصري، صدوق، من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن الزهري أن سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (17) بابا (وأبا عبيد) مصغرًا سعد بن عبيد مولى عبد الرحمن بن أزهر المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (4) أبواب (أخبراه) أي أخبر الزهري (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة مالك ليونس، وفائدتها تقوية السند الأول، وساق مالك (بمعنى حديث يونس عن الزهري).

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

ص: 280

5991 -

(00)(00) وحدثني زُهَيرُ بن حَرْب. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ. حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَال:"يَغْفِرُ الله لِلُوطٍ إِنهُ أَوَى إِلَي رُكنٍ شَدِيدٍ".

5992 -

(2349)(104) وحدثني أَبُو الطاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَيوبَ السخْتِيَانِي، عَنْ مُحَمدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم

ــ

5991 -

(00)(00)(وحدثني زهير بن حرب حدثنا شبابة) بن سوار الفزاري أبو عمرو المدائني، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا ورقاء) بن عمر بن كليب اليشكري أبو بشر الكوفي، نزيل المدائن، صدوق، من (7) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الأعرج لأبي سلمة وسعيد بن المسيب (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يغفر الله للوط إنه أوى) والتجأ (إلى ركن شديد) يقال إن قوم لوط لم يكن فيهم أحد يجتمع معه في نسبه لأنهم من سدوم وهي من الشام وكان أصل إبراهيم ولوط من العراق فقال: لو أن لي منعة وأقارب وعشيرة لكنت استنصر بهم وسمى العشيرة ركنا لأن الركن الشديد يستند إليه ويمتنع به فشبههم بالركن من الجبل لشدتهم ومنعتهم وكأنه صلى الله عليه وسلم استغرب منه ذلك القول وعذه نادرًا منه إذ لا ركن أشد من الركن الذي يأوي إليه وهو الثقة بالله فلما كان ظاهر كلامه يدل على اعتماده بالأسباب الظاهرة استغفر له وقد مر هذا الحديث في كتاب الإيمان بأبسط شرح.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أنس بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال:

5992 -

(2349)(104)(وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) المصري (أخبرني جرير بن حازم) بن زيد بن عبد الله الأزدي أبو النضر البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (19) بابا (عن أيوب) بن أبي تميمة كيسان (السختياني) العنزي البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (17) بابا (عن محمد بن سيرين) الأنصاري مولاهم أبي بكر البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (16) بابا (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 281

قَال: "لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ النبِيُّ، عليه السلام، قَطُّ، إِلا ثَلاثَ كَذَبَاتٍ. ثِنْتَينِ فِي ذَاتِ الله. قَوْلُهُ:{فَقَال إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89]. وَقَوْلُهُ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}

ــ

قال: لم يكذب إبراهيم النبي) الخليل (عليه السلام قط) أي في زمن من الأزمنة الماضية في عمره أي لم يجر على لسانه ما هو الكذب عند المتكلم لأنه قصد التورية وإن كان على صورة الكذب عند المخاطب (إلا ثلاث كذبات) بفتح الذال وكسرها وجمع كذبة بسكونها وهي المرة من الكذب، قال أبو البقاء: الجيد أن يقال: بفتح الذال في الجمع، وقد أورد على هذا الحصر ما رواه مسلم من ذكر قول إبراهيم هذا ربي فأجيب عنه بأنه في حالة الطفولية وهي ليست زمان التكليف أو المقصود منه الاستفهام للتوبيخ والاحتجاج اهـ محمد الدهني (ثنتين منها في ذات الله) أي لأجل الله تعالى أو في أمر الله، قال الشارح: أي في أمر الله وما يختص به إذ لم يكن لإبراهيم نفسه فيه أرب لأنه قد قصد في الأول أن يتخلف عن القوم بهذا العذر فيفعل بالأصنام ما فعل وبالثانية إلزام الحجة عليهم بأنهم ضُلال سفهاء في عبادة ما لا ينفع ولا يضر اهـ مرقاة باختصار؛ فمعنى قوله: (ثنتين في ذات الله) يعني تكلم بهما على سبيل التورية لإثبات توحيد الله تعالى ووقع في حديث ابن عباس عند أحمد: والله إن جادل بهن إلا عن الله نقله العيني في العمدة [7/ 354] إحداهما: (قوله) أي قول إبراهيم لقومه حين طلبوا منه الخروج معهم إلى محافلة عيدهم معتذرًا إليهم (إني سقيم) أي مريض لا أستطيع الخروج معكم إلى العيد وكان ظاهر هذا الكلام أنه مبتلى بمرض لا يستطيع معه الخروج فعذروه ولكنه أراد بذلك شيئًا يسيرًا اعتراه من عدم اعتدال المزاج لا يمنع مثله من الخروج ولكن يصح عليه إطلاق اسم السقم، ويحتمل أن يكون قد أراد بالسقم حزن طبعه مجازًا وكان يحزن لما يرى من وقوعهم في الشرك وارتكابهم للمعاصي (و) ثانيهما (قوله بل فعله كبيرهم هذا) أي وقول إبراهيم بل فعل هذا القطع والكسر أي قطع الأصنام الصغار كبير الأصنام الذي أخذ الفأس الذي قطع به الصغار غيرة عليهم لطلبه الاستبداد بالعبادة، قال القرطبي: لما كسر الأصنام ترك الكبير لينسب إليه كسرها حين سألوه ليقطعهم بالحجة فإنهم لما رجعوا من عيدهم فوجدوا الأصنام مكسرة {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59)} [الأنبياه / 59] فقال بعضهم: {سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} [الأنبياه / 60] وكان هذا الذكر هو قول إبراهيم لهم: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57)}

ص: 282

[الأنبياء: 63]. وَوَاحِدَةً فِي شَأنِ سَارَةَ. فَإِنهُ قَدِمَ أرْضَ جَبَّارٍ وَمَعَهُ سَارَةُ

ــ

[الأنبياء / 57] فلما أحضروا: {قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ (62)} [الأنبياء / 62] فأجابهم بقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} [الأنبياء / 63]{فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ} [الأنبياه / 64] أي رجع بعضهم إلى بعض رجوع المنقطع عن حجة المتفطن لحجة خصمه {فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ} [الأنبياء / 64] أي الذين فعلوا الظلم بعبادة من لا ينطق بلفظة ولا يملك لنفسه لحظة فكيف ينفع عابديه ويدفع عنهم البأس من لا يرد عن نفسه الفأس، والظلم وضع الشيء في غيره {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ} [الأنبياء / 65] أي عادوا إلى جهلهم وعنادهم فقالوا:{لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ} [الأنبياء / 65] فقال قاطعًا لما يهذون ومفحمًا لهم فيما يتقولون: {أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67)} [الأنبياء / 66 - 67] فقوله: (ثنتين في ذات الله) أي في دفع المشاركة عن ذات الله وإثبات الوحدانية والألوهية لله تعالى (وواحدة) بالنصب معطوفة على ثنتين أي وكذب كذبة واحدة من الثلاث (في شأن سارة) أي بتخفيف الراء في دفع الجبار عن سارة بنت هاران وهذه الواحدة هي من إبراهيم عليه السلام مدافعة عن حكم الله تعالى الذي هو تحريم سارة على الجبار والثنتان المتقدمتان دفاع وحدانية الله تعالى فافترقتا فلذلك فرق في الإخبار بين النوعين اهـ من المفهم (فإنه) أي فإن إبراهيم (قدم أرض جبار) من الجبابرة أي أرض ملك جبار ظالم، وذكر السهلي أن اسمه عمرو بن امرؤ القيس بن سبأ وأنه كان على مصر وهو قول ابن هشام في التيجان، وقال ابن قتيبة: اسمه صادف بالفاء وكان على الأردن، وحكى الطبري أنه سنان بن علوان بن عبيد بن عريج بن عملاق بن لاود بن سام بن نوح عليه السلام ويقال: إنه أخو الضحاك الذي ملك الأقاليم كذا في فتح الباري [6/ 392] وقال العيني في العمدة: [7/ 354] قال علماء السير: أقام إبراهيم بالشام مدة بعد هجرته من العراق فقحط الشام فسار إلى مصر ومعه سارة وكان بها فرعون وهو أول الفراعنة عاش دهرًا طويلًا فأتى إليه رجل وقال له إنه قدم رجل ومعه امرأة من أحسن الناس وجرى له معه ما ذكره في الحديث اهـ (ومعه) أي مع إبراهيم زوجته (سارة) بتخفيف الراء أم إسحاق بن إبراهيم، قال الحافظ: واختُلف في والد سارة مع القول بأن اسمه هاران، فقيل: هو ملك حران وإن إبراهيم تزوجها لما هاجر من بلاد قومه وهي العراق إلى حران، وقيل: هي ابنة أخيه وكان ذلك جائزا في تلك الشريعة حكاه ابن قتيبة والنقاش

ص: 283

وَكَانَتْ أَحْسَنَ الناسِ. فَقَال لَهَا: إِن هَذا الجبارَ، إِن يَعلَم أَنكِ امرَأَتِي، يَغلِبْنِي عَلَيكِ. فَإِنْ سَأَلَكِ فَأخْبِرِيهِ أَنكِ أُخْتِي. فَإِنكِ أُخْتِي فِي الإِسْلام. فَإِني لَا أَعلَمُ فِي الأرضِ مُسْلِمًا غَيرِي وَغَيرَكِ. فَلَما دَخَلَ أَرْضَهُ رَآهَا بَعْضُ أَهْلِ الجبارِ. أَتَاهُ فَقَال لَهُ:

ــ

واستبعد، وقيل: هي بنت عمه وتوافق الاسمان، وقد قيل في اسم أبيها توابل (وكانت) سارة (أحسن الناس) وأجمل النساء (فقال) إبراهيم (لها) أي لسارة:(إن هذا) الملك (الجبار) الذي نزلنا أرضه (إن يعلم) ذلك الجبار (أنك امرأتي) وزوجتي (يغلبني عليك) أي على صحتك ويأخذك مني قيل إن ذلك الجبار كانت سيرته أنه لا يغلب الأخ على أخته ولا يظلمه فيها وكان يغلب الزوج على زوجته وعلى هذا يدل مساق الحديث وإلا فما الذي فرق بينهما في حق جبار ظالم اهـ من المفهم، وذكر المنذري في حاشية السنن عن بعض أهل الكتاب أنه كان من رأى الجبار المذكور أن من كانت متزوجة لا يقربها حتى يقتل زوجها فلذلك قال إبراهيم:"هي أختي" لأنه إن كان عادلًا خطبها ثم يرجو مدافعته عنها وإن كان ظالمًا خلص من القتل ذكره الحافظ في الفتح، وقال: هذا أخذ من كلام ابن الجوزي في مشكل الصحيحين فإنه نقله عن بعض علماء أهل الكتاب أنه سأله عن ذلك فأجابت به ويضاف إلى ذلك أن إبراهيم عليه السلام إنما احتال لصيانة نفسه عن القتل لأنه كان يرجو إن بقي حيًّا وأراد الجبار بامرأته سوءًا فإنه يدعو الله تعالى ليصرف عنها ذلك السوء فتجتمع بذلك المصلحتان صيانة نفسه عن القتل وصيانة عرضة وعرض امرأته عن سوء نية الجبار فوقع الأمر حسب ما رجا به (فإن سألك) عما بيني وبينك من العلقة (فأخبريه أنك أختي) قال النووي: هذا ليس بكذب لوجهين الأول بأنه ورى بأنها أخته في الإسلام كما ذكر ومن سمى المسلمة أخته قاصدًا أخوة الإسلام فليس بكاذب. والثاني: أنه وإن كان كذبًا لا تورية فيه فهو جائز لأنهم اتفقوا لو جاء ظالم يطلب رجلًا مختفيًا ليقتله أو يطلب وديعة إنسان ليأخذها غصبًا لوجب إخفاؤه على من علم ذلك، والكذب فيه حينئذٍ واجب اهـ (فإنك أختي في الإسلام) والدين وإن لم تكن أختي في النسب (فإني لا أعلم في) هذه (الأرض) يعني أرض الجبار (مسلمًا غيري وغيرك فلما دخل) إبراهيم مع سارة (أرضه) أي أرض الجبار (رآها) أي رأى سارة مع إبراهيم (بعض أهل الجبار) وأصحابه فـ (أتاه) أي فأتى ذلك البعض الجبار (فقال) ذلك البعض:(له)

ص: 284

لَقَدْ قَدِمَ أَرْضَكَ امْرَأَةٌ لَا يَنْبَغِي لَهَا أَن تَكُونَ إِلا لَكَ. فَأرْسَلَ إليِها فَأُتِيَ بِهَا. فَقَامَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام إِلَى الصلاةِ. فَلَما دَخَلَت عَلَيهِ لَمْ يَتَمَالكْ أنْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَيهَا. فَقُبِضَتْ يَدُهُ قَبْضَةً شَدِيدَةً. فَقَال لَهَا: ادْعِي اللهَ أن يُطلِقَ يَدِي وَلَا أَضُرُّكِ،

ــ

أي لذلك الجبار. وقوله: (فإنك أختي في الإسلام) هذا بيان وجه التورية في هذا الكلام وهو واضح جدًا وقد استدل به الفقهاء على أن قول الزوج لامرأته هذه أختي لا يقع به الظهار ولا الطلاق، وقوله:(لا أعلم في الأرض) .. إلخ يشكل عليه كون لوط عليه السلام قد آمن معه ويمكن أن يجاب بأن مراده بالأرض الأرض التي وقع له فيها ما وقع ولم يكن معه لوط إذ ذاك كذا في الفتح، وقوله:(رآها بعض أهل الجبار) وفي كتاب التيجان أنه رجل كان إبراهيم يشتري منه القمح فنمّ عليه عند الملك وذكر أن من جملة ما قاله للملك إني رأيتها تطحن وهذا هو السبب في إعطاء الملك لها هاجر في آخر الأمر، وقال: إن هذه لا تصلح أن تخدم نفسها أي فقال ذلك البعض للجبار والله (لقد قدم أرضك) أي أرض ملكك ودخل فيها وذكر الفعل لحصول الفصل بينه وبين الفاعل (امرأة) جميلة (لا ينبغي لها) أي لا يليق بها (أن تكون) زوجة (إلا لك فأرسل) الجبار (إليها) أي إلى سارة من يأتي بها (فأتي) بالبناء للمجهول أي أتى الرسول (بها) أي بسارة إلى الجبار (فـ) لما أخذت سارة (قام إبراهيم عليه السلام إلى الصلاة) يدعو الله فيها أن يخلصها من الجبار عملا بقوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} ما كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى، على ما رواه أحمد وأبو داود عن حذيفة اهـ مرقاة (فلما دخلت) سارة (عليه) أي على الجبار (لم يتمالك) الجبار (أن بسط) ومد (يده إليها) أي إلى سارة، وفي رواية الأعرج عند البخاري في البيوع (فأرسل بها إليه فقام إليها فقامت توضأ وتصلي فقالت: اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط على الكافر فغط -أي اختنق- حتى ركض برجله -أي صار مصروع - (فقبضت يده) أي أخذت يد الجبار (قبضة شديدة) ويجمع بينه وبين رواية الأعرج بأنه وقع له الأمر أن قبضت يده وأصابه الصرع والاختناق (فقال لها): أي لسارة الجبار (ادعي الله) لي أيتها المرأة (أن يطلق ويرسل لي يدي) المقبوضة، وفي رواية الأعرج عند البخاري إن أبا هريرة قال:(قالت) سارة في دعائها له: "اللهم إن يمت يقال: قتلته فأرسل"(ولا أضرك) بشيء من الضرر، وقول الجبار لسارة حين قبضت يده عنها (ادعي الله لي) يدل

ص: 285

فَفَعَلَتْ. فَعَادَ، فَقُبِضَت أَشَدَّ مِنَ القَبْضَةِ الأُولَي. فَقَال لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ، فَفَعَلَتْ فَعَاد، فَقُبِضَتْ أَشَدَّ مِنَ الْقَبضَتَينِ الأُولَيَينِ. فَقَال: ادْعِي اللهَ أَنْ يُطْلِقَ يَدِي، فَلَكِ اللهَ أَنْ لا أَضُرُّكِ، فَفَعَلَتْ، وَأُطْلِقَتْ يَدُهُ. وَدَعَا الذي جَاءَ بِهَا فَقَال لَهُ: إِنكَ إِنمَا أتَيتَنِي بِشَيطَانٍ. وَلَمْ تَأتِنِي بِإِنْسَانٍ. فَأخْرِجْهَا مِنْ أَرْضِي، وَأَعْطِهَا هَاجَرَ

ــ

على أن هذا الجبار كان عنده معرفة بالله تعالى وبأن لله من عباده من إذا دعاه أجابه ومع ذلك فلم يكن مسلمًا لأن إبراهيم عليه السلام قد قال لسارة ما أعلم على الأرض مسلما غيري وغيرك (ففعلت) سارة الدعاء له فأرسلت يده (فعاد) إليها ببسط يده إليها (فقبضت) يده قبضًا) (أشد من القبضة الأولى فقال لها) مرة ثانية، قوله:(مثل ذلك) أي مثل ما قال لها أولًا يعني قوله: (ادعي الله أن يطلق ولا أضرك)(ففعلت) الدعاء له (فعاد) إليها (فقبضت) يده قبضًا (أشد من القبضتين الأوليين فقال) لها في الثالثة: (ادعي الله أن يطلق يدي فلك) بـ (الله أن لا أضرك) بشيء، قال القرطبي: الرواية في لفظ الجلالة بالنصب لا يجوز غيره والكلام قسم ومقسم به ومقسم عليه، وفيه حذف يتبين بالتقدير وتقدير ذلك لك أقسم بالله على أن لا أضرك فحذف الخافض فتعدى الفعل فنصب ثم حذف فعل القسم وبقي المقسم به وهو لفظ الجلالة منصوبًا وكذلك المقسم عليه وهو أن لا أضرك يعني مفتوح همزة أن ويجوز في أضرك رفع الراء على أن تكون أن مخففة من الثقيلة ويجوز فيها النصب على أن تكون أن الناصبة للمضارع اهـ من المفهم (ففعلت) سارة الدعاء له وأُطلقت يده ودعا الرسول (الذي جاء بها) إليه (فقال له) أي للرسول:(إنك) اليوم (إنما أتيتني بشيطان ولم تأتني بإنسان) وهذا كلام يناقض قوله أولًا ادعي الله لي فيكون ذمه لها عنادًا بعد أن ظهر له كرامتها على الله أو إخفاء لحالها لئلا يتحدث بما ظهر عليها من الكرامة فتعظم في نفوس الناس وتتبع فلبس على السامع بقوله: إنما أتيتني بشيطان اهـ من المفهم، وقال الحافظ في الفتح: والمراد بالشيطان المتمرد من الجن وكانوا قبل الإسلام يعظمون أمر الجن جدًّا ويرون كل ما وقع من الخوارق من فعلهم وتصرفهم اهـ (فأخرجها من أرضي وأعطها هاجر) بفتح الجيم أي وهب لها خادمًا اسمها هاجر، ووقع في بعض النسخ (آجر) بالهمزة الممدودة بدل الهاء وكذا وقع في رواية الأعرج عند البخاري في البيوع وهو اسم سرياني، ويقال: إن أباها كان من ملوك القبط وإنها من حفن بفتح الحاء وسكون الفاء قرية بمصر، قال اليعقوبي: كانت مدينة، وقال

ص: 286

قَال: فَأَقْبَلَتْ تَمْشِي، فَلَما رَآها إِبْرَاهِيمُ عليه السلام انصَرَفَ. فَقَال لَهَا: مَهْيَمْ؟ قَالتْ: خَيرًا، كَف الله يَدَ الفَاجِرِ وَأخْدَمَ خَادِمًا.

قَال أَبُو هُرَيرَةَ: فَتِلكَ أَمكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السمَاءِ

ــ

الحافظ: وهي الآن كفر أي قرية من عمل أنصنا بالبر الشرقي من الصعيد في مقابلة الأشمونين وفيها آثار باقية (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأقبلت) سارة إلى إبراهيم حالة كونها (تمشي) على عادتها (فلما رآها) أي رأى سارة (إبراهيم عليه السلام انصرف) أي فرغ من الصلاة (فقال لها) إبراهيم عليه السلام: (مهيم) بفتح الميم وسكون الهاء وفتح الياء وسكون الميم الأخيرة أي ما شأنك وما خبرك مع الجبار، ويقال: إن إبراهيم الخليل أول من قال هذه الكلمة، ووقع في بعض روايات البخاري (مهيا) بالألف، وفي بعضها:(مهين) بالنون، والأول أفصح وأشهر ومعناها واحد، قال القرطبي: قال الخليل: هي كلمة لأهل اليمن خاصة معناها ما هذا، وفي الصحاح هي كلمة يستفهم بها معناها ما حالك وما شأنك ونحوه اهـ من المفهم. فـ (قالت) له سارة: فعل الله (خيرًا) قال الطبري: هو منصوب بفعل محذوف أي فعل الله خيرًا، ثم فسرت الخبر بقوله: كف الله) أي منع الله (يد الفاجر) وقبضها عني، وفي رواية للبخاري:(كبت الله يد الفاجر) أي قبضها الله وأمسكها عني (وأخدمـ) ـني الله (خادمًا) أي عصمها الله تعالى منه بما ظهر من كرامتها وأعطاها الله خادمًا وهي هاجر، وفيه جواز قبول هدية الكافر وقد تقدم القول فيها في كتاب الهبة (قال أبو هريرة) رضي الله عنه بالسند السابق:(فتلك) الخادمة الموهوبة لسارة هي (أم) أبيـ (ـكم) إسماعيل عليه السلام يا أيها العرب (يا بني ماء السماء) فتلك إشارة إلى هاجر، والخطاب للعرب فإن هاجر هي أم العرب وإنما سماهم بني ماء السماء لكثرة ملازمتهم للفلوات التي بها مواقع القطر لأجل رعي دوابهم، قاله الخطابي وقال غيره: سموا بذلك لخلوص نسبهم وصفائه وشبهه بماء السماء، وقيل: أراد بماء السماء زمزم لأن الله أنعمها لهاجر فعاش ولدها بها وصاروا كأنهم أولادها، قال ابن حبان في صحيحه: كل من كان من ولد إسماعيل يقال له: ماء السماء لأن إسماعيل ولد هاجر وقد ربى بماء زمزم وهي من ماء السماء، وقال القاضي عياض: والأظهر عندي أنه أراد بذلك الأنصار نسبهم إلى جدهم عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد، وكان يُعرف بماء السماء وهو مشهور والأنصار

ص: 287

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كلهم بنحو حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر المذكور وهذ على القول بأن العرب كلها من بني إسماعيل، وفيه بعض الخلاف بين علماء الأنساب اهـ من عمدة القاري [7/ 355] مع زيادة من المفهم للقرطبي.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 403 - 404]، والبخاري في مواضع كثيرة منها في البيوع باب شراء المملوك من الحربي وهبته وعتقه [2217]، وأبو داود في الطلاق باب في الرجل يقول لامرأته: يا أختي [2212] والترمذي في التفسير باب ومن سورة الأنبياء [3166].

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث سبعة: الأول: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والثالث: حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستشهاد، والرابع: حديث أنس بن مالك ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والخامس: حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستشهاد، والسادس: حديث أبي هريرة الخامس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والسابع: حديث أبي هريرة السادس ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

ص: 288