الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كتاب البيوع الفاسدة]
ترجمة البيوع الفاسدة: ولعياض والمارزي: (وغيرهما ما حاصله فاسدها نوعان: ما لا يصح رفع المكلف إثر فساده، وعلله: أصناف الغرر وربا الفضل، والنساء، وعدم استيفاء المبيع طعاما وحرمته عموما كذي حرية أو عقدها أو خصوصا كالمصحف، والمسلم من كافر على قول، وتعلق القربة به القربة به أو قصدها كلحم الهدي والأضحية.
وعدم الانتفاع به شرعا كالنجس، والصور، والخنزير، والقرد، وآلة الباطل والسم، وآلة الحرب من محارب أو حربي.
عياض: أو نقادة كالديدان، وسابعها استحقاق زمنه غيره.
ابن رشد: كالبيع زمن أقل إدراك أداء الصلاة.
عياض: كوقت الأذان والصلاة يوم الجمعة، ومقارنة شرط يوجب مفسدة تقدم تفصيله.
قلت: عدم الانتفاع المؤثر ما كان حالا ومالا، أما الحالي فقط فلا، وقول المارزي في كتاب الغرر:(وما لا ينتفع به في الحال كطفل رضيع يباع، فإن ذلك مما ينتفع به في المآل دون الحال البيع فيه لا يجوز)، ولهذا قال أشهب في شراء ممر في دار: إنما جوز البيع إذا كان مشتريه يتوصل به إلى ما ينتفع به كأرض له يصل به إليها ولابد من حمل ما في المدونة على هذا، لأنه إذا كان يشتري خطوات يخطوها في دار إنسان لا يتوصل بها إلى ما ينتفع به في الحال أو يعلم أنه سيكون في المآل، فإن هذا من إضاعة المال غلط لنقل ابن محرز في كتاب الظهار ما نصه:(ضعف الصغر ليس بزمانه والصغير إن لم يطق السعي في الحال يطبقه في ثاني حال، ولذا جاز بيعه).
وفي نوازل أصبغ في الظهار: (من أعتق منفوسا فكبر أخرس أو مطبقا بجنون أجزاء أن هذا شيء يحدث، وكذا لو ابتاعه فكبر على هذا لم يلحق بائعه شيء)، ولم يحك ابن رشد فيه خلافا، وقولا ابن القاسم وأصبغ: في جواز بيع شعر الخنزير أخذ منه حيا أو ميتا ومنعه خرجه ابن رشد على طهارته بعدم حلول الحياة ونجاسته وصوب الأول وما يصح رفع المكلف إثر فساده هو ذو حق آدمي فقط، كبيع السفيه والأجنبي غير وكيل والتفرقة ونحو ذلك.
وفي نوازل أصبغ في الظهار: (من أعتق منفوسا فكبر أخرس أو مطبقا بجنون أجزاء لأن هذا شيء يحدث، وكذا لو ابتاعه فكبر على هذا لم يلحق بائعه شيء)، ولم يحك ابن رشد فيه خلافا، وقولا ابن القاسم وأصبغ: في جواز بيع شعر الخنزير أخذ منه حيا أو ميتا ومنعه خرجه ابن رشد على طهارته بعد حلول الحياة ونجاسته وصوب الأول وما يصح رفع المكلف إثر فساده هو ذي حق آدمي فقط، كبيع السفيه والأجنبي غير وكيل والتفرقة ونحو ذلك.
وفي اندراج المكروه في الفاسد صرح ابن رشد باندراجه والأظهر إن عني بالفاسد ما نهي عنه فقط فمندرج وإن به ذلك مع سلب خاصية الصحيح وهي إمضاؤه ولزومه فهو غير مندرج.
وفيها: ضمان ما فسد من آبق أو جنين أو ثمرة لم يبد صلاحها من البائع حتى يقبضه، وفي الرد بالعيب منها كل ربيع فاسد، فضمان ما يحدث بالسلعة في سوق أو بدن من البائع حتى يقبضها المبتاع.
أبو عمران وابن محرز: قال أشهب: يضمنه مشتريه، وإن لم يقبضه إذا مكنه من قبضه أو انتقد ثمنه.
زاد أبو عمران: ورواية أشهب: من تزوج على عبد فمات قبل القبض أنه من
الزوج وهو لم يكن على منعها منه يرد قوله في البيع.
وسمع أبو زيد ابن القاسم في جامع البيوع (من ابتاع زرعا قبل بدو صلاحه ثم حصده وحمله إلى منزله فأصابته نار فاحترق، وعلم أنه ذلك القمح بعينه فمصيبته من بائعه).
ابن رشد: هذا لخلاف المعلوم في المذهب أن المبيع بيعا فاسدا، يضمنه مبتاعه بقبضه، ونحوه سمع يحيي في كتاب الجعل، ووجهه لما كان بيعا فاسدا لم ينعقد، ولا انتقل به ملك، وبقى في ملك البائع؛ فوجب كون ضمانه منه إذا قامت على تلفه بينة، وقال جماعة خارج المذهب، زاد في أجوبته في هذا القول: ولا يفيت المبيع بيع ولا غيره وهو شاذ في المذهب.
قلت: وظاهره أنه إنما يكون من البائع إن قامت بهلاكه بينة.
اللخمي: وقال سحنون: إن كان البيع حراما فمصيبته من بائعه وهو في يد مشتريه كالرهن، وعبر المارزي عنه بكونه متفقا على تحريمه.
قلت: وسمع سحنون ابن القاسم: من اشترى زرعا بعد يبسه بثمن فاسد فأصابته عاهة فتلف قبل حصده مصيبته من مشتريه، وهو قابض بخلاف مشتريه قبل بدو صلاحه على أن يتركه فيصاب بعد يبسه مصيبته من بائعه.
ابن رشد: لأنه إذا ابتاعه بعد يبسه بثمن فاسد دخل بالعقد في ضمانه؛ إذ لا توفية فيه على البائع؛ لأنه جزاف كما لو اشتراه صحيحا ضمنه بالعقد؛ لأن حصاده عليه ولا جانحة فيه فهو كصبرة جزافا.
قلت: هذا يقتضي أن المذهب عنده في المبيع بيعا فاسدا إذا لم يكن بيد بائعه، ولا توفية فيه، إنه من مبتاعه، وظاهر قولنا والروايات غير هذا السماع أنه من بائعه، وإنما يتصور هذا على قول أشهب القائل: إن التمكين كالقبض، فتأمله وسمع أبو زيد ابن القاسم: من ابتاع كلبا فهلك بيده ضمانه من بائعه وعليه يرد المبتاع ما انتفع به لحديث: "الخراج بالضمان"، ومثله سماع عيسى في مسلم اشترى من مسلم خنزيرا يرد ثمنه
لمشتريه ويقتل فظاهره قتله من البائع وقيل: يقتل على مشتريه إن قبضه، فعليه يكون ضمان الكلب من مشتريه والأول هو المعروف.
اللخمي: اختلف إن كانت بيد أمين البائع فأقرها المشتري ولم يقبضها هل تبقى على ضمان االبائع لأن الحكم منع المشتري من قبضها أو يضمنها المشتري، وكذا لو كانت قبل البيع عند المشتري ثم اشتراها شراء فاسدا اختلف هل يضمنها المشتري أو تبقى في ضمان البائع لأن الحكم رد ذلك الرضى وهي باقية على حكم الأمانة إلا أن يحدث فيها المشتري حدثا فيضمن قيمتها يوم أحدثه بخلاف أن يحدث فيها أمر من غير سبب المشتري.
قلت: ففي ضمان المبتاع المبيع فاسدا ولا توفية فيه بقبض ثمنه كتمكينه البائع من قبضه أو بقبضه، ثالثهما: لا يضمنه بحال إن قامت بينة بتلفه بغير سبب، رابعها: هذا إن كان متفقا على حرمته وخامسها يضمنه بالعقد إن كان جزافا، ولو كان بأرض بائعه لأشهب والمشهور وسماع أبي زيد وقول شحنون وسماعه ونقل ابن عبد السلام قول سحنون.
ثالثها: لقولي ابن القاسم وأشهب: مطلقا لا بقيد كونه في متفق على فساده غير تام، وضمانه يوجب قيمته بموجبها يومه على أقواله، الكافي: في كون قيمته يوم قبضه أو فوته قولان، والثاني أقيس، وفي الرد بالعيب منها، وكذا في البيع الفاسد ترد المبيع ولا شيء عليك في غلته، ثم قال: لأن الغلة بالضمان والبيع الفاسد لا ينقل حقيقة الملك بعقده لقولها في الهبة: (عتق البائع من باعه بيعا فاسدا قبل فوته لازم)، ومقتضى قول المارزي عن أشهب لغو عتقه نقله حقيقته، وفي نقله للمبتاع شبهته نقل المارزي عن بعض البغداديين مع أخذه من قولها من قال لعبد: إن اشتريتك أو ملكتك؛ فأنت حر فابتاعه بيعا فاسدا عتق عليه، وعن أخذ بعض القرويين من قولها في الهبة: إذا فسخ البيع الفاسد؛ إنما يرجع المبيع على الملك الأول.
قلت: ظاهر معاندته ما أخذه بعض القرويين لقول بعض البغداديين: إنه لا ينقل شبهة الملك، وأخذ ابن رشد أنه لا ينقل شبهة الملك عند هذا القروي، وهذا لا أعرفه إنما قال ابن محرز: لا ينقل الملك للمشتري؛ لكن يوجب له في المبيع شبهة لقولها في الصدقة: وهذا هو معنى شبهة الملك، وأخذ ابن رشد أنه لا ينقل شبهة الملك من سماع أبي زيد المتقدم في ضمانه والأول من قولها في الرد بالعيب: من ابتاع جارية بيعا فاسدا فأعتقها قبل أن يقبضها أو كاتبها أو دبرها أو تصدق بها فذلك فوت إن كان له مال. وقول اللخمي في كتاب الهبة: إن كان مجمعا على فساده لم ينقل الملك، إنما ينقل الضمان، على أحد القولين يرد بقولها في الرد بالعيب إن اشترى مسلم جارية من ذمي بخمر فأعتقها أو أحبلها فذلك فوت وعليه قيمتها، وقد يجاب برعي نسبة البيع للذمي، وبه يفهم دلالة مفهوم قوله:(من ذمي) لولا قول ثاني عتقها، وإن باع عبده من أجنبي بخمر أو خنزير أو بما لا يحل فأعتقه المبتاع جاز عتقه، ولم يرد، ولزم المبتاع شبهته في المجمع على حرمته للمشهور، وأخذ ابن رشد من سماع أبي زيد مع المازري عن بعض القرويين، ومقتضي قول أشهب:(عتق البائع) لغو.
واللخمي في كتاب الهبة: **** البيع الحرام لثمته أو مثمونه أو عرزه يفسخ ما لم يفت وجوبا.
اللخمي والمارزي: قال محمد بن مسلمة: يرد بعد قبضه استحسانا.
وفيها مع غيرها: من ابتاع شيئا فاسدا ففات عنده فعليه قيمته يوم قبضه.
وفيها: وظاهره لربعة: كل بيع فاسد لم يدرك حتى يتفاوت، ولا يستطاع رده إلا بمظلة فات رده ما لم يفت فأنقضه.
ابن وهب: سمعت مالكا يقول: الحرام البين من الربا وغيره يرد لأهله أبدا، ولو فات، وما يكرهه الناس نقض إن أدرك فإن فات ترك.
الصقلي: معنى يرد: فات أو لم يفت إنه إن كان المبيع قائما رد، وإن فات ردت قيمته، وما كرهه الناس قال محمد عن ابن القاسم: هو مثل من أسلم في حائط بعد زهوه على أخذه تمرا وكل بيع مكروه.
المازري: ما فسد لثمنه فسخ إن كانت السلعة قائمة، فإن فاتت فإن أجمع على فساده أغرمت القيمة، وإن اختلف فيه فالقيمة أيضا، وعن مالك يمضي بالثمن وهو مقتضي قول ابن مسلمة: فسخه بعد قبضه استحسان.
اللخمي: في مضي ما اختلف في فساده بالعقد أو القبض، ثالثهما: بقوته مقبوضا، وفي مضيه في فوته بالثمن أو القيمة كغيره من الفاسد قولان.
ابن الحاجب: قال ابن القاسم في الحرام البين المثلي والقيمة في غيره، وما كرهه الناس يمضي بالثمن، وقيل: بتعميم الأول.
قلت: هو معنى قول ابن شاس: فوت المبيع بيعا فاسدا بعد قبضه يوجب المثل أو القيمة.
وفي تعميم هذا الحكم في المختلف في فساده، وتخصيصه بالحرام البين رواية ابن نافع وابن القاسم.
وقال ابن عبد السلام: معنى قوله: وقيل: بتعميم الأول، أن النوع الأول من الفاسد وهو الحرام البين يفسخ فات أو لم يفت ولابد من رد عينه، إذا أمكن ردها ولو تغيرت، وكلام ابن القاسم هذا وقع في المدونة وزاد المؤلف فيه القضاء في المثل بالمثلي والقيمة فيما عداه وهي زيادة صحيحة.
قلت: هذا يقتضي أن قول ابن القاسم هذا وقع في المدونة، ولا أعرفه فيها إلا من رواية ابن وهب حسبما قدمناه، وتفسيره الأول بالنوع الأول إن أراد به تعميم حكمه فيما كرهه الناس لم يستقم لقوله: ولابد من رد عينه إن أمكن؛ إذ لا خلاف في المذهب أنه يفوت بغير فوت عينه من المفوتات إلا على سماع أبي زيد، وقد تقدم شذوذه، وإن أراد تعميمه في حالتي فوته وهذا هو ظاهر كلامه لم يصح نسبته لابن القاسم إنما عزاه اللخمي والمازري وغيرهما لسحنون.
قال ابن الحاجب - إثر قوله الأول: فلو كان درهمان وسلعة ساوي عشرة بثوب فاستحقت السلعة وفات الثوب فله قيمته بكماله على الأصح، ويرد الدرهمين لا قيمة نصفه وثلثه.
قلت: هذه من مسائل كتاب الاستحقاق وما أدرى موجب ذكره إياها هنا ولم يزل
المذاكرون يعتذرون عن مثل هذا في المدونة في كتاب الغصب وغيره، بأن أصلها الاختلاط؛ ولذا سميت (مختلطة) ونفس هذه المسألة لا أعرفها لغيره، وما ذكره من القولين فيها تقدما في العيوب فيمن رد أعلى المعيب وفات أدناه؛ لأن المردود كالمستحق وفوت الأدنى كالدرهمين.
قال ابن عبد السلام: بعد تصويره القولين الذين نقل ابن الحاجب، وفي هذا المذهب قول منسوب لابن الماجشون: إن الحكم في قيام الثوب وفواته واحد؛ وهو أنه لا يرجع في هذا المثال إلا في قيمة خمسة أسداس الثوب، ولو كان قائما لم يتغير في سوق ولا غيرها.
قلت: هذا نفس القول بأن من استحق من يده ما ابتاعه إنه لا يرجع في عين عوضه الذي خرج من يده مع كونه قائما لم يفت بحوالة سوق ولا أعرف من نقله والأصول تأباه بالبديهة؛ لأنه يؤدي إلى إخراج الشيء عن ملك ربه بغير اختياره؛ بل قال ابن الحارث: اتفقوا فيمن استحقت من يده سلعة أنه يرجع في عوضه إن كان عينا فيعين وإن كان قائما وبقيمته إن كان فائتا.
ثم قال ابن عبد السلام: (وقول المؤلف لا قيمة ثلثه ونصفه)، فلا يريد به خصوصية هذه المسألة لاستحالة أن تكون السلعة ثلثا ونصفا من الصفقة في وقت واحد وإنما ماده لا قيمة ثلثه إن كانت السلعة ثلث الصفقة كما لو كانت تساوي درهما واحدا، ولا قيمة نصفه كما لو كانت تساوي درهمين وهذه المسألة ليست م هذا الباب.
قلت: قوله: لاستحالة أن تكون السلعة ثلثا ونصفا يريد أن لازم قول ابن الحاجب: (قيمة ثلثه ونصفه) صدق قولنا: تكون السلعة ثلثا ونصفا، وهذا عنده مستحيل لامتناع صدق مسمى النصف والثلث على شيء واحد في وقت واحد، ومن الضروري هنا أن تعلم أن الخبر وهو المحمول عند المنطقين إذا كان معطوفاً ومعطوفاً عليه فتارة يكون المعتبر فيهما صدق كل منهما على المبتدأ وهو الموضوع كقولنا: العشرة عدد وزوج، وتارة يكون المعتبر صدق مجموعهما لا أحدهما منفردا كقولنا: العشرة سبعة وثلاثة، إذا تذكرت هذا فقوله: يستحيل أن تكون السلعة ثلثا ونصفا من الصفقة
في وقت واحد وهم سببه قصر فهمه القضية القائلة تكون السلعة ثلثا ونصفا على الاعتبار الأول ولا موجب لقصره على الاعتبار الأول ولا موجب لقصره على ذلك بل هو من الاعتبار الثاني وهو كون السلعة مجموع ثلث الصفقة ونصفها، وكذلك هو في المسألة المفروضة، وقد أشار ابن الحاجب في: مختصره الأصلي: إلى هذا المعني حيث قال: كجعل الجزء جننسا مثل العشرة خمسة وخمسة، وهذا الاعتبار مستعمل في كلام الفقهاء في العيوب والاستحقاق، وفي كلام الفرضيين، والفوت بغير المبيع معتبر فيه: فيها: منه الولادة والعيب وزيادة بدن الجارية وزوال بياض العين وتغير سوق غير الربع والمثلي، وظاهر قول الأكثر أن تغير الأسواق متفق عليه، وفي الكافي: في الفوت بها اختلاف عن مالك وأصحابه، وعود السوق بعد انتقالها كدوامه وصحيح بيعه بعد قبضه.
المازري: في كون بيع المتفق على فساده بيعا صحيحا فوت قولان للمشهور وسحنون والمختلف في فساده بيعه بيعا صحيحا فوت، في الرد بالعيب منها بيع نصفها ككلها.
وسمع عيسى ابن القاسم: من باع عبدا أو دارا بيعا حراما فقام بفساد البيع على المشتري يريد فسخ البيع ولم يفت ذلك فيفوت المشتري ذلك يتصدق بالدار أو يبيعها أو يبيع العبد أو يعتقه بعد قيام البائع عليه؛ لم تجز صدقته ولا بيعه بعد قيامه عليه بفسخه، ويمضي العتق لحرمته.
ابن رشد: وهذا صحيح؛ لأنه متعد فيما فعل بعد القيام عليه؛ إنما يجوز له ذلك قبل القيام عليه؛ لأنه أذن له في ذلك حين ملكه المبيع بالبيع الفاسد، فإذا باع أو وهب أو تصدق بعد أن قام عليه فله إجازة ذلك، ويضمنه القيمة يوم القبض؛ لأنه بفعله ذلك رضي بالتزام القيمة، وله رد ذلك وأخذ مبيعه وليس له أن يجيز البيع، ويأخذ الثمن إذ ليس بعداء صرف؛ لأنه إنما باع ما ضمنه بالبيع الفاسد؛ لأنه لو تلف كانت مصيبته منه، والقياس أن يكون في العتق مخير بين أخذ عبده وإمضاء عتقه، ويضمن المشتري قيمته، وإنما أمضاه استحسانا.
وفيها: من اشترى سيفا نصله لفضته بدنانير ثم افترقا قبل النقد، ثم باع السيف، ثم على قبح جاز بيعه، وعليه قيمته يوم قبضه.
ابن محرز: أنكر سحنون فوته بالبيع ورآه ربا، وقوله في السؤال: ثم علم بقبح ذلك، فيه إبهام البيع الصحيح وإنما يفوت الفاسد إن لم يقصد مشتريه تفويته ولا يفوت بقصده ذلك وهو وجه صحيح.
عياض: لا يختلفون أنه لو علم بالفساد، ثم باعها قصد تفويتها أن بيعه غير ماض.
قلت: هذا خلاف قول اللخمي إن قصد المشتري بالبيع والهبة تفويت البيع قبل أن يقوم عليه البائع كان فوتا، واختلف إن فعل ذلك قبل قيام بائعه بفسخه لظاهرها مع اللخمي عن المذهب، وعياض مع ابن محرز عنه.
ونقل اللخمي مع سماع عيسى ابن القاسم: قال ابن عبد السلام: ووقع، في الرواية أن المشتري إن قصد تفويته ببيعه؛ فإنه لا يفوت بذلك إلا بالعتق.
قلت: إنما وقع هذا سماع عيسى المتقدم، ولم يقع مطلقا كما نقله؛ بل مقيدا بكونه بعد قيام بائعه عليه بالفسخ حسبما تقدم، وفي فواته ببيعه قبل قبضه نقلا الصقلي: عن ابن عبد الرحمن والشيخ وأخذ ابن محرز الأول من قولها في العيوب الصدقة به قبل قبضه فوت، قال: والبيع أقوى من الصدقة، ورد المارزي كونه أقوى بأن المبيع إذا نقض رجع المشتري بالثمن فلم يتضرر بفسخه، وإذا نقضت الصدقة؛ لم يرجع المتصدق عليه بشيء.
الصقلي: البيع أحرى من الصدقة؛ لافتقارها للحوز دونه.
ابن محرز: وقد اختلف في هذا الأصل فعن مالك من اشترى ثمرا قبل بدو صلاحه على البقاء، ثم باعه بعد بدو صلاحه على مشتريه قيمته يوم زهوه، وقال أيضا: يرد مثل مكيلته.
وقال محمد: وعليه قيمته يوم باعه، فلم ير مالك بقوله: يرد المكيلة أن البيع الصحيح يفيته لما كان باقيا في أصول بائعه، ومن هذا المعنى قوله في الشفعة من المدونة من أعمر رجلا دارا حياته على عوض يرد غلتها، ولم يجعل صحيح عقد كرائها بعيب عقد كرائها الفاسد، لما كان العقد فيما لم يضمنه مشتريه ومن لم يقل بهذا يتأول قوله يرد الغلة برد قيمتها وقوله في الثمرة بأنه مضى البيع الثاني وأغرم أولا مكيلته يوم البيع.
وذكر اللخمي قولي مالك ومحمد في الثمر وقال: لا يصح قوله: إن قيمته يوم بدو صلاحه إلا على أنه دخل على بدو صلاحه أو بعد ذلك، فيجري على الخلاف في التمكين هل هو قبض، وإن دخل على بقائه فيه يوم البيع الثاني.
واختلف فيمن اشترى عبدا شراء فاسدا فباعه أو أعتقه قبل قبضه فعلى أنه ليس يفوت يخبر البائع في إمضاء بيعه وأخذ ثمنه ورده، وإن جذه المشتري وبان به، وهو يعلم؛ فليس له إلا الثمن، وإن لم يعلم بالبيع الثاني خير في إجازة البيع، وأخذ الثمن من المشتري الثاني أو قيمته مجدودا كما قبضها المشتري الثاني أو المكيلة إن عرفت، وعلى أنه فوت يغرم المشتري الأول قيمته يوم باعه يقال: ما قيمته على أن يبقى في رؤوس النخل في ضمان الأول إلى يبسه هذا معنى قول محمد؛ لأن المشتري إنما اشتراه على أن جائحته من البائع حتى يبس، فإذا لم يضمنه المشتري ثانيا إلا باليبس كان للمشتري أولا على البائع مثل ذلك كمن اشترى تمرا مزهيا فباعه بالحضرة، فلكل واحد من مشتريه الرجوع على بائعه بجائحته، ويصح على أن البيع فوت أن يكون للمشتري أولا الثمن الذي باع به، وعليه لمن باع منه مثل كيله كقول مالك؛ لأنه وإن كان البيع فوتا، فالضمان لاينتقل عن واحد منهما إلا بالبيس، وإذا كان كذلك كانت المكيلة على صفتها وقت قبضها، ولو رجع المبيع فاسدا لمشتريه بعد بيعه إياه صحيحا بشراء أو إرث أو رد عيب أو هبة، ففي رفع فوته، وبقائه، قولا ابن القاسم مع مالك وأشهب.
فيها: وفي عبارتها عن الفسخ بقوله له رده تعقب يوجب كون اللام على عياض: عارض بعض الأندلسيين قول ابن القاسم بقولها: إن باع الموهوب هبة الثواب، ثم اشتراها لم يزل ما لزمه من قيمتها، وأجاب القرويون بأن رد الهبة اختياري فبيعها دليل التزامه قيمتها ورد الفساد جبري فيتم على بيعه إنه لا بأخذه الشفيع بالصفقة الأولى لفسادها فإن نقضنا انتقض الأول، وجرى أشهب على أصله أنه يأخذه
بأيتهما شاء.
الأولى بقسمة الشقص لفواته بالبيع، والثانية بالثمن
قال فضل: هذا أشبه بأصوااهم
قلت: يريد: أنه يجري على أصل ابن القاسم أيضاً؛ لأن نقض الصفقة الثانية؛ إنما هو بالأخذ بالفقة الأولى بعد تقررها فهو رفع مفوت لها بمفوت آخر، فلم يزل حكم اللفوت.
وفي الرد بالعيب منها، وإن قبض الأمة مشتريها شراءً فاسدا فكاتبها، ثم عجزت بعد أيام يسيرة؛ فله الرد إلا أن يتغير سوقها قبل رجوعها إليه فهو فوت، وأشهب يفيتها بعقد الكتابة، وإن عجزت قرب ذلك، والتدبير فوت كإيلادها، والرهن والإجازة، فلا أراه فوتاً.
الشيخ عن أشهب: برهنها لزمته قيمتها، ولو رد غرماؤه عتقه أو تدبيره أو رد عليه بعيب بعد الحكم بالقيمة لفوته لم يرتفع.
اللخمي: اتفاقا ولو حدث ذلك قبله فقولان: لمحمد عن أشهب وابن القاسم وهو أحسن.
المازري: والقولان لا يجريان فيما لو سافر به سفراً مفيتاً، ثم عاد أو صح عن مرض أو زال عيبه أو افتكه من رهن، أو إجازة عن قرب.
وفيها: إن تغيير سوق السلعة ثم عادت لن ترد، لأن القيمة وجبت بخلاف رجوعها بعد بيعها إليه ببيع أو بغيره، وفرق القابسي بأن التي حال سوقها، ثم رجع إنما رجعت لسوق أخرى لا للأولى، وفي البيع عادت الملك الأول.
ابن محرز: ليس هذا ببين والصواب الجمع بينهما.
عبد الحق: وقيل: لأن حوالة السوق ليس من فعل المشتري والبيع من فعل، وليس بالقوي، وقول ابن القاسم في رفع فوت القاسم بعوده لمشتريه، يبين وهم ابن رشد في رده على التونسي في مسألة من باع ثوباً على الصفقة ثم اشتراه قبل قبضه منه بقوله: من اشترى ما باعه فاسداً شراء صحيحاً لا يفسخ بيعه والعتق لأجل فوت، سمع أبو زيد ابن القاسم: من باع امة على حرية ما في بطنها مضي بيعها، لأن عتق
الجنين فوت.
وفيها: قيمتها يوم قبضها.
ابن رشد: فسد؛ لأن شرط عتقه على مبتاعها غرر والواجب قيمتها يوم بيعها، لأنه يوم فوتها، وفي قوله يوم قبضها نظر، إلا أن يكون قبضها يوم بيعها، ولو كان على أنه حر على بائعها فسخ ما لم يفت به البيع الفاسد على مذهب ابن القاسم، والقيمة فيها على أن الولد مستثنى لرجل بيعها كذلك.
وقال ابن حبيب: لا يفوت بحوالة سوق ولا ولادة، ويفوت بالعيب المفسد قال: ولو أعتقها مشتريها قبل ولادتها؛ فله ولاؤها، وولاء ولدها لبائعها، وكذلك هبته إياها وفي رهنها، وأما الدور والأرضون؛ فلا يفيتها حوالة الأسواق ولا طول زمان، إنما يفتيها الغرس والبناء والهدم بفعلك أو غيره.
وفي سماع عيسى ابن القاسم: بيع الدار والصدقة بها كما مر له في العرض.
الشيخ عن محمد: لا يفتيها الزرع، فإن فسخ بيعها في إبانه لم يقلع، وعليه كراء المثل، وبعده لا كراء عليه ولو أثمرت الأصول عند مبتاعها ففسخ بيعها وقد طابت الثمرة فهي للمبتاع، ولو لم تجذ وإن لم تطب فهي للبائع، وعليه للمبتاع ما أنفق ولأصبغ: من اشترى أرضاً شراء فاسداً فغرس غرساً أحاط بها وأكثرها بياض لم يحدث به شيئاً؛ فهو فوت إن عظمت مئونته وله بال، وإن غرس منها ناحية فقط، وجلها بياض سخ في بياضها، وفيها غرس قيمته إلا أن يكون يسيراً جداً لا بال فيفسخ في جميعها وللغارس على البائع قيمته.
ابن رشد: ومضي ما غرس منها غير يسير بمنابه من قيمتها جميعها، ولابن القاسم في الدمياطية مضيه بقيمته مفرداً، وذلك يختلف قد يكون قيمته مفرداً عشرة، ومع جملة الأرض عشرين؛ إذ قد تساوي الأرض دون ذلك الموضع تسعين، ويساوي ذلك الموضع وحده عشرة، ويساوي جميع الأرض جملة مائة وعشرين.
وقوله: إن كان الغرس يسيراً لا بال له، فسخ بيع جميعها مثل سماع القريبين في يسير البناء قال فيه: على رب الحائط ما أنفق المبتاع فيه، وقال في الغرس: على البائع قيمة الغرس معناه: قيمته مقلوعاً يوم غرسه، وما أنفق في غرسه أو قيمة ما أنفق فيه
قلت: في سماع القرينين: وعلى رب الحائط ما أنفق مبتاعه في بناء جدار أو حفر بئر وأصل هذا البيع لم يكن جائزا.
ابن رشد: لا يفوت الحائط في البيع الفاسد: بالبناء اليسير، فلذا قال: على رب الحائط إذا رد إليه مت أنفق المبتاع، وقيل: قيمة ما أنفق، وليس باختلاف إن كانت نفقته بالسداد رجع بما أنفق، وإن كانت بغير سداد كاستئجارة الأجراء بأكثر من أجر مثلهم فيرجع بقيمة ذلك على السداد.
قلت: ما ذكر في قيمة الغرس خلاف قول التونسي، لم يذكر أصبغ في قيمة الغرس قائماً ولا منقوضاً، والأشبه أن يكون قائماً؛ لأنه فعله يشبهة على البقاء، فأشبه من بني ببقعة فاستحقت
وفي فوتها بحوالة الأسواق قولان: للخمي مع نفله عن أشهب والصقلي عن أصبغ في الواضحة وفضل بن سلمة عن ابن وهب، والمشهور، وفي لغو طول الزمان فيهما مطلقاً فوتهما بعشرين نقلا اللخمي عن ابن القاسم مع مالك وأصبغ قائلاً: لابد أن يدخلها التغيير في ذلك.
اللخمي: اختلف في الطول في الحيوان؛ ففي التدليس منها من كاتب عبداً اشتراه شراء فاسداً فعجز بعد شهر فات بيعه؛ لأنه طول، وفي ثالث سلمها الثلاثة الأشهر ليست بفوت في العبيد والدواب.
المارزي: اختلف في مجرد طول الزمان يمر على الحيوان، ولم يتغير في ذاته ولا سوقه، هل هو فوت؟ فذكر قولها في الكتابين، ثم قال: اعتقد بعض أشياخي أنه اختلاف قول على الإطلاق، وليس كذلك إنما هو اختلاف في شهادة بعادة؛ لأنه أشار في المدونة إلى المقدار من الزمان الذي لا يمضي إلا وقد تغير الحيوان، فتغيره في ذاته أو سوقع معتبر، وإنما الخلاف في قدر الزمان الذي يستدل به على التغير.
قلت: في رده على اللخمي تعسف واضح، لأن حاصل كلامه أن الخلاف إنما في قدر الزمان الذي هو مظنة لتغيره لا في التغير، وهذا هو نفس مقتضي كلام اللخمي لمن تأمله وأنصف، وذهاب عين المثلي مع بقاء سوقه لغو لقيام مثله مقامه، وفي فوته بحوالة سوقه، ثالثهما: إن ذهبت عينه، للصقلي عن ابن وهب مع اللخمي عنه وعن
غيره والمازري عنه مع قول ابن رشد: هو مقتضي النظر ولم يعزه ونقله لما هو سوقه بخلاف سوق ما نقل منه فوت ولغيره.
قال ابن رشد: إن كان يفتقر لكراء من دواب ورقيق ففي لغو نقله وفوته به سماع عيسى ابن القاسم في الرقيق قائلاً: ترد على بائعها حيث نقلها، وإن كان طعاماً رده من حيث نقله، وقياس السلع عليها والتخريج على قول أشهب وأصبغ بتخيير من غضبها منه في إلزامه غاضبهما قيمتهما وهذا الأظهر.
اللخمي: إن كانت عروضاً لحملها أجرة فنقلها فوت ولم يره ابن القاسم في نقل الحيوان؛ لأنه ينتقل بنفسه لم يغرم مشتريه لنقله أجراً وكذا البائع في رده، وأرى أن لبائعه أن لا يقبله إلا حيث قبض منه، وإن كان بطريقه خوف فهو أبين ولبائعه أن يضمنه قيمته وإن حال سوقه وما بين البلدين قريب مأمون فلمشتريه رده حيث قبضه وقد تقدم قولا ابن القاسم وأشهب: إذا عاد المشتري فاسداً بعد بيعه لمشتريه.
المازري: نقل الموزون والمكيل كالعرض، لافتقاره لأجر في نقله، وفي فوت جزافه ولم يعلم كيله ولا وزنه طريقان:
الصقلي: قولان لمحمد في الحلي الجزاف، وقولها في بيع السيف حليته أكثره يفسد بتأخير عوضه لا يفوت بحوالة سوقه.
الصقلي: مع شبهه بالعرض لربطه به.
اللخمي: هو كالعرض يفوت لها وبذهاب عينه/ وأرى إن ذهبت، وأراد البائع أن يقضي له بمثل المكيلة التي تقوم قضي له به؛ لأنه إذا قيل فيها تسعة إلى أحد عشر غرم عشرة كان غرم مثل العشرة أولى من غرم قيمتها، وكذا إن قال: أغرمه أقل ما يقال: إنه فيها، أو قال المشتري: أغرم له أكثر ما يقال: إنه فيها؛ فله ذلك.
قلت: إن قيل قوله ثانياً، وكذا إن قال البائع: أغرمه اقل ما يقال: إنه فيها تكرار عن قرب لقوله: أول وأرى أن يقضي له بمثل المكيلة التي تقوم.
قلت: ليس تكراراً؛ لأن الأولى تردد التقدير فيها بين ثلاثة أعداد، واخبر أن الحكم فيها بالوسط، والثانية تردد التقدير بين عددين فقط، واقتصار المازري في نقله عنه على الثاني فقط يخل علم حكم الأولى فتأمله.
اللخمي: وأرى إن ذهبت عينه، وعرف كيله ولم يتغير سوقه أن يقضي فيه بالمثل.
المازري: قال بعض أشياخنا: المذهب على قولين فيه: إن علم كيله بعد ذلك هل يقضي فيه بالمثل أو يبقى على حكمه حين عقد البيع؟ وأشار الشيخ إلى ارتفاع الخلاف في هذا في مسألة من ابتاع ثمراً قبل زهوه وجذه رطباً.
قلت: ظاهر كلام اللخمي: إن مذهب فيما عرف كيله كما جهل كيله، وإنه أختار خلافه ولم يصرح بذكر القولين.
اللخمي عن محمد عن ابن القاسم: وطء الأمة فوتز
زاد عبد الحق قال بعض شيوخنا: لأنه لابد من المواضعة للاستبراء، فيطول الأمد، وطول الزمان في الحيوان فوت.
المازري: مقتضي هذا التعليل أنها إن كانت وخشاً لم تفت به؛ لأنها إذا ردت إلى البائع لن يمنع من منفعة مقصودة لكن يمنع من بيعها لاحتمال حملها.
قلت: ومنعه بيعها ضرر عليه فالحكم بفوتها به صحيح، والاقتصار على العلة الأولى متعقب ومجرد غيبة المبتاع عليها لغو إن صدقه البائع، ووقفت للاستبراء إن كانت من العلي وإلا لم توقف وإن كذبه وهي من العلي لم ترد وإن كانت من الوخش، فالقول قوله إن لم يصب وردت.
وفيها: إن اشترى ثمراً لم يزه فتركه حتى أرطب أو أتمر فسخ ورد قيمة الرطب وكيلة التمر إن جده تمرٍاً.
الصقلي: يريد إن كان الرطب قائما ردت، وإن فات والإبان قائم رد مثله، وإنما يرد مكيلة التمر إن فات وإلا رده بعينه.
الشيخ: انظر قال محمد في جزاف الطعام: إنما عليه إن حال سوقه قيمته لا رد مكيلته التمر إن عرفت.
الصقلي: الذي هنا إذا عرفت المكيلة ردها، فلعله يريد إنما يكون عليه قيمتها إن فاتت عينه وجهل كيله فلا يكون اختلاف قول، ورد المكيلة أعدل ولو أخره حتى أرطب لقصد فسخه وإمضائه معاملة بنقي قصده قولان لها، ولنقل الصقلي، وسمع ابن القاسم: من ابتاع ثمراً لم يبد صلاحه ثم باع بعد بدو صلاحه
لصاحبه عدد الثمرة حين يبدو صلاحها ولا يأخذ إلا تمراً فإن تلفت لم يأخذ الأول من أخذ الثمرة المبتاع شيئاً.
ابن رشد: بيعه كذلك فاسد ضمانه من بائعه ما دام في شجرة وإن طاب؛ لأن قبض أصوله ليس قبضاً له، ويضمنه مبتاعه بجده وعليه كيله إن جده رطباً وعرف كيله، ولم يفت إبان الرطب وإن فات أو جهل كيله فعليه قيمة خرصه، وإن كان قائماً رد وفسخ البيع بكل حال هذا معنى قوله في البيوع الفاسدة وغيرها، ولو باعه مبتاعه بعد بدو صلاحه فقيل بيعه فوت وقبض، وفي كون قيمته يوم باعه أو يوم بدو صلاحه قول محمد وروايته، ومعناه: إن كان بيعه يوم بدا صلاحه أو استوت القيمة في الوقتين؛ فلا اختلاف، وقيل ليس بيعه قبضاً ولا فوتاً؛ لأنه باع ما ليس في ضمانه فبيعه فاسد لا يقع به فوت ما لم يجده فيه البيع الصحيح تفويتاً قبل القبض وجعل الهبة فيه فوتاً.
قلت: تقدم هذا مستوفي قال: وقوله: لصحابها عدد الثمرة، معناه: إن جده المبتاع الثاني تمراُ؛ لأنه إذا لم يجعل بيعه بعد بدو صالحه فوتاً وجب رده لبائعه الأول إن كان قائماً ومكيلته إن فات أو تلف بعد جده وينفسخ فيه البيعان، وقوله: حين يبدو صلاحها! لا وجه له؛ لأن المكيلة لا تجب عليه ببدو صلاحها إنما تجب عليه بجده إياها بعد ذلك تمراً، ولأن الملكية لا تختلف باختلاف الأوقات إنما تختلف فيها القيمة، وقوله: لا يأخذ إلا ثمراً معناه: إن جدها تمراً لأنه هو الواجب له، وعليه ولو تراضياً على ما سواه، جاز أن يأخذ منه كل ما يجوز له أن يبيع به الثمر، كمن استهلك لرجل تمرا وقوله: إن تلفت لم يأخذ الأول من أخذ الثمرة المبتاع شيئاً معناه: إن تلفت قبل جدها، وإن يبست، ومثله في الموازية وهو صحيح على قياس قوله: إن البيع فيها ليس بفوت.
قلت: حمله قول محمد ومالك على الوفاق خلاف ظاهر كلام اللخمي، قال قوله:(القيمة يوم بدو الصلاح)؛ إنما يصح على أن المشتري جدها من حين بدو صلاحها فيجري على الخلاف في كون التميكين قبضاً وإن دخل على أن تبقى لتيبس لم تكن القيمة يوم بدو الصلاح، وكان الاعتبار يوم البيع الثاني، ومن فاسدها بيع معين حاضر يتأخر
قبضه لما يتغير فيه. مقصود منه في سلمها الأول، من أسلم في سلعة بعينها لأجل بعيد لم يجز نقد أو لا؟ لأنه غرر لا يدري أتسلم السلعة لأجلها أم لا؟ إن هلكت، وقد شرط نقد ثمنها رده بعد نفعه به باطلاً. وإن لم يشترطه صار كأنه زاده في ثمنها على ضمانها، وإن شرط قبض السلعة ليومين جاز لقربه، ولو شرط في طعام بعينه كيله إلى ثلاثة أيام جاز وكذا السلع كلها شرطه البائع أو المبتاع.
وفي كراء الرواحل منها لابن القاسم: لا يعجبني شرطا تأخيرها ثلاثة أيام إلا لعذر من ركوب دابة ولبس ثوب وخدمة عبد وغيره أو توثيقاً للإشهاد وإن لم يكن لشيء من ذلك كرهته ولا أفسخ به البيع.
قلت: فظاهره شرط جوازه لفائدة توثق أو انتفاع وأخذ لغوه من قول سلمها شرطه البائع أو المبتاع.
وفيها: مع غيرها: جواز بيع الدار واستثناء سكناها مدة لا تتغير فيها غالباً، وفي حدها بسنة أو نصف أو سنتين رابعها ثلاثا، وخامسها، خمساً، وسادسها عشراً لها مع سماع يحيى ابن القاسم قائلا: ولو كان الثمن مؤجلاً، ولابن رشد عن رواية ابن وهب والمتيطي عن ابن حبيب وعن سحنون، ولابن رشد عنه وله عن ابن القاسم في الموازية مع المغيرة ودليل قولها في العارية: بجواز إعارة الأرض عشر سنين على أن يبنيها بناء موصوفا ورده المتيطي بأن لرب العرصة أخذ البناء عند انقضاء المدة برد بأنه حينئذ مرئي مدركة حالته.
ابن رشد: ينبغي أن ينظر في ذلك لحال البناء في أمنه وضعفه.
قلت: هذا قول التونسي وكذا الأرض.
ابن رشد: في سماع يحيى بيع الأرض واستثناؤها أعواماً أخف يجوز فيها عشرة أعوام، قاله ابن القاسم أول سماع أصبغ من كتاب الحبس ومثله في الموازية، وقال المغيرة: يجوز فيها السنين ذوات العدد أكثر من عشر، ولابن القاسم في المدينة لا يجوز فيها إلا سنة كالدار.
قلت: ومثله للمازري ولابد من بيان ما يجعله فيها، وفي الغرر منها: يجوز لمن باع دابة استثناء ركوبها يومين لا ما بعد ولا ركوبها شهراً، فإن هلكت فيما لا يجوز استثناؤه
فهي من البائع لأنه بيع فاسد لم تقبض بع السلعة وكذا استثناء خدمة العبد.
ولابن رشد يجوز استثناء ركوب الدابة ثلاثة أيام.
قلت: ومثله للمازري.
الباجي: روى ابن حبيب يجوز ركوبها يومين في السفر، وروى أشهب منع ذلك في السفر، وروى محمد منع ركوبها ثلاثة أيام، وقال: يفسد العقد، وعندي أن دواب الكد والعمل يسرع لها التغير وتدبر ولو كانت من دواب الحمال والركوب، خاصة، جاز فيها لأنها لا تكاد تتغير في مثله ما لم يكن سفراً، وقبله ابن زرقون ورواية أشهب بالمنع في السفر إنما هي في النوادر بلفظ فال عنه أشهب لا يصلح في بعيد السفر.
اللخمي: ما جاز استثناؤه يجوز بعد قبض المبتاع، ومقامها عنده يومين لا جمعة. وفي كون ضمانها فيما يجوز استثناؤه من المبتاع مطلقاً أو فيما كان بعد قبضه قولا مالك وابن حبيب، وما فسد في كونه من بائعه مطلقاً أو ما لم يهلك بيد مبتاعه أو بعد حوالة سوق قولا ابن القاسم وكتاب ابن سحنون.
وفي نوازله: من باع داراً اشترط سكناها سنة ثم تهدمت قبلها، أو باع دابة اشترط ركوبها يومين فماتت قبلها وطلب رجوعه على المشتري بحصة السكني والركوب واحتج بأنه رخص في الثمن لما استثناه.
قال: سمعت علي بن زياد يقول لا رجوع له بشيء، وروى أصبغ عن ابن القاسم مثله.
ابن رشد: مثل رواية أصبغ في سماعه لا يرجع بشيء وزاد فيه؛ لأنه خفيف لم يضع له من الثمن شيئاً وفيه نظر؛ لأن المعلوم أن الثمن مع الاستثناء، أقل منه دونه، ولعل قيمة السكني مثل قيمة ربع الدار أو أكثر، وكذا استثناء ركوب الدابة بيومين أو ثلاثة؛ وإنما وجه عدم رجوعه إنه جعل ما استثناه باقياً على ملكه ولم يبعه؛ وإنما حط عن المشتري ما كان يجب لما لم يبعه، واستثناه كمن باع ناقة لها فصيل واستثناه، فإن بني المبتاع الدار على هذا القول وبقيت من مدة الاستثناء بقية، فللبائع سكني الدار بقيتها وعليه كراء الأنقاض قائمة لذهاب الأنقاض التي استثنى سكانها، ولا حق له في أنقاض المشتري فيقال كم كراء البقعة مهدومة؟ وكم قيمة كراء الدار قائمة؟ فيغرم
البائع فضل قيمة كراء الدار قائمة على قيمة الأنقاض في المدة التي بقيت من شرطه وإن لم يبنها المشتري فللبائع سكني القاعة مهدومة بقية المدة وله أن يبنيها، فإذا انقضى أمد سكناه أخذ نقضه إلا أن يشاء المبتاع أن يعطيه قيمته منقوضا على قول ابن القاسم وروايته، وعلى قول المدينين وروايتهم له قيمته قائما إذا انقضى أمد سكانها وعلى أن المستثني مشتري فهو كمن باع داره بدنانير وسكني مدة معلومة فينظر لقيمة السكني إن كانت عشرة دنانير، والثمن تسعون رجع بعشر قيمة الدار يوم باعها، وكذا في الدابة، وهو قول أصبغ في سماعه إلا أنه قال: ما لم يكن المستثنى يسيراً مثل الأيام في الدار والبريد في الدابة وهو استحسان لا قياس، وكذا تفرقة ابن حبيب بجعله الركوب قبل قبض المبتاع مبقى على ملك البائع لا يرجع بشيء وبعض وبعد قبض المبتاع مشتري يجب له به الرجوع، ولما ذكر ابن محرز عدم رجوعه في الانهدام قال: وقال ابن القاسم: إلا أن يصلح الدار قبل السنة فيكون للبائع بقية شرطه.
قلت: زاد في النوادر ولا يجبر على الإصلاح.
قال ابن محرز: إنما رآه في الهدم اليسير الجاري مجرى الإصلاح؛ لأن الأنقاض التي شرط الانتفاع بسكانها قائمة، ولو ذهبت ثم بناها المشتري، من عنده أو كثر الانهدام حتى يحتاج إلى إنشائها لم يبق للبائع حق إلا في القاعة وفيما بقي من أنقاضه.
وقال الأصبغ: لا يعجبني قول ابن القاسم، وأرى أن تقوم السكني، ويرجع البائع بقدرها، وكذا في استثناء ركوب الدابة إن هلكت يرجع بقدرها إن كانت شيئاً له قدر.
وأما مثل الأيام والبريد، والأيام القليلة في الدار فلا يرجع بشيء وليس كالصبرة؛ لأن صفقة الصبرة قبض للمبتاع ما اشتراه والبائع لم يقبض سكناه.
قال محمد: لم أجد لقول أصبغ معنى
ابن محرز: هو كما قال محمد: وقول أصبغ يدل على أن المستثنى على مالك المشتري وهو باطل ضرورة؛ لأن المشتري ماملك قط السكني ولا ابتاعها إنما ابتاع ما سواها، وقو أصبغ وهم، ولو كان مشتري للزم في الصبرة إذا استثنى البائع من ثمرته كيلاً أن يبيع ما استثناه قبل كيله خوف أن يطن له أن اشتراه، ولعله ممن يقتدي به.
قلت: قول أصبغ هذا وقع في سماعه، ولم يتعقبه ابن رشد، ودعوى ابن محرز وهم قول أصبغ إغراق للشهرة نقل غير واحد الخلاف في كون المستثنى أو مبقى، وتقدم تفريغ ابن رشد على القولين.
وسمع أصبغ ابن القاسم من باع دابة على أن يركبها بعد ثلاث إلى الإسكندرية فقبضها المشتري، فتلفت عنده قبل الثلاث إنها منه ولو أخذها البائع بعد الثلاث فركبها ضمنها.
أصبغ: لفساد بيعها بطول الركوب، وكثرته وردها لبائعها كعدم قبضها منه.
ابن رشد: فسد لأمرين بعد المسافة، وعدم الاتصال الكوب بالبيع، إنما جاءت السنة في اتصاله بالبيع، ومثله سمع أبو زيد إنه فاسد، أنه جعل ضمانها من البائع ما بقي له فيها ركوب، وإن تلف بيد المشتري، فسماع عيسى على أن المستثنى مشتري وسماع أبي زيد على أنه مبقى.
الصقلي عن بعض القرويين: وأجر تقويم المبيع إن افتقر إليه على المتابعين معاً لدخولهما قي البيع مدخلاً واحدا.
قلت: ما علل به هو تفرقتها بين فوت البيع الفاسد بحوالة الأسواق بخلاف الرد بالعيب وحكي بعضهم أنه على البائع قال: وقيل: على المبتاع، والأظهر الأول ما لم ينفرد أحدهما بعلم فساده فيكون عليه، وهلاك المبيع قبل ضمانه مبتاعه بغير سبب بائعه كاستحقاق ينقص بيعه وتغيره حينئذ بنقص كقدمه يوجب تخيير مبتاعه وتلف بعضه أو استحقاقه معينا كرده بعيب، فيها مع غيرها: إن قل المستحق؛ لزمه الباقي بمنابه من الثمن حين العقد معيناً.
وفيها: إن استحق الأكثر حتى يضر بتبعيض الصفقة فعليه رد جميعها لا يجوز رضاه بقي لجهل حصة ذلك إلا بعد القيمة فكأنه بيع بثمن مجهول لوجوب الرد في كل الصفقة.
الصقلي وغيره: أجاز ابن حبيب تمسكه بما بقي بمنابه من الثمن، وعزاه ابن محرز له عمن أدرك من أصحاب مالك وقال: وقال ابن الكاتب: أجاز ابن القاسم مرة جمع الرجلين سلعتيهما في البيع؛ فعليه يجوز أن يتمسك بما بقي بمنابه من الثمن؛ لكونه في
الجملة معروفاً ولو كان التمسك كابتداء عقد لكان إذا كان الاستحقاق على الأجزاء في أكثر المشترى لافتقر في التمسك به إلى رضى البالغ.
قال التونسي والصقلي: ووقع في أكرية الدور منها ما يؤيده وهو قوله فيمن اكترى دارًا فانهدم منها بعد ما سكن بعض السكنى ما يجب به الرد إن له التماسك بما بقي، وهو أخف من جمع الرجلين سلعتيهما في البيع؛ لأنهما في جمعهما ابتدءا العقد على ذلك، وفي الاستحقاق هو حادث بعد صحة العقد.
قُلتُ: يعارض ما ذكراه من الحفة بأن جهل مناب ما بقي من الثمن في الاستحقاق عام في البائع والمبتاع، وجهل مناب كل سلعة من الثمن في جمع السلعتين خاص بجنبة البائع.
وقال الصقلي في كتاب العيوب: لأشهب نحو قول ابن حبيب، وأنا أستحسن إن استحق الكثير ورضي المبتاع أخذ ما بقي بحصته أن لا يأخذ إلا بعد التقويم، ومعرفة حصة ما بقي، وفي استحقاقها إن استحق نصف الدار أو جلها أو أقل مما هو ضرر بالمشتري خير في تمسكه بما لم يستحق على قدره من الثمن ورده.
عياض: وظاهرة: أن الاستحقاق على غير الأجزاء، فإن كان كلامه على الأجزاء فهو على أصله، وإن كان على ظاهره وكلامه على النخلات المعينات والبيت، فهو خلاف ما عرف من مذهبه؛ لأن منابع من الثمن مجهول لا يجوز ذلك حتى يعرف ذلك وهو مثل ابن حبيب خلاف ماله في العيوب وماله هنا في مسألة السلع الكثيرة، وأشار بعضهم إلى أن مذهبه في كتاب الاستحقاق التفريق بين السلع والرباع.
قُلتُ: ففي كون استحقاق الجل معيناً من غير المكيل والموزون موجباً لفسخ بيع ما بقي وتخيير مشتريه في إمساكه ما بقي، ثالثها: في السلع لا الرباع. ورابعها: لزوم ما بقي ولو كان العشر فيما تقاربت أفراده عدده للمشهور وابن حبيب مع نقله عن أصحاب مالك وأشهب ودليل بعض مسائلها ونقل عياض عن بعضهم، وغير واحد عن أشهب وقول عياض: لأن منابه من الثمن مجهول لا يجوز ذلك حتى يعرف ذلك يقتضي أنه المذهب عنده وهو خلاف ما تقدم للصقلي: أنه اختيار منه، فتأمله وقول ابن
عبد السلام: أشهب يرى في جميع هذه المسائل أن استحقاق الأكثر لا يوجب خياراً للمشتري ويلزمه الأقل بما ينوبه من الثمن يقتضي أن قول أشهب مطلق غير مقيد بتساوي أفراد المبيع أو تقاربها ولا أعرفه إلا مقيدًا حسبما ذكرناه، واستحقاق الأكثر من مثلي أو غيره شائعًا يوجب تخيير مبتاعه في رده، واستحقاق الأقل من واحد من الحيوان وما يفسده القسم كالثوب مثله ومن غيرهما معينًا لا ينقص منفعة باقية لا يوجبه الأقل في العروض غير المثلية النصف، وما فوقه كثير.
ابن رُشْد: هذا قوله وقول غيره في الرد بالعيب، وقيل: النصف كثير يفسخ البيع باستحقاقه قاله في آخر كتاب الاستحقاق منها في بعض رواياتها، وفي استحقاقها صبر المثلي كالسلع وفي التجارة لأرض الحرب، منها: من اشترى لبن عشر شياه في إبانه ثلاثة أشهر فمات منها خمس بعد حلبه جميعها شهرًا، فإن كانت الميتة تحلب قسطين قسطين والباقية تحلب قسطًا قسطًا نظر، كم الشهر من الثلاثة في نفاق اللبن؟ فإن كان النصف فقد قبض نصف صفقته بنصف الثمن وهلك ثلثًا فالهالك ثلثا النصف الباقي قبل قبضه؛ فله الرجوع يرجع بحصته من الثمن وهو ثلثا نصف الثمن وهلك ثلث للثمن أجمع ولو كان موتها قبل أن يحلب منها شيئًا رجع بثلثي جميع الثمن.
ابنن محرز: لم يبين حكم ما بقي من لزومه أو تخييره في رده كاستحقاقه، والصواب أنه كالثمار، يلزمه مابقي ولو قل، واعتبرها بعض المذاكرين بمسألة كراء الحمامين والحانوتين إن انهدم وجههما رد الباقي، وليس مثله لأن الربع مأمون وهدمه نادر ولو كان المكترى رواحل أو عبيدًا، فهلك بعضها لكان كالغنم والثمار لأن هلاكها متوقع فلم يكن للمشتري حجة في ردها.
قُلتُ: ما ذكره هو قولها في مرض الظئر والبعد المستأجر والدابة في المدة في غير سفر الدابة، إن باقي المدة لازم ما لم يحكم بالفسخ والرجوع بمناب المستحق من الثمن بقبضه على قيمته، وقيمة ما بقي ولو كانا سميا قدرًا منه لهما في العقد، وتقدم نقل المتيطي اعتبار ما سميا.
الصقلي: وقيل: يفسد البيع بالتسمية؛ لأنه كالمشترط أن لا يقبض الثمن في الاستحقاق والأقل في الطعام وغيره مكيلاً أو موزونًا في كونه كالعروض أو ما دون
الثلث والثلث كثير.
ثالثها: في غير الطعام لابن رُشْد مع غير واحد عن أشهب ونقله عن سَحنون في رسم الثمرة من سماع عيسى في الاستحقاق، وله عن ابن القاسم في رسم يوصى من سماعه عيسى من كتاب الاستحقاق مع نقله في سماع ابن القاسم عنه من جامع البيوع، ولابن محرز عنه مع ابن رُشْد عنه في رسم الثمرة من سماعه عيسى في الاستحقاق قائلاً: هو المشهور المعلوم من مذهبه. وفي الدار ما لا يضر فيها من ابتاع دارًا فاستحق منها بيت فإن كان أيسرها كدار عظمى لا يضرها ذلك لزم بيع بقيتها، وكذا النخل الكثيرة يستحق منها نخلات يسيرة، ولو استحق جل الدار أو دون نصفها مما يضر بالمشتري، فله رد ما بقي أو حبسه بحصته من الثمن ومثله في ثاني نكاحها.
وسمع عيسى ابن القاسم: من ابتاع دارًا فاستحق منها سهم عن عشرة أو أقل أو أكثر قال: قال مالك: إن كان المستحق منها يسيرًا.
قُلتُ: العشر، قال: ربما كان العشر فيها يضر بها وقد لا يضر إنما ينظر الوالي بالاجتهاد إن رأى ضررًا رده وإلا أمضى البيع ورد عليه قدر ذلك من الثمن.
ابن رُشْد: إن كانت لا تنقسم أعشارًا فذلك ضرر، وإن كانت تنقسم ببيت تحصل للمستحق منها والمدخل على باب الدار والساحة مشتركة فإن كانت دارًا جامعة كالفنادق تسكنها الجماعة فليس بضرر فيرفع بقدره من الثمن ولا يرد ما بقي، وإن كانت للسكنى فهو ضرر وإن كانت تنقسم دون نقص في الثمن ويصبر لكل حظ حظ من الساحة وباب على حدته فليس بضرر إلا أن يكون المستحق على هذه الصفة الثلث فأكثر والدار الواحدة في هذا بخلاف الدور وإن استحق بعضها لم يرد باقيها إلا أن يكون معها أكثر من النصف، وقد نص في القسمة منها أن استحقاق ثلث الدار الواحدة كثير.
قُلتُ: كون ثلثها كثير هو نقل الزاهي عن المذهب قال: وقال أشهب: هذا في كبار الدور التي لا يضر استحقاق صغير جزئها، فأما صغارها وما لا ينقسم؛ فله رد الجميع وبهذا أقول.
قُلتُ: ظاهره أن فيما لا ينقسم منها خلاف وليس كذلك حسبما تقدم لابن رُشْد في النوادر عن ابن القاسم: من اشترى دارين فاستحق يسير، من إحداهما رجع بحصته
من الثمن ولزمه ما بقي، وإن استحق أكثرها وهي وجه الصفقة رد الدارين إن شاء أو حبسهما ولا شيء له، وإن لم تكن وجهها ففي ردها بحصتها من الثمن ولزوم باقيها قولا ابن القاسم وسَحنون وقول ابن رُشْد: والدار الواحدة في هذا بخلاف الدور يريد أن الدور كعدة سلع في قسمتها لمن ابتاع عبدًا رده باستحقاق أيسره بخلاف مبتاع عبدين متكافئين يستحق أحدهما أو مبتاع الدور والسلع لا ترد في هذا الصفقة إلا باستحقاق أكثرها، والأقل في الأرض ما دون النصف والنصف كثير في الشفعة منها: من استحق منه نصف أرض ابتاعها ولم يشفع مستحقه في باقيها، فله رد ما بقي بيده من الصفقة؛ لأنه استحق منها ما له بال، وعليه فيه الضرر وقد ذكرت هذا في مذاكرة بعضهم فأنكره على فوقفته على قولها هذا ومثله قولها بعده بنحو ورقة: ومن ابتاع أرضًا بعبد فاستحق نصف الأرض قبل تغير سوق العبد فله رد بقية الأرض وأخذ عبده.
وفي الزاهي: ما استحق من الأرض كالدار وقيل: ليس الأرض كالدار وبالأول أقول.
قُلتُ: هذا خلاف قولها، والنقص بالخطأ في التقدير كالاستحقاق في رد البيع في البيوع الفاسدة، منها: إن ابتعت صبرة على أن فيها مائة إردب جاز، وكذلك لو ابتعت مائة من تلك الصبرة فإن نقصت يسيرًا ووجدت أكثر المائة لزمك ما أصبت بحصته من الثمن، وإن نقصت كثيرًا فأنت مخير في أخذ ما أصبت بحصته من الثمن أورده.
قال ابن رُشْد في أول مسألة من سماع القرينين من جامع البيوغ: اختلفت إن اشترى دارًا أو ارضًا أو خشبة أو شقة على أن فيها كذا وكذا دراعًا، فقيل ذلك كقوله: أشتري منك كذا وكذا ذراعًا فإن وجد في ذلك أكثر مما سمى من الأذرع فالبائع شريك له بالزيادة كالصبرة يشتريها على أن فيها عشرة أقفزة فيجد فيها أحد عشر قفيزًا فالزائد للبائع وإن وجد أقل مما سمى كان ما نقص كمستحق إن قل لزم المبتاع ما وجد بحسابه وإن كثر كان مخيرًا في أخذ ما وجد بمنابه من الثمن، وقيل ذلك كالصفة لما ابتاع إن وجد أكثر مم سمى فهو له، وإن وجد أقل كان مخيرًا في أخذه بجميع الثمن أو رده والقولان قائمان من أول كتاب تضمين الصناع منها، ومن رسم أوصى من سماع عيسى من هذا الكتاب، وفرق في نوازل سَحنون منه بين الدار والأرض وبين الشقة والخشبة،
وسوى بين ذلك كله في نوازل سَحنون من كتاب العيوب في بعض الروايات، وقال: يدخله الخلاف كله دخولاً واحدًا.
قُلتُ: تفرقة سَحنون بالأول في الدار والثاني في الشقة والخشبة.
ابن رُشْد: وقال بعض الشُيُوخ: على قياس التفرقة في نوازل سَحنون كل ما كان أصل شرائه شراء الجملة بغير ذرع فوجد زيادة في الذرع كالثوب والحبل والخشبة فهي له، وكل ما أصله أن يشترى بعدد أو كيل أو ذرع فوجد فيه زيادة فهي للبائع كصبرة الطعام والحرث والأرض تشترى على ذرع، وأما الدار يكون في صفتها عدد ذرع فإن كانت ذات بناء وهيئة فالذرع بعض صفاتها إن وجد فيها المبتاع زيادة فهي له وإن كانت على غير ذلك إنما بيعت لسعتها وانفساحها فوجد زيادة كان شريكًا مع البائع بالزيادة إن شاء أو يرد الكل إن كره الشركة.
وسمع عيسى ابن القاسم: من اشترى دارًا على أن فيها ألف ذراع فلم يجد إلا خمس مائة له أخذها بمنابها من الثمن أو ردها ولو كان بها بنيان فانهدم ثم لم يجد فيها غلا خمس مائة لزمته بمنابها من الثمن.
وفي كتاب أسد: هو مخير في أخذها كلها بجميع الثمن أوردها.
ابن رُشْد: إنما ألزمه الخمس مائة إن كان بها بنيان؛ لأن ما نقص من الذرع كاستحقاق واستحقاق نصف ذرع الدار إن لم يكن بها كثير يوجب له الخيار، وليس نقص نصف الذرع إذا كان بها بناء بكثير؛ إذ قد تكون قيمة البناء وقيمة البقعة سواء فيكون نقص نصف ذرعها كاستحقاق ربعها، وسواء كان البناء قائمًا أو انهدم؛ لأن مصيبة ما نهدم منها بعد الشراء من المشتري، وهذا على أن الذرع في الدار والأرض والثوب والخشبة كالكيل، وعلى أنه كالصفقة وهو أظهر القولين يكون مخيرًا في الدار بين أخذ ما وجد بجميع الثمن أو رده وهو الذي قال: إنه في كتاب أسد.
الصقلي: في كتاب الرد بالعيب: قال محمد: من اشترى دارًا على أن فيها مائة ذراع فوجد فيها زيادة ذراع؛ فله أن يغرم حصة الذراع أو يردها كلها إلا أن يدع له البائع الزيادة؛ لضرر القسمة، ولو كان ثوبًا؛ فله الزيادة والرد في النقصان.
الصقلي: كما له الرد في النقص يجب أن لا تكون له الزيادة كالدار، ويحتمل أن
الفرق بينهما أن الثوب ظاهر الاختبار فكأنه باع عالماً بالزيادة، قال: الصبرة تزيد، برد زيادتها ويلزمه ما بقي.
وذكر في الواضحة في الثوب ما تقدم.
وقال في النقص: إن فات بالقطع رجع بقيمة ذلك قال: والعرصة كالشقة في الزيادة والنقص بخلاف الدار ذات المنازل والبناء؛ لأنها إنما توصف بحدودها الذرع فيها كالتحلية إن نقص الذرع يسيرًا فلا قيام به إلا أن يتفاحش بما له خطر فيكون عيبًا أو يكون اشتراط الذرع شرطًا نصًّا، فله القيام بما قل أو كثر كالشقة، والعرصة، وهو فيها عيب كان بشرط أو بذكر البائع فقط كقول مالك في الجارية تزعم أنها عذراء أو طباخة فتوجد بخلاف ذلك؛ فله الرد.
قُلتُ: ففي كون شرط الذرع في الدار كالكيل إن وجد زيادة غرم حصتها أورد جميعها أو كالصفة نقصها عيب نقلا الصقلي عن محمد وابن حبيب وعزاهما ابن رُشْد لها مع سماع عيسى ابن القاسم، والأسدية.
ولو ذكر الذرع في صفتها دون شرط ففي كونه كصفة لها زيادته لغو مطلقًا ونقصه لغو إن قل، وإن تفاحش كعيب، وإن كانت ذات بناء وهيئة فهو صفة لها زيادته لمبتاعها، وإن بيعت لا تساعها فهي للبائع شريكًا بها وللمبتاع الرد لضرر الشركة قولان لابن حبيب وابن رُشْد عن بعضهم، وفي الأرض والخضبة والشقة تشترى على قدر يبين خلافه نقلا ابن رُشْد القولين في الدار، وله في قول سَحنون في نوازله: لو اشترى شقة على أن فيها سبعة أذرع فوجد فيها ثمانية أو خشبة، كذلك فالزيادة له.
ابن رُشْد: المعنى أن الشقة والخشبة غائبتان، واشتراهما على الصفة ولو حضرتا لم يجز بيعهما إلا بعد كيلهما؛ إذ لا مئونة فيه بخلاف الدار والصبرة لمؤنة ذلك فيهما.
قُلتُ: ظاهر الرواية الإطلاق ولا أعلم من قيدها بما ذكر غيره، وسمع عيسى ابن القاسم: من باع طعامًا واعدى هلاكه قبل كيله وكذبه مبتاعه وطلب ضمانه الكيل الذي ابتاع منه لزم غرم الكيل الذي ابتاعه منه، إلا أن تقوم بينة بهلاكه.
ابن رُشْد: ولا يجوز تصديقه إياه في هلاكه فيأخذ ثمنه؛ لأنه إذا كان مخيرًا في أخذه بمثل الكيل الذي ابتاعه أو ثمنه دخله بيع الطعام قبل قبضه؛ لأن أخذ الثمن منه إقالة
وهي لا تجوز إلا بأجرة فتفسد للخيار وهو قائم من سلمها الثالث فيمن اشترى طعامًا بعينه كيلاً، فأتلفه بائعه فإنه يضمن مثله، ولا خيار له في أخذ ثمنه؛ لأن معنى المسألة أن التلف لم يعلم إلا بقوله.
قال أشهب: إنه بالخيار في ذلك وهو نحو بعض روايات سلمها الأول فيمن اشترى ثوبًا بطعام فتعدى رجل على الثوب فأحرقه ولم يعلم إلا بقوله: إن المسلم إليه بالخيار في أن يغرمه قيمته ويتم السلم بحاله أو يفسخه عنه ومثله في الموازية فعليه يكون للمشتري أن يصدقه في دعوى تلفه ويأخذ ثمنه أو يغرمه مثله، وقيل: معنى ما تكلم عليه أشهب، ومسألة السلم الثالث إذا علم استهلاكه ومسألة السلم الأول لا وجه فيها للتأويل؛ لأنه خيره بين الأمرين مع نصه على أنه لم يعلم ذلك إلا بقوله، وفي هذا القول بعد لاحتمال أن المسلم استهلك الثوب فتجب عليه قيمته للمسلم إليه، فتكون الإقالة على القيمة فيدخله بيع الطعام قبل قبضه؛ فالصحيح وجوب غرم قيمته وبقاء السلم.
ولما ذكر المازري سماع عيسى قال: مقتضى قولها في السلم: أن يختلف على تلفه بأمر من الله وينفسخ بيعه.
قُلتُ: ففي لزوم غرمه مثله وتخيير مبتاعه.
ثالثها: يفسخ بيعه وإن حلف بائعه، لسماع عيسى ابن القاسم وأشهب والمازري عنها، وفي سلمها الثالث: إن ابتعت صبرة طعام جزافًا، فهلكت بعد العقد فهي منك، فقول ابن شاس: إتلاف المشتري قبض واضح فيما ليس فيه حق توفية بيع عليها وقوله مطلق: فيما بيع عليها وأتلفه قبلها وهو نقل اللخمي عن المذهب قال: إن أتلف طعامًا ابتاعه على الكيل قبل كيله، وعرف كيله فهو قبض له، وإن لم يعرف كيله؛ فالقدر الذي يقال: إنه كان فيها إن قيل: قفيز غرم ثمنه ومثله للمازري، فقول ابن الحاجب: إتلاف المشتري الطعام المجهول كيله يوجب القيمة لا المثل ولا ينفسخ على الأصح، وقبول ابن عبد السلام نقله إيجاب القيمة وهم وتعقبه عليه مقابل الأصح صواب.
وفيه إن هلكت بتعدي أحد تبعه المبتاع بقيمتها كان بائعًا أو غيره.
اللخمي: إن أتلفها بائعها فعليه قيمتها وله ثمنها، ولو كان حبسها بثمنها ففي كونها من مبتاعها أو منه روايتا محمد على الأولى كما لم تحبس إن أتلفها أجنبي غرم قيمتها وإن أتلفها بائعها فقيل يخير مبتاعها في إغرامه قيمتها أو فسخ بيعها ولابن القاسم لو قال قائل: يغرم قيمتها كأجنبي لم أعبه، وعلى الثانية إن تلفت بأمر من الله او من أجنبي انفسخ بيعها، وعلى الأجنبي الأكثر من قيمتها أو ثمنها وإن أتلفها بائعها أو باعها انفسخ بيعها، في إغرام مبتاعها بائعها الأكثر من قيمتها أو ثمنها وإن أتلفها بائعها الفسخ ببيعها في إغرام مبتاعها بائعها الأكثر من قيمتها أو الثمن ومنعه قولا: على قولي أشهب وابن القاسم: لأنه بيع طعام قبل قبضه كاللبن في الضروع، والثمرة الغائبة، وفيه ولو ابتاعها على كل قفيز بدرهم فهلكت قبل المكيل بأمر من الله فهي من البائع وانتقض البيع وإن تلفت بتعدي البائع أو بيعه إياها فعليه مثلها تحريًا يوفيكها على الكيل لا خيار لك في أخذ ثمنك أو الطعام.
اللخمي: ولا إمضاء بيع البائع ولا أخذه بقيمته إن أكله أو وهبه؛ لأنه بيع لع قبل قبضه.
ابن محرز: كتب سَحنون اسمه على هذه المسألة إنكارًا لها.
قال فضل: يحتمل كونه؛ لنه رأى أن تبين استهلاكه ينفي تهمة المشتري ويثبت خياره كقول غير ابن القاسم فيمن ابتاع سلعة بمائة إلى أجل فتعدى بائعها ببيعها من غيره بثمانين نقدًا وفاتت، وقيمتها ثمانون، إن لمشتريها أخذ ما باعها به ويعطي الثمن الأول عند أجله ولا يتهمان لما كان العداء ظاهرًا، وكما قال ابن حبيب فيمن استهلك لرجل زرعًا بحريق ظاهر أنه ياخذ منه القيمة طعامًا.
قُلتُ: ليس أصل غير ابن القاسم بحجة عليه، وكذا قول ابن حبيب ومسألة الغير تقدمت في الآجال.
وفيها: إن تلفت بتعدي أجنبي قبل كيلها قال: لم أسمع فيها شيئًا، وأرى للبائع عليه القيمة، ويشتري بها طعامًا للبائع ثم يكيله البائع للمشتري؛ لأنه لو عرف كيلها، غرمه المتعدي فلما لم يعرف كيله وأخذ مكان الطعام القيمة اشترى له طعامًا بها يأخذه المشتري، وليس ببيع للطعام قبل قبضه؛ لأن التعدي إنما وقع على البائع.
ونقل عياض منها ما نصه: قال للبائع القيمة على المستهلك وأرى أن يشتري للبائع منه طعامًا للبائع قال: كذا روايتنا هذا الحرف، في بعض النسخ يشتري بالقيمة طعامًا للبائع، وكذا جاء بعد هذا عند تكرير المسألة، وهو قوله: وأخذ مكان الطعام القيمة اشترى له طعامًا يعني البائع.
وفي بعض النسخ: اشترى على ما لم يسم، فاعله موافقًا لأول المسألة على روايتنا، على هذا اختصرها الشَّيخ ورأى من قال: البائع يشتري ذلك إنه لا يلزم المتعدي أكثر من القيمة، وقال بعضهم الشراء على المتعدي وينقله إلى محل تعديه، والظالم أحق أن يحمل عليه.
وقال ابن أبي زَمَنَيْن: لم يبين في المسألة من يشتري، ولفظ الكتاب يدل على أنه البائع زاد عبد الحق عنه ومن الدليل عليه قول أشهب: إنه يفسخ بيعها وإنما ذلك؛ لأن البائع لو كلف بشراء الطعام كان ظلمًا.
عبد الحق: انظر ما تأول به قول أشهب بأن ما في الموازيَّة عنه يفسخ إلا أن يقر المستهلك بقدر كيفها فيخير البائع في إغرامه ما أقر به من الكيل بعد أن يحلفه أو القيمة فيكون المشتري بالخيار في أخذ الكيل المقر به والقيمة يشترى له بها طعام؛ بل كان يقول: لا يأخذ القيمة ويفسخ البيع فانظر، زاد ابن محرز.
قال محمد: ولأشهب مثل قول ابن القاسم وهو أحب إليً. قال فضب: القياس فسخه وتكون القيمة للبائع لأن عين الطعام المبيع قد ذهب.
قال عبد الحق وابن محرز: لو حال سوق الطعام فصار المشترى بالقيمة أكثر من عدد الكيل الذي اشتراه أو أنقص فالزائد للبائع والنقص كما في الاستحقاق.
التونسي: إنقيل: هذا سببهمن غير البائع؛ قيل: هذا معتير كموت الأرفع من الجاريتين وانهدام الأرفع من الدارين في اكترائهما قال: ولو لم يوجد للمعتدي لكان للمبتاع المحاكمة في فسخ البيع عنه؛ لضرره بتأخره لوجود المتعدي.
المازري: وكذا لو كان المتعدي معسرَا؛ لكان للمبتاع الفسخ أو التأخير كعيب وجده ولو تطوع البائع بها لزم المتعدي ارتفع خيار المشتري.
ابن محرز: قالوا: إنها ضمن البائع مثل الطعام وهو غير مكيل بخلاف الأجنبي
لأن الغلط في حزرها بزيادة أو نقصان لا يضره؛ لأنه يأخذ الثمن بقدر ذلك.
الصقلي عن بعض القرويين: كنان الأصل القضاء بقيمة الصبرة فيهما؛ لأن قيمتها أضعف من قدرها، ولما استهلكها بائعها انهم على أنه عرف كيلها واستهلكها؛ ليغرم قيمتها، وقد حال سوقها فيشتري بالقيمة أقل من قدرها فألزم أشد الأمرين، وهو المثل وهذه العلة منتفية عن الأجنبي.
الصقلي: بل الأصل غرم المثل فيهما لأن القيمة لا تعرف إلا بعد تقدير مثلها ليقوم فأغرم البائع ذلك بخلاف الأجنبي خوف أن يكون المثل أكثر أو أقل فيدخله التفاضل في الطعامين، والبائع ضمان الطعام منه فلا تفاضل، وأما احتجاجه بأنه لزم البائع أشد الأمرين لتعديه فقد تكون الأسواق حالت بزيادة فيشتري بأقل من القيمة فيربح.
قُلتُ: وينقض تعليل الصقلي بما لو كانت الصبرة من غير طاعم إلا أن يجاب بالمزابنة، وحكم ضمان المبيع على خيار تقدم في الخيار.
قال ابن عبد السلام: هنا إن قامت بينة بهلاك الثوب بغير سبب المشتري دون تفريط منه لم يضمنه وانظر هل يدخله خلاف، أشهب في الرهن والعارية.
قُلتُ: تقدم في الخيار نقله اللخمي والمارزي عن أشهب، وتقدم حكم هلاكه بيد أحدهما والخيار للآخر فانظره.
وسمع ابن القاسم: من اشترى ثوبي رجلين في صفقتين بالخيار فيهما فاختلطا عنده ولم يعرف ثوب هذا من ثوب الآخر، وينكر أحدهما أو كلاهما لزماه بالثمن إلا أن يعرف ثوب كل منهما فيحلف ويرده أو يعرفه غيره.
ابن رُشْد: قوله: وينكر أحدهما يريد بقول أحدهما ليس ثوبي واحد منهما، ويدعي الآخر أحدهما، ومعنى قوله: أو كلاهما، قول كل منهما ليس ثوبي واحد منهما فعليه أجاب بقوله: يلزمانه بالثمن يريد: بعد حلف كل منهما أن ليس ثوبه أحد الثوبين، فإن نكلا حلف أن الثوبين هما اللذان أخذ منهما وأنه لا يعرف عين ثوب كل منهما، وكان الثوبان بينهما بقدر أثمانهما، وإن حلف أحدهما فقط دفع له ثمن ثوبه، وحلف أن هذين الثوبين هما اللذان أخذ منهما وليس للناكل إلا أخذ أيهما شاء، وإن قال ذلك أحدهما، وادعى الآخر أحدهما فلم يجب في السماع عن ذلك، وجوابه: غرمه الذي أنكر ثمن
ثوبه ويأخذ مدعي أحد الثوبين الثوب الذي ادعاه ولا يمين على واحد منهما، وإن قال كل منهما: لا أدري أيهما ثوبي لأنك خلطتهما، حلف كل منهما على دعواه وأخذ منه ثمن ثوبه، وإن قال أحدهما هذا ثوبي لأحدهما، وقال الآخر: لا أدري أيهما ثوبي أخذ الذي ميز ثوبه ثوبه، وحلف الآخر على قوله وأخذ ثمنه، وسمع يحيى ابن القاسم من اشترى ثوبي رجلين في صفقتين أحدهما بعشرة والآخر بخمسة بالخيار فيهما فردهما وقد خلطهما فتداعيا أجودهما إن ثوب هذا بعشرة وثوب الآخر بخمسة ضمنهما بخمسة عشر يدفع لمن شاء منهما الأجود وأعطي الآخر خمسة وبرئ وإن جهل تعيين ثمن كل منهما غرم لكل منهما عشرة.
ابن رُشْد: إن عين لكل ثوبه ونكل حلف كل منهما وأغرمه ما دفع إليه به ثوبه، وقوله إن علم ثمن كل منهما أعطى الأجود من شاء منهما وأعطى الآخر ما أقر أنه دفع به إليه ثوبه بعد يمينه إن كان أقل الثمنين، فإن نكل عن اليمين؛ حلف هذا البائع وأخذ منه أكثر الثمنين.
وقوله: إن جهل تعيين ثمن كل منهما غرم لكل منهما عشرة، ولم يقل: إن له أن يعطي أجودهما من شاء من بائعهما كما قال في التي قبلها، ولا فرق بينهما وله ذلك فيهما معًا؛ إذ لا حجة لواحد منهما عليه في ذلك.
ولابن كنانة: إن تداعيا أحدهما وجهل هو لمن هو منهما حلفا على الثوب الذي تداعياه واقتسماه بينهما، فإن نكل أحدهما اختص به الحالف وأبرأه من الثوب الآخر فليذهب به حتى يطلباه على وجهه.
وفي نوازل سَحنون في كتاب القراض: فيمن أخذ من رجلين قراضين اشترى بمال كل منهما سلعة في إحداهما ربح وفي الأخرى وضيعة، فتداعا صاحبا المال ذات الربح وجهل للعامل بمال هي منهما لا ضمان عليه لها، والسلعة التي، وهذا نحو قول ابن كنانة وفي سماع أبي زيد من الكتاب المذكور: أن لهما أن يضمناه أموالها ويتركا له السلعتين وإلا أخذاهما فتباعان، ولكل واحد رأس ماله وللعامل ربحه وهذا على أصله في هذه المسألة.