الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أيكون له أخذ حصته من الرهن.
قال مالك في رجلين لهما دار رهنانه بمائة، فأتى أحدهما بحصته من الدين، يريد افتكاك حقه من الدار: ذلك له فمسألتك مثل هذا.
الصقلي: هذا يدل على أن رهن نصف داره يحوز أن تبقى يده على النصف الآخر مع المرتهن، وعزا عياض هذا الأخذ لبعض الشيوخ، وقال مذهب الكتاب ومشهور المذهب: أن حوزه إنما هو يحوز جميعه، وقيل: يجوز بحلوله في الجزء المشاع محل صاحبه، وكانت يده عليه مع يده وقيل: لا يصح ذلك مما لا ينقل كالربع، وعندي لا يصح أخذ هذا القول من هذه المسألة؛ لأن لم يقل إن بقاءه بعد يده لا يبطل الرهن إنما تكلم على خروجه بذلك من الرهن، ولعله ليبيعه فينتفع بثمنه أو يعد صاحبه حينئذ يقول له: انظر تحذير ذلك لي، ونضع الجميع تحت يد عندنا؛ إذ قد خرج من رهن وأخشى بقاءه في يدك فيبطل رهني.
قلت: ولهذا الاختلاف فيها اختصرها البراذعي سؤالًا وجوابًا.
الصقلي: عن محمد: من ارتهن حظ شريك مما هو حائز باقيه للمرتهن وحوزه راهني باقيه بطلا، ولو جعلا حظ الشريك الراهن باقيا بيد أجنبي بطل رهن حظه فقط.
[باب في حوز الرهن]
الصقلي عن بعضهم على صحة حوز مرتهن المشاع: من كل لراهنه بحوزه معه، يصح الرهن الثاني؛ ولذا كان الحوز رفع مباشرة الراهن التصرف في الرهن صح وضعه بيد من لا تسلط للراهن على التصر فمما بيده وبطل في غيره.
ابن شاس: يصح حوز مكاتب الراهن رهنه لمرتهنه.
قلت: ظاهره: ولو كان الرهن بعض باقيه لراهنه، وللشيخ والباجي عن عبد الملك في المجموعة: أن وضع الرهن على يد قيم ربه من مكاتبه ومجيزه، فإن كان الرهن بعضه، فليس بحوز، وإن كان جميعه فهو حوز وحوزه عبده لغو.
ابن شاس: وكذا أم ولده.
قلت: هو مقتضى قول سلمها الثالث: إن كان لك على رجل طعام سلم حل فلا
ينبغي أن توكل على قبضه منه عبده أو مدبره أو أم ولده أو زوجته أو صغار بنيه، فلا تبعه بذلك القبض، ولك بيعه في قبض الكبير البائن عنه من ولده.
الباجي: وضع يد الراهن بيد ولد راهنه الصغير لغو اتفاقا، والمالك أمره البائن عنه في العتبية والموازية لابن القاسم: لا ينبغي ذلك.
قال في المجموعة: ويفسخ ولسحنون في العتبية هو جائز.
ابن حبيب: وقاله أشهب فيه وفي التيب، وفي صحة وضعه بيد زوجة راهنه حتى لا يلي عليه، ولا يقضي فيه، ولغوه قولا ابن القاسم وأصبغ، ووضعه بيد أخي الراهن.
قال ابن القاسم في الموازية والعتبية: لا ينبغي وضعه، وقوله في المجموعة: فقوله في المجموعة يصح أصح.
قلت: في سماع ابن القاسم: لا يعجبني وضعه على يد ابنه ولا امرأته ولا أخيه، وهو وهن للرهن وضعف به، فلا خير فيه.
سحنون: معناه في ابنه الصغير ولو كان كبيرا بائنًا عنه؛ جاز.
قلت: ذكر الأخ معه يبعد هذا.
ابن رشد: قول سحنون: تفسيرٌ لقول مالك، وقاله ابن الماجِشُون، والقياس استواء الصغير والكبير في صحة حيازتهما للرهن إن كانا بائنين، عنه كاستوائهما في آخر حيازتهما إن كانا ساكنين معه، وكذا الزوج والأخ إن كانا بائنين عنه، ونص عليه ابن الماجشون في الزوجة، وكذا إن كانا ساكنين معه، وحاز الرهن عنه في غير موضع سكناهما، وحوز أحد الزوجين خادم الآخر وهي تخدمهما في الهبة والرهن مذكور في الهبة.
الباجي في الموازية: لعبد الملك: إن كان ليتيم وليان فارتهن منهما رهن بدين على اليتيم فوضع على يد أحدهما لم يتم الحوز به؛ لأن الولاية لهما، ولا يحوز المرء على نفسه.
قلت: انظر قوله ولا يحوز
…
إلخ، ظاهره مطلقًا سواء حاز لنفسه أو لغيره، وهو الجاري على ما تقدم من لغو حوز وكيل الراهن للمرتهن منه بعض شيوخ عبد الحق، لو أخذ وصي رهنا من يتيمه ليتيم له آخر من مبايعة بينهما، لم يصح حوزه ولا يجوز من نفسه لنفسه.
وفيه: للوصي أخذ عروض اليتيم بما أسلفه رهنًا، إلا أن يكون أسلف لليتيم
مالًا من غيره أنفقه عليه، ولا يكون أحق بالرهن من الغرماء؛ لأنه حائز من نفسه لنفسه، فظاهره صحة حوزه لغيره.
عياض: قوله للوصي يرهن لنفسه عروض يتيمه، ليس ذلك له، كذا لأكثر الرواة، ولغير العسال في رواية القرويين فذلك له.
أبو عمران: فالرواية الأولى يستقيم نسق قوله: إلا أن يكون سلف لليتيم من غيره، وعلى الثانية هو استئناف كلام.
قلت: ففي صحة حوز الوصي رهنا من مال يتيمه في دينه ودين غيره ولغوه فيهما؛ ثالثها: في دين غيره لروايتها القرويين، وظاهر نقل محمد عن عبد الملك، وروايتها الأكثر، ووضع الرهن عند من شرطه كون بيده أو رضيه راهنه ومرتهنه فإن اختلفا؛ فللباجي عن ابن عبد الحكم وضعه بيد من يعينه الحاكم ووضعه بيد مرتهنه لا يحلف له ولا عليه لخوف راهنه اتلافه وخوف مرتهنه ضمانه.
اللخمي: إن كانت العادة وضعه بيد مرتهنه فالقول قول من طلبه أولًا، قول ابن عيد الحكم قال: وإن كان ذلك أرى أن يكون القول قول راهنه اتلافه وخوف مرتهنه ضمانه.
اللخمي: إن كانت العادة وضعه بيد مرتهنه فالقول قول من طلبه أولًا.
قول ابن عيد الحكم قال: وإن كان ذلك أرى أن يكون القول قول راهنه إتلافه وخوف مرتهنه ضمانه.
اللخمي: إن كانت العادة وضعه بيد مرتهنه؛ فالقول قول من طلبه من راهنه فيما لا يضر مرتهنه، وسمع عيسى ابن القاسم: كراء موضع الرهن إن كان مما يحترز على راهنه.
ابن رشد: اتفاقًا، وما لا مؤنة فيه كالرأس والثوب لا كراء فيه.
ابن رشد: اتفاقًا، وعارض الأشياخ قوله في الثوب والعبد، بقول ابن القاسم.
فيها: على الأب في الحاضنة السكنى؛ يريد: على الجماجم، كقول ابن وهب في الدمياطية، وأحد قولي ابن القاسم فيها أنه لا سكنى لها، ولا خدمة، والخلاف فيه بناء على أن الحضانة من حق الحاضن أو المحضون على الأول، لا سكنى له، ولا نفقة، وعلى الثاني: له السكنى والنفقة، فعلى هذا القياس إن شرط المرتهن كون العبد بيده فلا كراء،
وإن لم يشترطه ودفعه له الراهن بطوعه فله كراؤه.
قلت: هذا ما لم يكن عرف، والعرف اليوم عدم طلبه.
وفيها: إن تعدى العدل فدفع الرهن لراهنه فضاع ضمنه للمرتهن، وإن دفعه للمرتهن ضمنه لراهنه إن كان كفاف دينه سقط لهلاكه بيده، وإن كان فيه فضل ضمنه العدل لراهنه.
اللخمي: هذا إن سلمه مرتهنه بعد حلول أجله أو قبله، وعقل حتى حل أجله ولم يعلم ذلك قبل حلوله فله إغرام قيمته أيهما شاء، لتعدي العدل بالدفع والأخذ ما حده، فتوقف قيمته بين عدل آخر، وللراهن أخذها، بإتيانه برهن فإن أغرم العدل لم يرجع العدل على المرتهن؛ لأنه إن سلطه هذا إن ضاع بيبنة، ويختلف إن لم تكن بينة، هل يغرم المرتهن للعدل قيمته الآن، أو تكون قصاصا؛ لأن غرم العدل بالتعدي، وغرم المرتهن بالتهمة، وقد يكون صادقًا، وإن غرم المرتهن بالتعدي أخذت منه القيمة الآن عاجلًا، وإن أسلمه العدل للراهن فللمرتهن وقفه على يدي عدلٍ آخر.
اللخمي: إن لم ينتزع من الراهن حتى فلس ففي كون المرتهن أحق به، قولا ابن القاسم في العتبية ومحمد، وعزا الأول ابن رشد لأصبغ أيضًا، والثاني: لعيسى بن دينار أيضًا، قال: والأول على قياس القول بأن كوه بيد العدل ككونه بيد مرتهنه في كونه شاهدًا، والثاني على أنه لا يكون بيد العدل شاهدا، وللصقلي فيها كلام حاصله أنه إن غرم المرتهن العدل قيمته قبل محاصة غرماء الراهن بالمرتهن بقية دينه، والعدل بما غرم، وغريم الراهن فيما وجد له أهل حصاص فيه بما لكل منهم، وإن حاص المرتهن غريم الراهن قبل غرم، لإغرامه العدل والرهن غير قائم بيد الراهن، ففي رجوعها على العدل وكل قيمة الرهن ويدر مناب قدرها مما أخذ في الحصاص؛ لأنه ظهر أنه لا حصاص له بها لغريم الراهن يضرب معه فيه ببقية دينه، وقصر رجوعه على العدل بقيمة الرهن مسقطًا منها منابها مما أخذه في الحصاص؛ لأنه بعد ما حاصص، فيختص بما رجع عليه، ثالثها: بتمام ما يجب له لو لم يسلم الرهن، وحاص بما بقي له مما بيد الراهن، غريمه للشيخ على قول محمد، ويحيى بن عمر في محاصة مرتهن زرع قبل بدو صلاحه، وللصقلي: مفرقًا بأن العدل حقًا فيما به حاصص المرتهن، والزرع لا حق له في ذلك.
قال: وإنما شبهها لو تعدى العدل بأكله الرهن لا يدفعه لراهنه، ولابن رشد غير ذاكر غيره، وإن كان الرهن باقيًا بيد الراهن ففي رجوع المرتهن على العدل بتمام ما يجب له لو لم يسلم الرهن لراهنه أو بتمام ما يجب له لو سلمه، وهو ما يجب له أو أغرم العدل قيمة الرهن وحاصص بقية دينه فيما للمفلس من رهن أو غيره غرمه بدينه، والعدل بما غرم من قيمة الرهن قولان للصقلي عن عتيق الفرضي مع عبد الحق عن جماعة من القرويين ومحمد، وصوبه الصقلي، وأبطل حجته عليه لفسادها، ولم يذكر ابن رشد غير الأول غير معزو كأنه المذهب، فلو كان دين المرتهن عشرين وقيمة الرهن عشرة، ولغريم آخر عشرون، والرهن فائت، ووجد للمفلس عشرون فعلى الأول حظ المرتهن في القصاص عشرة، ويأخذ من العدل عشرة يرد منابها من حظه في الحصاص خمسة، يضرب بخمسة مع الغريم بعشرة، يصير لها ثلثها بمقبوضة ربه ستة عشر وثلثان، وعلى الثاني: لا يرجع على العدل إلا بخمسة يختص بها فمقبوضه خمسة عشر، وعلى الثالث: لو اختص بالرهن طار له في المحاصة بما بقي له سبعة غير ثلث مع قيمة الرهن، فذلك سبعة عشر إلا ثلث بيده منها عشرة يتبع العدل بباقيها، فمقبوضه سبعة عشر غير ثلث، ولو كان الثلث باقيًا بيد راهنه فعلى الأول يرجع على الأول بثلاثة وثلث، فمقبوضه ثلاثة عشر وثلث، وعلى الثاني يرجع بما عليه بخمسة فمقبوضه خمسة عشر.
اللخمي: إن كان الرهن قائمًا بيد راهنه وقيمته عشرة، وبيده خمسة وعلى المرتهن عشرة، ولغريم آخر عشرة، أخذ المرتهن سبعة ونصفًا، وتبع العدل بتمام دينه، لو كان قيمة الرهن خمسة وبيده عشرة، أخذ نصف الخمسة عشر، وتبع العدل بخمسة أسداس؛ لأنه لو لم يسلم الرهن، أخذ المرتهن خمسة، قيمة الرهن تبقى له خمسة يحاصص بها مع الغريم بعشرة في العشرة التي للراهن حظه منها ثلاثة وثلث، وبيده من الرهن خمسة، فذلك ثمانية وثلث، وصار له بالمحاصة سبعة ونصف، فالذي سلم عليه نصف الرهن خمسة أسداس دينار، ولو هلك الرهن وبيد الغريم عشرة، وقيمة الرهن خمسة، فذلك ثمانية، وثلث فله نصفها بالمحاصة، ويتبع العدل بثلاثة وثلث، ولو هون الراهن به ماله كان طعاما فأكله أو ثوبًا فلبسه أو باعه فاشترى بها ما أكل رجع على العدل بدنانير أو بدينارين غير ثلث؛ لأنه لو لم يسلم الرهن له بقى للغريم من العشرة التي وجدت بيده
خمسة، ولم يجد المرتهن إلا خمسة ينوبه بالمحاصة ثلثها مع خمسة من الرهن، فكل ما كان يصير له سبعة غير ثلث، بالذي فوته تسليم الرهن بقياس غير ثلث.
ورجوع الرهن بحوز راهنه اختيارا يبطل حوزه: سمع أبو زيد ابن القاسم من ارتهن دارًا، ثم أكراها بإذن ربها من رجل، ثم أكراها الرجل من راهنها، وإن كان أجنبيًا عنه؛ فذلك جائز.
ابن رشد: هذا إن علم أنه من سببه، ولو لم يتخرج بطلان ثاني القولين من حيث لا علم من فلان، فيباع ممن اشترى له هو من سببه، وجهل الحالف ذلك في حنثه قولان لظاهرها، وأشهب مع روايته، ولو خرجت من يد راهنها بانقضاء أمد الكراء صح الرهن، وصحة الرهن والمكتري من المرتهن أجنبي؛ لأن المرتهن مغلوب على ذلك، وحكم الفقيه أبو إسحاق ابن عبد الرفيع المصنف أبي عبد الله بن عبد النور بإخراجه من داره بعد أن رهنها واكتراها ممن أكراها من مرتهنها خلاف السماع، إلا أن يحمله على أنه بعد حوزها وخروجها عن يد راهنها، أو أخذ بقول المازري، وتعقب ابن حارث قول ابن القاسم فيها، من ارتهن نصف دار من رجل، فاكترى الراهن مصف شريكه منه فسد حين سكن.
المازري: فإذا بطل هنا مع بعد التهمة فأحرى إذا أخذه من مكتريه.
قلت: وقبول ابن رشد ما في السماع مع بعد عدم ذكره مسألة المدّوَّنة يقتضي عدم ورود تعقب فلعله؛ لأن شريكه كمن هو من ناحيته لعلاقة الشركة، أو لأن الشركة أو لأن المرتهن مختار في رجوع الرهن لراهنه في مسألة الشريك لقدرته على القيام بالمقاسمة ليختص فيحوز رهنه، وهو دليل قول ابن القاسم في تعليلها بقوله؛ لأن إذا لم يقم بقبض نصفه ويقاسم الشريك صار غير حائز لرهنه، ولو قال الشريك: أنا أكري حظي من الراهن لم يمنع، وقسمت الدار ليحوز المرتهن رهنه، ويكري الشريك من الراهن رهنه والمرتهن غير قادر على اختصاصه بالرهن في اكترائه من الأجنبي من الراهن.
وفيها: إن قبض المرتهن الرهن ثم أودعه راهنه أو آجره أو أعاره إياه أو رده إليه بأي وجه حتى يكون الراهن هو الحائز له، فقد خرج من الرهن.
الصقلي لمحمد عن أشهب وابن القاسم: ثم للمرتهن القضاء برده له إلا أن يفوت
بتنخيس أو عتق أو تدبير أو بيع أو قيام غرماء.
وقال ابن القاسم في المدونة: ليس له رده إن أعاره إياه إلا أن يعيره على ذلك فله رده ما لم يفت أو تقم الغرماء عليه، وقال أشهب: له رده عليه في العارية مطلقا، ولابن رشد في رسم العتق من سماع عيسى: ليس له رده في العارية قبل مضي أمد انتفاعه به اتفاقًا، بخلاف عارية الرجل ماله في رده قبل مضي ذلك قولان لها ولغيرها، وفي رده بعد مضي أمد انتفاعه قولا أشهب وابن القاسم في هذا السماع معها، وله رده في العارية المؤجلة بعد أجلها اتفاقًا، كإعارته على رده، فإن رده حيث يجب اتفاقًا أو على قول عاد رهنًا اتفاقا، وإن رده جاز اختياره حيث لا يجب اتفاقًا، وعلى قول من لا يوجبه ففي رجوعه رهنا مطلقا أو نص على رهينته قولا لابن القاسم ومالك بناء على عدم افتقار الرهن للتصريح به، وافتقاره له، وقول ابن القاسم فيها افتقاره، ولم يشترط هنا لاستصحاب تقدم كونه رهنا، وألغى مالك اعتبار تقدم كونه رهنا، ويجب على مذهبه إذا لم يكن رهنًا أن يكون أحق به ما لم تكن غرماء على نفي ما في الذمة.
ونصها في المدونة وسماع أبي زيد من المديان والتفليس: وإن رده إليه بإجارة فله أخذه منه لرده لحكم رهنه إن انقضى أمد إجارته لا قبل انقضائه، وقيل: إن ادعى جهل كونه نقضًا لرهنه وأشبه ما قال حلف، وكان له رده إن لم تقم غرماؤه، وإن رده إليه بإيداع فلم أقف في وقتي على نص رواية في ذلك، والذي أقوله أن له رده من بحكم رهنه إن لم يكن عليه دين يستغرقه باتفاق وما لم يقم عليه الغرماء على اختلاف قول مالك في رهن من أحاط الدين بماله.
قلت: قوله لم يقف في رده بإيداع على نص رواية بعيد على رتبة حفظه في النوادر من الموازية لابن القاسم وأشهب رده بإيداع يبطل حوزه، وقال أشهب: يقضي له برده ما لم يقم عليه الغرماء.
قلت: هو مقتضى قولها ليس لمرتهن إعارة رهنه راهنه، المدة يرده في رهنه إلا أن يكون أعاره على ذلك؛ لأن عاريته بإيداعه؛ لأن منفعة الرهن من وارثه لم يبطل حوزه؛ لأن الدين لم ينتقل لذمة الوارث.
قلت: صرح في النوادر بأن التعليل لمحمد، وزاد ولو كان ذلك والأب حي لبطل الرهن.
قال ابن الحاجب: لو عاد لرهنه اختيارًا فللمرتهن طلبه قبل فوته بعتق أو تحبيس أو قيام غرماء.
قال ابن عبد السلام: وكذا عندهم التدبير، وفيه نظرٌ، فإن التدبير ليس بمانع من ابتداء الرهن إلا أن يكون معنى قولهم: أن لا يباع الآن، ولكن يرد إليه فيحوزه كما يحاز المدبر في الارتهان، وقد أشار بعضهم إليه.
قلت: هو مقتضى كلام اللخمي وغيره في وقوع ذلك قبل الحوز، ولا فرق بينه وبين كونه بعد الحوز ورده إليه، وحمل ابن هارون قولهم في التدبير على أنه فوت كالعتق.
وقال ابن بشير: له رده للرهن في التدبير ويبقى مدبرًا، وهو أحسن لجواز رهن المدبر.
ثم قال ابن عبد السلام: وهذا إنما هو على القول بأن بطلان الحوز إنما هو بتصرف الراهن في الرهن بإذن المرتهن، كاف في الخروج من الرهن لا يحتاج إلى التفويت بشيء مما ذكر.
قلت: قوله: (لا يحتاج
…
إلخ)، وهم؛ لأن الأشياء المذكورة إنما ذكرت تفويتًا لرده في الرهن، إن طلب المرتهن رده للرهن لا لإبطال الحوز المعروض للجبر برد الرهن لمرتهنه والإذن في التصرف إنما هو مبطل للحوز كإبطاله بالتصرف بالفعل المعروض للجبر بالرد المذكور والرد فيه، هو منعه مما أذن له فيه، كما أن الرد فيما أحيز بالفعل عن يد مرتهنه بنزعه من يده فتأمله، وقبولهم مفهوم من قول ابن الحاجب وهو أن له رده إن لم يفت، إنما ذكر خلاف مفهوم نصها في العارية.
ورجوعه للراهن دون اختيار المرتهن لا يبطل حزه لقولها في اللقطة: إن أبق العبد الرهن صدق المرتهن في إباقه، ولا يحلف وهو على حقه، فإن وجده ربه، وقامت الغرماء فالراهن أولى به إن حازه المرتهن قبل إباقه إلا أن يعلم أن بيد راهنه فتركه حتى قامت الغرماء.
ابن حارث: اتفقوا على أنه إن أذن المرتهن للراهن في كراء الدار أو سكناها ففعل أن
الرهن قد بطل، وإن لم يكرها ولم يسكنها حتى فلس أو مات ففي خروجه من الرهن قولا ابن القاسم وأشهب.
ابن حارث: إن كان الرهن بيد أمين فأول، وإن كان بيد مرتهنه فالثاني.
قلت: الأول هو نصها في حريم البئر، ولم يحك ابن رشد عنه خلافه.
وقال ابن القاسم في كتاب الرهن منها: خلافه.
قلت: هو مفهوم متقدم قولها حتى يكون الراهن هو الحائز له.
ابن حارث: وصفة دوام حوزها يستقل بمباشرة المرتهن العقد على أسباب تحصيل غلته في حريم البئر منها من ارتهن بئرًا أو عينًا أو قناة أو جزءًا من شرب ذلك، وحاز فليس لراهنه أن يكريه، ولا لمرتهنه بغير إذنه ولكن يتولى المرتهن كراءه بإذنه.
الباجي: لابن حبيب عن ابن الماجشون: أحب إى كونه بإذنه، وإن لم يأمره مضى، ولابن القاسم وأشهب في المحموعة: ليس له ذلك إلا بأمره، وسمع ابن القاسم المرتهن أول من الأمين يلي ذلك بإذن الراهن.
ابن رزقون: وروى ابن عبد الحكم: له أن يكريه دون صاحبه، ولأشهب إن شرط رهن كراؤه مع رقبته؛ فله كراءه، وسمع ابن القاسم إن طلب المرتهن أجر قيامه بالرهن واقتضائه غلته إن كان مثله يعمل بأجر، ومثله يؤاجر نفسه في مثله؛ فله ذلك وإلا فلا أرى له ذلك.
ابن القاسم: مثله في رسم جاع من كتاب الجعل، ولا بد من يمينه، إنما فعل ذلك احتسابًا، إنما فعله؛ ليرجع بذلك على ما في سماع يحيى من الكتاب المذكور.
الباجي لابن حبيب عن ابن الماجشون: إن حابى المرتهن في كراء الهن ضمن المحاباة، ومضى الكراء.
قال: فإن أراد الراهن تعجيل الرهن وفسخ الكراء، والكراء بلا وجيبة؛ يريد: وهو على عمل معين يتقدر بنفسه؛ لم يكن له فسخه، وإن كان وجيبته؛ فللراهن فسخه، وإن كان أجله دون أجل الدين، وقال أصبغ: إن كان وجيبة إلى أجل الدين بدون؛ فلا فسخ له، وإن كان أبعد منه؛ فله فسخ ما زاد إذا حل الأجل قال: فإن كان الدين حالًا؛ فلا يكريه بوجيبة طويلة جدًا، وإن فعل لم يلزم الراهن إن عجل الدين.
قلت: هذا بناءً على صحة كراء المرتهن دون إذن الراهن؛ لأن ما كان بإذنه لا مقال له بحال فيه.
ابن حبيب عن ابن الماجشون: إن ترك المرتهن كراء ما الشأن إكراؤه من دار أو عبد حتى حل الأجل غرم كراءه، أصبغ: لا غرم عليه، وكذا الوكيل على الكراء يترك ذلك لا غرم عليه.
ابن حارث اتفقوا على أنه إن ولي الراهن عارية الرهن بطل الرهن ولو أجازه المرتهن بغير إذن الراهن لا يبطل اتفاقًا، وإن أعاره بإذنه ففي بطلانه قولاً أشهب وابن القاسم وابن حارث إن كان ذلك لمن أراده المرتهن لم يبطل، وإن كان لمن أراده الراهن بطل.
قلتُ: فنقل المازري مسألة الخلاف بلفظ لو اتفاقًا على عاريته لرجل قاصدُا لإيهامه أنهما استويا في عاريته فيلزم الخلاف في استقلال المرتهن بها بإذن الراهن، ولابن رشد في أول مسألة من رسم الرهون من سماع عيسى، قوله: اضطربت ألفاظ السماع فيمن يلي المؤاجرة في الرهن وكرائه، فقوله أول كلامه: ليس لمرتهن ما له غلة أن يحول بين الراهن وبين استعمال رهنه؛ يريد: لا يحول بينه وبين عقد الإجارة يتولى ذلك والكراء فيه، وقال: ليس للراهن أن يفعل ذلك إلا بإذنه وعلمه فدل قوله على أن الراهن هو الذي يلي ذلك بأمر المرتهن، وقال آخر المسألة: المرتهن هو الذي يعامل في عمل الحائط فيبيع الغلة ويؤاجر الدار، وليس للراهن في ذلك أمر فدل قوله على أن المرتهن هو الذي يلي ذلك، والذي أقول في ذلك إن كانت الغلة لم يشترطها المرتهن ولي المرتهن الكراء، ولم يجز أن يليه الراهن؛ لأنه إن وليه بإذن المرتهن وأخذ الغلة صار منتفعًا بالرهن فبطلت حيازة المرتهن وهو نص قوله فيها: إن أذن له أن يكري الدار، فقد خرجت من الرهن معناه عندي أنه أذن له أن يكريها ويأخذ كراءها، وعليه يحمل قوله أخر المسألة، والمرتهن والمسلم هو الذي يعامل في ذلك، وليس للراهن فيه أمر، وإن كانت الغلة رهنًا باشتراط المرتهن جاز أن يلي الراهن عقد الكراء فيها، والإجازة لها بإذن المرتهن، وعليه يحمل قوله أول كلامه، وفي ولاية المرتهن عقد الكراء دون إذن الراهن اختلاف.
قال محمد: لا يكري إلا بإذنه معناه والكراء للراهن ومثله في حريم البئر منها.
قال: لا يكري إلا بإذنه، والكراء لرب الأرض الرهن، وإن كان الكراء في الرهن بإسقاط فله كراؤه بغير إذنه وليس له منعه من كرائه، وقاله أشهب وعليه تحمل رواية ابن عبد الحكم له أن يكريه دون إذن ربه، وقيل: يجب على المرتهن إن تركه ضمن، وإن كان الرهن يتخذ للكراء، وله قدر قاله ابن الماجشون، وقال أصبغ: لا ضمان عليه، وهو ظاهر ما في المدوّنة وغيرها من قول ابن القاسم، وروايته: إذ لم يفرق في شيء من ذلك بين ما يتخذ للكراء وغيره.
قلتُ: ففي بطلان دوام حوز ذي الغلة يتخذ للكراء بمباشرة الراهن عقد كرائه أو قبضه مطلقًا أو ما لم يشترط رهن غلته معًا طريقا المتيطي مع الباجي والأكثر وابن رشد وفي وقف ولاية المرتهن على إذن الراهن، ثالثها: إن لم يشترط رهن الغلة لابن القاسم مع أشهب، ورواية ابن عبد الحكم وابن زرقون مع أشهب، وفسر ابن رُشد الأولين بالثالث: وتقدم حكم وجود الرهن بيد المرتهن بعد فلس الراهن أو موته.
وفي الموازية: وكذا وجوده بيد الأمين.
ابن عات: قال ابن عتاب: شهادة الأمين في الارتهان ضعيفة.
وقال سحنون: شهادة العدل البيع، وليس عليه رهن غيره؛ لأن تركك إياه حتى باعه كتسليمك لذلك وبيعك غير منتقض.
عياض: كذا في بعض الروايات لمحمد عن مالك وابن القاسم، وفي رواية أخرى: وليوضع، وعلى هذه الرواية نقلها الشيخ في نوادره ومختصره، وكذا ابن أبي زَمَنَيْن، ونقلها اللخمي عن رواية، يوضع وكذا في موضع آخر من النوادر لأشهب، ودليل قوله: (لأت تركك إياه
…
إلخ)؛ أنه لو لم يتراخ لم يبطل الرهن، ومضى البيع إن كان ثمنه رهنًا، هذا تأويل الشيخ.
وقال غيره: وأشار إليه بعض شيوخنا أنه لا يجوز بيعه، ويرد لراهنه، فإن فات بيد مشتريه كان الثمن رهنًا أشار إليه بعض شيوخنا وهو على جواز الهبة إن مات الواهب قبل التراضي في حوزها.
قلتُ: لا يلزم بطلان الهبة بالموت بطلان الرهن بالبيع؛ لأنه فعل عداء، وأشار بعض شيوخنا إلى أن هذا فيما اشترط في العقد، وما تطوع به بعد العقد من رهن فبيعه قبل
قبضه كبيع الهبة قبل قبضها.
وفي الموازية: قرب أو بعد فات أو لم يفت بنقد البيع.
زاد عبد الملك في المجموعة: كان بتفريط أو غيره، البيع نافذ كله على الخلاف في الهبة المبيعة.
قال بعض الشيوخ: إنما يبطل الرهن أن يسلم للمشتري السلعة قبل بيع الرهن، وإن كانت سلعة قائمة لم يلزمه تسليمها حتى يرجع إليه رهنًا، ولو كان فرط في قبض الرهن.
قلتُ: ما عزاه لبعض الشيوخ أولًا، وثانيًا، كلام ابن رشد في رسم الرهون من كتاب ابن الموّاز من سماع عيسى.
وفي الجلاب معها: إن باع الراهن بغير إذن المرتهن لم يجز، فإن باعه بعد حوزه المرتهن أو أمينه بغير إذنه بثمل دينه فطرق.
ابن رشد في سماع ابن القاسم: يعجل له دينه إن كان مما يقضى بع عليه بتعجيله ككونه عينًا أو قرضًا، ومعنى قولها: لا يجوز إلا أن يجيزه المرتهن أنه باعه بأقل من حقه أو كان الدين عينًا في عين قرض، وليس قولها على هذا بخلاف هذا السماع إن باعه مضى البيع، وعجل للمرتهن حقه.
الصقلي: في نفوذ بيعه وتعجيل الدين ورد بيعه مطلقًا ورواية ابن القاسم وأشهب قائلًا: إن هلك ثمن الرهن قبل دفعه وعنده ما به وداه، وتم البيع، وإلا فللمرتهن رد بيعه.
ابن حارث: اتفقوا إن باعه بغير إذن مرتهنه أن له فسخه، فإن أمضاه ففي تعجيل حقه وبقائه لأجله قولا ابن القاسم وأشهب، ولابن الماجشون: إن بلغ الثمن حق المرتهن جاز البيع، ولا خيار لمرتهنه، ويعجل له حقه، واختاره يحيى بن عمر إن اتقق الثمن والدين في الصنف والجودة.
قلتُ: قول ابن الماجشون ينقض نقل اتفاقه.
اللخمي: إن كان لدينا عينًا وبيع بمثله مضى البيع وعجل الدين، وكذا إن كان عرضًا من قرض ورضي الراهن أن يشتري بثمنه ويعجله، وفيه وفاء، إن كان بيعه
وقت نفاق الرهن أو موسم بيعه لم يرد البيع، وإن لم يف بالدين؛ لأن منعه ضرر على الراهن دون منفعة للمرتهن، وإن باعه بأقل ففي وجوب تعجيل الراهن الدين، ولو بإتمامه من ماله إن كان ذا مال بعتقه وتخيير المرتهن في رده نقلا ابن رشد عن أشهب، وعنها وعليه قال: إن أمضاه ففي وقف ثمنه رهنا إلا أن يأتي الراهن برهن ثقة، ووجوب تعجيله قولان لها في رهنها، وكتاب التجارة مع سحنون، ورواية ابن عبد الحكم: ولو باعه بإذنه ولم يسلمه إلا لمبتاعه، فإن شرط رهن ثمنه لزم، وإلا ففي كونه رهنا إن حلف ما أذن له إلا لإحياء الرهن، وبطلانه قولها، ونقل الصقلي عن أشهب، وعلى الأول فيها إن أتى راهنه برهن ثقة يشبه الأول، وقيمته كمقيمته فله أخض الثمن وإلا بقي رهنا لأجله، شرط كون قيمة الثاني بقيمة الأول، وإن كانت أزيد من الدين خوف نقص الأسواق، وقيل: إن كان الأول مما لا يضمن فلا يلزم ما يضمن، ولو أسلمه لراهنه فباعه بأدنى ففي بطلانه وقبوله قوله: أنه لإحيائه بيمينه قولها، ونقل الصقلي عن بعض الفقهاء، ولو أسلمه لراهنه ليبيعه، ففي قبول قوله؛ إنما فعلته لتعجيل حقي وسقوطه؛ لأن شرط تعجيله الثمن على البيع في الإذن سلف جر نفعًا، نقل الصقلي قولي أشهب قائلًا: على الأول هو أحق بالثمن من الغرماء إن قاموا قرب دفعه وهم إن قامو لبعد بعده.
وعتق الراهن وهو معسر لغوٌ:
ابن حارث: اتفاقًا.
قلتُ: لأنه عتق مدين وعليه.
قال الصقلي: يروي محمد إن كان الراهن عديمًا ولا فضل في ثمن العبد لم يبع، ولو كان فيه فضل بيع بقدر لدين وعتق منه الفضل، وإن لم يوجد من يشتري بعضه، وأعطى راهنه فضل ثمنه.
الصقلي: لا يباع كله حتى يحل الأجل لعل السيد أن يفيد مالًا فيعتق، وإن أعتقه موسرًا قبل حوزه ففي مضيه بلزوم تعجيل حق المرتهن أو دونه.
نقل اللخمي عن ابن القاسم في العتبيّة، ونقل ابن حارث عن أشهب: وبعد حوزه في لزوم تعجيله حق المرتهن مطلقًا، أو ما لم يأت برهن ثقة معروف المذهب.
ونقل اللخمي عن القاضي عن الأبهري مطلقاً، لا بقيد كونه مطقلً، لا بقيد كونه بعد الحوز، والصقلي في آخر ترجمة جناية الرهن، انظر إن أعتق العبد والدين عروض من بيع، وامتنع المرتهن من تعجيلها هل يغرم الراهن قيمته فتوقف رهناً، ما لم يأت برهن ثقة، أو يبقى رهناً بحاله لا يعجل.
قُلتُ: وهو كلام التونسي يؤخر تنفيذ عتقه لحق المرتهن، وعلى التعجيل في كونه في كل دين إن كان أكثر من قيمته، أو قدرها فقط قولها، ونقل اللخمي عن ابن القاسم فيمن أعار عبداً ثم أعتقه، قال: ولابن القاسم في الموازيَّة تعديه بعتقه كبيعه.
ابن الحاجب: إن أعتقه قب القبض أو بعده كالبيع قبله.
وفيها: بتعجل هذه، ولا يلزم قبول رهن ابن عبد السلام على هذا، ينفذ العتق، ويأتي برهن ثقة أعتقه قبل قبضه أو بعده، وهو في غاية البعد عن الروايات.
قُلتُ: نقل ابن الحاجب هو مقتضى قول الأبهري، ونقل اللخمي عن ابن القاسم في العتبيَّة إن كاتبه بعد حوزه.
قال اللخمي: وبقي رهناً، وقيل: كعتقه.
الصقلي: عن محمد بقي، فإن حل الأجل، وفي كتابته وفاء نفعت، فإن كان فيها فضل بيع منها بقدر الدين، وإن لم يكن فيها وفاء بيعت رقبته.
الشَّيخ: في الموازيَّة: قال ابن القاسم: والكتابة كالعتق تمضي، ويجعل المرتهن حقه إن كانت بعد حوزة.
الصقلي: وإن كانت قبل حوزه حازه مكاتبا، وفي كون الكتابة رهنا كالرقبة ولا كالغلة، قولا أشهب ومحمد.
اللخمي: على قول أشهب: يقبض المرتهن كل نجم يحل، فإن وفي الكتابة ولم يف الدين لم تنفذ له حرية حتي يحل الأجل يقبض من الرهن تمام دينه، فإن أعدم بيع من المكاتب على أنه مكاتب بقدر ما بقي، فإن لم يف عجز وبيعت رقبته.
قُلتُ: للشيخ في الموازيَّة عن أشهب: إن كان الراهن عديما وحب أجله بيع كله، وأعطي فضل ثمنه للراهن إذ لا يكون بعض مكاتب.
اللخمي: وعلى قول محمد يقبض السيد كل نجم يحل ولا حرية له، فإن أدى السيد
الدين عند حلوله وإلا بيع، والعبد في القولين بالخيار بين أن يمضي على الكتابة على هذا أو يرد؛ لأن عليه ضرراً، إلا أن تكون الكتابة بكتابة كخراجه.
قُلتُ: في النوادر من المجموعة قال سَحنون: لها الكتابة فتمضي إن كان ملياً، ويؤخذ منه الدين، وإن كان عديماً، وفي الكتابة إن بيعت وفاء بالدين جازت وبيعت، ثم ذكر قول أشهب المتقدم: وإن دبره ففي بقائه رهنا مدبراً، وكونه كإعتاقه، قول ابن القاسم محتجاً بصحة رهن المدبر ورواية المدبر.
الصقلي: صوبها بعض الفقهاء بأنه لو لم يعجل غرم الراهن كالعتق لاحتمال عسره عند حلول الدين، فيبطل تدبيره.
سَحنون: فإن عدم تعجيل إغرامه يؤدي لتأخير اقتضاء حقه من ثمنه بعد حلول دينه لموت راهنه، ورده الصقلي باحتمال أن معنى قول ابن القاسم إن حل أجله في حياة راهنه عديما بيع في الدين، ومثل رواية ابن وَهْب، نقل الشَّيخ عن محمد عن أشهب التدبير كالعتق إن كان الرهن ملياً عجل الدين إن دبره بعد حوزه، وإن كان عديماً بيد مرتهنه بحاله إن ودى الراهن الدين بعد تدبيره، وإن لم يؤده بيع جميعه، ولو كان في ثمنه فضل دفع لسيده؛ إذ لا يكون بعض مدبر.
ابن حارث عن يحيى بن عمر: يباع منه بقدر الدين وينفذ غيره.
الباقي: والكتابة تباع كلها؛ إذ لا يكاتب بعض عبد.
قُلتُ: هذا يوجب تعقب ظاهر قول ابن الحاجب بعد ذكره المكاتب: إن تعذر بيع بعضه بعد أجله بيع جميعه.
وفي رهونها: إن أعتق المديان عبده، فأراد الغرماء رده، فقال لهم العبد: خذوا دينكم، ولا تردوا عتقي أو تبرع بذلك أجنبي، فذلك للعبد.
اللخمي: إن أعتق الراهن بعد حوز الرهن وهو معسر، فقال العبد أو أجنبي خذوا دينكم، كان ذلك له ولا قول للمرتهن، فإن قال العبد أو الأجنبي: إنما قضيت، لأرجع على السيد، فذلك له؛ لأن السيد رضي أن يعتق، ويبقى الدين في ذمته يتبع به، وقال أبو الزناد في العبد: ليس له ذلك، ولي بحسن، ولا يجري قوله على أصلٍ.
قُلتُ: بل يجري؛ لأنه سلف منه لسيده جر نفع عتقه.
الصقلي: ينبغي لو رضي العبد أن يسلف سيده ذلك أن يكون له الرجوع به عليه؛ لأن للغرماء أن يجيزوا عتقه، ويصبروا بدينهم إلا أن يقال: لم يكن عتقه يتم إلا بقضاء الدين، فصار كأنه أدى الدين وهو في ملك سيده، وفي هذا نظر؛ لأن سيده لو أعتقه وللعبد على سيده دين ولم يكن استثنى ماله لمضى عتقه وبقي دينه في ذمة سيده، وليس له رد عتق نفسه بدينه؛ لأنه إن رده كان أضر به إن رده لسيده حينئذ، أخذ ماله إن شاء كما قيل: أن من رفع أمته من عبد وقبض صداقها ولا مال له، فاختارت نفسها، فطلب زوجها سيدها بالصداق، وطلب رده عتقه الأمة لعسره بالصداق.
قيل: لا يكون لها خيار؛ لأن خيارها الطلاق يوجب سقوط عتقها وبقاؤها حرة تحت عبد خير من إبقائها أمة لموجب سقوط خيارها، ولم يجعل أن العتق يمضي؛ لأن إيجاب الصداق على الميت إنما حدث بعد العتق، كما قال: إذا أخذ مهر أمته وأعتقها، ثم طلقها، الزوج أنه دين عليه حدث بعد الطلاق لا يرد العتق.
الصقلي: ولا فرق بينهما وهو اختلاف قول، وقول ابن عبد السلام: لا شك أن ليس للأجنبي إذا دين السيد سلفاً له الإمضاء وعتق العبد بخلاف العبد خلاف ما تقدم للخمي نصاً، ولظاهر لفظها، وإن أعتق العبد الرهن معيبوه بعد حوزه ففي لزوم غرمه الأقل من قيمته أو من الدين أو الدين، وإن زاد على قيمته، ثالثها: لا غرم عليه إن حلف ما أعتقه ليؤدي الدين، ورابعها: الأول: إلا أن يكون المستعير هلك عن إياس أن يكون له شيء، فالثالث لابن قاسم: ولنقل اللخمي، وعلى القول الآخر يعجل الدين، وإن زاد على قيمته مع ابن حارث عن سَحنون ويحيى بن عمر محتجاً بأنه لا يخرج رهن من يد مرتهنه إلا بقبض دينه، والصقلي عن محمد عن أشهب، واختياره محمد وأشهب كمن أعتق عبده بعد أن جنى، فحلف ما أعتقه لأداء الأرش، ورده محمد بأن الجناية أدرجت للعبد من ملك ربه.
قُلتُ: وبأن الأرش مسبب فعل العبد بقرب قصد العتق أنه بعدمه، والدين ليس من سبب، وقول اللخمي: يريد: ما حكاه من القول، فحمل فعل الفاعل على عدم التعدي وقصده به أداءة الرهن به رهن ابن حارث إن كان المعير عديماً بقي رهنا اتفاقاً، وقول ابن شاس إن غرم الدين بملائه رجع المستعير بعد حلول الأجل صواب، كقولها
إن تعجل رب الدين دينه قبل حلول أجله من تركه جميل به لموته، فلا رجوع لوارثه على الغريم حتي يحل أجله.
وفيها: إن حملت أمة الرهن من راهنها بإذن مرتهنها في وطئها بطل رهنها، وإن حملت فوطأه إياها توبا غرم قيمتها عاجلاً، وإن كان عديماً، فقال اللخمي: يباع منها بقدر الدين ويعتق الباقي، وقال أشهب: يؤخر لحلول الدين؛ لأنه لا يكون بعض أم ولد ولم يحك.
ابن رُشْد: لعد الراهن إلا بعد حلول الأجل.
ابن حارث إثر قول أشهب: وقال يحيى بن عمر: لا يباع منها إلا بقدر الدين وباقيها، فقيل: يعتق الآن، وقيل: يوقف لعله يملك باقيها بوجه ما، إلا أن يدخلها بالبيع منها حرية فيجتمع على تعجيل عتق.
ابن رُشْد: إن فقد ما يبتاع منها بقدر الدين بيعت كلها أو تصدق الراهن بفضل ثمنه؛ لأنه ثمن أم ولد، وقيل: تباع كلها، ولو وجد من يبتاع منها بقدر الدين لضررها بتبعيض عتقها، ولو حملت بوطئه وهى تتصرف للمرتهن، ففي كونه كإذنه أو كلنسورة، قولها: ونقل للخمي: رواية محمد قائلاً: ولا سبيل على الولد وصوبه، وسمع عيسى ابن القاسم: إن كانت بيد عدل، فردها لراهنها فحملت منه عجل الدين لربه، وكانت له أم ولد، فإن كان عديماً غرم العدل قيمتها لمرتهنها يوم وطئها واتبع الغريم بذلك، فإن كانا عديمين بيعت تضع في الدين أو قدره منها، وعبر عنه اللخمي: إن كانا عريمين، فالمرتهن أحق بالجارية إن لم يعلم، وعلى قول محمد: لا سبيل للمرتهن عليها، كقوله: إن كانت بيد الراهن لم يكن المرتهن أحق، ومثله لابن رُشْد.
وفيها: من رهن أمة عبده أو رهنهما معاً، فليس للعبد وطؤها في الرهن، ثم هي في الوجهين بعد فكاك الرهن للعبد كما كانت وإرهانهما وافتكاكهما جميعاً أبين.
الصقلي: في كونه شرط مال العبد رهناً معه كذلك أو له أن يطأ أمته ما لم يرهنه جاريته قول الموازيَّة وقول بعد أصحابنا اللخمي.
قال محمد: ورهنهما أو رهن أمة عبده فقط، انتزاع؛ يريد: فلا يرجع إليه إلا برد جديد، ورأى في المدَوَّنة أنه تعريض للانتزاع، وليس بانتزاع.
وقال ابن عبد السلام: ليس ذلك انتزاعا، إنما هو شبه انتزاع، ولو كان انتزاعاً لافتقر بعد الفداء إلي تمليك آخر، ويرد بأن شبه الشيء في الفقهيات، كالشيء فما لزم في الانتزاع؛ لزم في شبهه؛ والصواب ما وقع في الموازيَّة أنه انتزاع، ويرد إلزام اللخمي علي أنه انتزاع افتقاره لرد جديد، فإنه انتزاع لشيء خاص، وهو دين الارتهان لا لمطلق ملك المنتزع، فإذا سقط تعلق دين الارتهان بقي على ما كان عليه لمن انتزع كمن انتزع جارية عبده بهبتها لرجل، فلم يقبلها.
وقال ابن رُشْد في رسم: إن خرج من سماع عيسى من كتاب النكاح.
قال في المدَوَّنة: إن رهنه أمة عبده معه غير انتزاع، ومنعها الوطء؛ لأنه تعريض لانتزاعه إياها، وقيل: هو انتزاع، والأول أظهر.
قال ابن عبد السلام: وهذا في المأذون له في التجارة، وأما المحجور عليه؛ فليس له وطء أمته إلا بإذن سيده كما تقدم.
قُلتُ: ظاهر الروايات في المدَوَّنة وغيرها: أن للعبد أن يطأ أمته دون إذن سيده في وطئها، وليس كما زعم، وغره في ذلك-والله أعلم- قول الصقلي وغيره في مسألة كتاب النكاح الأول، وللمكاتب والعبد التسري في ماله بغير إذن سيده.
قال الصقلي: يريد: إن كان مأذوناً له في التجارة، ولا دليل فيه على وطء غير المأذون له على إذن سيده؛ لأن معنى التسري في ما له أن يكون بيده مال؛ فيريد: أن يتسرر فيه، وهذا لا يمكنه الوطء بملكه إلا باشتراه الأمة، ومطلق شرائه لا يجوز إلابإذن سيده، وأما الوطء لما تقرر في ملكه فلا موجب؛ لافتقاره لإذن سيده، وقد قال أبو إبراهيم في مسألة كتاب النكاح لما حكى قول ابن يونس.
قال ابن رُشْد: وكذلك العبد المحجور، ولابن رُشْد في المقدمات: مذهب مالك: أن للعبد التسرر في ماله إذا أذن له سيده، ويطأ بملك يمينه.
قُلتُ: فقيد التسرر بإذن السيد دون وطئه.
وفيها: إن وطئها المرتهن فولدت منه حد ولم يلحق به الولد ولا يعتق عليه إن ملكه، وكان رهنا مع أمه، ويغرم ما نقصها وطؤه، ولم كانت ثيباً أو أكرهها، وكذا إن طاوعته وهى بكر، وإن كانت ثيباً فلا شيء عليه، والمرتهن وغيره في ذلك سواء.
الصقلي: الصواب أن عليه ما نقصها، وإن طاوعته وإن كانت ثيباً وهو أشد في الإكراه؛ لأنها في الإكراه لا تعد زانية بخلاف الطوع، فإذا دخل على سيدها فيها عيب فوجب عليه غرم قيمته، ونحوه في كتاب المكاتب: أن على الأجنبي ما نقصها بكل حال، ولأشهب إن طاوعته فلا شيء عليه مما نقصها، وإن كانت بكراً كالحرة.
قُلتُ: نوقض قولها: ولا يعتق عليه الولد إن ملكها بقولها آخر أمهات الأولاد إن كان للولد جارية لم تحل له أبداً، وربما أخذ من عدم عتقها إباحة وطئها كقول عبد الملك، وجواب بعض المغاربة بأنه حكم بين حكمين لا يخفى على منصف سقوطه، ويفرق بينهما بأن تأثير مانع احتمال البنوة في حلية الوطء أخف من تأثيره في رفع العتق بالملك لأنه في رفع حلية الوطء إنما يرفع بعض مقتضيات الملك، وهو الوطء؛ لأن مطلق الانتفاع بالمملوك من الاستخدام والإجازة والبيع وغير ذلك، وفي إيجاب العتق برفع مقتضات الملك كلها من الوطء ومطلق الانتفاع، ولا يلزم من إيجاب وصف ما مرا أخف إيجابه أمرا أشد.
ابن حارث: اتفقوا على منع إنكاح الراهن أمته الرهن، فإن نزل فقال ابن القاسم: لا يجوز النكاح إلا بإذن المرتهن.
أشهب: يفسخ قبل البناء ويثبت بعده ويمنع الزوج من الوطء ما دامت رهنا، ولها صداق المثل إن فضل المسمى، وإن بنى بها بعلم المرتهن بطل رهنه، ولم يعجب يحيى بن عمر قولاهما، وقال: يفسخ ولو رضى المرتهن وبنى الزواج، وأنكر سَحنون قول أشهب بصداق المثل، لأنه فاسد لعقده.
ابن حارث: لم يوجبه أشهب لسبب فساده؛ بل لحق المرتهن في نقص الأمة كالأمة تتزوج بغير إذن سيدها على زوجها الأكثر من المسمى أو مهر المثل.
سَحنون: إن كان سيدها موسراً جاز النكاح؛ يعني: ويعجل الدين.
قال: وإن كان عديماً رد النكاح.
وفيها: المرتهن بثمن الرهن لا يبيح له استقلاله ببيعه إن حل أجله.
البجي: إن حل أجله ولم يقضه لم يكن له بيعه ورفعه للإمام.
قال مالك فيها: قال ابن القاسم في غيرها، فإن باعه رد بيعه.
قُلتُ: في أحكام ابن سهل ما حاصله: غن أبا الراهن من قضاء الحق وليس من الناض ففي سجنه حتي يبيع للقضاء، أو إن عجز عن حميل بلالمال ليبيعه في أجل يضرب له ثانياً يبيعها عليه الحاكم دون سجن ولا حميل لابن معاذ مع ابن غالب مع محمد وابن سهل مع نقله جواب ابن صالح.
اللخمي: فإن لد الراهن عن البيع أو غاب؛ فللسلطان، فإن لم يكن أو عسر تناوله بجماعة العدول يحضرهم لإشهاده فيما يبلغ ثمنه، وينفذ بيعه.
أشهب في الموازيَّة: إن شق تناوله فبيعه جائز إن كان بيعاً صحيحاً، واستؤني بعذر فيما بينه وبين الراهن إن كان الرهن مما يسرع إليه الفساد، معناه: أو قضيا باعه من غير حاكم؛ لأن حبسه فساد.
ابن رُشْد في رسم الرهن وثيقه لمرتهنه: باق على ملك راهنه لا يجوز بيعه مرتهنه إلا بإذن ربه، فإن لد أو غاب رفعه السلطان فباعه بعد أن يثبت عنده الدين والرهن، وفي لزوم إثبات ملك الراهن الرهن، قولان يتخرجان على المذهب، وذلك عندي فيما يشبه أن يكون له، وما يشبه أن تكون كرهن الرجل حلياً أو ثوبا لا يشبه لباسه، ولا تجره ورهن المرأة حلاساً أو ثوباً لا يجوز لباسها فلابد فيه من إثباته ملكه للراهن.
قُلتُ: وفي أحكام ابن سهل: افتى ابن عتاب بعدم وقف بيعه على ثبوت ملكه، وخالفه غيره، ووافقه ابن عتاب في الرفع.
قُلتُ: فالأقوال أربعة.
ابن رُشْد: فإن عسر تناول السلطان باعه بحضرة العدول، ولا مقال لراهنه على مشتريه إلا أن يكون باعه بأقل من القيمة؛ فله أخذه منه بالثمن الذي اشتراه منه.
قُلتُ: ظاهره: ولو طاع المشتري بدفع تمام الثمن، وفي هذا الأصل خلاف؟ يذكر إن شاء الله تعالى في الوكالات.
ابن رُشْد: وهذا في العروض، وأما في العقار والأرضين؛ فله أخذها من المشتري بالثمن إن لم يبعها السلطان وباعها المرتهن بحضرة العدول واستقصى الثمن وباع بالقيمة.
قُلتُ: ظاهر ما تقدم للخمي أن لا فرق بين الربع وغيره.
ابن رُشْد: وقال أشهب: إن كان الرهن مقتاتاً أو قضباً أو ثمراً يخشى فساده فبيع المرتهن جائز دون السلطان وجماعة العدول وهو تفسير لم تقدم وحمل بعض الثاني على أنه خلاف رواية ابن القاسم في المدَوَّنة وغيرها.
قُلتُ: في المجموعة: ذكر المازري قول أشهب رواية له، ومقتضى لفظ ابن الحاجب لفظ حمله على خلاف.
الصقلي: إذا أمر الإمام ببيع الرهن، فإن كان يسير الثمن بيع في مجلس، وما كثر من الأيام وما كثر من ذلك بيع في أكثر حتي يشتهر ويسمع به كالجارية الفارهة والثوب الرفيع والدار والمنزل فربما ينادي على السلعة في الشهرين والثلاث، وكل شيء بقدره.
المازري: لو احتيج في بيع الرهن إلي السمسار غغي كون الرهن الآخر على مرتهنهاو راهنه رواية عيسى وأَصْبَغ عن ابن قاسم قولهما، وكذا لو أبق العبد الرهن وافتقر بالإتيان به لجعل ففي كون ذلك على مرتهنه أو راهنه نقلا ابن سَحنون عنه وعن غيره نحوه للباجي والصقلي، والأول سماع عيسى ابن القاسم، والثاني: قول عيسى، ولم يعزه ابن رُشْد لأَصْبَغ.
قُلتُ: هل يفتقر بيع الإمام الرهن إلي بلوغة القيمة بعد انتهاء مدة النداء عليه، كما كان يفعله بعض قضاة الوقت ممن لا تحصيل له أم لا؟.
وظاهر الروايات عدمه، وهو مقتضى قول ابن محرز: ولو كسرت عروض المفلس وترجى لها أسواق بيعت عاجلاً، وهو ظاهر قول سَحنون في آخر ترجمة المحبوس في الدين يسأل أن يعطى حميلا.
قال سَحنون: يبيع الحاكم ضيعة المدين بالخيار، فإن لم يجد إلا ما أعطى باع، وانظر هل يفتقر لكونه أولاً ما يباع عليه كالدين في الدين على الفائب، والأظهر عدمه لتعلق حق المرتهن بعينه، وربما كان أيسر بيعاً مع أن راهنه كالملتزم بيعه برتكه، وقال: أعني نظر الإمام فيمن يجب أن يباع عليه في الدين لرهن وغيره، وفيه نظر من ظاهر ما يأتي لابن رُشْد خلافه.
وفي العتق الأول منها: وبيع السلطان بالمدينة على خيار ثلاثة أيام، فإن وجد من يزيده، وإلا فقد البيع.
ابن الحاجب: لا يستقل المرتهن بالبيع إلا بإذن بعد الأجل: ولا يضر اتحاد القابض والمقبض جواب عن سؤال مقدم مقدر تقديره، أن يقال: صحة توكيل الراهن المرتهن على بيع الرهن مشكل؛ لأنه يؤدي لصدق متباين على ذات موضوع واحد وهو باطل، وبيانه إن أسلم القابض الفاعل من أقبض رباعياً يستلزم مفعولاً هو فاعل في المعنى كاسم الفاعل من أقبضت زيداً درهماً فزيد مفعول هو فاعل في المعنى واسم الفاعل من قبض يقتضي مفعولاً ليس فاعلاً في المعنى كاسم الفاعل من قبضت درهماً بدرهم مفعولاً ليس فاعلاً في المعنى فلازم الفعلين متباينين وتباين اللازمين موجب لتباين الملزومين العوضين، فقابض ومقبض متباينان، فلو صح توكيل الراهن للمرتهن على بيع الرهن من البراءة من الدين للزم أن يصدق عليه مقبض من حيث مقام الراهن وقابض من حيث استحقاقه قبض ثمنه من دينه، وقد بينا تباينهما، فلزم صدق المتباينين على ذات واحدة وهو محال، فهذا الإشكال يصلح كونه متمسكاً لنقل المازري عن الشافعي منع كون المرتهن وكيلاً على بيع الرهن، وتقرير قول ابن الحاجب، ولا يضر اتحاد القابض والمقبض أن يقال: إنما يصح يمتنع صدق المتبايعين على ذات موضوع واحد إذا كان ذلك باعتبار واحد، أما باعتبارين فلا كقولنا: زيد أب ليس بأب، باعتبار كونه أباً لولد ذكر وأنه ليس بأب لولد أنثى، ومن فهم كلام الأشياخ من حد التناقض اتضح له فهم ما قررناه.
وقال ابن عبد السلام: كونه مطلقاً مقبضاً سابقاً على كونه قابضاً لنفسه إلا أن قبضه للرهن حسي، وقبضه نفسه حكمي بالبينة فقط، وهل السبقية بالزمن أو العلة فيه نظر، فإن كان بالزمن لم يضمن المرتهن إن ضاع بالبينة إثر قبضه من المشتري، وإن كانت السبقية بالعلية ضمنه، ولم أراه لهم فتأمله.
قُلتُ: إنما التقدم المذكور بالزمان لا بالعلة لجواز انعقاد قبضه الرهن عن قبضه لنفسه باعتبار ذاتيهما.
وفي تقييده: نفي الضمان بالبينة نظر؛ لأنه في قبضهه للراهن وكيل، والقول قول الوكيل في دعوى التلف إن لم تقم بينة.
قال ابن رُشْد: ولو شرط المرتهن على الراهن في عقد البيع أنه موكل على بيعه دون
مؤامرة سلطان أو عند حلوله يقول له: أؤخرك لأجل كذا على رهن كذا وتوكلني على بيعه دون مؤامرة سلطان، ففي جوازه مع لزومه ومنع فسخ وكالته ومنعه ابتداء، وله عزله قولا إسماعيل القاضي، والقاضي دون عيرهم.
قُلتُ: عزا ابن زرقون الجواب لأشهب وابن نافع المنع، وللمدَوَّنة الكراهة، وحكى ابن رُشْد عن أشهب: أنه يجوز في العروض ويرد في الأصول فات أو لم يفت، فهذا قول ابن نافع.
ابن رُشْد: وعلى منعه إن باعها عزله، ففي مضيه جملة إن أصاب وجه البيع أو في العروض ويرد في الأصول ما لم تفت، ثالثها: ولو فاتت لهذا السماع مع روايتها، وقول ابن القاسم في هذا السماع، وأَصْبَغ وقول مالك في الثاني في هذا السماع وأشهب.
قُلتُ: حكاها اللخمي، وجعل في القول الثاني: الحيوان كالأصول، وقال: قول ابن القُصَّار أقيس.
ابن زرقون: ما لا بال له أو يخشى فساده يمضي قولاً واحداً وما له بال ثلاثة أقوال:
في المدَوَّنة: يمضي.
قال في العتبيَّة، ولو لم يفت.
وفي العتبيَّة أيضاً لمالك: يرد ما لم يفت.
وفي الموازيَّة: إن فات لزم المرتهن الأكثر من الثمن أو القيمة، وتأويل ابن رُشْد على العتبيَّة يجوز في العروض، ويرد في الأصول غير بين.
ابن رُشْد: وعلى الأول إن باع بأقل من القيمة فلراهنه أخذه من مشتريه بالثمن، فإن تداولته الأملاك فله أخذه بأي الأثمان شاء، كالشفعة فيما تداولته الأملاك، وعلى الثاني: فوتها بحوالة الأسواق فما فوقها.
الصقلي: اختصار اختلافهم اتفاق ابن القاسم ومالك في مضي بيعه في التافه، واختلف قولهما فيما له بال هل يمضي أو يرد ما لم يفت، وروى أشهب أنه يمضي فيما يخضى فساده، ويرد فيما لا يخشى فساده.
ابن رُشْد: وقول أشهب أنه مردود في الأصول، ولو فاتت؛ لأنه قال: إن فاتت
ضمنها بائعها؛ ومعناه: أن للراهن أخذها على أي حال وجدها بالثمن الذي بيعت به، والدرك فيه على المرتهن مثل أن يجد الدار بيد المشتري، مهدومه قيمتها خمسون واشتراها قائمة بمائة فيدفعها لمشتريها، ويرجع بخمسين على البائع.
قُلتُ: انظر قوله: ويرجع بخمسين على البائع، وهو إنما أخذها في دينه على الراهن، فإن أخذها الراهن منه رجع بها عليه في تمام دينه إلا أن يجعله ضامناً لها لتعديه.
قال ابن رُشْد: وإن وجدها بيد من اشتراها من المشتري بأكثر من الثمن الذي اشتراها به الأول من المرتهن أخذها منه بالثمن الأول، ورجع هو بتمام ثمنه على من اشتراها منه، وهذا الاختلاف في توكيل الراهن للمرتهن؛ لأنها وكالة اضطرار لحاجة لابتياع ما اشترى أو استقراضه أو تأخيره؛ ولأن الرهن لا يباع إلا إذا ألد في رهنه أو غاب ولم يوجد له ما يقضي منه دينه، فيحتاج إلي البحث عن ذلك، وعن قرب غيبته عن بعدها، ولا يفعل ذلك إلا الحاكم، فأشبه حكمه على الغائب.
قُلتُ: ظاهر حصره ما يتوقف عليه بيع الرهن فيما ذكر أنه لا يتوقف على كونه أولا مما يباع عليه، ولا بلوغه قيمته.
قال ابن رُشْد: ولو طاع الراهن للمرتهن بعد البيع وقبل حلول الأجل بأن رهنه وهناً، ووكله على بيعه عند حلول الأجل دون مؤامرة حاكم جاز اتفاقاً؛ لأنه معروف منه، ونقله المتيطي وغيره، وفيه نظر؛ لأنه شبه هدية مديان، وقد منعو بيع طعام بثمن مؤجل على تصديق البائع في كيله، وسوى اللخمي: بين شرط توكيل المرتهن، والعدل وهو نصها، وكذلك شرط توكيل غيرها وهو الواقع في عصرنا وساق ابن رُشْد الكلام فيه في المرتهن فقط وسوى أيضاً بين شرطه في عقد البيع والقرض.
وقال المتيطي: اختلف إن شرطه في عقد القرض فأجازه ابن العطار ومنعه ابن الفخار، وقال: هو سلف جر نفعاً لا نتفاعه بشرط مئونة ما يتوصل به للبيع، وانظر لو طاع الراهن بتوكيل المرتهن أو العدل أو غيرهما بعد العقد، هل هو كطوعه بعد العقد بالرهن مع التوكيل على بيعه؛ لأنه معروف أولا؛ لأن تقدم شرط الرهن في العقد يضعف كونه معروفاً، وربما يكتبونه بعد العقد تحليلاً، وقول ابن الحاجي: إن أذن قبله فباع رد ما لم يفت، وقيل: يمضى، وقيل: في التافه، وقيل: إن عسر الوصول إلى الحاكم،
ويستقل الأمين إن أذن له قبل الأجل وبعده ما لم يكن في العقد شرط خلاف ما تقدم لابن رُشْد وغيره أن طوعه بعد العقد بالرهن والتوكيل جائز اتفاقاً، ومجرد الطوع بالتوكيل فقط لا نص فيه لهم، وما ذكره من الخلاف في مضي البيع، ورده إنما ذكروه في شرطه في العقد وأنه في عسر الوصول للحاكم متفق عليه.
وقول ابن الحاجب: (ويستقل الأمين
…
إلخ) صواب؛ لأنه محض توكيل سالم عن توهم كون الراهن فيه مكرهاً.
وقول ابن عبد السلام ظاهر قوله: ما لم يكن في العقد بشرط نقض لقوله: أن ذلك بيد الأمين؛ لأن قوله: (إن أذن له قبل الأجل) يتناول ما كان في أصل المبيع، يرد بأنه إن أراد بكونه نقضا نقض التناقض في الكلام الموجب لفساده فليس كذلك، وإن أراد النقض الكائن في الكلام ذي الاستثناء المتصل، فلا تعقب فيه؛ ولذا تلقاه ابن هارون بالقبول.
وقال ابن شاس: إن أذن الراهن للعدل وقت الرهن في البيع عند الأجل جاز، ولو قال لمن على يده الرهن من مرتهن أو عدل إن لم آت إلي أجل كذا فبعه إلا بأمر الحاكم، وإن باعه بغير أمره نفذ فجعل شرطه بعدم إتيانه موجباً لوقف بيعه على أمر السلطان؛ لأنه لا تثبت غيبته إلا عند الحاكم.
والنفقة على الراهن الواجبة من الراهن قبل رهنه **** بعده فيها، كفن العبد الرهن إن مات ودفنه على راهنه.
وفيها: إن أنفق المرتهن على الراهن بأمر ربه أو بغير أمره رجع بما أنفق عليه، ولا يكون ما أنفقفى الرهن إن أنفق بأمره؛ لأنه سلف، بخلاف المنفق على الضالة هو أحق بها من الغرماء حتي يستوفي نفقته؛ إذ لا يقدر على ردها، ولابد من النفقة عليها، والمرتهن يأخذ راهنه بنفقته، فإن غاب رفع ذلك للإمام.
اللخمي عن أشهب: النفقة على الرهن كالضالة، وقال محمد بن مسلمة: النفقة على العبد الرهن مبداة على الدين كإجارة الأجير، على سقي زرع الأجير مبدا وهو أقيس، ويتبع ذمة الراهن بخلاف الضالة؛ لأن رضاه بوقفه إلي الأجل رضىً بالإنفاق عليه، ويجبر عليه، وفي اتباع المرتهن الراهن بما أنفقه على الرهن في غيبة راهنه، زائداً على ثمنها
قولا بعض الفقهاء محتجاً بأن غيبته مع علمه بالحاجة إلي النفقة عليه كالإذن في ذلك، والصقلي: محتجاً بأنه ليس له أن يعمر ذمته بما لم يأذن له فيه، وحقه بعد بلوغ نفقته ثمنه أن يرفع ذلك للإمام ليبيعه، وقيد الأول بقوله: يريد: إن كان حين النفقة عليه ملياً، وإن كان عديماً نظر الإمام إن كان بيعه خيراً له باعه، ومحتمل المرتهن دينه.
وفيها: لو قال: أنفق والرهن فما أنفقت رهن، فهو بها رهن، ولو قال: ونفقتك في الرهن ففي كونه فائدة حبسه عن ربه في النفقة لا أنه رهن بها، قول ابن شبلون: أخذها بظاهرها، والصقلي عن بعض القرويين: متأولاً عليه المَوَّنة منكراً قول ابن شبلون، قائلاً: وقع المسألة في المجموعة والموازيَّة على ما فسرت، ولفظها في الكتابين لابن القاسم: إن أنفق عليه بإذن ربه أو بغيره فهو سلف لا يكون في الرهن إلا أن يشترط أنه رهن في النفقة، إلا أن له حبسه بما أنفق، ودينه إلا أن يكون على الراهن دين فلا يكون أولى بما فضل عن دينه إلا أن يشترط أن ذلك رهن في النفقة.
قُلتُ: حاصل ما ذكره عن الكتابين أنه لا يكون رهناً إلا أن يشترط أن ذلك رهن في النفقة، وليس هذا محل الخلاف مع ابن الماجَشُون، ونقل المازري ما في الكتابين بزيادة نصها، أو يقول له: أنفق ونفقتك في الرهن، فيكون أحق به من الغرماء، وهذه الزيادة إن صجت حجة على ابن شبلون، وقد يؤخذ من آخر نقل الصقلي عن الكتابين إن قال له الإمام في غيبة الراهن: أنفق على أن نفقتك فيه، كان أحق به من الغرماء، وذكر ابن عبد السلام هذه الزيادة من كلام بعض الشُيُوخ، فظاهره أنها ليست رواية، ورد عبد الحق قول ابن شبلون بقولها في الوكالات فيمن أمر غيره أن يشتري له وينقد عنه، ويحبسه حتي ينقده الثمن: أنه رهن، وقوله: أحبسه ونفقته في الرهن سواء.
قُلتُ: لفظ احبسه أقرب لمعنى الرهن، ولو تهدر بين الثمرة الرهن، ففي وجوب إصلاحها الراهن لتمام الثمرة نقلا الباجي عن ابن القاسم في المختصر، وعنها عزا ابن رُشْد الأول لسماعه يحيى فقط، وقال: هو خلاف قولها: إن أبى أن يصلحها فللمرتهن إصلاحها ليحيي رهنه، ولا يرجع بنفقته على الراهن، وتكون في الرهن مبداة على الدين، فإن لم يكن في الرهنإلا قدرها تبع الراهن بدينه، وإن قصر الرهن عنها لم يتبع الراهن بتمامها، وقال أشهب: هو أولى بماء البئر حتي يعطيه بقيه نفقته، ولا شيء على المرتهن فيما
انتفع بمائها؛ لأنه كان ضامناً له بنفقته لو ذهب ماؤها فقول ابن القاسم فيها خلاف سماع يحيى: أنه يلزمه إن كان ذا مال، وعليهإن طاع المرتهن بإصلاحها فلم يف الرهن بإصلاحها تبع الراهن بما بقي من نفقته مع دينه، ويحتمل أن يحمل هذا السماع على الرهن المشترط في أصل المبيع أو السلف، وما فيها على ما تطوع به بعد العقد فيتفقان.
وفيها: إن خاف الراهن هلاك الرهن ولم ينفق عليه المرتهن فأخذ من أجنبي مالاً أنفقه فيه، فالأجنبي أحق بمبلغ النفقة من ثمن الزرع، وما فضل فللمرتهن.
عبد الحق عن بعض شُيُوخ القرويين: إنما يكون الأجنبي أحق بذلك إن قال: أنفقه في هذا الزرع ويكون لك رهناً ولم يقل له ذلك، وإنما قال له: أنفقه عليه لم يكن أحق بذلك؛ لأنه سلف في ذمة.
ابن عبد السلام: ظاهره يكون حائزاً للثمرة لا أجنبي مسلف النفقة، قال: وهذا صحيح إن لم تكن الثمرة مشترطة في ارتهان المرتهن.
قُلتُ: هذا التقرير خلاف نصها إن خاف الراهن هلاك الرهن، قال: وإن كانت مشترطة فتعقبه بما حاصله أنه يلزم أن يكون المرتهن حائزاً لنفسه وغيره ما هو رهن لكل منهما على وجه الاستقلال دون شركة، وذلك لا يصح، ولعدم صحته منع فيها صحة حوز الوصي ما ارتهنه من مال يتيمه، ويرد بمنع كونه رهناً لهما على سبيل التسوية في التسليط عليه بحكم الرهن ضرورة تبدية على الأجنبي في هذا الرهن على دين المرتهن، وذلك يوجب كون المرتهن فيه كمرتهن فضلة الراهن وضع الرهن المرتهن فضلته على دين هو فيه رهن بيده مرتهن فضلته لا خفاء في صحته وجريه على الأصول فتأمله.
قُلتُ: وفي قبول عبد الحق والصقلي تقييد المدَوَّنة بقوله إن قال له: ويكون لك رهناً، وإلا لم يكن أحق به نظر لسماع ابن القاسم من ارتهن زرعاً فعجز عنه صاحبه فقال: زدني مالاً أصلح به زرعي فأبى، فأخذ مالا من غيره فأصلح به زرعه حتي انتعش، قال: يبدأ المسلف على المرتهن الأول في الزرع حتي يتسوفي حقه.
ابن رُشْد: هذا نص الرهون من المدَوَّنة ومعناه: إن أذن المرتهن في ذلك للرهن، وروى محمد: أن الأول مبدى، ثم الثاني: وجه الأول أن المرتهن بإذنه في ذلك للراهن رضي بتبديته عليه، وصار حائزاً له، ووجه الثاني أن المرتهن الأول حاز الزرع لنفسه فلا
يخرج قدر دينه عن يده ويكون فيه حائزا لغيره وإلا قبض وحبسه في ذلك؛ لأنه بإذنه حائز للثاني ما فضل عن حقه، ولو لم يأذن فيه لو جب أن يكون الثاني أسوه الغرماء فيما فضل عن حق المرتهن الأول.
قُلتُ: فظاهر السماع عدم الافتقار إلي نص الراهن على أن الزرع فيما تسلفه لإحيائه رهن خلاف قول عبد الحق والصقلي، وظاهر كلامهم عدم الافتقار إلي إذن المرتهن خلاف قول ابن رُشْد، فاعلم ذلك، ونحو ذلك سماع ابن أبي زيد ابن القاسم رهن عبد شرط راهنه أنه مبدى في ثمنه على ما رهنه فيه بمائة، بمائة باطل.
ابن رُشْد: روى محمد: هو على شرطه، ولغو مائة مائة وما بعدها رهن.
قُلتُ: ظاهره: أن للمرتهن الدخول مع الغرماء في المائة المبدأة بما يبقى له من دينهبعد رهنه، وقال المازري في ظاهر قول مالك: عدم دخوله بذلك معهم، وفيه نظر، قال: وإبطال ابن القاسم هذا الرهن؛ لأن الشرط وقع في رهنه بخلاف فضل رهنة الرهن بعد عقده وحوزه وهو مما ينظر فيه.
ضمان الرهن الذي لا يغاب عليه، المعروف من ربه ما لم يتهم مرتهنه.
ابن حارث: اتفقوا أن ضمان الحيوان الرهن من ربه اتفاقاً.
المازري: هذا معروف المذهب، وخرج بعضهم ضمانه على رواية ضمانه محبوساً بثمنه ورده بعض أشياخي بأن ضمانه محبوساً ليس رهن بثمنه؛ لاحتمال كونه على رواية شرط مضى زمان إمكان قبض المبيع مع عقده في ضمانه في العقد المحبس مانع من تمكن قبضه، وخرجه بعضهم من قول شركتها: إن استعار أحد الشركين دابة لحمل شيء من مال الشركة بغير أذن شريكه فتلفت، لا ضمان على الشريك غير المعير.
قُلتُ: ونحوه قول اللخمي: وعلى ضمان الحيوان في العارية يضمن في الرهن.
المازري: وأجيب بأنه بيان لحكم الشركة أن حكم الحاكم بضمانه؛ لأنه بيان لحكم ضمان المستعار.
قُلتُ: أو بيان لحكم الضمان بالتعدي، ويكون قول الغير فيها تفسيراً.
قال: ويستغني عن هذا التخريج بنقل أبي الفرج عن ابن القاسم: من ارتهن عبداً تلف نصفه فتلف ضمن نصفه فقط.
قُلتُ: وأشار إلي تخريجه من قول أشهب بضمان ما هلك ببينة فيما يغاب عليه.
الباجي: إن ادعى المرتهن إتلاف الرهن وإباق العبد وهروب الحيوان؛ لم يضمن حتي يتبين كذبه، مثل قول أشهب: إن زعم انفلات الدابة، وأن العبد كابره بحضرة ناس عدول لم يثبت قوله، وإن ادعى موت الدابة ففيها لمالك: يصدق إلا أن يظهر كذبه لدعواه بموضع لا يعلم أهله موتها، ولو قال: ماتت دابة لا نعلم لمن هي، ففي المجموعة إن وصفوها أو لم يصفوها قبل قوله.
قُلتُ: تقدم هذا في دعوى المبتاع هلاك المبيع على خيار وكلام ابن رُشْد في ذلك.
الصقلي: في يمين المرتهن في ضياع ما يغاب عليه نقلا بعض شُيُوخنا، قال: وأجب إلينا أن يحلف المتهم لقد ضاع وما فرطت، وما تعديت ويحلف غير المتهم ما فرطت ولا ضيعت، لا على الضياع؛ لأنه يصدق فيه.
عياض: اختلف فيه المتأخرون، قيل: يحلف بكل حال بخلاف المودع، المختلف فيه، وقيل: كالمودع يختلف فيه على الأقوال الثلاثة المعلومة.
وما لا يغاب عليه في سلمها الثاني، كالحيوان أو الدور والأرضين، والثمر في رؤوس النخل، والزرع الذي لم يحصد.
اللخمي: وهو عام في الحيوان على اختلاف أنواعه من شاة أو طير، وأرى أن يضمن ما يستخفى ذبحه، وأكله.
قال: وما كان في الأندر والجرين كالزرع؛ لأن المرتهن يغيب عليه بالليل، وهو فوائد الناس ومنه الشفن ولو صغرت ترتهن على ساحل البحر، وكذا مرساها وصاريها إن كان على بقائه بموضعها، وكذا أعدال الكتان في قاعة الفدادين والطعام والزيت بدار راهنه، وبان المرتهن بمفتاحه أو طبع عليه، وكذا إن كان بغير دار الراهن، وإن كان مفتاحه بيده لا أن يعلم أنه يتصرف إليه، ويفتحه فينظر هل يشبه أن يكون أخذ ذلك في تكرره إليه، وإغلاق الربع مثل الربع، ويصدق أنه لم يجز في ذلك، ويحلف إن كان متهما.
وما يغاب عليه بيد أمين من راهنه، وما بيد مرتهنه منه ما لم تقم بالبينة: ابن حارث: اتفاقاً، ولو ادعى الراهن تغييب المرتهن الرهن، فقال العتبي: لا يمين عليه إلا أن يدعي علم ذلك، وأنه أخبره بذلك من وثق به فإن حلف حلف له المرتهن
تغيب المرتهن الرهن.
وقال ابن مزين: يحلف لقد ضاع، وما دلس فيه، ولا يعلم له موضعاً، وأنكر قول العتبي، وقال: يمين توجب يميناً، هذا لا يكون وأجبه العُتْبِيّ بأن اللعان اليمين، توجب فيه يميناً.
ابن حارث: إن كان المرتهن ممكن يتهم بذلك حلف، وإلا كدعوى الغصب والتهمة بالخطة في توجه اليمين.
عياض: اختلف في قدرها شُيُوخنا، ومتأخروهم، وعلى قول ابن مزين حمل بعض الشُيُوخ ظاهر المدَوَّنة، وبه أفتى إسحاق بن إبراهيم ونحو قول العُتْبِيّ لمالك في هذا الأصل، وقاله ابن لبابة الأكبر، ولو قامت بينة على تلفه ففى سقوط ضمانه روايتا ابن القاسم مع قوله وأشهب، وعزا الصقلي الأول أيضاً لعبد الله وأَصْبَغ، وعلل أشهب قوله بقوله؛ لأن الأصل في ذلك الضمان، وعليه أخذه.
ابن شاس: للقولين بناء على أن الضمان للتهمة، ولدخوله عليه، وتبعه ابن الحاجب.
قال ابن عبد السلام: أخذه لأشهب من قوله في شرط نفي ضمانه جلي، ويبعد ذلك في حمل المرتهن بنفي الضمان، وإنما حمل الناس على أشهب أن الضمان عنده ضمان أصالة.
قُلتُ: ينتفي التعقب على ابن الحاجب وابن شاس.
الصقلي: قول أشهب أصل ذلك الضمان، وعليه أخذه إلا أن يجعل الضمير في عليهعائداً على أصل لا على الضمان، وفي ضمانه الساج بأكل السوس قولا ابن وَهْب، ورواية يحيى مع حلفه ما ضيعت ولا أردت فساداً، وعزاه الباجي لسماع عيسى رواية ابن القاسم بناء على وجوب نقضه وتفقده وسقوطه.
اللخمي: القياس سقوطه إلا أن تكون عادة؟
قُلتُ: في تضمين الصناع منها: ويضمن القُصَّار قرض الفأر؛ إذ لا يعرف، ولو عرف أن الفأر قرضه من غير تضييع، وقامت بذلك بينة لم يضمن.
ابن رُشْد في سماع محمد بن خالد في تضمين الصناع، انظر على القول إن ثبت أنه قرض فأر، فلا ضمان عليه حتي يثبت تسببه فيه بتضييع أهل إذا وقع في بيته النار، وتحريق
الثوب يحترق، فلا ضمان عليه حتي يثبت أن النار من سببه؛ لأنه العادة أنه يبادر بيته ليصدق في أمتعة الناس أو يفرق أن فساد الثوب قد علم أنه من قرض الفأر والنار وهو يقدر على علمها، والأشبه أن لا فرق بينهما.
اللخمي: سوس الخشب من الراهن؛ لأنه لا ينفعه التفقد.
الباجي: ومثل قيام البينة رواية ابن القاسم في المجموعة؛ أن رهنه رهناً في مركب فغرق أو احترق منزله أو أخذه اللصوص بمعاينة البينة في كل ذلك، وإن جاء بالرهن محترقاً لم يصدق إلا ببينة أن يكون ذلك مغروفا من احتراق منزله أو حانوته، فيأتي ببعض ذلك محترقاً فيصدق، رواه ابن حبيب عن أَصْبَغ عن ابن القاسم.
الباجي: إن لم يعلم سببه ضمنه، وإن علم سببه كاحتراق منزله، فإن ثبت أن الثوب كان فيما احترق صدق اتفاقاً، ولو لم يأت ببعضه.
ابن زرقون: قال محمد: ويعلم أن النار ليست من سببه.
الباجي: وإن لم يثبت أن ذلك كان فيما احترق، فإن أتى ببعضه محرقاً صدق، وإن كان في حانوته الذي احترق وإن لم يأت بشيء منه وادعى حرق جميعه فظاهر المسألة لا يصدق وعندي أنه إن كان مما جرت العادة بدفع الرهن في الحوانيت التي يكون متعدياً بنقله عنها، فأرى أن يصدق في احتراق ذلك فيما عرف من احتراق حانوته، وبه أفتيت في طرطوشة عند احتراق أسواقها، وكثر الخصومات وظني أن يعض الطلبة أظهر لي رواية على ابن أيمن يمثل ذلك.
وفي العتبيَّة لعيسى عن ابن القاسم عن مالك: بالمرتهن يأتي بالساج تآكل من السوس لا ضمان عليه يحلف ما ضيعه، وفي لغو شرط المرتهن سقوط ضمانه وأعماله نقل اللخمي عن ابن القاسم مع مالك وأشهب، وصوبه قال: وهذا إن كان في عقد البيع أو القرض، وإن كان بعدهما اعتبر؛ لأن طوعه بالرهن معروف، وإسقاط الضمان معروفاً كان كالعارية بسقوط الضمان يعتبر اتفاقاً من ابن القاسم وأشهب وفي المذكرات قولاهما في شرط سقوطه مناقض لعلتي لقوليهما في هلاكه ببينة؛ لأن ما بالتهمة سقوطه بالشرط واضح لعدم مناقضته إياها، وما بالأصالة شرط سقوطه يناقضه، ويجاب عن الأول بأن الشرط موجب لتقوية علة الضمان وهى التهمة، فإيجابها كذلك، وعن الثاني بأن الشرط
مناقض لمقتضى الأصل برفعه كناسخ في سماع القرينين في تضمين الصناع لو اشترط المعير أو الراهن ضمان ملا يغاب عليه من الحيوان بشرط باطل من غير تفصيل، قاله مالك وكل أصحابه حاشى مُطَرَّف.
قال: إن شرط لأمر خافه من لصوص أو شبهه شرطه ذلك لازم إن عطب فيما خافه، وقال أَصْبَغ: لا سيء عليه في الوجهين، كقول مالك وأصحابه.
اللخمي عن ابن القاسم: إن شرط ضمان الحيوان بفضل شرطه، ويجري فيها ضمانه؛ لأنه يختلف في ضمانه من غير شرط، فالشرط أخذ بأحد القولين، وتخريج بعضهم ضمان ما لا يغاب عليه يرد بأنه في السقوط موافق لأصل ابن القاسم براءة الذمة حين العقد.
وفيها: إن استعرت دابة على أنها مضمونة، ورهنته بها فهي من ربها أو الرهن فيها لا يجوز، فإن ضاع ضمنه إذ لم يأخذه على الأمانة.
الصقلي: عن أشهب في المجموعة: لو وجب ضمانه بتعد أو شبهه، فقال مرة: الرهن بها، ومرة لا تكون بها رهناً.
وفيها: من ارتهن نصف ثوب فقبض جميعه فهلك عنده لم يضمن إلا نصفه كمعط لغريم ديناراً له نصفه ويرد ما بقي فضمان نصفه من معطيه وهو في النصف الآخر أمين ولا يمين عليه إلا أن يتهم تعقبه.
ابن عبد السلام وغيره: بأن ضمانه نصف إنما هو بالتهمة، فإن صح تأثيره ضمنه أجمع لاستحالة خيانته في نصفه مشاعا دون باقيها، وإن بطل تأثيرها لم يضمن منه شيئاً، وبه يبطل قياسه؛ لأن نصف الدينار إنما ضمنه باقتضائه، وإنما يتم القياس على أصل أشهب أن الضمان أصالة، ويجاب بأن تهمته؛ إنما هي مؤثرة فيما قبضه رهناً، وهذا الوصف إنما هو في نصفه فقط، كما لو دفع له ثوبين أحدهما رهن، والآخر وديعة، فادعى تلفهما.
وفيها: من ارتهن ثوباً فاستحق نصفه وترك المستحق نصفه بيد المرتهن، وضاع لم يضمن المرتهن إلا نصف قيمة الرهن.
قُلتُ: لثبوت نقيض وضع نصفه بمعنى الرهن وهو وضعه بمعنى الأمانة من
المستحق المرتهن ربه يجاب عن توهم مناقضتها بقولها يبقى ضمان الرهن بعد قضاء ما كان به رهناً أو بيان سقوطه من أصله.
وفيها: إن هلك الرهن بتعد غير المرتهن ضمنه ربه وتبع المتعدي، فإن غرم قيمة ما حط فيه إن أتى الراهن برهن ثقة مكان الأول أخذ القيمة، وإلا كانت رهناً.
الصقليعن الموازيَّة، وظاهره لأشهب: إن كان ما غرمه المتعدي كصفة الدين، عجل للمرتهن؛ لأن وقفه لأجل ضرر.
الصقلي: ابن القاسم يرى في مثل هذا وقف الثمن لعل الراهن يأتي بمثل ذلك الرهن، ولو أيسر من ذلك لم يكن في وصفه.
قُلتُ: نص في النوادر على غرر التعجيل لمحمد، وأشهب قال: وقال ابن القاسم: إن جاء ربه برهن مثله أو لا فيه ثقة من الحق أخذ القيمة.
قُلتُ: ظاهر عطف قوله أو بما فيه ثقة أنه لا يشترط كونه من صنفه خلاف ما تقدم في مسألة بيع الرهن بإذن المرتهن.
وفي سلمها الثاني: تجوز مقاصة المرتهن فيمن ضمنهمن رهن بما له على راهنه من سلم غير طعام، ما لم يكن الرهن من دنانير فلا خير فيه إلا أن يكون رأس المال السلم غير عين.
الباجي: شرطها جواز أخذ الرهن من رأس المال، والسلم فيه إن فقد أحدهما بطلت ككون الرهن دنانير ورأس المال دراهم، وكونها دنانير، والرهن أكثر، ولو كان قدره فأقل جاز، وإن كان الرهن عرضا من جنس ما أسلم فيه أقل أو أكثر أو أدنى أو أجود بطلت قبل الأجل فما بعده، وإن تساويا جازت مطلقاً، وإن كان من جنس رأس المال لم تجز أجود أو أكثر أو بعكسها، ولو حل الأجل، وإن كان مثلها جازت، ولو كان رأس المال عرضًا، والرهن عرض من غير جنسه.
فقال ابن بشير: يجوز بعد معرفة قيمة الرهن، وهذا أصل فيه تنازع، وهل يراعى قيمة الرهن إن كان رأس المال عيناً.
قال ابن بشير: إن كانت قيمته أكثر من رأس المال امتنعت، وإن كانت مثله فأقل جازت وأنكره غيره من أصحابنا؛ لأنه إن كان الرهن باقيأً فلا خلاف في جواز سلف
دنانير فيه، وإن كان تلف لزمت القيمة.
وفيها: إن أقر الراهن بجناية الرهن بعد رهنه ففداه أو أبى كان عديماً بقي رهناً، فإن حل الأجل والراهن مليٌّ أجبر على قضاء الدين تسليم الرهن في الجناية، وإن كان عديماً فالرهن أحق به.
قلت: انظر لو أبى من فدائه أولاً وهو ملي، ثم أراده حين الأجل، ونازعه المجني عليه، فالأظهر أن ليس له ذلك؛ لأنه لو مات كان من المجني عليه.
الصقلي: لو أقر بذلك قبل رهنه، فإن رضي بافتدائه بقي رهناً، وإن أبى وقال: لم أرض تحمل الجناية وحلف على ذلك أجبر على إسلامه، وتعجيل الدين كمن أعتق وأقر أنه لغيره، والدين مما يعجل، وإن كان عرضاً من بيع ولم يرض من له تعجيله لم يجز إقراره على المرتهن كما لو كان معسراً، والدين مما يعجل، وإن كان عرضاً من بيع ولم يرض من له تعجيله لم يجز إقراره على المرتهن كما لو كان معسراً، والدين مما يعجل، وللمجني إغرامه قيمته يوم رهنه لتعديه عليه برهنه والتعريض حتى يحل الأجل، فيباع ويتبعونه بثمنه.
وفيها: إن ثبتت جنابة الرهن وفداه ربه بقي رهناً، وإن أسلمه فلمرتهنه إسلامه فإن فداه ففداؤه في رقبته مبدى على الدين لا يباع حتى يحل الأجل وليس له فداؤه من مال العبد إلا بإذن ربه.
الصقلي عن بعض القرويين: ونفقته في بقائه للأجل على راهنه كما كانت عليه.
وفي الموازية: لمرتهنه فداؤه ملكاً له بزيادة دراهم على أن شرطه يسقط من دينه ويتبع الراهن ببقيته لأجله، فإن فداه بأرشه فقط كان رهناً به مع الدين على أن الأرش في رقبته إن مات لم يتبع راهنه بشيء من أرشه، فإن كان للعبد مال لم يكن لمرتهنه فداؤه منه بغير إذن ربه، فإن أبا فداءه المرتهن ففي كونه ماله رهناً بالأرش لا بالدين ورقبته رهناً بهما، أو كرقبة، ثالثها: لا بواحدة منهما، لروايات محمد قائلاً بالأخير أخذ ابن القاسم، وابن عبد الحكم، وبالثانية أصحاب مالك وهو الصواب؛ لأنه بفدائه حل محل المجني عليه.
قلت: والأولى بناء على إعطاء حكم نفسه، وعليهما نقل المازري وغيره في تمكينه بفدائه بيعه قبل أجله وعدمه قولا سحنون، والأكثر، والثانية بناءً على ما به الأولى مع جهل إيجاب الرهينة المطلقة عدم ماله غير رهن كاستحقاق مال عبد اشترى بماله لا يقال
لمشتريه.
محمد: إن بيع بماله فأقل مما فداه به، لم يكن ما نقصه على سيده؛ إنما عليه الدين الأول، وما فضل بعد الأرش كان للدين الأول إلا أن يكون عليه غرماء أخر، فيدخلون معه فيما زاد ماله في ثمنه بعد الجناية إن زاد مثل نصف ثمنه فما فضل بعد الأرش نصفه للمال ونصفه للرقبة فما للرقبة للمرتهن، وما للمال لغرمائه يدخل معهم المرتهن بما بقي له إن بقي له شيء، وكذا إن زاد المال فيه الثلث أو الربع.
الصقلي: تفسيره جعل تفسير العبد دون ماله خمسين، وبه مائة نصفها للمال، ونصفها للرقبة، وتجعل الجناية أربعين يبدأ بها من ثمنه تفضل ستون نصفها للرقبة المرتهن أحق بها، تبقى ثلاثون حصة المال للغرماء يحاصهم فيها المرتهن بما بقي عليه إن بقي عليه شيء، ولو فداه بإذن ربه ففي كونه رهناً فيما فداه به مع دينه مطلقاً، وإن نص على كونه رهناً بالفداء نقلا الشيخ عن الموازية قول ابن القاسم مع مالك ومحمد مع أشهب.
التونسي: خالف ابن القاسم وأشهب قوليهما فيمن أمر من يشتري له سلعة وينقد ثمنها عنه.
قال ابن القاسم: لا تكون بيد المأمور رهناً فيمن دفع، وقال أشهب: متى رهن له فأجل ابن القاسم في الجناية الدافع محل المدفوع له، وعكس أشهب ويجاب لابن القاسم بأن الدافع في الجناية محل مرتهن، فاستصحب عليه حكم وصفه، ولأشهب يتقدم اختصاص الراهن بمال العبد قبل جنايته، فاستصحب وعدم تقدم اختصاص الأمر بالسلعة قبل الشراء، وسمع عيسى ابن القاسم أرش جرح العبد الرهن رهن.
ابن رشد: اتفاقاً؛ لأنه عوض بعضه وما يجب فيه من دية لا تنقص قيمته كالمأمومة والمنقلة لراهنه، إلا أن ينقصه.
الشيخ: لأشهب في المجموعة: إن قتل الرهن عبداً لربه لم يقتله إلا إن عجل دين المرتهن وعكسه إن عفا عن قاتله فلا حق فيه لمرتهن القتيل، وإن قتل العبد الرهن عبد أجنبي، فإن اتفق مرتهنه وراهنه على قتله قتل وإلا فلا، وخير ربه في إسلامه وفدائه بقيمة القتيل يكون ذلك رهناً، وكل جزء من الرهن رهن بكل جزء من الدين الذي
رهن فيه بمعنى الكلية فيهما، لا بمعنى التوزيع إن اتحد ملك الدين، وإن تعدد ولا شركة بينهم فيه على التوزيع فيها من رهن امرأته رهناً بكل المهر قبل البناء، ثم طلقها قبله لم يكن له أخذ نصف الرهن، والرهن أجمع رهن بنصف كمن قضى بعض الدين.
وفيها: من رهن داراً من رجلين صفقة واحدة في دين لهما ولا شركة بينهما فقضى أحدهما كل حقه أخذ حصته من الدار.
وفيها: من ارتهن دابة أو داراً أو ثياباً فاستحق نصف ذلك من مرتهنه بقي نصفه رهنا بكل حقه، فإن شاء المستحق بيعه.
قيل: للراهن والمرتهن بيعا معه، وللمرتهن لا تسلم رهنك ويباع وهو بيدك، ويبقى حظ الراهن من الثمن رهنا بيد المرتهن بكل حقه.
اللخمي: لأشهب في الموازية أن بيع بمثل الدين عجل للمرتهن في دينه؛ إذ لا يقع في وقفه إلا أن يأتي برهن، ويقول: أتى به في المستقبل.
الصقلي عنه: لو بيع بدنانير والدين دراهم أو بالعكس لم يعجل، ونقل الباجي: وزاد أن يبيع بقمح، وحق المرتهن صفة وجوده.
فقال محمد: يتعجل حقه، ولأشهب في العتبية بشي من الطعام أو الإدام والشراب استحسن تعجيله، وإن أبى رب الحق، وكذا كل مكيل أو موزون ونحوهما، وقال سحنون في موضع آخر: إلا أن يكون آخر حقه من بيع فله أن يتعجله؛ لأنه لا يجبر على تعجيله بخلاف العتق، ولأشهب في العتبية لو بيع بعرض مثل حقه لم يتعجله إلا برضا الراهن؛ لأن المماثلة لا تكاد تصح.
اللخمي: لو طلب المستحق وضعه على يديه أو يد أجنبي، والراهن غائب لم يكن للمرتهن ذلك، ونظر الحاكم، فإن وقفه عبد غير المرتهن لم يضمنه، ولو ادعى مرتهنه ضياعه قبل استحقاق نصفه ففي ضمانه حظ المستحق، قولا ابن القاسم وغيره، قال: ويحلف لقد ضاع.
اللخمي: إن كان الرهن بدينين قبضا أحدهما أو ثمن عبدين، استحق أحدهما أو رد بعيب أو بمائة ثمن عبد بيع بيعا فاسدا وكانت قيمته خمسين، فالرهن رهن بما بقي، وحكى ابن شعبان: يسقط منه بقدر ما اقتضى من الدين.
وفي "الموازية": من اقترض من له عليه مائة مائة على رهن بهما يسقط منه مناب المائة الأولى.
وقال محمد: كله رهن بالثانية، كقولها، وعلى هذا يفض في الاستحقاق والرد بالعيب والطلاق قبل البناء فيسقط مناب الساقط، ومن أسقط دينارا في ثلاثين درهماً أخذ بها رهنا ففسخ، فإن ساوى الدينار الدراهم رهن، بكل الدينار وإن ساوى الدينار أربعين درهماً كان رهناً بثلاثة أرباعه فقط، فإن كانت قيمته عشرين ففي كونه رهناً بجميعه أو بثلثيه، ويسقط مناب العشرة الزائدة؛ لأنها كمستحقة قولان، ولو ادعى حائز لشيء ارتهانه وربه إيداعه فالمذهب تصديقه.
اللخمي: إن شهد عرف لحائزه صدق، كالبقال في الخاتم ونحوه.
ابن العطار: ولو ادعى حائز عبدين أنهما رهن، وقال ربهما: بل أحدهما صدق، ولو ادعى عن حائز عبد رهن جميعه، وقال ربه: بل نصفه صدق حائزه.
قلت: الأظهر كالأولى.
وفيها: من حاز جبة وقمطاً فهلك، وقال: هو وديعة، والجبة رهن، وعكس ربها حلف كل منهما على نفي دعوى الآخر، وأخذ الجبة رهناً ولا غرم على الحائز.
ابن الحارث: ولأشهب القول قول الذي بيده الثوب، وقال يحيى بن عمر: إنما تكلم أشهب في التالف لا في الباقي، ولو وافق المدين عليه مائة لمن بيده رهن وزعم أنه في خمسين منها أو قيمته خمسين، وقال: حائزه في جميعها ففي قبول قول الراهن أو المرتهن قولا ابن القاسم فيها مع الصقلي عن محمد ونقله عن أشهب، وصوبه الصقلي: إن كان قبل حلول الأجل والرهن سواء عند حلوله مائة.
وإن اختلفا في قدر دين الرهن وهو بيد مرتهنه صدق بيمينه في قدر الرهن في دعواه، فإن نكل ما ادعاه قدرها فأقل حلف وثبت حقه، وفي لزوم حلف الراهن على نفيها لبقي مؤنة بيع الرهن وعهدته نقل اللخمي، وقول محمد وصوبه اللخمي لخفة مؤنة بيعه ندور استحقاقه، ولم يحك ابن رشد غيره.
عياض: لم يختلفوا أن للرهن شاهد للمدين، وأن القول من ادعى قيمته إلا ما وقع في العتبية: أن القول قول المرتهن أبداً، وإن كان قيمة الرهن ما أقر به الراهن، وهذا على
أنه شاهد على نفسه لا على الذمة.
قلت: ما ذكره عن العتبية لم أجده فيها؛ بل قال ابن رشد: في سماع عيسى إن ادعى المرتهن أكثر من قيمة الرهن والراهن قيمته قبل قوله اتفاقاً، وإذا ثبت قول المرتهن بحلفه، فلابن رشد في سماع يحيى تحصيل الأقوال ثلاثة.
مالك: يلزم الراهن افتكاك رهنه بقيمته سحنون، وعيسى بن دينار، ورواية ابن القاسم هو يخير في ذلك، وقيل: في إسلامه وفدائه بما حلف عليه مرتهنه، وعزاه في سماع عيسى لسماع يحيى ابن القاسم، وقيل: في الثاني هو مشهور قول ابن القاسم، ولو كانت قيمة الرهن أقل من دعوى قيمته وأكثر من دعوى راهنه، فقال ابن رشد: يحلف المرتهن على دعواه، وقيل: للراهن أحلف على دعواك، وذكر الأقوال الثلاثة.
ابن زرقون: الذي في الموطأ هو مشهور المذهب أن الرهن شاهد على نفسه، ويخير الراهن.
الباجي: إن كانت قيمة الرهن خمسة عشر، وقال الراهن: عشرة، وقال المرتهن: عشرون، فقال محمد: له أن يحلف على العشرين أو قيمة الرهن، ولعبد الحق عن بعض القرويين: إنما يحلف على قيمته كمدعي عشرين، وله شاهد بخمسة عشر، وهذا خلال نص المذهب لا أعلم فيه خلافاً بين أصحابنا إلا قول محمد: أنه يخير فيما ذكر والفرق بين الرهن والشاهد أن الرهن متعلق بجميع الدين والشاهد لا يتعلق له بما لم يشهد به، ألا ترى أن الراهن لو أقر بالعشرين كان الرهن رهناً بها ولو أقر بتصديق الشاهد لم تتعلق شهادته بغير الخمسة عشر فجاز أن يقال: يحلف مع الشاهد على خمسة عشر ومع الرهن على عشرين، وعلى التخيير إن حلف المرتهن على العشرين حلف الراهن ليسقط ما زاد على قيمة الرهن، إن نكل دفع إليه ما حلف عليه، وإن حلف المرتهن أولاً على خمسة عشر، فقال محمد: يحلف الراهن ليسقط بقية دعوى المرتهن إن نكل لم يقض للمرتهن لما زاد على قيمة الرهن لما تقدم من نكوله.
الباجي: إن قلنا نكول المرتهن أولاً عن اليمين على الزائد مؤثر، ولم تغير الترتيب فلا معنى ليمين الراهن؛ لأنه قد سقط الزائد عن الراهن لنكول المرتهن عن اليمين التي حكمها أن ترضيه، وإن قلنا أنه غير مؤثر وليس له حكم النكول إلا بعد نكول الراهن
لترتيب فله أن يحلف فيستحق أو ينكل فيبطل.
وما بيد أمين في كونه شاهداً ولغوه قولا محمد واللخمي عن القاضي، وصوب الأول الشيخ قال: أصبغ في العتبية: إن اختلفا والرهن بين أمين فالقول قول الراهن، قال: ونحوه ليحيى عن ابن القاسم، ولم يعزه الباجي إلا لأصبغ.
قال أصبغ: لو قال المرتهن: هو في مائة دينار، وقال الراهن: في مائة أردب قمحاً إن كانت المائة أردب أكثر من المائة دينار؛ فالقول قول الراهن تباع، توفي منها المائة دينار، وإن كانت أقل؛ منها فالقول قول المرتهن.
ابن رشد: إن فضل من ثمن المائة شيء وقف لإقرار كل منهما أنه لصاحبه، وأولهما رجوعا لقول صاحبه أحق به، وفيه اختلاف.
قال بعضهم: والقول قول الراهن بغير يمين؛ لأنه سواء حلف أو نكل لا بد أن يباع من الطعام بالمائة دينار، وليس بصحيح لا بد من حلفه؛ لأنه إن حلف بيع على ملك المرتهن، وإن نكل حلف المرتهن وبيع على ملك الراهن، ولو باع السلطان دون حلف قضى، لو تلف الطعام قبل بيعه لزمت الأيمان إن حلف الراهن كان من المرتهن، وإن نكل وحلف المرتهن كان من الراهن، وإن كانت قيمة المائة أردب فالقول قول الراهن مع يمينه، وليس للمرتهن إلا لمائة أردب، فإن نكل حلف المرتهن وأخذ المائة، ولا كلام في هذا الوجه؛ لأن الرهن لا يشهد للمرتهن بصفة دينه إن اختلفا في نوعه، وإن كانت قيمتها أقل من المائة حلفا معاً؛ لأن كلا منهما مدعي مدعىً عليه بالدنانير، وهو مدع فيما نقص عن قيمة الرهن، والمرتهن مدع بالدنانير مدعىً عليه ما هلك من رهن لا يضمنه من تهمته للبينة بهلاكه أو لأنه لا يغاب عليه شهادته لغو.
ابن رشد: وكذا ما استحق، لا أعلم فيه نص خلاف، وهذا على أنه لا يكون شاهداً على ما في الذمة، وعلى أنه شاهد على ما فيها يكون شاهداً له بقيمته يوم رهنه في جميع ذلك.
وفيها: ما ضمنه مرتهنه واختلفا قبل في قيمته وصف المرتهن، وقوم وشهدت قيمته محمد عن أشهب إلا أن يتبين كذبه من قلة أن يذكر جداً.
الصقلي: إنما أعرف بجر لهذا ابن القاسم.
عياض: ظاهر قوليهما القول قول المرتهن في قيمته أنه كذلك، ولو ذكر من صفة الراهن ما لا يشبه الدين، فإن الدين ليس بشاهد للدين، وهو قوله في الموازية خلاف قول أصبغ في العتبية، واختلف فيه قول أشهب فله في العتبية: القول قول المرتهن إن لم يذكر إلا ما يسوى درهماً كقول ابن القاسم، وقاله ابن عبد الحكم وابن حبيب، وفي نوازل أصبغ: أتى مرتهن بألف دينار له، برهن قيمته مائة، وقال الراهن: إنما رهنتك ثوب وشيء قيمته ألف دينار صدق؛ لأنه المشبه قوله: يحلف ويحاسبه بقيمته، وكذا كل متداعيين، وقول أشهب لي القول قول المرتهن، وإن أتى بما قيمته درهم باطل وإغراق.
ابن رشد: لا يبعد رهن ما قيمته مائة في ألف ويبعد هذا في البيع، وقول أشهب إغراق في القياس، وقول أصبغ واستحسانه أظهر، وقد قال مالك: تسعة أعشار العلم الاستحسان.
قلت: وذكر الباجي عنه من الثمانية، وقال: ليس هذا من شهادة الرهن، إنما هو من باب دعوى الشبه.
قال في «العتبية» : لو اتفقا على أن الدين عشرة، وقال الراهن: قيمة الرهن عشرون، وقال المرتهن: ثلاثة، حلف على ذلك وسقط من الدين ثلاثة، وهذا على الدين لا يشهد لقيمة الرهن، وعلى أن قيمته إنما هي يوم يحتاج لبيعه كرهن ما لا قيمة له يوم الرهن كالثمر قبل إباره.
وروى ابن وهب في المجموعة: إن نكل المرتهن حلف الراهن أن قيمته عشرون، وسقط دينه وأخذ عشرة، وقاله أصبغ، فإن نكل الراهن أخذ المرتهن ما فضل عن قيمة الرهن.
أصبغ: لو جهل الراهن صفته ووصفه للمرتهن حلف، فإن نكل سقط حقه، وكان الرهن بما فيه، فإن قال المرتهن: لا علم لي بقيمته حلف الراهن على ما وصف إلا أن يأتي بمستنكر فللمرتهن أن يقول إنما ادعيت الجهل بتحقيق الصفة على وجه أحلف عليه، فإن أتى بما يستنكره، فأنا بصفة لا أشك أنها أفضل من صفة الرهن وهي دون صفة الراهن بكثير فيحلف على ذلك ويسقط عن نفسه ما يستنكر ولو سمع وصف الراهن ثم نكل ورد اليمين عليه كان للراهن ما حلف عليه، ولم يعتبر في ذلك
ما يستنكر، ولو أقر أولا بقيمة الرهن، فلما خالفه الراهن وصفه بصفة قومت بأقل من القيمة التي أقر بها، لزمه ما أقر به من القيمة الأولى.
وسمع عيسى ابن القاسم: قيمة ما ضاع من رهن حلي أو ثياب يوم ضاع لا يوم رهن.
ابن رشد: وقال بعده: قيمته يوم رهن، وليس باختلاف ففي قوله هنا أنه ظهر عندي يوم ادعى ضياعه، ومعنى قوله بعده: أنه لم ير من يوم رهن إلا أن تكون قيمته يوم ادعى ضياعه فيه أكثر من قيمته يوم رهن لو رئي عنده يوم رهنه بمدة صار يوم رئي كيوم رهن.
وقال ابن دحون: هو اختلاف قال أكثر أقواله أنه يوم رهن وهو القياس؛ لأنه في ذلك اليوم دخل ضمانه، وليس بصحيح، وقال غيره: إنما يلزم قيمته يوم ضاع إن جهلت يوم رهن، وما بعده فلم يجعل ذلك اختلافا في وقت قيمته أقل لم يصدق، وفي وقت قيمته شاهدا خلاف الباجي، لابن نافع في النوادر إن كان قائماً فيوم الحكم، وإن هلك بيوم القبض، وقاله ابن القاسم في المدنية، وفي سماع عيسى يضمن قيمته يوم الضياع، وقال في موضع آخر: يوم الرهن، فعلى اعتبار تضمينه يوم الضياع بموضع يجب اعتبار تلك القيمة مبلغ الدين.
وقال في ترجمة القضاء في الرهن في الحيوان، إثر ذكره الخلاف: وهذا ما لم يقم الرهن يوم الارتهان، ولو قوم بعشرة فضاع لزمته إلا أن يكون زاد في قيمته، أو نقصاً فيرد لقيمته إذا علم ذلك، قاله في العتبية، ولو اعدى من اقتضى من له عليه دينار أحدهما برهن أو حميل فيما اقتضاه أنه العربي عنهما، وأكذبه الدافع ولا بينة ففي قسم المقبوض عليهما في حلفهما وقبول قول القابض، ثالثها: قبول قول الدافع لرهونها، وكفالتها في حقين، أحدهما رهن والآخر كفالة مع سماع أبي زيد ابن القاسم، وابن كنانة مع رواية محمد بن صدقة، وعزا الصقلي الثاني لأشهب، زاده غيره، ولعبد الملك وسحنون.
عبد الحق عن بعض شيوخه: إنما يصح قولها إن قلت: المائتان فإن كانت القولان، فالقول من الدافع؛ لأنه يقول: قصدت أخذ رهني بخلاف مسألة الحمالة في الحقين،
أحدهما قرض، والآخر من حمالة المؤجلتان كالحالتين.
اللخمي: إن حل أحدهما فقط، فالقول قول من ادعى القضاء عنه، وإن لم يحلا واحدهما واحد أو متقارب قسمت بينهما، هذا ظاهر المذهب، والقياس قبول قول الدافع؛ لأنه متطوع، وإن بعد ما بينهما فالقول قول من ادعى آخرهما أجلاً.
ابن رشد: ولو اختلفا عند القضاء، أي الحقين يبدأ به لجرى على هذا الخلاف، إلا أنه لا يمين في شيء من ذلك، وفرق في سماع أبي زيد من كتاب المديان بين اختلافهما عند القضاء وبعده، وعلى اختلاف وقع في الروايات، وللصقلي في الحملي عن محمد نكولهما كحلفهما في القسم على الحقين، قال: قال مالك: بيمين وحق بلا يمين.
قلت: إن كان بعد حلوله حلف اليمين فلا فائدة لا ختلافهما، وقبله يجب لغو كونه عن ذي اليمين؛ لأنه لم يثبت بعد، ولو ادعى أحدهما بيان المدفوع عنه، والآخر إبهامه، ففي كون القول قول مدعي الإبهام، نقل محمد عن أشهب وعبد الملك قائلاً: هذا قول أشهب وعبد الملك خلاف قول ابن القاسم.
الصقلي: على قوله يكون لمدعي ثلاثة أرباع الحق نصفه بالقسم بدعوى الإبهام، ويتنازعان في النصف الآخر فينتظر.
بعض القرويين: إنما يصح قولهما بالقسم إن كان المتحمل عنه يوم الدفع معدماً وهو موسر، ولو كان على العكس أو معدماً فيهما، قبل قول القابض لتوجه الغرم على الدافع الآن، ولو كان موسراً فيهما قبل قول الدافع.
الصقلي: هذا توقف غرم الحميل على تعذر غير طلب الغريم، وعلى قول ملك الآخر لا يقسم، وسمع عيسى ابن القاسم من ارتهن رهنا بغير بينة فادعى رده، وقبض دينه وأنكره الراهن حلف وضمن الرهن المرتهن.
ابن رشد: لأن ما لا يصدق في تلفه لا يصدق في رده، ولا أعلم فيه خلافاً إلا ما في آخر سماع أبي زيد في الوديعة فيه دليل على تصديقه في دعوى رد الرهن المقبوض بغير بينة، وهو بعيد ولعله في الرهن الذي لا يغاب عليه.
الشيخ عن سحنون في العتبية: إن ادعى الراهن أن ما قبض رهنه إلا بعد دفع الحق، وقال مرتهنه: سرقته مني أو اختلسته أو أعرتك إياه أو دفعته لك لتأتي بحقه قبل
قول مرتهنه إن قام بإثر حلول أجله مع يمينه إن نكل حلف الراهن وبرئ كالصانع يطلب الأجر إثر دفعه المتاع، ولو كان الحق حالاً متى شاء الطالب طلبه، وقال الراهن: قبضت الرهن منذ أشهر ودفعت حقه، وقال مرتهنه: بالأمس دفعته إليه كشف عن ذلك، وكان الأمر فيه على ما ذكرناه، فإن جهل صدق المرتهن ببينة، وقيامه كحلول الأجل.
ابن رشد: في مختصر ابن عبد الحكم: كقول سحنون، وسوى بين وجده بما ذكر، وهو مفترق إن ادعى دفعه له ليأتيه له تخرج على قولين في سماع ابن القاسم، يصدق الراهن بيمينه خلاف قول سحنون، ولو يقر المرتهن بدفع الرهن لراهنه، وقال تلف به فسقط عليه، قبل قوله: اتفاقاً إن قام بالقرب، وإن ادعى أنه إعارة تخرج على ثلاثة أقوال: أحدهما قبول قول المرتهن بيمينه أنحقه باقٍ عليه، ويأخذه وليس عليه حلفه، لقد أعاره وهو الآتي على قول سحنون هنا؛ لأنه لو أقر أنه دفعه له ليأتي بحقه قبل قوله على مذهبه أنه ما قبض حقه إن قام بالقرب؛ فلا معنى ليمينه على ذلك، والثاني: أنه يحلف على الأمرين معاً، فإن نكل على أنه ما قبض حلفه حلف الراهن لقد دفع له، وبرئ، وإن نكل أن يحلف لقد أعاره، وقال: أحلف ما قبضت حقي لم يكن من الحلف على ذلك، وحلف الراهن ما أعاره إياه، ولا قبضه منه إلا على أن يأتيه بحقه، وقد دفعه له، وهذا يأتي على سماع ابن القاسم أن القول قول الراهن أنه أدى إليه حقه إن أقر المرتهن أنه دفع له الرهن على أن يأتيه بحقه، وقال: لم يأته به، الثالث: القول قول الراهن يحلف على الأمرين معاً إن نكل عن الحلف أنه دفع إليه حقه حلف المرتهن ما أخذ منه حقه، وإن قال: أحلف لقد دفعت له حقه ولا أحلف
…
قبضت الرهن على وجه العارية لم يمكن من الحلف على ذلك، وحلف المرتهن على الوجهين معاً أنه ما دفع إليه دفع، وحلف المرتهن ما أخذ منه الرهن إلا على وجه العارية، وأنه لم يقبض حقه فيأخذه بحقه، وكذا إذا ادعى أنه سرقه منه أو اختلسه من يده وهو ممن يشبه ذلك دخله الأقوال الثلاثة في دعوى العارية، وكذا هذا إن اختلفا بالقرب، وإن طال فلا خلاف في قبول قول الراهن إن أقر المرتهن أنه دفع له الرهن ليأتيه بحقه فلم يفعل، وإن ادعى أنه أعاره أياماً وسرقه منه أو اختلسه وهو ممن يليق به ذلك صدق الراهن بيمينه أنه ما
سرقه ولا أعاره، وأن ما قبضه حتى وفاه حقه أو على أن يأتيه به، وقد فعل، فإن نكل حلف المرتهن وأخذه منه، وإن كان الراهن ممن يليق به السرقة والاختلاس فلا يمين على المرتهن في دعوى ذلك، فإن كان بالقرب جرى على القولين في تضمين الراهن في الدفع إن أقر المرتهن بدفعه له ليأتيه بحقه ولم يأته به، وإن كان بعد طول صدق الراهن اتفاقاً، ولو قال المرتهن: حلف له أو سرق فحصل بيده قبل قوله بالقرب، وقول الراهن بعد الطول اتفاقاً فيهما.
وفيها: إن أمر السلطان من يبيع الرهن لقضاء الدين فباعه، وضاع ثمنه صدق في ضياعه، فإن اتهم أحلف وكان الثمن من الذي له الدين كقول مالك في ضياع ثمن ما باعه الإمام لغرماء المفلس أنه منهم، وإن قال المأمور: بعت الرهن بمائة قبضها المرتهن فأكذبه المرتهن صدق المرتهن، ولو قال المرتهن: إنما باعه بخمسين وقضانيها ضمن المأمور الخمسين الباقية لإقراره أنه باعه بمائة كمأمور بدفع مائة لرجل أقر بقبضه منه خمسين فقط.
الصقلي عن بعض القرويين: إنما يكون الثمن من الذي به الدين على قول ابن القاسم: إن ثبت بيع الرهن ببينة، ولو لم يكن إلا قول المأمور: لم يبرأ الراهن من الثمن؛ لأن رب الدين لم يأتمنه على البيع، وخالفه غيره، وقال: ضمانه من المرتهن.
الصقلي: وهو الصواب، وهو ظاهر الكتاب؛ لأن الإمام جعله أميناً لهما، ولو ضاع الرهن قبل بيعه كان على قول ابن القاسم من ربه، وعلى قول ابن الماجشون من رب الدين، ولو كان المرتهن هو الآمر ببيعه صدق المأمور مع يمينه أنه دفعه للمرتهن؛ لأن الوكيل على البيع مصدق في دفع الثمن إلى الآمر، فقول ابن الحاجب: لو قال الأمين: بعته بمائة وسلمتها إليك وأنكر المرتهن غرم له الأمين له ما أنكره يجب حمله على قولها لا على تقييد الصقلي.