الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن أبي زمنيْن وابن رُشْد والتونسي، والمتيطي، وتمام الكلام في السلم لذوي الحرف في فصل شرط الأجل.
وشرطه بتعلقه مبيعه بالذمه لازم:
الباجي: اتفاقًا.
[باب في الذمة]
ابن عبد السلام: الذمة أمر تقديري يفرضه الذهن لا ذات ولا صفة لها.
قُلتُ: يرد بلزوم كون معنى قولنا إن قام زيد ونحوه ذمة والصواب في تعريفها أنها ملك متمول كلي حاصل أو مقدر عنه ما أمكن حصوله من نكاح أو ولاية أو وجوب حق في قصاص أو غيره مما ليس متمولًا؛ إذ لا يسمى ذلك في العرف ذمة.
وفي طرر ابن عات في ترجمة السلم في ثمر حائط بعينه: من استسلف ملا وأخذ سلمًا، وقال: أؤدي إليك من مالي من قرية، كذا فحيل بينه وبين ماله ذلك فطلبه المسلم بدينه فأفتى صاحب المظالم أبو عبد الله بن عبد الرؤوف، وابن الشقاق، وابن دحون وغيرهم بلزوم أداء دينة.
وأفتى أبو المُطَرِّف عبد الرحمن بن بشر: أنه لا يلزمه أداء دينه إلا من ماله بتلك القرية فعرض جوابه هذا على الفقهاء المذكورين فرجعوا إليه عن جوابهم الأول واحتج لجوابه بسماع أشهب وابن نافع في الرجل يتعين في عطائه فيحبس العطاء وله مال فيه وفاء لما عليه من تلك الغيبة إنه لا يؤخذ ذلك من ماله.
قال ابن سهل: أخبرني بجميعه أبو مروان بن مالك فذكرت ذلك المعينة انه لابن عتاب قال لي: لا أذكر أنها نزلت عندنا، وينبغي أن لا يجوز كما قال ابن القاسم في الرواحل والدواب من المدَوَّنة فيمن ابتاع سلعة بدنانير لع معينة غائبة، ولم يشترط خلف الدنانير إن ضاعت، قال: وليس مسألة العطاء من ذلك؛ لأن العطاء كان مأمونًا.
قُلتُ: فالحاصل أن في النازلة المذكورة ثلاثة أقوال:
صحة البيع والقضاء بغرمه من عموم ماله.
وصحته وقصر القضاء على المال المشترط القضاء منه.
وفساد البيع، وأخذه ابن عتاب من مسألة الدنانير الغائبة، يرد بأن التعيين فيها أشد منه في النازلة المعينة؛ لأن مسمى ماله في قرية كذا وسماها ابن سهل بما أحرفه،
وهو أوسع من الدنانير المعينة.
قُلتُ: مسألة سماع أشهب هي في رسم الأقضية من كتاب المديان.
قال ابن رُشْد: (تكررت في آخر السماع)، ومعناها: أنه حكم للعطاء بحكم الدين الثابت في ذمة في أن مصيبته ممن اشتراه إن مات من عليه الدين أو فلس، ومعناه في العطاء: المأمون فإن اشترى سلعة بدين على أن يقضيه من عطائه إذا خرج فلم يخرج بطل حقه، وإن خرج بعضه حل عليه من الدين بقدره على ما في آخر السماع، وكذا لو اشترى العطاء فلم يخرج لم يكن له على هذا القول شيء، وقيل: إن تعين في عطائه أو باعه كان ذكر العطاء كالأجل وتعلق ذلك بذمته إن لم يخرج العطاء أو مات قبل خروجه واختاره محمد ورواه أشهب في الواضحة وهو الآتي على قول الغير
فيها: فيمن اشترى سلعة بدنانير له غائبة انه يضمنها إن تلفت وإن لم يشترط الضمان، وعلى قول ابن القاسم فيها لا يجوز التعيين في العطاء إلا بشرط الخلف، فيتحصل ثلاثة أقوال:
الأول: لا يجوز البيع إلا بشرط الضمان إن لم يخرج العطاء.
والثاني: الجواز والحكم الضمان.
والثالث: الجواز ولا يلزمه ضمان.
وأما العطاء غير المأمون فلا يتعين فيه حق باتفاق، ويختلف في جواز ذلك بغير شرط الخلف على قولين، ويحتمل حمل هذه الرواية على العطاء المأمون، وما فيه الواضحة، وقول محمد علي غير المأمون فلا يكون في المسألة اختلاف إلا في جواز البيع، بغير شرط الخلف في غير المأمون.
قُلتُ: فالحاصل أن معنى مسألة سماع أشهب غنما هو راجع إلى بيع العطاء نفسه دون تعلقه بذمة بائعه فصار. كبيع دين على مدين حسبما نص عليه ابن رُشْد بقوله: حكم العطاء بحكم الدين الثابت في الذمة، وذلك خلاف ما فهمه منها أبو المُطَرِّف مستدلًا به على فتواه في النازلة المذكورة، لا يتصور أو كسلعة غائبة مأمونة، فانحصر تعلق البيع والعوضية به والعين، لا تنافي تعلق البيع بها من حيث تعيينها مع أمنها والنازلة
المذكورة هي سلم على أن يدفعه من ماله بقرية كذا، وهذا يمنع كونه كبيع دين؛ لأن طلبه إنما هو من بائعه لا من غيره، والدين المبيع إنما يطلب به غير بائعه، ويمتنع كونه كبيع سلعة غائبة؛ لأن السلعة الغائبة يمتنع السلم فيها لامتناعه في المعينات اتفاقًا حسبما قاله الباجي، وإذا بطل الأمران فيها لزم تعلق البيع فيها بذمة البائع وكلما تعلق بالذمة لزم تعلقه بكل مملوك لذي الذمة، والعجب من ابن عات في عدم ذكره كلام ابن رُشْد مع كثرة نقله عنه.
الباجي: وكون المسلم فيه موجودًا، عند حلول أجله شرط فيها ما ينقطع من أيدي الناس في بعض السنة من الثمار الرطبة وغيرها لا يشترط أخذ سلمه إلا في إبانه وإن شرط أخذه في غير إبانه؛ لأنه شرط ما لا يقدر عليه.
ابن بشير: وشرط أبو حنيفة كونه مقدورًا على تسليمه في جميع أثناء الأجل لئلا يموت المسلم إليه في أثنائه فيجب تعجيله، وعندنا خلاف في مراعاة الطوارئ البعيدة فيجري هذا الشرط على رعيها.
ابن عبد السلام: في هذا نظر لاحتمال اتفاق أهل المذهب على إلغاء احتمال الموت والفلس في هذا، وإن اختلفوا في مراعاة الصور النادرة لاحتمالها شهد الشرع بإلغائه في الأجل لجواز البيع إلى أجل طويل إذ لو روعي ذلك الاحتمال كان الأجل غير منضبط فيكون العقد ذا غرر فيمنع وهو باطل قطعًا.
قُلتُ: رده بقوله: لاحتمال اتفاق أهل المذهب على إلغاء احتمال الموت والفلس لا يخفى ضعفه لأن احتمال الاتفاق لا يوجب ثبوته؛ لأنه من جملة أفراد القضية الضرورية القائلة احتمال الشيء لا يوجب ثبوته وهي بديهية وربما برهنت باستلزام نقيضها المحال وهو اجتماع الضدين والنقيضين، ورده ثانيًا بقوله: شهد الشرع بإلغاء هذا الاحتمال إلى آخره، يرد بأنه إنما ألغاه لتعذر المنجي منه في أمر حاجي أو ضروري وهو البيع بثمن مؤجل وصورة النزاع المنجي منه ممكن وهو دوام وجود المسلم فيه مدة الأجل.
وفيها: لا يجوز السلم في نسل حيوان بعينه من الأنعام والدواب بصفة وإن كانت حوامل إنما يكون السلم في الحيوان مضمونًا لا في نسل حيوان بعينه.
اللخمي: لأنه إن لو يوجد بتلك الصفة كان رأس المال تارة سلفًا وتارة بيعًا،
ويجوز إن لم يقدم رأس المال وقرب الوضع إن خرج على الصفة أخذه، ودفع الثمن وإلا فلا بيع بينهما ويختلف إن بعد الوضع لموضع التحجير، فأصل ابن القاسم جوازه وأصل غيره منعه.
قُلتُ: هذا إشارة إلى قوليهما في عقد الكراء على أرض البعل غير المأمونة في أكرية الدور والأرضين فيها وهذا على أصله في إجازته بيع ما فيه غرر إذا وقف ثمنه وكرره في مواضع، ومثله قول المارزي إن شرطا وقفه الثمن فإن خرج الجنين على الصفة المشترطة تم البيع جري على القولين المشهورين فيمن اكتري أرضًا غرقة ووقف الثمن لاختبار انكشاف الماء وفيمن اكترى دابة بعينها على أن لا يركبها إلا إلى أجل بعيد بشرط وقف الثمن.
ورأى السيوري: إذا بيعت الثمرة قبل الزهو بشرط التبقية على وقف الثمن لاختبار سلامتها جاز بيعها كذلك، وهو ظاهر التعليل في قوله ?: أرأيت إن منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه؟ ويجري هذا على القولين في الأرض والدابة.
وقال ابن شاس: لا يجوز السلم في نسل حيوان بعينه ولو وصف، نقد أو لم ينقد.
وقال السيوري: إن لم ينقد وشرط إن وافق الصفة تم البيع جرى على القولين في الأرض الغرقة.
قُلتُ: الصواب منع تخريج الجواز في مسألة السلم في نسل حيوان بعينه مما ذكرو.
وفي الثمر قبل زهوة على التبقية، ووقف الثمن لقيام دليل المنع وفساد التخريج فيهما أما دليل المنع، فالأحاديث الدالة على فساد بيع الغرر إذ لا خفاء في وجوده في مسألة نسل الحيوان وهو الغرر الناشئ عن احتمال حصوله بالصفة المشترطة وعدمه.
وفي مسألة السيوري: الغرر الناشئ عن احتمال سلامة الثمرة وفساده ونفي علة فساده المشار إليها في الحديث بوقفه لا نفي مطلق علة فساده بغيرها وهو الغرر اللاحق
للمبتاع في وقفه ماله لأمر يحتمل حصوله وعدمه، وفساد تخريجه من قول ابن القاسم فيها في الأرض الغرقة والدابة المعينة بالفرق بينهما وبين صورة النزاع، وذلك أن البيع يقتضي لذاته تعلقه بعوضين ويستحيل تقرره بأحدهما والعوضان في مسألة الأرض حاصلان؛ لأن الأرض حاصلة في ملك مكريها فصح تقرر عقد الإجارة لتقرر عوضيها حاصلين، وكذا في الدابة المعينة والغرر إنما تعلق بصفة العوض وهو انكشاف الماء عن الأرض واستمرار سلامة الدابة وهما خارجان عن ذات العوض، والغرر في صورة النزاع متعلق بذات المبيع وهو نفس النسل المسلم فيه لعدم تقرره في ملك البائع له حين العقد عليه، ولا يلزم من إلغاء الغرر المتعلق بأمر خارج عن ذات العوض إلغاء الغر المتعلق بذات العوض ونحو هذا مذكور في مسألة كراء الأرض.
ابن شاس: لو كان في نسل نعم كثيرة لا يتعذر الشراء منها جاز.
قُلتُ: ظاهره: أنه هو المذهب وظاهر المدَوَّنو منعه مطلقًا هنا وفي الزكاة الثاني في السلم إلى الساعي ويتخرج جوازه من قول بعض الشُيُوخ يجوز السلم في ثمر قرية صغيرة لمن لا ملك له فيها إن كان الغالب بيع بعض أهلها قدر ذلك.
قُلتُ: لا يجوز السلم في ثمر حائط بعينه قبل زهوه ولو شرط أخذه رطبًا فإن أزهى جاز بشرط أخذه رطبًا لا تمرًا؛ لأن مدة إرباطه، وغرر بعد مدة صيرورته تمرًا، وتأجيل قدر ما يأخذه مفرقًا وكله إن شرط أخذه دفعة؛ لان محله البيع لا السلف، والشروع في أخذه أو لأيام قليلة وتأخيره خمسة عشر يومًا قريب، وكون الحائط في ملك المسلم إليه ولو انقطع ثمر الحائط قبل تمام قبض الثمر ففي مضي ما قبضه بمناب قيمته من الثمر في أوقاته كالأكرية أو بقدره كجائحته في شراء جميعه، قولان، لابن محرز عن ابن شبلون، مع اللوبي وعبد الحق عن القابسي وابن محرز عن ابن مزين عن عيسى بن دينار.
اللخمي: إن كان شرط أخذه في يومين فعلى القدر، وإلا فعلى القيم، وسمع أشهب إن شرط أخذه رطبًا فأثمر قبل أخذ جميعه لم يأخذ بقيته تمرًا؛ لأنه بيع رطب بتمر.
ابن محرز لتهمتهما على تعمدهما تأخيره وكذا ما يتهمان عليه ولو أجيحت ثمر
الحائط جاز أخذه ما تراضيا عليه من عين وطعام وغيره لنفي التهمة، ويراعى في أخذه السلامة من فسخ الدين في الدين والصرف المستأخر وسلف جر نفعًا. والفرق بين منع شراءه ثمر الحائط كيلا على تركه ليصير تمرًا، وجواز شرائه جزافًا على ذلك أن ضمان المكيل من بائعه فيما قل أو كثر والجزاف لا ضمان على البائع فيه إلا ضمان الجائحة، فكان الغرر في الجزاف يسير فلم يمنع صحة البيع، وكثر في المكيل فمنع، ويعتبر هذا المعنى بجواز النقد في عهدة السنة لقلة الغرر وكراهته في عهدة الثلاث لكثرته.
قُلتُ: في هذا التعليل نظر؛ لأن الضمان، مهما قل في حق البائع كثر في حق المشتري وكذا العكس فإن أوجبت الكثرة الغرر لزم مطلقًا ولأجل هذا وهم ابن بشير في هذه المسألة، فاعتقد المذهب على عكس ما نقله ابن محرز، فقال ما نصه: وهل يجوز أن يشتري بعد الزهو ويشترط أخذه تمرًا، أما إن اشترى مكيلة فيجوز ذلك، وإن اشترى جملة الحائط فلا يجوز، والفرق كثرة الغرر مع اشتراء الجملة؛ لأن الضمان من المشتري إلا حكم الجائحة، وقلة الغرر إذا اشترى مكيلة؛ لأن الضمان من البائع، وأراد اللخمي المساواة بينهما وليس كما قال.
قُلتُ: ألفاظ المدَوَّنة كالنص في أن الحكم ما قاله ابن محرز، وما نقله عن اللخمي من المساواة لم أجده في تبصرته، وإنما سوى بين الشراء على الكيل والجزاف في شراء الزرع بعد أن أفرك، وأشار في المدَوَّنة إلى الفرق بأنه إذا اشترى على الكيل لزم تأخير ضمانه لكيله، ومن لوازمه منه انتفاعه بشيء منه قبل إرطابه، ولا خلاف أنه مبيع من حيث تعيينه لا أنه مضمون، فإذا كان أمد كيله إرطابه قرب قبضه فلم يدخله بيع معين يتأخر قبضه. وإذا اشتراه على الجزاف ضمنه بنفس العقد وكان له التصرف فيه من حينئذ، وانتفى عنه مطلق التأخير.
وفيها: إن انقطع ثمر الحائط بعد أخذه بعض سلمه رجع بحصة ما بقي من الثمن وله أن يأخذ بتلك الحصة ما شاء من السلع معجلًا.
الصقلي عن محمد: وكذا صبرة يشتري منها كيلًا فتقصر عنه، والمسكن ينهدم قبل تمام المدة.
ابن أبي زَمَنَيْن لبعضهم عن ابن القاسم: يأخذ به عنه ما شاء إلا ما هو من صنف
الثمر الذي أسلم فيه فلا يأخذ منه إلا قدر ما بقي له لتهمة التأخير على سلف جر نفعًا.
قال بعض القرويين: وعليه لا يأخذ ذهبًا عن ورق ولا عكسه لتهمة على صرف مستأخر.
قُلتُ: إن رد بأن مطلق التهمة على صرف مستأخر أضعف من تهمة دفع قليل في كثير.
قُلتُ: قد اعتبرها في بيوع الآجال إن كان الصرف بينهما على السعر وألغاها إن كان أقل من السعر فتعتبر هنا إن كان بأكثر من السعر
وفيها: تراضيهما على تعجيله قبل الوقت الذي شرطاه جائز إن كان على صفته.
اللخمي: أجاز أخذ ما طاب الآن عن ما يطيب بعده وهو طعام بطعام غير يد بيد فإن قصد المعروف جاز، وإن قصد التصرف في ثمر حائطه وإن أجيحت الثمرة لم يرجع بشيء جاز وإن كان ليرجع بمثل ما دفع لم يجز إلا على وجه السلف.
ومنع ابن القاسم في كتاب الحبس من وهب عشرة أقساط من زيت جلجلان له أن يعطيه ذلك من غيره؟
قُلتُ: إنما شبه مسألة الجلجلان لو عجل له ذلك من غير ذلك الحائط، والمعجل هنا منه والمبيع منه غير معين فيه فما عجل منه كان نفس المبيع ولم يجب عنه المازري بشيء.
وفيها: (إن هلك المتبايعان لزم البيع ورثتهما).
وفي تهذيب عبد الحق: قال بعض شُيُوخنا: إن مات قبل إرطاب التمر أخر مبتاعه لإرطابه وحلول الحق بموت من هو عليه إنما هو فيما تعلق بالذمة، والحق هنا في معين لا في ذمة؛ لأنه لو أجيح رجع في رأس ماله.
عبد الحق: وينبغي أن يكون للورثة قسم التركة ويترك التمر لصيرورته ربطًا لمبتاعه، وليس له منعهم من القسم إن أجيح بأن الثمر قد يجاح فيرجع لرأس المال، لأن التأخير لإرطابه قريب، والغالب السلامة، ولو كان على الميت ديون وطلب أربابها بيع ثمن الحائط، ويستثنى منه قدر حق هذا من الثمر وهو كثير ففيه نظر.
الصقلي: الظاهر أن ليس لهم ذلك؛ لأن الذي له السلم مبدى فيه بحقه والصبر
للإرطاب قريب.
قال ابن عبد السلام: لو كان على الميت دين فطلب أربابه بيع ثمن الحائط لدينهم ويستثنى قدر حق المشتري، من الرطب، فقال بعض الشُيُوخ: في ذلك نظر ثم ذك كلام ابن يونس وقال: كان يمشي لنا في المذاكرات أن تمكينهم من البيع يتخرج على القولين فيمن استثنى في بيع غلة حائطه أو سقاء الثلث فأقل فأجيح ثلث الغلة فأكثر فعلى تبدئته فيما استثنى لا ضرر على المسلم في الصورة التي تردد فيها.
الشَّيخ: وعلى عدم تبدئته لا يمكن أرباب الديون من البيع؛ لأنه يبطل على المسلم حقه في تبدئته.
قُلتُ: فيما ذكره نظر من وجهين:
الأول: أن المسألة التي توقف فيها عبد الحق إنما عبر عنها بقوله: ويستثنى منه قدر حق هذا من الثمر وهو كثير وكذا نقلها ابن يونس فظاهره أنه أكثر من الثلث، ونصه: أنه غير محدود به، والمسألة التي خرج منها مقيدة بكون المستثنى الثلث فأقل حسبما ذكرها كما هي في الروايات، فمسألة النظر مباينة مبطلة للقياس ضرورة أن حكم الأصل مشروط يكون المستثنى الثلث فأقل، وصورة الفرع وهو ما جعله عبد الحق محل نظر هذا الشرط فيها مفقود، إما لانها مفروضة على انها مقيدة بنقيضه وهو قوله:(وحقه من الثمر كثير) إن حملنا كثير على أكثر من الثلث أو على أنها عرية عن اعتباره لوضوح دلالة لفظ كثير على عدم التقييد بكونه الثلث فأقل.
الثاني: أن نقول قال اللخمي وغيره في كتاب الجوائح: من اشترى عشرة أوسق من حائط بعينه فأجيح بعضه بدي المشتري فيما بقي بالمكيلة التي اشترى ولو اشترى غيره بعده قدر مكيلة أخرى فأصيب بعض الحائط بدي المشتري الأول على المشتري الثاني وما فضل عنهما لرب الحائط، ولا يحاص الثاني الأول؛ لأن الثاني إنما حل محل البائع، وحق البائع مؤخر عن حق الأول.
واختلف فيمن باع ثمر حائطه جزافًا واستثنى مكيلة الثلث فأقل، فقال مالك: يبدى صاحب الحائط بما استثنى.
قُلتُ: ومن البين أن مسألتنا وهي بيع الغرماء لثمر الحائط مع استثناء مكيلة المشتري إنما هي كمسألة من باع من حائطه مكيلة ثم باع من آخر مكيلة لاشتراكهما في تبدئة المشتري فيهما على رب الحائط لا كالمسألة التي زعم الإجراء عليها.
فإن قلت: ما ذكرتموه أولًا يرد بما إذا كان التمر المبيع عن الحائط كثيرًا أكثر من الثلث أو غيره مقيد بكونه الثلث فأقل كان من الواضح منع بيع الحائط واستثناء هذا القدر فلا يكون محلًا للنظر بكونه عند قائله محلًا له يوجب كونه كالثلث فأقل.
قُلتُ: إنما ينتج هذا تقييده بكونه القلق فأقل لو انحصر موجب النظر فيما في بيعه مستثنى منه الثمر المبيع بوصف كونه مكيلًا ولا موجب لانحصاره فيه لجواز بيعه مستنثى منه الثمر المبيع، من حيث كونه جزء الحائط يكون خرصه ستين وسقا ومكيلة المشتري عشرون وسقا فمحل النظر هل يباع نصف الحائط أو ثلثاه لغلبة أمن الثمر لإرطابه أو لا يباع لاحتمال الجائحة المفوتة ما بقي بقدر جزء المشتري؟
وفيها: إن أسلم فيه بعد زهوة وشرط أخذ ذلك ثمرًا لم يجز لبعد ذلك وقلة أمن الجوائح فيه، وفي فوته بمجرد قبضه ولزوم فسخه قولا أَصْبَغ مع الشَّيخ ونقله رواية محمد وابن شبلون قائلًا: ليس كمن أسلم فيه وقد أرطب، وشرط أخذه تمرًا؛ لأن التمر من الإرطاب قريب ومن الزهو بعيد وصوب الصقلي الأول لقول مالك: إن أسلم في زرع قد أفرك وشرط أخذه إن فات مضى.
وصرح عياض بأن قول الشَّيخ فوته بقبضه قال، وقال غيره بالعقد، وعزا ابن رُشْد لسلمها الأول فسخه وإن قبض ما لم يفت بعد القبض.
وفيها: جواز السلم في كل رطب الفواكه كالرمان والقثاء والبطيخ كالحائط بعينه، وفي لبن غنم بعينها أو صوفها أو أقطها أو جبنها أو سمنها وكره أشهب السمن.
ابن محرز: منعه فيه، وفي الأقط.
التونسي: قال عنه محمد.
ابن محرز عن سَحنون: قوله هذا خير من قوله في الصناعات؛ يريد: بيع ثوب على أن يخيطه البائع أو جلدًا على أن يخرزه أو قمحًا على أن يطحنه، وأجازه ابن القاسم وأشهب لا من وجه خروجها غالبًا وكذا السمن والأقط عن ابن القاسم، ولسَحنون
إنما كره أشهب السمن؛ لأنه كالزيتون على أن على البائع عصره.
الشيخ: إنما يصح هذا التعليل لو أسلم إليه في كيل من اللبن على أن يخرج له بائعه منه سمناً أو أقطعا غير معلوم القدر، وهذه المسألة إنما أسلم إليه في سمن أو أقط معلوم.
الصقلي: إنما كرهه لبعده كاشتراط الزهو تمراً.
وفيها: ما ينقطع من الثمار في بعض السنة أسلم فيه في أي إبان شئت واشترط أخذه في إبان عبد الحق: عن بعض شيوخه، لو مات المسلم إليه قبل الإبان وقف قسم التركة إليه.
ابن رشد: إنما يوقف إن خفيف أن يستغرقها ما عليه من السلم، وإن قل السلم وكثرت التركة وقف قدر ما يرى أنه يفي بالسلم وقسم ما سواه إلا على رواية أشهب، أن القسم لا يجوز وعلى الميت دين وإن كان يسيراً عبد الحق عن بعض شيوخه إن كانت ديون منه لابقيمته لو أسلم فيه الآن على أن يقبض في إبانه.
زاد ابن رشد: إلا على قول سحنون ذو السلم المرجل يحاصص بقيمة سلمه إلى أجله لا بقيمته الآن حالاً.
عبد الحق عن بعض شيوخه: إن جاء الإبان، فكان غالياً فلا شيء له وإن كان أرخص فلا زيادة له على حقه.
الصقلي: ما طار له في الحصاص وقف ليشتري له في الإبان إن نقص عن حقه اتبع بباقية ذمة الميت وإن زاده فالزيادة لمستحقها من وارث أو ذي دين.
قلت: في تعليقه أبي عمران بعد ذكره ما تقدم من الحصاص.
وذكر الشيخ: أن أبا الحسن قال: توقف ما في ذمة الغريم إلى الإبان فعابه وأنكره الصقلي لو هلك كان من الميت؛ لأن له نماءه وحق هذا ليس عين ما وقف له.
ابن رشد: إن جاء الإبان وهو أغلى مما قوم به فلا رجوع له عليه على الغرماء، وإن كان أرخص فلا رجوع لهم عليه في الزائد ما بينه وبين جميع حقه، وما فضل عنه فهو لهم.
ابن عبد السلام: إنما لم يحكم في هذه المسألة بقول ابن القاسم فيما وقف للغريم من
مال المفلس لأن مسألة السلم لم يحل الأجل فيها؛ لأن الإبان لم يأت فلم يتمكن المشتري من حقه بوجه ولو حل الأجل كان كما وقف للغريم من مال المفلس.
قلت: الأجل حل بموته والأولى ان يقال: كون سبب الوقف أمراً خارجاً عن تسبب رب الدين بغيبته يمنع جزيها على ضمان ما وقف لرب دين على مفلس.
قلت: قال أبو عمران ما هلك في الوقف فهو ممن وقف له كقول ابن القاسم في كون العين من الغرماء قيل له: الغرماء ليس لهم إلا الموقف وهذا حقه في عرض يشتري له قال: هذا يؤدي إلى قول المغيرة العين من أصحابه والغرض ممن له العرض وهو خلاف المذهب.
وفيها: إن شرط أخذه في إبانه فانقطع قبل أخذ ما أسلم فيه قال مالك: يتأخر من له السلم لإبانه.
عياض: في لزوم التأخير لإبانه أو إن طلبه أحدهما، ثالثها: يخير المسلم في التأخير والمحاسبة، ورابعها: إن قبض أقله لزمت المحاسبة وإن قبض أكثره جاز له التأخير ولا وجه له وعكسه أقيس وأسعد بلفظ الكتاب، وخامسها: وجوب المحاسبة، وسادسها: هذا إلا أن يجتمعا على التأخير لسحنون مع أول قولي مالك، وثانيهما: وظاهر قول ابن القاسم فيها مع نصه في الموازية وفي عزو الثالث لابن القاسم أو لسحنون تأويلان ورواية الصقلي أو أشهب وأصبغ.
المازري: في لزوم التأخير أو المحاسبة أو إلا أن يرضيا المحاسبة أو التأخير، خامسها يخير المسلم، فأسقط من نقل عياض الثاني والرابع، وجعل الخامس وجوب التأخير إلا أن يجتمعا على المحاسبة، وتبعه ابن بشير، وزاد عن ابن القاسم إن قبض الأقل وجبت المحاسبة، وإن قبض الأكثر وجب التأخير على إعطاء المتبوعات حكم ما تبعها، وحكى اللخمي: قول أصبغ بزيادة سواء كان ذلك بمطل منه أو غيره. وقول أشهب أحسن إن كان فوت الثمرة بجائحة، وإن كان بلد المطلوب، وقاله ابن حبيب إن هرب المسلم برأس المال او المسلم إليه فلم يقبض رأس المال حتى حل الأجل، فأرى أن يرفع المسلم إليه للحاكم الرطب فيحكم له ببراءته منه وببيعه للغائب إن خشى فساده
إلى حضوره.
قلت: ويؤيده قولها في المدين الحالف ليقضين فلاناً حقه إلى أجل كذا فيغيب الطالب ولا وكيل له فله الرفع إلى الإمام لأداء الحق الذي حلف عليه.
قلت: فمجموع الأقوال تسعة، ستة.
عياض: وما زاده المازري وما نقله ابن بشير عن ابن القاسم، واختيار اللخمي، وإن عد قولا قول عياض وعكسه أقيس وأسعد بلفظ الكتاب كان عاشراً، وفي عد مثل هذا قولا نظر، وربما مر بي في كلام ابن رشد ما عده يقتضي عده قولا.
الصقلي: قال أشهب: من غصب شيئاً فلم سجد مثله خير ربه في تأخيره لوجود مثله وتغريمه قيمته وهذا نحو ما تقدم لابن القاسم وينبغي على أصل أشهب أن يغرمه القيمة ولا يجوز تأخيره.
قلت: قد يفرق بأن خروج العوض من يد ربه في السلم باختياره فأمكنت تهمته، وفي الغضب بغير اختياره فبعدت.
قال ابن الحاجب: فلو اخره ححتى انقطع فالمشتري بالخيار في الفسخ والإبقاء.
قال ابن عبد السلام: يعني لو أخر المشتري قبض ما أسلم فيه لم يقبض منه شيئاً حتى انقطع إبانه خير في فسخ العقد والتربص لعام آخر، وهذا يظهر إن كان التأخير من منع البائع وهو بعيد من لفظ المؤلف، وإن كان التأخير من سبب المشتري وحده فلا وجه لتخييره؛ لأن تأخيره ظلم.
قلت: تفسيره هذا اللفظ بقوله: يعني لو أخر المشتري إلى آخر تعقبه يرد بأن التعقب إنما جاء من تفسير المرجوح، وهذا لأن فاعل أخر إنما هو ضمير عائد على البائع لا على المشتري كما قال زاعماً أن كون التأخير من البائع بعيد بل الأبعد ما فسره به من كونه عائداً على المشتري وهذا لأن الضمير الفاعل في آخره لو كان عائداً على المشتري لما قال: فالمشتري بالخيار، بل كان يقول: فهو بالخيار فعدوله عن ذلك قرينة تهدي المنصف إلى عود الضمير على البائع ولهذا تلقاه ابن هارون بالقبول، والمسألة جارية على مسألة تأخير الضحايا المسلم فيها لوقتها عنها،
سمع القرينان في كتاب الضحايا من أسلم إليه في ضحايا ليأتي بها للأضحى فلم
يأت بها إلا بعد ذلك، أو في قطائف للشتاء فيأتي بها للصيف، والقمح ليأتي به في إبان يغلو فيه فيأتي به بعد ذلك على المشتري قبول ذلك ليس كالمكري للحج يأتي بعد إبانه.
ابن رشد: إنما فرق الحج وغيره؛ لأن منفعته مخصوصة بأيام معينة، ومنفعة الضحايا أثمانها وقد يحصل في غير إبانها، وروى مطرف: إن أتاه بها قرب الأضحى بعد اليوم واليومين لزمته وإن أتى بها بعد الأيام الكثيرة لم تلزمه وهو جار على الخلاف، في السلم ينعقد على النقد فيتأخر إلى حلول الأجل بهروب المسلم وهو عرض على ما في المدونة أو عين على ما حكى ابن حبيب فعلى قولها بلزوم السلم يأتي قوله بلزوم الضحايا.
وعلى نقل ابن حبيب عن ابن القاسم وهو قول ابن وهب ان المسلم إليه بالخيار إن كان الهارب المسلم لكون المسلم إليه فالخيار وفي مسألة الضحايا إذا لم يأته بها إلا بعد الأضحى بكثير، وفي إلزامه إياها بالقرب دون البعد نظر لكساد اللحم قرب أيام الأضحى لكثرته بايدي الناس من ضحاياهم.
اللخمي: لو مطل بالأضحية لعام قابل أو بالفاكهة لو قت إبانها لم يجبر على قبولها على قول أشهب وأصبغ، ويختلف على قول ابن القاسم هل يجبر على قبولها كعيب ذهب، واختلف فيمن أكترى سفينة فدخل عليه الشتاء فلم يتفاسخا حتى عاد إبان السفر وهذا مثله.
وفي تهذيب أبي سعيد: وأم القرى الصغار أو قرى ينقطع طعامها أو ثمرها في بعض السنة فلا يصلح من السلف في ثمرها إلا ما يجوز في حائط بعينه وقد ذكرناه.
عبد الحق: في تعقيبه هذا يقتضي إنها في كل الوجوه كالحائط بعينه، وليس في الأم تشبيهها بالحائط بعينه، ولفظ الأم لا يصلح أن يسلف في هذه إلا أن يسلف في ثمرها إذا أزهى ويشترط أخذه رطباً أو بسراً لا تمراً لأنه ليس فيها بمأمون، فإنما أخبر أن هذا ليس بمأمون ولم يشبهها بالحائط بعينه.
وقال بعض شيوخنا القرويين: السلف في القرية الصغيرة حكمه حكم الحائط بعينه في وجهين:
أنه لا يسلم في ثمره إلا بعد زهوه.
وفي شرط أخذه بسراً او رطباً:
ولا يجوز شرط أخذه تمراً وتخالفه في وجهين:
في أنه يجوز ان يسلم فيها إلى من ليس له في القرية حائط؛ لأنه مضمون عليه. وفي انه لا يجوز تأخير رأس المال.
ورأيت لبعض الاندلسيين منع السلم فيها لمن ليس له ملك فيها.
قلت: ولفظ أبي سعيد فيها كلفظ مختصر ابن أبي زيد وما عزاه لبعض الاندلسيين عزاه الصقلي لابن أبي زمنين وابن محرز قال: وهو خلاف قول أبي محمد.
ابن زرقون: وعليه تأول التونسي المدونة.
عياض: ظاهرها: انه لا سلف فيها لمن لا ملك له فيها لقولها: لا يسلم فيها بعد الزهو.
قال بعض الشيوخ: فلو جاز لمن لا ملك له فيها لما شرط طيب الثمرة؛ إذ لا يشترط طيبها إلا في المعين، وقاله فضل وابن أبي زمنين وابن محرز.
وقال بعضهم: يجوز: لمن لا ملك له فيها إن كان شأن أهلها بيع ثمارهم ووجود ما اشترى غالباً بيعه، ولو استغرق السلم ثمار القرية او لما جرت العادة ببيعه منها لم يجز وإليه نحى الشيخ.
قال ابن محرز: لم يختلفوا في وجوب تقديم رأس المال: قال أبو محمد: لأنه مضمون وهذا على أصله، وعلى قول من يراه كالحائط بعينه يجريه مجراه في تقديم النقد وتأخيره ذكره عبد الحق عن أبي عمران، وقال: تقديم النقد احوط وإلا فحقيقته أنه كالحائط في كل أحواله، وكر عبد الحق عن بعض الشيوخ انها توافق الحائط بعينه في وجهين ويخالفه في وجهين، فانظر هذا مع القول الأول انه إذا أسلم لمن لا ملك له فيها جاز اشتراط اخذه تمراً لوجود ذلك على الصفة عند الأجل وفيه نظر، ولو كان كما قال: لم يكن بينهما وبين المأمونة فرق، ولو انقطع ثمرها قبل استيفاء ما أسلم فيه ففي وجوب المحاسبة وجواز التأخير قولان، ولو أجيحت لزم التأخير.
وفيها: لا بأس بالسلم في طعام قرية بعينها او ثمرها أو حبها في إبانه وقبله
ويشترط أخذه في إبانه إن كانت مأمونة كمصر وخيبر، ووادي القرى لمن ليس له في شيء من ذلك ملك، والسلم في حديد معدن بعينه كالقرية بعينها في أمنه وقلة أمنه.
وشرطه بكونه لأجل معلوم ومعروف المذهب.
الباجي: هو ظاهر المذهب وفي أقله اضطراب.
الباجي: روى ابن عبد الحكم وابن وهب يجوز إلى يومين زاد ابن عبد الحكم أو يوم.
القاضي: أخذ منه بعض أصحابنا السلم الحال، وقال بعضهم: الأجل شرط في السلم اتفاقا وإنما الخلاف في قدره.
المازري: إلى الأول أشار التونسي ولا يحسن لإمكان كون غجازته لأجل قريب لدخوله في عموم قوله صلى الله عليه وسلم إلى أجل معلوم.
قلت: في حد أقله مأخوذاً ببلد عقده بمجرد ما تختلف فيه الأسواق او بيوم أو يومين أو خمسة. خامسها خمسة عشر، وسادسها شهر لقول مالك فيها ورواية ابن عبد الحكم وروايته مع ابن وهب وسماع عيسى ابن القاسم حين قال له: لو كان سلم البغال في الحمير لأجل قريب لا تهمة فيه قال: لو كان لأجل قريب الخمسة الأيام وشبهها لم أر به بأساً وقوله فيها، والمازري عن بعض الشافعية عن مالك واستبعده الباجي عن القاضي تغير الأسواق لا يختص بمدة إنما هو بحسب عرف البلاد ومن قدره بخمسة عشر يوماً أو اكثر قدره بعرف بلده.
الصقلي: عن أصبغ: إن وقع إلى يومين لم يفسخ؛ لأنه ليس بحرام ولا مكروه بين.
محمد: يفسخ أحب إلينا.
اللخمي: لابن وهب: السلم إلى يومين احب إلي من بعيد الأجل، وقال أصبغ: إن وقع فسخ وأراه فاسداً.
قلت: هذا خلاف نقل الصقلي عنه، وحمل ابن رشد سماع عيسى على ظاهره،
وقال: هو خلاف مشهور قوله.
ونقل غير واحد عن ابن بشير أنه قال في كتابه المسمى بالأنوار البديعة: يمكن أن يكون غرضه بالخمسة الأيام التحرز من سلم الشيء فيما يخرج منه أو لم يقصد الجواب عن الأجل.
وفي سلمها الثالث: إن أسلمت إلى رجل في طعام ببلد على أن تأخذه ببلد آخر مسافته ثلاثة أيام جاز لاختلاف سعريهما بخلاف البلد الواحد، صور المازري: المسألة بأن المسافة ما بين البلدين اليوم الواحد.
وذكر المتيطي عن بعض الموثقين: إن كان بلد القضاء كاليوم ونحوه فهو كالبلد الواحد لا يجوز إلا بأجل تختلف فيه الأسواق.
قلت: هو نقل ابن فتوح عن المذهب ومقتضى لفظ المدونة اعتبار ما هو مظنة لاختلاف سعريهما فكما اعتبر هذه المظنة في الزمان اعتبرها في المكان.
وفي لغو شرط تسمية الأجل فيه وافتقاره إليها أو إلى شرط الخروج عاجلاً قولا الموازية وابن أبي زمنين.
الصقلي: هذا أحسن.
اللخمي: لو لم يسميا أجلا ففي صحته ويجبر المدين على الخروج أو التوكيل عليه، وفساده قولان، وفساده أحسن.
قال: وسمع ابن القاسم سئل مالك عن قوم يقدمون من أرياف مصر على مسيرة يوم يبيعون لمن بالفسطاط طعاماً مضموناً يوفونه بالريف لا يضربون له أجلاً، قال: أذلك حال قال: نعم، قال: لا بأس به ولم يجعله على الجواز ولا على الحلول لمجرد العقد، وإلى هذا ذهب فضل إلى أن الدنانير والعروض سواء، فهو فاسد كذا وجدته في غير نسخة متصلاً بقوله: لا بأس به ولم يجعله إلى قوله فاسد.
وقال المازري، بعد إشارته غلى القولين، وأشار بعض شيوخنا لقول ثالث وهو كون السلم لا يحمل الخروج فيه على الفور او على التراخي وتعلق بما روي عن مالك لما سئل عن قوم من الريف يأخذون الدنانير على طعام يقضونه بالريف وبينه وبين موضع العقد مسافة قريبة فقال: أحال له فقيل نعم، فأجازه، وهذا لا يعد ثالثاً؛ لأنه إن
كان العقد محتملاً للتراخي والفور صار لأجل مجهول فيفسد كما لو شرط تأخير الخروج لأجل مجهول.
قلت: قوله: أشار إلى قول ثالث وهم إنما أشار إلى تقوية ما اختاره من القول بالفساد، ولذا قال آخر قوله فهو فاسد، وما ذكره اللخمي عن سماع ابن القاسم لم أجده بحال إنما فيه ما نصه، وسئل عن من سلف في طعام مضمون إلى أجل وشرط المشتري على البائع حمله من الريف إلى الفسطاط وإنما كان اشتراه منه على أن يوفيه إياه بالريف قال: ما أرى بهذا بأسا.
ابن رشد: لأنه بيع وإجارة أسلم إليه في الطعام على أن يوفيه بالريف واستأجره على حمله منه للفسطاط في صفقة واحدة. وقول الباجي على اعتبار ما تختلف فيه الأسواق يجب أن يختلف رأس السلم باختلاف السلع إذ منها ما يكثر بغير أسواقه، ومنها ما يندر كالدر والياقوت، يرد بان الحكم المعلق على مظنة حكمه لا يختلف لندور حصول الحكمة كمسافة القصر بالنسبة غلى عموم الناس وأقلهم ذوي الترفه الذين لا يلحقهم بهذا القدر مشقة.
ابن بشير: لما حد ابن القاسم الأجل بخمسة عشر يوماً.
قال القاضي: هذا يجري على عوائد البلاد يختلف الأمر فيه باختلافهما، فظنه الباجي خلافاً، وليس كذلك ما قاله ابن القاسم شهادة بعادة، وما قاله القاضي تفسير.
قلت: ظاهره: أن الباجي صرح بكونه خلافا وليس كذلك، قال إثر قوله في مسألة الدر والياقوت: قال القاضي: تغير الأسواق لا يختص بمدة من الزمان إنما هو بحسب عرف البلاد، من قدر ذلك بخمسة عشر يوماً او أكثر غنما قدره على عرف بلده.
قلت: وهذا كالنص في جعله قول ابن القاسم وفاقا لقول من يخص كل موضع بعرفه.
قال ابن بشير: ظن اللخمي ان في المذهب قولين:
أحدهما: أن مسافة ما بين البلدين تكفي عن الأجل.
والثاني: لابد من ذكره وليس كما ظنه بل لا خلاف في المذهب. وللمسألة صورتان: إن كان السلم يحل بوصول البلد فلا حاجة للاجل، وإن كان يطول قدر زمن
الحلول فلا بد من ذكر الاجل.
قلت: ما نسبه للخمي لم يختص به؛ بل قاله المازري وغيره.
الباجي: ويجب على المسلم إليه الخروج لمحل القضاء متى بقى بينه وبينه قدر المسافة، فإن أبى أجبر على الخروج او توكيل من يقضي عنه.
ومن متأخري أصحابنا من قال: لا يكفي توكيله حتى يضمن الوكيل المسلم فيه خوف عزله فيبطل سفر المسلم، ويجوز عندي ان يقال: ليس له عزله لتعلق حق المسلم بوكالته كالوكيل على بيع الرهن، وعلى الخصومة بعد تقييد المقالات، وقال ابن بشير: ذكر الباجي عن بعض العراقيين انه يشترط في هذا أن لا يعزله، ورأى الباجي أن هذا لا يحتاج إليه؛ لأنه تعلق بالوكالة حق فليس له عزله، وإنما ينبغي ان يقال في هذا: ليس له عزله جملة ولكن له أن يستبدله إن لم يكن في ذلك مضرة على الطالب.
قلت: الذي في المنتقى وذكره ابن زرقون والمتبطي إنما هو شرط الضمان لا شرط عدم العزل، وشتان ما بينهما شرط عدم العزل يستقل به الموكل وشرط الضمان موقوف على التزامه الوكيل.
وفي سلمها الثالث: وإن أسلمت في طعام لأجل على أن تقبضه بإفريقية جاز، وليس لك اخذه بعد الأجل إلا بإفريقية.
عياض: انظر قوله إفريقية قال فضل: معناه سمى منها موضعاً وإلا لم يجز كمسألة مصر. وقول الباجي يجب عليه الخروج متى بقي بينه وبينه قدر المسافة، ظاهره انه يجبر على الخروج قبل حلول الأجل ومثله قال اللخمي.
وقال ابن بشير: إذا حل الأجل امر بالخروج وهو أصوب لقولها: إن أبى الذي عليه الطعاك أن يخرج لما حل الأجل أو بعد حلوله أجبر، ومثله في كتاب الغرور منها.
اللخمي: وتقرر العادة بوقت قبض السلم تغني عن ذكره عادة وقت قبض سلم الزيت وقت عصره، وذلك شهر ينير، وفي الحبوب الخصاد، قال: والسلم في الشيء لمن هو من أهل حرفته جائز على الحلول.
قلت: ويخالف السلم أيضا في عدم وجوب نقد رأس المال في كتاب التجارة لأرض الحرب منها، وقد كان الناس يتبايعون اللحم بسعر معلوم يأخذ كل يوم شيئاً
معلومًا ويشرع في الأخذ ويتأخر الثمن إلى العطاء وكذا كل ما يبتاع في الأسواق ويسمي ما يأخذ كل يوم وكان العطاء مأمونا ولم يره دينا بدين، وتقدم أخذ التونسي السلم الحال مطلقا من جوازه ليومين وأخذه غير واحد من إجازتها البيع مرابحة، والثمن عرض وهو أبين من أخذه بعضهم من الشفعة والثمن كذلك؛ لأن بيع المرابحة بيع اتفاقا والأخذ بالشفعة يشبه الاستحقاق.
المتيطي: روى أبو تمام جوازه حالا، وفي المرابحة ما يدل عليه.
قلت: وفي شراء الغائب منها: من له عرض دين فباعه، من رجل جاز ظاهره وإن حل وهو نفس السلم الحال، وأصرح منه قول هباتها، وكل دين لك من عين او عرض فلك بيعه من غير غريمك قبل محله او بعد بثمن معجل.
الباجي عن القاضي: رواية ابن عبد الحكم جوازه ليوم، رواية بجوازه حالا كقول الشافعي.
ومنهم من قال: الأجل شرط قولاً واحداً؛ إنما اختلف الرواية في قدره، وقول الباجي يصح تعيينه بالحصاد والجذاذ وخروج العطاء غن كان معروفا لا يختلف وكذا قدوم الحاج. وتقدم شيء من هذا في بيوع الآجال.
الباجي: ويبين الأجل فيه وفي البياعات فيقول إلى أول شهر كذا أو آخره وإن قال: إلى شهر كذا حل بأول ليلة منه.
المتيطي: الصواب تأجيله بقولنا في أول الشهر من عام كذا وإن قال إلى شهر كذا احتمل ان يكون إلى آخره لقوله تعالى" (إِلَى الْمَرَافِقِ)[المائدة:6]، قال ابن القاسم: المرفق داخل في الغسل، وقال ابن نافع: لا يدخل لقوله تعالى: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)[البقرة:187]، فدليل قوله أن يحكم عليه بدفع السلم أول الشهر، وقال بعض الموثقين: بدخول يوم منه يلزمه القضاء.
ابن شاش: لو قال: إلى ثلاثة أشهر حسبت بالأهلة إلا أن يكون الشهر الأول انكسر في الابتداء فيكمل ثلاثين من الشهر الرابع.
قلت: هو نصها في أكرية الدور وفي تلفيق كسر اليوم اختلاف وكذا في قصر المعدود على تسعة وعشرين يوما تقدم في الأيمان وقوله في شهر كذا قال الباجي عن ابن
العطار: هو ضعيف وليس باجل محدود يكره فإن نزل مضى ويدفع ما بين اول الشهر، وىخره وفي هذا القول نظر.
ابن زرقون عن ابن لبابة: هو أجل مجهول.
ولمالك في المبسوط: هو أجل معلوم، ومحل الأجل في وسط الشهر او وسط السنة إن قال: في سنة كذا كالبيع غلى الجداد والحصاد.
ابن عات: لابن مغيث في وثائقه عن ابن لبابة: أنه يحكم له بالشهر كله قال: وهو اقيس، لقول مالك في المدونة: من حلف ليقضين فلانا حقه في شهر كذا فقضاه في آخره بر.
قال ابن الحاجب: وفي رمضان بآخره وقيل: إن كان آجلا يغتفر معه الشهر.
قلت: لم يعز ابن عبد السلام القول الثاني وعزاه ابن هارون للباجي وهو وهم إنما قال الباجي إثر قول ابن العطار: (وفي هذا القول نظر) فقط.
ولابن بشير في التهذيب إثر قول الباجي نظر ولا شك إن كان هذا القدر إن نسب للأجل اثر في الثمن نقصا او زيادة في فسخ السلم، وإن لم يؤثر فيه ذلك لقلته بالنسبة لبعد الأجل صح قول ابن العطار، فظن ابن هارون ان هذا من كلام الباجي وليس كذلك.
ولما ذكر ابن عبد السلام قول ابن العطار قال: إن قلت: هل في مسألة الحالف ليقضين فلانا حقه في شهر كذا دليل عليه؟
قلت: لا؛ لأن الأجل في الأيمان لا ينافي التوسعة بخلاف البيع؛ لأنه لو قال: لأقضينك في هذا العاك في أي شهر أردت أنا أو أردت أنت جاز ولو كان في البيع فسد.
قلت: ظاهره انه لم يقف على احتجاج ابن مغيث بمسألة المدونة وعزاه ابن عبد الغفور لغير واحد، وفي رده الشيخ بما ذكر نظر، يتضح بتقرير القياس وبيان ضعفه، فنقول أجمعوا على مساواة زمن البر الموجب تأخير الفعل االمحلوف على إيقاعه عنه الحنث لزمن وجوب الحق المؤجل في قوله: لأقضينك حقك يوم كذا واشتريت منك هذه السلعة بثمن كذا على دفعه يوم كذا فيجب استواؤها في قوله: في شهر كذا، ولما كان زمن البر المذكور هو آخر يوم من الشهر وجب كونه كذلك في البيع عملاً بوجوب
المساواة السالمة عن ملزوميتها الغرور الموجب فساد البيع، والصورة التي زعم النقض بها غير واردة، على هذا القياس، المذكور؛ لأن المثبت بالقياس المذكور المساواة في مسمى الوقت فيهما وهي حاصلة في صورة النقض، ولكن المساواة اقتضت في صورة النقض فساد البيع لملزوميتها الغرر، وذلك غير قادح في قياس المساواة حسبما بيناه في البحث معه في مسألة الأمة تعتق أثناء الصلاة ونحو هذا قياس الفقهاء إبطال نفي الإرث في طلاق المريض على قاتل مورثه بجامع التعدي المثبت الحكم بمعاملته بنقيض مقصوده وإن كان حكم الأصل عدم الإرث وحكم الفرع نقيضه؛ لأن المثبت بالقياس نفس الحكم بالمعاملة بنقيض المقصود ومقتضاها في الأصل نفي الإرث وفي الفرع ثبوته وكذا المساواة في صورة النزاع اقتضت الصحة وفي صورة النقض اقتضت الفساد فكما لا يكون ذلك مانعا من صحة القياس لم يكن موجبا للتخلف في الصورة التي زعم النقض بها والصورة المدعي كونها نقضا إنما تكون نقضا إذا اشتملت على تخلف الحكم المثبت بالقياس، وفي لفظ صدر الشهر اختلاف.
ابن سهل: سألت عنه.
ابن القطان، فقال: الثلثان والنصف لسماع ابن القاسم في الحلف على قضاء صدر الحق، قال: الصدر: الثلثان، ولو كان النصف كان قولا، والثلثان احب إلي وسألت ابن مالك فقال يتقى في اليمين: الحنث، والصدر في العقد أقل من ذلك وهو الأشبه عندي إلا أن يكون ثلث الشهر او ما قرب منه.
وروى ابن حبيب: من حلف ليقضين غريمه لأجل كذا بر بإرضائه بقضائه صدرا مثل الثلث، ورواه ابن وهب وقاله ابن القاسم وغيره من أصحاب مالك لم أعلمهم اختلفوا فيه، فقد أطلق الصدر على الثلث.
قلت: وتقدمت في الأيمان وفي شرط محل القضاء طريقان: المتيطي: تعيينه مستحسن.
وقال ابن حارث: إن لم يذكر فسد السلم اتفاقا.
الباجي عن القاضي: الأفضل ذكره لرفع النزاع.
في الموازية: لا يضر عدم ذكره وإطلاق العقد يقتضي كونه ببلد العقد.
وسمع عيسى ابن القاسم: القضاء حيث قبض الدراهم فيختمل أن يريد موضع النقد ويحتمل ان يريد بلده وجعله سحنون كالحمل للحطب ونحوه يلزم إيصاله لمنزل المبتاع، ومن شروطه: علم قدرالمسلم فيه بمعياره العادي.
في ثاني سلمها: لا يجوز ابتياع طعام معين أو سلم موصوف بقدح معلوم أو قصعة ويفسخ غن نزل وكرهه أشهب ولم يفسخه.
ابن حارث: لابن عبد الحكم عن أشهب: يجوز بمكيال مجهول حجراً وغيره، وكرهه في المدونة.
اللخمي: وعلى قوله: يؤخذ المكيال المجهول فيعرف قدره من المعلوم ويكتب في وثيقة الدين خوف تلفه.
الباجي: كون طريق معرفة القدر بالكيل أو الوزن او العدد هو بحسب العرف في البيع ولا يتقرر في الثياب إلا بالذرع طولا وعرضا، فإن شرط ذراع رجل بعينه جاز، قال ابن القاسم في المدونة: فإن خفيف أو تغيب أخذ قدر ذراعه وإن لم يعينا ذراع رجل بعينه فقال في سماع أصبغ يحملان على ذراع وسط، أصبغ هذا استحسان، والقياس الفسخ ولو كان بالبلد ذراع معين جرى عرف البايع به كراع الرشاش بقرطبة وجب الحمل عليه عند الإطلاق.
وقال ابن رشد في مسألة سماع أصبغ: هي مثل قوله في المدونة خلاف قول ابن حبيب: لا يجوز السلم على ذراع رجل بعينه، قال: ويكفي أن يسميا الذراع فقط فإن اختلفا لزم الوسط هذا إن لم يكن القاضي جعل ذراعا لتبايع الناس فغن نصبه وجب الحكم به ولو يجز اشتراط رجل بعينه، كما لا يجوز ترك المكيال المعروف لمكيال مجهول، وإن لم ينصب للناس ذراع معين، ففي كون الوسط كذراع منصوب فيجوز على ذراع بعينه أو على وسط كشراء الطعام بمكيال مجهول حيث لا مكيال قولا ابن حبيب وابن القاسم، فيها: وفي سلمها الثامي أيجوز السلم في ثياب بذراع رجل بعينه؟ قال: قال مالك: لا بأس ببيع ويبه وحفنة إن أراه الحفنة، لأنها تختلف فأرى الذراع بهذه المنزلة وليأخذا قيسه فيكون عندهما.
قلت: لا يلزم من لغو غرر في تابع يسير لغوه في مقصود.
الصقلي عن بعضهم: لو دفن الرجل قبل أخذ قيس ذراعه واختلفا في قدره قرب العقد تحالفا وتفاسخا، وعند حلوله القول قول المسلم إليه إن أتى بما يشبه وإلا حملا على ذراع وسط.
ابن محرز: إن اتفقا على جعل قيسه بيد عدل فذلك وإلا أخذ كل منهما قيسه عنده، ولو كثرت الحفنات، ففي منعها نقلا عياض عن الأكثر من سحنون وعن أبي عمران عن ظاهر الموازية، وفي شرط رؤية الحفنة قولان لظاهرها، ونقل الصقلي عن ابن أبي زمنين عن ابن القاسم، إن وقع دونها لم يفسخ وقضى بحفنة عامة، وفي حجها الثالث والحفنة ملء يد واحدة.
وفي سلمها الثاني: ويشترط إذا أسلم في لحم وزنا معروفا وإن اشترط تحريا معروفا جاز لجواز بيع اللحم بعضه ببعض تحريا.
عياض: عن ابن أبي زمنين وغيره معناه أن يقول: أسلمك في لحم يكون قدره عشرة أرطال، وقال ابن زرب: معناه أن يعرض عليه قدرا فيقول: آخذ منك قدر هذا؟
قلت: وعلى الأول تعقب قياسها بأن إدراك الصواب بتحري موجود مشار إليه في الحس أقرب من إدراكه بالإشارة إليه في الذهب موصوفا.
الباجي: الأظهر انه لا يجوز تحريا إلا لتعذر الموازين وهو مع إمكانها خطر.
وفي سلمها الثاني: إنما يجوز الشراء بقدح او قصعة بموضع ليس فيه مكيال معروف كالأعراب يشترى منهم العلف والتبن والخبط.
اللخمي: هذا في الطارئ عليهم وما بينهم هو المكيال المعروف بينهم ولو كان مع الطارئ مكيال الحاضرة لم يجز أن يبايعوه به وكذا البادي يقدم الحاضرة يجوز أن يبتاع بمكيالها وإن لم يعلم قدره.
المتيطي عن أبي عمران: إنما خص ابن القاسم الخبط والتبن والعلف لأنه غالب على ما بأسواق الأعراب، وكذلك عنده الطعام حيث يتعذر فيه المكيال، وذكر عنه محمد أن ذلك في الطعام اليسير ولا أدري وجهه.
قلت: لأنه المضطر إليه غالبا.
وفي سلمها الأول: يسلم في الرمان عددا إذا وصف قدر الرمانة وكذا التفاح
والسفرجل، وفي الجوز عددا وكيلا إن عرف فيه، ولا يسلم في البيض إلا عددا ولا في الصوف إلا وزنا لا على عدد جزز.
الباجي عن ابن حبيب: يسلم في الرمان والسفرجل عددا وكيلا لا وزنا، ويذكر مقداره والعدد فيما عظم أظهر وكذا البطيخ والقثاء والخيار والموز والكمثرى ورؤوس الغنم واختلف في الجوز قول مالك وابن القاسم وابن حبيب، كاختلافهم في الرمان وصغير الفاكهة كعيون البقر والمشمش والزعرور والمضاع يتأتى فيه الكيل والوزن والأحمال، والمعتب عرف كل بلد.
ابن حبيب: وما ييبس ويدخر كاللوز والبندق وقلوب الصنوبر إنما يسلم فيه كيلا لا عددا.
الباجي: لمشقة عدده ومن شروطه: وصفه بما يندرج تحته ما لا تختلف فيه الأغراض بمعتبر عادة فما تختلف فيه الأغراض لا عادة لغو، وما اقتضى العرف ثبوته مغتفر عدم ذكره.
فيها: من أسلم في ثمر ولم يذكر برنيا، من صيحاني ولا جنسا من الثمر او ذكر الجنس، ولم يذكر جودة أو رداءة فالسلم فاسد حتى يذكر الجنس والصفة وإن أسلم في حنطة بمصر ولم يذكر جنسا قضى بمحمولة، وإن كان بالشام قضى بسمراء ولا بد من ذكر الصفة وإن اجتمع في الحجاز حيث تجتمع السمراء المحمولة ولم يسم جنسا فسد السلم.
الصقلي عن محمد: روى ابن القاسم إن لم يسم بمصر سمراء من بيضاء لم يجز وقاله ابن عبد الحكم وهو أحب إلينا وقال أصبغ: هو جائز، وقول ابن حبيب ما يجلب غليه جنسان فلابد من ذكر احدهما، وما ينبتان فيه لا يلزمه ذكره فيه لا وجه له.
ابن عبد الرحمن: لا يفتقر لذكر جديد من قديم؛ لأن الرواية لزوم قبول قديم لمن شرط جديدا فإنه لا يختلف عندنا بإفريقية، وهو مختلف عندنا بصقلية فلا بد من ذكره.
قلت: والذي شاهدته في أنباء هذا القرن الثامن وعلمته تواترا عن أوله والقرن السامع اختلاف الجديد مع القديم.
ونقل ابن فتوح عن المذهب كابن عبد الرحمن إلا أنه قال: يستحسن ذكر كونه
جديدًا أو من عام أو من عامين.
المتيطي عن ابن أبي زمنين: لا يضر عدم ذكر كون القمح جديدا أو قديماً، وقال عبد الملك عن بعض شيوخه كذا جاءت الرواية، وقال بعض الموثقين: لا بد من ذكر من ربع أي عام هو؛ لأن منه ما يجعل في المطمر، وفي الأهراء وفي الغرف.
الصقلي عن ابن حبيب: ويذكر في الزيت مع صفته بانه جيد أو وسط او رديء كونه زيت الماء، أو المعصرة وفي لزوم ذكر جنسه من الزيتون نقلا المتيطي عن ابن العطار مع ابن لبابة، وابن أبي زمنين مع موسى بن أحمد المعروف بالوتد محتجا بأنه لو لزم ذلك في الزيت لزم في الدقيق.
قال المتيطي: وقاله ابن العطار في الدقيق، وانتقد قوله في الزيت ابن الفخار وقال لا نعلم أن مالكا او أحدا من أصحابه قاله غنما قاله بعض الموثقين من غير رواية الباجي، في وثائقه عن بعضهم يفتقر لذكر جنس الزيت في بد لا تختلط فيه أجناسه في العصر، وحيث يخلط فلا، ويوصف الخل بكونه خل عنب او عسل والصفاء والنقاء والجودة.
قلت: حاصل أقوالهم وصف كل نوع تختلف أصنافه بما يعين الصنف المسلم فيه دون غيره.
المتيطي: إن اقتصر على قوله من قمح طيب فسد هذا القول المعمول به.
قال فضل: ولابن حبيب إجازته قال: والطيب بمقام الجيد.
قال ابن القاسم في الواضحة: لا يجزئ قوله جيد او وسط حتى يقول أبيض أو سمراء مع الجودة والنقاء، وخالفه أصحاب مالك وقالوا إذا قال جيد أجزأ.
قال أبو عمران: قول ابن القاسم هذا خلاف المدونة.
قلت: انظر قبول المتيطي قوله: إنه خلاف المدونة فإن أراد من حيث لزوم ذكر أبيضاء أو سمراء فليس كذلك، وإن أراد من حيث ذكره النقاء فحسن.
قال ابن فتوح: إن ذكر في وصف الشعير النقاء فحسن وإن سكت، لم يضره؛ لأن الجيد يجمع الطبيب والنقاء والوسط يعرف في الجودة والنقاء.
الباجي عن ابن حبيب: إن اخل بذكر النقاء في الحنطة وذكر الجودة أو الرداءة
أو التوسط لم يفسده.
قال الباجي: وليس عليه وصف التمر بالنقاء؛ لأنه لا غلث فيه ولا وصفه بأن لا حشف فيه؛ لأنه عيب.
المتيطي: عن ابن العطار: لا يجزئ قوله جيد حتى يقول غاية الجودة.
قال: وإن قال في القمح: طيب، ولم يقل: غاية الطيب فسد السلم، وأنكره الباجي، وقال: يلزم في وصف الثوب برقة او غلظ أن يقول غاية الرقة أو الغلظ.
قال: وشرطه هذا أقرب إلى الفساد.
وقال أبو عمر في كافيه: كره بعض اهل العلم شرط غاية الطيب في شيء من الأشياء لتعذر ذلك.
وفي سلمها الثاني: إن شرط في سلم في ثوب حرير طوله وعرضه دون وزنه جاز إن وصفه، ووصف صفاته او خفته وإن شرط صفة ثوب اراه فحسن، وإلا فالصفة تجري ولا أعرف في صفة الثوب جيدا ولا في الحيوان، فأراها غنما السلم فيهما على الصفة.
الصقلي: أنكر سحنون قول ابن القاسم في ثوب الحرير جاز.
قلت: لم يذكر موجب إنكاره فلعله عدم شرط وزنه، والصواب قول ابن القاسم بل شرط وزنه مع صفة ما شرط من صفاقة أو خفة متناف والنوازل تسهد لهذا.
وقوله: (إن شرط صفة ثواب أراه إياه فحسن).
قال الباجي: السلم على مثال، منعه ابن القاسم في الموازية، وأصبغ وأجازه في المدونة في الثوب وجوازه في المثلي أولى.
ابن بشير: الخلاف في السلم على المثال خلاف في حال إن قصدت كل صفات المثال منع لأنه يؤدي إلى إعواز الوجود وإن قصدت صفاته العامة جاز، وقوله:(لا أعرف جيدا ولا فارها) يريد: الاقتصار على أحدهما دون ذكر النوع وما يجب اعتباره من الصفات فيهما.
ابن فتوح: وغيره يصف الرقيق بالسن واللون والقد ولون الشعر، وحال سبوطته او جعودته وصفة العين بالشهلة او الزرقة أو الكحل، والأنف بالقنى أو الشمم، أو
الفطس أو الخنس وسائر الصفات المذكورة في بابها.
ابن شاس وغيره: ويذكر جنسه فيقول: رومي او تركي وغير ذلك من الأجناس.
قلت: وهو قولها في الرد بالعيب إذا ابتاعه على جنس فبان خلافه وكذا البكارة والثيوبة، وفي قول ابن شاس: إن اختلف الثمن لذلك اختلافا مقصودا نظر لوضوح اختلاف الأعراض فيهما.
وفيها: لا بأس بالسلم في الشحم واللحم إذا شرطا شحما معروفا، ولحما معروفا والجنس من ضأن ومعز ونحوه.
الصقلي عن محمد: قيل لابن القاسم: أيحتاج لذكر كونه من فخذ او يد او جنب؟
قال: لا، إنما يقوله أهل العراق وهو باطل غنما يسمي السمانة، وقاله مالك؛ أصبغ؛ وذكر وسط من السمانة يكفي.
محمد: إن اشترط سمينا ولم يحد السمانة جاز، وذكر اللخمي قول ابن القاسم في عدم شرط ذكر كونه من فخذ ونحوه، وقال: أرى أن يسمى ذلك فإن لم يفعل قضى من المقدم، والمؤخر، ويجب ذكر كونه من جذع أو غيره وذكر أو أنثى وخصي او فحل والتسمية في الرؤوس آكد منها في اللحم؛ لأنه لا سلم فيها بوزن فتسمية الصغير فيها من الكبير فيها آكد محمد عن ابن القاسم إن قضاه مع ذلك بطونا فلم يقبلها قال: أيكون لحم بلا بطون؟ قيل: ما قدره قال: (قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)[الطلاق:3] البطن من الشاة كأنه يقول على قدر البطن من الشاة.
قال: وهذه اشياء عرف الناس وجهها.
اللخمي: يحمل قوله: أيكون لحم بلا بطون على أن ذلك عادة عندهم ولا يقضى به اليوم؛ لأن الشأن بيع البطون وحدها وما تعذر فيه بعض شروطه امتنع فيه.
فيها: لا يسلم في تراب المعادن لأن صفته لا تعرف، وجائز بيعه يد بيد؛ لأنها حجارة تعرف والمذهب منعه في الربع معادن الحديد وغيره مما يحتاج غي إخراج المقصود منه إلى عمل والمنصوص المعروف منعه في الربع؛ لأنه إن وصف بما يجب فيما تختلف الأغراض لأجله عادة تعين لذكر موضعه الشخصي فبطل تعلقه بالذمة، وإن لم يوصف بذلك صار مجهولا.
وقال اللخمي: لأنه إن عين موضعه صار غير مقدور على الوفاء به، وهذه الملازمة غير صادقة لنقضها بما هو في ملكه ولما ذكر الصقلي قولها يجوز السلم في القصيل والبقول على جزر او أحمال معلومة ولا يجوز ان يشترط من ذلك، فدادين معروفة بصفة طول وعرض وجودة او رداءة، ذكر عن محمد قال أشهب: ذلك جائز كله ومن لم يجزه؛ لأن الجيد منه يختلف والوسط منه يختلف لزمه في الحبوب.
الصقلي: قول أشهب هذا خلاف قول شوخنا المتأخرين، إن السلم في الربع والأرضين والحوائط لا يصلح؛ لأنه يؤدس إلى السلم في شيء معين وبيع ماليس عندك. الزري المشهور عندنا منع السلم في العقار، وحاول بعض الأشياخ أن يضيف إلى المذهب جوازه في العقار ويجعل المذهب على قولين، وذكر ما تقدم للصقلي من إلزامه ذلك ثم قال: وهذا تعسف في التأويل، وأجاب بما حاصله أن إجازة أشهب السلم في القصيل على فدادين معلومة لا يلزم منه تعيين الموضع الشخص إذا لا أثر له في المبيع، غنما أثره في علم قدر من المشتري من القصيل بمجموع قدر مسافته وصفاقته وخفته.
قلت: وما أشار إليه من رده عليه بهذا صواب، وحقه ان لا يقول المشهور منعه في العقار؛ لأنه يدل على وجود القول بجوازه نصا شذوذا، وغنما هو إلزام بين كونه تعسفا.
اللخمي: ويجوز في عدد شجر لقبض بغير أرض، وكذا في البناء بغير أرض، إذا وصف وأمكن الوفاء بهما عند حلول الأجل والمذهب جوازه في جواري الوطء، ومال اللخمي او صرح بمنعه فيها لزعمه تعذر حصول المقصود هنا بالوصف، وضعف دليل المذهب على جوازه.
وفيها: يجوز السلم في اللؤلؤ وفي المكاتب منها إن كاتبه على لؤلؤ غير موصوف لم يجز لتفاوت الإحاطة بصفته.
عياض: أشار بعضهم إلى مناقضته بقوله في السلم وليس بشيء؛ لأن السلم يقدر على حصر صفته بذكر جنسه وعدده، وقدر كل حبة وصفتها، وفي الكتابة وقع مبهما ولشدة تفاوته بقدر إدراك الوسط منه.