الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصقلي: وكذا لو اشترى قوم ثمار بلد وانجلى أهلها عنها لفتنة أو لأهل حرب كان ذلك جائحة.
اللخمي: وتوضع في المقاثي اتفاقًا، وفي وضعها ولو قلت: إن بلغت الثلث قولا أشهب كالبقل وابن القاسم والأول أقيس.
الباجي: روى ابن القاسم وجميع أصحابنا في جائحة القثاء والبطيخ والقرع والباذنجان والفول والجلبان اعتبار الثلث في جائحتها،
وقال أشهب: المقاثي كالبقل توضع ولو قلت.
قلت: هو قول أشهب في سماع أصبغ في جامع البيوع.
ابن رشد: معناه في مقاثي الفقوس لا البطيخ؛ لأن الفقوس يجني صغيرًا وكبيرًا كالبقول في استعجال قطعها بخلاف الثمار التي تحتاج لبقائها إلى تناهيها.
[باب فيما يشترط فيه الثلث في وضع الجوائح]
والثلث فيها هو فيها ييبس ويدخر ويترك حتى يجد جميعه مما يخرص أم لا كالنخل والعنب والزيتون واللوز والفستق والجوز واللوز وشبهه قدره من الثمرة يوضع له ثلث الثمن لا ينظر فيه لاختلاف سوق إن كان الصنف الثمر صنفًا واحدًا.
الباجي: اتفاقًا.
وفيها: وما يقطع بطونًا كالمقاثي والورد والياسمين والتفاح والرمان والخوخ والموز والأترج إن بلغ المجاح ثلث قدره اعتبر ولو قصر منابه من قيمة جميعه عن ثلثه وإلا فلا، ولو بلغ منابه منه تسعة أعشاره وعكس.
أشهب: فراعى الثلث في قيمته لا قدره.
الباجي: إن كان ما يجد جميعه جنسًا واحدًا ذا أنواع مختلفة اعتبر ثلث جميعها اتفاقًا.
وفي كونه بقدر الثمرة أو قيمتها؟ قولا ابن القاسم وأشهب.
الشَّيخ: ذكر ابن حبيب قول ابن القاسم وعزاه للأخوين وابن عبد الحكم معه قال: ولم يفرق ابن القاسم بين تفاضل القيم في النوع الواحد ويقول قولًا مجملًا إن
بلغت الجائحة ثلث الثمر رجع بثلث الثمن فلا تقويم.
الشَّيخ: ما قاله ابن حبيب عنه شيء تأوله عليه وهو بعيد من مذهب ابن القاسم.
قلت: هو خلاف نص قوله فيها إن كان في الحائط أصناف برني وعجوة وغيره أجيح أحدها فإن كان قدر الثلث كيلًا من الأصناف وضع من الثمن قدر قيمته من جميعها ناب على الثلث.
أبو حفص: الحيطان المتفرقة لكل حائط حكم على حدة.
قلت: هذا خلاف سماع ابن القاسم إن أجيح ثمر حائط أو بعضه اشترى مع حائط صفقة واحدة وضعت إن بلغ ثلث ثمره كل الحائط.
ابن رشد: الحوائط في صفقة كحائط واحد يوضع للجائحة ثلث الثمن بقدر ثلث الثمر إن تساوى الثمن في الطيب أو تقارب، وإن كان بعضه أفضل وأطيب ففي كون المعتبر ثلث الثمرة بثلث الثمن ولا تقويم أو ثلثها فيوضع عنه مناب قيمة المحاج من قيمة ما سلم من الثمن فإن قصر عن ثلث الثمرة ألغيت حائجته، ولو بلغ من الثمر أكثر من ثلثه، ثالثها: إن أجيح ما قيمته الثلث وضع ولو كان عشر الثمرة لأصبغ عن ابن القاسم وله ولأشهب.
قلت: ما عزاه ابن القاسم هو ما وهم فيه الشيخ.
ابن حبيب: ولم يذكر قول ابن القاسم فيها، وإن كان المبيع أجناسًا.
الباجي: ككونه عنبًا وتينًا وسفرجلا.
ابن رشد: ككونه عنبًا وتينًا ورمانًا فطريقان:
الباجي، وابن زرقون: في اعتبار كل جنس كأنه بيع وحده واعتبار كون قيمة المجاح ثلث الجميع دون اعتبار قدره من قدر الجميع، ثالثها: اعتبار بلوغ قيمة المجاح مع بولغ قدره ثلث قدر نوعه لرواية ابن حبيب، وقولي أصبغ وابن القاسم.
ابن رشد: الأقوال ثلاثة فذكر الأولين، وعزا الثاني لأشهب فقط، قال: والثالث إن كان المجاح ثلث الثمر، وضع منابه من الثمن ولو قل، قاله أصبغ.
وقال محمد: إن قصر أحد الأصناف عن الثلث فلا جائحة ولو أتت على جميعه.
قلت: ما عزاه لأصبغ مغاير لثلاثة.
الباجي وابن زرقون: القويم يوم الصفقة أو يوم نزول الجائحة والجناية نقلا عياض عن تأويلها.
ابن أبي زَمَنَيْن مع ابن زَرْب وغيرهم.
عياض: والأول أصل ابن القاسم في استحقاق بعض السلع إنها تقوم يوم الصفقة لا يوم النازلة وذكر تعلق كل فريق بألفاظ تعلق بها منها.
قلت: وقال عبد الحق: اضطرب إذا أجيح أول بطن من مقتات هل يعجل تقويم باقي البطون الآن على ما عرف من عادتها أم يستأني حتى يجني جميعها؟ وهذا أصوب فلا يرجع إلى الاجتهاد فيما يعلم حقيقة عيانًا ولا حجة بخوف فلس البائع؛ لأنه أمر طارئ. وفي أولها التين كالرمان وبعده يسأل عنه.
عياض: هذا يختلف في البلاد فيحكم فيه بحال محله.
اللخمي: ما ييبس ولا يباع رطبًا اعتبر قدره إلا أن يخالف أوله آخره بالجودة فتقوم بطونه، الثمر إن قرب من الحاضرة يباع رطبًا ولا يدخر نظرا لاختلاف أسواقه، والمذهب لزوم ما سلم من الثمر ولو قل، وعدم الرجوع بما أجيح إن قل بخلاف الاستحقاق فيهما لدخول المشتري على عدم الكمال لغلبته، وفي ثبوتها في شراء المعرى عريته قولان لروايتها والباجي مع غيره عن روايته ابن وَهْب.
قلت: الأولى سماع ابن القاسم وخرجهما ابن رشد والابجي وغيرهما على أن المستثنى مشترى أو مبقى وعزاهما الباجي لمالك.
وقال اللخمي: القول: إن هذا الأصل على أن المستثنى مشترى وهم لا وجه له ولو كان مشترى كان حرامًا.
قلت: وهذا نحو نقل الصقلي عن بعض الفقهاء الصواب رواية ابن وهب؛ لأنه كمن باع رطبًا يأخذ ثمرًا وللباجي في إسقاط قدر الجائحة من العدد المستثنى مطلقًا أو إن بلغ المجاح الثلث، ثالثها: لا يوضع منه شيء ولو كثر المجاح لرواية ابن القاسم مع أشهب وقول ابن القاسم في المدنية ورواية ابن وهب.
قلت: هذا خلاف نقل الصقلي رواية ابن القاسم وأشهب فتأمله.
وقال اللخمي: اختلف فيها على ثلاثة أقوال فذكر أول أقوال الباجي معزوا لأبي الفرج ورواية ابن وهب ولم يذكر ثالثا.
وسمع أصبغ ابن القاسم من باع جزءًا من ثمر حائطه فجائحته بينهما على قدر شركتهما ما ناب المبيع اعتبر قدره؛ كأنه بيع وحده.
ابن رشد: لا كلام في هذا لوضوحه.
اللخمي: من اشترى عشرة أو سق من حائط بعينه فأجيج بدئ المشتري فيما سلم ولو اشترى غيره بعده مثله بدئ الأول.
وفيها: من أسلم في حائط بعينه فأجيح بعضه اتبعه بحقه في بقيته؛ لأنه على الكيل.
وما اشترى مع أصله تقدم أن لا جائحة فيه.
اللخمي: لابن حبيب عن أصبغ إن أجيحت بعد الطيب وهي مما يعظم قدرها ففيها الجائحة، والأول أحسن ولابن رشد تخريج يأتي إن شاء الله.
وفيها: ما اشترى مما يؤكل أخضر من فول أو قطنية بعد أن طاب للأكل على أن يتركه حتى ييبس لم يصلح عند مالك، وكرهه وإن شرط قطعه أخضر جاز وفيه الجائحة إن أصابت ثلثه.
التونسي: إن كان لأن له سقيا لحفظ بقائه بحاله لا لحدوث زيادة فيه، فله وجه كسقي القصيل لبقائه بحاله لا لزياجة فيه فإن قيل لحق توفيته كالمبيع الغائب، وقدر تسليم الحاضر رد بكونه لو كان لذلك ضمنه البائع ولو قل.
قلت: قبل الصقلي هذا الإلزام ويجاب عنه بأن حق المبتاع في مضي زمن قبضه المعتاد فيه كحقه في بقائه فيما لم يشترط عليه جده فأعطى حكمه في توفيته بالثلث.
وفيها: ما اشترى من ثمر نخل قبل بدو صلاحه على جده يومه أو من الغد فأجيح
قبل جده أيكون كالبقل؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئًا وأرى فيه الجائحة إن بلغت الثلث وكذا بلح الثمار كلها، التين والجوز والفستق على جده.
وفيها: من اشترى ثمرًا أزهى بعد شرائه أصله فلا جائحة فيه.
اللخمي: قال في الموازية: هو من بائعه، وفي تعليل سقوطها بإلحاقها بالعقد أو سقوطه سقيها عن البائع قولان لظاهرها ولسحنون والقول بأن مصيبتها من البائع أحسن؛ لأنهما عقدان، وسقيها على البائع بمقتضى مجرد العقد إلا أن يفهم بعضهم عن بعض سقوطه ولو قيل: هو عليهما قبل شراء الثمرة كان وجهًا؛ لأن نفعه للأصل والثمرة إلا أن تستغني الأصول عنه تلك المدة لو لم يكن بها ثمر فيكون على البائع إبقاؤها لنفسه، أو باعها بعد ذلك إلا أن يشترط حين يبيعها أن لا سقي عليه.
قلتُ: ما عزاه للموازية هو سماع أبي زيد ابن القاسم.
ابن رشد: إن اشترى الثمرة قبل زهوها بعد شرائه الأصل فلا جائحة، كما لو اشترطها في ابتياعه لأصل قبل زهوها؛ لأنها تبع لا حصة لها في الثمن وإن اشتراها بعد زهوها، يقال فيها الجائحة، وهو خلاف قوله فيها إن اشتراها مع أصلها فقد حل بيعها لا جائحة فيها إذ لا فرق بين شرائها معها أو بعدها؛ لأن لها في شرائها معها حظًا من الثمن وهو نص أصْبَغ في الواضحة، والصواب قولها: لا جائحة؛ لأنها في ضمان المشتري بالعقد؛ لأنها في أصوله، هذه العلة الصحيحة لا تعليل المدوّنة بأنها تبع للأصول، وإن اشتراه قبل زهوه بعد شرائه الأصل ففيها لا جائحة كما لو جمعها في أول الصفقة، وإن اشترى الثمرة بعد زهوه ثم اشترى الأصل ففيها الجائحة، قال محمد.
الصقلي: لوجوبها قبل الأصل.
اللخمي: والسقي باق على البائع ولو شرط سقوطه بجائحة عنه كبيعه الأصل من غير مشتري ثمره وشرط عليه سقي الثمرة، فالسقي على المشتري بالشرط وانتقال الثمر إلى حلاوة ونضج وبقية البيع الأول وهو من توفيته وإن اشتراه قبل زهوه على الجد ثم اشترى أصله فلا جائحة فيه.
اللخمي: إن قال أنا أجده على ما اشتريت ففيه الجائحة إلا أن يتراخى بجده عن ما كان يجده إليه.
وفيها: من اشترى ثمرًا قبل بدو صلاحه على الترك فهو من بائعه؛ لأنه فاسد، والثمر في الشجر لم يقبضه مبتاعه.
وفيها: قال مالك: إن أجيحت الثمرة بعد أن عمل فيها المساقي وضعت الجائحة عنه، وروى سعيد إن أصابت دون الثلث لم يوضع عنه سقى شيء من الحائط وإن أصابت ثلثه، خير في سقي جميعه، وتركه الصقلي عن محمد: هذا إن شاعت الجائحة في الحائط، وإن خصت ناحية منه سقي ما سلم فقط ما لم يكن يسيرًا جدًّا الثلث فأقل، وإن شاعت الجائحة واختار ترك سقي الحائط فلا شيء له فيما يقدم من عمله ونفقته، وروى أشهب لا جائحة في المساقات ولا للعامل خروج منها، وهما شريكان في النماء والنقص.
وفيها: ما اشترط من ثمر شجر بأرض أو دار أكثر من الثلث كشرائه وحده وثمنه منابه مع ما أكري معه من الثمن وما كان تبعًا لأرض أو دار لا جائحة فيه.
اللخمي: اختلف إن كان جميع الثمرة أقل من الثلث فأصيب جميعها أو الثلث، قيل: فيها الجائحة. وقيل: لا جائحة؛ لأنها تبع، والأول أحسن؛ لأنها مشتراة مقصودة فاختيار المشتري شراءها لا لدفع مضرة ففارقت ما اشترى قبل صلاحه؛ لأنه إنما أجيز لدفع ضرر الدخول والخروج، ولو قصد الشرء لغرض غير ذلك لم يجز.
وسمع ابن القاسم شرط إسقاط الجائحة لغو وهي لازمة.
ابن رُشْد: لأنه لو أسقطها بعد العقد لم يلزمه؛ لأنه إسقاط حق قبل وجوبه فكذا في العقد ولا يؤثر فسادًا؛ لأنه لا حظ له من الثمن؛ لأن الجائحة أمر نادر.
قلتُ: زاد اللخمي عن السليمانية البيع فاسد وعزا الأول لرواية محمد قال: وأرى ان يخير البائع إن أسقط شرطه صح البيع وإلا رد، وله في الفوت الأكثر من القيمة أو الثمن وإنما بطل الشرط؛ لأن ما تنتقل إليه الثمرة من حلاوة ونضج مشترى فشرط إسقاط الجائحة كمن شرط أخذ ثمن ما لم يكن بعد ولو شرط السقي على المشتري ففي كون الجائحة من البائع أو المشتري خلاف بناء على صرف انتقال حالها وطيبها للأصول دون الماء والسقي أولهما.
المتبايعان مطلقًا إن اختلفا في جنس أحد العوضين كتمر وبر، تحالفا وتفاسخا.
ابن حارث: اتفاقاً
المازري: لم يختلف فيه أصحاب مالك، وخرج فيه شيخنا عبد الحميد، خلافًا من قولها: من صبغ لرجل ثوبًا أسود وقال: به أمرني ربه، وقال ربه إنما أمرتك بصبغه أحمر، القول قول الصباغ، وفي تخريجه نظر؛ لأن الصباغ بدفع الثوب إليه مؤتمن عليه والمتبايعان لا ائتمان أحدهما من الآخر بل كل منهما مدع على صاحبه، قال: ونقل أبو الفرج عن ابن الماجِشُون: إن قال: أسلمت إليك في قمح، وقال الآخر بل في شعير لا يتحالفان؛ لأنهما اتفقا على جنس واحد يقتضي عدم مخالفته ملكًا فيما هما جنسان، وقول عبد الملك بناء منه على ملزومية كونهما جنسًا في الربا كونهما جنسًا في غيره، وذلك غير صحيح؛ لأن علة الربا غير علة التداعي؛ علة الربا تقارب المنافع، وعلة التخالف عدم إقرار أحدهما بما قال الآخر.
ابن زرقون: لا خلاف في المذهب في ذلك إلا ما حكاه ابن حبيب وغيره عن ابن القاسم في الكراء أن القول قول الساكن إن أشبه، والذهب والدراهم نوعان كالقمح والشعير، وكذلك الرواية حكاه ابن سهل في باب ذكر الخلطة من أحكامه.
المازري: نقل محمد عن أشهب إن اختلفا في القدر أو الجنس، وعرف كذب أجدهما وصدق الآخر قبل قوله يدل على رعي الشبهة مع القيام، وهو مقتضي المذهب ببادئ الرأي كالعرف في تداعي الزوجين في متاع البيت والقمط في تداعي الحائط ورده بأن هذا فيما لم يعلم فيه تقدم تعيين مالكه والمبيع متقدم تعيين مالكه، وهو بائعه.
قلتُ: فرعي الشبه في الاختلاف في الجنس مخصص عموم الاتفاق على التحالف فيه.
اللخمي: اختلافهما في الجودة كاختلافهما في الكيل، وإن قال: أسلمت إليك في فرس صفته كيت، وقال الآخر دونها فكاختلافهما في الكيل، فإن قال أحدهما: ذكر وقال الآخر: أنثى تحالفا؛ لأن كل واحد منهما يراد لما لا يراد إليه الآخر، ولو اختلفا بذلك في البغال كان كاختلافهما في الجودة؛ لأن الأنثى لا تراد للنسل وتبعه المازري.
اللخمي: أرى إن قال: المسلم: عشرة أقفزة قمحًا، والمسلم إليه: عشرين شعيرًا، وثمن القدرين واحد، أن لا يحلفا ويشتري بثمن الشعير قمح.
قلتُ: وينبغي أن يلي ذلك المسلم إليه لا المشلم خوف وقوعه في فاسد الاقتضاء أو شبهه، وفي كون اختلافهما بدعوى أحدهما سمراء والآخر محمولة كاختلاف في الجودة أو الجنس نقلا المازري مع الصقلي وبعد الحق عن ابن حبيب وفضل.
وفيها: لو اختلفا في كون ثمن الجارية مائة حنطة أو مائة عدسًا وفاتت، فعلى مشتريها قيمتها بعد تحالفهما، وجعلت القيمة كأنها ثمن؛ لأنه لو باعها أو ماتت أو نقصت ضمنها، فله نماؤها، وعليه نقصها يوم قبضها.
الصقلي عن الشيخ: يريد بيوم قبضها: يوم ابتياعها؛ لأنه بيع صحيح.
وقال ابن شبلون: فيمة ما اختلفا فيه في النوع يوم القبض والصواب الأول.
وقال ابن عبد الرحمن: إنما قال يوم القبض؛ لأنها تفتقر للمواضعة، ولو كانت في أول دمها كان يوم القبض يوم العقد.
المازري: بقول الشيخ: قال ابن عبد الرحمن، وناظره ابن الكاتب في مجلس القابسي في المسألة وهما بناء على اعتبار قوة شبه البيع المتختلف فيه بالبيع الصحصح لصحة تمسك أحدهما به لو رضي أو بالبيع الفاسد لعدم تقرر الملك للمبتاع بنفس العقد.
قلتُ: الأول أظهر من حيث قياسه على رواية على في بيع المرابحة، والثاني أظهر من حيث اعتبار لفظها، والقياس على رواية ابن القاسم في المرابحة، وزاد ابن محرز على نقل المازري أنه لو أصيبت بعد التحالف بين المشتري لضمنها، وينظر هل يضمن جميعها أو قدر ما أصيب منها.
وقال ابن عبدوس: إن قطعت يد العبد قبل قبضه المشتري ضمن يده فقط.
قلتُ: قوله ينظر مشكل بأن كل من ضمن جزءًا غير معين من كل فهو ضامن جميعه ضرورة والضروري لا ينظر فيه إلا أن يريد هل ذهاب ذلك الجزء يوجب إلزامه ما بقي أولا؟ وهذا يشكل بما حكى فيه قول ابن عبدوس فتأمله، وحق المازري أنه كما نقل الواضح من كلامه إن نقل ما سواه وإن اختلفا في قدر الثمن والمبيع بين بائعه تحالفا، المازري وغيره: اتفاقًا، وذكره ابن حارث مقيدًا له بقوله: وادعى كل منهما من القمن ما يشبه، قال: وقلت: هذا القيد لما ذكر عياش بن عيسى عن موسى بن عبد
الرحمن القطان، قال: قال لي محمد بن سَحنون يومًا: ما تقول في اختلاف المتبايعين؟
قلتُ: يتحالفان ويتفاسخان، قال لي بقي عليك.
قلتُ: فما الجواب؟ فألى أن يخبرني فنظرت فيها بعد موته فأصبتها لابن الماجِشون إنهما يتحالفان وتفاسخان إن أشبه قول كل منهما، وإن أشبه قول أحدهما فقط فالقول قوله، فعلمت ما أراد ابن سَحنون بقوله: بقي عليك ولو قبضها المبتاع فطريقان:
الباجي: في حلفهما ولو فاتت أو ما لم يفترقا فيقبل قوله، ثالثها: ما لم تفت بحوالة سوق فأكثر لروايات أشهب وابن وَهْب وابن القاسم راويا ثلاثها قال: ورواية ابن القاسم ولو نقدا الثمن ويجب أن يكون اعتبار قبض الثمن قولًا آخر.
قلتُ: فيكون رابعًا، وقيل: قول محمد: ولم يختلف قول مالك في حلفهما بعد قبض السلعة، وإن لم يفترقا، وذكر ابن حارث رواية ابن وهب بمجرد القبض لا بقيد افتراق وقال عن سحنون رواية ابن وهب: هي قول مالك الأول عليها اجتمع الرواة وأخذ ابن القاسم بقوله الآخر.
ابن عبدوس: بقول ابن وهب أخذ سحنون.
المازري: إن شئت قلت: فيها خمسة: التحالف ما لم بقبضها المشتري فيصدق، والتحالف ما لم يبن بها وهي روايتها في كتاب المكاتب، ورواية ابن القاسم وبها أخذ، ورواية أشهب وبها أخذ وبها أفتى كشيخي، والحلف ما لم ينفرد أحدهما بشبه.
قلت اختيار المازري عبر عنه ابن بشير مرة بقوله: التحالف مطلقًا هو رأي من لقيناه من الأشياخ وأشياخهم ومرة بقوله: بقول أشهب كان يفتي من أدركناه من محققي الأشياخ.
المازري: وقال بعضهم: الحاصل ثلاث روايات فذكر ما تقدم للباجي، وقال: وغيره يشير إلى أنها أربع روايات، وأن ابن وهب روى إذا قبضها المشتري صدق، وذكر ابن بشير خمسة أقوال: أولها: القول قول المشتري بوجود العقد قال: هذا يحكيه بعض المتأخرين عن كتاب ابن حبيب ولم يوجد فيه.
قلتُ: ففي حلفهما مطلقًا وقبول قول المشتري مطلقًا أو بقبضه أو مع افتراقهما، خامسها: بقبضه مع قبض ثمنه، وسادسها: بقبضه مع فوته بحوالة سوق فأكثر،
وسابعها: التحالف ما لم يشبه قول أحدهما فيصدق ولو قبل قبض المبيع، وثامنها: هذا بشرط المبيع لأشهب، ونقل ابن بشير عن بعضهم في الواضحة، وغير الباجي عن رواية ابن وهب، والباجي عن روايته مع المازري عن رواية كتاب المكاتب والباجي عن بعضهم ورواية ابن القاسم وابن حارث عن ابن الماجِشون وعياض في الرواحل عن ابن وهب، وابن حبيب، واللخمي لأحد قولي مالك، واختاره، وعزاه الباجي أيضًا لمُطَرِّف وأصْبَغ، وأشهب، قال: والقولان موجودان في المدوَّنة، وساق مسألة اختلاف ابن القاسم، وغيره في المدوّنة في قوله اكتريت بمائة وقول المكري بمائتين.
ابن زرقون: والتي في أول اختلاف المتكارين من المدوّنة أبين في الاختلاف، ثم ذكر المازري النزاع في قدر الثمن بعد قبضه البائع عند وجوب رده لفسخ البيع بفساده أو يحلف لاختلاف فيه أو لإقالة والقول في الجميع قول البائع لغرمه.
الباجي: لو حال سوق السلعة وهي بيد البائع وقبض الثمن قبل قوله مع يمينه، ولو قبض بعضه لزمه من السلعة بقدر ما قبض فقط بعد حلفه ويحلف المبتاع وإلا لزمته بقية السلعة وغرم تمام الثمن على ما حلف البائع إن لم يكن في الشركة ضرر، فإن كان فيها ضرر كالعبد تحالفا وتفاسخا ولو طال ذلك، قاله محمد عن ابن القاسم، وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: لو اختلفنا في قدر ما ابتاعه منه بدينار طعامًا تحالفا وتفاسخا.
ابن حبيب: وروى مُطَرِّف تحالفا وصدق البائع في قدر ما أقر؛ لأنه باعه، وصدق المبتاع في قدر منابه مما أقر به من الثمن فلو قبض البائع الثمن وهو دينار، ودفع خمسة أرداب واختلفا قبل التفرق فقال المبتاع: إنما ابتعت به ستة أرادب، وقال البائع: بل الخمسة فقط، فسمع يحيى ابن القاسم البائع مصدق مع يمينه لقبضه الدينار.
ابن حبيب: ورواه مُطَرِّف وأنكره يحيى بن عمر كأنه رأى أن يتحالفا ما لم يفترقا ولم يفت، فوجه قول ابن القاسم أن الدينار لما كان لا يتعين كان فوتًا، ولو قبض المبتاع خمسة أرادب ولم يدفع الدينار فروى يحيى بن يحيى تلزمه خمسة أسداس دينار بعد حلفهما.
ابن حبيب: وروى مُطَرِّف القول قول المبتاع.
ابن زرقون: إنما في رواية ابن حبيب أن المبتاع قبض كل ما ادعى من الكيل وعلى ما ساقه أبو الوليد يكون راجعاً لمثل رواية يحيى.
وفي الموازية: لو قال: نقدت أكثر من الثمن كان في الزائد مدعياً.
ابن رشد في سماع يحيى: قول ابن القاسم البائع مصدق مع يمينه لقبضه الدينار خلاف قوله فيها؛ لأنه لم ير النقد المقبوض فيها فوتاً إن اختلفا في المثمون ولا قبض السلعة قوتاً في اختلافهما في الثمن بل هو مثل قوله في الرواحل منها، ورواية ابن وهب في أن قبض السلعة فوت، فالاختلاف في كون قبض الثمن فوتاً إذا اختلفا في المثمون كالاختلاف في كون قبض السلعة فوتاً إذا اختلفا في الثمن من جعل قبضة السلعة فوتاً جعل قبض الدينار فوتاً وهو هذا السماع ومن لم ير قبض السلعة فوتاً حتى تفوت بحوالة سوق لم ير قبض النقد فوتاً إلا أن يغيب عليه البائع، وقيل: إلا أن يطول أمد غيبته عليه أو يحل أجل المثمون المختلف فيه إن كان سلماً وهو قول ابن القاسم فيها، والقياس لا فرق إن غاب عليه بين الطول وعدمه، وقيل لا يكون قبضه فوتاً ولو طال؛ لأن الدنانير والدراهم لا تراد لعينها، والمكيل والموزون المختلف في ثمنه الغيبة عليه على قول ابن القاسم فوت؛ لأنه لا يعرف بعينه وقوله في هذا السماع إن قبض خمسة أرادب، وادعى السادس ولم ينقد الدينار، حلف على دعواه، وحلف البائع ما باعه إلا خمسة بدينار، فإن حلفا قضاه خمسة أسداس الدينار، وفاسخه في السدس خلاف مشهور مذهبه أن القبض ليس بفوت على أصله في هذا السماع إن النقد المقبوض فوت وإنما يصح هذا الجواب على مشهور مذهبه إن القبض ليس بفوت إن كان غاب على الطعام وإلا تحالفا وتفاسخا، ورد الطعام لبائعه.
قلت: ومثله قول المازري في قول محمد: إن قبض مبتاع طعام صاعاً منه، وقال: ابتعته ثلاث آصع بدينار وقبض بائعه نصف دينار، وقال: إنما بعته صاعين بدينارين تحالفا ويعطي البائع بربع دينار نصف صاع إنما هذا على الترجيح بالقبض وكون قبض النقد فوتاً، ومن لم يرد ذلك فالحكم عنده التحالف والتفاسخ، وأطال في تقريره وهو واضح.
اللخمي: تغير سوق السلعة محبوسة على ضمانها بائعها لغو.
قلت: يريد وعلى ضمانها مبتاعها كغيره بعد قبضه إياها، قال: وتغير ذاتها محبوسة على الأول للمبتاع الرد دون حلفه، فإن رضي بالعيب تحالفا، وعلى الثاني إن ناب العيب ربع الثمن ضمنه المبتاع بربع ما أقر به وتحالفا في الباقي، وقاله ابن عبدوس؛ لأن المبيع كالرهن لحبسه فما هلك خرج من الرهن وقبل قوله غارمه، والباقي لا يخرج من ملك راهنه بغير ما يقول، وتقدم الخلاف في رعي الشبه في القيام.
المازري: ويعتبر في فوت السلعة اتفاقاً إن فاتت بيد المشتري، وادعى الأشبه صدق وإن لم يدعه إلا البائع صدق فإن ادعيا معاً ما لا يشبه تحالفا وقضي بغرم القيمة.
وفيها: إن فاتت السلعة بيد مبتاعها بحوالة سوق فأعلى صدق في قدر ثمنها إن أتي بما يشبه.
عياض: انظر لو حال سوقه وهي بيد بائعها ما الحكم؟
قلت: ظاهر قول اللخمي.
وقال أيضاً مالك: إن فات المبيع بعد القبض بحوالة سوق كان القول قوله: إنه دون قبضه بخلاف ذلك.
وقال المازري: في كون فوتها بيد البائع كفوتها بيد المشتري أو ليس كذلك؟ فلا يصدق به المشتري، فيتحالفان، قولا ابن القُصار وإسماعيل القاضي ابن الحاجب: لا يعتبر الشبه وهي قائمة على المشهور.
قلتك تقدم عزو مقابل المشهور.
قال اللخمي: وهذا إذا أتى الآخر بما لا يشبه وهو ممكن، ولو ادعى عشرة فيما ثمنه مائة أو العكس صدق ذو الشبه مع يمينه وقيل: دون يمين، ولما ذكر ابن شاس القولين في مراعاة الشبه قال: وقال أبو الطاهر: ينبغي إن ادعى أحدهما الأشبه وأبعد الآخر إلى ما لا يشبه أن يتفق على قبول قول مدعي الأشبه وإن ادعى الآخر ما هو ممكن أن يتغابن الناس بمثله ألغي الأشبه.
قلت: وغفلا أو أعرضا عن قول ابن محرز لا يعتبر الأشبه، ألا ترى أنه إذا قال أحدهما: المبيع بعشرة، وقال الآخر: بمائة والأشبه عند الناس في ثمنها عشرة؛ لكان الحكم عند أهل المذهب التحالف والتفاسخ بكل حال.
قال ابن الحاجب: وفي الفوت بحوالة الأسواق قولان.
قلت: القول بأنها فوت هو نصها، ومقابله لم يعزه شارحاه ولم أجده نصاً، ولا ظاهراً إلا ما وجدته لابن العربي في عارضته.
قال ما نصه: القول الثالث أنهما يتحالفان ما لم تفت السلعة، فإن فاتت بنقص أو زيادة في وصف أو أصل وطول زمان في العقار.
قال ابن القاسم عن مالك: فالقول قول المشتري.
قلت: فظاهر قوله بنقص أو زيادة أن مجرد حوالة الأسواق ليس فوتاً.
وفي كون المبدأ باليمين البائع أو المبتاع، ثالثها: يخير الحاكم، ورابعها: يقرع بينهما للمازري عنها وعن العتبية مع قولها في تضمين الصناع: إذا تجاهل الورثة الثمن يبدأ ورثة المبتاع، وعن بعض أشياخه وغيره منهم وهو قول اللخمي.
قلت: ما في العتبية هو سماع يحيى ابن القاسم فيمن اشترى طعاماً بدينار قبضه منه بائعه وقبض هو خمسة آصع، وقال قبل افتراقهما: إنما اشتريت بالدينار ستة آصع، وبقي لي صاع، وقال البائع إنما بعتك خمسة آصع بدينار وقد وصلت إليك، فالقول قول البائع مع يمينه لقبضه الدينار فإن لم يقبض واحد منهما شيئاً تحالفاً.
قلت: فأيهما يبدأ باليمين؟ قال: يحلف المشتري ما اشترى منه إلا ستة آصع بدينار، ثم يحلف البائع ما باعه إلا خمسة آصع بدينار ويخير المشتري في أخذ الخمسة بدينار.
ابن رشد: إن لم يقبض واحد منهما شيئاً تحالفا وتفاسخا اتفاقاً، والاختيار تبدئه المشتري على هذا السماع؛ لأنه بائع للدينار، يقول: لم أبع ديناري إلا بستة، ولو اختلفا في ثمن الخمسة الآصع؟ فقال البائع: بعتها بدينار، وقال المشتري: اشتريتها بخمسة أسداس دينار لكان الاختيار تبدئة البائع. كما لو اختلفا في ثمن السلعة قال البائع: بعتها بستة أرادب أو دينار، وقال المبتاع: بل ابتعتها بخمسة أرادب أو دنانير الاختيار تبدئة البائع وأيهما بدئ في هذه المسألة فذلك جائز؛ لأن كل منهما مدع ومدعى عليه بأيهما بدئ جاز، وكان مضى لنا عند من أدركنا من الشيوخ في هذه المسألة أن تبدئة المشتري فيها باليمين خلاف الاختيار، والصحيح ما قلناه.
ولما ذكر ابن عبد السلام قولها في تضمين الصناع إذا تجاهل ورثة المتبايعين الثمن
حلف ورثة المبتاع ما يعلمون الثمن ثم ورثة البائع قال: إن قلت: لم خالف بين المتبايعين وورثتهما في التبدئة.
قلت: لم يخالف بينهما وإنما بدأ ورثة المشتري في تجاهل الثمن؛ لأنه عند أهل المذهب فوت وكذا لو تجاهله المتبايعان.
قلت: هذا خلاف ما تقدم للمازري إن قولها في تضمين الصناع مثل ما في العتبية، وقول المازري بعيد لتصريح مالك في تضمين الصناع بتبدئة البائع، وذكره إثره تبدئة ورثة المشتري يدل على عدم مناقضتها إياه؛ بل تبدئتهم لمعنى اختص بصورتهم وتقريره.
ابن عبد السلام: بأن مجهلة الثمن فوت يرد بأنه لو كان فوتاً لما ردت فيه السلعة وقد قال فيها: إن حلف ورثة المبتاع حلف ورثة البائع وردت السلعة، وقال: هذا بعد أن قال: إن فاتت السلعة بحوالة سوق فأعلى صدق المبتاع مع يمينه، وإنما المعنى الذي لأجله بدئ ورثة المشتري في التجاهل؛ لأنهم هم المدعى عليهم في الثمن باعتبار طلبهم بدفعه، وباعتبار دعوى علمهم به؛ لأن الأصل في دعوى العلم، وعدمه حيث التساوي عدم العلم حسبما قرره الأشياخ مستدلين بقوله تعالى:{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل:78]، وورثة البائع، وإن ساووهم في أصالة عدم العلم لم يساووهم في كونهم مدعى عليهم أن يدفعوا الثمن، وهذا لأن تجاهل الثمن يتفرع عن أمر محتمل راجح الوقوع، وهو ثبوت بيع متفق عليه بين عاقديه وهما المتبايعان؛ لأن الأصل عدم الاختلاف وتقرر بيع متفق عليه يوجب توجه الطلب بثمنه على مبتاعه أو وارثه فثبت اختصاص وارثه كونه مدعى عليه واختلاف المتبايعين أنفسهما غير ملزوم لتقرر بيع متفق عليه فلا موجب لتعين كون المبتاع مدعى عليه.
ابن شاس: على المشهور في تبدئة البائع في كونه واجباً أو أولى، خلاف من قال أنها من باب الأولى، قال: إن تناكلا فالفسخ كما إذا حلفا، وبه قال ابن القاسم، ومن قال: إنها واجبة أمضى العقد بما قال البائع، وبه قال ابن حبيب.
اللخمي: إن نكلا في اختلافهما في كون المسلم فيه قمحاً أو شعيراً رد رأس المال، وروى ابن حبيب القول قول البائع كمطلوب رد اليمين فنكل الطالب، وهذا يصح
على قول أبي الفرج القائل يبدأ البائع باليمين ويسلم الشعير، وعلى القول إنما يبدأ باليمين ليسقط دعوى المسلم في القمح، ويحلف الآخر لئلا يؤخذ بقبض الشعير إن نكلا فكل واحد على ما بدأ به وحلف.
قلت: نقله عن أبي الفرج يبدأ البائع باليمين ويسلم الشعير مشكل؛ لأنه يقتضي قبول قوله على خصمه، ونصوص المذهب خلافه، ولو سلم فلا يتصور حينئذ تحالف فلا تناكل، والفرض ثبوته فتأمله وتقرير بسطه أن الذي نقله غير واحد من رواية ابن حبيب؛ إنما هي في نكولهما في التحالف الذي حلف أحدهما فيه لا يثبت دعواه إنما يوجب حلف خصمه لا في نكولهما في الحلف الذي حلف أحدهما فيه يثبت دعواه فإن أراد بالإجراء على قول أبي الفرج التحالف الأول وهو مقتضى قوله بعد هذا حيث تكلم على هذا النوع من التحالف ما نصه تقدم الخلاف، إذا نكلا هل يفسخ أو يكون القول قول من بدأ لزم ما قلناه من أنه يقتضي قبول قول البائع على خصمه ونصوص المذهب خلافه؛ وإن أراد به التحالف الثاني فهذا لا تنفرد به رواية ابن حبيب، ولا تختص بالإجراء على قول أبي الفرج لموافقتها حينئذ أصل المذهب وفروعه فبان أن قوله مشكل ولذا والله أعلم لم ينقله المازري، ولم يتعرض المازري لنقل هذا من كلام اللخمي، ثم قال اللخمي بعد قوله هذا: تقدم الخلاف إن نكلا هل يفسخ أو يكون القول قول البائع؟ والأول أحسن؛ لأن كل يمين بدأ بها حالف فنكل عنها ثم ردت فنكل عنها من ردت عليه فإن الحكم يعود لما يجب إن لو حلف المبدأ، والحكم لو حلف البائع بقاء سلته بيده لا ثبوت دعواه على المبتاع، ولو كانت تبدئته ليستحق دعواه لم يحلف المشتري بعد يمينه.
المازري: وما حكيناه من رواية ابن حبيب قبول قول البائع، قيل: مراده قبول قوله فيما ادعاه من الثمن دون حلف أو لا يأخذه إلا بعد حلفه الذي يشير إليه أشياخنا أجمعون أنه دون يمين، وقال الباجي: لابد من يمينه جنوحاً منه إلى ما رددنا به ما حكاه ابن حبيب.
قلت: هو ما رجح بن اللخمي القول بالفسخ وبه وجه ابن رشد قول الباجي معبراً عنه ببعض أهل العلم.
قلت: وأطال المازري وذكر ما حاصله أن قول الباجي بناء على أن حلف كل منهما إنما يكون على نفي دعوى خصمه فقط أو على أنه إن زاد فيها صحة دعواه لم يحكم لتلك الزيادة بحكم ما زيدت عليه في إلزام مقتضى حكمها خصمه بناء على اعتبار عدم وجوبها على الحالف، وكونه متطوعاً بها قال: وأقوال أهل المذهب تقتضي أن حكم الزيادة حكم ما زيدت عليه حرصاً على تقليل الأيمان.
قلت: وهو ظاهر ألفاظ المدونة في صفة أيمانهما.
وفيها: اختلاف اللخمي: اختلف هل يحلف كل منهما على إثبات دعواه أو على تكذيب دعوى صاحبه؟ وأرى أن كلاً منهما مخير في ذلك إن حلف البائع أنه لم يبع إلا بمائة استحقها بنكول المشتري دون حلفه ثانية، وإن حلف أنه لم يبع بخمسين فإن نكل المشتري حلف يميناً أخرى أنه ما باع بمائة واستحقها، وكذا المشتري.
وفرق المازري بين قبول حلفه على الزيادة رجاء نكول خصمه قبل وجوبها وبين عدم قبول حلف مدع على دعواه قبل نكول المدعى عليه، بأن البائع استوجب الحلف من حيث كونه مدعى عليه، فانسحب حكم اعتداده بحلفه على الزيادة فاعتد بها حرصاً على تقليل الحلف والمدعي لم يجب له شيء فينسحب.
قلت: وهذا المعنى ساقط في الزيادة في حلف الثاني بعد حلف الأول واجب بذاته فيها بعد نكول الأول حسبما قاله ابن رشد في المقدمات في كتاب الأكرية.
قال المازري: ما ذكره اللخمي من الحلف هل يحلف على النفي أو عليه مع الإثبات لا أحفظ نص أحدِ من أصحابنا عليه، وعند الشافعية فيه خلاف.
قال: وحلفه على الزيادة للوجه الذي قررناه وهو كقول أهل المذهب في حلف المرتهن على كل ما ادعاه من مَنْ قدر دينه الذي الرهن به رهن، وإن كانت قيمة الرهن أقل مما ادعاه المرتهن، وأكثر مما أقر به الراهن لرجاء نكول الراهن عن الحلف على نفي الزائد على قيمة الرهن.
قلت: فيلزم مثله فيمن ادعى على رجل قدراً من الدين أقام شاهداً ببعضه واقتصار ابن رشد في المقدمات في صفة حلف البائع على أنه مخير في حلفه على الزيادة قال بخلاف حلف المبتاع بعد البيع ويعضد قول المازري فيما نقله اللخمي لا أحفظه.
قلت: والإنصاف أن القول الذي قال: لا أحفظه هو نصها في كتاب الخيار، منها ما نصه قيل للبائع إما أن تصدق المشتري وإلا فاحلف لي ما بعت سلعتك إلا بما قلت، فإن حلف قيل للمبتاع: إما أن تأخذها بما قال البائع، وإلا فاحلف ما اشتريت إلا بما قلت، وتبرأ ومثله في تضمين الصناع، وعلى لفظ المدونة بنى ابن فتحون والمتيطي حلفهما قالا ما نصه: يتحالفان، يحلف البائع أولاً ثم يخير المبتاع في أن يأخذ السلعة بما حلف عليها البائع أو يحلف على ما قال فيفسخ البيع وقولها بخير المبتاع في أن يأخذ السلعة بما حلف عليه البائع نص في أنه يحلف على الجزأين، وكذا في قولهما في المبتاع يحلف على ما قال وعدم ذكر المازري وابن مرشد ما ذكرناه على المدونة غريب ولاسيما ابن رشد مع كثرة ذكره مسائلها.
فإن قلت: علة عدم ذكرهما ما فيها لوضوح ضعفه بما قرراه من أن يمين المدعى عليه إنما تطلب منه على نفي الدعوى فقط ووضوح ذلك يوجب حملها على غير ظاهرها وتفسيرها بما قررناه.
قلت: هذا يرد بما نقلناه عن المتيطي وغيره من حملها على ظاهرها ووجهه أن تقول: الحلف على الجزأين العدمي، وهو الراجع لنفي الدعوى والوجودي الراجع لإثبات دعواه مطلوب حسبما دل عليه ظاهرها، وتقريره أن الحلف عليهما معاً موجب لدرء مفسدة محتملة الثبوت وكل موجب لدرء مفسدة محتملة الثبوت مطلوب فالحلف على الجزأين مطلوب بيان الأولى أن الحلف على الجزء العدمي فقط حلف على كذب محتمل، وكل حلف على كذب محتمل هو ذو مفسدة محتملة الثبوت، فالحلف على الجزء العدمي فقط ذو مفسدة محتملة الثبوت بيان الأولى أن الحلف على الجزء العدمي فقط أخص من الحلف على نفي مطلق البيع ونفي الأخص، وإن لم يستلزم نفي الأعم فنفيه معه محتمل، فحلفه على بيع البيع الأخص فقط محتمل لحلفه على نفي مطلق البيع ونفي مطلق البيع كذبن فالحلف على الجزء العدمي فقط حلف على كذب محتمل لحلفه على نفي مطلق البيع، ونفي مطلق البيع وصدق كبرى هذه وهي قولنان وكل حلف على كذب محتمل هو ذو مفسدة محتملة، واضح فصدق أن الحلف على الجزء العدمي فقط درء مفسدة محتملة ثم يقول بيان صدق صغرى القياس الأول وهي قولنا: الحلف على
الجزأين يوجب درء مفسدة محتملة الثبوت أنه إذا حلف ما باع إلا بكذا انتفى احتمال حلفه على نفي مطلق البيع الموجب لاحتمال الكذب قطعاً فكان درءاً للمفسدة المذكورة وبيان صدق كبراها، وهي قولنا: وكل موجب لدرء مفسدة محتملة الثبوت مطلوب واضح، فزم حينئذ صدق الدعوى وهي قولنا: الحلف على الجزأين مطلوب وبه يتضح وجه الحلف على الزيادة المذكورة في حلف المبتاع بعد حلف البائع على ظاهر المدونة، وقول المتيطي وابن فتحون خلاف قول ابن رشد وقول ابن الحاجب ويحلف على نفي دعوى خصمه وقيل مع تحقيق دعواه، ونحوه لابن شاس إتباع لنقل اللخمي إلا أن فيه نقل قول المدونة مهملاً مؤخراً.
في تقرير الفسخ بحلفهما طريقان: ابن رشد: في كونه بتمام حلفهما أو لا؟ ثالثها: إن كان بحكم وإلا لم يقع بتراضيهما بعد حلفهما، ورابعها: إن كان بحكم لم يقع إلا بحكم، وإن كان دون حكم وقع بتمام حلفهما عكس الثالث لسحنون مع ظاهر شفعتها وابن القاسم في ثاني سلمها.
قلت: لم يعز الباقين إلا لمتأخري أصحابه، وعزا عبد الحق الأخير لبعض القرويين قال: وخالفه غيره، وظاهر تفسير ابن رشد الثالث أن المقابل للفسخ بتمام حلفهما قصر كونه بتراضيهما لقوله: إلا بتراضيهما، وظاهر تفسيره الرابع قصر كونه بحكم لظاهر قوله فيه عكس الثالث، وحمل القصرين على ظاهرهما تناقض ألا أن يريد بقوله: عكس الثالث في اعتبار الحكم، ولغوه مطلقاً، وبكون المقابل للفسخ بتمام الحلف في الثالث التراضي، وفي الرابع الحكم، وفي هذه المسألة نظر نقلاً وتوجيهاً، والآخر أن يريد بمقابل الفسخ بتمام التحالف أحد الأمرين التراضي أو الحكم.
المازري: في وقوعه بتمام حلفهما أو بالحكم قول سحنون وابن القاسم، وثالثها: نقل بعض أشياخي وقوعه بتراضيهما.
قلت: عزاه اللخمي لابن عبد الحكم قال: وهو أحسن، فعلى جعل المازري التراضي مغايراً للقول بالحكم، الأقوال الخمسة:
ابن رشد: على عدم الفسخ بتمام التحالف.
اختلاف فيها للمبتاع الأخذ بما قال البائع فظاهره ليس للبائع أن يلزم المبتاع البيع بما قال.
ولابن عبد الحكم: للبائع أن يلزم المبتاع البيع بما قال، فظاهره ليس للمبتاع أن يلزم البائع البيع بما قال.
وقيل: هما سواء تكلم كل منهما بمنطوق مفهومه مسكوت عنه غير محكوم فيه بالنقيض.
هذا قول ابن زرقون وإنما يصح إن كان اختلافهما في القلة والكثرة أو في غاية المسافة في الكراء وإن كان في الأنواع أو في جملة المسافة فلا يصح أن يحمل إلا على أنه اختلاف من القول.
قلت: فيما ذكره من عدم الصحة نظر؛ لأن لزوم إلزام أحدهما البيع بما قال في القلة والكثرة إنما هو بأخذه بعين دعواه لا بتفضل الملزم عليه بالزائدة على دعوى الملزم وإلا افتقر لقبول الملزم، وإذا كان إلزامه ذلك لأخذه بدعواه فلا فرق بين كونها في قلة أو كثرة ولا بين كونها في وقوع آخر، ولا سينما على القول بأن الفسخ إنما هو في الظاهر فقط حسبما يأتي فتأمله، وإن كان من لقيناه من الشيوخ يتلقى كلامه عند نقلنا إياه بالقبول.
المازري: في كون الفسخ ثابتاً في الباطن كالظاهر خلاف، ولبعض الشافعية، ثالثها: إن كان البائع مظلوماً؛ لأنه وهو ظالم غاصب المبيع، وفائدة الحلية صحة تصرف البائع بالوطء والعتق وغيره وعلى كونه في الظاهر فقط لا تصرف له فيه، وحقه في عوضه على مشتريه والمبيع له لا يمكن من أخذه في دينه بل يباع فيه إن قصر ثمنه عنه، فما بقي في ذمة مشتريه وإن فضله رد فضله عليه، وبين أصحاب الشافعي خلاف هل يبيعه لنفسه لتعذر الرفع للحاكم أو يبيعه الحاكم؟ والأشبه بظاهر مذهبنا الرفع للحاكم.
قال ابن عبد السلام: الذي أفهمه من قواعد مذهبنا أنه لا يلزمه ذلك بل له أن يبيع بنفسه.
قلت: الأظهر ما قال المازري، وقول ابن عبد السلام يرد بنصها مع غيرها يمنع
المرتهن من بيع الرهن بعد حلول أجل دينه وأنه يجب رفعه للإمام ليأمر ببيعه.
المازري: قول بعض متأخري أصحابنا كل ما يؤدي للاختلاف في الثمن كالاختلاف فيه كاختلافهما في رهن أو حميل صحيح.
ابن عبد السلام: وقع في المذهب ما يدل على أن الرهن لا حصة له من الثمن وهذا يعترض به في تشبيه هذه المسألة باختلاف المتبايعين في قلة الثمن وكثرته.
فيها: من أمرته أن يسلم لك في طعام ففعل وأخذ رهناً أو حميلاً بغير أمرك جاز؛ لأنه زيادة في التوثق وإليك التفطن في الوجه الذي يعترض به على التشبيه.
قلت: وجه التفطن أن مسألة الكتاب تدل على أن الرهن لا حظ له من الثمن ولو كان الاختلاف فيه كالاختلاف في قلة الثمن وكثرته لكان له حظ من الثمن وهو خلاف ما بينا أنه مقتضى قولها، ويرد بأن مقتضى تشبيه اختلافهما في الرهن باختلافهما في قلة الثمن وكثرته، أن الرهن المدعى شرطه في العقد له حظ من الثمن لا مطلق الرهن ولو لم يشترط في العقد. ومسألة الوكيل إنما هي في رهن لم يشترط في العقد بين الوكيل والموكل لذا لو شرطه عليه في عقد التوكيل كان بتركه متعدياً.
فإن قلت: قد وقع بين الوكيل والمسلم إليه بشرط فلو كان له حظ من الثمن لكان متعدياً؛ لأنه يكون قد ترك بعض ثمن المبيع وهو رأس مال السلم لمكان الرهن.
قلت: الثمن في بيع الوكيل الذي يكون بترك بعضه متعدياً إنما هو ما يبلغ القيمة والزائد عليها لا يكون بعدم تحصيله متعدياً اتفاقاً، ومعنى مسألة الكتاب أن الوكيل أعطى في المسلم فيه ثمن مثله فأقل لا أنه أعطى أكثر من ذلك؛ ولذا قال في المدونة: لأنه زيادة توثق، وسمع أصبغ ابن القاسم: من قال اشتريت من فلان أنا وفلان هذه السلعة بكذا، وقال البائع: إنما بعتكها وحدك لم يلزمه إلا نصفها بنصف الثمن، ولو قال: اشتريتها كلها، وقال البائع: إنما بعتك أنت وفلان فإن ادعى ذلك فلان أخذه إلا أن يكون للآخر بينة وقال أصبغ، قال ابن القاسم: فإن لم يدع ذلك فهي لمن ادعاها ولا حجة للبائع؛ لأنه أقر ببيعها كلها، أصبغ: ليس هذا بشيء إنما له نصفها إلا أن يسلمها له البائع، وهذا إغراق عن الصواب.
ابن رشد: قوله: لم يلزمه إلا نصفهما يريد ويحلف أنه ما ابتاع إلا نصفها إن حلف
كان شاهداً لفلان بشراء النصف الآخر، وإن نكل عن اليمين فحلف البائع وألزمه كل السلعة لزمه دفع نصفها لمن أقر أنه اشترى معه إن أراد أخذه وإن لم يرد أخذه وأراد هو أن يلزمه إياه لزمته اليمين أنه ما اشتراه معه فإن حلف انفرد الأول بالسلعة، وإن نكل حلف الأول وكانت السلعة بينهما. وقوله في الثانية: فإن لم يدع ذلك فهي لمن ادعاها هو استحسان والقياس قول أصبغ؛ لأن البائع إنما أخذ بالبيع لغيره، واستحسان ابن القاسم في هذه المسألة كاستحسان أشهب في كتاب الخيار، ويلزم في المسألة الأولى على استحسان ابن القاسم في الثانية إذا قال: اشتريت أنا وفلان، وقال البائع: إنما بعتك وحدك، أن يكون لفلان أخذ نصف السلعة فتكون بينهما ولا يكون للبائع حجة؛ لأنه أقر ببيعها كلها بالثمن من هذا، وسمع أبو زيد ابن القاسم من اشترى نصف شقة ولم يسم أولاً، ولا آخراً، ولم يسم البائع حتى قطع الثوب، وقال: لا أعطيك إلا الأخير، وقال المشتري: لا آخذ إلا الأول حلف البائع ما باع إلا على الأخير وفسخ البيع ورد الثوب مقطوعاً إلا أن تكون سنة التجار إذا قطعوا إنما يبيعون الأول فيحملان على ذلك.
ابن رشد: يريد إذا حلف البائع حلف المشتري ما اشترى إلا على الأول.
قلت: انظر قوله: ما اشترى إلا على الأول فجعله يحلف على مجموع نفي دعوى خصمه وإثبات دعواه.
وقد قال في المقدمات: إذا حلف البائع أولاً إنما يحلف المشتري بعده على نفي دعوى البائع فقط إذ لا فائدة في حلفه على إثبات دعواه بعد حلف البائع قال: وأيمانهما في هذه المسألة على البتات يحلف البائع أنه أراد الآخر والمشتري أنه أراد الآخر؛ لأنهما اتفقا على أن البيع وقع منهما دون تسمية أول ولا آخر ولو ادعيا التسمية حلف كل منهما على ما سمى لا فرق بين دعواهما التسمية اتفاقهما على الإبهام، إن ادعى كل منهما أنه أراد غير ما أراد صاحبه إلا في صفة الأيمان، ولو اتفقا على الإبهام ولا نية لواحد منها كانا شريكين يقسم الثوب على القيمة ثم يستهمان عليه.
وقال ابن دحون: هذه مسألة حائلة لا يجوز إن أبهما ولم يسميا؛ لأنه بيع مجهول، كمن باع فداناً من أرضه ولم يحوزه، وإن ادعى أحدهما أنه سمى جاز، وحلف على ما
ادعى، فإن ادعيا معاً فالقول قول البائع مع يمينه، وإن لم يقطع الشقة وقد أبهما كانا شريكين كمن اشترى نصف أرض ولم يذكر الناحية، وليس قوله بصحيح؛ لأنهما إذا أبهما فليس ببيع مجهول كما قال: إذ لم ينعقد البيع بينهما على جهل؛ لأن كل منهما ظن أن صاحبه أراد النصف الذي أراده ولم يقع شراء المشتري على أن يأخذ أحد النصفين من غير أن يعلم أيهما هو ولا بيع البائع على ذلك، ولو وقع ذلك كان غرراً مثاله: أن يقول: أشتري أحد الصنفين الأول أو الآخر أيهما وقع السهم عليه أو أيهما شئت أن تعطيني.
قلت: قوله: أو أيهما
…
الخ ظاهره إنه فاسد اتفاقاً، وفيه نظر؛ بل هو بمنزلة بيع ثوب من ثوبين على أن الخيار للبائع، وتقدم ما فيها من الخلاف، وذكرها في كتاب النكاح منها قال: وقوله إن ادعى أحدهما أنه سمى جاز، وحلف على ذلك مطرد على ما ذهب إليه من فساد البيع إذا أبهما؛ لأن من سمى منهما يكون مدعياً للصحة، ومن لم يسم مدع للفساد، وقوله: إن ادعيا معاً فالقول قول البائع لا يصح إذ الواجب أن يحلف كل منهما لصاحبه فلا يكون بينهما بيع؛ لأن البائع مدع على المبتاع أنه باع منه النصف الأول، والمبتاع مدع على البائع أنه به منه النصف الأول منكر أن يكون اشترى منه النصف الآخر فإن حلفا أو نكلا انفسخ بيعهما وإن نكل أحدهما فالقول قول الحالف.
وفي نوازل سحنون: من سام سلعة وأراد الانقلاب بها فقال: أخذتها بعشرة، وقال البائع: تأخذها بأحد عشر، فقال المشتري: لا أزيدك على عشرة فذهب بها، ثم فاتت ففيها القيمة ما لم تزد على أحد عشر وما لم تنقص عن عشرة فلا يزاد ولا ينقص لرضى البائع بأحد عشر ورضى المبتاع بعشرة.
ابن رشد: هذه جيدة خفية المعنى ناقصة الوجوه أبين خفيها وأتمم وجوهها: إنما رجع للقيمة في فوتها لافتراقهما فيما دون اتفاق على ثمن ولزوم القيمة على الوجه المذكور سواء فاتت السلعة بيد المبتاع أو أفاتها هو إذ لم يقل له البائع: لا أنقصك من أحد عشر إنما عرض عليه أن يأخذها بذلك إلا أن يفيتها بحضرة البائع وهو ساكت مثل أن تكون طعاماً فيأكله أو شاة فيذبحها أو ثوباً فيقطعه أو كراء دار فيسكنها، فلا يلزمه أحد عشر فيها لسكوته على تفويته إياها، وقد سمع قوله: لا أزيدك شيئاً على
عشرة، ولو قال له لا أنقصك من أحد عشر فأخذها المبتاع، وقال: لا أزيدك على عشرة ثم انقلب بها فأفاتها لزمته الأحد عشر إذا فاتها أو سمع قول البائع لا أنقصك من أحد عشر فأخذها المبتاع وقال: لا أزيدك، ولو أفاتها المبتاع بحضرة البائع وهو ساكت للزمه الآخر من قولهما الذي افترقا عليه إن كان الآخر قول البائع لا أنقصك من أحد عشر المبتاع بتفويتهن وإن كان قول المبتاع: لا أزيدك على عشرة لزم البائع أخذ العشرة بسكوته، وهذا كله يبينه ما في سماع عيسى من كتاب كراء الدور، وما رواه ابن أبي جعفر عن ابن القاسم في الدمياطية، وفي نوازل سحنون روى ابن وهب: إن اختلفا في نقد الثمن وتأجيله، فإن بان المشتري بالسلعة حلف، وقبل قوله: وإن لم يقبض السلعة فالقول قول البائع، والمبتاع بالخيار يحلف المبتاع ما بعتها إلا بالنقد والمشتري ما اشتريتها بالنقد ويبرآن.
قال سحنون: خذ مني هذا الأصل، فإنه اختلف فيه قول مالك اختلافاً شديداً.
ابن رشد في اختلافهما في أجل الثمن إن اتفقا على عدده ثمانية أقوال:
الأول: رواية ابن وهب هذه يتحالفان ويتفاسخان ما كانت السلعة عند البائع فإن قبضها المبتاع فالقول قوله أقر البائع بأجل أم لا؟ واختاره سحنون.
الثاني: مثل هذا ما لم يقر البائع بأجل وإلا فالقول ولو قبضها المبتاع.
والثالث: يتحالفان يتفاسخان، ولو قبض المبتاع السلعة ما لم تفت فإن فاتت قبل قول البائع إن لم يقر بأجل، والقول قول المبتاع عن تقارا على الأجل واختلفا فيه وهو مشهور قولي ابن القاسم.
والرابع: قول ابن عبد الحكم وأصبغ، وابن الماجشون: يتحالفان ويتفاسخان ولو قبضت السلعة ما لم تفت فإن فاتت فالقول قول المشتري، وإن لم يقر البائع بأجل.
والخامس: القول قول المشتري إن ادعى من الأجل ما يشبه فاتت السلعة أو لا، روي عن ابن القاسم.
والسادس: إن لم يقر البائع بأجل قبل قوله ما لم يدفع فإن دفعها فالقول قول المبتاع.
والسابع: إن لم يقر البائع بأجل فالقول قوله وإن دفع السلعة ما لم تفت وإن فاتت
فالقول قول المشتري روي عن ابن القاسم وهو قول العراقيين.
والثامن: القول قول البائع إن لم يقر بأجل فاتت السلعة أم لا؟ وإن أقر فالقول قول المشتري فاتت السلعة أم لا؟ وهي رواية مُطَرِّف.
المازري: إن اتفقا على مدة الأجل واختلفا في انقضائه فالقول قول منكره؛ لأنه اختلاف في زمن العقد، وإن اختلفا في قدره مع اتفاقهما على ثبوته في العقد جرت فيه أقوال: اختلافهما في قدر الثمن.
عياض في تضمين الصناع: قوله في آخرها بلغني عن مالك اختلافهما في الأجل في فوت السلعة كاختلافهما في الثمن صحت لأحمد وابن باز لا ليحيى.
المازري: وإن ادعى البائع عقده على الحلول، وقال المشتري: إلى شهر ففي تضمير الصناع منها: إن لم تفت السلعة تحالفا وإن فاتت صدق البائع، وفي رواية غير يحيى يصدق المشتري في الفوت، وفي الوكالات والرهن منها يصدق المشتري في الفوت إن ادعى أمراً قريباً لا يتهم فيه وكذا قال ابن القاسم في الرهن يقبل قول البائع. وتقدم الخلاف في رعي الأشبه في القيام.
قلت: ونحوه قول اللخمي إنما الخلاف إن فاتت السلعة وإلا تحالفا وتفاسخا إذ لا يراعى الشبه في القيام على المشهور.
ابن شاس: إن اختلفا في تأجيله فالأصل أنه كاختلافهما في قدره إلا أنه إن ثبت في مبيع عرف رجع إليه فيه؛ ولذا قال بعض المتأخرين اختلاف الأصحاب في ذلك هو على شهادة بعادة، وقيل: القول قول البائع، وهذا على أن العادة التعجيل، وقيل: هذا في دعوى بعيد الأجل، وفي القريب يتحالفان كالاختلاف في قدر الثمن.
قلت: هذا اختصار كلام ابن بشير.
قال: وفي قول: يتحالفان ما لم تفت وهذا هو الأصل، فإن أقر البائع بالأجل وادعى قربه وادعى المشتري بعده جرى على الاختلاف في الثمن إلا على رأي من يرى أنه مقر مدع فيكون القول قول المشتري، وفي المذهب فيه قولان.
وفيها في كتاب الوكالات: إن ادعى البائع نقده والمبتاع تأجيله صدق إن ادعى أجلاً يقرب لا يتهم فيه، وإلا صدق البائع إلا أن يكون لما تباع إليه السلعة أمر معروف
فالقول قول مدعيه. وفي تضمين الصناع: إن ادعى البائع حلوله أو إلى شهر وقال المبتاع: إلى شهرين، فإن لم تفت حلفا وردت، وإن فاتت بيد المبتاع بحوالة سوق فأعلى صدق البائع في حلوله لا في قصر أجله.
وفي الرهون: قال مالك: إن فاتت وادعى البائع حلوله والمبتاع أجلاً قريباً صدق، وإن ادعى بعيداً لم يصدق.
ابن القاسم: لا يصدق في الأجل ويعجل ما أقر به إلا أن يقر بأكثر من دعوى البائع فلا يأخذ إلا ما ادعى.
وفي ثاني سلمها: إن ادعى المبتاع أجلاً، والبائع أجلاً دونه صدق المبتاع إلا أن يأتي بما لا يشبه فيصدق البائع.
وفيها: إن اختلفا في دفع الثمن في الربع والحيوان والعروض وقد باع المبتاع بالمبيع صدق البائع بيمينه، إلا فيما يباع على النقد كالصرف، وما بيع في الأسواق من اللحم والفاكهة، والخضر والحنطة والزبيب ونحوه وانقلب به المبتاع، صدق بيمينه، وسمع القرينان: من أكتال رطباً ابتاعه فطلبه بائعه بثمنه فقال: دفعته لك صدق البائع بيمينه؛ لأنه لم يفارقه، وكذا من ابتاع طعاماً فاكتاله في وعائه ولم يتزايلا فالقول قول بائعه بيمينه.
ابن رشد: لم يبين متى ادعى مبتاع الرطب دفع ثمنه فإن ادعى بعد قبضه الرطب فالقول قول بائعه اتفاقاً، ولو ادعى دفعه قبله ففي قبول قوله أو بائعه، ثالثها: فيما الشأن قبض ثمنه قبل قبض مثمونه لرواية ابن القاسم في كتاب الميديان، وظاهر هذا السماع ومحمد عن ابن القاسم وهذا فيما يتبايع بالنقد شبه الصرف كيسير الحنطة والزيت والسوط، والشراك، والنعل، وأما كثير الطعام والبر، والعروض، والرقيق والدور، فالقول قول البائع إلى ما يجوز التبايع إلا مثله عند ابن القاسم وليحيى عنه في العشرة، أن القول قول المبتاع في ثمن الطعام ولو كثر إن بان به عن بائعه، وقال يحيى وأصبغ وغيره: كثير الطعام كالبز والعروض.
ولابن حبيب: أما الرقيق والدواب الرباع وشبه ذلك مما لا أصل فيه ألا يبيعه على الدين ولا على التقاضي فالقول فيه قول البائع أنه لم يقبض ولو تفرقا ما لم تمض له السنة
والسنتان فيقبل قول المبتاع، وأما البز والتجارات وما يباع على التقاضي والآجال فالقول قول البائع، ولو تفرقا ما لم تمض؛ لذلك مثل العشرة أعوام ونحوها فيقبل قول المشتري.
ابن محرز: إن اختلفا في ثمن ما يباع على النقد بعد قبضه قبل الانقلاب به فقد اختلف فيه، فروى أشهب القول قول البائع، وروى ابن القاسم: قول المبتاع.
قال ابن القاسم: هذا إن كانت العادة أخذ ثمنه قبل قبضه أو معه معاً.
ابن محرز: فقد نبه ابن القاسم على المعنى المعتمد عليه وهو العادة من ادعاها قبل قوله بيمينه في كل مبيع.
قلت: مقتضى تعليل ابن القاسم روايته أنها وفاق لرواية أشهب خلاف قول ابن محرز اختلف فيه، وإطلاق قوله خلاف قول ابن رشد: إن ادعى دفعه بعد قبضه الرطب قبل قول بائعه اتفاقاً وما عزاه لابن القاسم في العشرة.
قال الصقلي: رواه عنه ابن أبي زَمَنَيْن وأنكره يحيى بن عمر، وقال: هو كالسلع وما عزاه لابن حبيب عزاه الصقلي له عن قول الأخوين وروايتهما قال وسوى ابن القاسم بين البز وغيره إلا الزيت والحنطة ونحوه فجعل القول قول البائع ولو بعد عشر سنين ما لم يجاوز حد ما يجوز البيع إليه ولما ذكر اللخمي قول مالك في الحيوان والثياب قال يريد ما لم يقم دليل أن المشتري لم يسلم له المبيع إلا بعد دفع الثمن ككونه بدوياً أو غريباً لا يعرف أو فقيراً أو من لا يؤمن إليه، وهذا يعرف عند النزول.
ابن عبد السلام: ينبغي إن جرت عادة بمثل ما يباع من البقل واللحم في غيرهما من المبيعات كالثياب أن يحكم بها فيها ولا تبعد شهادة الروايات بذلك لمن تتبعها.
قلتك هو ظاهر قولها إلا فيما يباع على النقد، ومتقدم نقل ابن محرز عن ابن القاسم قال: وذكر بعض المذاكرين ممن ولي القضاء عندنا وفي غير بلد عن بعض القضاة الجمود على ظاهر الروايات المشهورة المخالفة؛ لهذا الأصل وإنه حضر حكم بعض القضاة بين رجل بدوي وتاجر رهد أن طلب البدوي بثمن ثياب ابتاعها منه منذ مدة قريبة لم يدفع إليه ثمنها، وقال البدوي: ما فارقته حتى دفعته إليه فحكم للبائع بحلفهن وقبول قوله، قال: فأنكرت عليه ذلك وقلت: العادة جارية في مثل هذا أن البدوي لا
يبين بالسلعة من حانوت التاجر إلا بعد دفع الثمن فأحرى إن مضى لذلك يوم فلم يرجع إليّ.
ابن عبد السلام: وإنكاره صحيح والعادة عندنا بتونس مطردة بذلك.
قلت: لعل القاضي لم تثبت عنده العادة بذلك وعدم رجوعه للمنكر بمجرد قوله صواب، لكن ينبغي أن يسأل غيره ممن يقبل قوله فإن ثبت ذلك ببينة صح قول المنكر، وإلا فلا. وسمع أصبغ ابن القاسم: من طلب ثمن سلعة فقال: لم أقبضها وادعى البائع أنه قبضها إن كان أشهد بالثمن فقد قبضها، وغرم ثمنها أصبغ ويحلف البائع إن كان بحرارة البيع والإشهاد؛ لأن هذا من أعمال الناس وإن كف حتى حل الأجل وشبهه فلا يمين على البائع.
قلت: مفهومه إن لم يكن أشهد فالقول قوله، وهو نقل المازري عن المذهب.
ابن رشد: وقيل إن حل الأجل صدق البائع بيمينه في دفع السلعة، وإن كان بالقرب صدق المشتري بيمينه، ولو كان أشهد على نفسه بالثمن وكذا لو باعها بالنقد وأشهد عليه المبتاع بدفع الثمن ثم قام يطلب السلعة بالقرب الذي يتأخر فيه القبض وتستعجل فيه الأيام والجمعة ونحو ذلك فالقول قول المشتري وإن بعد كالشهر والشهرين، ونحو ذلك فالقول قول البائع، وهذا القول ظاهر قول ابن القاسم في الدمياطية وهو أظهر؛ لأن البائع مدع في دفع السلعة كالمبتاع في ثمن السلعة فلما كان بالقرب القول قول البائع، إنه ما قبض، وفي البعد القول قول المبتاع مع يمينه لقد دفع وقد مضى حد القرب والبعد والاختلاف فيه في رسم الأقضية من سماع أشهب، وجب أن يكون بالقرب قول المبتاع مع يمينه أنه ما قبض السلعة وإن أشهد على نفسه بالثمن إن كان لأجل أو يدفعه للبائع إن كان نقداً؛ إذ لا دليل في الإشهاد بالثمن على قبض السلعة؛ إذ قد يشهد له قبل ذلك، وأن يكون في البعد القول قول البائع مع يمينه ولا وجه لسقوط اليمين عنه مع تحقيق دعوى المبتاع عليه ما دفع إليه السلعة.
اللخمي عن ابن عبد الحكم: إن شهدت بينة على رجل أن لفلان عليه مائة دينار ثمن سلعة اشتراها منه لم يلزمه الثمن حتى يقولا وقبض السلعة، وكذا لو شهد أنه باعه سلعة بكذا لم يقض عليه إذ ليس في شهادتهما ما يوجب قبض السلعة.
ابن رشد: ولو أشهد المبتاع على نفسه بالثمن وأنه قبض السلعة ثم قام بالقرب يطلبها وقال: إنما أشهدت له طمأنينة له لجرى على اختلاف المتأخرين في دعوى البائع أنه بقي له من الثمن بعد إشهاده بقبضه أو أنه لم يقبض منه شيئاً، وقال: إنما أشهدت طمأنينة له ففي عدم حلف المبتاع مطلقاً أو إن بعد وطال.
ثالثها: إن كان أجنبياً لا قريباً للبائع ولا حليفاً له لنقلي ابن الهندي وقول ابن زَرْب.
قلت: ظاهر قوله يجري على اختلاف المتأخرين عدم نص المتقدمين، وفي تهذيب الطالب عن الواضحة: إن أشهد بقبض الثمن. ثم قال إنما أشهدت به ثقة بالمبتاع وطلب يمينه فقال مالك وأصحابه: لا يمين عليه.
ابن حبيب: إلا أن يأتي بما يدل على ما ادعى وتقع عليه تهمة فيحلف.
عبد الحق: وفي الموازية: يحلف مطلقاً، وعندي أن مراعاة من يتهم ومن لا يتهم في وجوب اليمين وسقوطها صواب، ولو اختلفا في البت والخيار، ففي قبول قول ذي البت أو الخيار، ثالثها: يتحالفان ويتفاسخان لها، ولابن رشد مع غيره عن أشهب وابن محرز قائلاً؛ لأن الشرط يؤثر في الثمن فهو آيل للاختلاف فيه.
المازري: هذا إن أراد مدعي الخيار الرد وإلا فلا اختلاف.
قلت: يتقرر الاختلاف مع إرادة مدعي الخيار البت إن وهب العبد مالاً في أيام الخيار والبائع مدعيه ليكون له المال على أن عقد الخيار يوم بت.
وفيها: إن ادعى أحدهما أنهما لم يضربا للسلم أجلاً أو أن رأس ماله تأخر شهراً بشرط وأكذبه الآخر، فالقول قول مدعي الصحة؛ لأنه ادعى بيع الناس.
الصقلي عن الشيخ: انظر قول ابن سحنون إن قال البائع: بعتك بخمر، وقال المبتاع: بدنانير، تحالفا وتفاسخا، بخلاف دعوى أحدهما الحلال والآخر الحرام.
وقال بعض شيوخ القرويين: إن كان الفساد المدعى في العقد كبيع يوم الجمعة أو بيع غرر فالقول قول مدعي الصحة وإن كان يؤدي إلى الاختلاف في الثمن تحالفا وتفاسخا.
قلت: صور عبد الحق كونه بيع غرر بدعوى المشتري أنه لم ير المبيع ولم
يوصف له.
الصقلي: هذا على لغو دعوى الأشبه مع القيام، وعلى اعتباره القول قول مدعي الحلال منهما.
قلت: وعلى ذلك نقل الصقلي وعبد الحق نحى ابن عبد الرحمن إلى أنه إنما يكون القول قول مدعي الصحة إن فاتت السلعة، وإلا تحالفا وتفاسخا وقال: معنى قولها في دعوى أحدهما تأخير رأس المال ودعوى الأخير تعجيله، إنه عند حلول الأجل ولو كان يقرب عقده تحالفا وتفاسخا، وقال بعض شيوخ القرويين: القول قول مدعي الصحة فاتت السلعة أم لا؟
الصقلي: هذا على القول برعي الشبه، وفي الموازية إن اختلفا مع ذلك في الثمن تحالفا وتفاسخا.
المازري: ظاهرها القول قول مدعي الصحة مطلقاً، وحملها الأشياخ على ما لا يتضمن اختلافاً في الثمن فنوقضوا بقولها: القول قول مدعي الصحة في الاختلاف في تأخير رأس المال بشرط، وهو يتضمن الاختلاف في الثمن، وأجاب بعضهم بحمله على أنه بعد فوت السلعة، وذهب شيخنا إلى أنه إن غلب في بعض المبيعات التعامل بالفساد صدق مدعيه مستدلاً بقولها: القول قول الزوجة في دعوى الوطء بإرخاء الستر ولو كانت حائضاً أو في نهار رمضان، وكما قيل: في المغارسة إن غلب فيها الفساد فالقول قول مدعيه، وما قاله صحيح على أصل المذهب في القضاء بالعرف.
قلت: في قبوله استدلاله بمسألة الستر نظر؛ لأن نفس إرخاء الستر في رمضان جائز باعتبار ذاته، والعادة الفاسدة محرمة باعتبار ذاتها، ولا يلزم من اعتبار الجائز دليلاً اعتبار المحرم كذلكن ومن القضايا المشهورة في الفقه: المعدوم شرعاً كالمعدوم حساً.
ابن بشير: إن لم يعد اختلافهما إلى الاختلاف في الثمن فالمشهور القول قول مدعي الصحة؛ لأنه الأصل وإن كان الغالب الفساد.
قال سحنون: القول قول مدعيه واستقرأه أبو محمد عبد الحميد فذكر ما تقدم في دعوى الزوجة الوطء في رمضان. قال: وإن عاد إلى الاختلاف في الثمن فلأهل المذهب طريقان:
إحداهما: أنه كالاختلاف في الثمن.
والأخرى: أن القول قول مدعي الصحة.
عياض: أشار بعضهم إلى أن قولها بناءً على رعي الأشبه مع القيام حتى لو كان عرف البلد الفساد كان القول قول مدعيه، قال: وعلى أصله في الكتاب يتحالفان ويتفاسخان، وتأمل قولها ليس فيه ما يؤول إلى الاختلاف في رأس المال فليست معارضة لما في كتاب ابن سحنون إن قال بعت بخمر، وقال المشتري: بدنانير تحالفا وتفاسخا؛ لأن هذا اختلاف في الثمن وإلى التفريق بين بابين نحى الشيخ وغيره من القرويين وحمله بعضهم على الخلاف وإن قولها يحلف مدعي الصحة مطلقاً.
وقال العتبي: إنما يكون القول قول مدعي الصحة ما لم تقم بينة فإن قامت على ظاهر صحيح سقطت اليمين، قال فضل: إلا أن يقول مدعي الحرام تعاملنا في السر على الحرام فإن كان الآخر ممن يتهم بذلك أحلف وإلا فلا.
وفي المقدمات: تحصيلها على أصولهم إن كانت السلعة قائمة ولا يؤول اختلافهما إلى الاختلاف في ثمن ولا مثمون فالقول قول مدعي الصحة، وإن آل إلى الاختلاف في ثمن أو مثمون جرى على الخلاف في مراعاة الأشبه مع القيام، ولأبي زيد عن ابن القاسم القول قول مدعي العرف منهما قال: فإن كان الناس يتعاملون بالحلال والحرام أحلفا وفسخ الأمر بينهما، فلم ير في هذه الرواية لمدعي الحلال مزية وبناها على رعي الشبه مع القيام وإن كانت فائتة واختلافهما لا يؤدي إلى الاختلاف في قدر الثمن أو يؤدي إليه أو إلى الاختلاف في صفته دون نوعه، فالقول قول مدعي الحلال، وإن كان اختلافهما في الأنواع جرى على الخلاف في رعي الأشبه مع القيام.
قلت: قولها: ففي كون القول قول مدعي الصحة أبدا أو إن لم يؤول إلى الاختلاف في قدر الثمن أو نوعه وإن فات المبيع.
رابعها: إن كانت العرف، وإن كان الفساد فالقول قول مدعيه وإلا تحلفا لظاهرها مع نقله.
عياض: عن بعضهم وتأويلها غير واحد وتخريج بعضهم على لغو الأشبه في القيام ورعية في الفوت مع عبد الحق عن بعض القرويين بقيد دعوى ذي الصحة من الثمن ما
يشبه، وأبي زيد عن ابن القاسم.
ابن رشد: وعلى لغو اعتبار الصحة يتحالفان ويتفاسخان كذا أتت الرواية وينبغي أن يكون القول مدعي الفساد بائعاً كان أو مبتاعاً إن حلف انفسخ البيع ولا معنى ليمين الآخر؛ لأن البيع يفسخ حلف أم لا؟ إن حلف مدعي الفساد، فإن قال مدعي الصحة وثبت البيع، وإذا وجب التحالف ففي تبدئة البائع مطلقاً كالتحالف في قلة الصحة وثبت البيع، وإذا وجب التحالف ففي تبدئة البائع مطلقاً كالتحالف في قلة الثمن ولزوم تبدئة مدعي الفساد لزوميتها دائماً وحدة الحلف أو مدعي الصحة لملزوميتها بعض الأحيان، وهو إن نكل غرم مطلق الحلف ثلاثى للمازري عن أخذ بعضهم بظاهر قول محمد، وعن التونسي وغيره من المتأخرين.
قلت: الثاني أخذ عبد الحق، وحكاه عن بعض شيوخه القرويين، وجعل ابن عبد السلام ثالث القولين الأول والأخير تبدئة البائع إن ادعى الفساد فإن نكل حلف المشتري وتعقبه بعدم فائدة حلفه وإن ادعى الصحة بدأ المشتري وإن حلف فسخ البيع دون حلف البائع، لا أعرفه ولا ظاهر قوله إنه للتونسي إنما نقله ابن رشد والمازري وغيرهما كما قلناه.
قال المازري: واحتج قائل الأول بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع"، فلم يفرق بين كون أحدهما ادعى مع ذلك صحة أو فساداً، وإن اختلفا فى قدر المسلم فيه، ورأس ماله عين وأتيا بما يشبه بقرب عقده ففي قبول قول المسلم إليه، ولو بقرب قبضه رأس ماله أو حتى يبين به، ثالثها: يتحالفان ويتفاسخان لظاهرها مع الصقلي عن ظاهر قول ابن حبيب واللخمي عن غير ابن القاسم في رواحلها، ونقله عن غيره والصقلي عن محمد مع نقله عن أشهب، وبعد طوله في قبول قوله وتحالفهما ليفسخ، ثالثها: يقضي بالوسط لظاهرها مع الصقلي عن ابن حبيب، ونقل اللخمي مع الصقلي عن أشهب، ونقل اللخمي قائلاً: أرى الحق للمسلم إن قام به في أنتفاع المسلم إليه تلك المدة بالنقد لم يمكن من التحالف وإن أسقطه تحالفا وتفاسخا، واختلف في
هذا الأصل كبائع أسقط عن مبتاع اطلع على عيب قديم أرش ما حدث عنه في المبيع في سقوط حقه في التماسك بالمعيب ليرجع بأرش العيب القديم قولان لها ولعيسى عبد الحق.
قال بعض أصحابنا: إن اختلفا قرب انتقاده تحالفا وتفاسخا وإن اختلفا عند حلول أجله فالقول قول المسلم إليه إن أشبه، فجعل الطول فوتا في العين وهي لا تحتلف أسعارها، فإن قيل: إنما جعله فوتاً؛ لأن أسواق المسلم فيه تختلف بالطول قيل: يلزم ذلك لو كان رأس المال عرضا ولم تحل أسواقه أن يكون فوتا.
وفيها: إنه ليس فوتا وإن أتيا بما لا يشبه قرب عقده، ففي تحالفهما وتفاسخهما وحملهما على الوسط سلم الناس نقلا الصقلي عن محمد، وظاهر قول ابن حبيب وبعد طوله في حملهما على الوسط، وتحالفهما نقلاه عن محمد عن ابن القاسم وعن تخريج بعضهم على قول ابن القاسم في اختلافهما كذلك في موضع القضاء فقبله، ورده المازري وابن محرز بإمكان الوسط في قدر المسلم فيه، ويعذره في مواضعه.
عبد الحق: جعل للمسلم أخذ ما لم يقر البائع ببيعه خلاف قوله في مكري الدابة، إنما اكتريتها لمصر، وقال المكتري: إلى مكة ولم يشبه ما قال المكري وقد انتقد أنهما يتحالفان ويتفساخات من مصر إلى مكة، ويرد قدره من الكراء، فإن قيل: لو فعل هذا في السلم صار ذلك بيعاً وسلفاً، قيل قد قالوا: لا يتهم المتبايعان فيما يوجبه الحكم في غير شيء.
وفي الموازية: في الكراء إن كان زمن الحج ركب المكتري لمكة، وإن لم يقر بذلك المكري؛ لأن غالب كراء الناس في الحج إلى مكة.
قلت: إن قيل في إيراده: التفرقة بين الكراء والسلم بأنه يؤدي ذلك في السلم إلى البيع والسلف نظر؛ لأنه كذلك في الكراء قيل: هو كذلك على قول الغير بالمنع في إقالة المكري المكتري بزيادة من المكري المكتري بعد غيبته على النقد سيرهما ما له بال لا على قول ابن القاسم.
وفرق اللخمي بين مسألة السلم والكراء: بأنهما اتفقا في السلم على أنه صفقة واحدة في الذمة، بخلاف مسألة الكراء؛ لأن اختلافهما في سلعة معينة فأشبه من قال:
بعتك خمسة أقفزة وأتى بما لا يشبه، وقال الآخر خمسة وهذا العبد، وأتى بما يشبه لكثرته أنه ثمن لهما معاً فلا يقبل قول المشتري على البائع في العبد، وذكر المازري تفريق اللخمي معبراً عنه ببعض أشياخه، هذا تخيل فيه بعد، وعدد الأقفزة يمكن أن يتصور فيه إنه كسلع مختلفة كما في أجزاء المسافة؛ ولذا أشار بعض أشياخي إلى أنه لا فرق بينهما وفرق غيره من الأشياخ بأنه يؤدي في السلم إلى البيع والسلم وإليه أشار التونسي وذكر أنه ليس بالبين وكيفما كان فهو أبين من القول الذي ذكره بعض أشياخي.
قلت: بل فرق اللخمي أشبه، ورده المازري بقوله: عدد الأقفزة كأجزاء المسافة رد من لا فهم كلام اللخمي.
وبيانه: أن اللخمي فرق بين دعوى البيع في معين ليس من ذوات الأمثال وفي كلي في الذمة من ذوات الأمثال فجعلها في المعين مردودة، ولو أشبهت وفي الكلي في الذمة مقبولة إن أشبهت؛ لأن تعلق الأغراض بالمعين إن استحق لم يقض على بائعه ولا مبتاعه بمثله، وإن استهلك لم يقض مثله، والكلي في الذمة إن استحق بعد اقتضائه غرم بائعه مثله وكذا إن استهلك المثلي قضي بمثله فلا تعلق الأغراض بالمعين لم يقض على المكري بالمسافة التي ادعى المكتري شراءها منه وإن أشبهت دعواه لاعتبار تعلق الأغراض بعين ما هو مثلي أو في الذمة قضي على المسلم إليه ببيع القدر الزائد وإن لم يقر ببيعه لشبهة دعوى المسلم.
وفيها: إن كان رأس المال عرضا واختلفا في قدر الطعام قرب بيعهما او عند حلول الأجل، فإن لم يتغير سوق الثوب تحالفا وتفاسخا وإن حال؛ فالقول قول المسلم إليه.
عياض: لأن السلعة المعينة لا يراعى فيها إلا الفوت، لا الغيبة عليها.
الصقلي عن القابسي: لو كان رأس المال جارية وأتيا بما لا يشبه لزم المبتاع قيمتها، ولا يحملان على سلم الناس، كما لو كان رأس المال عيناً؛ لأن غالب يبايع الناس بالأثمان.
اللخمي: إن كان رأس المال ثوباُ ولم يحل سوقه تحالفا وتفاسخا ولو حل الأجل؛ لأنه لم ينتفع به إذ لو انتفخ به لتغير ولو تغير أو حال سوقه فإن تغير أو حال سوقه
فالقول قول المسلم إليه إن أتى بما يشبه وإن أتى بما لا يشبه فالقول قول المسلم فإن أتيا بما لا يشبه ردا للوسط مما يشبه أن يسلم فيه وكذا لو اختلفا فيما بيع لأجل وأتيا بما لا يشبه رد لما يشبه أن تباع به لذلك الأجل؛ لأنه بيع صحيح بخلاف الفاسد؛ لأن الفاسد يسقط من الذمة ما تراضيا عليه فيرجع إلى القيمة.
وفيها: إن ادعى المسلم قبضه بالفسطاط، وقال الآخر بالإسكندرية، فالقول قول مدعي موضع التبايع مع يمينه، ولغير واحد عن سحنون القول قول المسلم إليه وصوب اللخمي الأول إن كانا من بلد واحد وإن كانا حضرياً وبدوياً فالقول قول البدوي، إن ادعى القضاء بقربته؛ لأن مآل اختلافهما في مؤنة نقله فهو مدعى عليه غرمه.
المازري: إن اختلفا بقرب عقدهما تحالفا وتفاسخا كاختلافهما في قدر الأجل، ويجري فيه ما تقدم من الخلاف في أنواع الفوت، ورعي الشبه مع القيام؛ لأن مدعي محل العقد ادعى ما يشبه، فإن وقع الفوت بطول الزمان فذكر القولين.
وتبع ابن عبد السلام المازري في تقييده بالفوت، وإن لم يدع، موضع العقد أحدهما، ففيها القول قول المسلم إليه.
اللخمي: وقال أبو الفرج: تحالفا وتفاسخا، وأرى إن كان معنى اختلافهما لما يتكلف من أجر النقل فالقول قول البائع، وإن اختلفا في ناحيتين ليس الشأن النقل منهما إلى المدينة تحالفا وتفاسخا، وقولها: إن ادعيا معاً لا يشبه تحالف، يدل على أنه إن انفرد المسلم بدعوى الشبه قبل قوله والله تعالى أعلم.