الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كتاب الصلح]
الصلح: انتقال عن حق أو دعوى بعوض لرفع نزاع أو خوف وقوعه، وقول ابن رُشْد: هو قبض شيء عن عوض يدخل فيه محض البيع، وقول عياض: هو معاوضة عن دعوى يخرج عنه صلح الإقرار، وقول ابن الحاجب تابعًا لابن شاس: الصلح معاوضة كالبيع، وإبراء وإسقاط تقسيم له لا تعريف، فلا يتوهم نقضه بمحض البيع، وهبة كل الدين أو بعضه؛ لعدم اندراجهما تحت مدرك التقسيم، وهو من حيث ذاته
مندوب إليه، وقد يعرض وجوبه عند تعيين مصلحته وحرمته وكراهته لاستلزامه مفسدة واجبة الدرء أو راجحته كما مر في النكاح للخمي وغيره.
ابن رُشْد: لا بأس بندب القاضي الخصمين إليه، ما لم يتبين له الحق لأحدهما لقول عمر لأبي موسى: واحرص على الصلح ما لم يبن لك فصل القضاء.
وقيل في بعض المذكرات: لا بأس به بعد التبين إن كان الدين لضعيف منهما كالندب لصدقة، ورد بأنه يوهم ثبوت الحق على من له الحق، أو سقوطه له، بخلاف الصدقة.
ابن رُشْد: إن أباه أحدهما فلا يلح عليهما إلحاحًا يوهم الإلزام.
قُلتُ: ونقل عن بعض القضاة باطرابلس جبره، عليه لعزل، ويتجه لإقرار وإنكار، فيقول عياض: بحكم السكوت والإقرار تكون القسمة حقيقية بين الشيء ونقيضه، والمساوي لنقيضه، فالأول: إن كان عن دين اعتبر فيه شرط صحة الاقتضاء، وشرط صحة بيع الدين وإسقاطه، فصلح الوارث بقدر حظه من صنف ما أخذه واضح؛ لأنه لما سواه واهب لخوف نزاع، وبزائد عن حظه فيه بائع حظه في غيره بالزائد، فيعتبر البيع والصرف وتعجيل قبض ما معه، وشرط بيع الدين بحضور المدين وإقراره فلو صلحت زوجة على دنانير من التركة قدر حظها فيها، جاز اتفاقًا مطلقًا وعلى أكثر من حظها، فيها في كونه كذلك، وشرطه باستيعابه كل دنانير التركة قولان لها
ولمحمد، فألزمه ابن محرز نقص كل الصرف في دنانير بدراهم نحاس.
عياض: إشارة شُيُوخنا أن قولها خلاف قول محمد، ليس بظاهر.
قُلتُ: جزم المازري بأنه خلاف وقرر موجب فساده عنده بأنها أخذت بالإرث ثمن كل دينار من العشرين التي أخذتها وباقي أثمانها أخذت عوضًا عن ثمنها في الستين الباقية، وباقي التركة، قال: ونوقض محمد بإلزامه أخذها قدر حظها من دنانير التركة، وأجاب بأن أخذها حظها فقط، محض قسم، والقسم يوجب اعتبار الأجزاء في الآحاد المتماثلة المشترط فيها مضمونة لتمام منها أخذها كاملة، وأخذها أكثر من حظها يوجب كون الزائد عليه مبايعة فينسحب حكمها على بائعها، فصار كل أخذ بيعا أثمانها في كل دينار منها غير مضمونة؛ إنما يوجب ضمانها إنما هو القسم، وقد ألغي لعدم انفراده، وتغليب حكم البيع المقارن له عليه على ما معه، وتقدم قول أشهب في صلحها بدنانير من غير التركة في مسألة الجملين في السلم، والصلح عن المعيب بمبيع في كونه قبل فوته كمعاوضة فيه بعد رده، استواء الدوام عنده، ثالثها: إن كان بعد وجوبه ردت للمازري مع اللخمي عن أصل ابن القاسم وأشهب واختياره محمد برواية ابن القُصَّار، وقوله: ردت فسخ للبيع وإن لم يحكم به.
قال: فإن صالحه والثمن مائة دينار نقدت بعشرة من سكتها جاز على الأول نقدًا، وامتنع إلى أجل.
قُلتُ: لأنه بيع وسلف، وعلى الأول لأنه فسخ دين في دين؛ لأنه لما ملك الرد والعبد قائم كان كمن رده ثم اشتراه فيه نظر.
قال: وأجازه أشهب على جوازه أكثر من صرف دينار، ويجوز على أصله على دنانير، ولو من غير سكة الأولى، ولو لأجل، وعلى عوض مؤجل، ولو لم ينقد المائة جاز على نقد تسعين وتأخيره بعشرة ولو من غير السكة وبدراهم أو بعوض ولو لأجل لا على أصل أشهب؛ لأن البيع عنده منعقد فهو تأخير العشرة سلفًا جر منفعة، وفي تأخير الدراهم صرف مستأخر، وفي العوض فسخ دين في دين، وفي الدنانير من غير السكة تفاضل، وإن اصطلحا على قبض البائع المائة، ثم يرد بعد شهر عشرة دنانير من السكة أو غيرها أو دراهم امتنع على أصل ابن القاسم، وجاز على أصل أشهب، وعلى
رد عوض جاز على أصليهما.
اللخمي: إن فات المبيع أمرًا ألا يصطلحا بشيء حتى يعرفا قيمة للعيب، واختلف إن وقع قبله، فمنع ابن القاسم فيها، وأجازه في الموازيَّة، وأن الغالب وقوعه بالشيء البين، فإن وقع بدنانير من غير السكة لم يمض ونظر، فإن كان دون السكة ومثل قدر العيب جاز، وإن كان أجود مثل الوزن فأكثر جاز، وإلا لم يجز، وإن وقع بدنانير مؤجلة قبل معرفة قيمة العيب نظر، فإن كانت السكتان والوزن سواء أو كان الصلح أدنى سكة، أو أدنى ورقًا أو سكة جاز، وإن كانت سكة الصلح أجود لم يجز استواء الوزن أو اختلف.
ابن محرز: إن علم أن قيمة العيب أقل مما دفع أو أكثر جاز، وإن لم يقفا إلا على حقيقته؛ لأنه ليس بمعاوضة بمجهول ولا خطر.
الصقلي وابن محرز: قال أَصْبَغ: أجاز بعض أهل العلم الصلح، وإن لم يعرفا قيمة العيب.
زاد المازري: وفي الموازيَّة جوازه، والثمن دنانير، وأشار بعض الأشياخ إلى جوازه في كل الأنواع، كما حكاه أَصْبَغ عن بعض العلماء، وأشار بعض المتأخرين إلى أنه إن علم أنه بأقل من قيمة العيب أو أكثر جاز، وإنما يمنع إذا شك فيما وقع به الصلح هل هو قدر الواجب للعيب كما تحاكما، وقد قال أَصْبَغ: لو لم ينقد الثمن وفات العبد جاز التراضي على حط بعض الثمن قبل أن يعرفا قيمة العيب، ولا فرق في هذا بين نقد الثمن وعدمه.
قُلتُ: ففي جوازه قبل معرفة قيمة العيب، ثالثها: إن كان الثمن دنانير، ورابعها: إن كان الصلح بما لا يشك فيه أنه أكثر منها أو أقل، وخامسها: إن كان قبل نقد الثمن للخمي عن الموازيَّة مع المارزي عن بعض الأشياخ، والمشهور، والمارزي عن الموازيَّة وابن محرز عن أَصْبَغ.
وفي المقدمات: تحصيل تمام هذه المسألة أن بيع العبد بدنانير نقدًا، وفات العبد ونقد الثمن جاز الصلح بكل شيء بعد معرفة قيمة العيب نقدًا لا لأجل أنه فسخ دين في دين مع صرف مستأخر في بعض الصور أو سلفًا نفعًا لا بدنانير مثل قيمة العيب
فأقل، وإن لم ينقد الثمن؛ فجائز بعوض معين نقدًا أو بموصوف لأجل السلم، وبدارهم على حكم الصرف، وبذهب لا أعرفه نص رواية، وعندي: لا يجوز على قول مالك إلا مراطلة بعد معرفة قيمة العيب، واتفاقهما عليه، فإن أنكر لم يجز؛ لأنها مراطلة من المبتاع لإسقاط البائع عنه فوته إثبات العيب؛ إذ قد ينكل البائع فيجب حلف المبتاع، وعلى قول ابن القاسم يجوز مراطلة، وإن أنكر البائع العيب؛ لأن المبتاع إن كان صادقًا فلا نفع، وإلا لم يحل له أخذ شيء وبذهب إسقاطًا من الثمن جاز اتفاقًا وإن بيع بدنانير مؤجلة جاز بغير العين نقدًا، وإلا كان فسخ دين في دين لا بدراهم، ولو نقدًا.
وفيها: لا يجوز بدنانير، فقال الشَّيخ وأحمد بن خالد: إن كانت أقل من قيمة العيب، وإلا جاز إذ لا تهمة في دفع قليل في كثير، ولا مثلا في مثل، وقيل: لا مطلقًا إن أنكر البائع العيب؛ لأنه لما طرح المبتاع الخصومة في العيب فصار سلفًا جر نفعًا، ودنانير في دنانير لأجل.
قُلتُ: وعزاه عبد الحق للقابسي.
ابن رُشْد: وإن لم يفت، والثمن نقد، وتقرر الصلح بعوض من المبتاع ليرد بجائز بعرض، ولو لأجل، وبدراهم نقدا أقل من صرف دينار لا يجوز إلا مقاصة، وبعرض من البائع لئلا يرد جائز، وبدنانير.
قُلتُ: من جنس الثمن، قال: لا بأجل أنه بيع وسلف، وإن تأخرت لا شرط جاز، وبدراهم لأجل لا يجوز، وشرط في نقدها بأنها أقل من صرف دينار، قولا ابن القاسم وأشهب وبعوض نقدا جائز، وفيه لأجل قولا ابن القاسم، وإن لم ينقد، والصلح بعرض من البائع لئلا يرد عليه غير جائز، بدنانير إلا مقاصة، وإلا كان غير جائز؛ لأنه عبد، وذهب بذهب وبدراهم نقدًا جائزٌ على قولي ابن القاسم وأشهب، لا لأجل، وبعرض معينًا نقدًا أو مضمونًا لأجل السلم جائز، ومن المشتري ليرد جائز بدنانير نقدا لا لأجل؛ لأنه بيع وسلف وبدراهم نقدًا جائز إن نقصت عن صرف دينار، وبعرض نقدا جائز لا لأجل؛ لأنه فسخ دين في دين، ولو كان بيعه بدنانير لأجل، والصلح بعرض من البائع لم يجز بدنانير إلا مقاصة من الثمن، ولا بدراهم مطلقًا يجوز بعرض نقدًا لا يؤجل، ومن المبتاع جائز بعرض نقدًا لا مؤجلاً، ولا بدراهم مطلقًا،
ولا بدنانير إلا مقاصة، ويدخله في زيادة دنانير ما يدخل مسألتي ربيعة ضع وتعجل، وذهب بذهب لأجل.
قُلتُ: سبقه به عبد الحق، ومن اطلع على عيب بطوق ذهب ابتاعه بدراهم، ففي جواز صلحه عنه بدنانير نقدا أو بدراهم، والسكة وحدة، ومنعه كمشتري دينار بدارهم اطلع على عيب به، ثالثها: يجوز بدراهم ولو من غير السكة لابن القاسم فيها، وسَحنون قائلاً في قوله ذلك، واللخمي عن أشهب.
ابن محرز: فرق الشَّيخ لابن القاسم بين الطوق والدينار، فإن الصرف إنما وقع على دينار في الذمة، فامتنع الصلح عنه بدراهم؛ لأنه بيع له بالعيب ودراهم.
ابن الكاتب: لا يحتاج إحضار الطوق بخلاف استحقاق خلخال أجيز بيعه؛ لأن الطوق مضمون على مشتريه، وخرج اللخمي على قول أشهب جوازه بدنانير أو بدراهم أو عرض لأجل؛ لأنه شراء خصومته، وعلى قولها: لو تأخرت الدارهم بغير شرط، ففي جوازه، ومنعه نقل ابن محرز عن بعض المذاكرين، وقوله مع عبد الحق عن بعض شُيُوخ القرويين، واحتج ابن محرز بما حاصله إن تأخرت الدنانير في مسألة العبد لا يحصل موجب فساد العقد؛ لأن فساده بالبيع والسلف؛ إنما هو بشرط لا بوقوعه دون شرط، وموجب فساده في مسألة الطوق؛ إنما هو التأخير في الصرف، ومجرد حصوله يوجب الفساد، وإن لم يشترط.
قُلتُ: ويريد: ما أشار إليه من شرط تأثير مقارنة السلف للبيع الفاسد شرطه لا بمجرد حصوله.
قوله في الصرف: إن ابتاع منه سلعة بثاثي دينار، فقال له بعد البيع: هذا دينار استوف منه ثلثيك وأمسك ثلثه انتفع به؛ فلا بأس به إذا لم يكن في ذلك شرط، ولا عادة، ولا إضمار.
ابن عات: قال بعض العلماء: يجوز الصلح بذهب عن ورق وورق عن ذهب غير ناجز، وقاله القاضي منذر بن سعيد، وإنما كرهه مالك؛ لأنه حلمه محمل البيع، والقياس عند مالك وغيره أنه ليس ببيع إنما هو أصل في نفسه.
والصلح على الإنكار جائز:
قُلتُ: باعتبار عقده، وباطن الأمر إن كان الصادق المنكر، فالمأخوذ منه حرام وإلا فحلال، فإن وفى الحق برئ، وإلا فهو غاصب في الباقي، ولم يذكر فيه المازري ولا ابن القُصَّار ولا أحد من مشاهير شُيُوخ المذهب المعتاد منهم، نقل غرائب المذهب خلافًا في جوازه.
وقول ابن عبد السلام: لا أعرفه، وكان يجري لنا في البحث تخريج قول الشافعي من قول سَحنون: إن طلب السلامة شيئًا خفيفًا؛ لم يجز إلا أن يعطوه خلاف قولها في أول الجهاد في جامع: أنه أعطى مالاً؛ ليدفع عدى، وأن التخريج أحروي؛ لأن العداء في المحارب القتال المعروض للقتل وهو أشد عند الخصومة للمعروض للحلف.
قال ابن عبد السلام: والنفس لمذهب الشافعي أميل، وفي كتاب الجهاد من المدَوَّنة ما يقرب منه.
قُلتُ: أول الجهاد منها ما يدل على عكس الآخر من قولها، وإذا تنازع رجلان في اسم مكتوب في العطاء، فأعطى أحدهما مالاً على أن يبرأ له من ذلك الاسم؛ لم يجز؛ لأن الذي أعطى الدراهم إن كان صاحب الاسم، فقد أخذ الآخر ما لا يحل له، وإن كان الذي أخذ الراهم هو صاحب الاسم لم يجز ذلك؛ لأنه لا يدري أقليلاً أم كثيرًا، ولا يدري ما تبع حياة صاحبه، وهذا عندي لا يجوز، ويرد بأن المنع في مسألة الجهاد إنما كان لدوران للأمر فيها بين أمرين كل واحد منهما موجب للفساد حسبما قرره فيها، والصلح على الإنكار ليس كذلك؛ لأنه على تقدير صدق المدعي لا موجب للفساد.
وفي الأيمان منها: من لزمته يمين فافتدى عنها بمال جاز فقيدها غير واحد بمقتضى الصلح على الإنكار فيما يجوز وما لا يجوز.
وفي المقدمات: عقده على حرام في حق كل منهما يفسخ اتفاقًا، كصلحه على دعوى عشرة دنانير أنكرها بدراهم مؤجلة في فسخه وإمضائه قولان للمشهور، وأَصْبَغ: والمكروه ما ظاهره الفساد غير محقق كونه في جهة معينة كدعوى كل واحد منهما على صاحبه بدنانير مؤجلة في فسخه فيصطلحان على تأخير كل منهما صاحبه
لأجل، قيل: يمضي.
وقال ابن الماجِشُون: يفسخ ما لم يطل.
قُلتُ: عزا اللخمي الأول لمُطَرِّف، وسمع أَصْبَغ ابن القاسم: من أراد خلاف من أنكره ما ادعى عليه فصالحه على تأخيره فسخ، ورجعا على الخصومة.
ابن رُشْد: هذا على سماع أشهب، وقول مالك فيها: من صالح من ادعى عليه دنانير على تأخيره بها؛ جاز إن كان مقررًا بها، وأجازه ابن القاسم، ولو كان منكرًا.
قُلتُ: فقوله فيها خلاف سماع أشهب، وسماع أَصْبَغ في المديان هو منع تأخير من قام له به شاهد واحد على أنه لا يحلفه.
ابن رُشْد: هذا خلاف قول ابن القاسم فيها، وهو أظهر إن كان المنكر كاذبًا، وإن كان شاكًا في الدعوى عليه لم يجز، وسمع أشهب في الحمالة من له على رجل مائة دينار فسأله لدين أن ينظره ويعمل له بها حميل لا بأس بذلك.
فقال بعض الشُيُوخ: هذا خلاف سماع أشهب في الشاهد الواحد، وليس بخلاف؛ لأنه أحق بتأخيره لو شاء أخذه به عاجلاً، فهو كابتداء سلف بحميل، ولو كان معسرًا أو قام عليه؛ لم يجز عنده إلا بعض حقه، لم يجز تأخيره بجميعه على حميل به، ومن صالح على إنكار خصمه، ثم أقر له بدعواه؛ فله الرجوع بتمام حقه.
ابن رُشْد: اتفاقًا.
الصقلي: قول سَحنون فيمن صالح عن دار بيده منكرًا دعوى مدعيها إن أقر بها لمدعيها أمضى الصلح أو رده وأخذها تفسير لقول مالك فيها.
المتيطي عن حمديس وابن أبي زَمَنَيْن: إقرار المنكر بعد علمه إن كان عالمًا ببينته، لا يوجب له عليه غرما.
وسمع ابن القاسم من صالح من حق له من أنكره، ثم وجد ذكر حقه؛ فله نقض صلحه إن عرف من قوله أنه ضاع ذكر حقه.
ابن رُشْد: دليله إن لم يعرف ذلك من قوله فلا قيام له، خلاف قولها في الصلح: إن صالح جاهلاً ببينة فله القيام بها بما شاء، مثل رواية كتاب الجدار لا قيام له بها، ويحتمل أن معنى قوله في السماع: إذا عرف هذا من قوله؛ أنه يرجع ببقية حقه دون يمين، وإن لم
يعرف ذلك منه؛ لم يرجع به إلا بعد يمينه أنه إنما صالحه وكتبه قد ضاع، ولا يعرف شهوده فلا يكون خلاف قولها في الصلح؛ بل مفسدًا له في إيجاب اليمين، وفرق في كتاب الجدار بين المسألتين، فيتحصل في صحة قيامه بالبينة، وبذكر الحق، ثالثها: به لا بها، ويحتمل أن يقال في هذه الرواية على ظاهرها أنها ليست بخلاف في المدَوَّنة، وإنما فرق بين المسألتين، فيأتي على هذا، وهو تأويل في المسألتين قول رابع، وفي التفرقة عكس ما في كتاب الجدار.
المتيطي وابن فتوح: إن ذكر في الصلح إسقاط البينات فلا قيام له بها، ولو لم يكن علمها، وإن لم يذكره فيه، فله القيام بها إن لم يعلمها حين الصلح بعد حلفه ما كان عالمًا بها، وحلفه هذا إنما يكون بعد قيامه بالبينة، وقبولها؛ لأنه لو حلف قبل قبولها، ثم ردت لم يفد حلفه شيئًا إلا أن يكون في الخصام اتعاب للمطلوب بحيث يرفعه عن شغله إلى الخصومة وأداء البينة على عينة، فالقياس إحلاف الطالب قبل تمكينه، وإتعاب خصمه.
ابن رُشْد: أحلفه عالما بينته القريبة الغيبة لم يكن له قيام بها، اتفاقًا، ولو كانت بعيدة فاستحلفه أو صالحه ففي صحة قيامه بها إن حضرت، ثالثها: قولها: يقوم بها إن استحلفه، لا إن صالحه.
الصقلي لأَصْبَغ عن ابن القاسم: إن بعدت غيبة البينة جدًّا فأشهد أنه إنما يصالح لذلك؛ فله القيام بها.
الصقلي: إن أعلن بالشهادة ينبغي أنه لا يختلف فيه كقوله للحاكم بينتي بعيدة الغيبة، فأحلفه لي، فإن قدمت قمت بها فيحلف له، وله القيام ببينته، وإن لم يشهد على الغريم بذلك، وأشهد به سرًا أو صالح عالمًا بينته؛ ففي صحة قيامها بها قولان.
وفيها: قلت: فإن كان ادعى دارًا بيد رجل، فأنكره فصالحه على مال، ثم أقر له المطلوب.
قال: قال مالك: من ادعى قبل رجل مالاً فأنكره فصالحه على شيء آخذه منه، ثم وجد بينته، فإن كان عالمًا بها فلا قيام له بها، ولو كانت غائبة يخاف موتها، وإن لم يعلم بها؛ فله القيام بها، فهذا يدلك على مسألتك فاستشكل الجواب، فاختصارها البراذعي سؤالاً وجوابًا بالموضوع جواب ابن القاسم بقياسه، وهو قياس أحروي؛ لأن الإقرار
أقوى من البينة التي لم يعلمها، وجواب ذلك بتقرير إشكال الجواب من وجواب من وجهين: الأول مع اختصار إقراره على جهل المدعي البينة؛ لصحة قياسه على علمه بالبينة الغائبة بجامع أنه صالح مع علمه بوجود دليل صدقه في الواقع المحتمل حصوله في الظاهر وعدم حصوله؛ لأن احتمال توبته وإقراره كاحتمال حضور البينة، الثاني: إجمال جوابه لاحتمال تقييده بما إذا لم يكن المقر له قد صالح وهو عالم ببينة له، وأنه لو كان عالمًا بها لم يرجع على خصومته لإقراره بشيء، وبهذا قيدها حمديس، وابن أبي زَمَنَيْن فيما نقله المتيطي، واحتمل عدم تقييده بذلك، وأن له مؤاخذته بإقراره مطلقًا وهو ظاهر لفظها.
الصقلي: اختلف فيمن يقر في السر ويجحد في العلانية إن صالحه على تأخير سنة، وأشهد أنه إنما يصالحه لغيبته ببينته إن قدمت قام بها، قيل له: القيام بها إن علم أنه يطلبه فيجحده، وقيل: لا قيام لربها.
قال مُطَرِّف: إلا أن يقر المطلوب بعد إنكاره، وقاله أَصْبَغ: ولو صالحه على تأخيره سنة بعد أن أشهد بعد الشهادة على إنكاره أنه إنما يصالحه ليقر له بحقه، ففي لزوم أخذه بإقراره، ولغو صلحه على تأخيره ولغو إقراره، ولزوم صلحه بتأخيره نقلا الصقلي عن سَحنون وابن عبد الحَكم قائلا: الأول أحسن، والظالم أحق أن يحمل عليه.
قُلتُ: وعليه عمل القضاة والموثقين، وأكثرهم لم يحك عن المذهب غيره، وحكى المتيطي ثانيًا عن ابن مزين عن أَصْبَغ: لا ينفع إشهاد السر إلا على من لا ينتصف منه كالسلطان أو الرجل القاهر، ولم يذكر الثاني، فالأقوال ثلاثة، وعلى الأول حاصل حقيقة الاسترعاء عندهم وهو المسمى في وقتنا إيداعًا هو إشهاد الطالب أنه طلب فلانًا، وأنه أنكره، وقد تقدم بهذه البينة أو يرها، وأنه متى أشهد بتأخيره إياه بحقه فضيعه شيء منه، أو بإسقاطه بينة الاسترعاء، فهو غير ملتزم لشيء من ذلك، وأنه إنما يفعله ليقر له بحقه، وشرط تقدمه على الصلح فيجب تعين وقته بيومه، وفي أي وقت هو من يومه خوف اتحاد يومهما فإن اتحدا دون تغير جزء اليوم؛ لم يعد استرعاء.
المتيطي وابن فتوح: ولا ينفع الاسترعاء إلا مع ثبوت إنكار المطلوب ورجوعه في الصلح إلى الإنكار، فإن ثبت إنكاره وتمادى عليه في صلحه؛ لم يفد استرعاؤه شيئًا،
وقول العوام: صلح المنكر اثبات لحق الطالب جهل، وقولهم في الرجوع: ساقط الاسترعاء والاسترعاء في الاسترعاء؛ لأنه إذا استرعى، وقال في استرعائه: متى أشهد بقطع استرعائه؛ فإنما يفعله؛ لتحصيل إقرار خصمه لم يضره اسقاطه في الصلح استرعاه، ولو لم يذكر استرعاءه أنه متى استرعاه؛ فهو غير ملتزم له كان اسقاطه في صلحه استرعاه مسقطًا لاسترعائه.
وإذا قلت: إنه قطع الاسترعاء والاسترعاء في الاسترعاء، ثم ادعى وقال: إنه متى أشهد بقطع الاسترعاء؛ فهو غير ملتزم له إنما يفعله؛ لتحصيل إقرار خصمه لم يفده؛ إذ لا استرعاء في الاسترعاء.
زاد المتيطي: وقاله غير واحد من الموثقين، وفيه تنازع، والأحسن ما قدمناه.
قُلتُ: ولابن رُشْد كلام في هذا مذكور في كتاب الحبس.