الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب في شرط الرهن]
قال: وشرطه أن يكون مما يمكن أن يستوفى منه أو من ثمنه، أو من ثمن منافعه.
قلت: فيها يجوز ارتهان ما لا يجوز بيعه في وقت، ويجوز في وقت كزرع قبل بدو صلاحه.
وفيها: قبله لا يجوز لمسلم أن يرتهن من ذمي خمرًا أو خنازير.
الصقلي عن محمد قال أشهب: إن قبضه، ثم فلس الذمي فهو فيه أسوة الغرماء؛ لأنه لم يجز في الأصل.
سحنون: لو تخللت كان أحق بها، ولو باع من ذمي سلعة وارتهن منه خمرًا لم يفسد البيع وردت الخمر للذمي وليس للمسلم إبقاؤها تحت يد ذمي خوف فلسه، ولو تخللت كان أحق بها، ولو ارتهن نصراني من مسلم خمرًا أهريقت عليه، ولا عليه أن يأتيه برهن آخر.
وفيها: من ارتهن عصيرًا فصار خمرًا، رفعه للإمام ليراق بأمره، كالوصي يجد في التركة خمرًا.
الصقلي: إنما يراق إن كان الراهن مسلمًا والذمي ترد إليه.
وفيها: لا بأس برهن جلود السباع المذكية وبيعها، ولا يجوز رهن جلود الميتة ولا بيعها ولو صبغت.
اللخمي: ما اختلف في جواز بيعه كجلد الميتة بعد دبغه وجلد السبع قبل ذبحه وبعده وكلب الماشية والصيد والزرع على منع بيعها، يمنع رهنها، وعلى جوازها
جوازه.
الباجي: رهن الدين جائز فما له ذكر حق حوزه دفعه، والإشهاد به، وما ليس له ذكر حق فلابن القاسم ومالك يجزئ فيه الإشهاد، ولابن القاسم أيضًا: لا يجوز إلا بالجمع بينهما وهو ظاهر رواية محمد.
اللخمي: حوز ماله ذكر حق بأخذه، ويجمع بين المرتهن والغريم، فإن لم يكن ذكر حق فالجمع بينه وبين الغريم، ويقدم إليه بحضرة بينة أن لا يقضيه إياه حتى يقبض حقه، فإن فعل غرمه ثانية لإتلافه على المرتهن، وإن كان الغريم غائبًا ولا عليه ذكر حق أجزئ فيه الإشهاد وفيه لاختلاف ابن عات.
وقيل: لا يكون رهنًا حتى يجمع بينهما ويقر الذي عليه الدين بذلك، ويتفقا، ومتى لم يتفقا لم يكن رهنًا.
قلت: ففي الحوز بمجرد الإشهاد فيما لا ذكر حق له، أو لا بد من الجمع بين المرتهن والمدين، ثالثها: إن كان غائبًا، ورابعها: شرط حضور المدين، وإقراره لنقلي الباجي ونقل ابن عات.
اللخمي: الباجي: إن كان الدين للراهن على المرتهن، فإن كان أجل الرهن بمثل أجل الدين الذي ره به أو أبعد جاز، وإلا لم يجز؛ لأن بقاءه بعد محله كسلف، فصار في البيع بيعًا وسلفًا، إلا أن يجعل بيد عدل لمحل أجل الدين الذي رهن به، وهذا تفسير قول مالك في العتبية وغيرها.
اللخمي: يصح أن يرتهن مدين منا في ذمته، ويجوزه من نفسه لنفسه، ولا على الراهن دفع ذكر حقه؛ خوف جحده فيتلف حقه، ولأن قبضه إنما هو ليقبض به، ولا يحتاج إليه هنا، فإن باعه سلعة بثمن مؤجل على إن ارتهن ذلك الدين وأجل الدينين، سواء جاز، وكذا إن كان حلول الدين الاخر قبل، فإن وفي الراهن وإلا بيع الدين، وقضى المرتهن إلا أن يكون الدين طعاما من سلم فيؤخر لأجله، وإن كان محل الأول قبل وشرطا بقاءه في الذمة لحلول الدين الآخر لم يجز، وإن شرطا إخراجه ليد عدل إلى أجل الدين جاز، وإن لم يشترطا بقاءه ولا إخراجه جاز وأخرج ووقف.
قلت: المشهور إذا احتملت الصفقة الجواز والمنع حكم بالمنع، ومسألة بيع الرجل
سلعة بثمن مؤجل على ارتهانه فيه دينًا عليه لمبتاعها هي في نوازل سحنون عن تفسير ابن القاسم قول مالك.
ابن رشد: إن ويع البيع على الرهن في الوجه الممنوع، فقيل: يفسخ، وإن فات ففيه القيمة ما بلغت، وقيل: إلا أن يرضى البائع بإسقاط ما شرط من ارتهان الدين أو بأن يوضع على يدي عدل بقرب ذلك إن كان حالا أو عند حلوله إن كان مؤجلًا قبل أن ينتفع ببقاء الدين في ذمته، وقيل: البيع جائز إن لم يعثر عليه بفور ذلك إن أسقط الشرط أو وضع الدين على يدي عدل وإن لم يرض بذلك فسخ البيع إن لم تفت السلعة، وإلا ففيها الأقل من القيمة أو الثمن.
ابن الحاجب: يجوز رهن الدين من المدين وغيره، ولا يشترط الإقرار.
ابن هارون: أن لا يشترط حضور المدين والدين بشهادة كما يشترط في البيع لجواز ارتهان الغرر، فإن ادعى المدين القضاء حلف الراهن وقضى للمرتهن على المدين، فإن نكل ولا مال، ففي يمين المرتهن نظر.
قلت: الأظهر عدم تمكينه من الحلف.
ابن عبد السلام: هذه في كثير من النسخ بالقاف وراءين بينهما ألف، فإن صح وهو بعيد، فمعناه: فذكر ما قال ابن هارون والصواب ضبط اللفظة بالقاف وراء بعدها وزاي بينهما ألف، كذا هي في كتاب ابن شاس، وكلام الغزالي الذي يتبعه ابن شاس تنبيها منهم على مخالفة أبي حنيفة في منع رهن المبتاع، ويعقبون هذه المسألة بالنص على رهن المشاع.
قلت: الأول أنسب للفظ المؤلف، وفي بعض النسخ الإبراز بالباء وراء وألف وزاي؛ أي: لا يشترط إبراز الدين، وقول ابن الحاجب: يجوز رهن غلة الدار والعبد، مندرج في قولها: يجوز ارتهان ما يجوز بيعه في وقت، ودليل قولها: كراء الدور وإجارة العبيد؛ لا تدخل في الرهن إلا بشرط.
الباجي: قال أشهب: يجوز ارتهان غلة الدور، وحوز ذلك، بحوز الدار والعبد كقولها في ثمر النخل وزرع الأرض حوزها بحوز الأصول والأرض.
اللخمي: ما لا يجوز بيعه في بعض الأحوال للغرر كالثمر قبل بدو صلاحه،
والآبق والشارد والجنين.
الصقلي عن محمد: يجوز ارتهان الآبق والشارد إن قبضه قبل موت صاحبه وفلسه.
المازري: في رهن ما فيه غرر في عقد البيع، قولان بناء على أن للرهن حظ من الثمن أو لا؟
وعلى المنع في فساد البيع بشرطه قولان، وسمع عيسى ابن القاسم: من باع رجلًا بيعا فرهنه خدمة مدبره، لا يعجبني إلا أن يكون مخارجًا أو مؤاجرًا، فيرهنه أجرته.
ابن رشد: إنما لم يجز رهن خدمة المدبر للغرر؛ إذ لا يدري مبلغ ما يؤاخر به، ومعناه: أنه في أصل البيع على القول بمنع رهن الغرر في عقد البيع، والمشهور جوازه، وهو ظاهر قول ابن القاسم في إطلاقاته في المدونة إجازته رهن الثمرة قبل بدو صلاحها، والزرع قبل بدو صلاحه، وأجاز في كتاب المدبر رهن المدبر، ولم يفرق بين كونه في العقد أو لا، وإذا جاز رهن المدبر مع غرره؛ إذ لا يباع في حياة الراهن فخدمة المدبر أخف؛ لقدرته على مؤاجرته في الوقت، ورهن إجارته إن كان مؤاجرًا واضحة، وحيازتها بإشهاد المرتهن على الراهن بحضرة المستأجر، فإذا حلت الإجارة قبضها المرتهن، وطبع عليها أو تجعل على يدي عدل.
وفي قوله: (إلا أن يكون مخارجًا) نظر؛ لأن كونه مخارجًا هو أن يكون السيد ضرب عليه خراجًا معلومًا كل يوم أو كل شهر، وإذا كان كذلك فلا يصح ارتهانه؛ لأن الرهن لا يتم إلا بالحووز، ولا يصح حوز العبد للمرتهن ما عليه من الخراج؛ لأن يده كيد سيده.
قلت: في قوله: (نظر) نظر؛ لأنه يتقرر الحوز في الخراج بما قرره في الإجارة، وإنما فرق ابن القاسم بينهما؛ لأن قدر الإجارة مجهول، وقدر الخراج معلوم.
الشيخ: عن ابن حبيب: قال أصبغ: من رهن مدبره فحل أجله ولا مال له، كان المرتهن أحق بإجارته من الغرماء، وفي منع رهن الجنين وجوازه قول الشيخ معروف قول مالك منعه، وأجازه ابن ميسر كالآبق، وقيل لمحمد: أيجوز رهن ما تلده هذه الجارية أو هذه الغنم، فلم يذكر جوابًا.
قلت: لم يحك ابن الجلاب إلا الجواز، وعزاه ابن حارث لابن الماجشون، وسمع
القرينان: لا يجوز رهن الأمة الحامل دون جنينها.
ابن رشد: قال بعض أهل النظر: لأن استثناءه في البيع لا يجوز، وليس بالبين؛ لأن علته في البيع صيرورة البائع مشتريًا له بناء على أن المستثنى مشتري، وعلى أنه مبقى لا موجب لمنعه، وعلى هذا جوازه عند من أجازه وهذا لا يتصور في الرهن؛ لأن الأم والجنين باقيام على ملك البائع، إلا أنه لما منع رهن الجنين دون أمه إتباعا على غير قياس منع رهن الأم دونه استحسانا دون قياس، وكان القياس رهن كل واحد منهما دون الآخر، كرهن الثمرة التي لم تؤبر دون الأصل، ولما ذكر المازري قياس منعه في الرهن على البيع.
قال: على أن المنع في البيع للغرر، والرهن قد يجوز فيه الغرر، لكن الولد كعضو من أمه، فكما لا يجوز استثناء عضو منها في الرهن، فكذا الجنين.
قال: والغرر في الجنين أشد منه في الثمرة؛ لأنها موجودة مشاهدة، والغرر في ترقب إبانها، والجنين الضرر في تقرر وجوده وكيفيته حين وضعه، وغرر الآبق أخف منه، ورهن ثمر لم يخلق من شجر معلومة كالجنين، ولابن رشد في رسم شك رهن العبد الصغير الذي لا يفرق بينه وبين أمه في البيع، بشرط أن يحوزه دون أمه فاسد يفسخ وشرط حوزه معها جائز، وفي كراهته ابتداء قول مالك في سماع يحيى، وقول ابن وهب وهو الأظهر، وإن رهنه دون شرط فسمع أبو زيد ابن القاسم يجبر على تحويزه في أمه معه، ويتخرج فيها قول آخر من قولها في التجارة بأرض الحرب: وهو إن أبى الراهن أن يحوز الأم، وأبى المرتهن إلا أن يحوزه، رهنه أن يباعا معًا، فيكون للمرتهن رهن مناب الولد، ولما ذكر المازري قول ابن القاسم: لا يجوز رهنه إلا مع أمه، وأنه حمل على المعية في الحيازة، قال: وقال ابن شعبان: لا يرهن دون أمه حتى يثغر، إلا أن يرهن معها كالبيع.
قلت: ففي رهنه دونها مع شرط حوزه معها الجواز والكراهة، والمنع، وعزوها ظاهر، والمعروف جواز رهن الثمر قبل بدو صلاحه، وتقدم نقل الخلاف فيه في العقد، وذكر غير واحد المنع فيه مخرجًا خلاف ذكره ابن رشد رواية لابن القاسم.
المازري: رهن ثمرة لم تخلق كالجنين.
قلت: ظاهر الروايات خلاف ذلك.
وقال ابن حارث: اتفق ابن القاسم وابن الماجشون على ارتهان الثمرة التي لم تظهر، واختلفا في ارتهان ما في البطن، أجازه عبد الملك كالثمرة، ومنعه ابن القاسم، وقال المازري في آخر جواب ثالث: يجوز إفراد ثمر النخل بالرهن، وإن لم يظهر، وقد أجازوا ارتهانها سنين، وهي لم تظهر في السنة الثانية.
وفي التهذيب: من فلس أو مات فقام غرماؤه وله زرع أو ثمر وهو لم يبد صلاحه مذكور في التفليس.
قلت: فيه يحاص المرتهن بكل دينه، وفي كل ما أخذ في الحصاص، وإن قصر عنه ففي رده منه الزائد على واجبه في الحصاص بما بقي له بعد ثمن الراهن أو الزائد على جزء ما بقي له، المسمى للخارج من تسمية ما قبضه كل غرم من دينه طريقا ابن القاسم ويحيى بن عمر.
عبد الحق وغيره: هما في المعنى واحد، والخلاف في العمل والمردود كمال طرأ.
أبو حفص العطار: من ارتهن ثمر حل قبل ظهوره وفلس الراهن قبل ظهوره وقف، فإذا أبرت بيعت مع الأصل، وللمرتهن مناب الثمن، ولا حجة له إن طلب بيع النخل فقط يحاصص فيه بدينه، وتوقف الثمرة لبدو صلاحها، كمسألة الزرع لئلا يبخس في ثمنه؛ لأنه يقال له: كيف تضرب بدينك أجمع وأنت قادر على بيع رهنك، وإن كان فيه بخس كما يباع للدين على الغريم وفيه بخس، وإنما يمنع بيع الثمر لو كان بلا أصل، ككونه لغير الراهن؛ لأن بيعه على الجد فساد، ولو قال: لا تبيعوا الثمر وأضرب معكم بقدر ما يبقى من ديني لو قبضت، ثمن الثمرة والزرع، فإن كان على أنه إن هلك الرهن لم يرجع عليهم بشيء، فله ذلك، وليس للغرماء الامتناع من ذلك إلا أن يقولوا في بيع الأصل أو الأرض دون ثمر وزرع بخس، فلهم في ذلك متكلم.
وفي الجلاب: من ساقى حائطه من رجل ثم رهنه من غيره فلا بأس، وينبغي للمرتهن أن يستخلف مع العامل في الحائط غيره.
الصقلي عن الموازية: من ساقى حائطه ثم رهنه فليجعل المرتهن مع المساقي رجلًا أو يجعلانه على يدي عدل.
قال مالك: جعل بيد المساقي أو أجير له يبطل رهنه.
وفي الموازية: روى ابن القاسم: من أخذ حائطًا مساقاة، ثم ارتهنه قبل تمام السنة فليس حائزًا للرهن؛ لأنه محاز قبل ذلك.
قيل له: فما الفرق بينه وبين رهن فضلة الرهن، وقد تقدم فيه حوز.
قال محمد: هذا محوز له، والرهن محوز عنه.
الصقلي: القياس هما سواء.
قلت: يريد: أن الحائط محوز عنه.
ولسحنون في المجموعة: قول ابن القاسم: جواز ارتهان الرجل ما بيده مساقاة، وهو حوز المرتهن كمن أخدم عبدا ثم تصدق به على آخر، وسمع ابن القاسم: من رهن حائطه ووضعه بيد عادل فأراد العدل أن يساقيه ربه.
قال: أراه رهن رهنه ولا نراه رهنًا، ولا بأس أن يساقيه الذي له الدين من العدل.
قلت: صورتها أن العدل هو العامل في المساقاة، فإن عقدها من الراهن بطل الحوز، وإن عقدها من المرتهن لم يبطل على أصل المذهب في مباشرة عقد إجزاء العمل في الرهن، وقول ابن رشد في توجيه المسألة؛ لأن الرهن إن رجع لراهنه بمساقة أو إجارة بطل حوزه، وإن رجع من العدل لمرتهنه لم يبطل، وحيازته أقوى من العدل؛ لأنه في حوزه شاهد له اتفاقًا، وفي شهادته في حوز عدله اختلاف، إنما يتقرر على أن العامل في المساقاة في القسم الأول الراهن، ولا يصح تصورا؛ لأن لفظ السماع من رهن حائطه لا يفيد أن غلته رهن، وهذا يمنع كون ربه هو العامل لامتناع مساقاة الإنسان حائطه، ولا تصديقا؛ لأن رد العدل لربه بغير إذن مرتهنه لا يبطل الرهن، ولسماع أبي زيد ابن القاسم: إن اكترى الراهن رهنه ممن اكتراه من مرتهنه أجنبيًا عن الراهن لا يبطل حوزه، ولا يفسخ اكتراء راهنه، وفي بطلان ارتهان المستأجر عبدا أو دارا إياهما وصحته نقلا الصقلي عن محمد رواية عن ابن القاسم وابن عبدوس عن سحنون عن ابن القاسم.
اللخمي: في صحة حوز المرتهن المقارن عقد ارتهانه لاستئجاره قول ابن القاسم وغيره، وفي صحة حوز المستأجر ما في إجارته دليل قول ابن القاسم بصحته هبته له،
وقول ابن الماجِشون، وفي صحته مع استئجاره بعد الرهن قولا ابن القاسم وابن المعذل، فعلى قول عبد الملك لا يضمن الرهن، وفي ضمانه على قول ابن القاسم نظر، وقيل: يضمن القدر الباقي بعد قدر اللباس، وأرى أن لا ضمان عليه لتغليب الإجازة، وكذا قال ابن القاسم في الأجير على حمل شيء فلس ربه قبل حمله بعد إبرازه، وقبضه هو أحق به، ولو ادعى ضياعه قبل قوله: فإن انقضت الإجارة وغاب عليه لم يقبل قوله؛ لأنه محض رهن، ورهن ما هو مؤاجر في تقرر حوزه لمرتهنه بكونه بيد من استأجره ولغوه، ثالثها: هذا إن لم يرض المستأجر بحوزه لمرتهنه إلا أن يجعل المرتهن يده معه، للخمي عن ابن نافع، ورواية محمد واختياره ناقلًا عن ابن القاسم لم ارتهن بعيرا وهو في كراء إن كان المرتهن يعلفه، ويقوم به فهو حوز.
قال: وروى محمد من باع عبدًا أو ثوبًا أو دارا بثمن مؤجل على بقائه رهنًا به إلى أجله لم يجز، ولو جعله بيد أجنبي وكل من اشترى ما لا يدري متى يقبضه لم يجز، وأجازه أصبَغ في الواضحة في الدور الأرضين، لا في العبد، وأجازه إذا وضع بيد غيره، وأجازه في الجلاب في الربع والسلع، ومنعه في الحيوان من غير مراعاة كونه في يد البائع أو غيره، وأجازه ابن القُصَّار في كل الأشياء، وقال: إن شرط البائع أن نفس المبيع رهن جاز ولم يفسخ.
قلتُ: ففي منع شرط المبيع بثمن لأجل في عقد بيعه مع جوازه محوزًا بيد غير بائعه، وجوازه مطلقًا، ثالثها: في العبيد لا في الربع، ورابعها: في الحيوان مطلقًا لا السلع والربع، وخامسها: الأول مع كراهته بحوز أجنبي لرواية محمد، وقول ابن القُصَّار وأصبَغ وابن الجلاب ومحمد، وعزا ابن رشد في رسم الزيتون من سماع عيسى منعه في غير الربع لرواية ابن وهب، وقول ابن القاسم، وفي شرط وضعه على يد غير البائع قول ابن رشد: هو جائز، ومنعه أصبغ وأشهب.
قلتُ: وثالثها: كراهة محمد، وفي شرط رهن ما لا يعرف بعينه إن وضع عنه مرتهنه وقصره على العين والفلوس، قولها: ونقل الشيخ عن ابن عبدوس عن أشهب لا أحبه في العين والفلوس وإلا بالطبع، ولفظ ابن شاس في نقله عن أشهب كما تقدم.
وقال ابن الحاجب: ما لا يعرف بعينه إن لم يطبع عليه أو يكون عند أمين
امتنع مطلقًا.
وقال أشهب: إن كان نقد القوة التهمة.
قال ابن عبد السلام: ظاهر قوله أن الطبع عند أشهب واجب، ولفظ أشهب إنما هو لا أحب.
قلتُ: لعل ابن الحاجب حمل قوله: (لا أحب) على التحريم لتعليله بالتهمة على السلف، ووقع مثل هذا اللفظ لابن القاسم في النوادر، وفي سماع ابن القاسم: من اشترى ثوبًا بدينار فرهنه الدينار وهو فيه بالخيار فلا أحب ذلك إلا أن يطبع عليه أو يجعله على يد غيره، وكذا إن تسلف منه دراهم ورهنه دينارًا وتقدم رهن المدبر والأم دون ولدها وعكسه، ولا أعرف في رهن المكاتب نصا، ومقتضى اتفاق المذهب على صحة بيع كتابته ومنع بيع رقبته صحة رهنه مصر وفا تعلق رهنه بكتابته ورقبته إن عجز، وفساده إن علق ببيع رقبته دون عجزه، وربما اندرج في متقدم قولها: يجوز ارتهان ما لا يجوز بيعه في وقت ويجوز في وقت خلاف مفهوم قولها: من رهن عبدًا ثم أعتقه أو كاتبه، جاز إن كان مليًا وعجل الدين، وإن دبره جاز وبقي رهنا بحاله، لأن الرجل يرهن مدبره.
وفيها: إن خاف المكاتب العجز جاز رهنه أم ولده لا ولده.
وفيها: من استعار سلعة ليرهنها جاز، وبيعت في الدين إن لم يؤد الغريم ما عليه، وغرم ما أدى عنه من ثمن السلعة، ونقلها عياض وغرم قيمتها، قال: كذا عند شيوخنا، وفي رواية يحيى ابن عمر واختصار ابن محمد، وفي رواية: قيمتها، وفي أخرى ما أدى.
قال يحيى: وهو الصواب، وهو معنى رواية ثمنها، وقول أشهب.
وفيها: لو هلكت السلعة عند المرتهن وهي مما يغاب عليه، لا تبع المعير المستعير بقيمتها.
الصقلي: يريد: وكذا يلزم المرتهن، قال مالك: وكذا إن كانت لا يغاب عليها لم يضمنها مستعير ولا مرتهن، وفي سماع عيسى: إن كان المستعار ثوبًا فتلف ضمنه المرتهن لراهنه، وراهنه لربه.
ابن رشد: معناه أنه ضاع بيد المرتهن، ولو ضاع بيد عدل جعله بيده راهنه دون
ربه ضمنه راهنه فقط، ولو جعله معه ربه كان من ربه، وقال أشهب: إن ضاع عند المرتهن ضمن قيمته لراهنه وضمنه راهنه لربه يوم يطلبه به؛ يريد: أشهب: يضمن المرتهن قيمته يوم ضاع إذا علم كونه عنده يوم دعوى ضياعه على ما مر في رسم الرهون، وفي قوله: يضمن راهنه يوم يطلبه به نظر فتدبره.
وفيها: من استعار سلعة ليرهنها في دارهم مسماة فرهنها في طعام فقد خالف وأراه ضامنًا.
الصقلي: هذا إن أقر المستعير بذلك وخالفه المرتهن ولم يشأ المعير أن يحلف ليكون رهنه رهنا فيما أقر به من الدراهم، فإذا لم يحلف ضمن المستعير، ونقلها أبو محمد والرهن عبد فهو ضامن بتعديه.
قال: وقال أشهب: لا ضمان عليه في العبد، ويكون رهنا في الدراهم.
الصقلي: يريد إن حلف أو أقر المرتهن بذلك فيتفق القولان، ونقله أبو إبراهيم وقبله، وظاهر نقل ابن شاس أو قول أشهب خلاف قول ابن القاسم، وهو الصواب لقول ابن حارث اتفقوا على أن من استعار سلعة ليرهنها بكذا وكذا درهمًا أنه لا ينبغي له أن يرهنها بأكثر، ولا بخلاف، واختلفو إن رهنها بصنف غير ذلك من طعام وشبهه فقال ابن القاسم هو ضامن، وقال أشهب: إن كانت لا يغاب عليها فلا ضمان عليه، وإن كانت يغاب عليها فهو ضامن بسنة العارية، لا لأنه خالف، وأراه رهنا جائزًا في الذي أقر به المعير.
قال يحيى بن عمر: جواب أشهب خير من كلام ابن القاسم، وسمعت إنكار سحنون جواب ابن القاسم، ونماء الرهن لراهنه لا لمرتهنه إلا بشرط صحيح، سمع أصبغ ابن القاسم: لا بأس أن يشترط من يبيع البيع، ويرتهن الدار أو العبد أو الثوب انتفاعه به لأجل معلوم كان أبعد من أجل الرهن أو قبله.
ابن رشد: هذا كقوله فيهما خلاف قصر مالك جوازه على الربع والأصول دون الحيوان والثياب، قال: إذ لا يدري كيف يرجع ذلك إليه، واحتج ابن القاسم بجواز إجارة ذلك وهو لا يدري كيف يرجع إليه، ولا حجة على مالك؛ لأنه إنما كرهه للغرر في الرهن؛ إذ لا يدري ما تكون قيمته بعد استعماله.
قال التونسي: فعليه لا يجوز رهن الغرر، كالثمرة قبل بدو صلاحها في أصل البيع، خلاف ظاهر روايات المدوّنة وغيرها وكرهه مالك فيها، ولم يذكر حكمه إن وقع، ويتخرج فيه أربعة: فساد البيع والرهن، ومقابله، والكراهة ابتداء، وهو ظاهرها، وفساد البيع لا الرهن، فيكون رهنا بالأقل من الثمن أو القيمة وعكسه، قال: وتخريج التونسي منع رهن الغرر في العقد كالثمرة قبل بدو صلاحها يرد بأن غررها لا صنع لهما فيه، وغرر الانتفاع باشتراطهما، والمشهور جواز ارتهان الثمرة قبل بدو صلاحها في العقد.
وروى ابن القاسم في المبسوط: أنه لا يجوز، وقول عبد الحق عن القابسي أنما كرهه في الثياب؛ لأنها تضمن في الرهن لا في الإجازة، فكره اجتماعهما للشك في حكم دعوى المرتهن التلف، واختلف قوله في ضمان المرتهن الحيوان، فلعل قوله هذا على ضمانه غير صحيح، لنص مالك على علة قوله، ولو ادعى المرتهن تلف الثوب لوجب تغليب حكم الرهن.
وقال التونسي: ينظر إلى ما يذهب منه بالإجارة، فإن كان الربع ضمن ثلاثة أرباعه، وليس بصحيح؛ لأنه لم يستأجر منه ربع الثوب، وارتهن منه ثلاثة أرباعه؛ بل استأجر جميعه، وارتهن جميعه، والصواب تغليب حكم الرهن، فيغرم قيمته بحاله يوم يحكم عليه بضمانه إن ادعى تلفه قبل استعماله غرم قيمته على حاله يوم الرهن، وسقط عنه ذلك القدر من الإجازة، ونظر ذلك القدر كم هو من الجملة فيرجع بجزئه من قيمة ثوبة المبيع، أو يشاركه فيه إن كان قائمًا على اختلاف في ذلك لضرر الشركة وإن ادعى تلفه بعد انقضاء أجل انتفاعه ضمن قيمته ناقصًا على ما تقرر أن الاستعمال نقصه، وتلزمه الإجارة ولا يصدق إن ادعى بعد حلول الأجل أنه تلف قبل ذلك على قول ابن القاسم: لا يصدق المستأجر حين حلول الأجل أن ضياعة كذان قبل ذلك، في إسقاط الأجرة إلا ببينة على الضياع أو على التفقد الطلاب وخالفه غيره.
وفيها: شرط منفعة رهن دين القرض لا يجوز؛ لأنه سلف جر نفعًا.
وفيها: لا يجوز لراهن ثوب رهن فضلته من مرتهن آخر إلا بإذن الأول ليجوز للثاني، وسمع القرينان: من رهن رهنًا في سلعة لستة أشهر، ثم رهن فضله في ثمن
سلعة لشهر من آخر، قال له: فلان مبدأ عليك، فحل أجل الأخير قبل الأول ولم يكن علم أن حق الأول لستة أشهر بيع الرهن، وأعطى منه للأول حقه، ولا يوقف لحلول أجله، ويعطي منه للأخير ما فضل.
ابن رشد: لم يذكر أن المرتهن الأول علم بالرهن الآخر وصحح رهن فضلة رهنه رهن فضلة رهنه، فقال ابن دحون: قوله هذا خارج عن الأصول كيف يكون فضله للثاني، والأول لم بقبضه له، وهذا غير لازم؛ لأن المسألة محتملة للتأويل، وفي صحة رهن فضل الرهن الذي بيد مرتهنه مطلقًا أو بشرط علمه بذلك، ثالثها: بعلمه ورضاه لأشهب في الواضحة مع ابن القاسم في المبسوطة وأصبغ، ومشهور قول مالك فيها وفي غيرها.
قلتُ: ورابعها: لا يصح جواز الأول للثاني، ولو رضي حوزه له لنقل المازري رواية ابن القاسم: لا يصح هذا الرهن للثاني إلا أن يحوزه له غير الأول؛ لأن الأول إنما حاز لنفسه، قال: وتأويلها ابن القاسم بقوله: إلا أن يرضى الأول بحوزه للثاني خلاف ظاهريا.
قلتُ: سبقه بهذا الباجي وزاد.
وروى ابن الجلاب: لا يجوز رهن فضلة الرهن، وإن أذن الأول.
ابن رشد: وما بيد عدل المعتبر علمه، وقول مالك فيها: إن قبض المخدم قبض للموهوب له، وكذا المودع على قوله، وإن لم يعلم خلاف سماع سحنون في الصدقات والهبات، فظاهر قول مالك التفريق بين الرهن والهبة؛ لأن الرهن أقوى حيازة، ففي كون ذلك حيازة فيهما، ثالثها: في الهبة لا الرهن، وفائدة هذا هل مرتهن الفضلة أحق من الغرماء، أم لا؟ وإن لم يكن قيام غرماء، فلا كلام أن الفضل له، فيحتمل أن يكون إنما تكلم في هذه المسألة على أن المرتهن الثاني طلب فضلة الرهن في دينه لحلوله قبل حلول دين المرتهن الأول، ولا غرماء على الراهن، فيسقط اعتراض ابن دحون، ولو علم الثاني بأجل الأول لم يبع له حتى يحل.
وقوله: إذا بيع أعطى الأول حقه ولم يوقف معناه إن لم يأت برهن يشبه الرهن الأول، خلاف ما مضى في رسم الأقضية، الثاني من هذا السماع مثل سماع سحنون، وظاهر التجارة بأرض الحرب من المدونة ويشبه ألا يختلف في التعجيل في هذه المسألة؛
لأن الراهن أدخل على المرتهن بيع رهنه فأشبه ذلك بيعه بغير إذنه وما يبقى من الرهن بعد أن يباع منه بحق الأول مجهول، فيقوم من هذه المسألة رهن الغرر في العقد، وفيه قولان قائمان من المدونة من قولي مالك وابن القاسم في منع اشتراط منفعة الرهن وهو ثبات أو حيوان.
قلتُ: عبر في رسم الأقضية الثاني عن ما في التجارة بأرض الحرب بقوله: دليل ما في التجارة بأرض الحرب، لم يعينه وهو قوله: إن أسلم عبد النصراني فرهنه بعته، وعجلت الحق إلا أن يأتي برهن ثقة، وظاهر قول ابن رشد أنه إذا كان بيد عدل أنه لا يشترط علم الأول في رهن الفضلة من غير خلاف.
وقال اللخمي: اختلف في ذلك.
روى محمد: يجوز إذا رضي الأول، وقال أصبَغ: يجوز وإن لم يرض إن رضي العدل.
اللخمي: إن لم يكن من اجل الأول أبعد، لم يعتبر رضاه، وإن كان ودينه عرض من بيع لم يجز إلا برضاع إلا أن يرهن الثاني، على أن لا يقوم ببيع الرهن حتى يحل الأول، وفيه مغمز من الغرر، وإن كان دين الأول عينا أو عرضا من قرض جاز إذا دخل على أن يجعل حقه إذا حل الأول وإن لم يرض الأول، وهذا إذا علم العدل ورضي أن يحوز ذلك الفضل إذا بيع للأول، فيحول بين الراهن وبين ذلك الفضل، واختلف إن لم يرض قياسًا على المخدم، وقد تقدم.
قلتُ: في فهم كلامه هذا عسر وهو كما نقله في غير نسخة، ولا يفهم إلا على أن الضمير الفاعل المستكن في دخل إنما يعود على الغريم، وقوله: يعجل حقه؛ أي: الحق الذي عليه لا له، وعليه يصح اتصاله بقوله عقبه، وهذا إذا علم العدل ورضي أن يحوز ذلك الفضل إذا بيع للأول؛ أي يجوز دين الأول، وأطلق عليه فضلًا مجازًا باعتبار كونه زائدًا على القدر الواجب للثاني، لا على قدر دينه؛ لأن حق الأول مبدأ عليه.
وذكر الصقلي مسألة سماع القرينين من رواية ابن القاسم في الموازيّة.
وفيها: كما في السماع: قال مالك: أعلم الثاني أن حق الأول إلى ستة أشهر، قال: لا إلى آخرها، فقال التونسي: يحتمل أنه لو علم لم يجز البيع من الثاني؛ لأنه على أن يعجل للأول حقه فيصير بيعًا وسلفًا؛ لأنه لا يقدر على بيعه للثاني، إلا بتعجيل دين الأول،
وقبله ابن عبد السلام، ويرد بمنع ملزومية علمه ذلك لتعجيل حق الأول؛ بل لازمه الحكم عليه لعلمه ذلك بتأخير حقه لحلول أجل الأول، ويؤيده قول ابن حارث ما نصه: ونحا أشهب إلى أنه إن حل حق الثاني وقد علم أجل الأول أن لا شيء له، حتى يحل حق الأول، إلى هذا نحا في كلامه، انتهى.
قلتُ: وهذا نص بخلاف ما زعمه التونسي، وهو ظاهر مفهوم الكلام لمن تأمله.
قال ابن المواز: وقاله أشهب، قال هذا: إن بيع بعين أو بما يقضي بمثله، وحق الأول مثله ولم يبع بعرض وهو مثل ما عليه أو بدنانير ودينه دراهم او بطعام مخالف لما عليه ورضع له رهنا إلى حلول حقه.
وقال سحنون في المجموعة: سواء علم الأول أن حق الثاني يحل قبله أو لم يعلم أن بيع بمثل حقه عجل له، قال في موضع آخر: إلا أن يكون حقه طعامًا من بيع فيأبى تعجيله، فذلك له.
قال التونسي في نقل الموازيّة: إن بيع بغير العين إلى آخره، ظاهره ودين الأول من بيع، وجعل له تعجيله، وهذا غير معروف، وفي بيع الرهن بغير العين اعتراض.
قلتُ: ينبغي حملها على أن ذلك برضىً ممن له حقٌ في بيعه؛ لأن وجوب بيعه بالعين ليس من حق الله.
قال ابن الحاجب: إن رهن الفضلة برضى الأول وسبق أجل الثاني قسم إن أمكن وإلا بيع وقضيا، وقسمه إن انقسم لا أعرفه في هذه المسألة إلا في الجلاب، مثل ما ذكر المؤلف، وما وقع الحكم بالقسم في الموازية والعتبيَّة إلا في استحقاق بعض الرهن.
وفي سماع عيسى وأبي زيد ابن القاسم في رجلين لهما رهن بينهما، قام أحدهما ببيعه، وأخر صاحبه الغريم بحقه بقسم إن لم ينقص القسم حظ القائم فيباع له حظه لقضاء حقه، ويوقف حظ لقضاء حقه، ويوقف حظ من أخر الغريم، وإن لم ينقسم كذلك بيع وعجل حق القائم، وحق الآخر إن حلف ما أخره إلا لإعظاء رهن مثله، إلا أن يأتي الراهن برهن ثقة، فيأخذ فاضل ثمن رهنه عن حق القائم.
ابن رشد: في تعجيل حق المؤخر إن لم يأت الراهن برهن ثقة قولان، ويقومان من قوليهما في كتاب الرهن، وكتاب التجارة بأرض الحرب، قولها: ضمان الفضلة عن المرتهن
والرهن بيده قولا ابن القاسم وأشهب.
الصقلي: وبعض أصحابه: إنما يسقط ضمانها عن الأول إن أحضره حين رهن الفضلة أو علم كونه بيده حينئذ، وزاد عن أشهب في قوله: كما لو كان بيد الثاني وغيره، المبدأ عليه، فضاع لم يضمنه؛ لأنه رهن للأول، وإنما لهذا فضلة إن كانت، ولو وضع ما رهنه لرجلين عند أحدهما لم يضمن إلا ما هو رهن منه له.
اللخمي: على قول ابن القاسم: يضمن مرتهن الفضلة الفضلة إن وضع عليه يديه.
قلتُ: يرد بالفرق بما أشار إليه أشهب؛ وهو اعتبار أصالة الضمان حين وضع اليد إليه، فتأمله.
وفيها: من أقرضته مائة درهم برهن قيمته مائة درهم لم يجز قرضك إياه مائة أخرى على رهن بهما قيمته مائتان؛ لأنك انتفعت بزيادة وثيقة في المائة الأولى، وكذا لو كانت الأولى بغير رهن افترضته أخرى برهن بهما معًا، فإن فلس فالرهن رهن بالدين الثاني فقط.
اللخمي ومحمد: ومن له دين برهن قال له غيرمه قب الأجل زدني فيه وأزيدك رهنًا، إن كان في الأول وفاء بلا شك جاز، وقول ابن القاسم: أحسن؛ لأنه لا يزيده له فرضًا لزيادة رهن إلا لخوف في الأول، ولوحل أجل الأول وهو موسر أو معسر، وفي الرهن وفاء جاز قرضه برهن يرهنه بالدينين معا؛ لأن التخوف حينئذ إنما هو فيما يكون في المستقبل، وقد كان له أخذ حقه حالا، ونحوه للتونسي.
قال: وأجاز أشهب أن يسقط عنه بعض دينه على أن يعطيه رهنًا أو يبيع منه بيعًا، على أن يعطيه بثمنها، والدين الأول رهنًا، وكرهه كله ابن القاسم، وللصقلي في كتاب الحمالة عن ابن وهب، أجاز ابن أبي سلمة إذا حل الأجل أن يعطيك غريمك بدينك رهنًا وتؤخره؛ لأنك تقدر على أن يتبع عليه ذلك الرهن، إلا أن يتبين فلس الغريم، فلا يجوز لك؛ إذ لا يقع لك في الحصاص قدر حقك فهو سلف جر نفعًا.
قال مالك: إن حل دينه فقال له غريمه: أخرني وأسلفني، مالا آخر على أن أرهنك بهما رهنًا جاز، وقيل: إلا أن يتبين عدمه.
محمد: هو عندي جائز وإن بان عدمه، إن كان الرهن له.
الصقلي: يريد: لأنه شاء قبض دينه من ثمنه.
قال محمد: ما لم يكن عليه دين محيط فلا يجوز تأخيره بالدين الأول برهنه؛ لأنه يزاد بما أخره منفعة.
الصقلي: لأنه لو قام عليه الآن لحوصص، فبادر فيما أراد أن يرهنه بأخذه ليختص بالرهن.
وفيها: إن فلس فكل الرهن رهن بكل الدين الثاني فقط.
محمد: وقال بعض أصحابنا: يكون منه رهنًا بالثاني بمنابه منه، وبالأول أقول كرهن بثمن سلعتين استحقت إحداهما كله رهن بثمن الباقية.
وسمع عيسى ابن القاسم: معها غلة الحائط المرهون والدار والعبد كذلك لا يكون رهنًا إلا بشرط.
ابن رشد: هذا المشهور، وروى ابن القاسم في المبسوط دخولها فيه.
ابن الماجشون: لا أعرف هذا، وقول ابن الماجِشون: هو المعروف، ورواية ابن القاسم هذه شاذة لا تعرف.
الصقلي: قال بعض القرويين: إن كانت الثمرة يوم الرهن يابسة، دخلت فيه كالصوف التام.
قال: وإنما فرق بين مسألتي الكتاب أن الثمرة تترك لتزداد طيبًا، فهي غلة لم يرهنها، والصوف لا فائدة في بقائه، فلما سكت عنه كان رهنًا.
الصقلي: علة ابن القاسم أنه قاسه على البيع، فبطل هذا، ولهذا وجه في القياس؛ لأن الرهن لا يجري مجرى البيع في جميع وجوهه؛ لأن من باع نخلًا بها، ثمن لم يؤبر دخل في البيع، ولا يدخل في الرهن.
وفيها: لا يكون مال العبد الرهن رهنًا إلا بشرط.
ابن حارث: اتفاقًا.
قال: واختلف فيما يستفيده بهبة وشبهها، فقال ابن عبدوس عن ابن القاسم: لا يدخل إلا باشتراطه، وقاله أشهب، واحتج بالوصية أنا تدخل في الأرباح لا فيما لم يعلمه الموصي، وقال يحيى بن عمر: يدخل، وهي أشبه بالبيع من الوصية.
التونسي: في "الموازيَّة": إذا شرط مال العبد في الرهن لا يدخل ما أفاد فيه، والأشبه دخوله كشرط ماله إذا ابتيع على خيار، فما أفاد من مال دخل فيه.
وفي المدوّنة: فيمن كوتبت على خيار ما أفادت في أيامه لسيدها، وهو فيها لابن القاسم، والمعروف الأول.
المازري: قيل في الأرباح: إنها كالفوائد في الزكاة، فأشار إلا تخريج الخلاف في ربح مال العبد.
قال ابن الحاجب: وكذا لا يندرج مال العبد وخراجه.
ابن عبد السلام: حكى بعض الشيوخ: أنه لا يدخل في الرهن عند الجميع، وقال ابن رشد: أن ذلك يدخل في الرواية الشاذة، ومال العبد، ولا أعرفه له، إنما قاله في الكراء وخراج العبد.
الصقلي: قال في المجموعة: يجوز رهن مال العبد دونه، فيكون له معلومه ومجهوله يوم الرهن إن قبضه، ولا ينفرد في البيع؛ لأنه غرر.
وفيها: من ارتهن أمة حاملًا كان في بطنها وما تلد بعد ذلك رهنًا معها، وكذا نتاج كل الحيوان.
ابن رشد: لأنه كجزء منها.
قلتُ: وتقدم نحوه للمازري في منع استثنائه، وكان يجري في المذكرات تعقب كونه كالجزء بأنه لو كان كذلك للزم من عتق الجنين عتق أمه، كعتق أمه، كعتق يدها وليس كذلك، ويجاب بأن الجزء لازم ومفارق، فالملزوم للعتق الملازم لا المفارق.
وفي الجلاب: وفراخ النخل والشجر رهن من أصولها.
وفيها: ولا يدخل صوف الغنم وألبانها في رهنها إلا صوفًا كمل نباتها يوم الرهن، فهو رهن معها، ولغير واحد عن أشهب: لا يكون رهنا مطبقا كلبن في ضروعها.
قلت: وهو ظاهر قول الجلاب: لا يدخل صوف الغنم إلا بشرط.