المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[باب المضمون] المضمون: ما يتأتى نيله من الضامن أو ما يستلزمه - المختصر الفقهي لابن عرفة - جـ ٦

[ابن عرفة]

فهرس الكتاب

- ‌[باب الفوات في المبيع]

- ‌[كتاب البيوع الفاسدة]

- ‌[باب بيع الاختيار]

- ‌[باب الإقالة]

- ‌[باب في شرط الإقالة في الطعام قبل القبض]

- ‌[باب التولية]

- ‌[باب الشركة]

- ‌[باب بيع المساومة]

- ‌[باب المرابحة]

- ‌[باب المزايدة]

- ‌[باب الاستيمان]

- ‌[باب المرابحة]

- ‌[باب صيغة قدر الربح والوضيعة]

- ‌[باب في قدر الوضيعة]

- ‌[باب فيما يحسب له الربح من عوض المبيع]

- ‌[باب في الغش]

- ‌[باب الإبار في النخل]

- ‌[كتاب العرية]

- ‌[باب في شروط رخصة العرية]

- ‌[باب في الذي يبطل العرية]

- ‌[كتاب الجوائح]

- ‌[باب فيما يشترط فيه الثلث في وضع الجوائح]

- ‌[كتاب السلم]

- ‌[باب فيما يعتبر في عوض السلم]

- ‌[باب حد الكبر في الخيل]

- ‌[باب في الذمة]

- ‌[باب ما يلزم فيه قضاء المسلم فيه من الجانبين]

- ‌[باب حسن الاقتضاء والقضاء]

- ‌[باب في جواز اقتضاء غير جنس ما أسلم فيه]

- ‌[كتاب القرض]

- ‌[باب في متعلق القرض]

- ‌[باب المقاصة]

- ‌[كتاب الرهن]

- ‌[باب صيغة الرهن]

- ‌[باب المرهون]

- ‌[باب في شرط الرهن]

- ‌[باب المرهون فيه]

- ‌[باب في صفة قبض الرهن فيما ينقل وضبطه فيما لا ينقل]

- ‌[باب في حوز الرهن]

- ‌[كتاب التفليس]

- ‌[باب في دين المحاصة]

- ‌[كتاب الحجر]

- ‌[باب في صيغة الإذن في التجر]

- ‌(باب في المرض المخوف)

- ‌[كتاب الصلح]

- ‌[كتاب الحوالة]

- ‌[باب صيغة الحوالة]

- ‌[باب في شرط الحوالة]

- ‌[كتاب الحمالة]

- ‌[باب المتحمل له]

- ‌[باب في الحميل]

- ‌[باب ما تسقط به الحمالة]

- ‌[باب المضمون]

- ‌[باب صيغة الحمالة]

الفصل: ‌ ‌[باب المضمون] المضمون: ما يتأتى نيله من الضامن أو ما يستلزمه

[باب المضمون]

المضمون: ما يتأتى نيله من الضامن أو ما يستلزمه فيدخله الوجه، وكل كلي؛ لأنه الجزئي الحقيقي كالمعين من غير المعين؛ ولذا جازت بعمل المساقاة؛ لأنه كلي حسبما دلت عليه أجوبتها مع غيرها، وتوقف فيها بعض المفتين.

وفيها: لايجوز الكفالة بها ابتعته من شيء بعينه، وتجوز بها أدركه من درك في المبيع، فيغرم الثمن حين الدرك في غيبة البائع وعدمه، ولشرط خلاص السلعة؛ لم يجز الكفالة، ولم تلزم.

قال غيره تلزمه، فعليه الأقل من قيمة المبيع يوم الاستحقاق أو الثمن.

قال ابن القاسم: إن شرط المبتاع على البائع خلاص السلعة في الدرك، وأخذ منه كفيلاً بذلك بطل المبيع والكفالة كمن باع ما ليس له، واشترط خلاصه على اشتراطه ولو عقد البيع على اشتراطه فسد البيع.

عياض: حمل بعضهم أول الكلام على أن الكفالة لم تشترط في العقد فصح، وفي آخره على اشتراط فيه ففسد، وقيل: إنما تعرض أولا للزوم الكفالة وسقوطها، وأخرى على جواز البيع وفساده،

وقيل: في جوازه بلزوم سقوط الشرط، وتخييره في التماسك به، فيفسد البيع وإسقاطه فيصح قولان.

ص: 513

والجزئي غير الحقيقي كالكلي في ثاني نكاحها، والرواحل منها من ابتاع سلعةً بدراهم بعينها غائبة؛ لم تجز إلا أن يشترط عليه بدلها إن كتبت، ومن ادعى دابة بيد رجل أراد وقفها بشبهة أتي بها بترك وقفها إلى إثبات بضامن ما جاء فيها، وأخرجت للراعي فهاتت ضمانه إياها قولا سحنون في نوازله، ونقل ابن رشد عن أصبغ بناء علي ظاهر اللفظ، والمعني وهو الأظهر؛ لأن المعني ضمان ما يغشى ممن هي بيده من تغيبها أو هروبه.

قلت: هذا يشبه ضمان المعين.

عياض: هي الجنايات والحدود والقصاص، وعقوبات الأبدان لا يصح، لأصبغ في الواضحة في الفاسق المتعسف بالقتل، وأخذ المال يعطي حميلا بما اجترم من قتل، ومال فأنه يلزمه ويأخذ مما يؤخذ به إلا أنه يقتل.

قال فضل: انظر هل أراد أنه يؤخذ بما اجترم من المال إلا القتل والجراح، أو يؤخذ بالدية في القتل؟.

قال عياض: فعلي هذا هو مذهب التي الذي يلزم الحميل بالنفس في القتل والجراح، أو لم يأت به ودي دية المقتول وأرش الجراح.

اللخمي: المطلوب بحق الله لا يترك بحميل، كالحامل من زنى تسجن، وإن كان ذلك بإقرارها فالأمر واسع؛ لأن لها إن ترجع، واختلفت الأحاديث في الغامدية في بعضها أمرها رسول الله صلي الله عليه وسلم بالانصراف حتى تضع، وفي بعضها أنه كفل بها، واختلف هل الهروب رجوع، وهل يقبل الرجوع دون عذر؟ فمن أجازها يجيز الترك بغير حميل، ومن تحمل بطلب من ثبت عليه حد هروبه، فإن ثبت بينة أزام الوفاء بالحمالة، وإن ثبت بإقراره طلبه على الخلاف، وحميل المتحمل به مانع اتفاقا، وحمل وقت الحمالة بالحق.

قال اللخمي: إن تحمل بعرض أوثمن مبيع ففي عقد بيعه بخروج العطاء جاز، وتختلف إن كان في عقده، والثمن لأجل معلوم، إن كان البيع والحمالة بخروج العطاء.

ص: 514

فسد البيع إن لم يكن المشترى من أهل الديوان، وان كان من أهله، فكرهه مالك مرة، وخففه أخرى لحاجه الجند إلى القيمة، وجهل بقدره بشرط ما يسقطه.

قال ابن الحارث فيه: إن شرط الحميل تقرر انه إن مات؛ فانه لا شيء على ورثته، وان مات رب الدين؛ فلا شيء على الحميل، جاز اتفاقاً، وان كان في عقد بيع ففي فسخه وسقوط الحمالة، وصحة سماع أصبغ ابن القاسم وقوله.

قلت: في نص السماع: فال أًصبغ: أرى جوابه هذا على عجلة، وغير علم بالمسألة، وأنه أجاب جواب غيرها مما سبق على ظنه بها، وإلا فلا.

ابن رشد: في فساد البيع مع سقوط الحمالة وصحتها وصحة البيع، وسقوط الحمالة رابعها: عكسه لابن القاسم وأصبغ وغيرهما، والخلاف فيه كالبيع على رهن فاسد حسبما مر، وقول بعض أهل العلم: النظر قول ابن القاسم هذا خلاف قولها باجازه البيع على رهن ذي غرر كالثمر قبل بدو صلاحه غير صحيح؛ لأن غرره الثمرة لا بصنعهما، وغرة الحمالة بصنعها، وهذه المسألة من غريب المسائل على مذهب ابن القاسم؛ لأنه يجيز الحمالة إن انفردت عن البيع ويبطلها ويفسد البيع إن اشترطت في أصله وفرق أشهب بين الرهن والحمالة الصحيحين من أصل البيع الفاسد، فأبطل وجعل الرهن رهناً بالأقل من الثمن أو القيمة، وابن القاسم يبطل الرهن والحمالة في أحد أقوالة، ومن تحمل لفلان بما له على فلان لزم غرم ما أقر به فلان بإقراره، ووقفه على ثبوته ببينة نقلا اللخمي قولا ابن القاسم في الدمياطية والمدونة، قال: والأول أحسن في البزاز فيما العادة فيه في المداينة فيه بغير بينة، وسمع عيسى رواية ابن القاسم: من قال: أنا حميل بما بويع به فلان؛ لم يلزمه شيء مما بويع به إلا ببينه لا بإقراره وكذا من شكا إليه مطل رجل، فقال: ما عليه علي لم يلزمه ما أقرب به المطلوب إلا ما ثبت ببينه أن يداين بمثله المحمول عنه، ولا خلاف فيه عندي، ولا في مثله الشكوى، وقال من أدركنا من الشيوخ هاتان المسألتان، خلاف دليل قولها فيمن قال لي: على فلان ألف درهم، فقال الرجل: أنا بها كفيل، فأنكر فلان أنه لا شيء انه لا شيء على الكفيل إلا ببينة على الحق؛ لأنه الذي عليه الحق قد جحده، فقوله: لأن الذي عليه الحق قد جحده يدل على أنه لو أقر لزمته الحمالة، وليس بصحيح، لأن المسألتين مفرقتان من قال لمن قال: لي على فلان

ص: 515

ألف درهم أنا بها كفيل؛ لزمته الكفالة بإقرار المطلوب اتفاقاً، ولو قال لي: على فلان حق، فقال الرجل: أنا به كفيل، لم تلزم الكفالة بما أقر به المطلوب وأخذه ذلك من دليل قولها، لأن الذي عليه الحق قد جحده، فإن عيسى سمع مثله خلاف نقل ابن رشد، الاتفاق على عدم لزومه، وفي دعواه الفرق دون بينة نظر؛ لأن رد مستدل عليه بدعوى عرية عن دليل لغو، وإنما اختلف فيمن قال: أنا كفيل لفلان بألف دينار له على فلان في غرمها الكفيل، ولو أنكرها المطلوب، ثالثها: إن كان عديماً، وعلى الأول: لا يلزم المطلوب غرم المحيل إلا ببينة بالحق لسماع يحيى ابن القاسم مع كتاب ابن سحنون، ورواية أشهب، وما يقوم من قول ابن القاسم في أول رسم من سماعه من كتاب الشهادات حسبما تقدم.

قلت: في الشفعة منها: من تكفل بنفس رجل، ولم يذكر ما عليه جاز، فإن غاب المطلوب، قيل: للطالب أثبت حقك ببينة، وخذه من الكفيل، وإن لم تقم بينة، وقال لي: على المطلوب ألف درهم؛ فله أن يحلف الكفيل على علمه، فإن نكل حلف الطالب، واستحق.

قلت: انظر هذا مع متقدمي قول ابن رشد: تلزمه الكفالة بما أقر المطلوب إلا ببينة قولاً واحداً.

الصقلي: ولا يرجع الحميل على الغريم بما حمل بنكوله إلا أن يقر الغريم؛ فللكفيل أن يغرمه، فإن نكل غرم.

قلت: وعرضت بمسألة النكاح الأول في الرسول يضمن الصداق عمن أرسله إلى امرأة يخطبها، فأنكر العدد الذي عقد به فلم يضمن ابن القاسم الرسوم وضمنه غيره.

ابن عبد السلام: وللشيوخ كلام في قول الغير: إنما يلزمه ما يشبه أن يداين بمثله المحمول عنه هل هو تفسير أو خلاف.

قلت: لا أذكر من حمله على الخلاف؛ بل نص.

الصقلي: وابن رشد على أنه وفاق.

وفيها: لو رجع القائل دائن فلاناً، وأنا به حميل، فقال: قبل أن يداينه: لا تفعل قد بدا لي في الحمالة؛ فذلك له بخلاف قوله: أحلف وأنا ضامن، ثم رجع قبل حلفه، لم

ص: 516

ينفعه رجوعه؛ لأنه حق وجب عليه، ففرق عبد الحق بأنه في الحمالة لم يدخله في شيء، والآخر ادخله في ترك الغريم ورفع طلبه، ولأن حلف الطالب هو مستقل به، والمعاملة لا يستقل بها بنفسه، ولأنه في الحلف ضمن شيئاً وجب، وفي المعاملة لم يجب بعد.

اللخمي: إن سمى القدر الذي يداين به؛ لم يكن له عنه رجوع، ويختلف أن أطلقه، فقال ابن القاسم: له أن يرجع، واختلف قول مالك في هذا الأصل إذا أكرى مشاهرة، فقال مرة، لا يلزمه شيء؛ لأنه لا غاية له، وألزمه مرة شهراً، وكذا اختلف فيمن أعار أرضاً، ولم يضرب أجلاً هل تلزم العارية لمدة ما يرى أنه يعار إليها أو لا تلزم، وعلى أحد القولين يلزمه ذلك إلا أن يداين بمثله هذا، وإن داينه بأكثر من مداينة مثله مرة بعد مرة لزمه أولها، وسقط ما فوقه، وإن عامله بأكثر وأخذ فوق ما يعامله به مثله سقط عن الكفيل المطالبة بجميع ذلك.

وسمع عيسى رواية ابن القاسم من ترك مالا لم يدر قدره فتحمل ولده لغرمائه ديونهم على أن يخلوا بينه وبين التركة، فإن كان على أن يختص بفضل التركة عن الدين دون الورثة لم يجز، وإلا جاز؛ لأنه معروف، وهذا من أمر الناس، وفي سماع ابن القاسم من كتاب المديان: لو كان الدين ثلاثة أمثال التركة وورثه ولده فقط، فطلب تأخيره الغرماء سنتين على أن يضمن على دينهم لا بأس به، وبلغني مثله عن ابن هرمز ابن دحون، هذه المسألة رديئة، إلا أنه تبع فيها ابن هرمز؛ لأنه أخذ عيناً ليعطي إلى أجل أكثر منها، ولأنه ضمن ما يطرأ على أبيه من دين مجهول أو يطرأ دين لزمه، ولو شرط أنه لا يؤدي إلى دين من حضر لم يجز؛ لأن الغائب إذا قدم أخذ حظه من التركة ابن رشد هذا غير صحيح؛ إذ لا يجوز عند أحد من العلماء تقليد عالم لعالم فيما يراه باجتهاده أنه خطأ، إنما اختلفوا هل له ترك النظر في نازلة ليقلد من نظر فيها واجتهد، أم لا؟

ودليل مسائل مالك أن ذلك لا يجوز، فلم يتابع مالك ابن هرمز من دون نظر؛ بل أجازها بنظره، وحكى قول ابن هرمز احتجاجاً لصحة نظره، ووجهه أن المتروك لم يدخل في ضمان الغرماء، فيكونوا دفعوه فيما هو أكثر؛ لأن ذلك لو تلف كان من الميت، ولما كان باقياً على المتوفى؛ جاز أن يحل وارثه محله، والميت لو فلس ففعل ذلك مع الغرماء؛ جاز كذلك وارثه؛ ولذا لم يجزه مالك لأحد الورثة

ص: 517

إلا على الفصل بينهم لا له وحده.

وفيها: لا تجوز كفالة بكتابة، ومن عجل عتق عبده على مال جازت الكفالة به وكذا من قال لرجل: عجل عتق مكاتبك، وأنا بكتابته كفيل، وله اتباع المكاتب بذلك.

اللخمي: تجوز بالكتابة على أصل المذهب لإجازته أن يعطى رجل سيد عبد مالاً على أن يكاتبه، وهو لا يدري أيعتق أم لا؟ فكذا إذا لم يكاتبه سيده إلا بالحمالة، ولو كانت الكتابة نجماً واحداً، وقال الكفيل: حتى للأجل، وعجز وديته عنه جاز قولاً واحداً، وكذا إن قال سيده: قف عليه كل نجم فعجزه لأخر نجومه، فإن جيء لأجلها غرم كل ما عجز عنه وكان حراً، وإن مات قبل ذلك لم أتبعه بشيء.

وقال المازري إثر قوله: تخريج اللخمي على قول أشهب: هذا التخريج قد يقال فيه: من كاتب عبده على حميل بالكتابة أعطاه حميلاً بدين قد لا ثبت، وإنما تكون الحمالة بما يثبت، ومسألة أشهب إنما دفع له مالاً على أن يستأنف كتابة، ويسقط حقه في بيع العبد، وهذا مما ينظر فيه لإشكاله.

قلت: إنما يقرر التخريج لو كانت علة المنع غرر ثبوت العتق وعدمه، وليس كذلك؛ إنما هي عدم تقرر ثبوت المتحمل.

فإن قلت: المعنى في عدم ثبوتها أنها قد تؤدى إلى عدم الحميل دون رجوع على أحد؛ لاحتمال عجز المكاتب بعد غرم الحميل حال المانع؛ لأنه إذا قال: لا يرجع به على أمر الحصول وعدمه، وهذا في مسألة أشهب موجود.

قلت: المقصود في مسألة أشهب محقق الحصول، وهو نفس الكتابة لا المقصود منها، وهو العتق في الحمالة في الكتابة المقصود منها العتق، وقد لا يحصل فيؤدي لغرم المحلل مجاناً، وافتقارهم للتخريج، والبحث فيه يدل على عدم وجود هذا القول المخرج منصوصاً، وللصقلي في آخر كتاب المكاتب عن ابن عبد الحكم: لا بأس بالحمالة بالكتابة، كما لو تحمل رجل عن عبد غير مأذون في التجر بمال أو غير المولى عليه بشيء اشتراه أحدهما أن ذلك يلزمه، وإن ذهب ماله باطلاً؛ لأنه رضي بذلك.

قال الصقلي: ولا أعلم أن لي بهذا القول رواية ابن شاس: لا يجوز ضمان الجعل في الجعالة إلا بعد العمل، وتبعه ابن الحاجب: ولا أعرفه لغيرهما، وفيه نظر الغزالي في

ص: 518

ضمان الجعل من الحمالة وجهان، ومقتضى المذهب عندي الجواز لقولها مع غيرها بصحة ضمان ما هو محتمل الثبوت استقبالاً وقد تقدم، وتوجيه ابن عبد السلام نقل ابن الحاجب بقوله؛ لأن الحمالة قبل العمل ليست بعقد منبرم، فأشبهت الكتابة يرد بأن حمالة الكتابة تؤدي إلى الغرم مجاناً، حسبما تقدم؛ لأنها ليست ديناً ثابتاً، والجعل متى غرمه الحميل رجع به؛ لأنه بعد تقرره دين ثابت.

والحمالة: بالوجه جائزة ولو بوجه منكر.

فيها: من ادعى على رجل حقا فأنكره فتحمل به رجل آخر إلى غد على إن لم يأت به ضمن المال، فلم يأت به لم يلزمه حتى يثبت الحف ببينة حكمها لزوم إحضاره حيث يقدر الطالب عليه.

فيها: إن دفعه بموضع لا سلطان فيه، أو حال فتنة أو مفازة، أو حيث يقدر على الامتناع فيه إلا بما يمتنع في الموضع الذي ضمنه فيه.

اللخمي: إن كان المطلوب مقراً حين الحمالة صح تسليمه حيث لا بينة، وإن كان حينئذ منكراً، وأخذ الحميل عليه لإقامة البينة؛ لم يبرأ بتسليمه حيث لا بينة، وإن اشترط إحضاره ببلد، فأحضره بغير، حيث تأخذه الأحكام، ففي براءته نقلا ابن عبد الحكم، وتخريجها المازري على شرط ضمان ما لا يفيد نظر، ولو خرب الموضع المشترط فيه حضوره ففي براءته بإحضاره فيه نقلا ابن عبد الحكم.

وفيها: لو دفعه له وهو في السجن برئ؛ لأنه يحبس له بعد تمام ما حبس فيه.

الباجي: ولو كان حبسه في دين أو دم أو غيره، ويكفي قوله: برئت إليك منه، وهو في السجن فتناوبه اللخمي، كان سجنه في حق أو تعدياً.

قلت: في التعدي نظر؛ لأنه مظنة لإخراجه برفع التعدي عنه.

الباجي: شرط الإحضار كونه من المبيع أو وكيله على ذلك، وإحضار أجنبي لغو.

وفيها: وكذا لو أشهد الغريم أنه سلم نفسه إليه ضمن الحميل.

زاد في الموازية: إلا أن يأمره الحميل بذلك، فيكون كوكيل الحميل على ذلك، وهو إذا لم يرض الطالب قبوله إلا بتسليم الحميل، ولو قبله برئ كمن دفع ديناً عن أجنبي للطاب ألا يقبله إلا بتوكيل الغريم، وله قبوله إلا أن يكون كوكيل الحميل على ذلك،

ص: 519

وهذا أن يكون الحميل أنكره بدفع نفسه إليه، فإن أشهد بذلك أحداً برئ الحميل.

الباجي: سمع حسين بن عاصم، ولو شرط الحميل على الطالب إن لقيت غريمتك فتلك براءتي برئ بلقائه بموضع يقدر عليه.

المازري: المشهور عدم سقوطها، بتسليم الغريم نفسه للطالب؛ لكن محمد قال: المازري: المشهور عدم سقوطها، بتسليم الغريم نفسه للطالب؛ لكن محمد قال: إلا أن يكون الحميل أمر الغريم بذلك، فجعل هنا، مقابل المشهور قول محمد، وظاهر كلام الباجي أن قول محمد، وفاق ثم صرح المازري عن ابن عبد الحكم ببراءة الحميل بتسليم الغريم نفسه لا بقيد النيابة عن الحميل.

قال: واختاره بعض أشياخي، وزاد: إن تمكن الطالب من الغريم بحضوره بين يديه، وعدم امتناعه يبريه.

قال: وفيه نظر.

قال: إلا أن تقوم قرينة بإسقاطه الكفالة، والمشهور بطء إحضاره عديماً للمازري.

روى ابن الجهم: لا يبرأ إلا بإحضاره ملياً، وعبر عنه عياض، بقوله: روى ابن الجهم أنهما كحمالة المال، سواء تلزمه في كون ذلك، وزاد اللخمي في رواية ابن الجهم قال: لأنه تحمل وقت يسره، فيأتي به وقت عسره، فأتلف عليه ماله، والأول أبين إن كان معسراً وقت حلول الأجل، وإن كان ملياً، وأتى به معسراً لزمه المال، إلا أن تكون الحمالة بمال حال، وإن لم يتحمل ليؤخره.

قلت: ففي براءته بمطلق إحضاره أو بقيد كونه ملياً، ثالثها: بقيد كونه مساوياً لحاله وقت ضمانه، ورابعها: لحلوله وقت الدين للمشهور، ونقل عياض ورواية ابن الجهم، ونقلها اللخمي، واختياره.

وفي غرمه ما عليه بعجزه عن احتضاره قولان للمشهور، ونقل اللخمي مع غيره عن ابن عبد الحكم، وعلى المشهور في تعجيل غرمه بعد احتضاره نقل الصقلي عن ابن وهب، والمشهور، وقال الباجي: في قول ابن وهب لعله يريد من بعدت غيبته، وعلى التلوم في كونه يومين أو ثلاثة أو فيهما ونحوه نقلا لابن رشد عن سماع يحيى ابن القاسم، وقولها: قلت: إن لم يأت به والغريم حاضر أو قريب الغيبة مثل اليومين أو اليوم تلوم له، وإن بعدت غيبته غرم الحميل مكانه، ولما حكى الصقلي قول ابن وهب،

ص: 520

قال: قال بعض فقهائنا: ما في المدونة أشبه؛ لأن التلوم الحاضر ثلاثة أيام ونحوها، فإن كانت غيبته يوماً تلوم له ثلاثة يوماً لخروجه ويوماً للإقامة، ويوماً لمجيئه، وإن كانت غيبته ليومين؛ صارت مدة التلوم يومين لذهابه، ويومين لمجيئه، ويوماً لإقامته فيكثر التلوم.

قلت: هذا التقرير ينافي قولها: يتلوم في الغائب على يومين إلا أن يحمل قولها على التلوم لرجاء القدوم لا للخروج لإتيانه به، فتأمله، وكذا نقل ابن رشد في قدر التلوم ما يقدم فيه، فيه نظر؛ لأن ذلك القدر إنما وقع في السماع،

وفي المدونة: حداً للغيبة التي يتلوم فيها، لا حداً لمدة التلوم، ونص السماع: إن كانت غيبته قريبة اليوم، واليومين، ولثلاثة، ولا يضر بالطالب أخذا على قدر ما يرى الإمام.

اللخمي: هذا يقتضي أن يؤخر سبعة أيام سيراً، ورجوعاً وطلباً، وقوله: ما لا يضر بالمتحمل له حسن ليس الطالب المقيم كالمسافر.

قلت: ففي حد التلوم في قريب الغيبة ثلاثة أيام أو يوم ونحوه، وسبعة أيام، ورابعها: بحسب حال الطالب فيما لا يضر به، لنقلي ابن رشد ونقل اللخمي، واختياره، وعلى طريقة المازري.

قال المازري: قدر التلوم يوم ونحوه، وقيل: يومان، وقيل: ثلاثة، واختار بعض الأشياخ يوماً واحداً.

خامسها: يومان.

وسادسها: يوم فقط.

اللخمي: إن أمكن من الخروج لطلبه؛ فللطالب أخذه بحميل خوف عدم رجوعه إلا أن يرى أن مثله لا يخشى منه ذلك، فإن لم يرفع أغرم الحميل الثاني، ولو حكم بغرمه وأحضره قبله ففي سقوطه نقلا الصقلي عن سحنون، وقولها: ولم يضر.

اللخمي: الثاني: إلا لابن الماجشون، قال: وأرى إن قدم معسراً، وكان يوم حلول الدين موسراً مضى الحكم، وإن كان حينئذ معسراً رد الحكم، ولو دفع الحميل المال رد له، وإن كان في اليومين موسراً مضى الحكم، وهو كحميل بمال، واختلف هل يبرأ

ص: 521

بالحميل أم لا؟ ولو أثبت الحميل فقر الغريم في غيبته ليسقط حمالته، فقال المازري: يجري سقوطها بذلك عندنا على قولين؛ لأن حلف الغريم لو حضر مع البينة على فقره يمين استظهار لتهمته على أنه أخفى مالاً يمين التهمة ليس لها من القوة ما لا للأيمان، واختار بعض أشياخي سقوطها بذلك؛ لضعف يمين الاستظهار.

وفي سقوطها بموت الغريم مطلقا، أو ما لم يمت في غيبته لو كلف الحميل إتيانه به قبل موته، وقبل حلول أجل الدين عجز عنه قولان لها مع الصقلي، فاعتبار الأولى، من خروج الحميل وإتيانه بالغريم بناء على اعتبار امتناعه، وفي الثاني من اعتبار إتيان الغريم فقط، بناء على عدم امتناعه، وقول ابن الحاجب: وعن ابن القاسم: إن مات بعد الأجل لزم.

وإن قلت: غيره فاطرحوه وهم.

وفيها: لو غرم الحميل، ثم أثبت بينة موت الغريم في غيبته قبل القضاء رجع بما غرم على رب الدين.

المازري: وفي سقوط الحمالة بموت حميل الوجه، وتعلقها بتركته قولا ابن الماجشون، والمشهور بناء على قصر تعلق الحمالة على عين الحميل، أو بذمته، وعلى المشهور لو مات الحميل قبل الأجل؛ برئ الورثة بإحضاره.

محمد: ويكفي إحضاره بعض الورثة، وتعقب بعضهم سقوطها بإحضاره قبل الأجل؛ لأنه لا يفيد الطالب؛ ولذا لا يبرأ الحميل بذلك.

المازري: لعل محمداً يرى حلول الأجل في الموت بموت الحميل كحميل المال، وأن تأخير الطلب بها يوجب تعلقه بالتركة إن عجز عن إحضاره حين الأجل، فيلزم تأخير قسم التركة، وهو ضرر بالورثة، وللتونسي في شرح الموازية إثر نقله منها قول عبد الملك.

قال محمد: يقال للورثة: جيئوا بالذي عليه الدين وإلا ضمنتم.

قال التونسي: لم يذكر متى يجيئون به، ولعله أراد عند حلول الجل.

قلت: لو أراد عند حلول الأجل لقال: وإلا غرمتم، ولم يقل وإلا ضمنتم.

اللخمي: الصواب أنه لا يبرأ الميت بإحضار الغريم قبل حلول الجل، ويوقف

ص: 522

من تركته قدر الدين، فإن كان الورثة مأمونين وقف في ذمتهم.

وحمالة الطلب لا توجب غرم مال صيغتها حميل يطلبه، ويبرأ دفعه، ومثله قوله مع سماع أبي زيد ابن القاسم إن قال: حميل الوجه أطلبه، فإن لم أجده برئت من المال.

وفي المقدمات عن الموازية: قائل لا يضمن إلا وجهه لا يلزمه مال.

ابن رشد: وفيه نظر لا فرق بين قوله أنا ضمان لوجهه. وقوله: لا أضمن إلا وجهه.

وفي ضمان الوجه عليه: ومن ضمن الوجه؛ ضمن المال، كما لا فرق بين قوله: أسلفني فلان ألف درهم، وقوله: ما أسفلني إلا ألف درهم في وجوب الألف درهم، وإنما يصح قوله: إن كان لكلامه بساط يدل على إسقاط المال، مثل أن يقال: تحمل له بوجه، فلان فإن جئت به برئت من المال، فيقول: لا أضمن إلا وجهه وشبه ذلك.

وفيها: لغير ابن القاسم زيادة على قوله: إلا أن يمكنه بعد الأجل إحضاره ففرط فيه حتى أعوزه، فهذا قد غره، ومثله في سماع أبي زيد إن لم يحضره.

قال أشهب: أراه ضامناً إن أخره ثم خلاه.

اللخمي عن ابن الماجشون: إن قدر على إحضاره فتركه حتى غاب فقد غر، وقال في المبسوط: هو ضامن.

ابن القاسم: إن لم يعرف.

ابن رشد: فيها مع غيرها: إنما عليه إن غاب عن موضعه أن يذهب إليه إن كان قريبا، وليس ذلك عليه إن كان بعيداً، ولا يطلبه إن جهل موضعه.

اللخمي: لابن القاسم في الموازية: إن لم يعرف موضعها لم يسجن فيه إلا أن يتهم بمعرفة موضعه، فيسجن على قدر ما يراه السلطان، ويرجى له الرد على صاحبه.

اللخمي: إن قوي دليل تهمته بمعرفة مكانه، لد من طلبه وإظهاره، فأغرم المال كان له وجه.

قلت: في السماع المذكور إن قامت بينة أنه خرج وأقام بقرية ثم رجع، ولم يصل إلى الغريم سجن على قدر ما يرى السلطان وأما ضمان المال؛ فلا.

ابن رشد: في حد القرب الموجب طلبه بما يرى أنه يقدر عليه أو بأسفار الناس غير

ص: 523

النائية جداً، ثالثها: بيومين، وما لا مضرة فيه، ورابعها: يتلوم له الأيام، فإن لم يأت به حبسه حتى يأتي به، لابن رشد عن سماع أبي زيد، ولابن عب دالحكم عن ابن الماجشون في الواضحة قائلاً ابن حبيب: والشهر ونحوه من أسفار الناس كثيراً، وأصبغ وفضل عن ابن عبد الحكم.

لت: وفي السماع المذكور إن كانت غيبة الغريم لا تعرف لم يكلف الحميل، وإن كان ببلد يقوى مثله على السيرله؛ لزمه، فإن خرج حتى قدم، فقال: لم أجده، وقال الطالب: من يعرف بلوغه الموضع، فإن غاب قدر ما يبلغه صدق، وإن ضعف عن الخروج للموضع الذي نحاه الطالب؛ لم يلزمه.

اللخمي: هذا كقوله في الأجير على تبليغ كتاب، وخالفه غيره في الأجير، ويلزم على قوله: أن يكلف الحميل إثبات وصوله، ولما ذكر المازري تخريج اللخمي على قول الغير، قال: وفيه نظر؛ لأنه يريد أن يثبت بدعواه ديناً في ذمة، والدين لا يثبت إلا ببينة، والحميل لا يريد إثبات دين في ذمة، إنما يريد إثبات براءة من الطلب، ولا يمكن إقامة بينة عليه، فكان الغريم والطالب دخلا على تصديق الحميل، فهذا ينظر فيه.

وفيها: من أخر مدينه قبل حلول أجله لأبعد منه برهن أو حميل؛ لم يجز.

قال: والرهن والحمالة ساقطان.

الصقلي: لو كان الرهن في أصل العقد كان أحق به كقولها فيمن أخذ رهناً بثمن أو قرض على أنه إن لم يفتكه فالرهن له لم يجز، وهو أحق من الغرماء، وفي الموازية: إن مات أو فلس في الأجل سقطا، وفي الثاني: سقطت الحمالة فقط.

الصقلي: هذا على قول أشهب: الرهن بجعل جائزا، ولأنه بدخول الأجل.

الثاني: صار كرهن في عقد، وهذا أشبه، ولابن القاسم ثبوت الحمالة بعد الأجل الأول؛ لأنه كمن خرج من يده شيئاً؛ لاحتمال قدرته حين حل الأجل على أخذ حقه.

اللخمي: إن أراد إن لم ينقص ذمة الغريم عن حالها يوم الحمالة فهي ساقطة، وإن نقصت فعلى الحميل للقدر الذي نقص له كان التأخير إعطائه حميلاً ببدل، فقال: أجله إليه جائز مطلقاً، وإلى أجل دونه، والدين عين أو عرض كذلك، فإن كان عرضاً من بيع، والقصد نقع الطالب بالتعجيل؛ جاز، ولنفع المطلوب بإسقاط الضمان؛ لم يجز،

ص: 524

وأعطاه بعد حلوله لتأخير، والغريم موسر جائز، وكذا إن كان معسراً، والتأخير لم يرى أيسره إليه أو بعده.

وفي جوازه لما يرى اليسرة إليه أو قبله، قولا أشهب وابن القاسم: إن كان بالبعض؛ فالحمالة به ليؤخره جائزة، وكذلك ما هو به معتبر على تعجيل ما هو به موسر، وعلى تأخيره لا يجوز.

قلت: وهو معنى قول ابن الحاجب، وإن كان موسراً بالبعض؛ جاز ضمان أحدهما دون الجميع.

ابن عبد السلام: وفيه نظر إذا فرضنا أن حاله في العسر لا ينتقل لليسر في ذلك الأجل؛ لأنه لو كان موسراً بالجميع؛ لجازت المسألة، ولو كان معسراً لا يقدر على قضاء شيء من دينه؛ لجازت المسألة أيضاً.

قلت: لا يخفى على منصف سقوط احتجاجه على ما زعمه من النظر؛ لنه إذا كان معسراً بالجميع فلا عوض عن الحمالة بوجه، وإن كان موسراً بالبعض؛ فالعوض عنها موجود، وهو تأخيره بالبعض الذي هو به موسر يدخله ضمان بجعل، وسلف جر نفعاً حسبما قرره غير واحد.

اللخمي: من قيد حمالته بعسر الغريم أو جحده أو لدده أو غيبته أو موته لم يلزمه إلا ثبوت الشرط، فلو علقه بغيبته فحل الأجل وهو حاضر مقدور على طلبه، ففرط طالبه حتى غاب سقطت الحمالة، ولو قال: إن جحد أو افتقر؛ لم يلزمه إن غاب.

ص: 525