الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ إنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ» وَالْغَالِبُ فِي الصِّبْيَانِ أَنَّهُمْ لَا يَقُومُونَ فِي اللَّيْلِ فَإِذَا لَمْ يُصَلُّوا بِهِ فِي اللَّيْلِ وَلَمْ يَقُومُوا بِهِ فِي رَمَضَانَ وَالْغَالِبُ مِنْ حَالِهِمْ الِاشْتِغَالُ بِأَمْرِ الدُّنْيَا وَالْأَسْبَابِ الَّتِي تُعَوِّقُهُمْ عَنْ مُعَاهَدَةِ الْخَتْمَةِ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِنِسْيَانِهَا لِأَكْثَرِهِمْ
[فَصْلٌ فِي وُقُودِ الْقَنَادِيلِ لَيْلَةَ الْخَتْمِ]
ِ وَيَنْبَغِي فِي لَيَالِي رَمَضَانَ كُلِّهَا أَنْ يُزَادَ فِيهَا الْوُقُودُ قَلِيلًا زَائِدًا عَلَى الْعَادَةِ لِأَجْلِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ وَكَثْرَتِهِمْ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ فَيَرَوْنَ الْمَوَاضِعَ الَّتِي يَقْصِدُونَهَا، وَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ يَسَعُهُمْ أَمْ لَا وَالْمَوَاضِعَ الَّتِي يَضَعُونَ فِيهَا أَقْدَامَهُمْ وَالْمَوَاضِعَ الَّتِي يَمْشُونَ فِيهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَنَافِعِهِمْ. وَلَا يُزَادُ فِي لَيْلَةِ الْخَتْمِ شَيْءٌ زَائِدٌ عَلَى مَا فُعِلَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِ مَنْ مَضَى بِخِلَافِ مَا أَحْدَثَهُ بَعْضُ النَّاسِ الْيَوْمَ مِنْ زِيَادَةِ وُقُودِ الْقَنَادِيلِ الْكَثِيرَةِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْحَدِّ الْمَشْرُوعِ لِمَا فِيهَا مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَالسَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ سِيَّمَا إذَا انْضَافَ إلَى ذَلِكَ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ وُقُودِ الشَّمْعِ وَمَا يُرْكَزُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ فَاسْتِعْمَالُهُ مُحَرَّمٌ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِمَا فَهُوَ إضَاعَةُ مَالٍ وَسَرَفٌ وَخُيَلَاءُ.
وَبَعْضُهُمْ يَفْعَلُونَ فِعْلًا مُحَرَّمًا وَهُوَ أَنَّهُمْ يُعَلِّقُونَ خَتْمَةً عِنْدَ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَخْتِمُونَ فِيهِ وَتَخْتَلِفُ أَحْوَالُهُمْ فِيهَا فَبَعْضُهُمْ يَتَّخِذُهَا مِنْ الشُّقَقِ الْحَرِيرِ الْمُلَوَّنَةِ.
وَبَعْضُهُمْ مِنْ غَيْرِهَا لَكِنَّهَا تَكُونُ مُلَوَّنَةً أَيْضًا وَيُعَلِّقُونَ فِيهَا الْقَنَادِيلَ وَذَلِكَ مُحَرَّمٌ وَسَرَفٌ وَخُيَلَاءُ وَإِضَاعَةُ مَالٍ وَاسْتِعْمَالٌ لِمَا لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ مِنْ الْحَرِيرِ وَغَيْرِهِ، وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُ الْمَاءَ الَّذِي فِي الْقَنَادِيلِ مُلَوَّنًا.
وَبَعْضُهُمْ يَضُمُّ إلَى ذَلِكَ الْقَنَادِيلَ الْمُذَهَّبَةَ أَوْ الْمُلَوَّنَةَ أَوْ هُمَا مَعًا وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ بَابِ السَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ
وَالْبِدْعَةِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ وَمَحَبَّةِ الظُّهُورِ وَالْقِيلِ وَالْقَالِ. فَكَيْفَمَا زَادَتْ فَضِيلَةُ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ قَابَلُوهَا بِضِدِّهَا. أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَافِيَةَ بِمَنِّهِ. وَبَعْضُهُمْ يَفْعَلُونَ فِعْلًا مُحَرَّمًا وَهُوَ أَنَّهُمْ يَسْتَعِيرُونَ الْقَنَادِيلَ مِنْ مَسْجِدٍ آخَرَ وَهُوَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ قَنَادِيلَ هَذَا الْمَسْجِدِ وَقْفٌ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا مِنْهُ وَلَا اسْتِعْمَالُهَا فِي غَيْرِهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَفْعَلُ مَا هُوَ أَشَدُّ مِمَّا ذُكِرَ وَهُوَ أَنَّ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَرَحٌ فِي طُولِ السَّنَةِ اسْتَعَارَ الْقَنَادِيلَ مِنْ مَسْجِدٍ وَاسْتَعْمَلَهَا فِي بَيْتِهِ لِلسَّمَاعِ وَالرَّقْصِ وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ ثُمَّ أَفْضَى مَا ذُكِرَ مِنْ الْوُقُودِ إلَى اجْتِمَاعِ أَهْلِ الرِّيَبِ وَالشَّكِّ وَالْفُسُوقِ وَمَنْ لَا يُرْضَى حَالُهُ حَتَّى جَرَّ ذَلِكَ إلَى اجْتِمَاعِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مَعَ اخْتِلَاطِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ وَانْضَافَ إلَى ذَلِكَ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الْوُقُودِ اجْتِمَاعُ اللُّصُوصِ وَتَشْوِيشُهُمْ عَلَى بَعْضِ الْحَاضِرِينَ وَانْضَافَ إلَيْهِ أَيْضًا كَثْرَةُ اللَّغَطِ فِي الْمَسْجِدِ وَرَفْعُ الْأَصْوَاتِ فِيهِ وَالْقِيلُ وَالْقَالُ إذْ إنَّهُ يَكُونُ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَتَحَدَّثُونَ وَيَخُوضُونَ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُنَزَّهُ الْمَسْجِدُ عَنْ بَعْضِهَا فِي غَيْرِ رَمَضَانَ فَكَيْفَ بِهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ الْعَظِيمِ فَكَيْفَ بِهَا فِي لَيْلَةِ الْخَتْمِ مِنْهُ فَلْيُتَحَفَّظْ مِنْ هَذَا كُلِّهِ وَمَا شَاكَلَهُ جَهْدَهُ. وَهَذَا إذَا كَانَ الزَّيْتُ مِنْ مَالِ الْإِنْسَانِ نَفْسِهِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ فَلَا يَخْتَلِفُ أَحَدٌ فِي مَنْعِهِ. وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ ذَلِكَ لَمْ يُعْتَبَرْ شَرْطُهُ.
لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ» وَلِأَنَّهُ مِنْ بَابِ السَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَهَذِهِ عَادَةٌ قَدْ اسْتَمَرَّ عَلَيْهَا بَعْضُ أَهْلِ الْوَقْفِ سِيَّمَا فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ سِيَّمَا فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَإِنَّهُمْ يَفْعَلُونَ فِيهِ أَفْعَالًا لَا تَلِيقُ بِسَبَبِ سُكُوتِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ عَلَى انْقِلَابِ الْحَقَائِقِ. إذْ إنَّهُمْ لَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ سَرَفٌ وَبِدْعَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ لَرُجِيَتْ لَهُمْ التَّوْبَةُ وَالْإِقْلَاعُ وَلَكِنْ زَادُوا عَلَى ذَلِكَ اعْتِقَادَهُمْ أَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ مِنْ إظْهَارِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَإِذَا
تَقَرَّرَ هَذَا عِنْدَهُمْ فَلَا يَتُوبُ أَحَدٌ مِنْ إظْهَارِ الشَّعَائِرِ وَفِعْلِهَا فَمَنْ أَرَادَ السَّلَامَةَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ الْمَخُوفِ فَلْيُغَيِّرْ ذَلِكَ مَهْمَا اسْتَطَاعَ جَهْدَهُ، فَإِنْ عَدِمَ الِاسْتِطَاعَةَ فَلَا يُصَلِّي فِيهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ؛ لِأَنَّ بِصَلَاتِهِ فِيهِ يَكْثُرُ سَوَادُ أَهْلِ الْبِدَعِ وَيَكُونُ حُجَّةً إنْ كَانَ قُدْوَةً لِلْقَوْمِ بِأَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ قَدْ كَانَ سَيِّدِي فُلَانٌ يَحْضُرُهُ وَلَا يُغَيِّرُهُ فَلَوْ كَانَ بِدْعَةً لَمَا حَضَرَهُ وَلَا رَضِيَ بِهِ. وَهَذَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ زِيَادَةٌ فِي الدِّينِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مُعْضِلَةٌ إذْ إنَّ إثْمَ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ أَوْ أَمَرَ بِهِ أَوْ اسْتَحْسَنَهُ أَوْ رَضِيَ بِهِ أَوْ أَعَانَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مَا أَوْ قَدَرَ عَلَى تَغْيِيرِهِ بِشُرُوطِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ شَيْءٍ أُحْدِثَ فِي الدِّينِ فَلْيَجْتَنِبْ هَذَا جَهْدَهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. وَلَا حُجَّةَ لِمَنْ يَقُولُ إنَّهُ مُضْطَرٌّ لِلصَّلَاةِ فِيهِ لِتَحْصِيلِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ إذْ إنَّ الْفَضِيلَةَ مَوْجُودَةٌ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ إنْ كَانَ سَالِمًا مِمَّا ذُكِرَ وَيَتَأَكَّدُ التَّرْكُ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ قُدْوَةٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا حَضَرْت أَمْرًا لَيْسَ بِطَاعَةٍ لِلَّهِ وَلَا تَقْدِرُ أَنْ تَنْهَى عَنْهُ فَتَنَحَّ عَنْهُمْ وَاتْرُكْهُمْ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ مَخَافَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ الْحَقَّ إذَا شَهِدَهُ أَوْ عَلِمَهُ» نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ فِي كِتَابِهِ.
فَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ مَسْجِدًا سَالِمًا مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَلْيُصَلِّ فِي بَيْتِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ لَهُ وَأَقْرَبُ إلَى رِضَاءِ رَبِّهِ سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ إذْ إنَّ أَقْرَبَ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ الْمُتَقَرِّبُونَ إلَى اللَّهِ سبحانه وتعالى الْيَوْمَ بُغْضُ الْبِدَعِ وَمَحَبَّةُ السُّنَنِ وَالْعَمَلُ عَلَيْهَا وَمَحَبَّةُ أَهْلِهَا وَمُوَالَاتُهَا إذْ إنَّ الْفَنَّ قَدْ انْدَرَسَ إلَّا عِنْدَ مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ.
وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَجَنَّبَ فِي نَفْسِهِ وَيَنْهَى غَيْرَهُ عَمَّا أَحْدَثَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ إحْضَارِهِمْ الْكِيزَانَ وَغَيْرَهَا مِنْ أَوَانِي الْمَاءِ فِي الْمَسْجِدِ حِينَ الْخَتْمِ فَإِذَا خَتَمَ الْقَارِئُ شَرِبُوا مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ وَيَرْجِعُونَ بِهِ إلَى بُيُوتِهِمْ فَيُسْقُونَهُ لِأَهْلَيْهِمْ وَمَنْ شَاءُوا عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّكِ وَهَذِهِ بِدْعَةٌ لَمْ تُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ رضي الله عنهم وَهَذَا الَّذِي ذُكِرَ لَا يَخْتَصُّ بِلَيْلَةِ الْخَتْمِ بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فَعَلُوا ذَلِكَ فِيهَا