الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَاجِعُونَ عَلَى قَلْبِ الْحَقَائِقِ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ هُوَ الصَّوَابُ وَالْأَفْضَلُ وَلَوْ فُعِلَ ذَلِكَ مَعَ اعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُ بِدْعَةٌ لَكَانَ أَخَفَّ أَنْ يُرْجَى لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَتُوبَ.
[فَصْلٌ التَّبْلِيغِ فِي الصَّلَاةِ وَالْجَمَاعَةِ]
(فَصْلٌ) ثُمَّ اُنْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكَ إلَى هَذِهِ الْبِدْعَةِ كَيْفَ جَرَّتْ إلَى أَمْرٍ مَخُوفٍ، وَهُوَ وُقُوعُ الْخَلَلِ فِي الصَّلَاةِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَمَّا أَنْ فَعَلُوا الْأَذَانَ فِي جَمَاعَةٍ مَضَوْا عَلَى ذَلِكَ التَّبْلِيغِ فِي الصَّلَاةِ وَالْجَمَاعَةِ إذَا بَلَّغُوا مَشَى بَعْضُهُمْ عَلَى صَوْتِ بَعْضٍ مَعَ رَفْعِ أَصْوَاتِهِمْ بِالتَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى مَا يُعْلَمُ مِنْ زَعَقَاتِ الْمُؤَذِّنِينَ، وَذَلِكَ يُذْهِبُ الْحُضُورَ وَالْخُشُوعَ أَوْ بَعْضَهُ وَيُذْهِبُ السَّكِينَةَ وَالْوَقَارَ أَيْضًا.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي صِحَّةِ صَلَاةِ الْمُسْمِعِ الْوَاحِدِ وَالصَّلَاةِ بِهِ وَبُطْلَانِهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: تَصِحُّ، لَا تَصِحُّ، الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَأْذَنَ الْإِمَامُ فَتَصِحَّ، أَوْ لَا يَأْذَنَ فَلَا تَصِحَّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ صَوْتُ الْإِمَامِ يَعُمُّهُمْ فَلَا تَصِحُّ أَوْ لَا يَعُمُّهُمْ فَتَصِحُّ. فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي تَبْلِيغِ الْوَاحِدِ فَمَا بَالُكَ فِي تَبْلِيغِ الْجَمَاعَةِ عَلَى صَوْتٍ وَاحِدٍ كَمَا سَبَقَ؟ فَأَوْلَى بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِمْ وَبُطْلَانِهَا بِتَبْلِيغِهِمْ. وَهَذَا إنَّمَا هُوَ إذَا أَتَوْا كُلُّهُمْ بِالتَّكْبِيرِ كَامِلًا فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ، فَلَوْ كَبَّرَ وَاحِدٌ مِنْ الْمُسْمِعِينَ التَّكْبِيرَ كَامِلًا جَمِيعَ الصَّلَاةِ جَرَى فِي صَلَاتِهِ وَالصَّلَاةِ بِهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْمُسْمِعِ الْوَاحِدِ الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ.
هَذَا مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى صَوْتِ غَيْرِهِ، فَإِنْ مَشَى عَلَى صَوْتِ غَيْرِهِ فَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى. وَأَمَّا عَلَى مَا يَفْعَلُونَهُ الْيَوْمَ مِنْ كَوْنِهِمْ يَتَوَاكَلُونَ فِي التَّكْبِيرِ وَيُدِيرُونَهُ بَيْنَهُمْ وَيَقْطَعُونَهُ وَيُوصِلُونَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَبْتَدِئُ التَّكْبِيرَ فَيَقُولُ: اللَّهُ وَيَمُدُّ صَوْتَهُ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ الْآخَرُ مِنْ أَثْنَاءِ الْكَلِمَةِ نَفْسِهَا وَاصِلًا صَوْتَهُ بِصَوْتِ صَاحِبِهِ قَبْلَ انْقِطَاعِهِ مُبَالِغًا فِي رَفْعِ صَوْتِهِ عَلَى سَبِيلِ الْعَمْدِ، وَفَاعِلُ هَذَا لَمْ يَأْتِ بِالتَّكْبِيرِ عَلَى وَجْهِهِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَهُوَ فِي شُغُلٍ فِي الصَّلَاةِ بِزِيَادَةٍ غَيْرِ شَرْعِيَّةٍ وَلَا لِضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ مِنْ غَيْرِ جَرَيَانِ الْخِلَافِ السَّابِقِ.
وَيَقَعُ أَيْضًا بِذَلِكَ التَّهْوِيشُ
وَالتَّشْوِيشُ وَالتَّخْلِيطُ سِيَّمَا، وَهُمْ لَوْ أَتَوْا بِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَاكُلٍ أَوْ تَوْصِيلٍ وَتَرْدِيدٍ لَأَبْطَلَ صَلَاتَهُمْ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يُغَيِّرُونَ وَضْعَ التَّكْبِيرِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: اللَّهُ فَيَزِيدُونَ عَلَى الْهَمْزَةِ مَدَّةً، وَكَذَلِكَ يَصْنَعُونَ فِي أَكْبَرُ، وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ بَعْدَ الْبَاءِ مِنْ أَكْبَرُ أَلِفًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ صَنِيعُهُمْ. وَإِنْ أَتَى بَعْضُهُمْ بِالتَّكْبِيرِ كَامِلًا فَإِنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ تَكْبِيرَاتِ الصَّلَاةِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا وَهُوَ الْبُطْلَانُ. وَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَيَسْرِي الْخَلَلُ إلَى صَلَاةِ مَنْ صَلَّى بِتَبْلِيغِهِمْ؛ لِأَنَّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْتَدِيَ إلَّا بِأَحَدِ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ. أَوَّلُهَا وَهُوَ أَعْلَاهَا: أَنْ يَرَى أَفْعَالَ الْإِمَامِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَسَمَاعُ أَقْوَالِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَرُؤْيَةُ أَفْعَالِ الْمَأْمُومِينَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَسَمَاعُ أَقْوَالِهِمْ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَلَا إمَامَةَ.
وَفِي هَذَا نُكْتَةٌ أُخْرَى وَهِيَ: أَنَّ الْإِمَامَ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ كَبَّرُوا خَلْفَهُ إذْ ذَاكَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا فِي الصَّلَاةِ لِيُسْمِعُوا النَّاسَ ذَلِكَ فَيُعْلِمُوا بِتَكْبِيرِهِمْ أَنَّ الْإِمَامَ قَدْ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ، فَمَنْ أَحْرَمَ مِنْ النَّاسِ حِينَئِذٍ سَرَى الْخَلَلُ إلَى صَلَاتِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِأَحَدِ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ، وَهَذَا لَيْسَ بِوَاحِدٍ مِنْهَا. ثُمَّ إنَّ تَبْلِيغَهُمْ فِي الصَّلَاةِ جَمَاعَةً أَدَّى إلَى مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُومُ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَفِي حُكْمِهِ؛ وَفِي هَذَا الْفِعْلِ يَصِيرُ الْإِمَامُ فِي حُكْمِ الْمَأْمُومِ؛ لِأَنَّ الْمُكَبِّرِينَ يُطَوِّلُونَ فِي التَّكْبِيرِ وَيُمَطِّطُونَهُ، وَالْإِمَامُ يَنْتَظِرُ فَرَاغَهُمْ مِنْهُ وَحِينَئِذٍ يَنْتَقِلُ إلَى الرُّكْنِ الَّذِي يَلِيهِ. وَأَفْضَى تَسْمِيعُهُمْ جَمَاعَاتٍ أَيْضًا إلَى مَفْسَدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْإِمَامَ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ وَيَرْكَعُ فَيُكَبِّرُونَ خَلْفَهُ وَيُطَوِّلُونَ بِرَفْعِ أَصْوَاتِهِمْ عَلَيْهِ، فَيَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَبْلَ أَنْ يَنْقَضِيَ تَكْبِيرُهُمْ، وَيَأْتِي الْمَسْبُوقُ فَيُكَبِّرُ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَيَرْكَعُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ بَعْدُ لِكَوْنِهِ يَسْمَعُ صَوْتَ الْمُكَبِّرِينَ فِي الرُّكُوعِ فَتَفْسُدُ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ، وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، إذْ لَوْ عَلِمَ ذَلِكَ
لَتَدَارَكَ مَا وَقَعَ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الرَّكْعَةَ لَمْ تَصِحَّ لَهُ.
(فَصْلٌ)
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ أَيْضًا الدَّكَّةُ الَّتِي تَحْتَ هَذِهِ الدَّكَّةِ الَّتِي يُؤَذِّنُونَ عَلَيْهَا لِلْجُمُعَةِ، وَالتَّعْلِيلُ فِيهَا مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَقَاصِيرِ وَالصَّنَادِيقِ. وَكَذَلِكَ الدَّكَّةُ الَّتِي يُسْمِعُونَ عَلَيْهَا فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالتَّعْلِيلُ فِيهَا كَذَلِكَ. ثُمَّ الْعَجَبُ كَيْفَ غَابَ عَنْهُمْ أَصْلُ مَوْضِعِ الصَّلَاةِ إذْ إنَّ الصَّلَاةَ صِلَةٌ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ، وَإِذَا كَانَتْ صِلَةً فَمِنْ شَأْنِهَا كَثْرَةُ التَّوَاضُعِ وَتَمْرِيغُ الْوَجْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَالتُّرَابِ إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ فَهُوَ أَفْضَلُ وَأَعْلَى، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَلْيَكُنْ عَلَى الْحَصِيرِ الْغَلِيظِ. وَمَذْهَبُ مَالِكٍ رحمه الله أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الثَّوْبِ الْكَتَّانِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ مَكْرُوهَةٌ مَعَ وُجُودِ الْحَصِيرِ، وَبِهَذِهِ النِّسْبَةِ تَكُونُ الصَّلَاةُ عَلَى ثَوْبِ الْقُطْنِ مَكْرُوهَةً إذَا وُجِدَ الْكَتَّانُ وَالصَّلَاةُ عَلَى الثَّوْبِ الصُّوفِ مَكْرُوهَةٌ إنْ وُجِدَ الْقُطْنُ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ أَعْلَى الْمَرَاتِبِ مُبَاشَرَةُ الْأَرْضِ بِالسُّجُودِ ثُمَّ يَلِيهَا الْحَصِيرُ الْغَلِيظُ ثُمَّ مَا هُوَ أَرْفَعُ مِنْهُ ثُمَّ الْكَتَّانُ الْغَلِيظُ كَذَلِكَ، ثُمَّ الْقُطْنُ مِثْلُهُ ثُمَّ الصُّوفُ. وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ الْمَحَلَّ مَحَلُّ تَوَاضُعٍ وَتَصَاغُرٍ وَذِلَّةٍ وَخُشُوعٍ وَخُضُوعٍ. وَفِعْلُ الدَّكَّةِ يُنَافِي ذَلِكَ كُلَّهُ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ عَلَيْهَا يَرْتَفِعُ بِهَا عَنْ الْأَرْضِ ارْتِفَاعًا كَثِيرًا وَيُصَلِّي عَلَى الْخَشَبِ، وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّمَا جُعِلَتْ الدَّكَّةُ لِلْأَذَانِ لِلْجُمُعَةِ وَلِلْخَمْسِ لِيَسْمَعَ النَّاسُ فَالْجَوَابُ: أَنَّ مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لَا يَسْمَعُ تَبْلِيغَهُمْ فِي الْغَالِبِ، وَمَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَسَوَاءٌ كَانَ الْمُؤَذِّنُونَ عَلَى الدَّكَّةِ أَوْ بِالْأَرْضِ هُمْ يَسْمَعُونَهُمْ غَالِبًا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ يَكُونُ الْجَامِعُ كَبِيرًا وَفِيهِ الْجَمْعُ الْكَثِيرُ وَلَا يُسْمِعُهُمْ الْمُؤَذِّنُ الْوَاحِدُ، فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ صَوْتِ الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ، بَلْ صَوْتُ الْوَاحِدِ فِي الْإِسْمَاعِ أَبْلَغُ لِكَوْنِهِ صَوَّتَ أَكْثَرَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي جَمَاعَةٍ يُبَلِّغُ مَعَهُمْ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يُوَافِقَهُمْ عَلَى أَصْوَاتِهِمْ، وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى يُسْمِعُ الْمُؤَذِّنُ الْوَاحِدُ فِي الشَّاهِدِ عَلَى بُعْدٍ وَلَا تُسْمِعُ الْجَمَاعَةُ إلَّا فِيمَا هُوَ أَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ.
وَفِي جَوَامِعِ الْمَغْرِبِ تَجِدُ فِي الْجَامِعِ الْوَاحِدِ