الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِمَّا يُفْعَلُ فِي الْمَوَاسِمِ الَّتِي لِأَهْلِ الْكِتَابِ فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ.
وَكَانَ مِنْ عَادَتِهِ رحمه الله أَنْ لَا يَأْكُلَ إلَّا بِشَهْوَتِهِمْ امْتِثَالًا لِلسُّنَّةِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ بِشَهْوَةِ عِيَالِهِ» وَذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَجُوزُ شَرْعًا أَعْنِي بِذَلِكَ أَنْ يُتَحَرَّزَ مِنْ عَوَائِدِ الْوَقْتِ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمُمَاكَسَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ شَرْعًا وَذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ مَوْسِمَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا مَا يُفْعَلُ فِيهِ فَلَمْ يُجِبْهُمْ فِي ذَلِكَ لِمَا أَرَادُوهُ فَعَزَمُوا عَلَيْهِ فَلَمْ يَفْعَلْ وَتَرَكَ إجَابَتَهُمْ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مُوَاقَفَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ.
وَالثَّانِي: رُبَّمَا يَرَاهُ أَحَدٌ فَيَقْتَدِي بِهِ فِي فِعْلِهِ فَحُسِمَ الْبَابُ بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ. فَلَوْ كَانَ مَنْ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ يَمْشُونَ عَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ مِنْ كُلِّ مَا ذُكِرَ إلَّا نَادِرًا إذْ أَنَّ الْعَالِمَ هُوَ الْقُدْوَةُ وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ جَيِّدُهُمْ وَرَدِيئُهُمْ رَاجِعُونَ إلَيْهِ إمَّا بِالطَّوَاعِيَةِ، أَوْ بِالْجَبْرِ وَفَّقَنَا اللَّهُ تَعَالَى لِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ لَا رَبَّ سِوَاهُ
[فَصْل مِنْ الْمَوَاسِمِ خميس العدس]
فَصْلٌ فِي خَمِيسِ الْعَدَسِ، وَهُوَ الْمَوْسِمُ الثَّانِي مِنْ مَوَاسِمِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّتِي شَارَكَهُمْ فِيهَا بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ اُتُّخِذَتْ فِيهِ أَشْيَاءُ لَا تَنْبَغِي. فَمِنْهَا خُرُوجُ النِّسَاءِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِشِرَاءِ الْبَخُورِ وَالْخَوَاتِمِ وَغَيْرِهِمَا فَتَجِدُهُنَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي الْأَسْوَاقِ أَكْثَرَ مِنْ الرِّجَالِ فَمَنْ يَمُرُّ بِالسُّوقِ مِنْ الرِّجَالِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْي فِيهِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ لِزَحْمَةِ النِّسَاءِ وَقَدْ يُزَاحِمُهُنَّ مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ مَا فِي خُرُوجِهِنَّ وَاجْتِمَاعِهِنَّ بِالرِّجَالِ مِنْ الْمَفَاسِدِ الَّتِي لَا دَوَاءَ لَهَا فِي الْغَالِبِ. وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مَنَعَ أَهْلَهُ مِنْ الْخُرُوجِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَوَقَعَ التَّشْوِيشُ بَيْنَهُمَا وَقَدْ يَئُولُ الْأَمْرُ إلَى الْفِرَاقِ.
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ إلَى السُّلْطَانِ أَمْرُ مَا أَحْدَثَهُ النِّسَاءُ مِنْ جُلُوسِهِنَّ عِنْدَ الصَّوَّاغِينَ حَتَّى يَمْتَنِعْنَ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى
وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى الصَّوَّاغِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يَكُنْ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ الصَّوَّاغِينَ مَعَ أَنَّهُنَّ كُنَّ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ عَلَى مَا يَنْبَغِي مِنْ السِّتْرِ الشَّرْعِيِّ وَالدِّينِ الْمَتِينِ وَكَذَلِكَ الصَّوَّاغُونَ إذْ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي خَيْرِ الْقُرُونِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْخَيْرِيَّةِ مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ وَنَحْنُ الْيَوْمَ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِضِدِّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّوَّاغِينَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ الْبَيَّاعِينَ فِي كُلِّ مَا يَتَعَاطَوْنَهُ الْغَالِبُ أَنَّ النِّسَاءَ هُنَّ اللَّاتِي يُبَاشِرْنَ ذَلِكَ كُلَّهُ بَلْ تَجِدُ الْمَرْأَةَ فِي الْغَالِبِ تَشْتَرِي لِزَوْجِهَا مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ لِبَاسِهِ لِنَفْسِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ لِأَرْبَابِ الْأُمُورِ حَتَّى يَمْنَعُوهُنَّ مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ، وَمَا أَحْدَثُوهُ فِيهِ اسْتِعْمَالُ الْبَخُورِ لَهُنَّ وَلِغَيْرِهِنَّ مِنْ الرِّجَالِ فَيُبَخِّرُونَ بِهِ ثُمَّ يَتَخَطَّوْنَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يَنْفُضُونَ عَلَيْهِ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَيَتْفُلُونَ عَلَيْهِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ ذَلِكَ يَصْرِفُ عَنْهُمْ الْعَيْنَ وَالْكَسَلَ وَالْوَعْكَةَ مِنْ الْجَسَدِ وَيَتَكَلَّمُ مِنْ يَرْقِي الْبَخُورَ بِكَلَامٍ لَا يُعْرَفُ وَلَعَلَّهُ كُفْرٌ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَمِنْ ذَلِكَ اسْتِعْمَالُهُمْ فِيهِ الْعَدَسَ الْمُصَفَّى وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فَالْبِدْعَةُ تَحَرِّيهِمْ لَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْمُعَيَّنِ مُوَافَقَةً لِأَهْلِ الْكِتَابِ فِي مَوَاسِمِهِمْ فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ مِنْهُمْ تَشَوَّشَ هُوَ وَأَهْلُهُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَمِنْ ذَلِكَ صَبْغُهُمْ فِيهِ الْبَيْضَ أَلْوَانًا لِأَوْلَادِهِمْ وَغَيْرِهِمْ وَتَعَدَّى ذَلِكَ فِي الْكَثْرَةِ إلَى أَنْ صَارَ الْمُقَامِرُونَ وَغَيْرُهُمْ يَلْعَبُونَ بِهِ جِهَارًا وَلَا أَحَدَ فِيمَا أَعْلَمُ يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ. وَمِنْ ذَلِكَ شِرَاؤُهُمْ فِيهِ السَّلَاحِفَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا تَطْرُدُ الشَّيْطَانَ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي تَكُونُ فِيهِ وَهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ الشَّيْطَانُ لَا يُطْرَدُ بِالِابْتِدَاعِ، وَإِنَّمَا يُطْرَدُ بِالِاتِّبَاعِ فَكُلُّ مَا يَفْعَلُونَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا أَشْبَهَهُ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْبِدَعِ الْمُسْتَهْجَنَةِ وَالْعَوَائِدِ الذَّمِيمَةِ وَفِيهِ تَعْظِيمُ مَوَاسِمِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَتَغْبِيطُهُمْ بِدِينِهِمْ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا رَأَوْا الْمُسْلِمِينَ يَتَشَبَّهُونَ بِهِمْ أَعْنِي فِي تَعْظِيمِ مَوَاسِمِهِمْ يَقْوَى ظَنُّهُمْ بِأَنَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ هُوَ الْحَقُّ. فَانْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكَ إلَى هَذِهِ الثُّلْمَةِ مَا أَشَدَّ قُبْحَهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ قُبْحُ مَا أَحْدَثُوهُ فِي النَّيْرُوزِ مَا أَغْنَى عَنْ ذِكْرِ مِثْلِهِ هُنَا إذْ