الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَحْصُلُ لَهُ الْبَرَكَةُ، وَفَرَاغُ السِّرِّ، وَقَدْ يَجِدُ السَّبِيلَ إلَى الْمُطَالَعَةِ وَالدَّرْسِ، وَهُوَ فِي دُكَّانِهِ بِخِلَافِ حَالِهِ مَعَ كَثْرَةِ الْأَشْغَالِ الْمَكْرُوهَةِ شَرْعًا، فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَمْتَحِقُ مِنْهَا، وَيَتَعَوَّقُ بِهَا عَنْ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ، وَأَزْكَاهَا، وَأَبْرَكُهَا فَلْيَشُدَّ عَلَى ذَلِكَ يَدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ أَبَرْكُ مِمَّا هُوَ فِيهِ أَلَا تَرَى إلَى مَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي خَرَّجَهُ صَاحِبُ الْحِلْيَةِ، وَصَحَّحَهُ السَّمَرْقَنْدِيُّ رحمه الله فِي فَضْلِ الْعِلْمِ، وَالثَّنَاءِ عَلَى حَامِلِهِ، وَبَرَكَتِهِ، وَالتَّنْوِيهِ بِقَدْرِهِ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ مُعَاذٍ يَرْفَعُهُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ لِلَّهِ حَسَنَةٌ، وَطَلَبَهُ عِبَادَةٌ، وَمُذَاكَرَتَهُ تَسْبِيحٌ، وَتَعْلِيمَهُ لِمَنْ لَا يَعْلَمُهُ صَدَقَةٌ، وَبَذْلَهُ لِأَهْلِهِ قُرْبَةٌ» ؛ لِأَنَّهُ مَعَالِمُ الْحَلَالِ، وَالْحَرَامِ، وَمَنَارُ سَبِيلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَالْأُنْسُ فِي الْوَحْشَةِ، وَالصَّاحِبُ فِي الْغُرْبَةِ، وَالْمُحَدِّثُ فِي الْخَلْوَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى السَّرَّاءِ، وَالْمُعِينُ عَلَى الضَّرَّاءِ، وَالسِّلَاحُ عَلَى الْأَعْدَاءِ، وَالزَّيْنُ عِنْدَ الْأَخِلَّاءِ يَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ أَقْوَامًا فَيَجْعَلُهُمْ فِي الْخَيْرِ قَادَةً وَأَئِمَّةً تُقْتَفَى آثَارُهُمْ، وَيُقْتَدَى بِأَفْعَالِهِمْ، وَيُنْتَهَى إلَى رَأْيِهِمْ تَرْغَبُ الْمَلَائِكَةُ فِي خُلَّتِهِمْ، وَبِأَجْنِحَتِهَا تَمْسَحُهُمْ، وَيَسْتَغْفِرُ لَهُمْ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْبَحْرِ وَهَوَامُّهُ، وَسِبَاعُ الطَّيْرِ، وَأَنْعَامُهُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ حَيَاةُ الْقُلُوبِ مِنْ الْجَهْلِ، وَمِصْبَاحُ الْأَبْصَارِ مِنْ الظُّلْمَةِ بِالْعِلْمِ تُبْلَغُ مَنَازِلُ الْأَخْيَارِ، وَالدَّرَجَاتِ الْعُلَى فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالتَّفَكُّرُ فِيهِ يَعْدِلُ الصِّيَامَ، وَمُدَارَسَتُهُ الْقِيَامَ، وَبِهِ تُوصَلُ الْأَرْحَامُ، وَيُعْرَفُ الْحَلَالُ، وَالْحَرَامُ الْعِلْمُ إمَامٌ، وَالْعَمَلُ تَابِعُهُ يُلْهَمُهُ السُّعَدَاءُ، وَيُحْرَمُهُ الْأَشْقِيَاءُ.
[فَصْلٌ فِي آدَابِ الْعَالِمِ وَالْمُتَعَلِّمِ فِي بَيْتِهِ مَعَ أَهْلِهِ]
ِ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُمَا قُدْوَةٌ لِلْمُقْتَدِي، فَإِذَا فَعَلَتْ زَوْجَةُ أَحَدِهِمَا شَيْئًا نُسِبَ ذَلِكَ لِلشَّرْعِ، وَصَارَ حُجَّةً فِي الدِّينِ غَالِبًا، فَيَتَعَيَّنُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَتَحَفَّظَ عَلَى تَصَرُّفِ أَهْلِهِ كَمَا يَتَحَفَّظُ عَلَى تَصَرُّفِهِ فِي نَفْسِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -
أَنَّهُ قَالَ: «النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ» ) يَعْنِي فِي امْتِثَالِ الْأَوَامِرِ، وَالنَّوَاهِي، فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي النُّعُوتِ مِنْ الذَّمِّ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ، وَمَا فِي قِيَامِ الرِّجَالِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ مِنْ الذَّمِّ، وَقِيَامُ الْمَرْأَةِ لِلْمَرْأَةِ أَشْنَعُ إذْ أَنَّهَا عَوْرَةٌ، وَحَرَكَتُهَا زِيَادَةٌ فِي ظُهُورِ الْعَوْرَةِ؛ لِأَنَّ فِي قِيَامِهَا يُرَى مِنْهَا مَا لَا حَاجَةَ تَدْعُو إلَى رُؤْيَتِهِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّ الْقِيَامَ فِي حَقِّهَا أَشَدُّ مِنْ قِيَامِ الرَّجُلِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَمْنُوعًا لَهُ إلَّا فِيمَا اُسْتُثْنِيَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلْيَحْذَرْ أَنْ يُفَاحِشَهَا، وَقَدْ مَنَعَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِ الْعَالِمِ، وَالْمُتَعَلِّمِ فَكَيْفَ بِهِ فِي حَقِّهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا قُدْوَةٌ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: رحمه الله إنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ رحمه الله ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ انْتَهَى.
وَلَهُ فِي الِانْبِسَاطِ بِمَا يَجُوزُ شَرْعًا اتِّسَاعٌ فَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَى غَيْرِهِ، وَلْيَحْذَرْ أَنْ تَتَزَيَّنَ زَوْجَتُهُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي غَيْرِ مَا أُبِيحَ لَهَا، إذْ أَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا أَجَازَ لَهُنَّ لِبَاسَ الْحَرِيرِ، وَالتَّحَلِّي بِالذَّهَبِ عَلَى أَبْدَانِهِنَّ، إذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهَا تَتَّخِذُ الْمُكْحُلَةَ، أَوْ الْمِيلَ، أَوْ الْمِرْآةَ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ؛ إذْ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِزِينَةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَكَذَلِكَ يَمْنَعُهَا مِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي هَذَا الزَّمَانِ حَتَّى صَارَ كَأَنَّهُ شَعِيرَةٌ بَيْنَهُمْ، وَهُوَ أَنَّ الزَّوْجَةَ لَا تَدْخُلُ عَلَى زَوْجِهَا فِي الْغَالِبِ إلَّا بِثَلَاثِ دِكَكٍ دِكَّةِ فِضَّةٍ، وَدِكَّتَيْ نُحَاسٍ أَبْيَضَ وَأَصْفَرَ، وَهَذَا لَا قَائِلَ بِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَعْنِي مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ فِضَّةً إذْ أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ عَلَى الرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي اتِّخَاذِ الْإِنَاءِ الصَّغِيرِ لِلْمَرْأَةِ لَكِنَّهُ قَوْلٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَهُوَ آثِمٌ فِي فِعْلِهِ، وَادِّخَارِهِ، وَتَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ تَمْضِي عَلَيْهِ، وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الزَّوْجِ أَوْ الْوَلِيِّ أَنْ يَمْنَعَ مَا أَحْدَثَهُ النِّسَاءُ مِنْ تَزْيِينِهِنَّ لِلْحَوَاجِبِ بِمَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ، سِيَّمَا إنْ كَانَ نَجِسًا إذْ أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا النَّقْشُ، وَالتَّكْتِيبُ فَلَا شَكَّ فِي مَنْعِهِ؛ لِأَنَّهُ نَجِسٌ، وَحَائِلٌ، وَيَزِيدُ عَلَى مَا ذُكِرَ بِكَشْفِ الْعَوْرَةِ لِأَجْلِهِ إذْ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْحُرَّةَ كُلَّهَا عَوْرَةٌ إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّهَا، وَاخْتُلِفَ فِي حَالِهَا مَعَ النِّسَاءِ مِثْلِهَا مِنْ الْمُسْلِمَاتِ فَقِيلَ:
كَالرَّجُلِ مَعَ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَقِيلَ: كَالرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ، وَفِيهِ مِنْ التَّشْوِيهِ أَعْنِي فِي النَّقْشِ وَالتَّكْتِيبِ، أَنَّهُنَّ يُغَيِّرْنَ بِهِ الْبَدَنَ، وَيُكْسِبُهُ ذَلِكَ خُشُونَةً، وَذَلِكَ مِمَّا يُنَغِّصُ عَلَى الرَّجُلِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ، وَقَدْ يَئُولُ ذَلِكَ إلَى وُقُوعِ الْبَغْضَاءِ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ غَفَلَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ نَفْسِهَا قَلِيلًا بَقِيَ بَدَنُهَا كَأَنَّهُ ضُرِبَ بِالسِّيَاطِ.
وَالْغَالِبُ أَنَّ بَدَنَهَا يُدْمِي فَتَزِيدُ النَّجَاسَةُ، وَيَكْثُرُ ضِدُّ مُرَادِ صَاحِبِ الشَّرْعِ صلى الله عليه وسلم فِي التَّبَاعُدِ عَنْهَا، وَأَمَّا هِيَ فَالْغَالِبُ أَنَّهَا تُقَاسِي مِنْ ذَلِكَ شِدَّةً حَتَّى تَبْرَأَ، فَإِذَا بَرِئَتْ بَقِيَ أَثَرُهُ فِي بَدَنِهَا حُفَرًا حُفَرًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مُسْتَوِيًا صَحِيحًا سَالِمًا مِنْ الْعُيُوبِ، وَلْيَحْذَرْ مِنْ هَذِهِ الْبِدْعَةِ الَّتِي اتَّخَذَهَا بَعْضُ النِّسَاءِ فِي الْغَالِبِ، وَهِيَ أَنَّهَا إذَا أَرَادَتْ الْخُرُوجَ لَبِسَتْ أَحْسَنَ ثِيَابِهَا، وَتَزَيَّنَتْ، وَتَعَطَّرَتْ، وَلَبِسَتْ مِنْ الْحُلِيِّ مَا قَدَرَتْ عَلَيْهِ مِنْ سِوَارٍ، وَخَلْخَالٍ، وَتُضِيفُ إلَى ذَلِكَ فِعْلًا قَبِيحًا شَنِيعًا، وَهُوَ أَنْ تَجْعَلَ الْخَلْخَالَ فَوْقَ السَّرَاوِيلِ لِكَيْ يَظْهَرَ، وَقَدْ تَضْرِبُ بِرِجْلِهَا فِي الْغَالِبِ فَيُسْمَعُ لَهُ حِسٌّ.
وَهَذَا خِلَافُ مَا نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ حَيْثُ يَقُولُ سبحانه وتعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31] ، وَكَذَلِكَ مَا يَفْعَلْنَهُ مِنْ لُبْسِ هَذَا الْإِزَارِ الرَّفِيعِ الَّذِي لَوْ عُمِلَ عَلَى عُودٍ لَأَفْتَنَ بَعْضَ الرِّجَالِ فِي الْغَالِبِ لِحُسْنِ مَنْظَرِهِ، وَصِقَالَتِهِ، وَرِقَّةِ قُمَاشِهِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ السُّنَّةَ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ إذَا أَرَادَتْ الْخُرُوجَ أَنْ تَلْبَسَ حَشَفَ ثِيَابِهَا، وَمَعَ ذَلِكَ فَالسُّنَّةُ فِي حَقِّهَا أَنْ تَجُرَّ مِرْطَهَا خَلْفَهَا نَحْوًا مِنْ شِبْرٍ إلَى ذِرَاعٍ، وَأَنْ تَمْشِيَ مَعَ الْجُدْرَانِ، وَتَتْرُكَ وَسَطَ الطَّرِيقِ، وَهَذَا فِي حَقِّ سَائِرِ النَّاسِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْعَالِمِ، وَالْمُتَعَلِّمِ فَيَجِلُّ حَالُهُمَا أَنْ يَرْضَيَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُمَا قُدْوَةٌ لِلْمُقْتَدِينَ فَإِذَا رَأَى أَحَدٌ زَوْجَةَ الْعَالِمِ، أَوْ الْمُتَعَلِّمِ تَعْمَلُ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ يَنْسُبُ ذَلِكَ إلَى الشَّرْعِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذِهِ مَفْسَدَةٌ عَظِيمَةٌ، فَكَيْفَ تُنْسَبُ إلَى مَنْ لَهُ عِلْمٌ مَعَاذَ اللَّهِ؟ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَهَا ثَلَاثُ خَرْجَاتٍ فَإِنْ كَانَ، وَلَا بُدَّ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثِ فَلْيَكُنْ عَلَى مَا يَنْبَغِي مِنْ لِسَانِ الشَّرْعِ
فِي ذَلِكَ.
وَيُعَلِّمُهَا السُّنَّةَ فِي الْخُرُوجِ، وَفِي الْإِقَامَةِ فِي بَيْتِهَا إذْ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ فِي بَيْتِهَا فَيُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَفْعَلَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا تَفْعَلُهُ فِي خُرُوجِهَا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «جِهَادُ الْمَرْأَةِ حُسْنُ التَّبَعُّلِ» ، وَمِنْ حُسْنِ التَّبَعُّلِ التَّزَيُّنُ وَالتَّحَلِّي، وَالتَّعَطُّرُ فِي بَيْتِهَا لِزَوْجِهَا مَعَ حُسْنِ الْخُلُقِ وَالتَّأَنِّي لَهُ، وَلَهَا فِي ذَلِكَ أُسْوَةٌ بِالسَّلَفِ، وَالْخَلَفِ الْمَاضِينَ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ -.
وَكَذَلِكَ يُحْذَرُ مِنْ هَذِهِ الْبِدْعَةِ الَّتِي اعْتَادَهَا بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُمْ يَنَامُونَ فِي ثِيَابِهِمْ، وَالسُّنَّةُ الْفِرَاشُ، وَالتَّجْرِيدُ مِنْ الثِّيَابِ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الْأَرْبَعِينَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى التَّجْرِيدِ وَالْفِرَاشِ، وَفِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها «أَنَّهَا قَامَتْ مِنْ فِرَاشِهَا قَالَتْ: فَجَعَلْت دِرْعِي فِي رَأْسِي، وَاخْتَمَرْت، وَتَقَنَّعْت إزَارِي إلَى أَنْ قَالَ: فَإِنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام أَتَانِي حِينَ رَأَيْت فَنَادَانِي فَأَخْفَيْته مِنْك، وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْك، وَقَدْ وَضَعْت ثِيَابَك» ، وَلْيُحْذَرْ مِنْ هَذِهِ الْبِدْعَةِ الْأُخْرَى الَّتِي يَفْعَلُهَا بَعْضُهُمْ، وَهِيَ قَبِيحَةٌ مُسْتَهْجَنَةٌ، وَهِيَ أَنَّ الزَّوْجَةَ إذَا جَاءَتْ إلَى الْفِرَاشِ تَأْخُذُ شَيْئًا يُعْطِيهِ لَهَا زَوْجُهَا فِي الْغَالِبِ غَيْرَ نَفَقَتِهَا بِحَسْبِ حَالِهِ، وَحَالِهَا لِحَقِّ الْفِرَاشِ عَلَى مَا يَزْعُمْنَ، وَهَذَا مُنْكَرٌ بَيِّنٌ، وَقَدْ وَقَعَ بِمَدِينَةِ فَاسَ أَنَّهُمْ أَحْدَثُوا أَنَّ الرَّجُلَ إذَا دَخَلَ عَلَى زَوْجَتِهِ يُعْطِي فِضَّةً عِنْدَ حَلِّ السَّرَاوِيلِ فَبَلَغَ ذَلِكَ الْعُلَمَاءَ فَقَالُوا: هُوَ شَبِيهٌ بِالزِّنَا، وَمَنَعُوهُ، وَهَذَا إنَّمَا كَانَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ فَمَا بَالُك بِهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، وَلْيُحْذَرْ مِنْ هَذِهِ الْبِدْعَةِ الْأُخْرَى بَلْ الْمُحَرَّمِ، وَهُوَ أَنَّ الرَّجُلَ يَغْفُلُ عَنْ زَوْجَتِهِ فِي الْغَالِبِ، وَلَا يَسْأَلُهَا عَنْ صَلَاتِهَا، وَلَا عَمَّا يَلْزَمُهَا فِي الشَّرْعِ، وَذَلِكَ مُحَرَّمٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ عليه الصلاة والسلام:«وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» ، فَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ صَلَاتِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ حِكَايَةُ سَيِّدِي أَبِي مُحَمَّدٍ رحمه الله مَعَ أَهْلِهِ، وَالْغَالِبُ فِي هَذَا الزَّمَانِ: أَنَّ الرَّجُلَ يُرَاعِي حَقَّ نَفْسِهِ إذَا كَانَتْ لَهُ عِنَايَةٌ بِدِينِهِ فَيَطَأُ، وَيَخْرُجُ إلَى الْحَمَّامِ، وَيَتْرُكُ أَهْلَهُ، وَهُنَّ جُنُبٌ، وَلَيْسَ عِنْدَهُنَّ مَوْضِعٌ لِلْغُسْلِ، وَلَا آلَةٌ تُعِينُ عَلَيْهِ، وَقَدْ يَسْتَحِي بَعْضُهُنَّ، وَهُوَ
الْغَالِبُ أَنْ يَخْرُجْنَ إلَى الْحَمَّامِ فِي كُلِّ أَوَانٍ، فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِتَرْكِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ بَرِيءُ الذِّمَّةِ مِنْ جِهَةِ أَهْلِهِ فِي تَرْكِهِنَّ الصَّلَاةَ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَإِنْ أَمَرَهُنَّ بِهَا فَأَمْرٌ مُطْلَقٌ إذْ لَا يُفَكِّرُ لَهُنَّ فِي تَحْصِيلِ الْغُسْلِ مِنْ غَيْرِ مَضَرَّةٍ تَلْحَقُهُنَّ، وَالْغَالِبُ أَنَّ تَرْكَ صَلَاةِ الزَّوْجَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَتِهِ لَا مِنْ جِهَتِهَا، وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فِي الْغَالِبِ أَعْنِي الْغَفْلَةَ عَنْهَا، وَإِيثَارَهَا لِتَرْكِ الصَّلَاةِ، وَقَدْ يَكُونُ لَهَا فِي الْبَيْتِ مَا يُمْكِنُهَا الْغُسْلُ فِيهِ لَكِنْ تَسْتَحِي مِنْ الْعَائِلَةِ الَّتِي فِي الْبَيْتِ أَنْ تَغْتَسِلَ، وَهُمْ يَشْعُرُونَ بِهَا فَتَتْرُكَ الصَّلَاةَ لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا، وَلَا حَيَاءَ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا هِيَ عَوَائِدُ جَرَتْ، وَاسْتَحْكَمَتْ، وَصَارَ يُسْتَحَى فِي الْغَالِبِ مِنْ فِعْلِ الْوَاجِبَاتِ، وَلَا يُسْتَحَى مِنْ فِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ، عَافَانَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.
وَالْعَجَبُ مِنْ أَكْثَرِهِمْ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ يَشْتَرِي الدَّارَ بِالْأَلْفِ، أَوْ يَبْنِيهَا ابْتِدَاءً ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فِي طَسْتٍ، وَلَا يَعْمَلُ مَوْضِعًا لِلْوُضُوءِ فَضْلًا عَنْ مَوْضِعِ الْغُسْلِ، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِأَجْلِ الْعَوَائِدِ الرَّدِيئَةِ الْمُسْتَهْجَنَةِ الْقَبِيحَةِ، وَهُوَ أَنَّهُمْ لَا فِكْرَةَ لَهُمْ فِي الْغَالِبِ إلَّا فِي صَلَاحِ دُنْيَاهُمْ، وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ فَلَا يُفَكِّرُونَ فِيهِ حَتَّى يَفْجَأَهُمْ إنْ كَانُوا مُتَّقِينَ فِي هَذَا الزَّمَانِ، فَإِنْ أَصَابَتْ الْجَنَابَةُ بَعْضَ الْمُتَحَفِّظِينَ مِنْهُمْ عَلَى دِينِهِ خَرَجَ إلَى الْحَمَّامِ، وَتَرَكَ أَهْلَهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِي الْحَمَّامِ مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَاتِ، وَمَا لَا يَجُوزُ أَشْيَاءُ مُتَعَدِّدَةٌ.
وَكَذَلِكَ تَجِدُ بَعْضَهُمْ يُعْطِي فِي صَدَاقِ الْمَرْأَةِ الْمِئِينَ، أَوْ الْآلَافَ، وَلَا يُعِدُّ مَوْضِعًا لِلْغُسْلِ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تُسَاعِدُهُ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ فَكَأَنَّهُمْ اصْطَلَحُوا عَلَى فِعْلِ الْأَسْبَابِ الَّتِي تُتْرَكُ الصَّلَاةُ لِأَجْلِهَا، وَالصَّلَاةُ لَا تَسْقُطُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَا جَرَمَ أَنَّ التَّوْفِيقَ بَيْنَهُمَا قَلَّ أَنْ يَقَعَ، وَإِنْ دَامَتْ الْأُلْفَةُ بَيْنَهُمَا فَعَلَى دَخَنٍ، وَإِنْ قُدِّرَ بَيْنَهُمَا مَوْلُودٌ فَالْغَالِبُ عَلَيْهِ إنْ نَشَأَ الْعُقُوقُ، وَارْتِكَابُ مَا لَا يَنْبَغِي كُلُّ ذَلِكَ بِسَبَبِ تَرْكِ مُرَاعَاةِ مَا يَجِبُ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُمَا مَعًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ طَلَبَتْ مِنْ الْقَاضِي
أَنْ يَجْعَلَ لَهَا زَوْجُهَا مَوْضِعًا لِلْغُسْلِ لَحَكَمَ لَهَا بِذَلِكَ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا رحمه الله لَمَّا أَنْ سُئِلَ عَنْ الْغُسْلِ مِنْ مَاءِ الْحَمَّامِ فَقِيلَ لَهُ: أَيُّمَا أَحَبُّ إلَيْك الْغُسْلُ مِنْ مَاءِ الْحَمَّامِ، أَوْ الْغُسْلُ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ؟ فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا دُخُولُ الْحَمَّامِ بِصَوَابٍ، فَكَيْفَ يُغْتَسَلُ مِنْ مَائِهِ فَهَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ غُسْلَهُمْ كَانَ فِي بُيُوتِهِمْ، بَلْ إنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ مَا كَانُوا يَعْرِفُونَ الْحَمَّامَ أَلَا تَرَى إلَى مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«سَتُفْتَحُ لَكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ، وَسَتَجِدُونَ فِيهَا بُيُوتًا يُقَالُ لَهَا: الْحَمَّامَاتُ فَلَا يَدْخُلُهَا الرِّجَالُ إلَّا بِإِزَارٍ، وَامْنَعُوا مِنْهَا النِّسَاءَ إلَّا مَرِيضَةً، أَوْ نُفَسَاءَ» ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ عَنْ دُخُولِ الْحَمَّامِ قَالَتْ: ثُمَّ رَخَّصَ لِلرِّجَالِ أَنْ يَدْخُلُوهُ بِالْمِئْزَرِ» ، وَقَالَ: (دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ نِسْوَةٌ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الشَّامِ فَقَالَتْ: لَعَلَّكُنَّ مِنْ الْكُورَةِ الَّتِي يَدْخُلُ نِسَاؤُهَا الْحَمَّامَاتِ قُلْنَ: نَعَمْ قَالَتْ: أَمَا إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا مِنْ امْرَأَةٍ تَخْلَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِهَا إلَّا هَتَكَتْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حِجَابٍ» .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ إزَارٍ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُدْخِلُ حَلِيلَتَهُ الْحَمَّامَ إلَّا مِنْ عُذْرٍ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْلِسُ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ» ، وَقَدْ كَانَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَرْجَانِيُّ رحمه الله كَثِيرًا مَا يُحَافِظُ عَلَى مَا نَحْنُ بِسَبِيلِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ إذَا عَزَمَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْمُعْتَقِدِينَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ سَأَلَهُ هَلْ عِنْدَك حَمَّامٌ فِي بَيْتِك أَمْ لَا؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ مَضَى إلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ: لَا امْتَنَعَ مِنْ الْمُضِيِّ إلَيْهِ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا إلَى تَيْسِيرِ الطَّهَارَةِ عَلَى كُلِّ مَنْ عَرَفَهُ فِي الْغَالِبِ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ الْقُرَشِيُّ رحمه الله: إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا يَسَّرَ عَلَيْهِ أَسْبَابَ الطَّهَارَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ