الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَعَ طَلَبِ الْعِلْمِ فَيَنْبَغِي لِهَذَا أَنْ يَتْرُكَ طَلَبَ الْعِلْمِ فِي تِلْكَ الثَّلَاثَةِ، وَيَصُومَهَا، لِئَلَّا تَفُوتَهُ هَذِهِ الْفَضِيلَةُ الْعُظْمَى لِقَوْلِهِ: عليه الصلاة والسلام «الْحَسَنَةُ بِعَشْرٍ» فَيَكُونُ ذَلِكَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ، ثُمَّ كَذَلِكَ يَكُونُ حَالُهُ فِي جَمِيعِ الْأَعْمَالِ لَا يُخَلِّي نَفْسَهُ مِنْ شَيْءٍ مِنْهَا كَمَا تَقَدَّمَ.
وَيَكُونُ الْغَالِبُ عَلَيْهِ اشْتِغَالَهُ بِالدَّرْسِ، وَالْمُطَالَعَةِ، وَالتَّفَهُّمِ، وَالْبَحْثِ مَعَ الْإِخْوَانِ الَّذِينَ يُرْتَجَى النَّفْعُ بِهِمْ، وَلِقَاءِ مَشَايِخِ الْعِلْمِ الَّذِينَ جَعَلَهُمْ اللَّهُ سَبَبًا لِلْفَتْحِ، وَالْخَيْرِ، وَيُوَاظِبُ عَلَى ذَلِكَ
[فَصْلٌ فِي زِيَارَةِ الْأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ]
َ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يُخَلِّيَ نَفْسَهُ مِنْ زِيَارَةِ الْأَوْلِيَاءِ، وَالصَّالِحِينَ الَّذِينَ بِرُؤْيَتِهِمْ يُحْيِي اللَّهُ الْقُلُوبَ الْمَيِّتَةَ كَمَا يُحْيِي الْأَرْضَ بِوَابِلِ الْمَطَرِ، فَتَنْشَرِحُ بِهِمْ الصُّدُورُ الصُّلْبَةُ، وَتَهُونُ بِرُؤْيَتِهِمْ الْأُمُورُ الصَّعْبَةُ إذْ هُمْ وُقُوفٌ عَلَى بَابِ الْكَرِيمِ الْمَنَّانِ فَلَا يُرَدُّ قَاصِدُهُمْ، وَلَا يَخِيبُ مُجَالِسُهُمْ، وَلَا مَعَارِفُهُمْ، وَلَا مُحِبُّهُمْ إذْ هُمْ بَابُ اللَّهِ الْمَفْتُوحُ لِعِبَادِهِ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَتَتَعَيَّنُ الْمُبَادَرَةُ إلَى رُؤْيَتِهِمْ، وَاغْتِنَامِ بَرَكَتِهِمْ؛ وَلِأَنَّهُ بِرُؤْيَةِ بَعْضِ هَؤُلَاءِ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْفَهْمِ، وَالْحِفْظِ، وَغَيْرِهِمَا مَا قَدْ يَعْجِزُ الْوَاصِفُ عَنْ وَصْفِهِ، وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى تَرَى كَثِيرًا مِمَّنْ اتَّصَفَ بِمَا ذُكِرَ لَهُ الْبَرَكَةُ الْعَظِيمَةُ فِي عِلْمِهِ، وَفِي حَالِهِ، فَلَا يُخَلِّي نَفْسَهُ مِنْ هَذَا الْخَيْرِ الْعَظِيمِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُحَافِظًا عَلَى اتِّبَاعِ السُّنَّةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ
فَلْيَحْذَرْ أَنْ يَزُورَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ، وَمِمَّنْ لَا خَطَرَ لَهُ فِي الدِّينِ إلَّا بِالتَّمْوِيهِ، وَبَعْضِ الْإِشَارَاتِ، وَالْعِبَارَاتِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ قَلَّ فِي هَذَا الزَّمَانِ مَنْ يَضْطَرُّ إلَى ذَلِكَ مِنْ الْمُدَّعِينَ بَلْ قَدْ تَجِدُ بَعْضَ مَنْ يَنْتَسِبُ إلَى الْعِلْمِ يَقْعُدُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ مَنْ يَدَّعِي الْفَقْرَ وَالْوِلَايَةَ، وَهُوَ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ، وَقَدْ تَذْهَبُ عَلَيْهِ أَوْقَاتُ الصَّلَاةِ، وَهُوَ لَمْ يُصَلِّ، وَيَعْتَذِرُونَ عَنْهُ بِأَنَّهُ يُحَزِّبُ عَلَى نَفْسِهِ.
وَقَدْ رَأَيْت بَعْضَ الْفُقَرَاءِ الصُّلَحَاءِ رَحَلَ
إلَى زِيَارَةِ شَخْصٍ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ نَحْوَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ أَرْبَعَةٍ حَتَّى اجْتَمَعَ بِهِ، وَهُوَ عُرْيَانٌ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَسْتُرُهُ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ بَعْضُ قُضَاةِ الْبَلَدِ، وَرُؤَسَائِهَا، وَهَذَا أَمْرٌ شَنِيعٌ فِي الدِّينِ، وَقِلَّةُ حَيَاءٍ مِنْ عَمَلِ الذُّنُوبِ، وَارْتِكَابِ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، وَتَرْكِ الْفَرَائِضِ إذْ أَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ مُحَرَّمٌ، وَكَذَلِكَ النَّظَرُ إلَيْهَا، وَإِخْرَاجُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا مُحَرَّمٌ اتِّفَاقًا فَيَرْتَكِبُونَ مُحَرَّمَاتٍ جَمَّةً، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ تَمْثِيلٌ مَا، وَإِلَّا فَالْمَفَاسِدُ الَّتِي تَعْتَوِرَهُمْ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ، أَوْ تَرْجِعَ إلَى قَانُونٍ مَعْرُوفٍ فِي الْغَالِبِ
فَيَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ تَكُونَ السُّنَّةُ عِنْدَهُ أَعْظَمَ مَطْلُوبٍ، وَيَغَارُ عَلَيْهَا إنْ تَغَيَّرَتْ مَعَالِمُهَا بِأَنْ يُنْسَبَ إلَيْهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا فَإِذَا تَعَارَضَ لِطَالِبِ الْعِلْمِ الْمُحَافَظَةُ عَلَى السُّنَّةِ، وَزِيَارَةُ مَنْ يُخَالِفُ شَيْئًا مِنْ هَا، فَالتَّرْكُ لِزِيَارَتِهِ مُتَعَيِّنٌ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَتَحْسِينُ الظَّنِّ بِهِ مُخَالِفٌ مَعَ عَدَمِ الِاجْتِمَاعِ بِهِ، وَأَمَّا مَعَ الِاجْتِمَاعِ فَقَدْ يَضِيقُ عَلَيْهِ التَّأْوِيلُ، وَيَخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يُخِلَّ بِجَانِبِ السُّنَّةِ، أَوْ بَعْضِهَا فَالْهَرَبَ الْهَرَبَ مِنْ الِاجْتِمَاعِ بِشَخْصٍ يَحْتَاجُ أَنْ يَعْتَذِرَ عَنْهُ، أَوْ يَتَأَوَّلَ لَهُ، وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَكَثُرَتْ الطُّرُقُ، وَاخْتَلَفَتْ الْأَحْوَالُ، وَتَشَعَّبَتْ السُّبُلُ.
وَلَوْ قُلْت لِأَحَدِهِمْ مَثَلًا: السُّنَّةُ كَذَا، وَكَذَا قَابَلَك بِمَا لَا يَلِيقُ فَيَقُولُ: كَانَ شَيْخِي يَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا، وَمَا هَذَا طَرِيقُ شَيْخِي، وَكَانَ شَيْخِي يَقُولُ: كَذَا، وَكَذَا، وَيُصَادِمُ بِذَلِكَ كُلِّهِ السُّنَّةَ الْوَاضِحَةَ، وَالطَّرِيقَةَ النَّاجِحَةَ، يَا لَيْتَهُمْ لَوْ وَقَفُوا عِنْدَ هَذَا الْحَدِّ لَوْ كَانَ سَائِغًا، بَلْ زَادُوا عَلَى ذَلِكَ الْأَمْرِ الْمَخُوفِ، وَهُوَ مَا بَلَغَنِي مِمَّنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّ بَعْضَ مَنْ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ تَكَلَّمَ فِي مَسْأَلَةٍ، وَنَقَلَ فِيهَا عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ نَقْلًا تَأْبَاهُ الشَّرِيعَةُ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ: حَدِيثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَرُدُّ هَذَا فَأَجَابَهُ بِأَنْ قَالَ: حَدِيثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا يُرَادُ لِلتَّبَرُّكِ، وَالشُّيُوخُ هُمْ الَّذِينَ يُقْتَدَى بِهِمْ، وَهَذَا إنْ كَانَ مُعْتَقِدًا لِمَا قَالَهُ كَانَ كَافِرًا حَلَالَ الدَّمِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ فَهُوَ مُرْتَكِبٌ لِكَبِيرَةٍ عُظْمَى
يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ مِنْهَا مَعَ الْأَدَبِ الْمُوجِعِ.
وَبَعْضُهُمْ يَفْعَلُ فِعْلًا قَبِيحًا شَنِيعًا، وَهُوَ مَا أَحْدَثُوهُ مِنْ اعْتِقَادِ بَعْضِ النِّسْوَةِ، وَزِيَارَتِهِنَّ، وَهُنَّ عَلَى مَا يُعْلَمُ مِنْ قِلَّةِ الْعِلْمِ بِالسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ بَلْ عَدَمِ ذَلِكَ فِي أَكْثَرِهِنَّ سِيَّمَا إذَا انْضَافَ إلَيْهِ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ مِنْ يَتَسَمَّى بِالشَّيْخَةِ مِنْ الذِّكْرِ جَمَاعَةً بِأَصْوَاتِ النِّسْوَةِ، وَفِي أَصْوَاتِهِنَّ مِنْ الْعَوْرَاتِ مَا لَا يَنْحَصِرُ بِسَبَبِ تَرْخِيمِ أَصْوَاتِهِنَّ، وَنَدَاوَتِهَا سِيَّمَا، وَبَعْضُ الشَّيْخَاتِ عَلَى زَعْمِهِنَّ مِنْ شِعَارِهِنَّ إلْبَاسُ الصُّوفِ لِمَنْ تَابَتْ عَلَى يَدِهَا، وَدَخَلَتْ فِي طَرِيقَتِهَا.
وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ رحمه الله عَنْ لِبَاسِ الصُّوفِ لِلرِّجَالِ فَقَالَ: لَا خَيْرَ فِي الشُّهْرَةِ، وَمِنْ غَلِيظِ الْقُطْنِ مَا هُوَ فِي مِثْلِ ثَمَنِهِ، وَأَبْعَدُ مِنْ الشُّهْرَةِ انْتَهَى.
فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا فِي حَقِّ الرِّجَالِ فَمَا بَالُك بِهِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ، بَلْ لِبَاسُ ذَلِكَ لَهُنَّ مُثْلَةٌ، وَشُهْرَةٌ، وَفِيهِ تَشَبُّهٌ بِنِسَاءِ النَّصَارَى فِي كَنَائِسِهِنَّ أَعْنِي فِي لِبَاسِهِنَّ الصُّوفَ، وَالتَّخَلِّي عَنْ الْأَزْوَاجِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ ضِدُّ مُرَادِ صَاحِبِ الشَّرْعِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَسَلَامُهُ حَيْثُ يَقُولُ:«جِهَادُ الْمَرْأَةِ حُسْنُ التَّبَعُّلِ» انْتَهَى.
وَمِنْ حُسْنِ التَّبَعُّلِ لُبْسُ الْحَسَنِ مِنْ الثِّيَابِ، وَالتَّحَلِّي وَالتَّزَيُّنُ لِزَوْجِهَا، فَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ تَحَصَّلَ مِنْهُ أَنَّ فَاعِلَ هَذَا مُصَادِمٌ لِلسُّنَّةِ مُخَالِفٌ لَهَا فَيَنْبَغِي زَجْرُهُ وَهَجْرُهُ، فَكَيْفَ يُعْتَقَدُ، وَأَنْتَ تَرَى كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ مِمَّنْ لَهُ رِيَاسَةٌ، وَمِمَّنْ لَيْسَتْ لَهُ رِيَاسَةٌ يَتَحَدَّثُونَ بِفَضَائِلَ مَنْ هَذَا حَالُهَا، وَيُثْنُونَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ، وَيُطَرِّزُونَ بِذِكْرِهَا مَجَالِسَهُمْ، وَيَزُورُونَهَا فِي بَيْتِهَا، وَيَسْتَعْمِلُونَ خُطَاهُمْ إلَى زِيَارَتِهَا، أَوْ تَأْتِي هِيَ إلَيْهِمْ، وَيُعَظِّمُونَهَا، وَيُكَرِّمُونَهَا، وَمَنْ لَا يَلْبَسُ الصُّوفَ مِنْ الشَّيْخَاتِ لَهُنَّ عَوْرَاتٌ أُخَرُ أَكْثَرُ، وَأَشْنَعُ يَطُولُ تَتَبُّعُهَا مِمَّا تُنَزَّهُ الْأَلْسُنُ عَنْ ذِكْرِهَا، وَالْأَقْلَامُ عَنْ كَتْبِهَا.
وَقَدْ قَالَ: عليه الصلاة والسلام «اطَّلَعْت فِي النَّارِ فَرَأَيْت أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ قِيلَ: بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ بِكُفْرِهِنَّ قِيلَ: يَكْفُرْنَ بِاَللَّهِ؟ قَالَ يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْت إلَى إحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ثُمَّ رَأَتْ مِنْك شَيْئًا قَالَتْ: مَا رَأَيْت مِنْك خَيْرًا قَطُّ» ، وَقَدْ قَالَ: عليه الصلاة والسلام -
وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ: رحمه الله احْذَرُوا الِاغْتِرَارَ بِالنِّسَاءِ، وَإِنْ كُنَّ نِسَاءً صَالِحَاتٍ فَإِنَّهُنَّ يَرْكَنَّ إلَى كُلِّ بَلِيَّةٍ، وَلَا يَسْتَوْحِشْنَ مِنْ كُلِّ فِتْنَةٍ، وَقَدْ قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ رضي الله عنه، وَنَفَعَنَا بِهِ: لَيْسَ لِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَالرَّجُلُ الصَّالِحُ فِي هَذَا الزَّمَانِ فِي الْغَالِبِ إنَّمَا شِعَارُهُ لُزُومُ بَيْتِهِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «عِنْدَ ظُهُورِ الْفِتَنِ: كُنْ حِلْسًا مِنْ أَحْلَاسِ بَيْتِك» انْتَهَى.
فَكَيْفَ تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ الَّتِي لَمْ يُشْرَعْ لَهَا الْخُرُوجُ إلَّا لِلضَّرُورَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ، وَاعْتِقَادُ الشَّيْخَاتِ يَسْتَدْعِي خُرُوجَ رَبَّاتِ الْخُدُورِ، وَغَيْرِهِنَّ، وَفِي خُرُوجِهِنَّ مِنْ الْفِتْنَةِ مَا قَدْ عُلِمَ، وَلَا يَظُنُّ ظَانٌّ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي النِّسَاءِ صَالِحَاتٌ، وَلَا عَابِدَاتٌ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْكَلَامُ عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَحْوَالِهِنَّ، وَالنَّادِرُ لَا حُكْمَ لَهُ ثُمَّ الْعَجَبُ الْعَجِيبُ فِي اعْتِقَادِ بَعْضِهِنَّ فِي هَؤُلَاءِ الشَّيْخَاتِ مِنْ النِّسْوَةِ، وَهُنَّ كَمَا قَدْ عُلِمَ فِي هَذَا الزَّمَانِ لَا يَمْضِينَ لِمَوْضِعٍ يَعْمَلْنَ فِيهِ إلَّا بَعْدَ إطْلَاقِهِنَّ عَنْ ضَامِنَةِ الْمَغَانِي، فَمَفَاسِدُ مُرَكَّبَةٌ عَلَى مَفْسَدَةٍ عَظِيمَةٍ، ثُمَّ الْعَجَبُ أَيْضًا مِنْ بَعْضِ الرِّجَالِ مِمَّنْ لَهُ الْحِشْمَةُ أَوْ الْمَشْيَخَةُ يَتَوَرَّعُونَ عَنْ سَمَاعِ الْمَغَانِي، وَيُعَوِّضُونَ عَنْ ذَلِكَ الشَّيْخَةَ الْمُتَقَدِّمَ ذِكْرُهَا فَتَجِيءُ بَعْدَ إطْلَاقِهَا مِنْ الضَّامِنَةِ، وَمَعَهَا حَفَدَتُهَا، وَيَرْفَعْنَ عَقِيرَتَهُنَّ بِالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ جَمَاعَةً، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ جَمَاعَةً لِلرِّجَالِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِ السَّلَفِ الْمَاضِينَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -.
وَأَنْكَرَ مَالِكٌ لِذَلِكَ فِي حَقِّ الرِّجَالِ، وَأَنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ مِمَّنْ يَفْعَلُهُ، فَمَا بَالُك بِهِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ، وَفِي أَصْوَاتِهِنَّ مِنْ النَّدَاوَةِ، وَالتَّرْخِيمِ، وَالْفِتْنَةِ مَا قَدْ عُلِمَ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كَلَامِ الْمُتَجَالَّةِ أَمَّا الَّتِي كَلَامُهَا أَحْلَى مِنْ الرُّطَبِ فَلَا انْتَهَى.
يَعْنِي أَنَّهُ مَمْنُوعٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَجَالَّةً فَكَيْفَ بِهِ فِي الشَّابَّةِ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا مِنْ سَاقِطَةٍ إلَّا وَلَهَا لَاقِطَةٌ، وَسَبَبُ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ كُلِّهَا قِرَاءَةُ الرِّجَالِ جَمَاعَةً، وَذِكْرُهُمْ
جَمَاعَةً فَجَرَّ ذَلِكَ إلَى هَذَا الْمُحَرَّمِ الَّذِي يَفْعَلُهُ النِّسْوَةُ فِي الْفَرَحِ، وَالْمَوْلِدِ، وَغَيْرِهِمَا، وَزِدْنَ عَلَى ذَلِكَ قِيَامَهُنَّ يَرْقُصْنَ، وَيُعَيِّطْنَ، وَتَأْخُذُهُنَّ الْأَحْوَالُ عَلَى زَعْمِهِنَّ، وَفِي رَقْصِهِنَّ مِنْ الْعَوْرَاتِ مَا لَا خَفَاءَ فِيهِ مِنْ وُقُوعِ الْفِتَنِ، وَفَسَادِ الْقُلُوبِ، وَالتَّشْوِيشِ عَلَى مَنْ فِيهِ دِينٌ، أَوْ خَيْرٌ مَا فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ عَلَى خَسْفِ الْقُلُوبِ، وَاتِّبَاعِ الْهَوَى، وَاسْتِعْمَالِ الْعَوَائِدِ الرَّدِيئَةِ، وَقِلَّةِ الْحَيَاءِ مِنْ عَمَلِ الذُّنُوبِ، وَقَلْبِ الْحَقَائِقِ، وَانْقِلَابِ الْمَقَاصِدِ، وَتَرْكِ الِالْتِفَاتِ لِلْمَفَاسِدِ، وَلَا يُمْكِنُ حَصْرُهَا، وَلَا عَدُّهَا فَاللَّبِيبُ مَنْ تَرَكَ هَذَا كُلَّهُ إذْ أَنَّ الْعِلْمَ الَّذِي عِنْدَهُ يُحَرِّمُهُ، وَيَأْمُرُهُ بِتَغْيِيرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَأَقَلُّ مَا يُمْكِنُ فِي حَقِّهِ التَّغْيِيرُ بِالْقَلْبِ، وَأَقَلُّ مَا يُمْكِنُ فِي التَّغْيِيرِ بِالْقَلْبِ أَنْ لَا يَشْهَدَ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ، وَلَا يَتْرُكَ أَحَدًا يَشْهَدُهَا، وَلَا يَرْضَى بِفِعْلِهَا، وَلَا يَذْكُرَهَا سِيَّمَا بِحَضْرَتِهِ بَلْ يَعِيبُ ذَلِكَ، وَيُبَيِّنُ أَمْرَ الشَّرْعِ فِيهِ.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ رَزِينٌ رحمه الله فِي كِتَابِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما أَنَّهُمَا قَالَا: لَا يَكُنْ أَحَدُكُمْ إمَّعَةً يَقُولُ: أَنَا مَعَ النَّاسِ إنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنْت، وَإِنْ أَسَاءُوا أَسَأْت، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا لَا تَظْلِمُوا انْتَهَى.
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَزْهَدَ فِي زِيَارَةِ الْأَكَابِرِ، وَالْأَوْلِيَاءِ، وَالصَّالِحِينَ إذْ أَنَّهُمْ مَعْرُوفُونَ بِسِيمَاهُمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [البقرة: 273] ، وَقَالَ تَعَالَى {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} [الفتح: 29] ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّ قَسَمَهُ» انْتَهَى.
فَإِنْ خَفِيَ عَلَى طَالِبِ الْعِلْمِ أَمْرُ أَحَدٍ مِمَّنْ يَرَاهُ فَلْيَنْظُرْ فِي تُصَرِّفْهُ، فَإِنْ كَانَ عَلَى السُّنَّةِ فَلْيَشُدَّ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَاقَعَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلْيَهْرُبْ مِنْهُ، فَإِنَّهُ لِصٌّ، وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ رضي الله عنه أَنَّهُ أُثْنِيَ عِنْدَهُ عَلَى شَخْصٍ كَانَ فِي وَقْتِهِ فَخَرَجَ هُوَ، وَمَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ إلَى زِيَارَتِهِ، وَدَخَلَا الْمَسْجِدَ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ فَلَمْ يَجِدَاهُ فَجَلَسَا يَنْتَظِرَانِهِ فَلَمَّا أَنْ جَاءَ، وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ تَنَخَّمَ، وَبَصَقَ فِيهِ، فَخَرَجَ هَذَا السَّيِّدُ، وَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَخَرَجَ مَعَهُ