المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل فيما يأمر به المؤدب الصبي من الآداب] - المدخل لابن الحاج - جـ ٢

[ابن الحاج]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ بَعْض مَا يَفْعَلهُ النِّسَاء فِي المولد النبوي]

- ‌[فَصْلٌ مفاسد الْبُنْيَانُ فِي الْقُبُورِ]

- ‌[فَصْلٌ عَمَلُ الْمَوْلِدَ لِأَجْلِ جَمْعِ الدَّرَاهِمِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي خصوصية مولد الرَّسُول بشهر ربيع الْأَوَّل]

- ‌[فَصَلِّ المرتبة الثَّالِثَةُ فِي ذِكْر بَعْض مَوَاسِم أَهْل الْكتاب]

- ‌[مِنْ المواسم يَوْم النيروز]

- ‌[فَصْل مِنْ الْمَوَاسِمِ خميس العدس]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ المواسم الْيَوْمِ الَّذِي يَزْعُمُونَ أَنَّهُ سَبْتُ النُّورِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ المواسم مَا يفعلوه فِي مَوْلِدِ عِيسَى عليه السلام]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوْسِمِ الْغِطَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ المواسم عِيدِ الزَّيْتُونَةِ]

- ‌[فَصْلٌ بَعْضِ عَوَائِدَ اتَّخَذَهَا بَعْضُ النِّسَاءِ الْمُسْلِمَاتِ أخلت بِبَعْضِ الْفَرَائِضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صَوْمِ أَيَّامِ الْحَيْضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوَطْءِ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَاطَاهُ بَعْضُ النِّسْوَةِ مِنْ أَسْبَابِ السِّمَنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوجِ الْعَالِمِ إلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ فِي السُّوقِ وَاسْتِنَابَتِهِ لِغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي رُجُوعِ الْعَالِمِ مِنْ السُّوقِ إلَى بَيْتِهِ وَكَيْفِيَّةِ نِيَّتِهِ]

- ‌[أَخْذُ الدَّرْسِ فِي الْبَيْتِ وَالْمَدْرَسَةِ]

- ‌[فَصْلٌ للعالم أَنْ لَا يَتَرَدَّدَ لِأَحَدٍ مِمَّنْ يُنْسَبُ إلَى أَنَّهُ مِنْ أبناء الدنيا]

- ‌[فَصْلٌ تُرُكَ الْعَالم الدَّرْسَ لِعَوَارِضَ تَعْرِضُ لَهُ مِنْ جِنَازَةٍ أَوْ غَيْرهَا]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي للعالم أَنْ يَنْظُرَ أَوَّلًا فِي المدرسة إذَا عَرَضَتْ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي للعالم أَنْ يَكُونَ آكد الأمور وَأَهَمُّهَا عِنْدَهُ الْقَنَاعَةَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوَاضِعِ الْجُلُوسِ فِي الدُّرُوسِ وَغَيْرِهَا مِنْ مَوَاضِعِ الِاجْتِمَاعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ آدَابِ الْمُتَعَلِّمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَوْرَادِ طَالِبِ الْعِلْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي زِيَارَةِ الْأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَحَفُّظِ طَالِبِ الْعِلْمِ مِنْ الْعَمَلِ عَلَى الْمَنَاصِبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعَدَالَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ الْعَالِمِ وَالْمُتَعَلِّمِ فِي بَيْتِهِ مَعَ أَهْلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دُخُولِ الْمَرْأَةِ الْحَمَّامَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعْلِيمِ الزَّوْجَةِ أَحْكَامَ الْغُسْلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دُخُولِ الرَّجُلِ الْحَمَّامَ]

- ‌[آدَاب النوم]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ الْجِمَاعِ]

- ‌[فَصْلٌ إذَا رَأَى مِنْ زَوْجَته أَمَارَاتِ طَلَبِ الْجِمَاع]

- ‌[فَصْلٌ إتْيَانُ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا]

- ‌[فَصْلٌ الرَّجُلَ إذَا رَأَى امْرَأَةً أَعْجَبَتْهُ وَأَتَى أَهْلَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمَنْع مِنْ إفشاء سُرّ الِاجْتِمَاع بزوجته]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَاب الْقِيَام مِنْ النوم]

- ‌[فَصْلٌ فِي طَالِب الْعِلْم يتحفظ مِنْ أُمُور]

- ‌[فَصْلٌ فِي نِيَّةِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ وَآدَابِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْبِدَعِ الَّتِي أُحْدِثَتْ فِي الْمَسْجِدِ وَالْأَمْرِ بِتَغْيِيرِهَا]

- ‌[فَصْلٌ الْكُرْسِيُّ الْكَبِيرُ الَّذِي يَعْمَلُونَهُ فِي الْجَامِعِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّبْلِيغِ فِي الصَّلَاةِ وَالْجَمَاعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ اتِّخَاذُ الْمِنْبَرِ الْعَالِي]

- ‌[فَصْلٌ الْبِئْر الَّتِي فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ مَوْضِعُ الْفَسْقِيَّةِ وَالْحَظِيرِ الَّذِي عَلَيْهَا وَمَا عَلَيْهَا]

- ‌[فَصْلٌ مَوْضِعُ الدِّيوَانِ مِنْ الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ الزَّخْرَفَةِ فِي الْمِحْرَابِ]

- ‌[فَصْلٌ الْبِنَاء فَوْق سَطْح الْمَسْجِد]

- ‌[فَصْلٌ الْوُضُوءَ فِي سَطْحِ الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمَرَاوِح وَاِتِّخَاذَهَا فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُصَافَحَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَبَعْدَ صَلَاة الْعَصْر]

- ‌[فَصَلِّ كَرَاهَة الصَّلَاة عَلَى الْمَيِّت فِي الْمَسْجِد]

- ‌[فَصْلٌ رَفْعَ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[النَّهْي عَنْ قص الشعر فِي الْمَسْجِد]

- ‌[فَصْلٌ يَنْهَى الزَّبَّالِينَ أَنْ يَعْمَلُوا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ]

- ‌[النَّهْي عَنْ وُقُوفِ الدَّوَابِّ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ]

- ‌[النَّهْي عَنْ الْإِتْيَانِ لِلْجُمُعَةِ مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ وَلَا تَغْيِيرِ هَيْئَةٍ]

- ‌[فَضِيلَةِ الْمُؤَذِّنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوْضِعِ الْأَذَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَذَانِ جَمَاعَةً]

- ‌[فَصْلٌ فِي النَّهْيِ عَنْ الْأَذَانِ بِالْأَلْحَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي النَّهْيِ عَنْ الْأَذَانِ فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الطَّوَافِ بِالْمُؤَذِّنِ فِي أَرْكَانِ الْمَسْجِدِ إذَا مَاتَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَذَانِ الشَّابِّ عَلَى الْمَنَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي النَّهْيِ عَمَّا أَحْدَثُهُ الْمُؤَذِّنُونَ بِاللَّيْلِ مِنْ غَيْرِ السُّنَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّسْحِيرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْعَوَائِدِ فِي التَّسْحِيرِ]

- ‌[فَصْلٌ نهي الْمُؤَذِّنِينَ عَنْ التَّذْكَارِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ تَرْتِيب الْمُؤَذِّنِينَ فِي آذان الظُّهْر]

- ‌[فَصْلٌ فِي حِكْمَةِ تَرْتِيبِ الْأَذَانِ]

- ‌[فَصْلٌ وُقُوف الْمُؤَذِّنِينَ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَقَوْلِهِمْ الصَّلَاةَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي النَّهْيِ عَنْ النِّدَاءِ عَلَى الْغَائِبِ بِمَا لَا يَنْبَغِي]

- ‌[فَصْلٌ فِي النَّهْي عَنْ مَشْيِ الْمُؤَذِّنِينَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَهَيُّئِ الْإِمَامِ لِلْجُمُعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَجَنَّبَهَا فِي نَفْسِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوجِ الْإِمَامِ عَلَى النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ صَلَاة الْمُؤَذِّن عَلَى النَّبِيّ عِنْد خُرُوج الْإِمَام]

- ‌[فَصْلٌ فِي هيئة الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ صُعُودِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي فَرْشِ السَّجَّادَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إسْلَامِ الْكَافِرِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ]

- ‌[فَصْلٌ إذَا فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ وَدَعَا فِيهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّة دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْجَهْر بِالنِّيَّةَ]

- ‌[التَّنَفُّلُ فِي الْمَسَاجِدِ بِتَوَابِعِ الْفَرَائِضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوجِ الْإِمَامِ إلَى صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّكْبِيرِ عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّحَفُّظِ مِنْ النَّجَاسَةِ فِي الْمُصَلَّى]

- ‌[فَصْلٌ فِي سَلَامِ الْعِيدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوجِ النِّسَاءِ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْصِرَافِ النَّاسِ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّكْبِيرِ إثْرَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي أَيَّامِ الْعِيدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي صفة الْإِمَام فِي قِيَام رَمَضَان]

- ‌[فَصْلٌ فِي الذِّكْرِ بَعْدَ التَّسْلِيمَتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُفْعَلُ فِي لَيْلَةِ الْخَتْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صِفَةِ قِيَامِ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْخُطْبَةِ عَقِبَ الْخَتْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقِيَامِ عِنْدَ الْخَتْمِ بِسَجَدَاتِ الْقُرْآنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قِيَامِ السَّنَةِ كُلِّهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَفْعَلُونَهُ بَعْدَ الْخَتْمِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي]

- ‌[فَصْلٌ فِي وُقُودِ الْقَنَادِيلِ لَيْلَةَ الْخَتْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ آدَابِ الْمُؤَدِّبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أَسْبَابِ أَوْلِيَاءِ الصِّبْيَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صِفَةِ تَوْفِيَتِهِ بِمَا نَوَاهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ الْمُؤَدِّبُ الصَّبِيَّ مِنْ الْآدَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْصِرَافِ الصِّبْيَانِ مِنْ الْمَكْتَبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَزْوِيقِ الْأَلْوَاحِ]

الفصل: ‌[فصل فيما يأمر به المؤدب الصبي من الآداب]

يَأْذَنَ وَلِيُّهُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ فَهُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ وَأَكْلُهُ لِذَلِكَ سُحْتٌ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ

[فَصْلٌ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ الْمُؤَدِّبُ الصَّبِيَّ مِنْ الْآدَابِ]

ِ وَيَنْبَغِي لَهُ بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَتْرُكَ أَحَدًا مِنْ الصِّبْيَانِ يَأْتِي إلَى الْكُتَّابِ بِغِذَائِهِ وَلَا بِفِضَّةٍ مَعَهُ وَلَا فُلُوسٍ لِيَشْتَرِيَ شَيْئًا فِي الْمَكْتَبِ؛ لِأَنَّ مِنْ هَذَا الْبَابِ تَتْلَفُ أَحْوَالُهُمْ وَيَنْكَسِرُ خَاطِرُ الصَّغِيرِ الْفَقِيرِ مِنْهُمْ وَالضَّعِيفِ لِمَا يَرَى مِنْ جِدَةِ غَيْرِهِ فَيَدْخُلُ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ ضَارَّ بِمُسْلِمٍ أَضَرَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ» انْتَهَى؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْفَقِيرِ يَرْجِعُ إلَى بَيْتِهِ مُنْكَسِرًا خَاطِرُهُ مُتَشَوِّشًا فِي نَفْسِهِ غَيْرَ رَاضٍ بِنَفَقَةِ وَالِدَيْهِ عَلَيْهِ لِمَا يَرَى مِنْ نَفَقَةِ مَنْ لَهُ اتِّسَاعٌ فِي الدُّنْيَا وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاسِدِ جُمْلَةٌ قَلَّ أَنْ تَنْحَصِرَ وَفِيمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ كِفَايَةٌ. وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَدَعَ أَحَدًا مِنْ الْبَيَّاعِينَ يَقِفُ عَلَى الْمَكْتَبِ لِيَبِيعَ لِلصِّبْيَانِ إذْ فِيهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ إنْ اُشْتُرِيَ مِنْهُ.

وَيَنْبَغِي لِلْمُؤَدِّبِ أَنْ لَا يُكْثِرَ الْكَلَامَ مَعَ مَنْ مَرَّ عَلَيْهِ مِنْ إخْوَانِهِ إذْ مَا هُوَ فِيهِ آكِدٌ عَلَيْهِ مِنْ الْحَدِيثِ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَغِلٌ بِأَكْبَرِ الطَّاعَاتِ لِلَّهِ تَعَالَى اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ فَرْضٌ أَوْ أَمْرٌ هُوَ أَهَمُّ فِي الْوَقْتِ مِمَّا هُوَ فِيهِ فَنَعَمْ. وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُؤَدِّبِينَ تَجِدُهُمْ بِضِدِّ هَذَا الْحَالِ يَتَحَدَّثُونَ كَثِيرًا مَعَ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَالصِّبْيَانُ يُبْطِلُونَ مَا هُمْ فِيهِ وَيَلْهُونَ عَنْهُ وَيَلْعَبُونَ فَلْيَحْذَرْ مِنْ هَذَا أَنْ يَقَعَ مِنْهُ.

وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ الْكُتَّابِ بِالسُّوقِ إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَعَلَى شَوَارِعِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي الدَّكَاكِينِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ بِمَوْضِعٍ لَيْسَ بِمَسْلُوكٍ لِلنَّاسِ فَإِنَّ الصِّبْيَانَ يُسْرِعُ إلَيْهِمْ الْقِيلُ وَالْقَالُ فَإِذَا كَانَ بِالسُّوقِ أَوْ عَلَى الطَّرِيقِ أَوْ فِي الدَّكَاكِينِ ذَهَبَ عَنْهُمْ ذَلِكَ وَفِيهِ فَائِدَةٌ أُخْرَى عَظِيمَةٌ وَهِيَ إظْهَارُ الشَّعَائِرِ؛ لِأَنَّهُ أَجَلُّهَا كَذَلِكَ يَحْذَرُ أَنْ يَتَّخِذَ الْكُتَّابَ فِي الْمَسَاجِدِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «جَنِّبُوا

ص: 313

مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ» انْتَهَى. وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَكْتَبُ فِي مَوْضِعٍ يَخْفَى عَنْ أَعْيُنِ الْمَارِّينَ فِي الطَّرِيقِ إذْ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاسِدِ مَا لَا يَخْفَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصِّبْيَانَ يَكُونُونَ عِنْدَهُ عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ فَابْنُ الْفَقِيرِ وَابْنُ الْغَنِيِّ سَوَاءٌ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا يَتْرُكُ دَكَّةً تَدْخُلُ لَهُ الْكُتَّابَ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَرْفِيعًا لِابْنِ الْغَنِيِّ عَلَى غَيْرِهِ وَانْكِسَارًا لِخَاطِرِ الْفَقِيرِ وَالْيَتِيمِ وَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ جَبْرٍ لَا مَوْضِعُ كَسْرٍ إذْ اللَّائِقُ بِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يَكُونَ بِمَوْضِعٍ مِنْ الْعَدْلِ وَالتَّوَاضُعِ وَالْخَيْرِ فَتَكُونُ بِدَايَةُ أَمْرِ الصِّبْيَانِ عَلَى الْمَنْهَجِ الْأَقْوَمِ وَالطَّرِيقِ الْأَرْشَدِ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَتَصَرَّفُ فِيهِ الصِّبْيَانُ فِيهِ لِضَرُورَةِ الْبَشَرِيَّةِ مَعْلُومًا إمَّا أَنْ يَكُونَ وَقْفًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِلْكًا أَبَاحَهُ صَاحِبُهُ وَيُؤْمَنُ عَلَى الصِّبْيَانِ فِيهِ، فَإِنْ عُدِمَا مَعًا أَوْ عُدِمَ الْأَمْنُ فَكُلُّ وَاحِدٍ يَمْضِي إلَى بَيْتِهِ لِيُزِيلَ ضَرُورَتَهُ ثُمَّ يَعُودَ وَإِذَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ الصِّبْيَانِ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ فَلَا يَتْرُكُ غَيْرَهُ يَخْرُجُ حَتَّى يَأْتِيَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا خَرَجُوا جَمِيعًا يُخْشَى عَلَيْهِمْ مِنْ اللَّعِبِ بِسَبَبِ الِاجْتِمَاعِ وَقَدْ يُبْطِئُونَ فِي الرُّجُوعِ إلَى الْمَكْتَبِ وَهُوَ الْغَالِبُ عَلَى حَالِهِمْ.

وَيَنْبَغِي لَهُ إذَا احْتَاجَ الصَّبِيُّ إلَى غِذَائِهِ أَنْ يَتْرُكَهُ يَمْضِي إلَى بَيْتِهِ لِغِذَائِهِ ثُمَّ يَعُودُ؛ لِأَنَّهُ سِتْرٌ عَلَى الْفَقِيرِ وَفِيهِ أَيْضًا تَعْلِيمُ الْأَدَبِ لِلصِّبْيَانِ فِي حَالِ صِغَرِهِمْ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ إلَّا بَيْنَ الْإِخْوَانِ وَالْمَعَارِفِ دُونَ الْأَجَانِبِ فَإِذَا نَشَأَ الصَّبِيُّ عَلَى ذَلِكَ كَانَ مُتَأَدِّبًا بِآدَابِ الشَّرِيعَةِ فَيَذْهَبُ عَنْهُ مَا يَتَعَاطَاهُ بَعْضُ عَامَّةِ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ الْأَكْلِ عَلَى الطَّرِيقِ وَفِي الْأَسْوَاقِ وَبِحَضْرَةِ مَنْ يَعْرِفُهُ وَمَنْ لَا يَعْرِفُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ السُّنَّةِ وَلَا مِنْ شِيَمِ الْكِرَامِ وَقَدْ قِيلَ لَا يَأْكُلُ عَلَى الطَّرِيقِ إلَّا كَرِيمٌ أَوْ لَئِيمٌ. وَقَدْ وَقَعَ النَّهْيُ عَنْ الْأَكْلِ وَالْعَيْنَانِ تَنْظُرَانِ. فَإِذَا مَضَوْا إلَى ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقِيمَ السَّطْوَةَ عَلَيْهِمْ إذَا غَابُوا أَكْثَرَ مِمَّا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ لِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى اجْتِمَاعِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ وَوُقُوعِ مَا لَا يَنْبَغِي مِنْهُمْ.

وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَوَلَّى تَعْلِيمَ

ص: 314

الْجَمِيعِ بِنَفْسِهِ إنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ فَلْيَأْمُرْ بَعْضَهُمْ أَنْ يُقْرِئَ بَعْضًا وَذَلِكَ بِحَضْرَتِهِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا يُخَلِّي نَظَرَهُ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ إذَا غَفَلَ قَدْ تَقَعُ مِنْهُمْ مَفَاسِدُ جُمْلَةٌ لَمْ تَكُنْ لَهُ فِي بَالٍ؛ لِأَنَّ عُقُولَهُمْ لَمْ تَتِمَّ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ عَقْلٌ إذَا غَفَلْت عَنْهُ وَقْتًا مَا فَسَدَ أَمْرُهُ وَتَلِفَ حَالُهُ فِي الْغَالِبِ سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ وَيَنْبَغِي لَهُ إذَا وَكَّلَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ أَنْ لَا يَجْعَلَ صِبْيَانًا مَعْلُومِينَ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَلْ يُبَدِّلُ الصِّبْيَانَ فِي كُلِّ وَقْتٍ عَلَى الْعُرَفَاءِ مَرَّةً يُعْطِي صِبْيَانَ هَذَا لِهَذَا وَصِبْيَانَ هَذَا لِهَذَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لِوَاحِدٍ صِبْيَانٌ مَعْلُومُونَ فَقَدْ تَنْشَأُ بَيْنَهُمْ مَفَاسِدُ بِسَبَبِ الْوُدِّ لَا يَشْعُرُ بِهَا فَإِذَا فَعَلَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ سَلِمَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ وَيَفْعَلُ هُوَ فِي نَفْسِهِ مِثْلَ ذَلِكَ فَيَأْخُذُ صِبْيَانَهُمْ تَارَةً وَيَدْفَعُ لَهُمْ آخَرِينَ، فَإِنْ كَانَ الصِّبْيَانُ كُلُّهُمْ صِغَارًا فَلَا بُدَّ مِنْ مُبَاشَرَةِ ذَلِكَ كُلِّهِ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ فَلْيَأْخُذْ مَنْ يَسْتَنِيبُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ الْمَأْمُونِينَ شَرْعًا بِأُجْرَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا.

وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَمْتَثِلَ السُّنَّةَ فِي الْإِقْرَاءِ وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَنَّ السَّلَفَ الْمَاضِينَ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ إنَّمَا كَانُوا يُقْرِئُونَ أَوْلَادَهُمْ فِي سَبْعِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ زَمَنٌ يُؤْمَرُ الْوَلِيُّ أَنْ يُكَلِّفَ الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ وَالْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ فِيهِ فَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ فِي ذَلِكَ السِّنِّ فَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى مَنْ يَأْتِي بِهِ إلَى الْمَكْتَبِ إنْ أَمِنَ عَلَيْهِ غَالِبًا، فَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ عَلَيْهِ فَلْيُرْسِلْ مَعَهُ وَلِيُّهُ مَنْ يَثِقُ بِهِ فِي ذَهَابِهِ إلَى بَيْتِهِ لِضَرُورَتِهِ وَغِذَائِهِ وَمَنْ يَأْتِي بِهِ إلَى الْمَكْتَبِ فَهُوَ أَسْلَمُ عَاقِبَةً مِنْ أَنْ يَكُونَ الَّذِي يَتَوَلَّى ذَلِكَ مِنْ الْمَكْتَبِ وَالْغَالِبُ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنَّهُمْ يُدْخِلُونَ أَوْلَادَهُمْ الْمَكْتَبَ فِي حَالِ الصِّغَرِ بِحَيْثُ إنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَى مَنْ يُرَبِّيهِمْ وَيَسُوقُهُمْ إلَى الْمَكْتَبِ وَيَرُدُّهُمْ إلَى بُيُوتِهِمْ بَلْ بَعْضُهُمْ يَكُونُ سِنُّهُ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَمْسِكَ ضَرُورَةَ نَفْسِهِ بَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْمَكْتَبِ وَيُلَوِّثُ بِهِ ثِيَابَهُ وَمَكَانَهُ فَلْيَحْذَرْ مِنْ أَنْ يُقْرِئَ مِثْلَ هَؤُلَاءِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي إقْرَائِهِ لَهُمْ إلَّا وُجُودُ التَّعَبِ غَالِبًا وَتَلْوِيثُ مَوْضِعِ الْقُرْآنِ وَتَنْزِيهُهُ عَنْ ذَلِكَ مُتَعَيِّنٌ أَعْنِي بِالنِّسْبَةِ إلَى عَدَمِ انْتِفَاعِ الصِّبْيَانِ بِالْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ السِّنِّ غَالِبًا

ص: 315

أَلَا تَرَى أَنَّ الْغَالِبَ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ يُرْسِلُونَ أَوْلَادَهُمْ إلَى الْمَكْتَبِ فِي حَالِ صِغَرِهِمْ لِكَيْ يَسْتَرِيحُوا مِنْ تَعَبِهِمْ لَا لِأَجْلِ الْقِرَاءَةِ وَحَامِلُ الْقُرْآنِ يَجِلُّ مَنْصِبُهُ الرَّفِيعُ عَنْ تَرْبِيَةِ مَنْ هَذَا حَالُهُمْ وَفِي إقْرَائِهِ لِغَيْرِهِمْ سَعَةٌ وَفَائِدَةٌ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلِّمَهُمْ آدَابَ الدِّينِ كَمَا يُعَلِّمُهُمْ الْقُرْآنَ فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا سَمِعَ الْأَذَانَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا كُلَّ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ قِرَاءَةٍ وَكِتَابَةٍ وَغَيْرِهِمَا إذْ ذَاكَ فَيُعَلِّمُهُمْ السُّنَّةَ فِي حِكَايَةِ الْمُؤَذِّنِ وَالدُّعَاءِ بَعْدَ الْأَذَانِ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ دُعَاءَهُمْ مَرْجُوُّ الْإِجَابَةِ سِيَّمَا فِي هَذَا الْوَقْتِ الشَّرِيفِ ثُمَّ يُعَلِّمُهُمْ حُكْمَ الِاسْتِبْرَاءِ شَيْئًا فَشَيْئًا وَكَذَلِكَ الْوُضُوءُ وَالرُّكُوعُ بَعْدَهُ وَالصَّلَاةُ وَتَوَابِعُهَا وَيَأْخُذُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ قَلِيلًا قَلِيلًا وَلَوْ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً فِي كُلِّ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَلْيَحْذَرْ أَنْ يَتْرُكَهُمْ يَشْتَغِلُونَ بَعْدَ الْأَذَانِ بِغَيْرِ أَسْبَابِ الصَّلَاةِ بَلْ يَتْرُكُونَ كُلَّ مَا هُمْ فِيهِ وَيَشْتَغِلُونَ بِذَلِكَ حَتَّى يُصَلُّوا فِي جَمَاعَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ فِي قَضَاءِ حَاجَتِهِمْ يَمْضُونَ إلَى مَوْضِعِ وَقْفٍ أَوْ مَوْضِعِ مِلْكٍ أُبِيحَ لَهُمْ أَوْ إلَى بُيُوتِهِمْ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَيُصَلُّونَ جَمِيعًا فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ مُؤَدِّبُهُمْ، فَإِنْ خَافَ عَلَيْهِمْ مِنْ اللَّعِبِ أَوْ الْعَبَثِ فَيُصَلُّونَ فِي الْمَكْتَبِ جَمِيعًا وَيُقَدِّمُونَ أَكْبَرَهُمْ فِيهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ جَمَاعَةً. وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعَوِّدَهُمْ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَلَا يُسَامِحُهُمْ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ فِيهِ وَلَا يُعَوِّدَهُمْ الصَّلَاةَ أَفْذَاذًا؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُخْتَلَفٌ فِيهَا أَعْنِي شُهُودَ الْجَمَاعَةِ هَلْ هِيَ فَرْضٌ أَوْ سُنَّةٌ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ إلَّا فِي جَمَاعَةٍ. فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ الصَّلَاةِ وَتَوَابِعِهَا رَجَعُوا لِمَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْوَظَائِفِ فِي الْمَكْتَبِ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَقْتُ كَتْبِهِمْ الْأَلْوَاحَ مَعْلُومًا وَوَقْتُ تَصْوِيبِهَا مَعْلُومًا وَوَقْتُ عَرْضِهَا مَعْلُومًا وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ الْأَحْزَابِ حَتَّى يَنْضَبِطَ الْحَالُ وَلَا يَخْتَلَّ النِّظَامُ وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْهُمْ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ قَابَلَهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ فَرُبَّ صَبِيٍّ يَكْفِيه عُبُوسَةُ وَجْهِهِ عَلَيْهِ وَآخَرَ لَا يَرْتَدِعُ إلَّا بِالْكَلَامِ الْغَلِيظِ وَالتَّهْدِيدِ وَآخَرَ لَا يَنْزَجِرُ إلَّا بِالضَّرْبِ وَالْإِهَانَةِ كُلٌّ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ. وَقَدْ جَاءَ أَنَّ الصَّلَاةَ

ص: 316

لَا يُضْرَبُ عَلَيْهَا إلَّا لِعَشْرٍ فَمَا سِوَاهَا أَحْرَى فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَعَهُمْ بِالرِّفْقِ مَهْمَا أَمْكَنَهُ إذْ إنَّهُ لَا يَجِبُ ضَرْبُهُمْ فِي هَذَا السِّنِّ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ فَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ فِي سِنِّ مَنْ يُضْرَبُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَاضْطُرَّ إلَى ضَرْبِهِ ضَرَبَهُ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْوَاطٍ شَيْئًا بِذَلِكَ مَضَتْ عَادَةُ السَّلَفِ رضي الله عنهم، فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ فَلَهُ فِيمَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إلَى الْعَشَرَةِ سَعَةٌ. لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْآلَةُ الَّتِي يَضْرِبُ بِهَا دُونَ الْآلَةِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي تُقَامُ بِهَا الْحُدُودُ وَهِيَ مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ «رَجُلًا اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَوْطٍ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ فَقَالَ فَوْقَ هَذَا فَأُتِيَ بِسَوْطٍ جَدِيدٍ لَمْ تُقْطَعْ ثَمَرَتُهُ فَقَالَ دُونَ هَذَا فَأُتِيَ بِسَوْطٍ قَدْ رُكِبَ بِهِ وَلَانَ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجُلِدَ» . وَلَا يَكُونُ الْأَدَبُ بِأَكْثَرَ مِنْ الْعَشَرَةِ وَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا يَطْرَأُ عَلَى الصَّبِيِّ إنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ. وَلْيَحْذَرْ الْحَذَرَ الْكُلِّيَّ مِنْ فِعْلِ بَعْضِ الْمُؤَدِّبِينَ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَتَعَاطَوْنَ آلَةً اتَّخَذُوهَا لِضَرْبِ الصِّبْيَانِ مِثْلَ عَصَا اللَّوْزِ الْيَابِسِ وَالْجَرِيدِ الْمُشَرَّحِ وَالْأَسْوَاطِ النُّوبِيَّةِ وَالْفَلَقَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا أَحْدَثُوهُ وَهُوَ كَثِيرٌ وَلَا يَلِيقُ هَذَا بِمَنْ يُنْسَبُ إلَى حَمْلِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ إذْ إنَّ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «مَنْ حَفِظَ الْقُرْآنَ فَكَأَنَّمَا أُدْرِجَتْ النُّبُوَّةُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُوحَى إلَيْهِ»

وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ الْخَطَّ وَالِاسْتِخْرَاجَ كَمَا يُعَلِّمُهُمْ حِفْظَ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُمْ بِذَلِكَ يَتَسَلَّطُونَ عَلَى الْحِفْظِ وَالْفَهْمِ فَهُوَ أَكْبَرُ الْأَسْبَابِ الْمُعِينَةِ عَلَى مُطَالَعَةِ الْكُتُبِ وَفَهْمِ مَسَائِلِهَا. وَيَنْبَغِي لَهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ لِمَسْحِ الْأَلْوَاحِ مَوْضِعٌ طَاهِرٌ مُصَانٌ نَظِيفٌ لَا يُمْشَى فِيهِ بِالْأَقْدَامِ ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ يَأْخُذُ الْمَاءَ الَّذِي يَجْتَمِعُ مِنْ الْمَسْحِ فَيَحْفِرُ لَهُ فِي مَكَان طَاهِرٍ مُصَانٍ عَنْ أَنْ يَطَأَهُ قَدَمٌ وَيُجْعَلُ فِيهِ أَوْ يُلْقَى فِي الْبَحْرِ أَوْ الْبِئْرِ أَوْ يُجْعَلُ فِي إنَاءٍ طَاهِرٍ لِكَيْ

ص: 317

يَسْتَشْفِيَ بِهِ مَنْ يَخْتَارُ ذَلِكَ الْمَاءَ وَكَذَلِكَ الَّذِي يَغْسِلُ بِهِ الْخِرَقَ بَعْدَ الْمَسْحِ يُجْعَلُ فِي مَوْضِعٍ بِحَيْثُ لَا يُمْتَهَنُ وَيُشْتَرَطُ فِي الْخِرَقِ الَّتِي يُمْسَحُ بِهَا الْأَلْوَاحُ أَنْ تَكُونَ طَاهِرَةً وَأَنْ يَكُونَ الْمَاءُ الَّذِي تُبَلُّ مِنْهُ حِينَ يُمْسَحُ بِهِ طَاهِرًا وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ غَيْرَ مُسْتَعْمَلٍ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَكُونَ حُلْوًا فَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرَبُهُ لِلِاسْتِشْفَاءِ بِهِ، فَإِنْ كَانَ أُجَاجًا امْتَنَعَ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوْ تَنَغَّصَ بِشُرْبِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْآنِيَةِ إذَا غُسِلَتْ فِيهَا الْأَيْدِي بَعْدَ الْأَكْلِ أَنَّهُ لَا يُبْصَقُ فِيهَا وَلَا يُغْسَلُ فِيهَا بِأُشْنَانٍ وَلَا غَيْرِهِ خِيفَةَ أَنْ يَشْرَبَهُ مَنْ يَتَبَرَّكُ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَفِي الْمَاءِ الَّذِي تُمْسَحُ بِهِ الْأَلْوَاحُ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَأَحْرَى. وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَمْنَعَ الصِّبْيَانَ مِمَّا اعْتَادَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُمْ يَمْسَحُونَ الْأَلْوَاحَ أَوْ بَعْضَهَا بِبُصَاقِهِمْ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْبُصَاقَ مُسْتَقْذَرٌ وَفِيهِ امْتِهَانٌ وَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ تَرْفِيعٍ وَتَعْظِيمٍ وَتَبْجِيلٍ فَيُجَلُّ عَنْ ذَلِكَ وَيُنَزَّهُ.

وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يُسَامِحَ الصِّبْيَانَ فِي دَقِّ الْمَسَامِيرِ فِي الْمَكْتَبِ إنْ كَانَ وَقْفًا، وَإِنْ كَانَ مِلْكًا فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ إذْ إنَّهُمْ مَأْمُورُونَ أَنْ يَأْكُلُوا فِي بُيُوتِهِمْ لَا فِي الْمَكْتَبِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ بَيْتُهُ بَعِيدًا بِحَيْثُ يَشُقُّ عَلَيْهِ الذَّهَابُ وَالرُّجُوعُ فَيُكَلِّفُهُ الْمُؤَدِّبُ أَنْ يَمْضِيَ إلَى بَيْتِ أَحَدِ أَقَارِبِهِ مِنْ وَالِدَيْهِ أَوْ مَعَارِفِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فَلْيَجْعَلْ وَقْتَ غِذَائِهِ حِينَ يَنْصَرِفُ الصِّبْيَانُ إلَى غِذَائِهِمْ وَقَبْلَ أَنْ يَرْجِعُوا.

وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُؤَدِّبَ يَحْمِلُهُمْ عَلَى اتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَيُعَلِّمُهُمْ أَحْكَامَ رَبِّهِمْ عَلَيْهِمْ كَمَا يُعَلِّمُهُمْ الْقُرْآنَ. وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يُعَوِّدَهُمْ الْقِرَاءَةَ فِي جَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ السَّلَفِ رضي الله عنهم كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا تَعَوَّدُوا ذَلِكَ فِي صِغَرِهِمْ يُخَافُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَفْعَلُوهُ فِي كِبَرِهِمْ وَأَيْضًا فَإِنَّ حِفْظَهُمْ لَا يَتَأَتَّى بِذَلِكَ إذْ إنَّ مَنْ لَمْ يَحْفَظْ مِنْهُمْ لَا يَعْلَمُ إذَا كَانُوا عَلَى صَوْتٍ وَاحِدٍ فِي الْغَالِبِ وَاتِّبَاعُ السَّلَفِ رضي الله عنهم أَوْلَى بَلْ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ ذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ تَرْكُهُ.

وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَسْتَقْضِيَ أَحَدًا مِنْ الصِّبْيَانِ

ص: 318

فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَ أَبَاهُ فِي ذَلِكَ وَيَأْذَنَ لَهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ وَلَا يَسْتَقْضِي الْيَتِيمَ مِنْهُمْ فِي حَاجَةٍ بِكُلِّ حَالٍ. وَلْيَحْذَرْ أَنْ يُرْسِلَ إلَى بَيْتِهِ أَحَدًا مِنْ الصِّبْيَانِ الْبَالِغِينَ أَوْ الْمُرَاهِقِينَ فَإِنَّ ذَلِكَ ذَرِيعَةٌ إلَى وُقُوعِ مَا لَا يَنْبَغِي أَوْ إلَى سُوءِ الظَّنِّ بِأَهْلِهِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ خَلْوَةَ الْأَجْنَبِيِّ بِالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ، فَإِنْ سَلِمُوا مِنْهُ فَلَا يَخْلُو مِنْ الْوَقِيعَةِ فِي أَعْرَاضِهِمْ فِي هَذَا الزَّمَانِ غَالِبًا وَمَا ذُكِرَ مِنْ اسْتِقْضَاءِ حَوَائِجِهِ لِبَعْضِ الصِّبْيَانِ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْجَوَازِ وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْتَقْضِيَ أَحَدًا مِنْهُمْ فِي حَاجَةٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ دَخَلَ عَلَى تَعْلِيمِهِمْ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا تَقَدَّمَ. لَكِنْ قَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَجَاءَهُ شَيْءٌ أَخَذَهُ عَلَى سَبِيلِ الْفُتُوحِ فَكَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ بِسَبِيلِهِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ نَفْسُهُ غَيْرَ مُتَشَوِّفَةٍ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ» وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْمَكَانِ الَّذِي يَقْضِي الصِّبْيَانُ فِيهِ ضَرُورَةَ الْبَشَرِيَّةِ فَلْيَحْذَرْ أَنْ يَتْرُكَهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا مِثْلُ مَا يَفْعَلُ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ أَنَّهُمْ يَقْضُونَ حَاجَتَهُمْ فِي جُدْرَانِ بُيُوتِ النَّاسِ وَطُرُقَاتِهِمْ فَيُنَجِّسُونَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَمَنْ جَلَسَ إلَى تِلْكَ الْجُدْرَانِ تَلَوَّثَ ثَوْبُهُ بِالنَّجَاسَةِ وَكَذَلِكَ الْمَاشِي قَدْ يُصِيبُهُ مِنْهَا أَذًى. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَ» فَهَذَا مِنْ آكِدِهَا فَتَلْحَقُ الصِّبْيَانَ اللَّعْنَةُ. وَهَذَا كُلُّهُ فِي ذِمَّةِ مَنْ سَكَتَ لَهُمْ مِمَّنْ لَهُ عَلَيْهِمْ أَمْرٌ وَنَهْيٌ فَيَنْهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ جَهْدَهُ. وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى أَكْمَلِ الْحَالَاتِ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَكُونُ مُتَزَوِّجًا؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ صَالِحًا فِي نَفْسِهِ فَالْغَالِبُ إسْرَاعُ سُوءِ الظَّنِّ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِمَنْ كَانَ غَيْرَ مُتَأَهِّلٍ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصِّبْيَانِ وَالْبَنَاتِ فِي الظَّاهِرِ إلَّا عِنْدَ مَنْ يَتَّقِي اللَّهَ تَعَالَى فَيَسَرِي إلَيْهِ الْقِيلُ وَالْقَالُ فَإِذَا كَانَ مُتَأَهِّلًا انْسَدَّ بَابُ الْكَلَامِ وَالْوَقِيعَةِ فِيهِ.

وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَضْحَكَ

ص: 319

مَعَ الصِّبْيَانِ وَلَا يُبَاسِطُهُمْ لِئَلَّا يُفْضِيَ ذَلِكَ إلَى الْوُقُوعِ فِي عِرْضِهِ وَعِرْضِهِمْ وَإِلَى زَوَالِ حُرْمَتِهِ عِنْدَهُمْ إذْ إنَّ مِنْ شَأْنِ الْمُؤَدِّبِ أَنْ تَكُونَ حُرْمَتُهُ قَائِمَةً عَلَى الصِّبْيَانِ بِذَلِكَ مَضَتْ عَادَةُ النَّاسِ الَّذِينَ يُقْتَدَى بِهِمْ فَلْيَهْتَدِ بِهَدْيِهِمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصِّبْيَانَ يَمْضُونَ إلَى بُيُوتِهِمْ لِقَضَاءِ ضَرُورَةِ الْبَشَرِيَّةِ وَلِغِذَائِهِمْ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُ عَوَامِّ الْمُؤَدِّبِينَ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَهُوَ أَنَّ الصِّبْيَانَ الَّذِينَ عِنْدَهُ إذَا أَتَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِغِذَائِهِ أَوْ بَعْضُهُمْ فَيَتَسَلَّمُ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَبَعْضُهُمْ يَخْلِطُ جَمِيعَ ذَلِكَ ثُمَّ يُعْطِي مِنْهُ مَنْ يَخْطُرُ لَهُ فَتَجِدُ بَعْضَ الصِّبْيَانِ يَطْلُبُ مِنْهُ شَيْئًا مِنْ غِذَائِهِ فَيَحْرِمُهُ وَيُوَفِّرُ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَلِمَنْ يَخْتَارُ وَهَذَا حَرَامٌ سُحْتٌ وَذَلِكَ جُرْحَةٌ فِي حَقِّهِ وَيَتَعَيَّنُ إقَامَتُهُ مِنْ الْمَكْتَبِ إلَّا أَنْ يَتُوبَ بِشَرْطِ أَنْ تُعْلَمَ حَقِيقَةُ أَمْرِهِ فِي ذَلِكَ. وَفِيهِ مِنْ الْمَحْذُورَاتِ عِدَّةٌ. مِنْهَا أَنَّهُ يَأْخُذُ غِذَاءَ هَذَا فَيُعْطِيه لِغَيْرِهِ فَيُدْخِلُ الْخَلَلَ فِي غِذَاءِ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ وَالِدُ بَعْضِهِمْ صَالِحًا مُتَوَرِّعًا فِي كَسْبِهِ وَآخَرُ مَكَّاسًا ظَالِمًا وَقَدْ يَكُونُ غِذَاءُ بَعْضِهِمْ أَحْسَنَ مِنْ غِذَاءِ الْآخَرِ فِي الْمَطْعَمِ وَالصَّبِيُّ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَوَلِيُّهُ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ سِيَّمَا إنْ كَانَ لِيَتِيمٍ فَلَا يَجُوزُ إبْدَالُهُ وَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَأْذَنَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ. وَبَعْضُ الْمُؤَدِّبِينَ يَفْعَلُ فِعْلًا قَبِيحًا شَنِيعًا مُحَرَّمًا وَهُوَ أَنَّهُ يَأْكُلُ مَعَ الصِّبْيَانِ مِنْ أَغْذِيَتِهِمْ وَيُطْعِمُ مَنْ يَخْتَارُهُ وَمَنْ يَجْتَمِعُ بِهِ وَيُرْسِلُ مِنْهَا إلَى بَيْتِهِ مَا يَخْتَارُ وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ الْخُلْسَةِ. وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ الصِّبْيَانَ بَقِيَ لَهُمْ غِذَاؤُهُمْ وَلَمْ يَمَسَّهُ غَيْرُهُمْ فَأَكَلُوا مِنْهُ مَا شَاءُوا وَبَقِيَتْ مِنْهُ بَقِيَّةٌ وَتَرَكُوهَا فِي الْمَكْتَبِ رَغْبَةً عَنْهَا لَجَازَ لِلْمُؤَدِّبِ أَنْ يَأْخُذَهَا وَيَنْتَفِعَ بِهَا. وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعْلِمَ أَوْلِيَاءَ الصِّبْيَانِ بِذَلِكَ إنْ كَانُوا جَمَاعَةً أَوْ وَاحِدًا إنْ انْفَرَدَ هَذَا مَا لَمْ يَكُنْ لِيَتِيمٍ كَمَا تَقَدَّمَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ لَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا مِنْ غِذَائِهِ وَتَرَكَهُ كُلَّهُ فِي الْمَكْتَبِ فَلَا يَجُوزُ لِلْمُؤَدِّبِ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى أَخْذِهِ إلَّا بِإِعْلَامِ وَالِدِ الصَّبِيِّ وَإِلَّا فَلَا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهَا فَضَلَاتٌ عَنْ شِبَعِهِمْ.

وَأَمَّا مَا يَحْتَاجُهُ الصِّبْيَانُ مِنْ الْمَاءِ

ص: 320