الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَانَ فِي بَيْتِهِ مَوْضِعٌ لِلْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ فَقَدْ تَيَسَّرَتْ عَلَيْهِ الطَّهَارَةُ، إذْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ التَّيْسِيرِ لَهَا
[فَصْلٌ فِي دُخُولِ الْمَرْأَةِ الْحَمَّامَ]
َ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَأْذَنَ لِزَوْجَتِهِ فِي دُخُولِ الْحَمَّامِ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ الْمَفَاسِدِ الدِّينِيَّةِ، وَالْعَوَائِدِ الرَّدِيئَةِ؛ لِأَنَّ عُلَمَاءَنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ اخْتَلَفُوا فِي الْمَرْأَةِ مَعَ الْمَرْأَةِ هَلْ حُكْمُهَا حُكْمُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ؟ أَوْ حُكْمُ الرَّجُلِ مَعَ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ، أَوْ حُكْمُ الرَّجُلِ مَعَ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ، وَهُنَّ قَدْ تَرَكْنَ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَخَرَقْنَ إجْمَاعَ الْأُمَّةِ بِدُخُولِهِنَّ الْحَمَّامَاتِ بَادِيَاتِ الْعَوْرَاتِ، وَإِنْ قَدَّرْنَا أَنَّ امْرَأَةً مِنْهُنَّ سَتَرَتْ مِنْ سُرَّتِهَا إلَى رُكْبَتِهَا عِبْنَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، وَأَسْمَعْنَهَا مِنْ الْكَلَامِ مَا لَا يَنْبَغِي حَتَّى تُزِيلَ السُّتْرَةَ عَنْهَا، ثُمَّ يَنْضَافَ إلَى ذَلِكَ مُحَرَّمٌ آخَرُ: هُوَ أَنَّ الْيَهُودِيَّةَ، وَالنَّصْرَانِيَّة لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَرَى بَدَنَ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ، وَهُنَّ يَجْتَمِعْنَ فِي الْحَمَّامَاتِ مُسْلِمَاتٍ، وَنَصْرَانِيَّاتٍ، وَيَهُودِيَّاتٍ فَيَكْشِفُ بَعْضُهُنَّ عَلَى عَوْرَاتِ بَعْضٍ، فَكَيْفَ يَأْذَنُ أَحَدٌ أَهْلَهُ فِي دُخُولِهَا، فَإِنْ قَالَ: إنَّهُ يَأْخُذُ لِأَهْلِهِ الْخَلْوَةَ فَمَا ذُكِرَ مِنْ الْمَفَاسِدِ لَا تُذْهِبُهُ الْخَلْوَةُ إذْ أَنَّهُنَّ حِينَ الدُّخُولِ فِيهَا، وَالْخُرُوجِ مِنْهَا، وَالْجُلُوسِ فِي الْمَقْطَعِ يَكْشِفْنَ عَلَى عَوْرَاتِ غَيْرِهِنَّ، وَيُكْشَفُ عَلَيْهِنَّ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْخَلْوَةُ خَارِجَةً عَنْ الْحَمَّامِ، فَكَأَنَّهَا حَمَّامٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ، فَهَذَا جَائِزٌ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَنْ دَخَلَ يَسْتَتِرُ السُّتْرَةَ الشَّرْعِيَّةَ.
وَلَا يُمَكِّنُ الْبَلَّانَةَ مِنْ الدُّخُولِ عَلَى أَهْلِهِ، وَهِيَ مُنْكَشِفَةٌ حَتَّى تَسْتَتِرَ السُّتْرَةَ الشَّرْعِيَّةَ، فَهَذَا لِلضَّرُورَةِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَخْلَى لِأَهْلِهِ الْحَمَّامَ بِلَيْلٍ، وَاسْتَتَرْنَ، فَلَا بَأْسَ إذَنْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْخَلْوَةِ، لَكِنْ لَا أَعْدِلُ بِالسَّلَامَةِ شَيْئًا، إذْ أَنَّ الْغُسْلَ فِي الْبَيْتِ فِيهِ سَتْرٌ حَصِينٌ، وَسَدٌّ لَبَاب الذَّرِيعَةِ إلَى الْمَفَاسِدِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَاحِدَةَ مِنْهُنَّ إذَا أَرَادَتْ الْحَمَّامَ اسْتَصْحَبَتْ مَعَهَا
أَفْخَرَ ثِيَابِهَا، وَأَنْفَسَ حُلِيِّهَا فَتَلْبَسُهُ حِينَ فَرَاغِهَا مِنْ الْغُسْلِ فِي الْحَمَّامِ حَتَّى يَرَاهَا غَيْرُهَا فَتَقَعُ بِذَلِكَ الْمُفَاخَرَةُ، وَالْمُبَاهَاةُ، وَقَلَّ أَنْ تَقْنَعَ الْمَرْأَةُ الَّتِي تَرَى ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ زَوْجِهَا إلَّا بِمِثْلِ ذَلِكَ، أَوْ مَا يُقَارِبُهُ، وَقَدْ لَا يَكُونُ لِزَوْجِهَا قُدْرَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَتَنْشَأُ الْمَفَاسِدُ، وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْفِرَاقِ، أَوْ الْإِقَامَةِ عَلَى شَنَآنٍ بَيْنَهُمَا لِطُولِ الْمُدَّةِ.
هَذَا حَالُ غَالِبِهِنَّ، وَذَلِكَ ضِدُّ مَقْصُودِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ فِي الْأُلْفَةِ، وَالْوُدِّ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِقَوْلِهِ عز وجل فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21] ، وَفِي دُخُولِ الْحَمَّامِ مَفَاسِدُ جُمْلَةً، وَفِيمَا ذُكِرَ غُنْيَةٌ عَنْ ذِكْرِ بَاقِيهَا، وَهِيَ بَيِّنَةٌ عِنْدَ الْمُتَأَمِّلِ إنْ عَرَضَ ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ الْعِلْمِ فَيَتَبَيَّنُ لَهُ مَا فِيهِ مِنْ الْقُبْحِ
فَإِنْ قَالَ مَثَلًا: الْغُسْلُ فِي الْبَيْتِ يَصْعُبُ عَلَيْهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ أَنْفَقَ فِي خَلْوَةٍ يَعْمَلُهَا فِي الْبَيْتِ مِنْ بَعْضِ مَا يُعْطِي مِنْ الصَّدَاقِ أَوْ مِنْ ثَمَنِ الْمِلْكِ لَانْسَدَّتْ هَذِهِ الثُّلْمَةُ، فَلَوْ قَالَ أَيْضًا: إنَّ الْغُسْلَ فِي الْبَيْتِ لَا يَكُونُ كَالْحَمَّامِ سِيَّمَا فِي أَيَّامِ الْبَرْدِ فَالْجَوَابُ: أَنَّ أَيَّامَ الْبَرْدِ يُمْكِنُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْتَغْنِيَ فِيهَا عَنْ الْغُسْلِ بِالسِّدْرِ، وَمَا شَاكَلَهُ، إذْ أَنَّ أَيَّامَ الْبَرْدِ لَا يَجْتَمِعُ فِيهَا الْوَسَخُ وَلَا الْغُبَارُ كَثِيرًا، فَإِذَا فَرَغَتْ أَيَّامُ الْبَرْدِ كَانَ الْغُسْلُ فِي الْبَيْتِ فِي الْمَوْضِعِ الْمُهَيَّأِ لَهُ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ، وَيَكْفِيهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ أَنَّهَا تَغْتَسِلُ مِنْ الْحَيْضِ كَمَا تَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُعَلِّمَ زَوْجَتَهُ سُرْعَةَ الْغُسْلِ فَإِنَّ ذَلِكَ آمَنُ مِمَّا يُتَوَقَّعُ مِنْ الضَّرَرِ بِهَا، وَذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ الْمَاضِيَةِ أَلَا تَرَى إلَى مَا خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ يَوْمًا فَسَوَّى النَّاسُ صُفُوفَهُمْ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ فَقَالَ: عَلَى رِسْلِكُمْ ثُمَّ دَخَلَ بَيْتَهُ، وَخَرَجَ، وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً فَصَلَّى بِهِمْ» فَهَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى سُرْعَةِ غُسْلِهِ صلى الله عليه وسلم إذْ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَرْحَمُ الْخَلْقِ بِأُمَّتِهِ، وَأَشْفَقُهُمْ عَلَيْهَا، فَلَوْ كَانَ زَمَانُ الْغُسْلِ فِيهِ طُولٌ لَأَمَرَهُمْ بِالْجُلُوسِ حِينَ ذَكَرَ سِيَّمَا، وَقَدْ يَكُونُ فِيهِمْ الضَّعِيفُ، وَالشَّيْخُ
الْكَبِيرُ، وَلَنَا فِي فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم أُسْوَةٌ.
وَكَذَلِكَ يُعَلِّمُهَا إذَا اغْتَسَلَتْ فِي الْبَيْتِ أَنْ تَتْرُكَ رَأْسَهَا مُغَطًّى لَا تَكْشِفُهُ حَتَّى إذَا جَاءَتْ إلَى غَسْلِهِ كَشَفَتْهُ، وَخَلَّلَتْ شَعْرَ رَأْسِهَا، وَأَفَاضَتْ الْمَاءَ عَلَيْهِ ثُمَّ نَشَّفَتْهُ فِي الْوَقْتِ، وَغَطَّتْهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَغْسِلُ سَائِرَ بَدَنِهَا، وَإِنَّمَا يَأْمُرُهَا بِذَلِكَ خِيفَةَ أَنْ يُصِيبَهَا فِي رَأْسِهَا أَلَمٌ إنْ تَرَكَتْهُ مَكْشُوفًا حَتَّى تَفْرُغَ مِنْ غُسْلِ جَمِيعِ بَدَنِهَا، وَلَهَا أَنْ تَتْرُكَ رَأْسَهَا مُغَطًّى حَتَّى تَفْرُغَ مِنْ غَسْلِ جَمِيعِ بَدَنِهَا، ثُمَّ تَغْسِلَ رَأْسَهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إلَّا تَرْكُ التَّرْتِيبِ فِيهِ، وَهُوَ فِي الْغُسْلِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَلَوْ كَانَ الْمُغْتَسِلُ بِهِ أَلَمٌ فِي رَأْسِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَى كَشْفِهِ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً فَإِنَّهُ يَغْسِلُ جَمِيعَ بَدَنِهِ، وَيَمْسَحُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ، فَلَوْ كَانَ يَضُرُّهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ، أَوْ الْخِمَارِ، وَيُجْزِيهِ ذَلِكَ مَا دَامَ بِهِ الْأَذَى، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْأَلَمُ فِي غَيْرِ رَأْسِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ تَيَمُّمٌ عِنْدَ مَالِكٍ رحمه الله، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله يَجْمَعُ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ، وَلَوْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ لِمَرَضٍ بِهِ، أَوْ جُرْحٍ، أَوْ لِمَا يَخْشَى أَنْ يَنْزِلَ بِهِ مِنْ مَرَضٍ فَلَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ، وَإِنْ طَالَ بِهِ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي الْمَرْأَةِ إذَا طَهُرَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا، وَهِيَ فِي سَفَرٍ مَعَ زَوْجِهَا، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيهِمَا لِغُسْلِهِمَا مِنْ الْجَنَابَةِ بَعْدَ غُسْلِهَا مِنْ حَيْضَتِهَا فَلَيْسَ لِزَوْجِهَا أَنْ يَطَأَهَا بَعْدَ الْغُسْلِ مِنْ حَيْضَتِهَا، حَتَّى يَكُونَ مَعَهُمَا مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيهِمَا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَطُولَ السَّفَرُ بِهِمَا مَعَ عَدَمِ الْمَاءِ فَيَجُوزُ لِزَوْجِهَا أَنْ يَطَأَهَا، وَيَتَيَمَّمَا مِنْ جَنَابَتِهِمَا، وَكَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ بِسَبِيلِهِ إنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ قَصِيرَةً لَا يَتَضَرَّرُ بِهَا الزَّوْجُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا؛ لِعَجْزِهَا عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ، وَأَضَرَّ ذَلِكَ بِالزَّوْجِ فَذَلِكَ جَائِزٌ.
وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام: «الصَّعِيدُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدَهُ فَلْيُمِسَّهُ بَدَنَهُ» ، أَوْ كَمَا قَالَ عليه الصلاة والسلام، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْدَمَ الْمَاءَ، أَوْ يَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ الشَّرْعِيَّةِ، وَاَللَّهُ