الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِلشُّرْبِ فَجَائِزٌ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْئًا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ فَيَشْتَرِي بِهِ مَاعُونَ الْمَاءِ وَالْمَاءَ وَلَا يُمَكِّنُ الصِّبْيَانَ مِنْ الذَّهَابِ إلَى بُيُوتِهِمْ لِلشُّرْبِ وَإِنْ كَانَ بَيْتُ بَعْضِهِمْ قَرِيبًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَتَكَرَّرُ فِي الْغَالِبِ. وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي بَلْ يَتَعَيَّنُ أَنْ لَا يَشْرَبَ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ فِي ذَلِكَ آبَاؤُهُمْ، فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ يَتِيمٌ فَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا لِثَمَنِ الْمَاءِ وَلَا غَيْرِهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَيَصِيرُ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ أَذِنَ لَهُ فِي الشُّرْبِ وَيَسْتَحِقُّ ذَلِكَ فِي حَقِّ مُؤَدِّبِهِمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ سُكْنَى دُورِ الْقَرَافَةِ تُمْنَعُ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا يَتَّخِذُ فِيهَا مَكْتَبًا لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ خَالَفَ وَلَا حَاجَةَ تَدْعُو إلَى تَفْصِيلِهِ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ مَعْلُومٌ لِمَنْ وُفِّقَ لَهُ
[فَصْلٌ فِي انْصِرَافِ الصِّبْيَانِ مِنْ الْمَكْتَبِ]
ِ وَانْصِرَافُ الصِّبْيَانِ وَاسْتِرَاحَتُهُمْ يَوْمَيْنِ فِي الْجُمُعَةِ لَا بَأْسَ بِهِ وَكَذَلِكَ انْصِرَافُهُمْ قَبْلَ الْعِيدِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَكَذَلِكَ بَعْدَهُ بَلْ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «رَوِّحُوا الْقُلُوبَ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ» فَإِذَا اسْتَرَاحُوا يَوْمَيْنِ فِي الْجُمُعَةِ نَشَطُوا لِبَاقِيهَا. وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَدَعَ أَحَدًا عِنْدَهُ مِنْ الصِّبْيَانِ مِمَّنْ فِيهِ رَائِحَةٌ مَا مِنْ الْخِصَالِ الذَّمِيمَةِ إذْ إنَّ ذَلِكَ سَبِيلٌ لِلْوَقِيعَةِ فِي حَقِّ بَعْضِ مَنْ فِي الْمَكْتَبِ عِنْدَهُ وَقَدْ يُفْضِي ذَلِكَ إلَى أَنْ يَشْتَهِرَ مَكْتَبُهُ بِمَا لَا يَنْبَغِي فَقَدْ يُنْسَبُ إلَى الْمُؤَدِّبِ مَا لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ. وَفِيهِ مَفْسَدَةٌ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا إلَى عَدَمِ مَجِيءِ الصِّبْيَانِ إلَيْهِ أَوْ قِلَّتِهِمْ فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ تَمْزِيقُ الْعِرْضِ وَقِلَّةُ الرِّزْقِ فَلْيَحْذَرْ مِنْ ذَلِكَ جَهْدَهُ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَجَنَّبَ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ عَوَامِّ الْمُؤَدِّبِينَ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَلَّ عِنْدَهُ الصِّبْيَانُ أَوْ فَتَحَ مَكْتَبًا وَلَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ فَإِنَّهُ يَكْتُبُ أَوْرَاقًا وَيُعَلِّقُهَا عَلَى بَابِ الْمَكْتَبِ لِيَكْثُرَ مَجِيءُ الصِّبْيَانِ إلَيْهِ وَهَذَا لَا يَفْعَلُهُ إلَّا سُفَهَاءُ النَّاسِ وَفِيهِ اسْتِشْرَافُ
النَّفْسِ لِتَحْصِيلِ الدُّنْيَا وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَمَنْصِبُ الْمُؤَدِّبِ يَجِلُّ عَنْ هَذَا وَأَشْبَاهِهِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْبَلَ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الصِّبْيَانِ شَيْئًا مِمَّنْ يَأْتِي بِهِ إلَيْهِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ الَّتِي يَعْمَلُهَا بَعْضُ النَّاسِ فِي مَوَاسِمِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّ قَبُولَهُ لِذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّعْظِيمِ لِمَوَاسِمِهِمْ وَفِي التَّعْظِيمِ لِمَوَاسِمِهِمْ تَعْظِيمٌ لَهُمْ وَتَعْظِيمُهُمْ فِيهِ مَا فِيهِ. وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا إلَى أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ دِينَهُمْ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ غَيْرَهُ هُوَ الْبَاطِلُ لِمَا يَرَوْنَ مِنْ تَعْظِيمِ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ. وَفِيهِ عَدَمُ الْإِنْكَارِ وَالتَّغْيِيرِ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَتَاهُ بِهِ بَلْ يَرُدُّهُ عَلَيْهِ وَيَزْجُرُ فَاعِلَهُ وَيُبَيِّنُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِمَا تَقَدَّمَ وَبَعْضُ الْمُؤَدِّبِينَ فِي هَذَا الزَّمَانِ يَفْعَلُ مَا هُوَ أَشْنَعُ مِنْ هَذَا وَهُوَ أَنَّهُ يَطْلُبُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ. وَبَعْضُ الْمُؤَدِّبِينَ يَطْلُبُ مِنْ بَعْضِ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ عِنْدَهُ فُلُوسًا يَأْتُونَ بِهَا إلَيْهِ حَتَّى يَصْرِفَهُمْ فِي مَوَاسِمِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَهَذَا أَشْنَعُ مِمَّا قَبْلَهُ وَبَعْضُ الْمُسْلِمِينَ يَطْلُبُونَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ أَطْعِمَتِهِمْ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا فِي أَعْيَادِهِمْ وَمَوَاسِمِهِمْ وَهَذَا أَقْبَحُ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ فِعْلِ بَعْضِ الْمُؤَدِّبِينَ.
وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَصْرِفَ الصِّبْيَانَ لِغِذَائِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَتْرُكَ لَهُمْ مَعَ ذَلِكَ وَقْتًا يَسْتَرِيحُونَ فِيهِ فِي بُيُوتِهِمْ وَلْيَحْذَرْ أَنْ يُبِيحَ لَهُمْ فِعْلَ ذَلِكَ فِي الْمَكْتَبِ؛ لِأَنَّ الصِّبْيَانَ إذَا خَرَجُوا عَمَّا بُنِيَ الْمَكْتَبُ لَهُ عَادَ ذَلِكَ بِالضَّرَرِ غَالِبًا عَلَيْهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ وَمَا بُنِيَ الْمَكْتَبُ إلَّا لِأَجْلِ الدَّرْسِ وَالْحِفْظِ وَالْعَرْضِ وَالْكِتَابَةِ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلْيَكُنْ فِي بُيُوتِهِمْ وَلَا يَتْرُكُهُمْ يَنَامُونَ فِيهِ وَقْتًا مَا فِي الْحَرِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْمَنْعُ مِمَّا هُوَ أَخَفُّ مِنْ هَذَا وَهُوَ أَنَّهُمْ يَمْضُونَ إلَى بُيُوتِهِمْ وَيَأْكُلُونَ فِيهَا وَلَا يَأْكُلُونَ فِي الْمَكْتَبِ. وَيَنْبَغِي لَهُ إذَا اشْتَكَى أَحَدٌ مِنْ الصِّبْيَانِ وَهُوَ فِي الْمَكْتَبِ بِوَجَعِ عَيْنَيْهِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ وَعَلِمَ صِدْقَهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى بَيْتِهِ وَلَا يَتْرُكُهُ يَقْعُدُ فِي الْمَكْتَبِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِبَطَالَةِ غَيْرِهِ فِي الْغَالِبِ. وَيَنْبَغِي لَهُ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ أَنْ لَا يَتْرُكَ أَحَدًا مِنْ صِبْيَانِ مَكْتَبِهِ يَحْمِلُهُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَالْمَنْعُ فِي الْأُنْثَى أَشَدُّ وَلَا يَسْتَأْذِنُ فِي مِثْلِ هَذَا الْآبَاءَ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِي اسْتِقْضَائِهِمْ حَوَائِجَهُ
فَإِنَّهُ يَسْتَأْذِنُ الْآبَاءَ. وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَغِيبَ عَنْ الْمَكْتَبِ أَصْلًا مَا دَامَ الصِّبْيَانُ فِيهِ إذْ إنَّهُمْ لَا عَقْلَ لَهُمْ يَمْنَعُهُمْ عَمَّا يَخْطُرُ لَهُمْ فِعْلُهُ فَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ رَاعٍ يَرْعَاهُمْ بِنَظَرِهِ وَيَسُوسُهُمْ بِعَقْلِهِ وَيُؤَدِّبُهُمْ بِكَلَامِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّاعِيَ إذَا غَفَلَ عَنْ الْمَاشِيَةِ قَلِيلًا اخْتَلَّ نِظَامُهَا وَتَغَيَّرَ حَالُهَا فِي الْغَالِبِ وَرُبَّمَا تَلِفَ بَعْضُهَا وَمَا ذَاكَ إلَّا لِعَدَمِ الْعَقْلِ عِنْدَهَا. وَلِأَجْلِ ذَلِكَ ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الصِّبْيَانَ مَعَ الْمَجَانِينِ حَيْثُ قَالَ عليه الصلاة والسلام «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ» الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَغِيبَ الْغَيْبَةَ الْيَسِيرَةَ لِضَرُورَتِهِ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يَقُومُ بِهَا عَنْهُ مِثْلُ خُبْزِهِ إذَا اخْتَمَرَ لَكِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَسْتَنِيبَ عَلَيْهِمْ أَكْبَرَهُمْ سِنًّا وَأَعْقَلَهُمْ بِشَرْطِ أَنْ يَأْمُرَهُ أَنْ لَا يَضْرِبَ أَحَدًا مِنْهُمْ فِي غَيْبَتِهِ وَلَا يَنْهَرَهُ إلَّا أَنَّهُ مَنْ فَعَلَ مِنْهُمْ شَيْئًا كَتَبَ اسْمَهُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُؤَدِّبُ فَيُعْلِمَهُ بِهِ فَيَرَى فِيهِ رَأْيَهُ. وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَجْتَنِبَ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْمُؤَدِّبِينَ مِنْ كَتْبِهِمْ أَوْرَاقَ الْمُسْتَأْذِنَاتِ لِلْأَفْرَاحِ فَيَكْتُبُ فِيهَا بِنَحْوِ قَوْلِهِ إلَى الْحِجَابِ الْمَنِيعِ وَالسِّتْرِ الرَّفِيعِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ التَّزْكِيَةِ وَمَا شَاكَلَهَا وَالشِّعْرِ الَّذِي يُنَزَّهُ غَيْرُ الْمُؤَدِّبِ عَنْ الْكَلَامِ بِهِ فَكَيْفَ بِالْمُؤَدِّبِ. وَلَهُ أَنْ يَكْتُبَ الْحُرُوزَ لِأَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ وَلِكِبَارِهِمْ. وَكَذَلِكَ الصَّحِيفَةُ فِيهَا آيَاتٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَالرَّقْيُ بِالْكَلَامِ الطَّيِّبِ.
وَلْيَحْذَرْ أَنْ يَكْتُبَ شَيْئًا بِالْعِبْرَانِيَّةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلَوْ قِيلَ إنَّ فِيهِ مِنْ الْمَنَافِعِ مَا لَا يُحْصَى فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْهُ فَقَالَ وَمَا يُدْرِيك لَعَلَّهُ كُفْرٌ. وَيَنْبَغِي لِآبَاءِ الصِّبْيَانِ أَنْ يَتَخَيَّرُوا لِأَوْلَادِهِمْ أَفْضَلَ مَا يُمْكِنُهُمْ فِي وَقْتِهِمْ ذَلِكَ مِنْ الْمُؤَدِّبِينَ، وَإِنْ كَانَ مَوْضِعًا بَعِيدًا فَيَخْتَارُونَ لَهُمْ أَوَّلًا أَهْلَ الدِّينِ وَالتَّقْوَى، فَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ فَهُوَ أَحْسَنُ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ بِالْفِقْهِ فَهُوَ أَوْلَى، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ بِكِبَرِ السِّنِّ فَهُوَ أَجَلُّ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ بِوَرَعٍ وَزُهْدٍ فَهُوَ أَوْجَبُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ إذْ إنَّهُ كَيْفَمَا زَادَتْ الْخِصَالُ الْمَحْمُودَةُ فِي الْمُؤَدِّبِ زَادَ الصَّبِيُّ بِهِ تَجَمُّلًا وَرِفْعَةً وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ
فَيَتَعَيَّنُ النَّظَرُ فِيمَا ذُكِرَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَيَنْبَغِي لِلْمُؤَدِّبِ أَنْ يَتَجَنَّبَ مَا أَحْدَثَهُ بَعْضُ الْمُؤَدِّبِينَ وَبَعْضُ مَشَايِخِ الْقُرْآنِ مِنْ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِمْ فِي الْأَسْوَاقِ وَالطُّرُقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِ مَنْ مَضَى. وَفِيهِ مَفَاسِدُ جُمْلَةٌ. مِنْهَا وَطْءُ الْأَعْقَابِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَقَدْ ضَرَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَلَى ذَلِكَ بِالدِّرَّةِ وَقَالَ فِيهِ ذِلَّةٌ لِلتَّابِعِ وَفِتْنَةٌ لِلْمَتْبُوعِ انْتَهَى. وَمِنْهَا أَنَّ السُّوقَ مَوْضِعُ اللَّغَطِ وَالْكَلَامِ وَالْقُرْآنُ يُنَزَّهُ عَنْ أَنْ يُقْرَأَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ. وَمِنْهَا أَنَّ الْقُرْآنَ إذَا تُلِيَ تَعَيَّنَ الْإِنْصَاتُ أَوْ يُنْدَبُ إلَيْهِ فَيَقَعُ مَنْ سَمِعَهُ مِمَّنْ فِي الْأَسْوَاقِ أَوْ الطُّرُقِ فِيمَا لَا يَنْبَغِي وَالْمُسْلِمُ يُحِبُّ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ. وَمِنْهَا أَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَا يَسْلَمُ الْقَارِئُ غَالِبًا مِنْ أَنْ يَقْرَأَ وَهُوَ فِي مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ وَالْأَمَاكِنِ الَّتِي تُنَزَّهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَنْهَا. وَمِنْهَا إذَا قَرَأَ الْقَارِئُ يَنْبَغِي لِقَارِئِهِ وَلِسَامِعِهِ أَنْ يَتَدَبَّرَهُ وَيَتَفَكَّرَ فِيهِ وَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ فِي الْأَسْوَاقِ وَالطُّرُقِ غَالِبًا وَلَهُ أَنْ يَقْرَأَ خَارِجَ الْبَلَدِ إذَا لَمْ تُعَايَنْ النَّجَاسَةُ وَفِي الِانْتِقَالِ مِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ مَعَ عَدَمِ مُعَايَنَةِ النَّجَاسَةِ أَيْضًا وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذُكِرَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا إذْ الْمَعْنَى فِيهِمَا وَاحِدٌ.
وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَجَنَّبَ مَا أَحْدَثَهُ بَعْضُ الْعَوَامّ مِنْ الْمُؤَدِّبِينَ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ يُؤَذِّنُونَ عَلَى بَابِ الْمَكْتَبِ أَوْ فَوْقَ سَطْحِهِ أَوْ فِيهِ وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ الْبِدَعِ الْمَمْنُوعَةِ؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ إنَّمَا شُرِعَ فِي الْأَمَاكِنِ الَّتِي يَهْرَعُ النَّاسُ إلَيْهَا لِأَدَاءِ فَرْضِهِمْ وَهِيَ الْمَسَاجِدُ وَالْمَكْتَبُ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ حَتَّى يَأْتِيَ النَّاسُ إلَيْهِ لِلصَّلَاةِ فِيهِ وَمِثْلُهُ مَنْ يُؤَذِّنُ فِي بَيْتِهِ أَوْ بُسْتَانِهِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2]{كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3] ؛ لِأَنَّهُ يُنَادِي النَّاسَ بِلِسَانِهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ وَمَعْنَى ذَلِكَ هَلُمُّوا إلَى الصَّلَاةِ هَلُمُّوا إلَى الْفَلَاحِ ثُمَّ مَعَ هَذَا النِّدَاءِ يَغْلِقُ الْبَابَ دُونَهُمْ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ مَفَاسِدَ. مِنْهَا أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْغِشِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْمَعُهُ مَنْ يَسْمَعُهُ فَيَأْتِي إلَى مَوْضِعِ الْأَذَانِ فَلَا يَجِدُ السَّبِيلَ إلَى دُخُولِ
الْمَكَانِ الَّذِي سَمِعَ فِيهِ الْأَذَانَ. وَمِنْهَا أَنَّهُ كَلَّفَهُمْ الْمَشْيَ بِإِذْنِهِ إلَى أَنْ أَتَوْا سِيَّمَا الْغَرِيبُ الَّذِي هُوَ عَابِرُ سَبِيلٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَهَذَا بِخِلَافِ لَوْ أُذِّنَ خَارِجَ الْبَلَدِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ فِي بَرِّيَّةٍ فَمَنْ أَتَى إلَيْهِ صَلَّى مَعَهُ.
وَهَذَا الْقِسْمُ الْأَخِيرُ مِنْ بَابِ الْمَنْدُوبِ لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِبَعْضِ مَنْ اعْتَنَى بِهِ «يَا بُنَيَّ إنِّي أَرَاك تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ فَإِذَا كُنْت فِي غَنَمِك أَوْ بَادِيَتِك فَأَذَّنْت بِالصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَك بِالنِّدَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» انْتَهَى.
وَالْأَوَّلُ مِنْ بَابِ الْبِدْعَةِ وَالْوُقُوعِ فِي النَّهْيِ لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا
وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَشْتِمَ مَنْ اسْتَحَقَّ الْأَدَبَ مِنْ الصِّبْيَانِ وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُ بَعْضُ الْمُؤَدِّبِينَ هَذَا وَهُوَ حَرَامٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ لِلْمُؤَدِّبِ غَيْظٌ مَا عَلَى الصَّبِيِّ شَتَمَهُ وَتَعَدَّى بِذَلِكَ إلَى وَالِدَيْهِ وَرُبَّمَا حَصَلَ لِبَعْضِهِمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَذْفٌ يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ الْحَدُّ سِيَّمَا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي خُلُقِهِ حِدَّةٌ أَوْ فِيهِ غِلْظَةٌ وَفَظَاظَةٌ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إذَا أَدْرَكَهُ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ أَنْ لَا يُؤَدِّبَ الصَّبِيَّ فِي وَقْتِهِ ذَلِكَ بَلْ يَتْرُكَهُ حَتَّى يَسْكُنَ غَيْظُهُ وَيَذْهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُهُ مِنْ الْحَنَقِ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ يُؤَدِّبُهُ الْأَدَبَ الشَّرْعِيَّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَدَّبَهُ فِي حَالِ غَيْظِهِ يَخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَدَّى الْأَدَبَ الْمُتَقَدِّمَ ذِكْرُهُ. وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَقْضِي الْقَاضِي حِينَ يَقْضِي وَهُوَ غَضْبَانُ» وَعَدَاهُ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ إلَى كُلِّ مَا يُشَوِّشُ عَلَيْهِ كَحَقْنَةٍ بِبَوْلٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَاضِي وَالْمُؤَدِّبِ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ بَيْنَ الْكِبَارِ وَهَذَا يَحْكُمُ بَيْنَ الصِّغَارِ وَحَامِلُ الْقُرْآنِ يُنَزَّهُ عَنْ هَذَا كُلِّهِ فَيُقِيمُ الْأَدَبَ عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَنَاوَلَ عِرْضَهُ وَلَا شَتَمَ أَبَوَيْهِ بَلْ يُؤَدِّبُهُ كَمَا يُؤَدِّبُهُ وَالِدَاهُ وَهُمَا يَرْحَمَانِهِ وَيُشْفِقَانِ عَلَيْهِ وَيَذُبَّانِ عَنْهُ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْآبَاءِ أَنْ يَنْظُرُوا لِأَوْلَادِهِمْ مِنْ الْمُؤَدِّبِينَ مَنْ هُوَ أَوْرَعُ وَأَزْهَدُ وَأَتْقَى إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ رَضَاعٌ ثَانٍ لِلصَّبِيِّ بَعْدَ رَضَاعِ الْأُمِّ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلْيَحْذَرْ أَنْ يَفْعَلَ
مَا أَحْدَثَهُ بَعْضُ عَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ بِأَوْلَادِهِمْ مِنْ أَنَّهُمْ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ الْمَكْتَبِ الَّذِي يَقْرَءُونَ فِيهِ كِتَابَ رَبِّهِمْ عز وجل وَيَتَعَلَّمُونَ فِيهِ شَرِيعَةَ نَبِيِّهِمْ عليه الصلاة والسلام وَيَذْهَبُونَ بِهِمْ إلَى كُتَّابِ النَّصَارَى لِتَعْلِيمِ الْحِسَابِ وَهَذَا رَضَاعٌ ثَالِثٌ بَعْدَ رَضَاعِ الْمُؤَدِّبِ. وَقَدْ قِيلَ الرَّضَاعُ يُغَيِّرُ الطِّبَاعَ فَهَذَا أَمْرٌ شَنِيعٌ قَبِيحٌ مِنْ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ قُوَّةُ الْإِيمَانِ بَعْدُ وَلَمْ يَقْرَأْ الْعِلْمَ وَلَمْ يَعْرِفْ أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ.
وَقَدْ تَسْبِقُ إلَيْهِ الدَّسَائِسُ مِنْ النَّصْرَانِيِّ الَّذِي يَقْرَأُ عَلَيْهِ الْحِسَابَ أَوْ مِنْ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ عِنْدَهُ صِغَارًا كَانُوا أَوْ كِبَارًا ثُمَّ إنَّ النَّصْرَانِيَّ مَعَ ذَلِكَ يُؤَدِّبُهُ عَلَى مَا يَخْطُرُ لَهُ وَيَمُرُّ بِبَالِهِ مِنْ كُفْرِهِ وَطُغْيَانِهِ وَيَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ تَعْلِيمِهِ الْحِسَابَ وَهَذَا لَا يَرْضَى بِهِ عَاقِلٌ وَلَا مَنْ فِيهِ مُرُوءَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالصَّبِيُّ فِي هَذَا السِّنِّ قَابِلٌ لِكُلِّ مَا يُلْقَى إلَيْهِ مِثْلُ الشَّمْعِ أَيَّ شَيْءٍ عَمِلْت عَلَيْهِ طُبِعَ فِيهِ فَيُخَافُ عَلَى الْوَلَدِ وَهُوَ الْغَالِبُ أَنْ يَتَغَيَّرَ حَالُهُ فَيَرْجِعُ مَكَانُ الصِّدْقِ كَذِبًا وَبُهْتَانًا وَمَوْضِعُ النَّصِيحَةِ غِشًّا وَخَدِيعَةً وَمَوْضِعُ الْأُلْفَةِ بِالْمُسْلِمِينَ انْقِطَاعًا وَوَحْشَةً وَمَكَانُ الِاسْتِسْلَامِ وَالِانْقِيَادِ خُبْثًا وَمُدَاهَنَةً إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَكْرِهِمْ وَخِصَالِهِمْ الرَّدِيئَةِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَيُخْشَى عَلَيْهِ أَنْ يَرْكَنَ إلَى قَوْلِ النَّصْرَانِيِّ أَوْ إلَى شَيْءٍ مَا مِنْ اعْتِقَادِهِ أَوْ اسْتِحْسَانِ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِهِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تُمَكِّنْ زَائِغَ الْقَلْبِ مِنْ أُذُنَيْك لَا تَدْرِي مَا يَعْلَقُكَ مِنْ ذَلِكَ. وَلَقَدْ سَمِعَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ شَيْئًا مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْقَدَرِ فَعَلِقَ قَلْبُهُ بِهِ فَكَانَ يَأْتِي إخْوَانَهُ الَّذِينَ اسْتَصْحَبَهُمْ فَإِذَا نَهَوْهُ قَالَ كَيْفَ بِمَا عَلِقَ قَلْبِي لَوْ عَلِمْت أَنَّ اللَّهَ رَاضٍ أَنْ أُلْقِيَ نَفْسِي مِنْ فَوْقِ هَذِهِ الْمَنَارَةِ لَفَعَلْت.
وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ لَا يُعْذَرُ مَنْ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى بِدْعَةٍ؛ لِأَنَّ الْخَوَارِجَ اجْتَهَدُوا فِي التَّأْوِيلِ فَلَمْ يُعْذَرُوا إذْ خَرَجُوا بِتَأْوِيلِهِمْ عَنْ الصَّحَابَةِ فَسَمَّاهُمْ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم مَارِقِينَ مِنْ الدِّينِ نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ. وَمِنْ كِتَابِ سِيَرِ السَّلَفِ لِلْإِمَامِ الْحَافِظِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ الْأَصْبَهَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
قَالَ بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَى مُوسَى عليه الصلاة والسلام (يَا مُوسَى لَا تُخَاصِمْ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ فَيُلْقُوا فِي قَلْبِك شَيْئًا فَيُرْدِيَك فَيَسْخَطَ اللَّهُ عَلَيْك) وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَنْ جَعَلَ دِينَهُ غَرَضًا لِلْخُصُومَاتِ فَقَدْ أَكْثَرَ الشُّغْلَ. وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ رحمه الله إيَّاكُمْ وَالْخُصُومَاتِ فِي الدِّينِ فَإِنَّهَا تُشْغِلُ الْقَلْبَ وَتُورِثُ النِّفَاقَ انْتَهَى. وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ رضي الله عنهم يَتَحَفَّظُونَ عَلَى الرَّضَاعِ الثَّالِثِ أَكْثَرَ مِنْ الرَّضَّاعَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ وَهُمَا رَضَاعُ الْأُمِّ وَرَضَاعُ الْمُؤَدِّبِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ قَدْ رَجَعَ لَهُ عَقْلٌ وَمَعْرِفَةٌ بِالْأُمُورِ وَقَابِلِيَّةٌ لِقَبُولِ مَا سَمِعَهُ أَوْ رَآهُ.
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ رَضَاعِ الْمُؤَدِّبِ رَضَاعُ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ بِعِلْمِهِمْ الْمُتَّبِعِينَ لِسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وسلم الْمُبَيِّنِينَ لَهَا الْكَاشِفِينَ عَنْ غَامِضِهَا وَالْمُخْرِجِينَ لِخَبَايَاهَا فَإِذَا ارْتَضَعَ الصَّبِيُّ هَذَا الرَّضَاعَ الثَّالِثَ فَالْغَالِبُ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ لَهُ غَيْرُ مَا سَبَقَ إلَيْهِ سَارَعَ بِسَبَبِ عِلْمِهِ وَمَا انْطَبَعَ عَلَيْهِ مِنْ مَعْرِفَةِ مَا تَحَصَّلَ عَنْهُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَحَبَّتِهِمَا وَإِيثَارِهِمَا إلَى إنْكَارِهِ وَعَدَمِ قَبُولِهِ لِذَلِكَ. وَقَدْ جَاءَ بَعْضُ النَّاسِ بِوَلَدِهِ إلَى بَعْضِ السَّلَفِ رحمه الله يُرِيدُ أَنْ يُقْرِئَهُ فَقَالَ لَهُ أَقَرَأَ قَبْلَ هَذَا عِلْمًا غَيْرَ مَا نَحْنُ فِيهِ يَعْنِي مِنْ عِلْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَالَ نَعَمْ قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ الْعَرَبِيَّةُ قَالَ لَهُ اذْهَبْ بِوَلَدِك فَإِنَّهُ لَا يَجِيءُ مِنْهُ شَيْءٌ قَالَ وَلِمَ قَالَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَبَقَ إلَيْهِ تَغَزُّلَاتُ الْعَرَبِ وَأَشْعَارُهَا وَجُبِلَ عَلَى ذَلِكَ فَكَيْفَ يُمْكِنُ صَلَاحُهُ فَلَمْ يُقْرِئْهُ وَمَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْعَرَبِيَّةَ مَطْلُوبَةٌ فِي الدِّينِ لِأَجْلِ فَهْمِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَفَهْمِ سُنَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَكِنْ مَا وَقَعَ لَوْمُ هَذَا السَّيِّدِ لَهُ إلَّا لِمَا سَبَقَ لَهُ مِنْ تَغَزُّلَاتِ الْعَرَبِ وَأَشْعَارِهَا فَلَوْ سَبَقَ لَهُ الْعِلْمُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْ بَعْضِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَعْلَمُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَمَا يُسَنُّ وَمَا يُنْدَبُ إلَيْهِ لَمَا عَذَلَهُ فَإِذَا كَانَ هَذَا تَحَفُّظَهُمْ عَلَى سَبْقِ الْعَرَبِيَّةِ مَعَ وُجُودِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا فِي الشَّرْعِ كَمَا تَقَدَّمَ فَمَا بَالُك بِغَيْرِهَا.
وَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي حَقِّ الْمُؤَدِّبِ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ فَهُوَ أَحْسَنُ أَعْنِي أَنَّهُ يَكُونُ
عَالِمًا بِالْعَوَامِلِ وَهُوَ لِمَ رُفِعَ هَذَا وَنُصِبَ هَذَا وَخُفِضَ هَذَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عُلُومَ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ.
أَحَدُهَا عِلْمُ الْعَوَامِلِ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ
وَالثَّانِي عِلْمُ اللُّغَةِ
وَالثَّالِثُ عِلْمُ الْأَدَبِ
وَالرَّابِعُ عِلْمُ الْبَدِيعِ فَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُؤَدِّبُ وَلَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ أَمْرٍ فِي الْغَالِبِ. ثُمَّ نَرْجِعُ إلَى تَمَامِ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَفَاسِدِ الَّتِي فِي دُخُولِ الصَّبِيِّ لِكِتَابِ النَّصَارَى. فَمِنْ ذَلِكَ مَا فِي ظَاهِرِهِ مِنْ الذِّلَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ بِسَبَبِ مَا فَعَلَ هَذَا بِوَلَدِهِ وَفِيهِ تَعْظِيمُ النَّصَارَى. فَإِنَّهُمْ إذَا رَأَوْا أَوْلَادَ الْمُسْلِمِينَ يَأْتُونَ إلَيْهِمْ لِيَتَعَلَّمُوا هَذِهِ الْفَضِيلَةَ مِنْهُمْ رَأَوْا أَنَّ لَهُمْ رِفْعَةً وَسُوْدُدًا وَفَضِيلَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا كُلُّهُ مَمْنُوعٌ شَرْعًا وَعَقْلًا فَيَا لَلَّهُ وَيَا لَلْعَجَبُ كَيْفَ يُتْرَكُ التَّعْلِيمُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ مُتَوَافِرُونَ فِي هَذَا الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَيُؤْتَى إلَى نَصْرَانِيٍّ عَدُوٍّ لِلدِّينِ وَعَدُوٍّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ مُظْهِرٍ لِذَلِكَ مُعَانِدٍ لِلْمُسْلِمِينَ فَهَذَا مِنْ الْخَسْفِ الْبَاطِنِيِّ الَّذِي لَا يُرْتَابُ فِيهِ وَلَا يُشَكُّ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ إنَّ النَّصَارَى فِي عِلْمِ الْحِسَابِ وَالطِّبِّ أَحْذَقُ وَأَعْرَفُ بِالتَّعْلِيمِ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الصَّبِيُّ عَلِمَ كُلَّ مَا عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْعِلْمِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَتَعَلَّمَهُ مِنْ النَّصْرَانِيِّ حَتَّى فَاقَ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ أَتَى بَعْدَ ذَلِكَ إلَى النَّصْرَانِيِّ لِزِيَادَةٍ عِنْدَهُ فِيهِ لَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ فِيهِ شَيْءٌ مَا مِنْ الْمَيْلِ إلَى ذَلِكَ فَكَيْفَ وَالصَّبِيُّ بَعْدُ لَمْ يَلُمَّ بِشَيْءٍ مِنْ الْحِسَابِ وَلَا غَيْرِهِ وَلَوْ عَرَفَهُ لَكَانَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْرِفُ أَكْثَرَ مِنْ النَّصْرَانِيِّ وَأَمْثَالِهِ فَلَا حَاجَةَ تَدْعُو إلَى التَّعْلِيمِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ. وَقَدْ أَقَامَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَقَالَ قَدْ أَغْنَى اللَّهُ عَنْكُمْ بِالْمُسْلِمِينَ. وَقَدْ نَهَى رضي الله عنه أَنْ يَتَّخِذَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ كَاتِبًا. وَقَالَ جَوَابًا لِمَنْ أَثْنَى عَلَى نَصْرَانِيٍّ بِالْمَعْرِفَةِ وَالْحِذْقِ فِي الْحِسَابِ مَاتَ النَّصْرَانِيُّ وَالسَّلَامُ. وَقَالَ أَيْضًا لَا تُكْرِمُوهُمْ وَقَدْ أَهَانَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تَأْمَنُوهُمْ وَقَدْ خَوَّنَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تَسْتَعْمِلُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ إلَّا الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ اللَّهَ تَعَالَى أَوْ كَمَا قَالَ.
فَانْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكَ إلَى اشْتِرَاطِ أَمِيرِ
الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنه الْخَشْيَةَ فِيمَنْ تَوَلَّى مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَمَا بَالُك فِي حَقِّ أَعْدَاءِ الدِّينِ وَإِنَّمَا هِيَ حُجَجٌ شَيْطَانِيَّةٌ وَنَفْسَانِيَّةٌ وَرُكُوبٌ لِلْهَوَى وَرُكُونٌ لِلْعَوَائِدِ الرَّدِيئَةِ وَتَرْكٌ لِلنَّظَرِ إلَى أَمْرِ الشَّرِيعَةِ وَمَا يُنْدَبُ إلَيْهِ مِنْ الْفَوَائِدِ الْجَمَّةِ الْعَظِيمَةِ وَالْأَخْلَاقِ الْجَمِيلَةِ أَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ بِمَنِّهِ. وَفِيهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ الَّتِي يَأْبَاهَا الْإِسْلَامُ وَمَنْ فِيهِ عُذُوبَةُ طَبْعٍ وَانْقِيَادٌ لِلشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ. وَهِيَ أَنَّ الْمُعَلِّمَ النَّصْرَانِيَّ يَجْلِسُ عَلَى مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ وَأَوْلَادُ الْمُسْلِمِينَ دُونَهُ وَيُقَبِّلُونَ يَدَهُ أَوْ رُكْبَتَهُ حِينَ إتْيَانِهِمْ إلَيْهِ وَانْصِرَافِهِمْ وَيُقِيمُ السَّطْوَةَ عَلَيْهِمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ. وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ الْوَلَدَ يَتَرَبَّى عَلَى تَرْكِ التَّحَفُّظِ مِنْ النَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسَ عِنْدَهُمْ نَجَاسَةٌ فِيمَا يَعْتَقِدُونَهُ إلَّا دَمُ الْحَيْضِ لَيْسَ إلَّا وَأَبْوَالُهُمْ وَفَضَلَاتُهُمْ كُلُّهَا طَاهِرَةٌ عِنْدَهُمْ وَقَدْ يُسْقَوْنَ الْأَدْوِيَةَ بِالنَّجَاسَاتِ وَيَكْتُبُونَ مِنْهَا فَتُنَجَّسُ أَجْسَادُهُمْ وَأَثْوَابُهُمْ مِنْ ذَلِكَ.
وَمِنْهَا أَنَّ الْمُعَلِّمَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ بِحَضْرَتِهِمْ وَقَدْ لَعَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَامِلَهَا وَحَاضِرَهَا فِي جُمْلَةِ مَنْ لَعَنَ بِسَبَبِهَا وَالْوَلَدُ الْمُسْلِمُ هُوَ حَاضِرُهَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَيَكُونُ حَامِلَهَا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ بَالِغًا أَوْ مُرَاهِقًا فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ اللَّعْنَةِ، وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا صَغِيرًا فَاللَّعْنَةُ عَائِدَةٌ عَلَى وَالِدَيْهِ أَوْ وَلِيِّهِ أَوْ مَنْ أَشَارَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَقَلَّ أَنْ يَسْلَمَ الْوَلَدُ مِنْ شُؤْمِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا غَيْرَ مُكَلَّفٍ وَرُبَّمَا أَمَرَهُمْ الْمُعَلِّمُ بِحَمْلِ الْخَمْرِ إلَيْهِ أَوْ إلَى بَيْتِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يَسْتَقْضِيَهُمْ فِي حَوَائِجِهِ وَضَرُورَاتِهِ. وَمِنْهَا أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّلَاةِ بِحَضْرَتِهِ وَيَمْنَعُهُمْ مِنْ الِانْصِرَافِ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ أَوْ هُمَا مَعًا وَقَدْ يُمَوِّهُ عَلَيْهِمْ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا أَوْ يَفُوتَهُ بَعْضُهَا. وَمِنْهَا أَنَّ الْوَلَدَ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ يَعِيبُونَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَيَضْحَكُونَ مِنْهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ. وَمِنْهَا أَنَّهُمْ إذَا كَانَ صَوْمُهُمْ يَمْنَعُونَ الْمَاءَ أَنْ يُؤْتَى بِهِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَيَبْقَى أَوْلَادُ الْمُسْلِمِينَ بِالْعَطَشِ غَالِبًا. وَمِنْهَا أَنَّهُ يُخَافُ عَلَى الْوَلَدِ وَهُوَ الْغَالِبُ أَنْ يَقَعَ فِي اعْتِقَادِهِمْ الْبَاطِلِ أَوْ فِي بَحْثِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ فِي أَلْوَاحِهِمْ فَإِنَّ أَكْثَرَهَا
مَكْتُوبٌ بِالْعَرَبِيَّةِ وَيَتَكَلَّمُونَ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ بِحَضْرَتِهِ فَقَدْ يَسْبِقُ إلَى الْوَلَدِ وَيَتَعَلَّقُ بِذِهْنِهِ مَا هُمْ عَلَيْهِ، فَإِنْ وَقَعَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَلَّ أَنْ يَتَأَتَّى خَلَاصُهُ مِنْهُ غَالِبًا. وَسَبَبُ وُقُوعِ هَذِهِ النَّازِلَةِ مَا أَخْبَرَ بِهِ عليه الصلاة والسلام فِي الْحَدِيثِ «حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ» فَانْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكَ إلَى هَذَا الْأَمْرِ الْمَخُوفِ وَهُوَ أَنَّهُ مَا كَانَ سَبَبُ إتْيَانِ الْوَلَدِ إلَى النَّصْرَانِيِّ لِتَعْلِيمِ الْحِسَابِ إلَّا حُبُّ الدُّنْيَا غَالِبًا لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ عُوقِبُوا عَلَى ذَلِكَ بِنَقِيضِهِ فَوَقَعُوا فِي الْفَقْرِ وَالْفَاقَةِ وَالْوُقُوفِ عَلَى أَبْوَابِ الظَّلَمَةِ مِنْ الْكَتَبَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَإِذَا تَرَبَّى الْوَلَدُ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْحَالِ يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: أَوَّلُهُمَا وَهُوَ أَشَدُّهُمَا أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي اعْتِقَادِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَقِلَّ اهْتِبَالُهُ بِأَمْرِ دِينِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ فَأَيُّ شَيْءٍ وَقَعَ مِنْهُ مِنْ الْمُخَالَفَاتِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا يَكْتَرِثُ بِهِ وَلَا يَنْدَمُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَلَا يَغِيرُ عَلَى غَيْرِهِ وَهَذِهِ خَصْلَةٌ تُنَافِي أَخْلَاقَ الْمُسْلِمِينَ وَهَدْيَهُمْ وَآدَابَهُمْ.
وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الرِّسَالَةِ لَهُ: وَاعْلَمْ أَنَّ خَيْرَ الْقُلُوبِ أَوْعَاهَا لِلْخَيْرِ وَأَرْجَى الْقُلُوبِ لِلْخَيْرِ مَا لَمْ يَسْبِقْ الشَّرُّ إلَيْهِ وَأَوْلَى مَا عُنِيَ بِهِ النَّاصِحُونَ وَرَغَّبَ فِي أَجْرِهِ الرَّاغِبُونَ إيصَالُ الْخَيْرِ إلَى قُلُوبِ أَوْلَادِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَرْسُخَ فِيهَا وَتَنْبِيهُهُمْ عَلَى مَعَالِمِ الدِّيَانَةِ وَحُدُودِ الشَّرِيعَةِ لِيُرَاضُوا عَلَيْهَا وَمَا عَلَيْهِمْ أَنْ تَعْتَقِدَهُ مِنْ الدِّينِ قُلُوبُهُمْ وَتَعْمَلَ بِهِ جَوَارِحُهُمْ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّ تَعْلِيمَ الصِّغَارِ لِكِتَابِ اللَّهِ يُطْفِئُ غَضَبَ اللَّهِ وَأَنَّ تَعْلِيمَ الشَّيْءِ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ انْتَهَى. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَيُخَافُ عَلَى الْوَلَدِ الَّذِي يَدْخُلُ كُتَّابَ النَّصَارَى أَنْ يَنْتَقِشَ فِي قَلْبِهِ مَا هُمْ عَلَيْهِ أَوْ بَعْضُهُ وَلَا أَعْدِلُ بِالسَّلَامَةِ شَيْئًا نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ بِمَنِّهِ.
وَمِنْ أَقْبَحِ مَا فِيهِ وَأَهْجَنِهِ وَأَوْحَشِهِ أَنَّ الْوَلَدَ يَتَرَبَّى عَلَى تَعْظِيمِ النَّصَارَى وَالْقِيَامِ لَهُمْ الَّذِي قَدْ تَقَدَّمَ مَنْعُهُ فِي حَقِّ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَعَدَمِ الِاسْتِيحَاشِ مِنْ عَوَائِدِهِمْ وَسَمَاعِ