المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في آداب الجماع] - المدخل لابن الحاج - جـ ٢

[ابن الحاج]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ بَعْض مَا يَفْعَلهُ النِّسَاء فِي المولد النبوي]

- ‌[فَصْلٌ مفاسد الْبُنْيَانُ فِي الْقُبُورِ]

- ‌[فَصْلٌ عَمَلُ الْمَوْلِدَ لِأَجْلِ جَمْعِ الدَّرَاهِمِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي خصوصية مولد الرَّسُول بشهر ربيع الْأَوَّل]

- ‌[فَصَلِّ المرتبة الثَّالِثَةُ فِي ذِكْر بَعْض مَوَاسِم أَهْل الْكتاب]

- ‌[مِنْ المواسم يَوْم النيروز]

- ‌[فَصْل مِنْ الْمَوَاسِمِ خميس العدس]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ المواسم الْيَوْمِ الَّذِي يَزْعُمُونَ أَنَّهُ سَبْتُ النُّورِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ المواسم مَا يفعلوه فِي مَوْلِدِ عِيسَى عليه السلام]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوْسِمِ الْغِطَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ المواسم عِيدِ الزَّيْتُونَةِ]

- ‌[فَصْلٌ بَعْضِ عَوَائِدَ اتَّخَذَهَا بَعْضُ النِّسَاءِ الْمُسْلِمَاتِ أخلت بِبَعْضِ الْفَرَائِضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صَوْمِ أَيَّامِ الْحَيْضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوَطْءِ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَاطَاهُ بَعْضُ النِّسْوَةِ مِنْ أَسْبَابِ السِّمَنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوجِ الْعَالِمِ إلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ فِي السُّوقِ وَاسْتِنَابَتِهِ لِغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي رُجُوعِ الْعَالِمِ مِنْ السُّوقِ إلَى بَيْتِهِ وَكَيْفِيَّةِ نِيَّتِهِ]

- ‌[أَخْذُ الدَّرْسِ فِي الْبَيْتِ وَالْمَدْرَسَةِ]

- ‌[فَصْلٌ للعالم أَنْ لَا يَتَرَدَّدَ لِأَحَدٍ مِمَّنْ يُنْسَبُ إلَى أَنَّهُ مِنْ أبناء الدنيا]

- ‌[فَصْلٌ تُرُكَ الْعَالم الدَّرْسَ لِعَوَارِضَ تَعْرِضُ لَهُ مِنْ جِنَازَةٍ أَوْ غَيْرهَا]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي للعالم أَنْ يَنْظُرَ أَوَّلًا فِي المدرسة إذَا عَرَضَتْ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي للعالم أَنْ يَكُونَ آكد الأمور وَأَهَمُّهَا عِنْدَهُ الْقَنَاعَةَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوَاضِعِ الْجُلُوسِ فِي الدُّرُوسِ وَغَيْرِهَا مِنْ مَوَاضِعِ الِاجْتِمَاعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ آدَابِ الْمُتَعَلِّمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَوْرَادِ طَالِبِ الْعِلْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي زِيَارَةِ الْأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَحَفُّظِ طَالِبِ الْعِلْمِ مِنْ الْعَمَلِ عَلَى الْمَنَاصِبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعَدَالَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ الْعَالِمِ وَالْمُتَعَلِّمِ فِي بَيْتِهِ مَعَ أَهْلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دُخُولِ الْمَرْأَةِ الْحَمَّامَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعْلِيمِ الزَّوْجَةِ أَحْكَامَ الْغُسْلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دُخُولِ الرَّجُلِ الْحَمَّامَ]

- ‌[آدَاب النوم]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ الْجِمَاعِ]

- ‌[فَصْلٌ إذَا رَأَى مِنْ زَوْجَته أَمَارَاتِ طَلَبِ الْجِمَاع]

- ‌[فَصْلٌ إتْيَانُ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا]

- ‌[فَصْلٌ الرَّجُلَ إذَا رَأَى امْرَأَةً أَعْجَبَتْهُ وَأَتَى أَهْلَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمَنْع مِنْ إفشاء سُرّ الِاجْتِمَاع بزوجته]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَاب الْقِيَام مِنْ النوم]

- ‌[فَصْلٌ فِي طَالِب الْعِلْم يتحفظ مِنْ أُمُور]

- ‌[فَصْلٌ فِي نِيَّةِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ وَآدَابِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْبِدَعِ الَّتِي أُحْدِثَتْ فِي الْمَسْجِدِ وَالْأَمْرِ بِتَغْيِيرِهَا]

- ‌[فَصْلٌ الْكُرْسِيُّ الْكَبِيرُ الَّذِي يَعْمَلُونَهُ فِي الْجَامِعِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّبْلِيغِ فِي الصَّلَاةِ وَالْجَمَاعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ اتِّخَاذُ الْمِنْبَرِ الْعَالِي]

- ‌[فَصْلٌ الْبِئْر الَّتِي فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ مَوْضِعُ الْفَسْقِيَّةِ وَالْحَظِيرِ الَّذِي عَلَيْهَا وَمَا عَلَيْهَا]

- ‌[فَصْلٌ مَوْضِعُ الدِّيوَانِ مِنْ الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ الزَّخْرَفَةِ فِي الْمِحْرَابِ]

- ‌[فَصْلٌ الْبِنَاء فَوْق سَطْح الْمَسْجِد]

- ‌[فَصْلٌ الْوُضُوءَ فِي سَطْحِ الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمَرَاوِح وَاِتِّخَاذَهَا فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُصَافَحَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَبَعْدَ صَلَاة الْعَصْر]

- ‌[فَصَلِّ كَرَاهَة الصَّلَاة عَلَى الْمَيِّت فِي الْمَسْجِد]

- ‌[فَصْلٌ رَفْعَ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[النَّهْي عَنْ قص الشعر فِي الْمَسْجِد]

- ‌[فَصْلٌ يَنْهَى الزَّبَّالِينَ أَنْ يَعْمَلُوا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ]

- ‌[النَّهْي عَنْ وُقُوفِ الدَّوَابِّ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ]

- ‌[النَّهْي عَنْ الْإِتْيَانِ لِلْجُمُعَةِ مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ وَلَا تَغْيِيرِ هَيْئَةٍ]

- ‌[فَضِيلَةِ الْمُؤَذِّنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوْضِعِ الْأَذَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَذَانِ جَمَاعَةً]

- ‌[فَصْلٌ فِي النَّهْيِ عَنْ الْأَذَانِ بِالْأَلْحَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي النَّهْيِ عَنْ الْأَذَانِ فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الطَّوَافِ بِالْمُؤَذِّنِ فِي أَرْكَانِ الْمَسْجِدِ إذَا مَاتَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَذَانِ الشَّابِّ عَلَى الْمَنَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي النَّهْيِ عَمَّا أَحْدَثُهُ الْمُؤَذِّنُونَ بِاللَّيْلِ مِنْ غَيْرِ السُّنَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّسْحِيرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْعَوَائِدِ فِي التَّسْحِيرِ]

- ‌[فَصْلٌ نهي الْمُؤَذِّنِينَ عَنْ التَّذْكَارِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ تَرْتِيب الْمُؤَذِّنِينَ فِي آذان الظُّهْر]

- ‌[فَصْلٌ فِي حِكْمَةِ تَرْتِيبِ الْأَذَانِ]

- ‌[فَصْلٌ وُقُوف الْمُؤَذِّنِينَ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَقَوْلِهِمْ الصَّلَاةَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي النَّهْيِ عَنْ النِّدَاءِ عَلَى الْغَائِبِ بِمَا لَا يَنْبَغِي]

- ‌[فَصْلٌ فِي النَّهْي عَنْ مَشْيِ الْمُؤَذِّنِينَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَهَيُّئِ الْإِمَامِ لِلْجُمُعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَجَنَّبَهَا فِي نَفْسِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوجِ الْإِمَامِ عَلَى النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ صَلَاة الْمُؤَذِّن عَلَى النَّبِيّ عِنْد خُرُوج الْإِمَام]

- ‌[فَصْلٌ فِي هيئة الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ صُعُودِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي فَرْشِ السَّجَّادَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إسْلَامِ الْكَافِرِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ]

- ‌[فَصْلٌ إذَا فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ وَدَعَا فِيهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّة دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْجَهْر بِالنِّيَّةَ]

- ‌[التَّنَفُّلُ فِي الْمَسَاجِدِ بِتَوَابِعِ الْفَرَائِضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوجِ الْإِمَامِ إلَى صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّكْبِيرِ عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّحَفُّظِ مِنْ النَّجَاسَةِ فِي الْمُصَلَّى]

- ‌[فَصْلٌ فِي سَلَامِ الْعِيدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوجِ النِّسَاءِ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْصِرَافِ النَّاسِ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّكْبِيرِ إثْرَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي أَيَّامِ الْعِيدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي صفة الْإِمَام فِي قِيَام رَمَضَان]

- ‌[فَصْلٌ فِي الذِّكْرِ بَعْدَ التَّسْلِيمَتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُفْعَلُ فِي لَيْلَةِ الْخَتْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صِفَةِ قِيَامِ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْخُطْبَةِ عَقِبَ الْخَتْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقِيَامِ عِنْدَ الْخَتْمِ بِسَجَدَاتِ الْقُرْآنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قِيَامِ السَّنَةِ كُلِّهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَفْعَلُونَهُ بَعْدَ الْخَتْمِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي]

- ‌[فَصْلٌ فِي وُقُودِ الْقَنَادِيلِ لَيْلَةَ الْخَتْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ آدَابِ الْمُؤَدِّبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أَسْبَابِ أَوْلِيَاءِ الصِّبْيَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صِفَةِ تَوْفِيَتِهِ بِمَا نَوَاهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ الْمُؤَدِّبُ الصَّبِيَّ مِنْ الْآدَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْصِرَافِ الصِّبْيَانِ مِنْ الْمَكْتَبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَزْوِيقِ الْأَلْوَاحِ]

الفصل: ‌[فصل في آداب الجماع]

- رحمهم الله سَلَّطَ عَلَيْهِمْ النَّوْمَ وَالنِّسْيَانَ ثُمَّ يَتَذَكَّرُ بِهِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ إذْ أَنَّ الْيَقِظَةَ فِيهَا حَرَارَةٌ، فَلَوْ تَمَادَتْ عَلَى الْبَشَرِيَّةِ لَأَهْلَكَتْهَا، سِيَّمَا وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ لَهُمْ الرَّغْبَةُ فِيمَا هُمْ بِصَدَدِهِ مِنْ طَلَبِ دُنْيَا، وَالْعَمَلِ فِي أَسْبَابِهَا أَوْ عِلْمٍ أَوْ عَمَلٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَلَوْ وَكَّلَ الْأَمْرَ إلَيْهِ فِيهِ لَحَرَمَ نَفْسَهُ النَّوْمَ أَلْبَتَّةَ لِقُوَّةِ الْحِرْصِ عَلَى مَا هُوَ بِسَبِيلِهِ، فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى النَّوْمَ يَأْتِيهِ قَهْرًا رَحْمَةً بِهِ هَذَا وَجْهٌ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ التَّصَرُّفَ فِيهِ حَرَارَةٌ، وَالنَّوْمَ فِيهِ سُكُونٌ، وَبُرُودَةٌ فَيَعْتَدِلُ مِزَاجُهُ بِذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} [الذاريات: 49] ، وَهَذِهِ مِنْهُ يَقِظَةٌ وَنَوْمٌ حَرَارَةٌ وَبُرُودَةٌ ذَكَرٌ وَأُنْثَى صَحِيحٌ وَمَرِيضٌ طَائِعٌ وَعَاصٍ مُؤْمِنٌ وَكَافِرٌ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ ذَلِكَ رَحْمَةً لِلْعَبْدِ بِفَضْلِهِ، وَحَرَسَهُ مَعَ ذَلِكَ فِي نَوْمِهِ كَمَا حَفِظَهُ فِي حَالِ يَقَظَتِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ} [الأنبياء: 42] ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [القصص: 73] فَسُبْحَانَ الْمُنْعِمِ الْمَنَّانِ

[فَصْلٌ فِي آدَابِ الْجِمَاعِ]

فَصْلٌ فِي آدَابّهِ فِي الِاجْتِمَاعِ بِأَهْلِهِ

فَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إلَى أَهْلِهِ فَالسُّنَّةُ الْمَاضِيَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَعَهُ أَحَدٌ فِي الْبَيْتِ غَيْرَ زَوْجَتِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ، إذْ ذَاكَ.

وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما إذَا كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إلَى أَهْلِهِ أَخْرَجَ الرَّضِيعَ مِنْ الْبَيْتِ، وَقَدْ قَالُوا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، وَهِرٌّ فِي الْبَيْتِ، وَذِكْرُ الْهِرِّ مِنْهُمْ تَنْبِيهٌ عَلَى غَيْرِهِ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ يَكُونُ سَالِمًا مِنْ عَيْنَيْنِ تَنْظُرَانِ إلَيْهِ؛ إذْ أَنَّ ذَلِكَ عَوْرَةٌ، وَالْعَوْرَةُ يَتَعَيَّنُ سَتْرُهَا، وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي فِعْلِ ذَلِكَ أَوَّلَ اللَّيْلِ أَوْ آخِرَهُ لَكِنَّ أَوَّلَ اللَّيْلِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْغُسْلِ يَبْقَى زَمَنُهُ مُتَّسِعًا بِخِلَافِ آخِرِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ قَدْ يَضِيقُ عَلَيْهِ، وَقَدْ يَئُولُ إلَى تَفْوِيتِ الصُّبْحِ

ص: 184

فِي جَمَاعَةٍ أَوْ إلَى إخْرَاجِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ.

وَوَجْهٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ آخِرَ اللَّيْلِ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِيهِ كَانَ عَقِيبَ نَوْمٍ، وَقَدْ يَتَعَلَّقُ بِالْفَمِ وَالْأَنْفِ شَيْءٌ مِنْ بُخَارِ الْمَعِدَةِ مِمَّا يُغَيِّرُ رَائِحَةَ الْفَمِ أَوْ الْأَنْفِ، فَإِذَا شَمَّهَا أَحَدُهُمَا كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِكَرَاهَةِ أَحَدِهِمَا فِي صَاحِبِهِ، وَمُرَادُ الشَّارِعِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ - دَوَامُ الْأُلْفَةِ وَالْمَحَبَّةِ، وَذَلِكَ يُنَافِيهَا.

أَلَا تَرَى إلَى نَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام عَنْ أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ طُرُوقًا لَيْلًا لِئَلَّا يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ قَبْلَ أَنْ يَتَأَهَّبْنَ لِلِقَائِهِ، فَنَهَى عليه الصلاة والسلام عَنْ ذَلِكَ لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَدْهُنَ وَتَتَطَيَّبَ وَتَتَأَهَّبَ، فَيَكُونَ ذَلِكَ أَدْعَى إلَى بَقَاءِ الْعِصْمَةِ وَالْأُلْفَةِ وَالْمَوَدَّةِ، أَلَا تَرَى إلَى فِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ كَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ، وَذَلِكَ لِفَوَائِدَ. أَحَدُهَا: أَنْ يَبْدَأَ بِزِيَارَةِ بَيْتِ رَبِّهِ، وَبِالْخُضُوعِ لَهُ فِيهِ بِالرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَمِنْهَا أَنْ يُفَضِّلَ مَا هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى رَبِّهِ لِيُنَبِّهَ أُمَّتَهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى تَقْدِيمِ مَا هُوَ لِلَّهِ عَلَى مَا لِأَنْفُسِهِمْ فِيهِ حَظٌّ مَا، وَمِنْهَا أَنَّ أَصْحَابَهُ وَمَعَارِفَهُ يَأْخُذُونَ حَظَّهُمْ مِنْ رُؤْيَتِهِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ حِينَ قُدُومِهِ، فَإِذَا فَرَغُوا، وَدَخَلَ بَيْتَهُ " لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ يُحْوِجُهُ إلَى الْخُرُوجِ فِي الْغَالِبِ، وَمِنْهَا مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ أَنَّ أَهْلَهُ يَأْخُذُونَ الْأُهْبَةَ لِلِقَائِهِ، وَمِنْهَا أَنَّ لِقَاءَ الْأَحِبَّةِ بَغْتَةً قَدْ يَئُولُ إلَى ذَهَابِ النُّفُوسِ عِنْدَ اللِّقَاءِ لِقُوَّةِ مَا يَتَوَالَى عَلَى النَّفْسِ إذْ ذَاكَ مِنْ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ. وَقَدْ حُكِيَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ أَنَّهُمْ مَاتُوا بِسَبَبِ ذَلِكَ فَاجَأَهُمْ السُّرُورُ فَمَاتُوا مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ، وَقَوْمٌ فَجَأَتْهُمْ الْمَصَائِبُ فَمَاتُوا مِنْ شِدَّةِ الْهَمِّ وَالْغَمِّ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا فَعَلَهُ يُوسُفُ الصِّدِّيقُ صلى الله عليه وسلم فِي التَّلَطُّفِ بِالِاجْتِمَاعِ بِأَبِيهِ يَعْقُوبَ عليه الصلاة والسلام فِي أَنَّهُ أَرْسَلَ إلَيْهِ الْبَشِيرَ أَوَّلًا حَتَّى عَلِمَ أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْأَحْيَاءِ، ثُمَّ أَرْسَلَ إلَيْهِ ثَانِيًا الْقَمِيصَ لِيَجِدَ رِيحَهُ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ عز وجل فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ فَزَادَ أُنْسُهُ بِشَمِّ رَائِحَتِهِ وَأَثَرِهِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَعَ الِاجْتِمَاعُ، وَيَنْبَغِي لَهُ إذَا عَزَمَ عَلَى الِاجْتِمَاعِ بِأَهْلِهِ أَنْ يَتَحَرَّزَ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْعَوَامّ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ

ص: 185

وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ زَوْجَتَهُ وَهِيَ عَلَى غَفْلَةٍ، بَلْ حَتَّى يُلَاعِبَهَا وَيُمَازِحَهَا بِمَا هُوَ مُبَاحٌ مِثْلَ الْجَسَّةِ، وَالْقُبْلَةِ، وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ، حَتَّى إذَا رَأَى أَنَّهَا قَدْ انْبَعَثَتْ لِمَا هُوَ يُرِيدُ مِنْهَا، وَانْشَرَحَتْ لِذَلِكَ، وَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِ فَحِينَئِذٍ يَأْتِيهَا، وَحِكْمَةُ الشَّرْعِ فِي ذَلِكَ بَيِّنَةٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُحِبُّ مِنْ الرَّجُلِ مَا يُحِبُّ مِنْهَا، فَإِذَا أَتَاهَا عَلَى غَفْلَةٍ قَدْ يَقْضِي هُوَ حَاجَتَهُ، وَتَبْقَى هِيَ فَقَدْ يُشَوِّشُ عَلَيْهَا ذَلِكَ، وَقَدْ لَا يَنْصَانُ دِينُهَا، فَإِذَا فَعَلَ مَا ذُكِرَ تَيَسَّرَ عَلَيْهَا الْأَمْرُ، وَانْصَانَ دِينُهَا.

ثُمَّ إذَا أَتَاهَا فَيَمْتَثِلُ السُّنَّةَ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام حَيْثُ قَالَ:«لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إذَا أَتَى إلَى أَهْلِهِ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتنَا فَرُزِقَا وَلَدًا، لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ، وَلَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ» ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ امْتَثَلَ السُّنَّةَ فِي ذَلِكَ خَرَجَ وَلَدُهُ كَمَا ذُكِرَ عليه الصلاة والسلام. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَدْ نَجِدُ كَثِيرًا مِنْ أَوْلَادِ الْمُبَارَكِينَ يَخْرُجُونَ عَلَى صِفَةٍ مِنْ الصِّفَاتِ الذَّمِيمَةِ فَالْجَوَابُ: أَنَّ وَالِدَهُ لَوْ امْتَثَلَ السُّنَّةَ فِيمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مَا حَصَلَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَالْقَلِيلُ مِنْ النَّاسِ مِنْ يَثْبُتُ لِامْتِثَالِ السُّنَّةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِغَلَبَةِ قُوَّةِ بَاعِثِ النَّفْسِ عَلَى تَحْصِيلِ لَذَّاتِهَا وَشَهَوَاتِهَا، وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُرَاعِيَ حَقَّ زَوْجَتِهِ فِي الْجِمَاعِ، وَأَنْ يَأْتِيَهَا لَيَصُونَ دِينَهَا، وَيَكُونَ قَضَاءُ حَاجَتِهِ تَبَعًا لِغَرَضِهَا فَيَحْصُلَ إذْ ذَاكَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» ، وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يَعْرِفُ السُّنَّةَ فِي ذَلِكَ يَأْتِي زَوْجَتَهُ عَلَى غَفْلَةٍ فَيَقْضِي حَاجَتَهُ مِنْهَا، وَهِيَ لَمْ تَقْضِ مِنْهُ وَطَرًا، كَمَا تَفْعَلُ الْبَهَائِمُ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِأَحَدِ شَيْئَيْنِ إمَّا فَسَادُ دِينِهَا وَإِمَّا تَبْقَى مُتَشَوِّشَةً مُتَشَوِّفَةً لِغَيْرِهِ، وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يُجَامِعَهَا، وَهُمَا مَكْشُوفَانِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ يَسْتُرُهُمَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَعَابَهُ، وَقَالَ فِيهِ: كَمَا يَفْعَلُ الْعِيرَانِ، وَقَدْ كَانَ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه يُغَطِّي رَأْسَهُ إذْ ذَاكَ حَيَاءً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ فِي بَرِيَّةٍ أَوْ عَلَى سَطْحٍ فَلَا يُجَامِعُ

ص: 186

مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَلَا مُسْتَدْبِرَهَا، وَإِنْ كَانَ فِي بَيْتٍ فَيُخْتَلَفُ فِيهِ بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ، وَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ.

وَيَنْبَغِي لَهُ إذَا قَضَى وَطَرَهُ أَنْ لَا يُعَجِّلَ بِالْقِيَامِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُشَوِّشُ عَلَيْهَا بَلْ يَبْقَى هُنَيْهَةً حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا قَدْ انْقَضَتْ حَاجَتُهَا، وَالْمَقْصُودُ مُرَاعَاةُ أَمْرِهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُوصِي عَلَيْهِنَّ، وَيَحُضُّ عَلَى الْإِحْسَانِ إلَيْهِنَّ، وَهَذَا مَوْضِعٌ لَا يُمْكِنُ الْإِحْسَانُ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِهِ فَلْيَجْتَهِدْ فِي ذَلِكَ جَهْدَهُ، وَاَللَّهُ الْمَسْئُولُ فِي التَّجَاوُزِ عَمَّا يَعْجِزُ الْمَرْءُ عَنْهُ، وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَجَنَّبَ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ، وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ رحمه الله عَنْهُ فَأَنْكَرَهُ وَعَابَهُ، هُوَ النَّخِيرُ، وَالْكَلَامُ السَّقْطُ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ رحمه الله: وَإِنَّمَا أَنْكَرَ مَالِكٌ رحمه الله ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَمَلِ السَّلَفِ.

ثُمَّ إذَا فَرَغَ مِنْ قَضَاءِ إرَبِهِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَغْتَسِلَ لِيَنَامَ عَلَى أَكْمَلِ الْحَالَاتِ، وَإِمَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ لِيَنَامَ عَلَى إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ، وَاخْتُلِفَ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ أَوْ الْوُضُوءُ هَلْ يَتَيَمَّمُ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَنَامُ الْجُنُبُ حَتَّى يَتَوَضَّأَ فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ فَلْيَتَيَمَّمْ، وَلَا يَنَامُ إلَّا بِوُضُوءٍ أَوْ تَيَمُّمٍ، وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْوِيَ عِنْدَ الْجِمَاعِ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ يَكْثُرُ بِهِ الْإِسْلَامُ، وَيَكُونُ مِنْ الْعُلَمَاءِ الصَّالِحِينَ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: رضي الله عنه إنِّي لَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَمَا لِي إلَيْهِنَّ حَاجَةٌ، وَأَطَأهُنَّ وَمَا لِي إلَيْهِنَّ شَهْوَةٌ قِيلَ لَهُ: وَلِمَ ذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: رَجَاءَ أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ ظَهْرِي مَنْ يُكَاثِرُ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَنْبَغِي لَهُ إذَا نَوَى مَا تَقَدَّمَ، وَفَعَلَ مَا ذُكِرَ أَنْ يَكِلَ ذَلِكَ إلَى مَشِيئَةِ رَبِّهِ عز وجل، وَأَنْ يَفْتَقِرَ إلَيْهِ فِيهِ وَيَتَبَرَّأَ مِنْ مَشِيئَةِ نَفْسِهِ، وَتَدْبِيرِهِ، وَحَوْلِهِ، وَقُوَّتِهِ، وَأَنْ يَكُونَ إذْ ذَاكَ مُتَوَاضِعًا مُتَذَلِّلًا لَعَلَّ أَنْ تُقْضَى حَاجَتُهُ.

وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُد - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى مِائَةِ امْرَأَةٍ كُلِّهِنَّ تَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ: قُلْ: إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَمْ يَقُلْ: إنْ شَاءَ اللَّهُ فَطَافَ عَلَيْهِنَّ

ص: 187

جَمِيعًا فَلَمْ تَحْمِلْ مِنْهُنَّ إلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ» فَالْحَاصِلُ مِنْ هَذَا أَنْ يَتَعَلَّقَ الْمَرْءُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَكِلَ الْأَمْرَ إلَيْهِ، وَيَتَبَرَّأَ مِنْ مَشِيئَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ

ثُمَّ إنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَعُودَ إلَى الِاجْتِمَاعِ بِأَهْلِهِ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْغُسْلِ أَوْ الْوُضُوءِ فَيَفْعَلُ كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلًا، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فَلْيَغْسِلْ ذَكَرَهُ قَبْلَ أَنْ يَعُودَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام كَانَ إذَا أَرَادَ ذَلِكَ غَسَلَ ذَكَرَهُ ثُمَّ عَادَ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ غَسْلَ الذَّكَرِ يُقَوِّي الْعُضْوَ وَيُنَشِّطُهُ، وَكَثْرَةُ هَذَا كَانَ مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ أَنْ يَتَمَدَّحُوا بِهِ، وَيَفْتَخِرُوا بِهِ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى قُوَّةِ الرَّجُلِ، وَصِحَّةِ بَدَنِهِ، وَمِزَاجِهِ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى أُعْطِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَاءَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا حَتَّى خَرَجَ عَنْ مَأْلُوفِهِمْ، وَعَادَتِهِمْ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى مَا قَرَّرْتُمْ أَنَّ كَثْرَةَ هَذَا مَمْدُوحٌ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، فَمَا الْجَوَابُ عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ سُلَيْمَانَ عليه الصلاة والسلام فِي كَوْنِهِ أُعْطِيَ مَاءَ مِائَةِ رَجُلٍ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وَسَلَامُهُ أُعْطِيَ مَقْصِدَهُ وَمَطْلَبَهُ، فَنَبِيُّ اللَّهِ سُلَيْمَانُ عليه الصلاة والسلام طَلَبَ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَمِنْ شَأْنِ الْمُلُوكِ الزِّيَادَةُ فِي هَذَا الشَّأْنِ، وَكَثْرَةُ النِّسَاءِ فَأُعْطِيَ مَا يَفُوقُ بِهِ سَائِرَ الْمُلُوكِ؛ لِأَنَّ الْمُلُوكَ وَإِنْ وَجَدُوا الْقُدْرَةَ عَلَى تَحْصِيلِ كَثْرَةِ النِّسَاءِ فَهُمْ عَاجِزُونَ عَنْ مَاءِ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَضْلًا عَنْ مَاءِ مِائَةِ رَجُلٍ.

وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا مَلِكًا أَوْ نَبِيًّا عَبْدًا فَاخْتَارَ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا عَبْدًا فَأُعْطِيَ صلى الله عليه وسلم مَا يَفْضُلُهُمْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُعْطِيَ مَاءَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا فَحَالُهُ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها لَمَّا سُئِلَتْ عَنْ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ، وَأَيُّكُمْ أَمْلَكُ لِإِرَبِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ؟ صلى الله عليه وسلم فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ لَا يَأْتِي لِأَحْوَالِ الْبَشَرِيَّةِ لِأَجْلِ نَفْسِهِ الْمُكَرَّمَةِ، بَلْ ذَلِكَ مِنْهُ عليه الصلاة والسلام -

ص: 188

عَلَى طَرِيقِ تَأْنِيسِ الْبَشَرِيَّةِ لِأَجْلِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ عليه الصلاة والسلام. أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ: إنِّي لَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَمَا لِي إلَيْهِنَّ حَاجَةٌ.

وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام: «حُبِّبَ إلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمْ ثَلَاثٌ الطِّيبُ، وَالنِّسَاءُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» فَانْظُرْ إلَى حِكْمَةِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: حُبِّبَ، وَلَمْ يَقُلْ: أَحْبَبْت، وَقَالَ مِنْ دُنْيَاكُمْ فَأَضَافَهَا إلَيْهِمْ دُونَهُ عليه الصلاة والسلام فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ حُبُّهُ خَاصًّا بِمَوْلَاهُ عز وجل يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» ، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعَانِي الْعَلِيَّةِ الشَّرِيفَةِ، فَكَانَ عليه الصلاة والسلام بَشَرِيَّ الظَّاهِرِ مَلَكِيَّ الْبَاطِنِ، فَكَانَ عليه الصلاة والسلام لَا يَأْتِي إلَى شَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِ الْبَشَرِيَّةِ إلَّا تَأْنِيسًا لِأُمَّتِهِ، وَتَشْرِيعًا لَهَا لَا أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلِلْجَهْلِ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ الْجَلِيلَةِ، وَالْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ قَالَ الْجَاهِلُ الْمِسْكِينُ {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ} [الفرقان: 7] أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} [الأنعام: 50] فَقَالَ: {لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} [الأنعام: 50] ، وَلَمْ يَقُلْ إنِّي مَلَكٌ، فَلَمْ يَنْفِ الْمَلَكِيَّةَ عَنْهُ إلَّا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ أَعْنِي فِي مَعَانِيهِ عليه الصلاة والسلام لَا فِي ذَاتِهِ الْكَرِيمَةِ، إذْ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام يَلْحَقُ بَشَرِيَّتَهُ مَا يَلْحَقُ الْبَشَرَ.

وَلِهَذَا قَالَ سَيِّدِي الشَّيْخُ الْجَلِيلُ أَبُو الْحَسَنِ الشَّاذِلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي صِفَتِهِ عليه الصلاة والسلام: هُوَ بَشَرٌ لَيْسَ كَالْأَبْشَارِ كَمَا أَنَّ الْيَاقُوتَ حَجَرٌ لَيْسَ كَالْأَحْجَارِ، وَهَذَا مِنْهُ رحمه الله عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيبِ لِلْأَفْهَامِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ مَلَكِيَّ الْبَاطِنِ، وَمَنْ كَانَ مَلَكِيَّ الْبَاطِنِ مَلَكَ نَفْسَهُ، وَمِنْ هَاهُنَا يُفْهَمُ مَعْنَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«أَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا» ؛ لِأَنَّ هَذَا، وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ بَابِ التَّأْنِيسِ لِلْأُمَّةِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ:«إنَّ لِلْمَوْتِ لَسَكَرَاتٍ»

ص: 189

قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِيهِ: إنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ شِدَّةِ الْآلَامِ، وَالْأَوْجَاعِ لِرِفْعَةِ مَنَازِلِ الْمُرْسَلِينَ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«إنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ الرَّجُلَانِ مِنْكُمْ» الْحَدِيثَ انْتَهَى. وَهَذَا مِنْ بَابِ تَأْنِيسِ الْبَشَرِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ كَانَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَرْجَانِيُّ رحمه الله يَقُولُ فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«إنَّ لِلْمَوْتِ لَسَكَرَاتٍ» إنَّ تِلْكَ السَّكَرَاتِ سَكَرَاتُ الطَّرِبِ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ بِلَالٍ رضي الله عنه حِينَ قَالَ لَهُ أَهْلُهُ، وَهُوَ فِي السِّيَاقِ، وَاكَرْبَاهُ فَفَتَحَ عَيْنَهُ، وَقَالَ: وَاطَرَبَاهُ غَدًا أَلْقَى الْأَحِبَّهْ مُحَمَّدًا، وَحِزْبَهْ انْتَهَى.

فَإِذَا كَانَ هَذَا طَرَبَهُ فِي هَذَا الْحَالِ بِلِقَاءِ مَحْبُوبِهِ، وَهُوَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَحِزْبُهُ، فَمَا بَالُك بِلِقَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلْمَوْلَى الْكَرِيمِ {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17] ، وَهَذَا مَوْضِعٌ تَقْصُرُ الْعِبَارَةُ عَنْ وَصْفِ بَعْضِهِ، فَالْحَاصِلُ مِنْ هَذَا أَنَّ أَحْوَالَ الْبَشَرِيَّةِ، وَمَا يَطْرَأُ عَلَيْهَا مِنْ الْأَمْرَاضِ وَالْأَعْرَاضِ إنَّمَا ذَلِكَ عَلَى الظَّاهِرِ فِي الظَّاهِرِ، وَهُوَ عليه الصلاة والسلام مَشْغُولٌ بِرَبِّهِ مُقْبِلٌ عَلَى آخِرَتِهِ ظَاهِرُهُ مَعَ الْخَلْقِ، وَبَاطِنُهُ مَعَ رَبِّ الْخَلْقِ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ غَائِبٌ عَنْ أَلَمِ الظَّاهِرِ. هَذَا تَجِدُهُ مَحْسُوسًا فِي بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ فَكَيْفَ بِسَيِّدِ الْأَوَّلِينَ، وَالْآخَرِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ، أَلَا تَرَى إلَى مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ، وَهُوَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه لَمَّا أَصَابَتْهُ الْأَكَلَةُ فِي رِجْلِهِ فَأَرَادُوا أَنْ يَقْطَعُوا الْقَدَمَ الَّتِي خَرَجَتْ فِيهِ لِئَلَّا تَتَعَدَّى لِجَمِيعِ بَدَنِهِ، فَكَانَ يَأْبَى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَقَالَتْ لَهُمْ زَوْجَتُهُ: إنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الصَّلَاةِ فَلَمَّا أَنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ حَضَرُوا فَقَطَعُوهَا لَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ رَآهُمْ مُحَدِّقِينَ بِهِ فَقَالَ لَهُمْ: أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقْطَعُوا لِي غَيْرَ هَذِهِ الْمَرَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالُوا لَهُ: هُوَ ذَا فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا شَعَرْت بِكُمْ، وَكَذَلِكَ مَا حُكِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ يُصَلِّي، وَانْهَدَمَتْ أُسْطُوَانَةٌ فِيهِ، فَهَرِعَ النَّاسُ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ يَنْظُرُونَ الْخَبَرَ لِشِدَّةِ انْزِعَاجِهِمْ عِنْدَ وُقُوعِهَا وَتَأَثُّرِهِمْ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَشْعُرْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.

وَقَدْ تَقَدَّمَتْ حِكَايَةُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي بَيْتِهِ

ص: 190