الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جَهْدَهُ إذَا كَانَ عَلَى الْمَنَارِ. وَأَمَّا عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ عَلَى سَطْحِهِ إنْ أَمِنَ أَنْ يَكْشِفَ عَلَى أَحَدٍ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
[فَصْلٌ فِي النَّهْيِ عَمَّا أَحْدَثُهُ الْمُؤَذِّنُونَ بِاللَّيْلِ مِنْ غَيْرِ السُّنَّةِ]
فَصْلٌ فِي النَّهْيِ عَمَّا أَحْدَثُوهُ بِاللَّيْلِ مِنْ غَيْرِ السُّنَّةِ وَيَنْهَى الْمُؤَذِّنِينَ عَمَّا أَحْدَثُوهُ مِنْ التَّسْبِيحِ بِاللَّيْلِ وَإِنْ كَانَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى حَسَنًا سِرًّا وَعَلَنًا لَكِنْ لَا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَرَكَهَا الشَّارِعُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ فِيهَا شَيْئًا مَعْلُومًا. وَقَدْ رَتَّبَ الشَّارِعُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ لِلصُّبْحِ أَذَانًا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَأَذَانًا عِنْدَ طُلُوعِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُؤَذِّنُونَ فِي هَذَا الزَّمَانِ يُؤَذِّنُونَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَكِنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِخْفَاءِ لِتَرْكِهِمْ رَفْعَ الصَّوْتِ بِهِ حَتَّى لَا يُسْمَعَ. وَهَذَا ضِدُّ مَا شُرِعَ الْأَذَانُ لَهُ لِأَنَّ الْأَذَانَ إنَّمَا شُرِعَ لِإِعْلَامِ النَّاسِ بِالْوَقْتِ.
قَالَ عليه الصلاة والسلام «إنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» وَقَدْ وَرَدَ أَذَانُ بِلَالٍ كَانَ يُنَوِّمُ الْيَقْظَانَ وَيُوقِظُ الْوَسْنَانَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ كَانَ أَحْيَا اللَّيْلَ كُلَّهُ فَإِذَا سَمِعَ أَذَانَ بِلَالٍ نَامَ حَتَّى تَحْصُلَ لَهُ رَاحَةٌ وَنَشَاطٌ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فِي جَمَاعَةٍ وَإِنْ كَانَ نَائِمًا فَإِذَا سَمِعَ أَذَانَ بِلَالٍ قَامَ وَتَطَهَّرَ وَأَدْرَكَ وِرْدَهُ مِنْ اللَّيْلِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ رحمهم الله فِي الْأَذَانِ لِلصُّبْحِ مَتَى يَكُونُ فَقِيلَ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ وَقِيلَ مِنْ أَوَّلِ الثُّلُثِ الْأَخِيرِ وَقِيلَ السُّدُسُ الْأَخِيرُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَعْنِي أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ كُلُّهُ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مَحَلًّا لِلْأَذَانِ فِيهِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالُوا إنَّ الْمُؤَذِّنِينَ يُرَتَّبُونَ فِي أَذَانِهِمْ حَتَّى يَكُونَ النَّاسُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَمْرِ الْوَقْتِ الَّذِي هُمْ فِيهِ حَتَّى يَتَهَيَّئُوا لِلْعِبَادَةِ فَيُرَتَّبُ الْمُؤَذِّنُونَ عَلَى حَسَبِ مَا يَسَعُ الْوَقْتُ مِنْ عَدَدِهِمْ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ لِكَيْ يَكُونَ وَقْتُ أَذَانِ كُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ مَعْلُومًا لَا يَتَقَدَّمُهُ وَلَا يَتَأَخَّرُهُ فَيَكُونُ النَّاسُ يَعْرِفُونَ بِالْعَادَةِ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ وَالثَّالِثَ وَهَكَذَا إلَى الْمُؤَذِّنِ الْآخِرِ الَّذِي يُؤَذِّنُ عِنْدَ
طُلُوعِ الْفَجْرِ وَهُوَ الرَّئِيسُ صَاحِبُ الْوَقْتِ فَيَنْضَبِطُ الْوَقْتُ بِذَلِكَ عَلَى الْمُصَلِّينَ وَيَعْرِفُ كُلُّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ كَمْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مِمَّا يَسَعُ الْغُسْلَ أَوْ الْوُضُوءَ أَوْ الْوِرْدَ أَوْ الِاسْتِبْرَاءَ وَغَيْرَ ذَلِكَ فَيَتِمَّ النِّظَامُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ هُوَ أَضْبَطُ حَالًا وَأَكْثَرُ ثَوَابًا لِأَجْلِ الِاتِّبَاعِ بِخِلَافِ مَا أَحْدَثُوهُ مِنْ التَّسْبِيحِ وَمَا يَقُولُونَ فِيهِ حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ لَيَنْدُبُ الْأَطْلَالَ بِصَوْتٍ فِيهِ تَحْزِينٌ يَقْرُبُ مِنْ النَّوْحِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْيَانِ ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ لَا يَعْرِفُ النَّاسُ فِي الْغَالِبِ أَيَّ وَقْتٍ هُمْ فِيهِ مِنْ اللَّيْلِ بِالنِّسْبَةِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ سِيَّمَا وَهُمْ قَدْ أَحْدَثُوا زِيَادَةً عَلَى مَا ذُكِرَ أَنَّهُ إذَا قَرُبَ طُلُوعُ الْفَجْرِ سَكَتُوا سَكْتَةً طَوِيلَةً ثُمَّ يُؤَذِّنُونَ فَمَنْ أَفَاقَ فِي حَالِ سُكُوتِهِمْ فَقَدْ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ بَعْدُ فَيَقَعُ بِذَلِكَ الْغَرَرُ لِبَعْضِ النَّاسِ. ثُمَّ الْعَجَبُ مِنْ أَنَّهُمْ يَأْتُونَ بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ لِلصُّبْحِ الَّذِي قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيُخْفُونَ ذَلِكَ فَإِذَا فَرَغُوا مِنْهُ رَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِمَا أَحْدَثُوهُ مِنْ التَّسْبِيحِ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ. السُّنَّةُ تَخْفَى وَغَيْرُ مَا شُرِعَ يَظْهَرُ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ إنَّمَا يُخْفُونَ الْأَذَانَ الْأَوَّلَ لِلصُّبْحِ خِيفَةَ أَنْ يُصَلِّيَ النَّاسُ عَلَيْهِ صَلَاةَ الصُّبْحِ فَيَكُونُ صَلَاتُهُمْ بَاطِلَةً لِإِيقَاعِهَا قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ. فَالْجَوَابُ أَنَّهُمْ لَوْ امْتَثَلُوا السُّنَّةَ فِيمَا تَقَرَّرَ مِنْ تَرْتِيبِ الْمُؤَذِّنِينَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَأَنَّ الْأَوَّلَ مَعْرُوفٌ وَقْتُهُ وَكَذَلِكَ الثَّانِي إلَى الْمُؤَذِّنِ الَّذِي يُؤَذِّنُ عَلَى الْفَجْرِ كَمَا تَقَدَّمَ لَمَا انْبَهَمَ الْوَقْتُ عَلَى أَحَدٍ مِمَّنْ سَمِعَهُمْ وَكَانُوا مُتَّبِعِينَ لِسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وسلم.
وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْهَاهُمْ عَمَّا أَحْدَثُوهُ مِنْ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ وَالتَّسْلِيمُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَكْبَرِ الْعِبَادَاتِ وَأَجَلِّهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْلَكَ بِهَا مَسْلَكَهَا فَلَا تُوضَعُ إلَّا فِي مَوَاضِعِهَا الَّتِي جُعِلَتْ لَهَا. أَلَا تَرَى أَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ مِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْمُكَلَّفِ أَنْ يَقْرَأَهُ فِي الرُّكُوعِ وَلَا فِي السُّجُودِ وَلَا فِي الْجُلُوسِ أَعْنِي الْجُلُوسَ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ
بِمَحَلٍّ لِلتِّلَاوَةِ فَالصَّلَاةُ وَالتَّسْلِيمُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَحْدَثُوهَا فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ لَمْ تَكُنْ تُفْعَلُ فِيهَا فِي عَهْدِ مَنْ مَضَى وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي الِاتِّبَاعِ لَهُمْ رضي الله عنهم مَعَ أَنَّهَا قَرِيبَةُ الْعَهْدِ بِالْحُدُوثِ جِدًّا أَقْرَبَ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِيمَا أَحْدَثَهُ بَعْضُ الْأُمَرَاءِ مِنْ التَّغَنِّي بِالْأَذَانِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَهِيَ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ كُلِّ لَيْلَةٍ وَبَعْدَ أَذَانِ الْعِشَاءِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِيَرْقَى الْمِنْبَرَ وَعِنْدَ صُعُودِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ يُسَلِّمُونَ عِنْدَ كُلِّ دَرَجَةٍ يَصْعَدُهَا وَالْكُلُّ فِي الْإِحْدَاثِ قَرِيبٌ مِنْ قَرِيبٍ أَعْنِي فِي زَمَانِنَا هَذَا وَأَصْلُ إحْدَاثِهِ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ.
وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام بِقَوْلِهِ «الْفِتْنَةُ مِنْ هَاهُنَا وَأَشَارَ إلَى الْمَشْرِقِ» . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ كَيْفَ كَانَ خَوْفُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مِنْ الْحَدَثِ فِي الدِّينِ وَمَا جَرَى لَهُمْ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ وَمَا جَرَى لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما لَمَّا أَنْ رَأَى الطَّيْرَ الَّذِي هُنَاكَ وَقَعَ عَلَى الْقَذَرِ ثُمَّ ارْتَفَعَ عَنْهُ وَوَقَعَ عَلَى ثَوْبِهِ فَعَلِمَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ عَلَى أَنَّهُ إذَا خَرَجَ يَغْسِلُهُ فَلَمَّا أَنْ جَاءَ إلَى غَسْلِهِ قَالَ، وَاَللَّهِ مَا أَكُونُ بِأَوَّلِ مَنْ أَحْدَثَ بِدْعَةً فِي الْإِسْلَامِ وَالصَّلَاةُ وَالتَّسْلِيمُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا يَشُكُّ مُسْلِمٌ أَنَّهَا مِنْ أَكْبَرِ الْعِبَادَاتِ وَأَجَلِّهَا وَإِنْ كَانَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَسَنًا سِرًّا وَعَلَنًا لَكِنْ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَضَعَ الْعِبَادَاتِ إلَّا فِي مَوَاضِعِهَا الَّتِي وَضَعَهَا الشَّارِعُ فِيهَا وَمَضَى عَلَيْهَا سَلَفُ الْأُمَّةِ.
أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما إنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ إلَيْنَا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم وَلَا نَعْلَمُ شَيْئًا وَإِنَّمَا نَفْعَلُ كَمَا رَأَيْنَاهُ يَفْعَلُ. وَمِنْ كِتَابِ الْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ رَزِينٍ قَالَ وَعَنْ نَافِعٍ قَالَ عَطَسَ رَجُلٌ إلَى جَنْبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ الْحَمْدُ اللَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَا أَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ مَا هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَقُولَ إذَا عَطَسْنَا وَإِنَّمَا
عَلَّمَنَا نَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ انْتَهَى.
وَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَهُوَ جَوَابٌ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الصَّلَاةَ وَالتَّسْلِيمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَشْرُوعٌ بِنَصِّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَكَيْفَ يُمْنَعُ. قَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُ مَنْ اتَّصَفَ بِالْإِنْصَافِ وَهُوَ مَعْدُومٌ فِي الْغَالِبِ. أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ مَالِكٍ رحمه الله لَيْسَ فِي زَمَانِنَا هَذَا أَقَلُّ مِنْ الْإِنْصَافِ فَإِذَا كَانَ الْحَالُ فِي زَمَانِ مَالِكٍ عَلَى مَا ذُكِرَ فَمَا بَالُكَ بِهِ الْيَوْمُ فِي هَذَا الزَّمَانِ. وَقَدْ وَقَعَ لِبَعْضِ الْأَكَابِرِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَمَّا أَنْ سَمِعَ الْحَدِيثَ الْوَارِدَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَخَتَمَ الْمِائَةَ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» فَقَالَ هَذَا الْعَالِمُ أَنَا أَعْمَلُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِائَةً فَبَقِيَ عَلَى ذَلِكَ زَمَانًا فَرَأَى فِي مَنَامِهِ أَنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ وَحُشِرَ النَّاسُ إلَى الْمَحْشَرِ وَالنَّاسُ فِي أَمْرٍ مَهُولٍ وَإِذَا بِمُنَادٍ يُنَادِي أَيْنَ الذَّاكِرُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ فَقَامَ نَاسٌ مِنْ نَاسٍ قَالَ فَقُمْت مَعَهُمْ فَجِئْنَا إلَى مَوْضِعٍ فِيهِ مَلَائِكَةٌ يُعْطُونَ النَّاسَ ثَوَابَ ذَلِكَ وَكُنْتُ أُزَاحِمُ مَعَهُمْ وَيُعْطُونَهُمْ وَلَا يُعْطُونِي شَيْئًا فَمَا زِلْتُ كَذَلِكَ حَتَّى فَرَغَ الْجَمِيعُ فَجِئْتُ وَطَلَبْتُ مِنْهُمْ الثَّوَابَ فَقَالُوا لِي مَا لَكَ عِنْدَنَا شَيْءٌ فَقُلْتُ لَهُمْ وَلِمَ أَعْطَيْتُمْ أُولَئِكَ فَقَالُوا لِي هَؤُلَاءِ كَانُوا يَذْكُرُونَ اللَّهَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ فَقُلْتُ لَهُمْ وَمَا كَانُوا يَذْكُرُونَ فَذَكَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَبِّحُونَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ إلَخْ فَقُلْتُ أَنَا وَاَللَّهِ كُنْتُ أَعْمَلُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِائَةً فَقَالُوا مَا هَكَذَا أَمَرَ صَاحِبُ الشَّرِيعَةِ صلى الله عليه وسلم بَلْ أَمَرَ بِثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ مَا لَكَ عِنْدَنَا شَيْءٌ قَالَ فَانْتَبَهْتُ مَرْعُوبًا فَتُبْتُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ لَا أَزِيدَ عَلَى مَا قَرَّرَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا فَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم مُتَأَكِّدَةٌ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ لَكِنَّ اتِّخَاذَهَا عَادَةً مِنْ الْمُؤَذِّنِينَ عَلَى الْمَنَارِ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا
تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَشْرُوعًا وَلَا فَعَلَهُ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ الْمَاضِينَ رضي الله عنهم فَتَحَرَّى ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ كَالزِّيَادَةِ عَلَى الذِّكْرِ الْمَشْرُوعِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَمَعَ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّعْلِيلِ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَفَاسِدُ.
مِنْهَا ارْتِكَابُ نَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام بِقَوْلِهِ «لَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ» فَإِذَا نَهَى عليه الصلاة والسلام عَنْ الْجَهْرِ بِالْقُرْآنِ وَتِلَاوَتُهُ مِنْ أَكْبَرِ الْعِبَادَاتِ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِمَا يَدْخُلُ مِنْ التَّشْوِيشِ عَلَى مَنْ فِي الْمَسْجِدِ مِمَّنْ يَتَعَبَّدُ إذَا جَهَرَ بِهِ فَمَا بَالُكَ بِمَا يَفْعَلُونَهُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا وَمَا يَفْعَلُونَهُ فِيهِ مِمَّا يُشْبِهُ الْغِنَاءَ فِي وَقْتٍ وَالنَّوْحَ فِي وَقْتٍ وَنَدْبَ الْأَطْلَالِ فِي وَقْتٍ وَيَنْشُدُونَ فِيهِ الْقَصَائِدَ وَفِي الْمَسْجِدِ مِنْ الْمُتَهَجِّدِينَ مَا هُوَ مَعْلُومٌ فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَّا وَقَدْ وَصَلَ لَهُ مِنْ التَّشْوِيشِ مَا لَا خَفَاءَ فِيهِ فَيَتَفَرَّقُ أَمْرُهُمْ وَتَتَشَوَّشُ خَوَاطِرُهُمْ. وَلَوْ قَدَّرْنَا أَنَّ الْمَسْجِدَ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ فَيُمْنَعُ أَيْضًا لِأَنَّهُ بِصَدَدِ أَنْ يَأْتِيَ النَّاسُ إلَيْهِ. فَأَيْنَ هَذَا مِمَّا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رحمه الله حِينَ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فِي آخِرِ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رحمه الله وَكَانَ إذْ ذَاكَ خَلِيفَةً وَكَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ فَجَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فَلَمَّا أَنْ سَمِعَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ رحمه الله قَالَ لِخَادِمِهِ اذْهَبْ إلَى هَذَا الْمُصَلَّى فَقُلْ لَهُ إمَّا أَنْ تَخْفِضَ صَوْتَكَ وَإِمَّا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ فَجَاءَ الْخَادِمُ فَوَجَدَ الْمُصَلِّيَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَرَجَعَ وَلَمْ يَقُلْ لَهُ شَيْئًا فَلَمَّا أَنْ سَلَّمَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ رحمه الله قَالَ لِخَادِمِهِ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ تَنْهَى هَذَا الْمُصَلَّى عَمَّا هُوَ يَفْعَلُ فَقَالَ لَهُ هُوَ الْخَلِيفَةُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ اذْهَبْ إلَيْهِ وَقُلْ لَهُ مَا أَخْبَرْتُكَ بِهِ فَذَهَبَ إلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: إنَّ سَعِيدًا يَقُولُ لَكَ إمَّا أَنْ تَخْفِضَ صَوْتَكَ وَإِمَّا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَخَفَّفَ فِي صَلَاتِهِ فَلَمَّا أَنْ سَلَّمَ مِنْهَا أَخَذَ نَعْلَيْهِ وَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ رحمه الله وَهَذَا مِنْ تَوَاضُعِهِ فِي خِلَافَتِهِ هَذَا وَجْهٌ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ بَعْضَ الْعَوَامّ يَأْتُونَ الْمَسْجِدَ لِأَجْلِ سَمَاعِ التَّسْبِيحِ بِتِلْكَ الْأَلْحَانِ