الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالنَّغَمَاتِ فَيَقَعُ مِنْهُمْ أَشْيَاءُ مِنْ الزَّعَقَاتِ وَمَا يُشْبِهُهَا مِمَّا يُنَزَّهُ الْمَسْجِدُ عَنْهَا الثَّالِثُ مَا أَحْدَثُوهُ فِيهِ مِنْ صُعُودِ الشُّبَّانِ إذْ ذَاكَ عَلَى الْمَنَارِ وَلَهُمْ أَصْوَاتٌ حَسَنَةٌ وَنَغَمَاتٌ تُشْبِهُ الْغِنَاءَ فَيَرْفَعُونَ عَقِيرَتَهُمْ بِذَلِكَ فَكُلُّ مَنْ لَهُ غَرَضٌ خَسِيسٌ يَصْدُرُ مِنْهُ فِي وَقْتِ سَمَاعِهِ مَا لَا يَنْبَغِي كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا إلَى تَعَلُّقِ قَلْبِ مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ بِالشَّابِّ الَّذِي يَسْمَعُونَهُ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْفِتَنِ أَشْيَاءُ لَا تَنْحَصِرُ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ أَهْلِ الْمَغْرِبِ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ الَّذِي يُؤَذِّنُ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّرْتِيبِ اجْتَمَعَ الْمُؤَذِّنُونَ بِجَمْعِهِمْ وَنَادَوْا عَلَى صَوْتٍ وَاحِدٍ أَصْبَحَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَيُكَرِّرُونَ ذَلِكَ مِرَارًا عَدِيدَةً مَعَ دَوَرَانِهِمْ عَلَى الْمَنَارِ وَمَا يَفْعَلُونَهُ مِنْ ذَلِكَ لَا ضَرُورَةَ وَلَا حَاجَةَ تَدْعُو إلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ الَّذِي يُؤَذِّنُ عَلَى الْفَجْرِ يَكُونُ وَقْتُهُ مَعْلُومًا عِنْدَ السَّامِعِينَ فَمَنْ سَمِعَهُ مِنْهُمْ عَلِمَ أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَا جَاءَ عَلَى خِلَافِ مَا أَحْكَمَتْهُ الشَّرِيعَةُ الْمُطَهَّرَةُ فَمَفَاسِدُهُ عَدِيدَةٌ لَا تَنْحَصِرُ
[فَصْلٌ فِي التَّسْحِيرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ]
َ وَيَنْهَى الْمُؤَذِّنِينَ عَمَّا أَحْدَثُوهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ التَّسْحِيرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا أَمَرَ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِ مَنْ مَضَى، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي الِاتِّبَاعِ لَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ سِيَّمَا وَهُمْ يَقُومُونَ إلَى التَّسْحِيرِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ لِأَنَّ السُّحُورَ لَا فَائِدَةَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَقْوَى بِهِ الْإِنْسَانُ عَلَى صَوْمِ النَّهَارِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا إذَا فُعِلَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِقَلِيلٍ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ «تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالسَّحُورِ قَالَ قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً» فَإِذَا تَسَحَّرَ الْإِنْسَانُ فِي هَذَا الْوَقْتِ فَالْغَالِبُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوعُ إلَّا بَعْدَ الظُّهْرِ، وَإِذَا جَاعَ ذَلِكَ الْوَقْتَ فَمَسَافَةُ الْفِطْرِ قَرِيبَةٌ فَتَسْهُلُ لِذَلِكَ الْعِبَادَةُ
وَلِذَلِكَ سَمَّوْا السَّحُورَ الْغَدَاءَ الْمُبَارَكَ لِأَنَّ وَقْتَ السُّحُورِ قَرِيبٌ مِنْ وَقْتِ الْغَدَاءِ، وَيَحْصُلُ لَهُ مَعَ ذَلِكَ أَجْرُ الصِّيَامِ مَعَ نَشَاطِ بَدَنِهِ وَتَوْفِيرِ عُمْرِهِ لِقِيَامِ لَيْلِهِ لِأَنَّهُ إذَا تَسَحَّرَ فِي اللَّيْلِ حَصَلَ لَهُ الْكَسَلُ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ بِسَبَبِ الْبُخَارِ الَّذِي يَصْعَدُ إلَى دِمَاغِهِ فَيُدَخِّنُ عَلَيْهِ فَيَغْلِبُهُ النَّوْمُ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَسَحَّرَ قَرِيبًا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ إذَا فَرَغَ مِنْهُ اشْتَغَلَ بِالطَّهَارَةِ لِصَلَاةِ الْفَرْضِ ثُمَّ دَخَلَ بَعْدَ أَدَاءِ الْفَرْضِ فِي أَوْرَادِهِ وَاشْتَغَلَ بِهَا ثُمَّ تَصَرَّفَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي مُهِمَّاتِهِ فَيَحْصُلُ لَهُ التَّهَجُّدُ فِي لَيْلِهِ وَخِفَّةُ الصَّوْمِ عَلَيْهِ فِي نَهَارِهِ وَيَنْضَبِطُ حَالُهُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّمَا يَتَسَحَّرُونَ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ خِيفَةَ أَنْ يَبْقَى النَّاسُ لَا يَعْرِفُونَ الْوَقْتَ الَّذِي يَجُوزُ لَهُمْ الْأَكْلُ فِيهِ. فَالْجَوَابُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ أَنَّ الْمُؤَذِّنِينَ إذَا كَانُوا عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ عَلِمَ النَّاسُ بِسَبَبِ ذَلِكَ فِي أَيِّ جُزْئِهِمْ مِنْ اللَّيْلِ وَهَلْ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ أَمْ لَا؟ كَمَا كَانُوا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَعْرِفُونَ جَوَازَ الْأَكْلِ بِأَذَانِ بِلَالٍ وَمَنْعَهُ بِأَذَانِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ تَدْعُو إلَى مَا أَحْدَثُوهُ مِنْ التَّسْحِيرِ، ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ فِيهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ التَّشْوِيشِ عَلَى مَنْ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الْمُتَهَجِّدِينَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ إنَّمَا يَنْضَبِطُ بِهِ حَالُ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ وَمَا حَوْلَهُ أَمَّا مَنْ بَعُدَ عَنْهُ فَلَا يَسْمَعُونَ الْمُؤَذِّنِينَ وَلَا يَعْلَمُونَ فِي أَيِّ جُزْئِهِمْ مِنْ اللَّيْلِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَسَاجِدَ قَدْ كَثُرَتْ فَمَا مِنْ مَوْضِعٍ إلَّا وَبِجَانِبِهِ مَسْجِدٌ أَوْ مَسَاجِدُ فَيُعْمَلُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ أَذَانَانِ بِشَرْطِ الْعِلْمِ بِصَوْتِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَيَكْفِيهِمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْأَكْلِ وَالثَّانِي يَدُلَّ عَلَى مَنْعِهِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونُوا تَابِعِينَ فِي أَذَانِهِمْ لِلْجَامِعِ أَوْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْأَوْقَاتِ وَالثِّقَةِ وَالْأَمَانَةِ، وَالْمَسْجِدُ الْجَامِعُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ مُؤَذِّنُونَ جُمْلَةً عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.