المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في البدع التي أحدثت في المسجد والأمر بتغييرها] - المدخل لابن الحاج - جـ ٢

[ابن الحاج]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ بَعْض مَا يَفْعَلهُ النِّسَاء فِي المولد النبوي]

- ‌[فَصْلٌ مفاسد الْبُنْيَانُ فِي الْقُبُورِ]

- ‌[فَصْلٌ عَمَلُ الْمَوْلِدَ لِأَجْلِ جَمْعِ الدَّرَاهِمِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي خصوصية مولد الرَّسُول بشهر ربيع الْأَوَّل]

- ‌[فَصَلِّ المرتبة الثَّالِثَةُ فِي ذِكْر بَعْض مَوَاسِم أَهْل الْكتاب]

- ‌[مِنْ المواسم يَوْم النيروز]

- ‌[فَصْل مِنْ الْمَوَاسِمِ خميس العدس]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ المواسم الْيَوْمِ الَّذِي يَزْعُمُونَ أَنَّهُ سَبْتُ النُّورِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ المواسم مَا يفعلوه فِي مَوْلِدِ عِيسَى عليه السلام]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوْسِمِ الْغِطَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ المواسم عِيدِ الزَّيْتُونَةِ]

- ‌[فَصْلٌ بَعْضِ عَوَائِدَ اتَّخَذَهَا بَعْضُ النِّسَاءِ الْمُسْلِمَاتِ أخلت بِبَعْضِ الْفَرَائِضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صَوْمِ أَيَّامِ الْحَيْضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوَطْءِ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَاطَاهُ بَعْضُ النِّسْوَةِ مِنْ أَسْبَابِ السِّمَنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوجِ الْعَالِمِ إلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ فِي السُّوقِ وَاسْتِنَابَتِهِ لِغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي رُجُوعِ الْعَالِمِ مِنْ السُّوقِ إلَى بَيْتِهِ وَكَيْفِيَّةِ نِيَّتِهِ]

- ‌[أَخْذُ الدَّرْسِ فِي الْبَيْتِ وَالْمَدْرَسَةِ]

- ‌[فَصْلٌ للعالم أَنْ لَا يَتَرَدَّدَ لِأَحَدٍ مِمَّنْ يُنْسَبُ إلَى أَنَّهُ مِنْ أبناء الدنيا]

- ‌[فَصْلٌ تُرُكَ الْعَالم الدَّرْسَ لِعَوَارِضَ تَعْرِضُ لَهُ مِنْ جِنَازَةٍ أَوْ غَيْرهَا]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي للعالم أَنْ يَنْظُرَ أَوَّلًا فِي المدرسة إذَا عَرَضَتْ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي للعالم أَنْ يَكُونَ آكد الأمور وَأَهَمُّهَا عِنْدَهُ الْقَنَاعَةَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوَاضِعِ الْجُلُوسِ فِي الدُّرُوسِ وَغَيْرِهَا مِنْ مَوَاضِعِ الِاجْتِمَاعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ آدَابِ الْمُتَعَلِّمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَوْرَادِ طَالِبِ الْعِلْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي زِيَارَةِ الْأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَحَفُّظِ طَالِبِ الْعِلْمِ مِنْ الْعَمَلِ عَلَى الْمَنَاصِبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعَدَالَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ الْعَالِمِ وَالْمُتَعَلِّمِ فِي بَيْتِهِ مَعَ أَهْلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دُخُولِ الْمَرْأَةِ الْحَمَّامَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعْلِيمِ الزَّوْجَةِ أَحْكَامَ الْغُسْلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دُخُولِ الرَّجُلِ الْحَمَّامَ]

- ‌[آدَاب النوم]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ الْجِمَاعِ]

- ‌[فَصْلٌ إذَا رَأَى مِنْ زَوْجَته أَمَارَاتِ طَلَبِ الْجِمَاع]

- ‌[فَصْلٌ إتْيَانُ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا]

- ‌[فَصْلٌ الرَّجُلَ إذَا رَأَى امْرَأَةً أَعْجَبَتْهُ وَأَتَى أَهْلَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمَنْع مِنْ إفشاء سُرّ الِاجْتِمَاع بزوجته]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَاب الْقِيَام مِنْ النوم]

- ‌[فَصْلٌ فِي طَالِب الْعِلْم يتحفظ مِنْ أُمُور]

- ‌[فَصْلٌ فِي نِيَّةِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ وَآدَابِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْبِدَعِ الَّتِي أُحْدِثَتْ فِي الْمَسْجِدِ وَالْأَمْرِ بِتَغْيِيرِهَا]

- ‌[فَصْلٌ الْكُرْسِيُّ الْكَبِيرُ الَّذِي يَعْمَلُونَهُ فِي الْجَامِعِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّبْلِيغِ فِي الصَّلَاةِ وَالْجَمَاعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ اتِّخَاذُ الْمِنْبَرِ الْعَالِي]

- ‌[فَصْلٌ الْبِئْر الَّتِي فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ مَوْضِعُ الْفَسْقِيَّةِ وَالْحَظِيرِ الَّذِي عَلَيْهَا وَمَا عَلَيْهَا]

- ‌[فَصْلٌ مَوْضِعُ الدِّيوَانِ مِنْ الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ الزَّخْرَفَةِ فِي الْمِحْرَابِ]

- ‌[فَصْلٌ الْبِنَاء فَوْق سَطْح الْمَسْجِد]

- ‌[فَصْلٌ الْوُضُوءَ فِي سَطْحِ الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمَرَاوِح وَاِتِّخَاذَهَا فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُصَافَحَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَبَعْدَ صَلَاة الْعَصْر]

- ‌[فَصَلِّ كَرَاهَة الصَّلَاة عَلَى الْمَيِّت فِي الْمَسْجِد]

- ‌[فَصْلٌ رَفْعَ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[النَّهْي عَنْ قص الشعر فِي الْمَسْجِد]

- ‌[فَصْلٌ يَنْهَى الزَّبَّالِينَ أَنْ يَعْمَلُوا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ]

- ‌[النَّهْي عَنْ وُقُوفِ الدَّوَابِّ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ]

- ‌[النَّهْي عَنْ الْإِتْيَانِ لِلْجُمُعَةِ مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ وَلَا تَغْيِيرِ هَيْئَةٍ]

- ‌[فَضِيلَةِ الْمُؤَذِّنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوْضِعِ الْأَذَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَذَانِ جَمَاعَةً]

- ‌[فَصْلٌ فِي النَّهْيِ عَنْ الْأَذَانِ بِالْأَلْحَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي النَّهْيِ عَنْ الْأَذَانِ فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الطَّوَافِ بِالْمُؤَذِّنِ فِي أَرْكَانِ الْمَسْجِدِ إذَا مَاتَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَذَانِ الشَّابِّ عَلَى الْمَنَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي النَّهْيِ عَمَّا أَحْدَثُهُ الْمُؤَذِّنُونَ بِاللَّيْلِ مِنْ غَيْرِ السُّنَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّسْحِيرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْعَوَائِدِ فِي التَّسْحِيرِ]

- ‌[فَصْلٌ نهي الْمُؤَذِّنِينَ عَنْ التَّذْكَارِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ تَرْتِيب الْمُؤَذِّنِينَ فِي آذان الظُّهْر]

- ‌[فَصْلٌ فِي حِكْمَةِ تَرْتِيبِ الْأَذَانِ]

- ‌[فَصْلٌ وُقُوف الْمُؤَذِّنِينَ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَقَوْلِهِمْ الصَّلَاةَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي النَّهْيِ عَنْ النِّدَاءِ عَلَى الْغَائِبِ بِمَا لَا يَنْبَغِي]

- ‌[فَصْلٌ فِي النَّهْي عَنْ مَشْيِ الْمُؤَذِّنِينَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَهَيُّئِ الْإِمَامِ لِلْجُمُعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَجَنَّبَهَا فِي نَفْسِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوجِ الْإِمَامِ عَلَى النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ صَلَاة الْمُؤَذِّن عَلَى النَّبِيّ عِنْد خُرُوج الْإِمَام]

- ‌[فَصْلٌ فِي هيئة الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ صُعُودِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي فَرْشِ السَّجَّادَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إسْلَامِ الْكَافِرِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ]

- ‌[فَصْلٌ إذَا فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ وَدَعَا فِيهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّة دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْجَهْر بِالنِّيَّةَ]

- ‌[التَّنَفُّلُ فِي الْمَسَاجِدِ بِتَوَابِعِ الْفَرَائِضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوجِ الْإِمَامِ إلَى صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّكْبِيرِ عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّحَفُّظِ مِنْ النَّجَاسَةِ فِي الْمُصَلَّى]

- ‌[فَصْلٌ فِي سَلَامِ الْعِيدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوجِ النِّسَاءِ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْصِرَافِ النَّاسِ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّكْبِيرِ إثْرَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي أَيَّامِ الْعِيدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي صفة الْإِمَام فِي قِيَام رَمَضَان]

- ‌[فَصْلٌ فِي الذِّكْرِ بَعْدَ التَّسْلِيمَتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُفْعَلُ فِي لَيْلَةِ الْخَتْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صِفَةِ قِيَامِ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْخُطْبَةِ عَقِبَ الْخَتْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقِيَامِ عِنْدَ الْخَتْمِ بِسَجَدَاتِ الْقُرْآنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قِيَامِ السَّنَةِ كُلِّهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَفْعَلُونَهُ بَعْدَ الْخَتْمِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي]

- ‌[فَصْلٌ فِي وُقُودِ الْقَنَادِيلِ لَيْلَةَ الْخَتْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ آدَابِ الْمُؤَدِّبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أَسْبَابِ أَوْلِيَاءِ الصِّبْيَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صِفَةِ تَوْفِيَتِهِ بِمَا نَوَاهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ الْمُؤَدِّبُ الصَّبِيَّ مِنْ الْآدَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْصِرَافِ الصِّبْيَانِ مِنْ الْمَكْتَبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَزْوِيقِ الْأَلْوَاحِ]

الفصل: ‌[فصل في البدع التي أحدثت في المسجد والأمر بتغييرها]

حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا أَحَدٌ الْيَوْمَ لَوَجَدُوا عَلَيْهِ، وَقَالُوا: تَرَكَ السُّنَّةَ فَظَهَرَ ذَلِكَ مَا أَخْبَرَ بِهِ عليه الصلاة والسلام حَيْثُ قَالَ: «كَيْفَ بِك يَا حُذَيْفَةُ إذَا تَرَكْت بِدْعَةً قَالُوا: تَرَكَ سُنَّةً» فَيَتَحَفَّظُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ الْخَطِرِ جَهْدَهُ إذْ أَنَّهُ عَلَمٌ لِلْعَامَّةِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي الْغَالِبِ

[فَصْلٌ فِي الْبِدَعِ الَّتِي أُحْدِثَتْ فِي الْمَسْجِدِ وَالْأَمْرِ بِتَغْيِيرِهَا]

فَصْلٌ

فِي ذِكْرِ بَعْضِ الْبِدَعِ الَّتِي أُحْدِثَتْ فِي الْمَسْجِدِ وَالْأَمْرِ بِتَغْيِيرِهَا قَالَ الرَّسُولُ: عليه الصلاة والسلام «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَسْجِدَ وَمَا يُفْعَلُ فِيهِ مِنْ رَعِيَّةِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ وَالْقَيِّمِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّنْ لَهُ التَّصَرُّفُ. أَلَا تَرَى إلَى فِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام حِينَ رَأَى نُخَامَةً فِي الْقِبْلَةِ فَحَكَّهَا بِيَدِهِ وَرُئِيَ مِنْهُ كَرَاهِيَةٌ أَوْ رُئِيَ كَرَاهِيَتُهُ لِذَلِكَ وَشِدَّتُهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: «إنَّ أَحَدَكُمْ إذَا قَامَ يُصَلِّي فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ، أَوْ رَبُّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَلَا يَبْزُقَنَّ فِي قِبْلَتِهِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ، ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَزَقَ فِيهِ وَرَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، وَقَالَ أَوْ يَفْعَلُ هَكَذَا» فَنَظَرُهُ عليه الصلاة والسلام لِذَلِكَ مِنْ بَعْضِ فَوَائِدَ، إذْ أَنَّ الْمَسْجِدَ مِنْ جُمْلَةِ رَعِيَّتِهِ.

وَقَوْلُهُ: عليه الصلاة والسلام وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ إنَّمَا ذَلِكَ فِي مِثْلِ مَسْجِدِهِ عليه الصلاة والسلام الَّذِي هُوَ مَفْرُوشٌ بِالرَّمْلِ، أَمَّا غَيْرُهُ مِمَّا هُوَ مَفْرُوشٌ بِالْحُصُرِ أَوْ بِالرُّخَامِ أَوْ بِالْبَلَاطِ فَيُكْرَهُ ذَلِكَ فِيهِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الثَّالِثُ الَّذِي ذَكَرَ عليه الصلاة والسلام وَهُوَ: أَنْ يَبْزُقَ فِي طَرَفِ رِدَائِهِ وَيَحُكَّهَا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: يَبْصُقُ تَحْتَ طَرَفِ الْحَصِيرِ وَيَرُدُّ الْحَصِيرَ عَلَيْهَا وَذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ الدَّفْنِ لَهَا كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ.

فَالْجَوَابُ: أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ مِنْ كَثْرَةِ تَعْظِيمِهِمْ لِلْمَسَاجِدِ وَاحْتِرَامِهَا، وَأَنَّ مَسَاجِدَهُمْ كَانَتْ يُمْكِنُ الدَّفْنُ فِيهَا غَالِبًا وَقَلَّ مَنْ يَقَعُ مِنْهُ ذَلِكَ لِشِدَّةِ التَّعْظِيمِ، بِخِلَافِ مَا عَلَيْهِ الْحَالُ الْيَوْمَ فَتَعَاطِي الْقَلِيلَ

ص: 203

مِنْهُ يُؤَدِّي إلَى الْكَثِيرِ، وَذَلِكَ لَا يَنْبَغِي لِوُجُوهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ فِيهِ اسْتِقْذَارًا لِلْمَسْجِدِ.

الثَّانِي: أَنَّ الذُّبَابَ يَجْتَمِعُ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَيُشَوِّشُ عَلَى مَنْ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ أَحَدٌ فَيُمْنَعُ؛ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ.

الثَّالِثُ: أَنَّ الْخُشَاشَ يَكْثُرُ بِسَبَبِهَا؛ لِأَنَّهُ يَتَغَذَّى بِهَا.

الرَّابِعُ: أَنَّ هَذَا يُسَمَّى تَغْطِيَةً وَلَا يُسَمَّى دَفْنًا.

الْخَامِسُ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِ مَنْ مَضَى.

السَّادِسُ: أَنَّ فِيهِ نَوْعًا مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْحَصِيرَ إذَا فُعِلَ ذَلِكَ تَحْتَهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى آلَ إلَى تَقْطِيعِهِ.

السَّابِعُ: أَنَّ ذَلِكَ تَصَرُّفٌ فِي الْوَقْفِ فِي غَيْرِ مَا جُعِلَ لَهُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا جُعِلَتْ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهَا.

الثَّامِنُ: أَنَّ ذَلِكَ يُكْسِبُ الرَّائِحَةَ الْكَرِيهَةَ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ أُمِرْنَا بِتَطْيِيبِهِ وَهَذَا ضِدُّهُ.

التَّاسِعُ: أَنَّهُ يُخَافُ أَنْ يَخْرُجَ مَعَ الْبُصَاقِ شَيْءٌ مِنْ الدَّمِ وَهُوَ نَجِسٌ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ قَيْحٍ وَصَدِيدٍ مِمَّنْ بِهِ مَرَضٌ. وَهَذَا مِثْلُ مَا قَالُوهُ فِيمَنْ بَقِيَ بَيْنَ أَسْنَانِهِ شَيْءٌ مِنْ أَثَرِ مَا أَكَلَ إذْ أَنَّهُ إذَا عَالَجَهُ وَأَزَالَهُ فَلَا يَبْتَلِعُهُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ مُخَالَطَتُهُ لِشَيْءٍ مِنْ دَمِ اللِّثَاتِ، وَكَذَلِكَ السِّوَاكُ لَا يَسْتَاكُ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهُ مِنْ الْمَرَّةِ الْأُولَى لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: خِيفَةَ أَنْ يَكُونَ قَدْ خَالَطَهُ شَيْءٌ مِنْ النَّجَاسَةِ.

الثَّانِي: أَنَّهُ إذَا سَلِمَ مِنْ النَّجَاسَةِ فَفِعْلُهُ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ يَرُدُّ بُصَاقَهُ إلَى فِيهِ، وَذَلِكَ مُسْتَقْذَرٌ، وَإِنَّمَا أُمِرَ بِالسِّوَاكِ لِأَجْلِ النَّظَافَةِ، وَهَذَا ضِدُّهُ.

هَذَا إذَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ حَصِيرٌ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ رُخَامٌ أَوْ بَلَاطٌ أَوْ غَيْرُهُمَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ الدَّفْنُ فِيهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَيُمْنَعُ الْبُصَاقُ فِيهِ أَيْضًا لِقَوْلِهِ: عليه الصلاة والسلام «الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا» وَدَفْنُهَا لَا يُمْكِنُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ تَكُونَ خَطِيئَةً.

فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَسْجِدَ مِنْ رَعِيَّةِ الْإِمَامِ فَيَحْتَاجُ أَنْ يَتَفَقَّدَهُ، فَمَا كَانَ فِيهِ عَلَى مِنْهَاجِ السَّلَفِ الْمَاضِينَ أَبْقَاهُ وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ أَزَالَهُ بِرِفْقٍ وَتَلَطُّفٍ، إنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ فِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام فِي النُّخَامَةِ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ صِفَتِهِ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ حَائِلٌ يَحُولُ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ رُؤْيَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ.

أَلَا تَرَى إلَى فِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام -

ص: 204

حِينَ اعْتَكَفَ فِي الْمَسْجِدِ أَنَّهُ اتَّخَذَ حُجْرَةً مِنْ حَصِيرٍ، وَالْحَصِيرُ مِمَّا لَا يَتَأَبَّدُ. وَقَدْ نَقَلَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْأَحْكَامِ الصُّغْرَى لَهُ قَالَ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:«كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَصِيرٌ وَكَانَ يُحَجِّرُهُ مِنْ اللَّيْلِ فَيُصَلِّي فِيهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ وَيَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ» الْحَدِيثَ.

هَذَا وَهُوَ لِضَرُورَةِ الِاعْتِكَافِ فَمَا بَالُكَ بِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ. فَعَلَى هَذَا فَفِعْلُ الْمَقَاصِيرِ وَالدَّرَابْزِينِ مِنْ الْبِدَعِ الْمُحْدَثَةِ، وَقَدْ تَرَتَّبَ بِسَبَبِ ذَلِكَ جُمْلَةُ مَفَاسِدَ.

أَوَّلُهَا: أَنَّ الْمَوْضِعَ وُقِفَ لِلصَّلَاةِ وَمَا فُعِلَ فِيهِ لِغَيْرِهَا فَهُوَ غَصْبٌ لِمَوَاضِعِ صَلَاةِ الْمُسْلِمِينَ.

الثَّانِي: أَنَّ فِيهِ تَقْطِيعَ الصُّفُوفِ وَذَلِكَ خِلَافُ السُّنَّةِ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِقْبَالُ الْخَطِيبِ فِي حَالِ خُطْبَتِهِ وَلَا رُؤْيَتُهُ بِسَبَبِهَا، إذْ أَنَّهَا تَحُولُ بَيْنَ الْمَأْمُومِ وَالْإِمَامِ. وَقَدْ وَرَدَ «إذَا قَامَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ فَاسْتَقْبِلُوهُ بِوُجُوهِكُمْ وَارْمُقُوهُ بِأَعْيُنِكُمْ» مَعَ وُجُودِ هَذِهِ الْمَقَاصِيرِ وَالدَّرَابْزِينِ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ، فَكَانَتْ سَبَبًا لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ.

الرَّابِعُ: أَنَّ فِعْلَهَا فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَى إلَى أَمْرٍ مُسْتَهْجَنٍ وَهُوَ أَنَّ مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ يَجِدُ السَّبِيلَ إلَى الْوُصُولِ إلَى أَغْرَاضِهِ الْخَسِيسَةِ بِارْتِكَابِ مُحَرَّمٍ أَوْ مَكْرُوهٍ لِكَوْنِهِ يَتَوَارَى فِيهَا عَنْ أَعْيُنِ النَّاظِرِينَ.

الْخَامِسُ: أَنَّهُ قَدْ يَنَامُ فِيهَا بَعْضُ الْغُرَبَاءِ لِلضَّرُورَةِ، فَيَجِدُ اللِّصُّ السَّبِيلَ إلَى أَخْذِ مَتَاعِهِ إذْ أَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ مَنْ يَنْظُرُ إلَيْهِ بِسَبَبِهَا، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ كَثِيرًا.

السَّادِسُ: أَنَّهُ قَدْ يَجِدُ بَعْضُ النَّاسِ السَّبِيلَ إلَى أَنْ يَبُولَ فِي الْمَسْجِدِ بِسَبَبِهَا، إذْ أَنَّهُ يَسْتَتِرُ بِهَا فَلَا يُرَدُّ إذْ ذَاكَ سِيَّمَا الصِّبْيَانُ الصِّغَارَ الَّذِينَ لَا يَنْضَبِطُ حَالُهُمْ فِي الْغَالِبِ.

السَّابِعُ: مَا فِي ذَلِكَ مِنْ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ.

الثَّامِنُ: أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ زَخْرَفَةِ الْمَسَاجِدِ وَذَلِكَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ.

التَّاسِعُ: قَدْ يَجِيءُ أَعْمَى لَا يَهْتَدِي بِتِلْكَ الْأَبْوَابِ الضَّيِّقَةِ الَّتِي فِي الدَّرَابْزِينِ فَكَانَتْ سَبَبًا لِإِدْخَالِ الضَّرَرِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ.

وَكَانَ سَبَبُ اتِّخَاذِهَا أَنَّ الْخِلَافَةَ لَمَّا رَجَعَتْ مُلْكًا وَتَخَوَّفَ الْمُلُوكُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْ الْقَتْلِ عَمِلُوا هَذِهِ الْمَقَاصِيرَ لِيَتَحَصَّنُوا بِهَا مِمَّنْ يَثِبُ إلَى

ص: 205