الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شَتَّى فَيَخْرُجُونَ مِنْهُ إلَى الْبَرَاحِ لِكَوْنِهِ أَوْسَعَ وَهُوَ السُّنَّةُ فَبَنَوْا فِي ذَلِكَ الْبَرَاحِ مَوْضِعًا يَكُونُ فِي الْغَالِبِ عَلَى قَدْرِ صَحْنِ الْجَامِعِ أَوْ أَصْغَرَ وَجَعَلُوا لَهُ بَابَيْنِ لَيْسَ إلَّا بَابًا لِلْجِهَةِ الْقِبْلِيَّةِ وَالْآخَرَ فِي مُقَابَلَتِهِ فَيَجْتَمِعُ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ فِي أَحَدِ الْبَابَيْنِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ، وَتَقِفُ الْخَيْلُ وَالدَّوَابُّ عَلَيْهِمَا فَإِذَا انْصَرَفُوا خَرَجُوا مِنْهُمَا كَذَلِكَ مُزْدَحِمِينَ. وَالْغَالِبُ أَنَّ النِّسَاءَ إذَا خَرَجْنَ لِغَيْرِ الْعِيدِ يَلْبَسْنَ الْحَسَنَ مِنْ الثِّيَابِ وَيَسْتَعْمِلْنَ الطِّيبَ وَيَتَحَلَّيْنَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ زِينَتِهِنَّ فَكَيْفَ بِهِنَّ فِي الْعِيدَيْنِ، وَالرِّجَالُ أَيْضًا يَتَجَمَّلُونَ بِمَا لَا يَجُوزُ لَهُمْ فَتَقَعُ الْفِتَنُ وَتَتَلَوَّثُ الْقُلُوبُ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا لِقُرْبَةٍ فَآلَ الْأَمْرُ إلَى ضِدِّهَا، وَفِي هَذَا الْبِنَاءِ أُمُورٌ أُخَرُ مِنْهَا أَنَّ الْبَابَيْنِ الْمَفْتُوحَيْنِ لَا بَابَ عَلَيْهِمَا فَيَبْقَى ذَلِكَ الْمَكَانُ مَأْوًى لِمَا لَا يَنْبَغِي مِنْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَاللُّصُوصِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ يَفْعَلُ الْقَبَائِحَ الْمُتَوَقَّعَةَ فِيهَا. وَقَدْ قِيلَ مِنْ الْعِصْمَةِ أَنْ لَا تَجِدَ فَإِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ يَهُمُّ بِالْمَعْصِيَةِ وَلَا يَجِدُ مَنْ يُوقِعُهَا مَعَهُ وَلَا يَجِدُ مَوْضِعًا فَهَذَا نَوْعٌ مِنْ الْعِصْمَةِ، فَإِذَا وَجَدَ الْمَوْضِعَ مُتَيَسِّرًا كَانَ ذَلِكَ تَيْسِيرًا لِلْمَعْصِيَةِ لِمَنْ أَرَادَهَا، وَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ عِبَادَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنَزَّهَ عَنْ هَذَا فَيُتْرَكُ مَكْشُوفًا لَا بِنَاءَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَةَ مَا فِيهِ مِنْ الْبُنْيَانِ فَيَتْرُكُ الصَّلَاةَ فِيمَا حَوَاهُ الْبُنْيَانُ وَيُصَلِّي خَارِجًا عَنْهُ فِي الْبَرَاحِ فَهُوَ الْأَوْلَى، وَالْأَفْضَلُ فِي حَقِّهِ بَلْ الْمُتَعَيِّنُ الْيَوْمَ لَكِنَّ السُّنَّةَ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ بَعْدَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ خُطْبَتِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْمَعُهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْإِنْصَاتِ لِخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ مَكَائِدِ إبْلِيسَ يَأْتِي إلَى مَوَاضِعِ الْقُرَبِ فَيَدُسُّ فِيهَا دَسَائِسَ حَتَّى تَرْجِعَ إلَى الضِّدِّ مِنْ ذَلِكَ نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ بِمَنِّهِ.
[فَصْلٌ فِي التَّكْبِيرِ عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى]
وَالسُّنَّةُ الْمَاضِيَةُ أَنْ يُكَبِّرَ عِنْدَ خُرُوجِهِ إلَى الْمُصَلَّى إنْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ قُرْبَ طُلُوعِهَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ وَأَتَى إلَى الْمُصَلَّى لِأَجْلِ بُعْدِ
مَنْزِلِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ تَكْبِيرٌ حَتَّى يَدْخُلَ الْوَقْتُ الْمَذْكُورُ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقِيلَ يُشْرَعُ لَهُ التَّكْبِيرُ مِنْ بَعْدِ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَبَعْدِ صَلَاةِ الصُّبْحِ إذَا خَرَجَ فِي وَقْتِهِ ذَلِكَ. وَالسُّنَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ أَنْ يَجْهَرَ بِالتَّكْبِيرِ فَيُسْمِعَ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيهِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَعْقِرَ حَلْقَهُ مِنْ الْبِدَعِ إذْ إنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَّا مَا ذُكِرَ، وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِذَلِكَ يَخْرُجُ عَنْ حَدِّ السَّمْتِ وَالْوَقَارِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ أَعْنِي فِي التَّكْبِيرِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ إمَامًا أَوْ مُؤَذِّنًا أَوْ غَيْرَهُمَا فَإِنَّ التَّكْبِيرَ مَشْرُوعٌ فِي حَقِّهِمْ أَجْمَعِينَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَصْفُهُ إلَّا النِّسَاءَ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تُسْمِعُ نَفْسَهَا لَيْسَ إلَّا بِخِلَافِ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ الْيَوْمَ، فَكَأَنَّ التَّكْبِيرَ إنَّمَا شُرِعَ فِي حَقِّ الْمُؤَذِّنِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ فَتَجِدُ الْمُؤَذِّنِينَ يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ يَسْتَمِعُونَ لَهُمْ وَلَا يُكَبِّرُونَ وَيَنْظُرُونَ إلَيْهِمْ كَأَنَّ التَّكْبِيرَ مَا شُرِعَ إلَّا لَهُمْ، وَهَذِهِ بِدْعَةٌ مُحْدَثَةٌ ثُمَّ إنَّهُمْ يَمْشُونَ عَلَى صَوْتِ وَاحِدٍ وَذَلِكَ بِدْعَةٌ لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ إنَّمَا هُوَ أَنْ يُكَبِّرَ كُلُّ إنْسَانٍ لِنَفْسِهِ وَلَا يَمْشِي عَلَى صَوْتِ غَيْرِهِ. وَمِمَّا أَحْدَثُوهُ مِنْ الْبِدَعِ أَيْضًا وَقُودُهُمْ الْقَنَادِيلَ فِي طَرِيقِ الْإِمَامِ عِنْدَ خُرُوجِهِ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ الْعِيدِ، وَمِمَّا أَحْدَثُوهُ أَيْضًا أَنَّهُمْ يَأْتُونَ إلَى بَابِ دَارِ الْإِمَامِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ الْعِيدِ، فَإِذَا اجْتَمَعُوا وَخَرَجَ عَلَيْهِمْ الْإِمَامُ شَرَعُوا فِي التَّكْبِيرِ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ بِهِ الْخَارِجِ عَنْ الْحَدِّ الْمَشْرُوعِ فَيَمْشُونَ مَعَهُ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى يَصِلُوا إلَى قُرْبِ الْمِحْرَابِ فَيَتَشَوَّشُ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا تَقَدَّمَ وَحِينَئِذٍ يَقْطَعُونَ التَّكْبِيرَ وَيَأْخُذُونَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ خَرَجُوا مَعَ إمَامِهِمْ بِالتَّكْبِيرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَالنَّاسُ سُكُوتٌ لَا يُكَبِّرُونَ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ التَّكْبِيرُ سُنَّةً فَفِعْلُهُمْ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ عَلَى مَا يُعْلَمُ مِنْ زَعَقَاتِ الْمُؤَذِّنِينَ مِنْ الْبِدَعِ. وَكَذَلِكَ تَكْبِيرُهُمْ عَلَى صَوْتٍ وَاحِدٍ. وَكَذَلِكَ سُكُوتُ النَّاسِ لِأَجْلِ اسْتِمَاعِهِمْ وَتَرْكِهِمْ التَّكْبِيرَ لِأَنْفُسِهِمْ فَهَذِهِ ثَلَاثُ بِدَعٍ مُعَارِضَةٌ لِسُنَّةِ التَّكْبِيرِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ أَنَّهُ يُكَبِّرُ كُلُّ مَنْ خَرَجَ إلَى صَلَاةِ
الْعِيدِ مِنْ الرِّجَالِ إمَامًا كَانَ أَوْ مُؤَذِّنًا أَوْ غَيْرَهُمَا يُسْمِعُ بِذَلِكَ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيهِ وَفَوْقَ ذَلِكَ قَلِيلًا وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ حَتَّى يَعْقِرَ حَلْقَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مُحْدَثٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَحْسَنَ اللِّبَاسِ وَأَفْضَلَهُ الْبَيَاضُ فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ الْقَوْمِ حَتَّى فِي مَلْبَسِهِ وَزِيِّهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي اللِّبَاسِ فِي الْجُمُعَةِ بِشَرْطِهِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْدُمَ الصَّلَاةَ فَيُوقِعُهَا فِي الْوَقْتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ إيقَاعِ الصَّلَاةِ فِيهِ وَبَعْضُ الْأَئِمَّةِ يَفْعَلُونَ هَذَا وَذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى تَرْتَفِعَ وَعِنْدَ الْغُرُوبِ حَتَّى تَغِيبَ، فَيُوقِعُ بَعْضُهُمْ الصَّلَاةَ عِنْدَ بُزُوغِ الشَّمْسِ وَهُوَ مَوْضِعُ النَّهْيِ فَيَخْرُجُ إلَى فِعْلِ بِرٍّ فَيَقَعُ فِي ضِدِّهِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ. وَبَعْضُ النَّاسِ يَفْعَلُونَ ضِدَّ هَذَا فَيُؤَخِّرُونَ صَلَاةَ الْعِيدِ حَتَّى تَسْخَنُ الشَّمْسُ وَهُوَ خِلَافُ السُّنَّةِ أَيْضًا لِأَنَّ السُّنَّةَ وَرَدَتْ فِي الْخَارِجِ إلَى الْمُصَلَّى أَنْ يُعَجِّلَ الْأَوْبَةَ إلَى أَهْلِهِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فِي عِيدِ الْأَضْحَى فَيُضَحِّي لَهُمْ إنْ كَانَ مُمْنٍ يُضَحِّي حَتَّى يُفْطِرُوا عَلَى أُضْحِيَّتِهِمْ، وَإِنْ كَانَ فِي عِيدِ الْفِطْرِ فَيَأْكُلُونَ مَعَهُ وَإِنْ كَانُوا قَدْ أَفْطَرُوا قَبْلَ خُرُوجِهِمْ إلَى الْمُصَلَّى عَلَى تَمَرَاتٍ أَوْ الْمَاءِ كَمَا وَرَدَتْ السُّنَّةُ، وَالْغَالِبُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ الْعِيَالُ وَالْأَوْلَادُ فَيَبْقَوْنَ مُتَشَوِّفِينَ مُنْتَظِرِينَ لَهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالْأَفْضَلُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَهُوَ الْوَسَطُ فَالْمُخْتَارُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ نَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام عَنْ ذَلِكَ وَلَا يُؤَخِّرَهَا حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ.
فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ إلَى الصَّحْرَاءِ وَخَطَبَ فَلْيَكُنْ بِالْأَرْضِ لَا عَلَى الْمِنْبَرِ فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ. قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ رحمه الله فِي كِتَابِ الْقُوتِ لَهُ رَوَيْنَا أَنَّ مَرْوَانَ لَمَّا أَحْدَثَ الْمِنْبَرَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ عِنْدَ الْمُصَلَّى قَامَ إلَيْهِ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ فَقَالَ يَا مَرْوَانُ: مَا هَذِهِ الْبِدْعَةُ؟ فَقَالَ: إنَّهَا لَيْسَتْ بِبِدْعَةٍ هِيَ خَيْرٌ مِمَّا تَعْلَمُ إنَّ النَّاسَ قَدْ كَثُرُوا فَأَرَدْتُ أَنْ يَبْلُغَهُمْ الصَّوْتُ. فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَاَللَّهِ لَا تَأْتُونَ بِخَيْرٍ مِمَّا أَعْلَمُ أَبَدًا وَاَللَّهِ لَا صَلَّيْتُ وَرَاءَكَ الْيَوْمَ فَانْصَرَفَ وَلَمْ يُصَلِّ مَعَهُ صَلَاةَ الْعِيدِ انْتَهَى. فَإِنْ