الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم كنّ للناس أحسن ما كن وأشبه ما يتزين به، فما أنكر ذلك منكر ولا عابه عائب.
الجواري عيون الخلفاء
وهنالك ناحية من نواحي العمل انبثن فيها واستشففن أسرار الملك من خلالها وذلك باتخاذهن عيونا على الوزراء والقواد ووجوه رجال الدولة، فكان الخليفة يهب الرجل جارية من جواريه فترصد منه كل إشارة وتتسمع منه أو من جلسائه كل كلمة فإذا أصبح الصباح كان ذلك كله عند الخليفة. ومن أبناء ذلك ما حدث الطبري عن يعقوب بن داود وزير المهدي قال: بعث إلى المهدي يوما فدخلت عليه فإذا هو في مجلس مفروش بفرش مورد متناه في السرو على بستان فيه شجر ورءوس الشجر على صحن المجلس، وقد اكتسى ذلك الشجر بالأوراد والأزهار، من الخوخ والتفاح، فكل ذلك مورد يشبه فرش المجلس الذي كان فيه، فما رأيت شيئاً أحسن منه، وإذا عنده جارية ما رأيت أحسن منها ولا أشط قواما ولا أحسن اعتدالا، عليها نحو ما في المجلس من الثياب، فما رأيت أحسن من
جملة ذلك، فقال لي يا يعقوب! كيف ترى مجلسنا هذا؟ قلت على غاية الحسن فمتع الله أمير المؤمنين به وهنأه إياه، قال هو لك، احمله بما فيه وهذه الجارية ليتم سرورك به، قال فدعوت له بما يجب، ثم قال يا يعقوب! ولي إليك حاجة، قال فوثبت قائماً ثم قلت يا أمير المؤمنين ما هذا إلا من موجود، وأنا أستعيذ بالله من سخط أمير المؤمنين، قال لا، ولكن أحب أن تضمن لي هذه الحاجة وأن تقضيها لي، فقلت لأمير المؤمنين وعلى السمع والطاعة، قال والله! قلت والله ثلاثا، قال وحياة رأسي، قلت وحياة رأسك، قال فضع يدك عليه واحلف به، فوضعت يدي عليه وحلفت به لأعلمن بما قال، ولأقضين حاجته، قال فلما استوثق مني في نفسه. قال هذا فلان بن فلان من ولد علي
بن أبي طالب أحب أن تكفيني وتريحني منه وتعجل ذلك، قلت أفعل، قال فخذه إليك، فحولته إلى وحولت الجارية وجميع ما كان في البيت من فرش وغير ذلك وأمر لي معه بمائة ألف درهم، قال فحملت ذلك جملة ومضيت به، فلشدة سروري بالجارية صيرتها في مجلس بيني وبينها ستر وبعثت إلى العلوي فأدخلته على نفسي وسألته عن حاله فأخبرني بها وتجمل فيها وإذا هو ألب الناس وأحسنهم إبانة، وقال لي بعض ما يقوله، ويحك يا يعقوب! تلقي الله بدمي وأنا رجل من ولد فاطمة بنت محمد؟ قال قلت لا والله، فهل فيك خير؟ قال: إن فعلت خيراً شكرت لك؛ عندي دعاء واستغفار، فقلت له أي الطريق أحب إليك؟ قال طريق كذا وكذا، قلت فمن هناك من تأنس به وتثق بموضعه؟ قال فلان وفلان، قلت فابعث إليهما وخذ هذا المال وامض إليهما مصاحباً في ستر الله؛ وموعدك وموعدهما للخروج من داري إلى موضع كذا وكذا؛ الذي اتفقوا عليه في وقت كذا وكذا من الليلة؛ وإذا الجارية قد حفظت علىَّ قولي، فبعثت به مع خادم لها إلى المهدي، قال: وبعث المهدي من وقته ذلك فشحن تلك الطريق والمواضع التي وصفها العلوي برجاله، فلم يلبث أن
جاءوا بالعلوي نفسه وصاحبه والمال على السجية التي حكتها الجارية. قال وأصبحت من غد ذلك اليوم فإذا رسول المهدي يستحضرني، وكنت خالي الذراع غير ملق إلى أمر العلوي إلا حين أدخل على المهدي وأجده على كرسي بيده مخصرة فقال يا يعقوب ما حال الرجل؟ قلبت يا أمير المؤمنين قد أراحك الله منه؛ قال مات؟ قلت نعم! قال والله قلت والله؛ قال فضع يدك على رأسي، قال فوضعت يدي على رأسه وحلفت له به فقال يا غلام، اخرج إلينا ما في هذا البيت. قال ففتح بابا عن العلوي وصاحبه والمال بعينه، قال فبقيت متحيراً وسقط في يدي وامتنع على الكلام فما أدري ما أقول، قال: فقال المهدي لقد حل لي دمك لو آثرت إراقته. ولكن احبسوه