الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والذين يقسمون هذه اليمين هم ذوو الرأي والجاه من الساسة الكفاة والقادة الحماة والأئمة الهداة، وقد يكون الرجل منصرفاً بقلبه عنهم ميالا بوده إلى سواهم، فما عسى أن تكون امرأته؟ أيفرق بينهما طواعية لإرادة الحكم القاهر وخضوعاً للبيعة المقهورة؟ وكيف تخضع تلك الشركة التي أحكم الله عقدتها وأوثق آصرتها لريح السياسة ونوازع الأهواء؟ وهل يقضي على امرأة آمنة في سربها
في بيتها أمينة لزوجها ساهرة على أبنائها أن تقضي عن كل ذلك في غير ذنب ولا جريرة؟! ذلك ما كان يراه خلفاء العراق وفقهاء العراق؛ ولكن صوتاً دَوّى من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتظم دويه الشرق والغرب بأن طلاق المكرَه باطل ويمينه لاغية ومصدر ذلك الصوت إمام المسلمين وحجة الإسلام مالك بن أنس، صدع به بين سطوة السيف وصولة السيف، ولم يخش في الحق إلاًّ ولا ذمة ولم يرع في الله لومة لائم ودعم هذا الرأي الصارخ بآراء أئمة المسلمين علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وابن الزير ومن إليهم من أشياخ الصحابة وأعلام الإسلام، ولقد راع الخليفة الجبار أبا جعفر المنصور موقف الإمام الأعظم مالك بن أنس فأمر بأن يضرب بالسياط عاري الجسد فشدّ يده وضرب على جسده وعليها بالسياط حتى خلعت كتفه فما نبا له عزم ولا وهن له رأي ولا حلت له عقدة ولا زاغت منه عقيدة، بل خرج من المِحنة أثبت جناناً وأمضى لسانا وأشدّ إيمانا وأقوى برهانا.
التجني على المرأة العربية
قيل إن عبد الملك بن مروان خطب إلى عقيل بن علفة المرّي إحدى بناته لأحد بنيه فقال عقيل، أقَبلُ يا أمير المؤمنين على أن تجنبني هُجَناء ولدك. فذلك
أعرابي لا شأن له أكثر مما لغيره من سراة أهل البادية وهو مع ذلك لا يعد الهجناء من أبناء الخليفة أكفاء لبناته، لأن المرأة كانت في العهد الأموي كما كانت في العهد الجاهلي في أدق مشاعر العزة والكرامة من نفس الرجل، أما الآن في هذا العهد العباسي فقد أخذ الرجل العربي يتجنى على المرأة العربية لأنه رأى من غيرها ما بهر لبه وسحر عينيه، ولأن حميته وعصبيته تردتا تحت أثقال شهوته، ومن ثم أخذ يعرض بها ويوازن بينها وبين غيرها، وذاع في هذا العهد قولهم: من أراد قلة
المئونة وخفة النفقة وارتفاع الحشمة فعليه بالإمام دون الحرائر، واشتهر قول من يقول: عجبت لمن استمتع بالسراري كيف يتزوج المهائر. وأول من جهر بهذا الصوت في المفاضلة الشاعر المبيح بشاربن برد، ومن قوله في وصف قينة:
وأصفر مثل الزعفران شربته
…
على صوت صفراء الترائب رودِ
كأن أميراً جالساً في ثيابِها
…
تؤمل رؤياه عيون وفود
من البيض لم تسرح على أهل ثَلّة
…
سواما ولم ترفع حِدَاج قَعود
تميت به ألبابنا وقلوبنا
…
مراراً وتحييهن بعد هجود
إذا نطقت صحنا وصاح الصدى
…
صياح جنود وجَّهت لجنود
ظللنا بذاك الديدن اليوم كله
…
كأنا من الفردوس تحت خلود
ولا بأس إلا أننا عند أهلنا
…
شهود وما ألبابنا بشهود
ومن قوله:
وصفراء مثل الخيزرانة لم تعش
…
ببؤس ولم تركب مطية راع
إذا قلدت أطرافها العود زلزلت
…
قلوبا دعاها للوساوس داع
وعلى أثر هذا الشاعر درج الشعراء على الغض من شأن المرأة العربية والزراية