الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحياة الفكرية للمرأة في العراق
تنقلت المرأة العربية العراقية في دورين متباينين:
أما الأول فمداه مائتا عام، وربما أربى على ذلك قليلا. وفي ذلك العهد لم تقصر عن اللحاق بالرجل في بعض نواحي العلم والفن وأن لم يؤثر لها فيهما شيء كثير، فقد أسلفت لك شيئاً مما ذاع من دور الخلافة من شعر النساء وغناء النساء، وما أثر عن نساء العلويين من دراسة علوم الدين، وكذلك ظهر من النساء من تعلمن الطب ودرسن الفلسفة، ومن هؤلاء من جذبن الملحدين أسباب الزيغ والإلحاد وجهرن بذلك كله، وقد تحدث الطبري عن نساء أقررن بالزندقة بين يدي المهدي حين سلط سيفه عن الزنادقة. ومما أقر بها هنالك فاطمة بنت يعقوب ابن الفضل وخديجة امرأته وهما من بيت المهدي ولحمته. وظهر كذلك من درسن كتبها وأقررن بها بين يدي المأمون، ولعل هذا الدور الأول من العهد العباسي أول عهد للناس ظهرت فيه المرأة قاضية تحكم بين الناس باسم الخليفة أمير المؤمنين، وكان ذلك في عهد الخليفة المقتدر وكان مرجع الأمر حينذاك إلى امرأتين: السيدة والدة المقتدر وأم موسى القهرمانه، وكان لهما الرأي الأعلى في ما دق وجل من أر الخلافة وشئون الحكم، فقد عرض للسيدة أم المقتدر أن تروض النساء على القضاء فاختارت قهرمانة لها تدعى مثل وأمرتها أن تجلس بالرصافة للمظالم وتنظر في كتب الناس يوماً في كل أسبوع قال الصابي: فلما رأى الناس ذلك أنكروه واستبشعوه وكثر عيبهم له والطعن فيه، وجلست أول يوم فلم يكن لها فيه طائل ثم جلست في اليوم الثاني وأحضرت القاضي أبو الحسن فحسن أمرها وأصلح عليها
وخرجت التوقيعات على سداد فانتفع بذلك المظلومون وسكن النساء إلى ما كانوا قد نفروا منه من صدارتها للقضاء ونظرها في المظالم.
لم يكن إذاً ذلك العهد من حياة المرأة عهد جهالة فاشية ولا تفكير مضطرب ولكنه كان عهد اضطراب في الخلق والتياث في السير وانحراف عن قصد السبيل
وخروج عن سنة المرأة وواجبها الذي ناطه الله بها ووكلها به ومن خلق الرجل أن يندفع في لهوه ما شاء أن يندفع، فإذا تأثرت المرأة به - وحق لها أن تتأثر - لها عنها حتى يفيق، فإن أفاق وكان هناك سبيل غلى ردها عن غايتها دفعها بكلتا يديه وحملها وحدها عاقبة ما آل إليه أمره وأمرها من شر ووبال، ثم لا يزال يسلب منها كل يوم حقا ويحملها كل آن مغرماً حتى تصبح هملا من الإهمال، أما إذا طال الأمد على اندفاعها وطال إغضاء الرجل عنها حتى يسترخي عنانها وتستحيل طبيعتها ويصلب على تلك الحال فإن من أعسر الأمور أن يغلبها الرجل على أمرها ويردها عن غايتها. ومهما بدا من الرجل والمرأة من ضروب الرفق والود والمحانة والملاينة فإن بينهما صراعاً قد لا يحاسنه ولا يأبهان به. وغايته انتزاع كليهما ما شاء من حق صاحبه، ولقد ينزل أحدهما لصاحبه عن بعض حقه أو كله تجملا وتفضلا. فإذا أراد أن يسترده يوماً لا يجد السبيل إليه، ثم ينتهي هذا التجمل والتفضل إلى استرخاء واستخذاء وتسليم واستسلام، وقل من الفريقين من يرضى ببعض الغلبة على غريمة، بل لا يزال يقلم منه كل يوم ظفراً ويطوقه طوقاً حتى يجعل حياته لغواً ووجوده عدماً ويعد ذلك بعض حقه الذي لا يدفع عنه أو ينازع فيه.
ونعود إلى المرأة العراقية في الدولة العباسية فنقول: إنها تنكبت الطريق وجاوزت النهج ولكن الرجل لم يمهلها حتى يكون خروجها طبعاً مألوفاً ودستوراً نافذاً وشريعة موضوعة بل عاجلها دون الغاية وردها قبل القرار، ولا يكفي قرن