الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عرش المستعين بهم وولوا من بينهم أحد أشرفهم وبايعوه على الثبات معه حتى الموت وأحاطوا باليهود فأفنوهم واقتسموا أموالهم واستعان عبد الحق بجنده فتنكروا له وخالفوا عليه، وقتل اليهودي الضارب طعناً بالرمح بين يديه، وسيق هو إلى فاس وطيف به مشهراً
في أحيائها وأزقتها وتكاثرت عليه الجموع تريد أن تفترسه، ثم قدم إلى مصرعه فقتل وانتهى بموته عهد وانقرض بنهايته ملك وسلطان.
الأسرة المتنبئة
لم يكن أهل المغرب الأقصى سراعاً إلى الإسلام حين دعوا إليه فلم يسلموا إلا بعد لأي خيفة من السيف، ثم ارتد جمهورهم عن الدين الحنيف، ثم أثابوا أخيراً إليه، وفي عهد تلك الفتنة المضطربة نهض رجل في أحد أعمال فاس طريفاً أبا صبيح فادعى النبوة، واقتبس دينه من مآرب الناس وشهواتهم فاتبعه جمهور من الغوغاء، وكان ذلك في عهد هشام بن عبد الملك بن مروان، ثم أعقبه ابنه فزاد على ما قال أبوه سخفاً من القول دعاه قرآنا وجعل من سوره: سورة الديك وسورة الحُمُر وأمثال تلك الأضاحيات. وعلى ذلك السَّنن تتابع سلالة ذلك الرجل، فليس منهم إلا من زعم أنه نبي يوحى إليه حتى انتهى أمرهم إلى أبي غفير محمد بن معاذ بن اليسع بن طريف فازداد خطره واستفحل أمره، وأباح للرجل أن يتزوج بمن وصلت إليه يده من النساء بالغاً ما بلغ، وأخذ يبث شياطينه في البلاد، يقتلون رجالها ويسبون نساءها، وشأنه في ذلك شأن القرامطة، وهؤلاء وأولئك كانوا يتبعون سيرة آل فرعون في بني إسرائيل من قتل الرجال واستحياء النساء. وفي انسياق الغوغاء في مساق أبي غفير يقول بعض شعراء فاس:
قفي قبل التفرق واخُبرينا
…
وقولي واخبري خبراً يقينا
وهذي أمة هلكوا وضلوا
…
وغادروا لا سقُوا مما سقينا
يقولون النبي أبو غفير
…
فأخزى الله أم الكاذبينا
ألم تسمع ولم تر لؤم بيت
…
على آثار خيلهم ربينا
ستعلم أهل تامسنا إذا ما
…
أتول يوم القيامة مُقطَعينا
هنالك يونس وبني أبيه
…
يقودون البرابر حائرينا
واتخذ أبو غفير من الزوجات أربعاً وأربعين، واشتدت نكايته بالبربر حتى غلب على قطر كبير من البلاد وتملكه وأقام في هذا الملك تسعة وعشرين عاما. ومن بعده جاء ابنه أبو الأنصار فتأثر سنة أبيه وازداد من إراقة الدماء، واستباحة النساء، وعظمت هيبته واشتد سلطانه، ودانت له قبائل المغرب. وكذلك كان ابنه من بعده أبو منصور عيسى فملك البلاد وجاءه ملوكها يسجدون عنوة له.
وقد وقف مسلمو المغرب حيال تلك الطائفة المبيحة موقف مسلمي المشرق من القرامطة، فحاربهم الأدارسة والأموية والشيعة واجتاز جند المنصور بن أبي عامر البحر إلى بلاد المغرب فلم يغنوا شيئاً، ثم نهض لقتالهم بالكين بن زيرى في قبائل صنهاجة فقهر أبا منصور وقتله وأفنى جيشه، وأجاز المنصور بن أبي عامر للمرة الثانية جنده فأثخنوا فيهم قتلا وسبياً. ولم ينته أمر هؤلاء المفسدين إلا في أخريات المائة الخامسة، وبذلك يكون مدى أمرهم قرابة أربعة قرون. وهذا فيما نعلم أطول مدى أقامته أسرة متغلبة مبيحة.