الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الندامة مسرعاً، وأما بقيت لك حجة تحتج بها، فليكن ما أخبرتك به نصيب عينيك، ولا تراودني في المسألة فلا أجيبك، والسلام.
فلما بلغته مقالتها زاد وجده حتى خولط عقله ومات بعلته.
وبعد: فهذه صورة ما كان عليه نسوة هذا العصر من غلو في كل شيء، ولست أعني بذلك أن نساء العراق لم يبقى منهن إلا الجامحة في أحد هذين الطريقين فما زال فيهن المستورات اللواتي سرن في الطريق السوي الذي لا اعتساف فيه ولا انحراف، ولكن هؤلاء لم يكن في أسلوب حياتهم شيء يستحق التنويه به ولا مزية تستوجب الإشادة بها وهن مع ذلك قُل في النساء.
المرحلة الثانية
الكساد
الزواج قيد من قيود الاجتماع أو ثقة الله بين الرجال والنساء لتنكسر به حدة الشهوة الطائشة، وترعوي به سورة النفوس المندفعة، فإذا تم لها ذلك، سمعت الروح وصفت السريرة، وغلبت الفضيلة، وسار الناس إلى الكمال في نهج وأضح وأمد قريب. لذلك لا تجد الأمة الغوية تنزع إلى الزواج، لأنها تريد إثارة الشهوات لا إمانتها، وإيقاظ الفتن لا إخمادها، وترضية النفوس لا ترويضها، فإذا نزع إليه منها نازع فبقدر ما يقضي نهمة جامحة، أو يسدّ مؤتشبا مطمعاً مؤتشباً، ثم يتركها كما يترك اللقَي المهمل، أو يطويها كما يطوي الثوب اللبيس. وذلك ما كان على أتم وجوهه في حواضر العراق، فقد كسد النساء حتى أصبحت المرأة تطلب بالدينار والدينارين فتساق، وهي تعلم أنها ستسلم حين اللقاء تسليم الوداع. ومما ينبئك عن هذا البوار ما حدث صاحب النجوم الزاهرة، أن عالماً من علماء بغداد زوج من تسعمائة امرأة!
فهل إذا قيل لك فلانا العالم ذبح في حياته تسعمائة شاة أفلا يكون ذلك إسرافاً مبيناً ذلك عالم ليس له إلا ما قيم أوده مما يوصف لأمثاله من بيت مال المسلمين فكم من النساء يمسك الغنى إذا نزل السوق الراكد ومعه ماله وجاهه.
وفي هذا السوق قضى على المطلقات قضاء لا مرد له، فلا يطلب المطلقة طالب ولا تلمحها نفس راغب، وقد كان من سنة العرب حتى آخر العهد الأموي، أن المرأة يخلفها بعد زوجها زوج ومن بعده أزواج، فلا يتضع لها قدر، ولا تطمئن لها عزة، وربما كان آخر أزواجها أسنى شرفاً وأدنى إلى قلوب النساء من أولهم لأن المرأة إنما تخطب لسناء شرفها وعلو بيتها، ونبل خلالها، وذلك ما لم ينقصه الطلاق شيئاً. أما الآن وقد شغل الناس بلذاذات الشباب، واستمرءوا مرعى
الجواري فأقل ما يطلب أبكار العرب بَلْه ثَيّبهن. وإلى تلك الحال أشار الجاحظ في كتاب القيان إشارة الآسف المحزون، وإن من أوضح ما يكشف عن رأي الرجل في المرأة ومنزلتها من نفسه وحالها في بيته قول القائل:
اذهبي قد قضيت منك قضائي
…
وإذا شئت أن تبيني فبيني
ولعل أبلغ في الإنباء بحالها، وتجني الرجل عليها قول أبي الشيص:
إذا لم تكن طرق الهوى لي ذليلة
…
تنكبتها وأنحرت للجانب السهل
وما لي أرضي منه بالجوز في الهوى
…
ولي مثله ألف وليس له مثلي
ثم انظر إلى المجاهرة بالغدر، والمجابهة بمكنون النفس، والمظاهر بدخيلة الرأي في قول القائل:
يا رب مثلك في النساء كثيرة
…
بيضاء قد متعتها بطلاق
لم تدر ما تحت الضلوع وغرّها
…
مني تجمل شيمتي وخلاقي