الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصبص
جارية أوتيت كثيراً من ملاحة الوجه وسحر الغناء. تلقت صناعتها عن الطبقة الأولى من المغنين. وكانت في رق يحيى بن نفيس، وكان يحيى صاحب قيان، يُرَوَّيَهن الشعر ويعلمهن الغناء، ومن أجل ذلك كانت داره بالمدينة مهبطا للوجوه والأشراف، ووصفت للمهدي وهو ولي عهد فاشتراها بسبعة عشر ألف دينار، وقيل إنه استولدها ابنته عُلية، وكان عبد الله بن مصعب حفيد ابن الزبير يأتيها بالمدينة في فتيان قريش فيستمع منها، وكان من أشد الناس إعجابا بها، وفيها يقول حين قدم المنصور منصرفاً من الحج ومر بالمدينة:
أراحل أنت أبا جعفر
…
جاوزت العيس مِنْ بَصْبصا؟
هيهات أن تسمع منها إذا
…
جاوزت العيس بك الأعوصا
فخذ عليها مجلسَيْ لذة
…
ومجلساً من قبل أن تشخصا
أحلف بالله يمينا ومن
…
يحلف بالله فقد أخلصا
لو أنها تدعو إلى بيعة
…
بايعتها ثم شققت العصا
وما كان أجرأ ذلك الفتى القريش على المنصور وهو الذي لا تأخذه في سفك الدماء ملامة ولا يثنيه عنها حرج، ولقد بلغ المنصور هذا القول فاشتد غضبه، ودعا الشاعر وقال له: أما إنكم يا آل الزبير قديما ما قادتكم النساء وشققتم معهن العصا حتى صرت أنت آخر الحمقى، تبايع المغنيات، فدونكم يا آل الزبير هذا المرتع الوخيم.
وفي بصبص يقول هرون بن محمد بن عبد الملك:
بصبص أنت الشمس مزدانةً
…
فإن تبدلت فأنت الهلال
سبحانك اللهم ما هكذا
…
فيما مضى كان يكون الجمال
إذا دعت بالعود في مشهد
…
وعاونتن يمنى يديها الشمال
غنت غناء يستفز الفتى
…
حذقاً وزان الحذق منها الدلال
وممن شغف بهذه الجارية من أبناء الأشراف: محمد بن عيس الجعفري وقد هام
بها طويلا ثم لما عز عليه طلابها سلى نفسه بعض السلو عنها، ومن حديثه أنه قال لصديق له لقد شغلتني هذه الجارية عن صنعتي وكل أمرى، وقد وجدت مس السلو عنها، فأذهبت بنا إليها حتى أكاشفها ذلك وأستريح فأتياها، فلما غنتهما قال لها محمد بن عيسى: أتغنين:
وكنت أحبكم فسلوت عنكم
…
عليكم في دياركم السلام
فقالت: لا. ولكني أغني:
تحمل أهلها عنها فبانوا
…
على آثار من ذهب العفاء
فاستحيا محمد، وبدل بالسلو كلفا ووجداً، وأطرق ساعة ثم قال لها: أتغنين:
وأخضع بالعتبى إذا كنت مذنباً
…
وإن أذنبت كنت الذي أتنصل
قالت: نعم. وأغني أحسن منه.
فإن تقلبوا نقبل بمثله
…
ونزلكم منا بأقرب منزل
فتقاطعا في بيتين وتواصلا في بيتين، وما شعر بهما أحد
وحضر أبو السائب المخزومي مجلساً فيه بصبص فغنت:
قلبي حبيس عليك موقوف
…
والعين عبري والدمع مذروف
والنفس في حسرة بغصتها
…
وقد شف أرجاءها التساويف