الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فاطمة بنت عباس
المفتية، المدرسة، الفقيهة، العابدة، العالمة، الصوفية، المجاهدة: وكل هذه ألقاب خلعها عليها أهل دهرها، وكلها صفات وصلت بها منتهى حدودها كانت تصعد المنبر وتعظ النساء. وانتفع بتربيتها والتخرّج عليها خلق كثير. وكانت عالمة موفورة العلم في الفقه والأصول، وعلى سُنتها سارت ابنتها زينب فكانت تعظ النساء وتخطبهن في حياة أمها وبعد موتها.
فخرية بنت عثمان البصرية
كانت من أسرة عريضة الجاه موفورة الغنى، ولكن ذلك كله لم يطب لها فخرجت عنه وتزهدت وتنسكت وهجرت الراحة والمنام إلى الصلاة والقيام وقنعت من العيش برغيف وقدح ماء، فذلك قوتها كل يوم.
وكانت أشبه الناس برابعة في الوحشة من الدنيا والتدله في ذات الله. هاجرت إلى بيت المقدس وأقامت أربعين عاماً تقف الليل كله بباب الحرم تصلي حتى يفتح الباب فتكون أول داخل وأخر خارج.
مُعاذ بنت عبد الله العدوية البصرية
روى عنها قتادة والجرمي وأيوب وغيرهم، وكانت إذا شملها النهار قالت لعلَّي أموت اليوم فلا تنام، وإذا جنَّها الليل قالت لعلي أموت الليلة فلا تنام. وكانت إذا أشتد البرد لبست الرقاق من الثياب ليمنعها البرد طيب فلا تنام.
ومن قولها: عجبت لعين تنام وقد عرفت طول الرقاد في ظلمة القبور. وكانت تصلي في اليوم والليلة ستمائة ؤكعة، ولم ترفع بصرها إلى السماء أربعين عاماً.
وأكثر ما كان الزهد والتنسك في البصرة، وتلك كانت شهرتها من قديم عهدها ومن حديث هذا التبذل والتبتل تعلم أن المرأة تمردت على الحياة النَّسوية الكاملة، فليس في هؤلاء ولا أولئك مثل واضح للمرأة التي جعلها الله مبعث الودّ والرحمة للزوج
ومغرس النبل والكمال للولد، بل هي امرأة ثائرة على النظام نافرة من الجماعة، وما لهذا خلق النساء.
ومن العجيب أن المرأة المتنسكة انصرفت عن الزواج! كأنها تعلم أن نسكها لا يتم إلا إذا انفردت عن سائر الناس!
ومما رواه صاحب مصارع العشاق من حديث فتاة من المتبتلات نظر إليها فتى من جيرتها فهام بها فأومرت في الزوج منه فاعتذرت. أقول من هذا الحديث تعلم كيف يصرف هذا الصنف من النساء عنانه عن كل ما يتصل بالحياة.
وحديث ذلك أن هذا الفتى رأى الفتاة فشغفته حبا فكتم أمرها حتى أنحل جسمه وأشفى على الموت، ثم كاشف بأمره امرأة من أهله فذهبت إلى الفتاة - وكان حديث مرض الفتى قد انتهى إليها - وحدثتها ساعة، ثم قالت لها: يا بنية أبليت شبابك وأفنيت أيامك على هذه الحال التي أنت عليها! قالت يا عمتاه أية حال سوء تريني عليها؟! قالت لا يا بنية، ولكن مثلك يفرح في الدنيا ويلذ فيها ببعض ما أحل الله عز وجل لك غير تاركة لطاعة ربك ولا مفارقة لخدمته، فيجمع الله لك بذلك الدارين جميعاً، فوالله ما حرّم الله عز وجل على عباده ما أحل لهم من الطيبات. فقالت يا عمتاه، أو هذه الدار دار بقاء لا انقطاع ولا فناء، فتكون الجوارح قد وثقت بذلك، فتجعل لله تعالى شطر همتها وللدنيا شطرها، فتعد الجوارح إذاً التعب راحة والكد سلامة؟ أم هذه الدار فناء وتلك دار بقاء ومكافأة، والعمل على حسب ذلك، قالت يا بنية لا، ولكن الدنيا دار فناء وانقطاع وليست بباقية على أحد ولا دائمة له ولكن قد جعل الله تعالى لعباده فيها ساعات صدقة منه على النفوس تنال فيها ما أحل لها مخافة الشدة عليها، فقالت الجارية: صدقت يا عمتاه، ولكن لله عباد قد علموا وصح في هممهم شيء من ذخر ذخروه عنده، فجعلوا هذا الشكر
ذخيرة عنده، إذا لم تكن الدنيا كاملة لهم، ولا هم منتقصون شيئاً قدموه لأنفسهم؟، وسكنت نفوسهم ورضيت بالصبر على الطاعة لتنال جملة الكرامة، وإن كلامك ليدلني على أن تحته علة وهي التي حملتك على مناظرتك لي على مثل هذا. وقد كنت أظن قبل اليوم فيك أنك تأمرين بالحرص على طاعة الله عز وجل والخدمة له والتقرب إليه بالأعمال الزكية التي تبلغ رضاه وترفع عنه، فقد أصبحت متغيرة عن ذلك العهد الذي كنت أعهدك عليه، فأخبريني بما عندك وأوضحي لي ما بقي في نفسك، فإن يكن لك جواب أعنتك، وإن يكن يكن فيه حظ تابعتك، وإن يكن أمراً بعيداً عن الله تعالى وعظتك. قالت يا بنية! فأنا
مخبرتك به، والذي منعني من إلقائه عليك هيبتك، فأما إذا بسطتني وعلمت أن عندي خبراً وأمرتني بإلقائه فإن من قصة فلان كذا كذا: قالت قد ظننت ذلك، فأبلغيه مني السلام وقولي: أي أخاه إني والله قد وهبت نفسي لمليك يكافئ من أقرضه بالعطايا الجزيلة، ويعين من انقطع إليه وخدمه بالهمم الرفيعة، وليس إلى الرجوع من بعد الهبة سبيل، فتوسل إلى مولاك ومولاي بمحابه، وأسرع إليه في غفران ما قدمت يداك من عمل لم يهبه ولم يرضه، فهو أول ما يجب عليك أن تسأله وأول ما يجب عليَّ أن أطيعك به، فإذا خدمته بقدر ما عصيته طاب لك الفراغ من سؤال شهوات القلوب وخطرات الصدور، فإنه لا يحسن بعبد كان لمولاه عاصياً وعن أمره ناسياً أن ينسى ذنوبه والاعتذار منها. ويلزم نفسه مسألة الحوائج لعلها داعية له غلى الفتنة إن لم يتداركه الله بكرمه، فاستنقذ يا أخي من مهلكات الذنوب فإن له فضلا وسع كل شيء، ولست مؤيستك من فضله إن رآك متبتلا إليه، ومما قدّمت يداك معتذراً أن يمن بي عليك، فإنه الملك الذي يجود علي من ولي عنه فكيف من أقبل إليه، فلا يشك أنه إذا جاد على من تولى عنه يكون لمن أطاعه مكرماً وإليه وقت