الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بها والتهوين من أمرها، وإن يكن ذلك عجيباً فأعجب منه أن تعتب المرأة على زوجها شغفه بإحدى القيان وانصرافه عنها فيجيبها في غير خجل ولا استيحاء بمثل ما أجاب به محمد ابن بشير الناشئ زوجته، ثم يذيع هذا الجواب في الناس فيتغنى به في بغداد، وغير بغداد وذلك بقوله:
لا تذكري لوعة إثرى ولا جزعا
…
ولا تقاسِمينَ بعدي الهم والجزعا
بل ائتَسي تجدي إن ائتَسَيْتِ أُسىً
…
بمثل ما قد فجعت اليوم قد فُجعا
ما تصنعين بعينٍ قد طمحَتْ
…
إلى سواك وقلب عنك قد نَزَعا
إن قُلت قد كنتُ في خفض وتكرمة
…
فقد صدقت ولكن ذاك قد نُزعا
وأي شيء من الدنيا سمعت به
…
إلا إذا صار في غاياته انقطعا
ومن يطيق خليعاً عند صبوته
…
أم من يقوم لمستور إذا خلعا؟
فهذا الشاعر يصارح امرأته الحرة بانصرافه عنها إلى غيرها من القيان ويأخذها بالتأسي بما أصيب غيرها من جفوة وهجران، وذلة وهوان، ثم يلقنها من الحقائق أن المستور إذا خرج إلى الفجور سار طلق العنان لا ترده قوّة ولا يثنيه بيان وفي ذلك كله ما يكشف لك عن صورة هذا العصر ويمثله أوضح تمثيل.
الإغراء بالفساد
وكان كل ما حول المرأة يدفع إلى الإثم ويغري بالفساد، فقد أصبحت وإذا هي في ميدان فسيح تغمره اللذات وتدفعه المحرجات، فعن الرجال يستحدثن كل يوم أسلوبا من اللهو، ويستجدّون ضروبا من الشهوات، لا يتورعن لمندية ولا يسكنون إلى روية، ولا ينزعون عن حمية، بل ساروا خفافا تدفعهم المآرب والأوطار، وتحدوهم الكؤوس والأوتار، وعن يسارها الجواري يجرّون أذيال اللهو
ويجرين في مستبق الفساد ويتصدّين للرّجال بما يستخف ألبابهم من خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
وأنشأ الشعراء وهم ألسنة القوم وعنوان أدبهم يُغرون الرجال بالحرائر ويُضرونهم عليهنّ ويُشككونهم فيما عسى أن يبدينه من عفة وما يتجملن به من إباء، وكان إمام أولئك الغواة بشار بن برد، وهو أوّل من اتهم الحرّة في صيانتها وأمانتها وأطمع الرجال في إسلاس قيادها بعد إفراط عنادها، وذلك حيث يقول:
لا يؤيسنَّك من مخدّرة
…
قول تغَلَّظهُ وإن جرحا
عسر النساء إلى مياسرة
…
والشيء يسهل بعدما جمحا
ثم استن في غباره أبو نواس الحسن بن هانئ فأتى ببدع من القول في قوله:
كان الشباب مطية الجهل
…
ومُحَسَّن الضحكات والهزل
والباعثي والناس قد رقدوا
…
حتى أزور حليلة البعل
فانظر إلى أي حدّ مَرِنت الألسنة واطمأنت الأسماع إلى مقال السوء وإشاعة الفاحشة بين الناس! فإذا تأمّلت ذلك فأشفق على قلبك أن يذوب أسى، وأبق على نفسك أن تذهب حسرات! يا ويْحَ هؤلاء الناس! أفي دولة إسلامية تُظلها خلافة إسلامية يقال ذلك القول وليس في الناس رادّ ولا دافع!! أبَلَغ من فساد المروءة ورقة الدين أن يتحدّث شاعر الخليفة بأنه كان يدرج في ظلمة الليل إلى حرم البيوت فيسلب ذات الزوج عفتها وفي المسلمين إمام يقيم الحدود ويمنع الحرمات!! فأين هذا من العهد الجاهلي الذي يقول قائله:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي
…
حتى يواري جارتي مأواها
أو العهد الإسلامي الذي يقول قائله:
أعمى إذا ما جارتي خرجت
…
حتى يواري جارتي الخِدر
ما ضر جاري إذ يجاورني
…
ألا يكون لبيته ستر
أو العهد الأموي الذي يقول قائله:
قالت - وقلت تحرّجي وصِلي
…
حبل امرئ بوصالكم صبَّ
صاحب إذاً بعلي! فقلت لها
…
الغدر سيئ ليس من ضربي
ثنتان لا أدنو لوصلهما
…
عرس الخليل وجارة الجَنب
أما الخليل فلست غادِرَهُ
…
والجار أوصاني به ربي
وراح هؤلاء الخلعاء وأشباههم ينشدون من الأحاديث المبذولة ما يُروّض المرأة الآبية ويستنزل النفوس الرفيعة. وقد حدّثوا أن مطيع بم إياس مرّ بيحيى بن زياد وحماد الراوية وهما يتحدثان فقال لهما فيم أنتما؟ قالا في قذف المحْصنات! قال: أو بقيت في الأرض محصَنة فتقذفها؟! فهل هناك إغراء بالحرائر أشدّ وأشنع من اتهامهنّ جميعاً أعراضهنّ.
ومن الشنع المهلكة للفضيلة المغرية بالرذيلة تلك المقطعات التي تحدّث فيها الشعراء بأحاديث التمرّد على العفاف وأرسلوها مؤنثة اللفظ سهلة المأخذ فتلقفها المغنون والمغنيات وأنشئوا يردّدونها في المجامع والأندية وبين الستور والخدور، ومما هو شبيه بذلك قول بشار:
عجبت فطيمة من نعتي لها
…
هل يجيد النعت مكفوف البصر
بنت عشر وثلاث قسمت
…
بين غصن وقضيب وقمر
درّة بحرية مكنونة
…
مازها التاجر من بين الدرر
أرخت الستر وقالت ويلتا
…
مِنَ وَلوع الكفَّ كَّاب الخطر
أُمّتَا بدد هذا لُعَبي
…
. . . . . .
أقبلت مغضبة تضربها
…
واعتراها كجنون مستعر
أيها النوام هبوا ويحكم
…
وسلوني اليوم ما طعم السهر