الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرأة العربية في العراق
كيف كان العباسيون ينظرون إلى المرأة
كان مما قضى الله أن ينشطر البيت الهاشمي في الدولة العباسية إلى شطرين متنافرين لا تعطفهما عاطفة الدم ولا تأخذهما وشيجة الرحم، بعد أن أقاما منذ لحق النبي بربه أسرة واحدة لا تزعجها الحوادث ولا تفرقها الخطوب، وبعد أن بُثت دعوة الخلافة لهما معاً باسم الرضى من آل بيت رسول الله. فلما وَلىِ الخلافة أبو العباس السفاح سليل العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نهض من بعده أخوه أبو جعفر المنصور ثم نظر المنصور إلى ولده محمد المهدي - لما كان ذلك عرف العلويون وهم سلائل رسول الله وأحفاد علي بن أبي طالب أن بني عمهم الذين قاسموهم احتمال الظلم والخسف في عهد بني أمية غلبوهم على أمرهم واستأثروا بالخلافة من دونهم وهم أمس برسول الله رحماً، وأدناهم من الخلافة يداً، لأنها رَوِيت بدمائهم، ونهضت بأسماء الشهداء من قتلاهم، فاحتجزوا بأنفسهم وأطالوا النظر فيما عساهم يفعلون، وهكذا انصدع البيت العظيم ونظر بعضه إلى بعض نظر المقهور إلى قاهره والوتور إلى واتره، ثم خرج إمامهم النفس الزكية محمد بن الحسن ومعه أهل المدينة وجمهور من أهل العراق على الخليفة أبي جعفر، ولم يكن غير قليل حتى التقى الجيشان، وبينا رماح الفريقين متشجرة وسيوفهم متقطرة كان الإمامان محمد بن الحسن وأبو جعفر المنصور يتساجلان الرسائل ويتناظران بالكتب ليكسب كل منهما عطف جمهور المسلمين وانحيازهم إليه، وفي هذه الكتب يطاول كلاهما صاحبه بما له من فضل السبق وكرم العرق وقوة القرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان مما فخر به محمد أمومة سيدتي نساء العالمين فاطمة بنت رسول الله وخديجة أم المؤمنين، فكان مما أجاب به أبو جعفر أما بعد فقد أتاني كتابك وبلغني
كلامك، فإذا جل فخرك بالنساء لتُضل به الجفاة والغوغاء، ولم يجعل الله النساء كالعمومة، ولا الآباء كالعَصَبة والأولياء ومن ثم أخذ العباسيون يتناولون أمر المرأة بالتهوين وقرابتها بالوهن وعقدتها بالانحلال كلما سنحت سانحة أو جدَّت داعية، وأخذ شعراؤهم وعلماؤهم وذوو آرائهم يُبْعِدون ما بين الرجل والمرأة كأن الله تعالى لم يجمع بينهما في كل موطن من كتابه العزيز.
ولما قال مروان بن أبي حفصة شاعر العباسين يخاطب العلويين ويمدح العباسيين
خلقوا الطريق لمعشر عاداتهم
…
حطم المناكب كل يوم زحام
ارضَوْا بما قسم الإله لكم به
…
ودعوا وراثة كل أصيدَ حام
أَّني يكون وليس ذاك بكائن
…
لبنى البنات وراثة الأعمام
بذل الرشيد مائة ألف وعشرة آلاف درهم، وما زال شعراء العراق يتداولون هذا المعنى تزلفاً لبي العباس واستدراراً لأموالهم ويكثرون الأخذ به واللجاج فيه حتى قال محمد بن يحيى التغلبي ردّاً عليهم:
لم لا يكون وإن ذاك لكائن
…
لبني البنات وراثة الأعمام
للبنت نصف كامل من ماله
…
والعم متروك بغير سهام
ما للطليق وللتراث وإنما
…
صلى الطليق مخافة الصمصام
وما زالت المرأة مَبتَّ هم أبي جعفر ومثار ألمه فلم تفته حتى آخر عهده من الدنيا وأول عهده من الآخرة حيث كانت آخر وصيته لولده المهدي وإياك والاستماع إلى مشورة النساء وأظنك ستفعل.