الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يا ربُ أُمّ وطفل حيل بينهما
…
كما تفرّق أرواح وأبدان
وطفلةٍ مثل حسن الشمس إذ طلعت
…
كأنما هي ياقوت ومَرجان
يقودها العِلجُ للمكروه مكرهة
…
والعين باكية والقلب حرّان
لمثل هذا يذوب القلب من كمد
…
إن كان في القلب إسلام وإيمان
أثارة من أدب النساء في الأندلس
كتبت ولاّة بنت المستكفي إلى ابن زيدون:
ألا هل لنا من بعد هذا التفرق
…
سبيل فيشكو كل صب بما لقي
تمر الليالي لا أرى البين ينقضي
…
ولا الصبر ممن رق التشوق معتقي
سقى الله أَرضاً قد غدت لك منزلا
…
بكل سكوب هاطل الودق مغدق
للشاعرة الغسانية البجانية وهي من شواعر المائة الرابعة:
عهدتهم والعيش في ظل وصلهم
…
أنيق وروض الوصل أخضر فينان
ليالي سعد، لا يخاف على الهوى
…
عتاب ولا يُخشى على الوصل هجران
سألت امرأة من شريفات غرناطة حفصة الركونية تذكاراً تكتبه بخطها فكتبت إليها:
يا ربة الحسن بل يا ربة الكرم
…
غضي جفونك عما خطه قلمي
تصفحيه بلحظ الودّ منعمة
…
لا تحفلي برديء الخط والكلم
كتبت حسانة التميمية إلى الحكم بن الناصر:
أنت الإمام الذي إنقاذ الأنام له
…
وملكته مقاليدَ النهي الأممُ
لا شيء أخشى إذا ما كنت لي كنفا
…
آوى إليه ولا يعرونيَ العدم
لا زلت بالعزة القعساء مرتديا
…
حتى تذل إليك العُرب والعجم
فلما وقف الحكم على شعرها استحسنه ووظف لها عطاء كريماً وكتب إلى عامله على البيره - من أعمال الأندلس - فجهزها بجهاز حسن.
وكان الحكم قد كتب إلى والي البيره بتحرير أملاكها وردها إليها - ولا نعلم كيف نزعت منها - واتفق أن عوجل الحكم بالموت لم يقض الوالي لها بشيء فلما طال مطاله لها ذهبت إلى ابنه الخليفة عبد الرحمن فلما مثلت بين يديه انتسبت إليه، فعرفها وعرف أباها ثم أنشدت:
إلى ذي الندى والمجد سارت ركائبي
…
على شحط تصلي بنار الهواجر
ليجبر صدعي إنه خير جابر
…
ويمنعني من ذي الظلامة جابر
فإني وأبنائي كفه
…
كذي الريش أضحى في مخالب كاسر
جدير لمثلى أن يقال مَرُوعة
…
لموت أبي العاصي الذي كان ناصري
سقاه الحيا، لو كان حيا لما اعتدى
…
علىَّ زمان باطش قادر
أيمحو الذي خطته يمناه جابر
…
لقد سام بالإملاك إحدى الكبائر
ثم بسطت أمرها وأرته أبيه فقبله وقال: لقد تعدى لبيد طوره حتى رام نقض رأى الحكم، وحسبنا أن نسلك سبيله بعده، ونحفظ بعد موته عهده، انصرافي يا حسانة فقد عزلته لك ووقع بمثل توقيع والده، وأجازها بجائزة كريمة فشكرت له صنيعه بقصيدة جاء فيها:
ابن الهشامين خير الناس مأثرة
…
وخير منتجع يوما لرُوّاد
إن هز يوم الوغى أَثناء صعدته
…
روَّى أنابيبها من صرف فرصاد
قل للإمام أيا خير الورى نسباً
…
مقابلا بين آباء وأجداد
جوَّدت طبعي ولم ترض الظلامة لي
…
نهاك فضل ثناء رائح غاد
فإن أقمتُ ففي نعماك عاطفة
…
وإن رحلت فقد زودتني زادي
لأمّ العَلاء بنت يوسف الحِجَارِيَّة - من شواعر المائة الخامسة:
كل ما يصدر منكم حسنُ
…
وبعليا كمْ تحلّى الزمن
تعطِف العين على منظركم
…
وبذكراكم تَلَذّ الأذن
من يعيش دونكُم في عمره
…
فهو في نيل الأماني يغبن
وخطبها رجل أشيب فكتبت إليه تقول:
الشيب لا يُخدَع فيه الصبي
…
بحيلة فاسمع إلى نصحي
فلا تكن أجهل مَن في الورى
…
يبيت في الجهل كما يضحي
وقالت تعتذر:
افهم مطارح أقوالي وما حكمت
…
به الشواهد واعذرني ولا تلم
ولا تكلني إلى عذر أبينه
…
شر المعاذير ما يحتاج للكلم
وكل ما خلته من زلة فبما
…
أصبحت في ثقة من ذلك الكرم
لأم السعد بنت عصام الحِمْيرية القرطبية:
آخ الرجال من الأبا
…
عِدِ والأقاربَ لا تقارب
إنّ الأقارب كالعقا
…
رب أو أشدّ من العقارب
للسيدة أمَة العزيز:
لحاظكم تجرحنا في الحشا
…
ولحظنا يجرحكم في الخدود
جرح بجرح فاجعلوا ذا بذا
…
فما الذي أوجب جرح الصدود
حكى الوزير أبو المغيرة بن حزم قال:
نادمت يوماً المنصور بن أبي عامر في مُنيه السرور بالزاهرة ذات الحسن النضير وهي جامعة بين روضة وغدير، فلما تضمخ النهار بزعفران العشي. ورفرف غراب
الغروب الدجوجي، وأسبل الليل جنحه، وتقلد السماك رمحه، وهم النسر بالطيران، وعام في الأفق زورق الزّبرقان، أوقدنا مصابيح الراح، واشتملنا مُلاء الارتياح، وللدجن فوقنا مُلاء مضروب، فغنتنا عند ذلك جارية تسمى أُنس القلوب، وقالت:
قدم الليل عند ستر النهار
…
وبدا البدر مثل نصف السواري
فكأن النهار صفحة خدّ
…
وكأن الظلام خط عِذَار
وكأن الكؤوس جامد ماء
…
وكأن المدام ذائب نار
نظري قد جنى عليّ ذنوباً
…
كيف مما جنته عيني اعتذاري
يا لقومي تعجبوا من غزال
…
جائر في محبتي وهو جاري
ليت لو كان لي إليه سبيل
…
فأُقضّي من الهوى أوطاري
كتب أبو عامر بن نيق إلى هندية جارية أبي محمد بن عبد الله بن مسلمة الشاطي يدعوها بهذين البيتين:
يا هند هل لك في زيارة فتية
…
نبذوا المحارم غير شرب السلسل
سمعوا البلابل قد شدت فتذكروا
…
نغمات عودك في الثقيل الأول
فكتبت في ظهر رقعته:
يا سيداً حاز العلا عن سادة
…
شم الأنوف من الطراز الأول
حسبي من الإسراع نحوك أنني
…
كنت الجواب مع الرسول المقبل
كان عباد المعتضد كلفاً بجاريته العَبّادية فسهر ليلة وهي نائمة فقال:
تنام ومدنفها يسهر
…
وتصبر عنه ولا يصبر
فانتبهت له وأجابته:
لئن دام هذا وهذا له
…
سيهلك وجداً ولا يشعر
لحفصة الركونية تذم عبيدها:
يا رب إني من عبيدي على
…
جمر الغضا ما فيهم من نجيب
إما جهول أبلهٌ متعبٌ
…
أو فطن من كيده لا يجيب
لزينب المُرية:
يا أيها الراكب الغادي لِطِيتَّه
…
عرج أنبيك عن بعض الذي أجد
ما عالج الناس من وجد تضمنهم
…
إلا ووجدي به فوق الذي وجدوا
حسبي رضاه وأني في مسرته
…
وودّه آخرَ الأيام أجتهد
دعا أمير المؤمنين الناصر بحَجَّامه ليفصده، واتخذت لذلك الأهبة في البهو الكبير من قصر الزهراء، فحين تقدم الحجام من سيده أطل عليه زرزور من حديقة القصر فتغنى بهذين البيتين:
أيها الفاصد رفقاً
…
بأمير المؤمنينا
إنما تفصد عرقاً
…
فيه محيا العالمينا
فنظر الناصر إلى الطائر وأصغى إليه وقد ملكه العجب والإعجاب وسألا عمن أوحى إليه ذلك الوحي البديع فقيل إنها السيدة الجليلة مرجانة زوج أمير المؤمنين وأم ولي عهده فضوعف سروره وإعجابه.
أما بعد فتلك طائفة من الأدب النسوي بالأندلس؛ وهو على ما به من ظرف ورقة لم يبلغ مبلغ نظيره في العراق، لأن هذا كان يغذيه طبع المرأة العربية في البادية، والجارية الفارسية في الحضر، ولكليهما منحى يستخف النفوس والأرواح، فالمرأة البدوية كانت كأفضل النساء صفاءٍ في الطبع، ونقاءً في النفس، وسموّاً في الخاطر وجلالا في الغرض، وروعة في الأسلوب، وكانت الجارية الفارسية على
ما علمت مثار الفتنة والسحر في الغناء والشعر، وكان للناس في العراق منم هذين الموردين معين غدِق، وروض خصيب، وهما من وسائل الرقة التي امتزجت بالأدب العربي في العراق.
أما المرأة الأندلسية فمع مجاذبتها للرجل كثيراً من أطراف العلم والأدب لم تأت منه بما يعلو عن مألوف الكلام إلا قليلا، لأن للأدب النسوي جمالا خاصا تنقله المرأة عن المرأة لا عن الرجل، ولو أن المرأة العربية المتحضرة في العراق عنيت برواية الأدب النسوي في البادية وأخذت كفايتها منه وعمدت إلى ما أخذت فصقلته على غرار الحضارة وغذته بماء النعيم لأتت بأطيب الثمرات وأنداها على
القلوب والأكباد.
ولا أعلم كيف غفل متأدبو الأندلس ومؤلفوهم عن استقصاء شعر نسائهم والعناية بتقييده، فهم يسمنوا ولادة بنت المستكفي: عُلية الأندلس، ويدعون حمدة بنت زياد خنساء المغرب، وهم مع ذلك لا يذكرون لكليهما إلا القليل المحدود من الشعر الذي أثارته مناسبة أو قيدته حادثة، وقد لا يكون هذا من أفضل ما قالت الشاعرة، بل قد يكون فوق ذلك غَثّاً تافهاً لا شأن له، في حين أنهم دعوا ابن هانئ المغربي متنبئ الغرب وابن خفاجة الأندلسي صَنوبري الأندلس ذكروا لهما ما جل ودق من شعرهما حتى لم يُعد شيء منه خافياً عن أحد، والعجب أن هذا القليل المحدود الذي نقل عن نساء الأندلس كان يتناوله مؤلفو القوم بعضهم عن بعض، فليس هناك تبسط في النقل ولا استفاضة في البحث عن شعر النساء، فهل لم تأت خنساء العرب بأكثر من بضعة عشر بيتاً من الشعر أكثرها مداعبات ومطارحات، وهل لم تأت علية الأندلس بأكثر من عشرين بيتاً بعضها منسوب لغيرها! أقول ولعل لأن أكثر الكتب التي
وصلتنا عن حياة الأندلس ألف بعد سقوط ذلك البلد العظيم، وألف في بلاد خفي فيها أدب المرأة عن منال الأقلام، فلم يحفل كتابها بها، ولعلنا حين نجد في البحث عن ذخائر الكتب المودعة قصر الاسكوريا في مدريد نجد منها كثيراً مما كتبه الأندلسيون عن أنفسهم وصوروا فيه حقيقة شأنهم ومثال حضارتهم، فذلك أشفى للنفس وأروى للحقيقة. وعسى أن نصل قريباً بعون الله وتوفيقه إلى تلك الغاية المنشودة فنكون قد سددنا ثغرة من الأدب العربي لا تزال حتى اليوم عميقة الأثر بعيدة القرار. والله ولي التوفيق.