الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرأة المغربية
وحسبنا في هذا الجزء من الكتاب أن نتكلم عن المرأة في المغرب الأقصى. أما المغرب الأدنى فحديث المرأة فيه طويل مستفيض لا يتسع له هذا الجزء، وموعدنا به الجزء الرابع مع المرأة المصرية، لأنّ بين نساء هذا القطر من بلاد المغرب وبين نساء مصر البدويات صلة الجوار وعقدة النسب وألفة الطباع والعادات.
وإذا تحدثنا عن المغرب الأقصى فإنما نتحدّث عن قطر كان فيما سلف من الدهر لا تجف دماؤه المتفجرة ولا تخمد نيرانه المضطرمة، له في كل آونة عرش يقوم ومصرعي ترصد، قد اختلف فيه كل ما فيه اختلافاً بينا، ففيه البربر والعرب، وفيه الخوارج والرافضة، وفيه الواتر والموتور، وفيه الدخيل والأصيل، ذلك شانه وتلك حاله منذ بسط الإسلام ظله عليه.
وكان شأن المرأة في عامّة البلاد كشأنها في كل الشعوب المستبسلة المتبدّية، لها قوّة عاملة وصفة مستقلة وحياة ظاهرة، وما كان يَضير الرجل هنالك أن ينتسب إلى أمّه ومن الذين ظهروا في هذه البلاد ممن انتسبوا إلى أمّهاتهم: ابن غانية القائد المتغلب المتملك وابن عائشة العالم الشاعر، وبنو سوط القادة الأبطال، وما كان عجيباً أن تسود المرأة وتحكم، وقديماً تكلم ابن خلدون عن امرأة تسمى شمس كان لها عشرة أبناء استفحل أمرهم وتفاقم سلطانهم وألقوا إليها أزمّة الأمر وروضوا لها حكم البلاد فلم يكن هنالك دفع أو استنكار.
وكانت تأنف ويؤنف لها وتغار ويغار عليها إلى أن تؤثر ورود الموت على الذل والهوان. ومما رواه ابن خلدون أن جيش بني مرين قصد إلى السلطان أبي زيان ابن عثمان وأخذ ينتقص أطراف بلاده ولم يقو جيشه عليه، قال ابن خلدون: فبينا
السلطان وأخوه أبو حمو جالسان في بعض خاصتهما دخلت دعد قهرمانة القصر وقالت: يقول لكم حظايا قصركم وبنات زيَّان حُرمكم: ما لنا وللبقاء وقد أحيط بكم وأسف عدوّكم لا لتهامكم، ولم يبقى إلا فواق ناقة لمصارعكم، فأريحونا معرة
السبي وقرَّبُونا إلى مصارعنا وأريحوا أنفسكم فينا فالحياة في الذل عذاب والوجود بعدكم عدم، فالتفت أبو حمو إلى أخيه السلطان فقال قد صدقناك الخبر فما تنتظر بهن؟ فقال يا موسى أرجئني ثلاثاً لعل الله يجعل بعد عسر يسراً. فقال إلى تخرج مع قومنا إلى عدونا فتستميت ويقضي الله ما شاء! فغضب أبو حمو وأنكر عليه تأخير ذلك، وقال إنما نحن والله نتربص المعرة بهن وبأنفسنا. وقام عنه مغضباً وأجهش السلطان بالبكاء فبينما القوم في مجلسهم هذا دخل حَرَسي فقال: إن السلطان يوسف بن يعقوب - ملك بني مرين - قتل الساعة. وبمقتله انفض جيشه وذهب عن أبي زيان وعن قومه ما كانوا فيه من خوف وإشفاق. ولولا ذلك لذبحوا نسائهم ويناتهم وحظاياهم بقياً على العرض وأنفة من العار.
ومن أعجب ما يؤثر من غضبة الشعب للمرأة وأنفته لها وثورته من أجلها، أن السلطان عبد الحق بن أبي سعيد المريني لما لم يجد غناءً في وزرائه استعان برجلين من اليهود، فكانت رياستهما محنة على الأمة وبلاء على العباد، فلم يدعا وسيلة من الخسف والأذى في الأرواح والأموال إلا اتخذاها في غير حرج ولا هوادة، وصبرت الأمة لهذه النازلة وراضت نفوسها على احتمال تلك الكارثة، وكان احتمالها بالغاً وصبرها جميلاً، كان ذلك حتى ذاع في البلاد أن أحد اليهوديين قبض على امرأة شريفة وأمر بضربها بين يديه! وهنا اشتعلت النار الخابية واستطارت النفوس الوادعة وتمشت رجالات فاس بعضهم إلى بعض، فاجتمعوا عند خطيب القرويين الفقيه أبي فارس عبد العزيز بن موسى، وهنالك ائتمروا فيما بينهم، على الفتك باليهود وثل