المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فغضب وأمر بصفعها فصفعت، وأقيمت واقفة، وأعطيت العود، فأخذته وهي - المرأة العربية في جاهليتها وإسلامها - جـ ٣

[عبد الله العفيفي]

فهرس الكتاب

- ‌الأمة العربية بين الرأي والهوى

- ‌الجواري

- ‌الجمال

- ‌التجمل

- ‌أدب الجواري

- ‌بذل

- ‌عنان

- ‌بصبص

- ‌دنانير

- ‌عريب

- ‌فضل

- ‌محبوبة

- ‌غلبة الجواري على قلوب العرب

- ‌نفوذ الجواري

- ‌الجواري عيون الخلفاء

- ‌أمومة الجواري

- ‌ الجواري في الأندلس

- ‌قمر

- ‌الناصر وجواريه

- ‌ الزهراء

- ‌صبح

- ‌شعر الملوك في الجواري

- ‌المعتمد وجواريه

- ‌اعتماد

- ‌الجواري المدنيات في الأندلس

- ‌بنو الأغلب

- ‌الفاطميون

- ‌ الديارات

- ‌من ديارات العراق

- ‌دير أحويشا

- ‌دير الأعلى

- ‌دير باشهرا

- ‌دير الثعالب

- ‌دير درمالس

- ‌دير قُنَّى

- ‌دير قوطا

- ‌دير اللج

- ‌ومن ديارات الشام

- ‌دير صليبا

- ‌دير الطور

- ‌دير المصلَّبة

- ‌دور المآثم

- ‌المرأة العربية في العراق

- ‌كيف كان العباسيون ينظرون إلى المرأة

- ‌الصدمة الأولى

- ‌طلاق المكرَه

- ‌التجني على المرأة العربية

- ‌الإغراء بالفساد

- ‌حلول الكارثة

- ‌بيت بني العباس

- ‌بيت العلويين

- ‌اتصال البيتين

- ‌القطيعة

- ‌الاقتداء

- ‌النساك

- ‌عبدة البصرية

- ‌فاطمة بنت عباس

- ‌فخرية بنت عثمان البصرية

- ‌مُعاذ بنت عبد الله العدوية البصرية

- ‌المرحلة الثانية

- ‌الكساد

- ‌إباحة المتعة والزواج الموقوت

- ‌آثام الظنون

- ‌الحجاب

- ‌محنة المرأة في فتنة القرامطة

- ‌فرقة الإباحة

- ‌الحياة الفكرية للمرأة في العراق

- ‌المرأة البدوية

- ‌مأثور من أدب النساء

- ‌حديث غربان النوى

- ‌حديث ناسكة

- ‌بين القبور

- ‌حديث أرملة

- ‌حديث فتاة

- ‌عظة امرأة

- ‌المرأة الأندلسية

- ‌عصر عظمة المرأة الأندلسية

- ‌القرن الخامس

- ‌بعد القرن الخامس

- ‌أثارة من أدب النساء في الأندلس

- ‌المرأة المغربية

- ‌الأسرة المتنبئة

- ‌الحالة الاجتماعية للمرأة المغربية

- ‌حالتها الفكرية

الفصل: فغضب وأمر بصفعها فصفعت، وأقيمت واقفة، وأعطيت العود، فأخذته وهي

فغضب وأمر بصفعها فصفعت، وأقيمت واقفة، وأعطيت العود، فأخذته وهي تبكي أحرّ بكاء واندفعت فغنت:

يا داري سلمى بنازح السَّنَد

من الثنايا ومسقط اللَّبد

لما رأيت الديار قد درسَت

أيقنت أ، النعيم لم يَعُد

فرق لها الرشيد وأمر بإطلاقها، فانصرفت.

ولدنانير كتاب في الغناء يعده أهل الفن أصلا من أصوله، ومرجعاً من مراجعه

‌عريب

وهي فتنة هذا العصر، وعقدة سحره، وملتقى بدائعه، ومجتمع نوادره، نشأت في دار جعفر بن يحيى البرمكي، وقيل إنها من إحدى جواريه، ثم جحد البرامكة نسبتها، وبيعت فيمن بيع من جواري جعفر بعد نكبة، ثم احتازها ثمانية من خلفاء هذه الدولة، أولهم الأمين، وآخرهم المعتز، وما منهم إلا من يعدها زينة قصره، وآية عصره، وإليها اجتمعت محاسن هذا الجيل، وفيها انتظمت مواهبهم، من حسن الحظ، وحلاوة شعر، وجمال صورة، وغاية ظرف، وجودة ضرب، ودقة غناء، وفيها يقزل غسحاق الموصلي ما رأيت امرأة أضرب من عريب، ولا أحسن صنعة، ولا أجمل وجها، ولا أخف روحاً، ولا أحسن خطاباً، ولا أسرع جواباً، ولا ألعب بالشطرنج والنرد، ولا أجمع لخصلة حسنة، لم أر مثلها في امرأة

غيرها، وإسحاق أمام أئمة هذا الفن، وشهادته لها مقطع الرأي وفصل الخطاب، وقد ذكر هذه الشهادة حماد بن إسحاق لقاضي يحيى بن أكثم فقال: صدق أبو محمد، هي كذلك، قال: أسمعتها، قال نعم هناك يعني في دار المأمون قال أفكانت كما ذكر أبو محمد في الحذق، قال يحيى: هذه المسألة الجواب فيها على أبيك هو أعلم بها مني.

ص: 29

وكان المأمون مشغوف بحبها، وقد ذكر صاحب نهاية الأرب أنه خلع في حبها عذار الخلافة حتى قبل مرة قدمها، وقد نسبت هي إليه فقيل لها عريب المأمونية، وكان إسحاق قد وصفها له قبل أن تصير غليه فأمره أن يشتريها بمائة ألف درهم، وأعطى إسحاق في وساطة شرائها مائة ألف أخرى. وقال إبراهيم بن رباح - كاتب ديوان المأمون - فلما أرادت أن أثبت هذا القدر من المال كتبت إن المائة الألف خرجت في ثمن جوهرة، ومائة الألف الأخرى خرجت لصائغها ودلالها، فجاء الفضل بن مروان - الوزير - إلى المأمون، وقد رأى ذلك وأنكره، وسألني عنه فقلت نعم، هو ما رأيت، فسال المأمون عن ذلك فقال: وهبت لدلال وصائغ مائة ألف درهم! وغلظ القصة، فأنكرها المأمون، ودعاني فدنوت، وأخبرته أن المال الذي خرج في ثمن عريب، وصلة إسحاق وقلت أيما أصوب يا أمير المؤمنين ما فعلت، أم أثبت في الديوان أنها خرجت ثمن مغنية وصلة مغن؟ فضحك المأمون وقال: الذي فعلت أصوب ثم قال للفضل بن مروان يا نبطّي لا تعترض على كاتبي هذا في شيء.

وما أظن أن المرأة بلغت في هذا العصر من نباهة الشأن وبعد الشأو ما بلغته عريب بل لا أظن مغنية في أي عصر من العصور نالت من الحظوة والجاه بين صدور الدولة وأعوان الخليفة ما بلغته هذه المرأة الممتازة بين النساء.

ومن حديث إبراهيم بن محمد اليزيدي أحد أصحاب المأمون قال: كنت مع المأمون

في بلد من بلاد الروم فبينا أنا في ليلة مظلمة شاتية ذات غيم وريح؛ وإلى جانبي قبة، فبرقت برقة وإذا في القبة عريب، قالت: إبراهيم بن اليزيدي؟ قالت لبيك! قالت قل في هذا البرق أبياتا ملاحا لأغنى فيها، فقلت:

ماذا بقلبي من أليم الخفق

إذا رأيت لمعان البرق

من قبل الأردن أو دمشق

لأن من أهوى بذاك الأفق

ص: 30

خالفته وهو أعز الخلق

علىّ والزور خلاف الحق

ذاك الذي يملك مني رقي

ولست أبغي ما حييت عتقي

قال فتنفست نفساً ظننت أنه قطع حيازيمها، فقلت ويحك! على من هذا؟ فضحكت، ثم قالت: على الوطن، فقلت هيهات! ليس هذا كله للوطن، فقالت ويلك! أفتراك ظننت أنك تستفزني! والله، لقد نظرتُ نظرة مريبة في مجلسي، فادع لها أكثر من ثلاثين رئيساً، والله ما علم أحد منهم لمن كانت إلى هذا اليوم.

وكان بينها وبين إبراهيم بن المدبر أحد ولاة الدولة وكتابها وسراتها صحبة صادقة وودّ مكين، لم يجاوز ود للأديب، ثم حدث عتب فاحتجت عنه، وجد به الشوق والحنين إليها، وقال في ذلك - وهو مما يُتغنى به: -

إلى الله أشكو وحشتي وتفجعي

وبعد المدى بيني وبين عريب

مضى دونها شهران لم أخلُ منهما

بعيش ولا من قربها بنصيب

فكنت غريباً بين أهلي وجيرتي

ولست إذا أبصرتها بغريب

وإن حبيباً لم ير الناس مِثله

حقيق بأن يفدَى بكل حبيب

وحدث أن اجتمع إبراهيم بن المدبر وعبد الله بن حمدان وابن منارة والقاسم في بستان بالمُطيرة في يوم يقطر أحسن قطر، ويُجتلي فيه أطيب العيش، قال عبد الله بن حمدان فلم نشعر إلا بعريب قد أقبلت من بعيد، فوثب إبراهيم بن المدير من بيننا فخرج حتى تلقاها، وأخذ بركابها حتى نزلت، وقبّل الأرض بين يديها فجاءت

وجلست، وأقبلت عليه مبتسمة، وقالت: إنما حننتُ إلى مَن هنا لا إليك، فاعتذر لها. وقال:

بأبي من حقق الظن به

فأتانا زائراً مبتديا

فكان كالغيث تراخي مدة

وأتى بعد قنوط مُرْويا

ص: 31

طاب يومان لنا في قربة

بعد شهرين لهجر مضيا

فأقرَّ الله عيني وشفى

سَقَماً كان لجسمي مبليا

وقال فيها:

ألا يا عريب وقيت الردى

وجنبك الله صرف الزمن

فإنك أصبحت زين النساء

وواحدة الناس في كل فن

فقربك يدنى لذيذ الحياة

وبعدك ينفي لذيذ الوسن

فنعم الأنيس ونعم الجليس

ونعم السمير ونعم السكن

ثم قال فيها وفي جاريتها بدعة وتحفة:

إن عريباً خلقت وحدها

في كل ما يحسن من أمرها

ونعمة الله في خلقه

يقصر العالَمُ في شكرها

أشهدني جاريتاها على

أنهما محسنتا دهرها

فبدعة تبدع في شجوها

وتحفة تتحف في زمرها

يا رب أمتعها بما خُوَّلت

وامدد لنا يا رب في عمرها

وكانت عريب على موعد من زيارة إبراهيم، فلما كانت في صباح يوم الموعد لم تجد نشاطاً للزيارة، فأرسلت إليه بدعة وتحفة تحملان منها هذه الرسالة:

بنفسي أنت وسمعي وبصري - وقَلَّ ذلك لك، أصبح يومنا هذا طيباً طَّيب الله عيشك - قد احتجبت سماؤه، ورق هواؤه، وتكامل صفاؤه، وكأنه أنت في رقة شمائلك، وطيب محضرك ومخبرك، لا فقدت ذلك منك، ولم يصادف حسنُه

وطيبه منا نشاطاً ولا طرباً لأمور صدتني عن ذلك، أكره تنغيص ما أشتهيهِ لك من السرور بشرحها، وقد بعثت إليك ببدعة وتحفة ليؤنساك وتُسر بهما، سرك الله وسرني بك.

ص: 32

فكتب إليها:

كيف السرور وأنت نازحة

عني وكيف يسوغ لي الطرب

إن غبت غاب العيش وانقطعت

أسبابه وألحت الكرب

وابتدأ الجواب، فلم تلبث أن جاءت على حمار فبادر إليها وتلقاها حافيا حتى جاء بها إلى صدر المجلس، يطأ الحمار بساطه وما عليه حتى أخذ بركابها فأجلسها في مجلسه وجلس بين يديها، ثم قال:

ألا ربَّ يوم قصر الله طوله

بقرب عريب، حبذا هو من قرب

بها تحسن الدنيا وينعم عيشها

وتجتمع السراء للعين والقلب

وكان يطيف الخاطر بعؤيب فتقوله شعراً ثم تصوغه لحناً ثم توقعه غناء يستطير قلب الحكيم ويستخف وقار الحليم، ومن شعرها ولحنها وغنائها قولها:

لو كان يقدر أن يبثك ما به

لرأيت أحسن عاتب يتعتب

حجبوه عن بصري فمثَّل شخصه

في القلب فهو محجب لا يحجب

ومنه:

أما الحبيب فقد مضى

بالرغم مني لا الرضا

أخطأ في تركي لمن

لم أُلْفَ عنه مُعْرضا

ومنه:

إذا كنت تحذر ما تحذر

وتزعم أنك لا تجسر

فما لي أقيم على صبوتي

ويوم لقائك لا يقدر

ومن بديع إجازتها للشعر وتضمينها إياه، ما حدّث على ابن المنجم، قال:

دخلت يوما على عريب مسلماً عليها، فلما جلست هطلت السماء بمطر عظيم، فقالت: أقم عندي اليوم حتى أغنيك أنا وجواري وأبعث إلى من أحببت من

ص: 33

إخوانك، فأمرت بدوابي فردت، وجلسنا نتحدّث، فسألتني عن خبرنا بالأمس في مجلس الخليفة الواثق ومن كان وأي شيء استحسناه من الغناء، فأخبرتها أنّ صوت الخليفة كن لحناً صنعه بنان المغني من الماخوري، وكان من أعلم الناس باللحن والإيقاع فقالت وما هو؟ فقلت:

تجافي ثم تنطبق

جفون حشوها الأرق

وذي كلف بكى جزعا

وسفرُ القوم منطلق

به قلق يململه

وكان وما به قلق

جوانحه على خطر

بنار الشوق تحترق

فوجهت عريب رسولا إلى بنان فحضر وقد بلته السماء، فأمرت بخلع فاخرة فجعلت عليه، وقدّم له الطعام فأكل، وجلس يشرب معنا، فسألته عن الصوت فغناها إياه، فأخذت دواة ورقعة وكتبت:

أجاب الوابل الغَدِق

وصاح النرجس الغَرِق

وقد غنى بنان لنا

جفون حشوها الأرق

فهاك الكأس مترعة

كأن ختامها حدق

قال علي بن المنجم: فما شربنا يومنا إلا على هذه الأبيات.

ومن عجيب وفاء عريب لفنها ونسيان ذاتها في سبيله ما حكاه صالح بن علي بن الرشيد قال: تمارى خالي أبو علي والمأمون في صوت، فقال المأمون أين عريب؟ فجاءت وهي محمومة، فسألها عن الصوت فقالت فيه بعلمها، فقال لها غنيه، فولت لتجيء بالعود، فقال غنيه بلا عود. فاعتمدت من الحمى على الحائط وغنت، وأقبلت عقرب فرأيتها وقد لسبت يدها مرتين أو ثلاثا فما نحت يدها ولا

سكتت حتى فرغت من الصوت، ثم سقطت وقد غشى عليها.

ص: 34